لقد اكتشفت أنني قد استشهدت عدة مراتٍ خلال أقلّ من عام بمقولة "كارل ماركس" الشهيرة:
- التاريخ يكرّر نفسه مرّتين، مرّه كمأساة وأخرى كمهزلة؟
وفي كل مرة كان "ماركس" محقَّاً، لكنني، بعد الضجيج الذي اندلع في "إيران" عقب انتحار الفتاة الكوردية "فريناز خسرواني" عندما حاول موظف إيرانيٌّ اغتصابها اكتشفت أن الحدث آنذاك هو الذي كان محقَّاً لا "ماركس"، فالعبقرية كانت للحدث الذي أبي إلا أن يفرض عليَّ طريقته في النظر إليه، اكتشفت أيضًا أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه كمأساة في المرتين، أو مهزلة في المرتين، وربما، أفرط التاريخ في تكرار نفسه مئات المرات لا مرتين، لكن، أن يكرر التاريخ نفسه بهذا الغباء فهذا يكفي لأن يورِّط المرءَ في الدهشة من كل جانب!
لا يخفي علي أحد أن أخبار الاضطرابات التي تعيشها مدينة "مهاباد" طارت أصدائها إلي كل مكان، وتصدرت نشرات الأخبار بكل لهجات الكوكب، وصار يمكنني الآن أن أؤكد أن رغبة حزب "كومله" الكردستاني هناك في تربية الاضطرابات هي الأصل، وما انتحار "فريناز خسرواني" إلا الحجة والعذر المؤقت، ربما لأهداف سياسية مشروعة، وربما، لأهداف أخري مدفوعة الأجر تأتي من خارج أسوار "إيران" لأجهزة مخابرات عالمية وإقليمية فيها نبضٌ أكيد!
رائحة المكان هي مكمن الخطورة هنا، ذلك أن لمدينة "مهاباد" مكانة رمزية ليست لغيرها لدي كل الأكراد في العالم، فهي الرحم الذي خرجت منه إلي الأفق السياسي النسخة الأولي من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي شكل جمهورية "مهاباد" عام 1946، كما أن هذا الحزب هو المصدر المفصلي لكل الأحزاب الكردية علي سطح الكوكب، وأياً كانت المآلات، لقد نجح حزب "كومله" في استغلال الحادثة حتي جذور أعصابها، علي الرغم من كونها حادثة أليفة يحدث مثلها يوميّاً في كل مكان!
فتاة كوردية تعمل في خدمة الغرف بأحد فنادق المدينة حاول أحد الموظفين في وزارة السياحة اغتصابها بالتواطؤ مع صاحب الفندق، مقابل تصعيد فندق الأخير إلي "خمسة نجوم"، فعاقبت الوغدين بطريقتها الخاصة، لقد قفزت من النافذة فلقيت حتفها أمام المارة في الشارع علي الفور، كانت هذه هي أكثر الروايات احترامًا للمنطق حتي الآن!
عندما قرأتها منذ أيام مضت لأول مرة انتابني إحساس تام الدوائر بأنني رأيت هذه الحادثة بنفس التفاصيل منذ زمان بعيد، لقد استجاب لها جيبٌ مهجور في ذاكرتي لم أكن أظن أبدًا أنه ما زال عامرًا، كانت المشكلة التي واجهتني في البداية هي أنني لا أعرف من أين كان يهب هذا الإحساس، وعقب عدة محاولات استدعاء كانت تتفتت سريعًا إلي لا شئ تذكرت فجأة اسم "أفول"، ومن عدة تجارب سابقة، كان هذا كافيًا بالقدر الذي يلهمني أن لهذا الإسم علاقة بتلك الحادثة، وسألت "جوجل" الذي لا يخذل أحدًا عن فتاة كوردية اسمها "أفول" ماتت منتحرة فخذلني، لكن، ظهور اسم "أسامة بن منقذ" في بعض نتائج البحث كان كافيًا جدًا لأن أتذكر تفاصيل الحادثة، لقد كان "الاعتبار، كتاب الأمير "أسامة بن منقذ" هو مصدرها، قال:
"وكان في جند الجسر رجل كردي يقال له "أبو الجيش" وله بنت اسمها "رفول" قد سباها الإفرنج، وهو قد توسوس عليها يقول لكل من لقيه يومًا:
- سُبيت رفول!
فخرجنا من الغد نسير على النهر فرأينا في جانب الماء سوادًا، فقلنا لبعض الغلمان:
- اسبح ابصر ما هذا السواد!
فمضى إليه فإذا ذلك السواد "رفول"، عليها ثوب أزرق وقد رمت نفسها من على فرس الإفرنجي الذي أخذها فغرقت، وعلق ثوبها في شجرة الصفصاف، فسكنت لوعة أبيها "أبي الجيش" فكانت الصيحة التي وقعت في الإفرنج وهزيمتهم وهلاكهم من لطف الله عز وجل لا بقوة ولا بعسكر"
يجب الآن أن أعترف أن احتجاجات "مهاباد" لم تنبه لدي أي نظرية، ولا يعنيني أصلاً التكهن بإلي أين سوف تسير أو كيف تنتهي أو تراكماتها، فالأمور تبدو علي غير حقيقتها أحيانًا، غير أن قلبي قد التقط بحفاوة تلك الرمزية في انتحار "فريناز خسرواني"، لقد بات جليَّاً الآن أن تلك القوة التي أفصح الكورديات عنها في "كوباني" وجعلت العالم يصاب بالدوار لم تولد من فراغٍ، كما بات الآن جليَّا أن في العرق الكوردي نبضة منعزلة تخصه وحده، كل شئ ينتمي إليهم يعزف منفردًا عن قوميات أخري صارت عفنًا وشوفينية فارغة، كل شئ، موسيقاهم، أدبهم، أساطيرهم، جمالهم الإنساني، وأحلامهم الكبيرة ببياض وجه القادم!
ولا شك في أن اكتراث الكورديات علي الدوام لعفتهن بهذا الشكل أمرٌ يدعو للحيرة وللإعجاب في آن معًا، وإن من المؤسف أن ذلك الاكتراث المميت للعفة توقف عن أن يكون من بين اهتمامات الغالبية العظمي من النساء العربيات، كهذه، علي سبيل المثال:
امرأة عربية مسنة اختطفها بعض الخارجين عن القانون واغتصبوها، عندما ألقي القبض عليهم تم استدعاؤها إلي النيابة لتدلي بشهادتها، وبعد أن أخذ "وكيل النيابة" أقوالها لاحظ أنها لا تنصرف، فقال لها:
فسألته:
- هو مش المفروض إن المجرمين دول يمثِّلوا الجريمة؟
وداعًا فريناز خسرواني، لكن، آه لو روَّضتِ عقلك يا جميلتي منذ البداية علي تصديق أن هذا العالم كريه بالقدر الذي يكفي لأن لا يكون للضعفاء مكان فيه، وداعًا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق