01 سبتمبر 2018

محمد سيف الدولة يكتب: القوات الامريكية فى مصر مجددا


Seif_eldawla@hotmail.com
للسنة الثانية على التوالى، تعود "مناورات النجم الساطع" بين الولايات المتحدة ومصر ودول اخرى بعد ان كانت قد توقفت فى الفترة من 2010 الى 2016.
وهى المناورات التى قال عنها الأمريكان انها كان لها دورا محوريا فى نجاح غزوهم للعراق، حيث قدمت مصر لهم ولحلفائهم من القوات الاوروبية، بيئة تدريبية صحراوية قريبة الشبه بالبيئة العراقية.
والتى قالوا عنها ايضا ان من اهدافها تغيير العقيدة العسكرية المصرية من شرقية الى غربية، وتوثيق العلاقات بين العناصر العسكرية للطرفين كخطوات هامة فى طريق بناء ورعاية التعاون و"التحالف" العسكرى بين مصر وامريكا.
***
بدأت هذه المناورات، وياللعجب، فى اوائل الثمانينات بعد سنوات قليلة من حرب 1973، تلك الحرب التى قاتل فيها العدو الأمريكى الى جانب (اسرائيل)؛ فاقام لها جسرا جويا لنقل السلاح لاجهاض النصر المصرى، وقام بمدها بالمعلومات اللازمة لتنفيذ ثغرة الدفرسوار، التى قلبت الموقف العسكرى وعصفت بالنتائج السياسية للحرب. تلك النتائج التى لا نزال نعيش تحت وطأتها الثقيلة حتى يومنا هذا.
فجاءت المناورات مع ترتيبات أخرى لتعطى لهذا العدو الامريكى موطئ قدم استراتيجى متقدم فى مصر وفى المنطقة، ولتمثل اختراقا خطيرا للأمن القومى المصرى والعربى.
***
وعلى امتداد ما يقرب من 40 عاما، وقفت ضدها ورفضتها كافة القوى الوطنية المصرية، واعتبرتها أحد أهم تبعات ومظاهر التبعية للأمريكان، هذه التبعية التى كانت على رأس اسباب نضالهم ضد نظام مبارك.
***
تعود اليوم هذه المناورات مرة أخرى، لتثبت حميمية وعمق واستقرار وديمومة العلاقات بين النظام المصرى بين البنتاجون، بصرف النظر عن التوترات التى قد تحدث أحيانا مع أى مؤسسات أمريكية أخرى، وبصرف النظر على اى شخصيات أو احداث او ثورات او تغيرات جرت فى مصر خلال السبع سنوات السابقة (2011ـ 2018).
***
وكان المتحدث العسكري المصري، قد صرح بوصول عدد من المعدات والقوات الأمريكية المشاركة في تدريبات النجم الساطع 2018، إلى إحدى القواعد الجوية المصرية والتي من المقرر أن تنفذ فى الفترة من 8 ـ 20 سبتمبر 2018، بقاعدة محمد نجيب العسكرية ومناطق التدريبات البحرية المشتركة بنطاق البحر الأبيض المتوسط".
وعن الدول المشاركة قال انها "عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية والقوات الخاصة لكل من مصر وأمريكا واليونان والأردن وبريطانيا والسعودية والإمارات وإيطاليا وفرنسا، كما وجهت الدعوة لعدة دول للمشاركة بصفة مراقب فى التدريب من بينها (لبنان، رواندا، العراق، باكستان، الهند، كينيا، تنزانيا، أوغندا، الكونغو الديمقراطية، تشاد، جيبوتي، مالي، جنوب أفريقيا، النيجر، السنغال وكندا)".
***
اما بيان السفارة الامريكية فى القاهرة فلقد ذكر ((ان هذه المناورات قد بدأت كنتيجة لاتفاقية كامب ديفيد وانها تستند على العلاقات الأمنية الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة والشراكة التاريخية ..
وانها تعد رمزا مهما للعلاقة طويلة الأمد والإستراتيجية بين الجيش الأمريكي والقوات المسلحة المصرية، وأحد الطرق العديدة التي نتشارك من خلالها مع مصر للتعامل مع التهديدات المشتركة للأمن الإقليمي...
ويشارك حوالي 800 من أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية في مناورات النجم الساطع، وسيكون التركيز هذا العام على الأمن والتعاون الإقليميين، بالاضافة إلى تعزيز العمل المشترك في سيناريوهات الحرب غير النظامية.
وتعزز المشاركة في هذه المناورات العلاقات العسكرية المتبادلة بين القوات الأمريكية والمصرية في منطقة مسؤولية القيادة المركزية .. (القيادة المركزية الامريكية المعروفة اختصارا بـ "سنتكوم" هى الادارة المسئولة عن منطقة الشرق الاوسط ومصر باستثناء اسرائيل، والتى تقع ضمن نطاق القيادة العسكرية الامريكية فى اوروبا لتنظيم القوات الامريكية وحلفائها من داخل حلف شمال الاطلسى ومن خارجه.)
وأن الولايات المتحدة ستظل شريكا لمصر ملتزما بدعم الحكومة والشعب المصري من خلال التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني.))
***
تأتى المناورات هذا العام وسط عديد من المتغيرات الامريكية والاقليمية، على راسها قرار الرئيس الامريكى بإجهاض ربع قرن من اوهام السلام العربى/الفلسطينى بعد ان اعترف بالقدس الموحدة عاصمة لاسرائيل. وكذلك وسط المساعى والدعوات الامريكية الاسرائيلية لتأسيس ناتو عربى/اسرائيلى فى مواجهة إيران، بالاضافة الى التلويح بحرب ايرانية اسرائيلية، مع وجود تعبئة وحشود عسكرية امريكية وروسية فى شرق المتوسط على خلفية الوضع الملتهب فى سوريا.
وهو ما كان يستدعى على أضعف الايمان أن تتخذ مصر موقفا أكثر استقلالا وأشد صلابة وأن تنأى بنفسها فى هذه الفترة على الأقل عن الانحياز للولايات المتحدة وأن تمتنع عن المشاركة معها فى اى مناورات او ترتيبات او تحالفات او انشطة عسكرية، وان تقدم اعتذارا رسميا عن اجراء هذه المناورات هذا العام، خاصة وانه كان من المعتاد والمتبع والمتفق عليه بين الطرفين ان تتم هذه المناورات كل عامين، وهو ما يعنى أن موعدها الطبيعى يجب ان يكون فى 2019، ولكنه اعتذار لم يحدث!
***
جاءت القوات الأمريكية، وصدرت بيانات رسمية مصرية وامريكية، أما القوى الوطنية المصرية، فلقد كانت هى الطرف الوحيد الذى التزم الصمت، رغم انها لم تتوقف منذ عام 1980 ولعقود طويلة عن ادانتها لهذه المناورات ورفضها التام لفتح الاراضى المصرية ومياهنا الاقليمية ومجالنا الجوى لاى قوات امريكية مع المطالبة المستمرة بتحرير مصر من علاقات التبعية مع الامريكان، ومن الانخراط فى احلافهم العسكرية أو ترتيباتهم الاقليمية.
فهل تغيرت المبادئ والثوابت والمواقف والمعايير، ام هو الاستبداد وتكميم الأفواه واعلام الصوت الواحد، أم أنه الخوف من السلطة ومن يدها الباطشة؟
*****
القاهرة فى أول سبتمبر 2018

29 أغسطس 2018

خطير .. اسرائيل الكبري تلتهم كل الوطن العربي في خرائط تنشرها صحف قبرصية

بحسب المحامي الامريكي مارك افنغتان المتحيز لاسرائيل  حيث ارسل في رسالة الي المدونة تلك الخرائط التي تكشف هيمنة تل ابيب على الوطن العربي باكمله قريبا



فيديو تحريضي ضد ايران ممولا من السعودية على ما يبدو
https://www.youtube.com/watch?v=jlSaOXH7FjU

28 أغسطس 2018

سيد أمين يكتب :التصفية الجسدية.. الطغيان الأكبر في مصر

الثلاثاء 28 أغسطس 2018 16:58
 لا يمر شهر واحد في مصر دون إعلان وزارة الداخلية تصفية عدد ممن تصفهم بـ "الإرهابيين" الذين تلحقهم تارة بولاية سيناء أو تنظيم الدولة أو حركة حسم وغيرها، ثم تلحق هذا الإعلان عادة بعبارة "إن الإرهابيين قتلوا أثناء اشتباك مع قوات الشرطة".
ولم يحدث مطلقا أن قامت القوات بالقبض على أي من هؤلاء الإرهابيين المزعومين أحياء أو حتى اكتفت بإصابتهم، وهو الدور المنوط بها كيلا تكون هي الخصم الذي يصدر لائحة الاتهام وهي أيضا من تصدر الحكم بالإعدام، وهى من تنفذه دون حتى تسجيل فيديو واحد متكامل لعمليات الدهم تلك.
ثم سرعان ما يعلن الطرف المقابل من ذوي هؤلاء القتلى عن شهادات مكتوبة أو مرئية وبلاغات قديمة للجهات الأمنية تؤكد أن ذويهم كانوا محتجزين من قبل جهات الأمن نفسها، أو أنهم قتلوا في عمليات إعدام ميداني دون أدني مقاومة منهم.
ومع ذلك لا أحد يتحرك أو حتى يجري تحقيقا شفافا في كل هذه الاتهامات، خاصة أن أجهزة الدولة الخاصة بتحقيق العدالة إما أن تصر على الرواية الأمنية، وإما أنها تلتزم الصمت على تلك الاتهامات المروعة في أكثر أوقات الحياد لها، أو تتجرأ فتبادر بفتح تحقيقات سرعان ما تموت في الأدراج كما حدث في القتلى الخمسة الذين اتهمتهم أجهزة الأمن بقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وهى نفسها من نفت ذلك وفتحت تحقيقا لم يعرف أحد نتيجته منذ أكثر من عامين.
كل ذلك يحدث على مسمع ومرأى من الداخل والخارج ولا أحد يجرؤ في الداخل أن يطالب باستجلاء الحقائق بشكل عملي حماية للعدالة
نحن هنا لا نكذب الروايات الرسمية، ولكن نطالب بتقديم الإجابات المنطقية أو الموثقة على الوقائع بدرجة تجعلنا نصدقها ولا نتساءل مجددا اقتناعا وليس خوفا من عاقبة السؤال.
الغموض والقوة المفرطة
أخشى أن يكون هذا الأسلوب –  أسلوب الغموض والأبواب المواربة والقمع المفرط – مقصودا في حد ذاته من أجل تكوين شعور عام بأن السلطة ليست بحاجة لتقديم المبررات لما تفعل، وأنها تفعل ما تريد وقتما تريد دون أي بواعث على القلق أو حرص على الشفافية، ويجب على الجميع الاستسلام والتسليم بما يفعلون أو يقولون دون قيد أو شرط ، وذلك آملا في تحقيق حكمة المفكر السياسي الايطالي الأشهر في التاريخ نيقولا مكيافيللي بأن القوة المفرطة تصنع صديقا مخلصا، وأنه حينما تعاقب خصما لك فيجب أن تعاقبه بالطريقة التي تغنيك من خشية انتقامه.
إن كان كذلك فالثمار أتت أكلها، لا أحد في مصر الآن إلا ويشعر بالخوف وعدم الأمان والقلق مما يحمله المستقبل، وبواعث هذا الشعور لا تعود كما يمكن أن يصوره البعض إلى ضعف قوة السلطة، بل منها ومن جنونها وقوة بطشها، وانهيار منظومة العدالة فيها.
وكرست لتنامي هذا الشعور عوامل عديدة أهمها الغلاء والفساد وتفشى الواسطة والمحسوبية وتوحش الطبقية وعودة الإقطاع وإمساكه بمفاصل الدولة، فضلا عن تلك المظلوميات التي لا تنتهي التي يسمعها ويقرؤها ويعيشها المصري منذ أن يفتح عيناه صباحا حتى يخلد للنوم ليلا، مع تنامي الوعي لديه بأن شبكة المصالح التي تربط جلاديه ببعضهما البعض، أو تربطها بقوي إقليمية ودولية، عصية على الكسر، وكل ما تفعله سيغض العالم الطرف عنه.
الحرب النفسية
وإذا كان الخوف والأمان هما فقط مجرد شعور، فان بث الشعور بعدم الأمان قد يكون مقصودا من قبل النظام الحاكم من أجل تركيع المجتمع في إطار ما يسمي بـ "الحرب النفسية"، وقد يتعمد في سبيل ذلك تسريب جوانب من الفظائع التي تجري بحق المعتقلين أو مناوئيه لهذا الهدف.
وعمليا فان الحشود الهادرة المحتجة التي نزلت شوارع المدن المصرية الكبرى في أشهر الانقلاب الأولى، كانت من الكثرة والإصرار ما تعجز أي قوة عسكرية عن التغلب عليه، هنا تم التركيز على استخدام أساليب الحرب النفسية، التي كان من أهم أدواتها إهدار قيمة المنطق والقانون، والتهويل والتهوين في غير موضعيهما، وهي الحالة التي انتهت مؤخرا بسن قوانين غير منطقية تلغي دور الشهود في المحاكم، فضلا عن عدم تكلف السلطة بخلق تبريرات وذرائع قانونية لارتكاب أي جرائم.
كما جيشت السلطة قطاعات غير ناضجة فكريا من المجتمع لتكون حائط الصد الأساسي الذي يحول دون وصول غضب الحراك الشعبي إليها وهو ما أشاع حالة من الإحباط لدي كثيرين من أبناء هذا الحراك.
 العنصر الأكثر بطشا
وإذا كانت أدوات السلطة هي الجيش والشرطة والقضاء فالسؤال الآن؛ ما هو العنصر الأكبر تأثيرا في تشكيل خوف المصريين؟ هل هي القبضة الأمنية المفرطة؟ أم انهيار القضاء ومنظومة العدالة؟ أم قوة الدعم الإسرائيلي والغربي لهذا النظام؟ آم أن الثورة قد وصلت لحالة من الوهن والإنهاك قادت الناس إلى اليأس بعد سبع سنوات من المقاومة؟
ظاهريا تبدو كل تلك الأسباب مجتمعة وراء ذلك، لكن كان لانهيار منظومة العدالة خاصة في القضاء الطعنة الغائرة في جسد الثورة والتي سببت لها الوهن والوجع الشديد، وذلك لأن الدعم الغربي والإسرائيلي ما كان له تأثير في الداخل إلا عن طريق غض الطرف عما يرتكبه النظام من جرائم بحق معارضيه في الداخل، وما كان للحراك أن يتوقف آنذاك إلا عندما لمس الناس أن مؤسسة العدالة والمفترض فيها رفع الظلم أصبحت أحد أكبر الخصوم.
انهيار منظومة العدالة هي الطغيان الأكبر في مصر.

اقرأ المقال كاملا بالنقر هنا علي موقع الجزيرة نت


محمد سيف الدولة يكتب : جائزة الكونجرس الذهبية للنظام المصرى

Seif_eldawla@hotmail.com
ان الجائزة الذهبية التى منحها الكونجرس الأمريكي منذ أيام قليلة للسادات، لم تكن له وحده بطبيعة الحال، بل هى لكل النظام الحاكم فى مصر بكل مؤسساته؛ هى لنظام كامب ديفيد الذى تأسس فى 18/1/1974 مع مفاوضات فض الاشتباك الاول، ولا يزال يحكمنا حتى اليوم بدون منافس او منازع.
***
انه نظام السادات، ومبارك، والسيسي بامتياز، بل ان توقيت التكريم ومنح الجائزة هذه الايام، يفيد بانها موجهة أصلا الى عبد الفتاح السيسى الذى اثبت انه تلميذ نجيب لأنور السادات، بل انه قد تفوق عليه بمراحل، حيث لم يحدث من قبل أن بلغت العلاقات المصرية الاسرائيلية هذه الدرجة من التقارب والتنسيق التى لا تتم الا بين الحلفاء.
ذكر البيان الذى اصدره الكونجرس فى هذا الشأن أن هذا التكريم يمنح الرئيس المصري الراحل ميدالية الكونغرس الذهبية "اعترافا بإنجازاته التاريخية ومساهماته الشجاعة لإحلال السلام بالشرق الأوسط".
والسلام كما نعلم جميعا فى القاموسين الامريكى والاسرائيلى معناه امن (اسرائيل). اى انها فى الحقيقة جائزة امريكية توهب لاى حاكم أو نظام مصرى أو عربى يقدم خدمات جليلة واستراتيجية لاسرائيل وامنها.
وهذا بالتحديد ما فعله السادات ويفعله منذئذ نظام كامب ديفيد فى مصر بكل رؤسائه ومؤسساته. فلقد ترتب على المعاهدة، عدة نتائج ضربت الامن القومى المصرى والعربى فى الصميم ودعمت امن اسرائيل لعقود طويلة قادمة، نعرض اهمها فيما يلى:
1)   اولا انحازت المعاهدة الى الامن القومى الاسرائيلى على حساب الامن القومى المصرى، وابقت سيناء رهينة دائمة بإمكان (اسرائيل) ان تعيد احتلالها وقتما تشاء خلال ايام. اذ تم تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، فأقرب دبابة اسرائيلية تبعد عن الحدود المصرية 3 كيلومتر، فى حين ان أقرب دبابة مصرية تبعد عن نفس النقطة 150 كيلومتر، الا إذا أذنت (اسرائيل) بنشر قوات مصرية اضافية كما يحدث اليوم لمواجهة الجماعات الارهابية. وهو ما يمثل تهديدا مستمرا وضغطا هائلا على الارادة المصرية، يجعل أى نظام حاكم يفكر ألف مرة قبل ان يقدم على اى سياسة او خطوة تغضب منه الولايات المتحدة أو اسرائيل.
2)   ناهيك عن سقوط مصر فى مستنقع التبعية الكاملة للولايات المتحدة منذ ذلك الحين، وهو سبب اضافى بطبيعة الحال لتكريم الكونجرس الامريكى للسادات وخلفائه ونظامه.
3)   وأدى سلام السادات وانسحاب مصر من الصراع فى مواجهة العدو، الى تجريد الدول العربية الاخرى من القدرة على مواجهة (اسرائيل) عسكريا، اذ لا حرب ممكنة بدون مصر، وفقا للحقيقة الثابتة والمستقرة تاريخيا منذ الحروب الصليبية.
4)   كما انه وجه ضربة قاصمة الى فلسطين وقضيتها، بعد ان قامت أكبر واقوى دولة عربية بالاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيونى لـ 78 َ% من ارض فلسطين التاريخية التى يطلقون عليها اليوم اسم (اسرائيل).
5)   وتمكنت (اسرائيل) من الانفراد بالفلسطينيين بعد المعاهدة، فقامت باجتياح بيروت عام 1982 وحصار المقاومة ونفى قواتها الى تونس ومناطق اخرى، وتسوية القيادة هناك على نار هادئة الى ان تمكنت من اخضاع ارادتها فى اوسلو 1993 وارغامها على الاعتراف بشرعية الكيان الصهيونى والتنازل له عن فلسطين 1948، ومنذئذ و(اسرائيل) ترفض الانسحاب من اى اراضى محتلة، بل وتحتل المزيد منها كل يوم، الى ان وصلت اليوم الى الاستيلاء على 60% من مساحة الضفة الغربية اليوم، واعلنت القدس الموحدة عاصمة لها باعتراف وتشجيع ومباركة امريكية.
6)   ولقد أدى كل ذلك الى تحويل (اسرائيل) الى القوة الاقليمية العظمى فى المنطقة، مقابل تراجع وتدهور الدور المصرى الى ادنى مستوي له فى العصر الحديث.
7)   كما انه ضرب وفكك القضية المركزية الوحيدة التى كانت تجمع الدول العربية وتوحدهم، رغم اختلافاتهم وصراعاتهم الكبرى، ليتحول بعدها الصراع فى المنطقة من صراع عربى/صهيونى الى عشرات الصراعات العربية/العربية.  
8)   كما انه حين كسرت مصر المقاطعة الدولية لاسرائيل، فان عشرات من دول العالم قامت بالاعتراف باسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية معها، مما اعاد ضخ دماء جديدة فى جسد الاقتصاد الاسرائيلى وخفف العبء عن كاهل الولايات المتحدة والرعاة الغربيين.
9)كما شجع اعتراف مصر (باسرائيل)، كل القوى الطائفية فى المنطقة، على محاولة تكرار نموذج الدولة اليهودية، فضربت الفتن الطائفية والمذهبية والحروب الاهلية عديد من الاقطار العربية، وبرزت الدعوات الى الانفصال والتقسيم، فى محاولات للاحتذاء بنموذج الدولة "اليهودية" والعمل على انشاء دويلات أو امارات سنية وشيعية وكردية ومارونية ..الخ
10)وعاشت مصر منذ ذلك الحين اخطر انشقاق وطنى تشهده منذ الاحتلال البريطانى لها عام 1882، حين استدعى الخديوى توفيق حاكم مصر قوى الاحتلال واستنجد بها وطلب حمايتها، فاذا بعد ما يقرب من قرن من الزمان، تأتى اتفاقيات كامب ديفيد لتوجه هى الأخرى اكبر ضربة الى الوحدة الوطنية وتقسم مصر الى معسكرين؛ فى الاول يقف غالبية الشعب وقواه الوطنية ترفض التبعية الامريكية والصلح مع (اسرائيل) والاعتراف بها والتطبيع معها، وفى الثانى يقف نظام كامب ديفيد، مجردا من اى شرعية وطنية ولكنه مسلح بكل ادوات القمع الممكنة.
11)هذا بالإضافة الى ما حدث من اغتيال للروح الوطنية للمصريين، بعد ان تحول العدو فى لحظة الى صديق، وبعد أن اعلنت السلطة الحاكمة انه لا قبل لها بمواصلة قتال (اسرائيل) حتى النهاية، فدفعت غالبية المصريين الى الكفر بالسياسة وبالوطنية وبالانتماء الوطنى، وانصرفوا الى البحث عن ملاذات وانتماءات بديلة عن هذا الوطن المستسلم لألد أعداء الأمة، فانتشرت الدعوات والحركات الطائفية والمذهبية والنزعات القبلية والفردية.
12)  وما صاحب كل ذلك من تغييب وتضليل وتزييف لوعى الاجيال الجديدة، وحصار للقوى الوطنية المصرية المعادية لإسرائيل والداعمة لفلسطين، واضعافها ومطاردتها سياسيا وامنيا.
***
هنيئا لكم جائزة الكونجرس ورضا الامريكان وصداقة (اسرائيل) ودعم واعتراف كل الشرعيات الدولية، ولا عزاء لمصر العربية وفلسطين وكل الامة الا بعد استرداد مصر، واستعادة الاستقلال، والتحرر من عار وقيود كامب ديفيد باذن الله.
*****
القاهرة فى 28 اغسطس 2018

26 أغسطس 2018

محمد سيف الدولة يكتب: التراخيص السياسية في مصر

Seif_eldawla@hotmail.com
 ليس صحيحا ان حق العمل السياسي والمشاركة السياسية مكفولان لكل المصريين بموجب الدستور والقانون،
فيجب أولا ان يكون مسموحا لك بذلك من قبل من يحكمون البلاد، وألا يكون اسمك على "القوائم السوداء". وأن تحترم وتتواءم مع الخطوط الحمراء التى يضعها رئيس الدولة واجهزته الامنية وكل مؤسساته، فلا تخالفها او تختلف معها، حتى لو كان الاختلاف معها حق يكفله لك الدستور والقانون.
***
ولكل عصر ولكل رئيس شروطه وخطوطه الحمراء التى قد لا تتطابق مع اسلافه او خلفائه، بل ان هذه الخطوط ذاتها قد تتغير أكثر من مرة فى ظل حكم الرئيس الواحد:
· ففى عصر عبد الناصر على سبيل المثال تغيرت الخطوط الحمراء للنظام عدة مرات تجاه عدد من الملفات والقضايا والقوى السياسية: فما كان مشروعا من الممارسة السياسية والحزبية 1952ـ 1953 أصبح محظورا بعد الغاء الاحزاب، كما تغيرت التوجهات الاقتصادية وخطوطها الحمراء مع التأميم عام 1961عما كانت عليه قبل ذلك من تشجيع القطاع الخاص ومحاولات اقناعه بالمشاركة في الخطة الاقتصادية الاولى. كما تغير موقف السلطة من الشيوعيين المصريين من حظر واعتقال وادانة قبل 1964، الى السماح لهم بالمشاركة فى الحياة السياسية والانضمام الى الاتحاد الاشتراكى العربى، وتغير موقف القيادة السياسية من الشللية ومراكز القوى داخل الجيش بعد عام 1967 وهكذا.
***
·اما السادات فلقد تغيرت موازينه وخطوطه الحمراء 180 درجة بعد حرب 1973 فتحول من عدو للأمريكان الى حليف وتابع لهم، ومن العدو الاول لإسرائيل الى العربى الوحيد المعترف بها والمتصالح معها، وتغيرت طبيعة النظام الاقتصادي وقواعده ومحرماته وانحيازاته الطبقية بصدور قانون الانفتاح الاقتصادي عام 1974، كما تغيرت عام 1977ـ 1978 قواعد الممارسة السياسية من نظام التنظيم الواحد الى التعدد الحزبي الشكلي والمقيد وهكذا.
***
· اما مبارك فلقد سار على نهج السادات لا يحيد عنه فى علاقاته بالأمريكان وبإسرائيل وبنادي باريس ومؤسسات الاقراض الدولى وفى انحيازاته الطبقية الرأسمالية، الا انه حدث تغيران كبيران فى عصره الممتد 30 عاما، الاول كان بعد الغزو الامريكى للعراق عام 2003 حين قرر توسيع الهامش الديمقراطى للمعارضة تحت الضغوط الامريكية التي كانت تدعى زورا وبهتانا انها أتت للمنطقة لنشر الديمقراطية وإنقاذ الشعوب من مستبديها، وهو الهامش الذى سمح بظهور حركات مثل كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وحملة توكيلات البرادعى وانتفاضة القضاة وتأسيس حركة 6 ابريل...الخ، والتى كان لها دورا كبيرا فى التمهيد لثورة يناير، وحين اراد مبارك ان يلملم الأمور ويعيدها الى ما كانت عليه ويلغى هذا الهامش الديمقراطى ويزور الانتخابات البرلمانية تزويرا كاملا عام 2010، انفجرت البلاد فى وجهه متأثرة بما حدث فى تونس.
اما التغير الثاني فى عصر مبارك فكان محاولته الانقلاب على "مراكز القوى" الحاكمة والمتحكمة منذ عقود طويلة والمتمثلة في الجيش وباقي مؤسسات الدولة العميقة واستبدالهما بشلة جمال مبارك واحمد عز وشبكات المصالح المحيطة بهما، فكانت نتيجة ذلك التعجيل بسقوط عرشه.
***
· أما خلال ثورة يناير، عليها رحمة الله، فلم تكن هناك تقريبا خطوط حمراء، فكانت الحقوق والحريات بكل اشكالها وانواعها بلا أسقف أو قيود؛ حق التظاهر مكفول للجميع بدون تصاريح او حتى اخطارات، حرية تامة فى تكوين الاحزاب والجمعيات والنشر واصدار الصحف، حق الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية مفتوح للجميع، نزاهة انتخابية لم ترَ لها مصر مثيلا من قبل او من بعد. المنابر الاعلامية من صحف وفضائيات متاحة لكل الآراء بدون تمييز .. وغيرها الكثير.
***
·اما اليوم فان الشروط والخطوط الحمراء واضحة للجميع بدءاً بمن يريد ان يحصل على أى تأشيرات أو موافقات امنية بالمشاركة فى الحياة البرلمانية أو السياسية او الاعلامية، ومرورا بمن لا يطمح الا فى كتابة مقال صحفى فى اى جريدة مقروءة، الى آخر من يريد أن يتجنب وضع اسمه فى القوائم السوداء وما قد يترتب علي ذلك من عواقب وعقوبات، تبدأ بالحظر والحصار وتنتهي بالسجن. أما اهم هذه الشروط والخطوط الحمراء فهى:
·تمجيد عبد الفتاح السيسى ومؤسسات الدولة بمناسبة وبدون مناسبة.
· والامتناع تماما عن توجيه اى انتقادات إليهم او الى سياساتهم ومواقفهم؛ مثل التقارب الحالى بين مصر و(اسرائيل)، والانخراط فى تحالفات اقليمية تحت قيادة الامريكان وآل سعود، وما يسمى بسياسات الاصلاح الاقتصادى التى ادت الى افقار المزيد من ملايين المصريين، واغراق مصر فى الديون الخارجية والمحلية، والتنازل عن تيران وصنافير للسعودية، وتبديد اموال طائلة على مشروعات مشكوك فى جدواها الاقتصادية مثل تفريعة قناة السويس وبناء العاصمة الجديدة...الخ.
· ادانة ثورة يناير واتهامها بالمؤامرة وبالكارثة، ونفى أى صفة ثورية أو ايجابية عنها.
·مع تمجيد 30 يونيو و3 يوليو وعدم توجيه اى انتقادات لها أو لما آلت اليه مع اعتبارها الثورة الوحيدة.
·تشويه وشيطنة كل من شارك فى ثورة يناير لا فرق فى ذلك بين إسلامي ومدني.
· مع تخوين الاخوان واتهامهم جميعا بالإرهاب والمطالبة باجتثاث كل التيار الإسلامي من الحياة السياسية.
·وكذلك تخوين أى معارضة أو معارضين مدنيين والمطالبة باجتثاثهم هم أيضا من الحياة السياسية.
·تحريم وتجريم وحظر اى تواصل بين التيارين المدنى والاسلامى.
·الامتناع التام عن توجيه اى نقد لسياسات الاستبداد والقبضة البوليسية مهما ارتكبت من تجاوزات، مع الاشادة بحالة الحريات وحقوق الانسان في مصر بما فى ذلك المعاملة داخل السجون!
· حظر اى انتقادات لانتخابات المرشح الرئاسى الواحد والوحيد، والاشادة بنزاهة الانتخابات، وتشويه اى مرشحين مستقلين.
·مع حظر اى انتخابات حقيقية على اى مستوى، فكله بالترتيب والتعيين.
·بالإضافة الى قوائم طويلة من الممنوعات والمحظورات مثل حظر التظاهر، وحظر المؤتمرات الجماهيرية، وحظر المواقع الالكترونية وحظر الصحافة الحرة وحظر الكتاب المعارضين، وحظر أى رأى آخر فى كل القنوات الفضائية المصرية، وحظر الانشطة النقابية والطلابية المعارضة او المستقلة، وحظر اى فاعليات او انشطة سياسية أو ثقافية أو حتى رمضانية يمكن ان تؤدى الى اجتماع الناس وتواصلها وتنظيم صفوفها وتنسيق مواقفها.
·الامتناع عن المشاركة في أي قناة فضائية خارجية تعارض السيسي.
· تفريغ حق التقاضي امام مجلس الدولة من دوره ووظيفته، بإهدار احكامه التي تصدر ضد قرارات الدولة.
·مع تحصين صفقات الخصخصة وبيع القطاع العام ضد الطعن عليها قضائيا.
· الاشادة بعدالة القضاء وبالمحاكمات العسكرية، وحظر المطالبة بالافراج عن أى معتقلين، والصمت التام عن أحكام الاعدام بالجملة والسجن المؤبد والمشدد والحبس الاحتياطي بدون أسقف زمنية بالمخالفة لنص القانون.
·العمل تحت اشراف وتوجيه أحد الاجهزة الامنية.
·وبشكل عام محظور حظرا تاما، أن يكون هناك شخص او حزب او حركة أو تيار معارض، قادر على الوصول الى قطاعات واسعة من الناس والتفاعل معها والتأثير فيها، حددها قانون جرائم الانترنت الصادر مؤخرا بـ 5000 فردا.
*****
القاهرة فى 26 اغسطس 2018

17 أغسطس 2018

قصة حياة مسلم

بقلم الراحل الدكتور/ عصمت سيف الدولة

1ـ حينما يدور الحديث المرسل عما جاء به الإسلام من شرائع يلتفت المتحدثون الى نماذج العقوبات التى وردت فى القرآن جزاء على خرق قواعد الحدود. يلفت اليها أن بعضها مثل الجلد والرجم وقطع اليد، لم تعد اليوم من بين العقوبات التى تفرضها القوانين الوضعية. لسنا نريد أن نخوض فى هذا الان لانه يطول، ثم يتوقف على أية نظرية تقوم مشروعية الجزاء. وهى نظريات متعددة. يكفى أن ننبه الى أن نظرية الجزاء فى الاسلام لا تقوم على أساس الانتقام قال تعالى:" ولكم فى القصاص حياة "( البقرة : 179 ) ( الاحتفاظ للجرم بجزاء شخصى فى الاخرة ، واستبدال الدية بالعقوبة والتوبة والعفو ) بل هى ، مثل كل أحكام الاسلام، قائمة على ما يحقق مصالح البشر، أو حماية المصالح كما يقال فى فقه القانون الجزائى، وذلك بالزجر الكافى والمناسب اجتماعيا للمحافظة على قوة الالزام فى القواعد الآمرة أو الناهية وهى " الحدود " أى الفوارق بين الحلال والحرام، وان كان قد جرى اطلاق كلمة الحدود مجازا على العقوبات. و اذا كان "لا اجتهاد فى الحدود"، فليس لأحد أن يبيح ما هو محرم، فان تقدير الجزاء الكافى والمناسب على خرق الحدود قابل للاجتهاد، وفيما يؤكد نفاذ القواعد ويحمى المصالح فى كل الظروف المتغيرة. من هنا فليس دقيقا فيما نرى، أن يقال ان عمر بن الخطاب قد عطل حد السرقة عام المجاعة. فما كان له أو لغيره أن يبيح ما حرم الله. ولكنه رأى فى ظروف معينة ان جزاء قطع اليد لا يؤدى غايته فى الزجر وحماية المال. ويدخل فى هذا كل ما اجتهد الأئمة فى إشتراطه للمسؤولية عن الجرائم فهى شروط متعلقة بايقاع الجزاء وليس بشرعية الفعل. هذا يكفى الآن حتى لا يغيب عن الانتباه أن الشرائع والقواعد و الآداب التى جاء بها الإسلام ليست مقصورة على الجرائم والمجرمين. بل هى تنظيم لعلاقات الناس وهم يمارسون حياتهم العادية السوية، فتربط بينهم وتحيلهم الى مجتمع إسلامي.
لنأخذ مثلا من حياة مسلم سوىّ.
2ـ كان صاحبنا يتبع ما يهديه اليه "عقله ومصلحته وهواه وشهوته" ثم شهد بألا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فأصبح مسلما: له على المسلمين حقوق المسلم وعليه للمسلمين واجبات المسلم. انه منذئذ لا يستطيع أن يتبع ما يهديه اليه "عقله ومصلحته وهواه وشهوته" وانما عليه أن يتبع "الشرائع والقواعد والآداب" التى جاء بها الاسلام. فان لم يفعل رده المسلمون الى ما يتفق مع الاسلام وأوقعوا به الجزاء الذى يردع غيره.
كيف؟
هداه"عقله ومصلحته وهواه وشهوته" الى أن "يعاشر" امرأة معينة وارتضت هى معاشرته على هدى عقلها ومصلحتها وهواها وشهوتها. لو تركا لما اهتديا اليه لتعاشرا. فيقو ل الاسلام لهما: لا. تعاشرا زواجا وليس سفاحا."محصنين غير مسافحين"(النساء: 24). فيقبلان الزواج. ولكن قبل ان يشرعا فيه يقدم لهم الإسلام قائمة بنساء موصوفات ليرى صاحبنا ما اذا كانت المرأة التى اختارها من بينهن أم لا. فان كانت من بينهن فلا زواج "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف، انه كان فاحشة ومقتا، وساء سبيلا. حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتى ارضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم، وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف، ان الله كان غفورا رحيما. والمحصنات من النساء"(النساء: 22-24).
ولقد يتحقق صاحبنا من أن المرأة التى اختارها وارتضته زوجا ليست من قائمة المحرمات، لانه هو نفسه كان قد تزوجها هى نفسها من قبل وطلقها ثلاث طلقات. وقد هداه "عقله ومصلحته وهواه وشهوته" الى ان يتزوجها مرة اخرى وقبلت هي. الاسلام يقول: لا. "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره "(البقرة : 230) . فلا يتزوجها صاحبنا بصرف النظر عن عقله ومصلحته وهواه وشهوته.
ولقد يضيق صاحبنا بالانتظار فيختار امرأة اخرى وترتضيه هى زوجا بعد أن يعرف من أمرها أنها كانت الى عهد قريب زوجا لغيره. فيتعجل الزواج فيقول الاسلام لا. لا تتعجل. ان كانت مطلقة فعليك أن تتأكد أولا من أنها غير حامل من زوجها السابق، ثم تتأكد ثانيا من انه انقضت على طلاقها ثلاثة اشهر وتعد الايام عدا "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فى أرحامهن " (البقرة: 228). فتأخذ صاحبنا الفرحة اذ أن من اختارها لم تكن مطلقة وإنما توفى عنها زوجها منذ أربعة أشهر ويهم بالزواج فيقول الاسلام: لا. ليس قبل عشرة أيام أخر. “والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا "(البقرة: 234).
وينتظر صاحبنا عشرة أيام لا تنقص يوما واحدا. ثم قد يهم بها وتهم به، فيقول لهما الإسلام: ليس قبل العقد، لان الزواج ليس فعلا بل هو عقد وميثاق غليظ:"وأخذن منكم ميثاقا غليظا" (النساء: 21). وقد يسر لصاحبنا:"عقله ومصلحته وهواه وشهوته" بتساؤل: وما الفرق؟ ان الفرق الان أن العقد لا ينعقد الا برضاكما. نحن راضيان. لا. لابد من أن يشهر العقد ليعلم الناس انكما راضيان. ثم ان عليك أن تدفع لها مهرا."وآتوهن أجورهن بالمعروف"( النساء: 25) كم ؟ لا يهم. انه رمز الالتزام وليس ثمن بضاعة تشترى ثم ان العقد يلزمك انت بالنفقة:"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم "( النساء: 34 ) من مالك انت وليس من مالها هى :" فلا تأخذوا منه شيئا " ( النساء: 20 ) الا اذا رضيت هى " فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا "( النساء : 4 ) ثم انه قد تكون بينكما شروط غير ممنوعة. مثل؟ مثل أن تحتفظ هى لنفسها بحق فسخ الزواج. أما الفروق الأخرى فستعرفها فى مستقبل حياتكما الزوجية ان شاء الله.
وينعقد العقد ويفرح العروسان ويشهران زواجهما بأن يدعوا الأهل والأصحاب إلى وليمة عامرة بكل طعام وشراب اهتديا إلى انه يسر المدعوين "عقلا ومصلحة وهوى وشهوة" فلا يتركهما الإسلام الى ما اهتديا. اذ يراهما يكادان يسرفان إنفاقا فيأمرهما بعدم التبذير: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" (الاسراء: 27)؛ او يكادان يقتران فينبههما الإسلام الى ان منع التبذير لا يعنى إباحة التقتير:"والذين اذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما"(الفرقان: 67) " ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط"(الإسراء: 29). فيهتديان ويولمان. ويراجع الإسلام قائمة الطعام والشراب خشية أن يكون"العقل والمصلحة والهوى والشهوة" قد دست فى الشراب خمرا (او مخدرات)." يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه"(المائدة: 90) أو دست فى الطعام مما حرم على المسلمين:" حرمت عليكم الميته والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب " (المائدة: 3).
***
3ـ وتجرى الحياة بالزوجين على قاعدة المساواة بينهما:" ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف " (البقرة: 228). والتعاون على ما فيه حفظ المودة والرحمة بينهما " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"(الروم: 21) "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"(البقرة: 187)، بدون عدوان " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"(المائدة: 2). ويترك لهما بعد ذلك أن يدبرا حياتهما معا على ما يرضيهما بدون شذوذ عما تجرى به أفضل التقاليد فى مجتمعهم." وعاشروهن بالمعروف"(النساء: 19). ويحذر صاحبنا من نزوات "هواه وشهوته" " فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " (النساء: 19). فان اختلفا حتى كادا يفترقان فعلى أهلهما التدخل لإنهاء الخلف صلحا:" وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، ان الله كان عليما خبيرا"(النساء: 35)؛ "وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا، والصلح خير"(النساء : 128 ) . ويحذر الإسلام الزوجة خاصة من أن تبالغ فيما تحمل زوجها من نفقات نزقا أو تظاهرا بثراء غير متحقق، اذ ليس عليه الا:" رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس الا وسعها"(البقرة: 233). ثم يأمرهما معا بألا يصلا فيما ينفقانه الى حد التبذير:" ان المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا "(الإسراء: 27). وفى هذه الحدود:" لينفق ذو سعة من سعته"(الطلاق: 7).
***
4ـ فإذا لم يستطيعا بعد كل هذا أن يعيشا معا فلا إكراه فى الزواج كما انه لا إكراه فى الدين." فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"(البقرة :229). ويأمر الإسلام بالثقة فى صدق أسباب الافتراق اذا كانت الزوجة هى التى أرادته فيكون الفراق بائنا. ولكنه يحتاط ضد نزوات هوى الرجل فيأمر بأن " الطلاق مرتان"(البقرة: 229) فإذا أعاد اليه مرة ثالثة " فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " (البقرة: 230). وللزوجة دائما حق إنهاء العلاقة الزوجية بالخلع، أو اذا احتفظت به فى العقد، أو اذا كان استمرار الزواج يسبب لها ضررا:" فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا"(البقرة: 231).
***
5 ـ ولكن صاحبنا لا ينفصل عن زوجته لأنه لا يتبع مجرد ما هداه اليه "عقله ومصلحته وهواه وشهوته" حينما يتعارض مع الشرائع والقواعد والآداب التى جاء بها الإسلام منظمة للزواج وفيما بين الزوجين، بل يستمر وينجب بنين وبنات يتأدبون بآداب الإسلام التى قرنت بين الايمان بالله وعدم الشرك به وبين الاحسان بالوالدين:” لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا"(البقرة: 83). " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا"(النساء: 36)." قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا"(الأنعام: 151)." وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احسانا، اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا " (الإسراء: 23و 24). ولكن فى حدود الإيمان بالله "ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما"(العنكبوت: 8).
ولقد تشب لصاحبنا ابنة ويجئ اليه من يخطبها، فتقبل، ولكنه حين يتشاور مع زوجته يتفقان على إرجاء الزواج. فيقول هو حتى تكمل تعليمها، وتقول هي: ولتبقى تساعدنى فى المنزل فى غير أوقات الدراسة. ويتبعان ما هداهما اليه عقلهما ومصلحتهما، وتغيب عنهما نواميس الحياة التى يحجبها الحياء، فيردهما الاسلام الى ما غاب عنهما." ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان أردن تحصنا." (النور: 33) فيفهم الزوجان ما أراد الله أن ينبه اليه. فيأذن الوالد وينعقد العقد ويبدأ تكوين اسرة جديدة طبقا لذات الشرائع والقواعد والآداب التى جاء بها الاسلام وحكمت حياة أسرة صاحبنا.
***
6ـ غير أنه ما تكاد الأسرة الجديدة تتكون حتى ينهدم ركن أسرة سابقة. فقد يجئ الخبر بوفاة والد صاحبنا، ويحزن صاحبنا هو وأقاربه ثم يجتمعون ليروا ماذا يفعلون بما ترك المتوفى من مال. ويكادون يقتسمونه على ما تهديهم اليه عقولهم ومصالحهم وأهواؤهم، ويدعى كل واحد بأنه قد أبر المتوفى أكثر من غيره، أو أن المتوفى كان يبره أكثر من الآخرين، ويحتج بعضهم بأنهم أشد حاجة الى المال من غيرهم، ويتساءل أحد الحاضرين عما يكون من أمر الصغير اليتيم ابن المتوفى ويكادون يتنازعون. فلا يتركهم الإسلام لعقولهم ومصالحهم وأهوائهم بل يقول لهم: أولا: لا يرث أحدكم شيئا قبل أن يستوفى غير الوارثين حقوقهم. اذ لا ميراث الا " من بعد وصية يوصى بها أو دين " (النساء : 12 ) ثانيا : أما بعد ذلك فدعكم الان من عقولكم ومصالحكم وأهوائكم التى لا تتفق أبدا واقتسموا المال الموروث طبقا لما يأتى :" يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وان كانت واحدة فلها النصف ، ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد ، فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ، فان كان له اخوة فلأمه السدس ، من بعد وصية يوصى بها أو دين ، آباؤكم وأبناؤكم ، لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ، فريضة من الله ، إن الله كان عليما حكيما "( النساء : 11 )." ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد، فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن، من بعد وصية يوصين بها أو دين، ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد، فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين، وان كان رجل يورث كلالة، أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء فى الثلث، من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار، وصية من الله، والله عليم حليم"(النساء: 12). "يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة ان امروء هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها ان لم يكن لها ولد، فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين، يبين الله لكم أن تضلوا، والله بكل شئ عليم "(النساء: 176) فيأخذ كل صاحب حق حقه. يمر ذلك الحدث بسلام دون ان يكون سببا فى الخلف أو الفرقة أو النزاع بين الأقرباء. فحتى الذين لا يصيبهم من مال المتوفى شيئا لا يتهمون من يصيبون منه بأن قد ظلموهم. ذلك لأن شرائع الاسلام لا يضعها أحد منهم طبقا لما يهديه اليه " عقله ومصلحته وهواه " ولا يفرضها على غيره. ولو يتركون لعقولهم ومصالحهم وأهوائهم يتهم بعضهم بعضا. ولو يستبدلون بهذا النظام نظاما موضوعا يضعه الأقوى ويفرضه على الآخرين، قد يبدلون فيه من حين الى حين تبعا لتقلب مصالحهم وأهوائهم وقوتهم.
***
7ـ ثم ان الأقرباء الذين لا يصيبون من التركة ميراثا لا يحرمون منها إن كانوا محتاجين؛ لا هم ولا أولئك الذين لا يخفى عليهم ما راب فى ثروة صاحبنا من بعد الميراث بحكم الجيرة. فصاحبنا مسلم وقد أمر بما أمر به المسلمون." واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت إيمانكم، ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا. الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله واعتدنا للكافرين عذابا مهينا " (النساء: 36، 37) ذلك لأن فى مال المسلم القادر حقا لمن حرم منه وسأله، حتى لو لم يكن من ذوي القربى" وفى أموالهم حق للسائل والمحروم " (الذاريات: 19). على أى حال فان ذوي القربى الذين لا يصيبون شيئا من التركة ميراثا ويحضرون قسمتها فيما بين الورثة يصيبون منها ما يرضيهم قل أو كثر، نفاذا للشرائع والقواعد والآداب التى جاء بها الاسلام." للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر، نصيبا مفروضا. واذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا"(النساء: 7، 8).
***
8ـ ويخرج كل هذا من نصيب صاحبنا. أما نصيب أخيه القاصر اليتيم الذي وضع تحت وصايته فقد حرمت عليه الشرائع والقواعد والآداب التى جاء بها الاسلام المساس به قل أو كثر. بل عليه أن يديره لحساب صاحبه أحسن ما تكون الادارة وأن يرده اليه حينما يبلغ الرشد كاملا غير منقوص. " ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده، وأوفوا بالعهد، ان العهد كان مسؤولا"(الاسراء: 34)، بعد أن يقدم اليه حسابا عن كيف تسلم المال، وكيف أداره وكيف تطور زيادة أو نقصا بين يديه وما اذا كان قد اقتطع منه اجر ادارة أم لا.ذلك لأن شرائع وقواعد وآداب الاسلام لا تكافئ مدير مال اليتيم بأجر الا أن يكون فقيرا." وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا، ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، فاذا دفعتم اليهم اموالهم فأشهدوا عليهم، وكفى بالله حسيبا". (النساء: 6)
***
9ـ ذلك ما يكن من أمر صاحبنا فى علاقاته بزوجه وبنيه وأقاربه وما يتداول فيما بينهم من مال، مهرا أو ميراثا أو وصية أو إحسانا، أى علاقاته بأفراد أسرته والاقربين منه قرابة عصب أو قرابة رحم أو قرابة جيرة.
أما العلاقة مع الاخرين، مع الناس، فهى علاقة عقود (اتفاقات ارادية بين الراشدين بدون اكراه أوغش). ما هو محل أو موضوع أو مضمون تلك العقود؟ يختلف الامر فى الزمان والمكان، فلا نستطيع ان نتابع علاقات صاحبنا مع غيره الا أن نعرف فى أى مجتمع يعيش وفى أى زمان كان مجتمعه ولما كانت الشرائع والقواعد والآداب التى جاء بها الاسلام غير مقصورة على مجتمع معين أو زمان معين فانها لم تأت مفصلة الأحكام، ولكنها ـ مع ذلك ـ لم تترك الناس لما تهديهم اليه عقولهم ومصالحهم واهواؤهم وشهواتهم، بل فرضت قواعد من النظام العام يكون على صاحبنا أن يلتزمها أيً كان.
فمصدر الرزق هو الطبيعة: الأرض والسماء والبحار والانعام .. الخ:" هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا"(البقرة : 29 ) . " ألم تروا أن الله سخر لكم مافى السماوات وما فى الارض " (لقمان: 20). " يا أيها الذين آمنوا كلوا مما فى الارض حلالا طيبا" (البقرة: 168). " لقد مكناكم فى الارض وجعلنا لكم فيها معايش"(الاعراف: 10) .. الخ.
أما سبب الرزق فهو وحده العمل." وان ليس للانسان الا ما سعى"(النجم: 39). " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"(التوبة: 105). ولقد حرم الاسلام ثلاثة أنواع من الكسب تأتى جميعا بدون أن يخالطها عمل. الاول الربا:" أحل الله البيع وحرم الربا"(البقرة: 275). والثانى المقامرة." يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه"(المائدة: 90) والثالث المال غير المستحق بصرف النظر عن سبب عدم استحقاقه." ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل"(البقرة: 188). أما الميراث فهو فائض تراكم عمل المتوفى بعد وفاته يؤول الى من كان يعلم أنه آيل إليهم فكان ـ على وجه ـ يعمل لهم.
على صاحبنا بعد ذلك أن يرتزق بعمله ما يشاء. عمله الحالي، أو الناتج المتراكم من عمله السابق وأن يتملكه. ولما لم يكن صاحبنا ولا غيره بقادر على أن ينتج وحده كل ما يحتاج الي استهلاكه، فانه يتبادل الخدمات والمنتجات مع غيره من العاملين والمنتجين. وكل تبادل عقد. وكل وعد بالتبادل عقد. وكل تبرع عقد. وكل فسخ للعقد هو عقد. وكل وفاء بعقد هو عقد. وهكذا يكتشف صاحبنا أن حياته كلها بكل ما فيها من علاقات مع الآخرين هى سلسلة لانهائية من العقود المتجددة أبدا وأنها ليست الا حلقة من سلسلة العلاقات الاجتماعية التى تشد الناس بعضهم الى بعض حتى تحيلهم مجتمعا بعد أن كانوا أفرادا، وتقيد ـ فى الوقت ذاته ـ بعضهم لحساب بعض، فتحيل علاقاتهم نظاما بعد أن كانت أهواء. وتجعل حياة كل واحد منهم متوقفة على حياة الآخرين، فتحول دون " الفردية " التى تريد أن تخلى بين الفرد وبين ما يهديه اليه " عقله ومصلحته وأهواؤه ونزواته ".
يتذكر صاحبنا كل هذا كلما قضم لقمة من خبز حصل عليه وفاء بعقد؛ من تاجر أعد له مكانا للبيع وفاء بعقد؛ حمله اليه حامل وفاء بعقد؛ بعد أن خبزه خباز وفاء بعقد؛ وعجنه عجان وفاء بعقد؛ وطحنه طحان وفاء بعقد؛ فى مطحنة يعمل فيها كل عامل وفاء بعقد، ويديرها مدير وفاء بعقد، ويحصل أجور الطحن فيها صراف بعقد، ويحمل الحب اليها ناقل وفاء بعقد، وزرعه زارع وفاء بعقد، وحرسه حارس وفاء بعقد، فى أرض استغلها وفاء بعقد، ليحصل من وراء ذلك على مال يوفى منه عقد شراء لقمة من خبز يقضمها. وما كان للاول أو للأخير أن يقضم لقمة من خبز حين يجوع، أو يشرب شربة ماء حين يعطش، أو يلبس، أو يسكن، او يطبب أو يداوى، أو يعلم أو يتعلم، أو يخترع أو يصنع، أو يستهلك، أو حتى ينام آمنا، لو لم يكن مئات الالوف من الناس الذين لا يعرفهم كافة قد أوفوا بعقود قد عقدوها. فتكتفى الشرائع والقواعد والاداب التى جاء بها الاسلام بأن تأمر بالمحافظة على سلامة هذه السلسلة اللانهائية من العلاقات الاجتماعية التى تنظم الافراد فتحيلهم مجتمعا منظما فتأمر المؤمنين جميعا أمرا:" يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"(المائدة :1). وتزيد فتأمر بما يحول دون اعاقة الوفاء من نسيان أو مماطلة أو جشع فتأمر بالكتابة فى الديون المؤجلة:" اذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه"(البقرة: 282). وتأمر بالرهن الحيازى فى المنقول لضمان الوفاء فى حالة غياب المدين:" وان كنتم على سفر ولم تجدوا كتبا فرهان مقبوضة"(البقرة: 283) وتأمر بأن يكون البيع مشهودا:" وأشهدوا اذا تبايعتم"(البقرة: 282).
***
10- نكتفي بما تقدم مثلا من حياة مسلم، تجرى هادئة بدون أن يتعرض خلالها للعقوبات الجزائية. ولو شئنا لتتبعنا حتى يقضى توجهه مجموعة كثيفة من الشرائع والقواعد والآداب التى جاء بها الاسلام. ولكن هذا يطول. ولقد رأينا كيف أن كل ماضربناه مثلا من الشرائع والقواعد والاداب التى جاء بها الاسلام قد جاءت فى صيغ آمره أو ناهية أو مكملة. نعنى بالمكملة ما تنظم أمرا اذا وقع بارادة صاحبه، ولكنها تترك أمر وقوعه أو عدم وقوعه لاختيار المسلمين. كما رأينا أن كل تلك الشرائع والقواعد والاداب واردة على علاقة اجتماعية، ثنائية أو جماعية، وبالتالى فان أمر التزامها أو اهدارها ليس متروكا لاختيار أحد اطرافها، فردا كان أو جماعة على ماتهديهم اليه " عقولهم ومصالحهم وأهواؤهم ونزعاتهم ". كلا. ان يلتزموها يستوقفهم شركاؤهم فيما يتعلق بهم من مصالح؛ وان يهدروها يردهم شركاؤهم فيها الى التزامها ولو قتالا. فتنبثق " السلطة العامة " كضرورة اجتماعية لحراسة النظام وفرض نفاذ قواعده ولو بالإكراه. من هنا نعرف ان التكليف الصريح باقامة سلطة عامة تزيد غير بليغ مادام الامر قد جاء بأسبابها الموضوعية.
أما كيف تقوم هذه السلطة العامة، فيتوقف جوابه على ماهية كل مجتمع وظروف الناس فيه المختلفة مكانا ، المتطورة زمانا . فيكتفى الاسلام بما هو صالح للمحافظة على قاعدة المساواة بين الناس فى أى مجتمع ، فى أى مكان ، وفى أى زمان : الشورى: " وأمرهم شورى بينهم "( الشورى : 38 ) . والعدل " واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"(النساء: 58). وكلاهما " نظام"، لهذا جاء التكليف به خطابا للجماعة. 
فالشورى نظام اجرائى لاتخاذ متعددين متساويين قرارات موحدة. فهى غير مقصورة على تبادل العلم بمشكلة مشتركة، ولا على تبادل ا لمعرفة بحلولها المحتملة وأساليب تحقيقها، ولكن هى فى النهاية تعيين القرار الذى يرى كل مشارك أنه الحل الصحيح للمشكلة المعروضة وذلك " بالاشارة " به على الاخرين. والامر بالشورى قطعى الدلالة على تحريم الاستبداد من ناحية، ووجوب الشورى من ناحية أخرى، فى كل أمر، أيا كان مضمونه، يخص جماعة، أيا كان عددهم. فيصبح اسناده اليهم فهو " أمرهم " جميعا وليس أمر أحد غيرهم. أما القرار الذى تسفر عنه الشورى فهو ملزم لكافة الشركاء فى الامر، للاسباب التى تحدثنا عنها من قبل (فقرة 77). فان كان القرار مما لا ينهض به كل أصحابه، دخل اختيار من يتولى القيام على تنفيذه فى نطاق الشورى؛ فان اختاروه، ثم قبل، أصبح ولى ذاك الامر تفويضا من أصحابه ملزما بقرارهم وذلك من ناحيتين: الاولى، ان مصدر شرعية ولايته تفويض محدد المضمون بالقرار ذاته، فان خالفه فقد شرعية الولاية. الثانية، ان مخالفته ما اسفرت عنه الشورى رجوع الى الاستبداد المحرم أصلا. فان التزم حدود التفويض، ومادام ملتزما، وجبت طاعته:" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم " (النساء: 59). اذن هى طاعة الجماعة، والا كان للجماعة أن تخلعه. أما كيف؟ ومتى؟ وأين؟ ولماذا يتشاورون؟ فمتروك لهم، يلتمسون أصلح أسبابه فى زمانهم ومكانهم مع جواز التفويض السابق والاجازة اللاحقة، وفى هذا يكون أمرهم شورى بينهم أيضا. ان الالتفات الى جواز التفويض السابق والاجازة اللاحقة يسهل فهم كيف كانت الشورى تتم على درجتين أو أكثر فى الامور المشتركة بين التجمعات القبلية الى أن تصل الى متحدث باسم القبيلة، وكيف كانت تتم بين عدد محدود فى مرحلتها الاخيرة وكيف كانت الثقة فى القائد، والمبادرة الى تنفيذ رأيه تفويضا سابقا أو اجازة لاحقة
والعدل نظام اجرائى لبيان وجه الحق بين المختلفين فيه طبقا للقواعد المنظمة لعلاقات الناس قبل الاختلاف وذلك بما يسمى الحكم (القضاء)، ثم تنفيذ الأثر الذى ترتبه تلك القواعد فى محله ولو بالإكراه.
وبدهى ان كل هذا، شورى وعدلا، يجرى ويدور فى الحياة الدنيا. فالناس لا يتشاورون الا فى أمور الحياة. والناس لا يحكمون بين الناس الا فى الحياة. فكلاهما، الشورى والعدل، نظام الحياة الدنيا. ثم انهما محددان بقواعد النظام العام الإسلامي، فان اختلف الناس فيما اذا كانا، شكلا أو موضوعا ـ يتفقان أم لا يتفقان ـ وقواعد النظام العام الاسلامى، كان فرضا عليهم اجمعين أن يرجعوا الى تلك القواعد فى القرآن فثمة حكم الله:" وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه الى الله " (الشورى: 10) والناس لا يختلفون فى شئ الا فى الحياة الدنيا.
*****

زهير كمال يكتب:البغاث يستنسر

اتفق جميع المحللين السياسيين على أن ردة فعل النظام السعودي كان مبالغاً فيها وغير مألوفة على التصريحات الكندية بشأن احتجاز وسجن نشطاء سياسيين في المملكة، فكثير من الدول الأوروبية والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تتخذ نفس الموقف وتصدر تصريحات ربما أقوى من التصريحات الكندية.
وفي العادة فان موقف النظام من تصريحات كهذه كان دائماً موقفاً خجولاً ونافياً لوقوع أحداث كهذه أو مهملاً لها، ثم يمر زمن على مثل هكذا تصريحات يتم نسيانها توضع في الملفات وعفا الله عما سلف.
فما الذي استدعى هذا الموقف القوي من نظام آل سعود؟
قبل الخوض في السبب لا بد من التنبيه أن الغرب عموماً كان يتخذ ذرائع كهذه، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان للتدخل في الشؤون الداخلية للوطن العربي ولعل العراق وليبيا خير مثل على ذلك.
ولا يملك المواطن العربي الغيور سوى الوقوف مع حكوماته مهما كانت مستبدة فما خفي كان أعظم ولسان حاله يقول إن وراء الأكمة ما وراءها.
ولكن اختلفت الصورة هذه المرة ، فكندا التي عادة ما تؤيد التدخل الاستعماري الغربي وتساعد دوله على الغزو بدون تردد، لم تعد كما كانت وأصبحت أقرب ما يمكن لنموذج الدول الاسكندفانية مثل السويد والنرويج والدانمارك، وهو النموذج المشرف فعلاً والذي يعبر عن الرقي الحضاري لإنسان المستقبل ولدولة عادلة كما ينبغي أن تكون.
وعندما تنادي كندا وتحتج مثل غيرها من الدول والمنظمات الإنسانية على الاعتقالات وعلى انتهاك حقوق الإنسان في دولنا المبتلاة بهذه الأنظمة التعسفية فيجب الوقوف معها وتشجيعها.
بينما ينبغي الوقوف ضد كل المواقف المنافقة والمرائية لحكومات أمريكا وبريطانيا وفرنسا الاستعمارية التي لا تبالي ابداً بما تفعله أنظمتنا المستبدة طالما أن مصالحها مؤمنة لديها.
إذاً ماذا حدث حتى يتخذ النظام السعودي هذا الموقف الجريء وهو الذي لم يجرؤ أبداً على المواجهة: إنه الضوء الأخضر من ترامب .
فقد طلب من النظام السعودي معاقبة كندا ولبى النظام النداء فقد تلاقت مصلحة الطرفين في هذا الموضوع .
بالنسبة لترامب هو لن ينسى طيلة حياته ما فعله جاستين ترودو به وهو يعامله مثل تلميذ خائب ابتداءً من سيطرته في مصافحة اليد وحتى إلقاء محاضرة سياسية عليه في قمة السبع التي انعقدت في كندا ، والمصيبة الأعظم استهزاء ترودو به وتذكيره بتاريخ العائلة التي بدأت ثروتها بفتح جده لبيت دعارة في كندا عام 1897
لم يعرف تاريخ رؤساء الولايات المتحدة رئيساً ترتفع فيه نسبة الأنا الى الحد الذي وصل إليه ترامب، ولم يشهد البيت الأبيض مزاجية عالية مثل مزاجيته أو فضائح مثل فضائحه.
يمثل ترامب الوجه القبيح للرأسمالية التي تنادي بأن الغاية تبرر الوسيلة وهو لا يتورع عن التعاون مع الشيطان من أجل الفوز والحصول على ما يريد ، ولو وجد ترامب في دولة أخرى غير الولايات المتحدة فقل على التوازن الدقيق للسلطات السلام. وقل رحمة الله على الصحافة الحرة التي يعاديها بكل قوة.
ولكن مهما بلغت المزاجية في الرجل فإن لها حدوداً لا يستطيع تخطيها ومن بين ذلك علاقة الولايات المتحدة الحميمة بجارتها الشمالية كندا.
ولكنه يستطيع توظيف عملائه وصبيانه في محاولة إيذائها أو بالأحرى التأثير على الناخب الكندي في إلقاء اللوم على ترودو وإسقاطه في الانتخابات القادمة بسبب تأثر المصالح الاقتصادية للدولة وخسارة بعض العقود الهامة.
ولن نعرف تأثر ترودو وحزبه بما حدث حتى اكتوبر 2019 .
تلاقت مصلحة النظام السعودي مع رغبة ترامب وأراد أن يشعر العالم أنه حر وليس تابعاً ذليلاً فكانت ردة الفعل القوية هذه على كندا والتي لا تهدد تبعيته المطلقة للولايات المتحدة بشكل عام أو ترامب بشكل خاص، فربما تعطيهم شعوراً زائفاً أنهم ند للدول الكبرى، ولكن هل يجرؤون على اتخاذ نفس الفعل ضد بريطانيا وفرنسا؟
ولعلنا نتذكر طلب ترامب من العاهل السعودي رفع إنتاج النفط 2 مليون برميل يومياً فلبى نداءه بدون مراعاة للمصلحة الاقتصادية لبلاده والتي تعاني من ضائقة مالية وهي أحوج ما تكون الى رفع سعر النفط عله يعوض النزيف المتزايد بسبب حروبه في المنطقة وضرب عرض الحائط بشركائه في( أوبيك ( منظمة الدول المصدرة للنفط  والتي هي أيضا أحوج ما تكون الى رفع السعر.
وبالطبع فإن تنفيذ أوامر ترامب بدون تردد في مسألة النفط لن تمحي أبداً رأي الدول والشعوب في تبعية النظام السعودي الكاملة لأمريكا والألعاب البهلوانية التي قام بها النظام في مسألة كندا لن تغير من هذه النظرة.
ملاحظة : البغاث هو صغار العصافير.  

15 أغسطس 2018

محمد سيف الدولة يكتب: ترامب و روسيا .. والسيسى و (اسرائيل)

Seif_eldawla@hotmail.com
لم يعلق أحد فى مصر كالمعتاد، على ما أذاعته القناة العاشرة الاسرائيلية منذ ايام وأكده وزير المالية الصهيونى "موشيه كحلون" من قيام نتنياهو بزيارة سرية الى مصر للاجتماع مع عبد الفتاح السيسى يوم الثلاثاء 22 مايو 2018. مثلما لم يعلقوا من قبل على طبيعة العلاقات المصرية الاسرائيلية الحالية التى توطدت وتعمقت الى درجة غير مسبوقة.
بينما فى امريكا فان حالة من القلق والاستنفار الشديدين قد ضربت المؤسسات والرأى العام، فأخذت تبحث وتحقق وتدقق وتتساءل عن طبيعة العلاقات بين الرئيس الامريكى دونالد ترامب وبين روسيا فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية وما بعدها. وربما لم يتعرض رئيس امريكى من قبل لكل هذه الشكوك والاتهامات والانتقادات التى تعرض لها ترامب، خاصة بعد مؤتمره الصحفى المشترك مع بوتين فى مدينة هيلسنكى التى وصلت الى حد اتهامه بالخيانة.
***
· ان المقارنة واجبة ومنطقية، فالعلاقات الروسية الامريكية لا تختلف كثيرا عن العلاقات المصرية الاسرائيلية، فكلتاهما يحكمها تاريخ طويل من الحروب والعداء التاريخى والصراع الاستراتيجى والتناقض الجذرى فى المصالح العليا والامن القومى، لا فرق بينهما سوى ان الاولى بين قوى عظمى دوليا، والثانية بين أكبر قوتين عسكريتين فى الاقليم. (احداهما بالطبع لا تعدو أن تكون كيانا استعماريا عدوانيا باطلا.)
· وكما لم يؤدِ انتهاء الحرب الباردة الى تغيير يذكر فى التناقض والصراع بين الروس الامريكان، فان اتفاقيات كامب ديفيد هى الاخرى لم تؤدِ الى تغيير فى حقيقة وطبيعة التناقض والعداء والصراع بين مصر العربية وبين الكيان الصهيونى المسمى بـ (اسرائيل)، بعيدا عن موقف النظام والحكام.
***
ليست هذه هى المرة الأولى التى يجتمعان فيها سرا، بعيدا عن أعين الرأى العام المصرى والعربى وبعيدا عن متابعة ومراقبة مؤسسات الدولة المعنية، بل هى المرة الثالثة على الأقل، وفقا لما تناقلته وكالات الانباء؛ كانت المرة الأولى فى مدينة العقبة فى 21 فبراير 2016 بمشاركة وزير الخارجية الامريكى وملك الاردن وكانت المرة الثانية فى مصر فى ابريل 2016 بصحبة إسحاق هرتزوغ زعيم المعارضة الاسرائيلية وفريق من المستشارين والخبراء الامنيين الاسرائيليين.
ولم يحدث ان قامت اى مؤسسة رسمية فى مصر بنفى او تكذيب انباء هذه اللقاءات بدءا برئاسة الجمهورية ومرورا بوزارة الخارجية وانتهاء بهيئة الاستعلامات، بل ان بيانا قد صدر بصيغة مراوغة لتأكيد لقاء العقبة.
***
ولقد قام نتنياهو بتدنيس التراب المصرى فى مايو الماضى، بعد اسبوع واحد فقط من المذبحة التى ارتكبتها قواته ضد المتظاهرين السلميين العزل من الفلسطينيين على حدود القطاع مع ارض فلسطين 1948، يوم الاثنين 14 مايو 2018 وارتقى فيها 63 شهيدا.
وبعد اسبوعين من الاحتفال بالذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين الذي اقامته السفارة (الاسرائيلية) فى القاهرة فى فندق "ريتز كارلتون" على ضفاف النيل يوم الثلاثاء 8 مايو 2018، فى حماية قوات الامن المصرية، ورغما عن انف جموع الشعب المصرى.
وبعد ستة ايام فقط من خطاب السيسى فى مؤتمر الشباب الذى قال فيه صراحة ان مصر اليوم اضعف وأصغر من ان تستطيع ان تفعل شيئا للفلسطينيين.
ولكن من الواضح ان هذه القاعدة لا تنطبق على الاسرائيليين، الذين يرحب السيسى على الدوام بمد يد المساعدة إليهم فى اى وقت، وهو ما تم على الاغلب ووفقا لوكالات الانباء فى لقائهما السرى الأخير، حيث بحثا مشروع التهدئة مع غزة، وهو المشروع الذى لم يخرج للراى العام سوى فى الاسابيع القليلة الماضية.
وهو ايضا المشروع الذى هناك شكوك كبيرة حول اقترانه بصفقة القرن بكل ترتيباتها الأخرى وعلى راسها الاعتراف الامريكى بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.
***
·نحن نعلم حجم التقدير والمودة الخاصة القائمة بين عبد الفتاح السيسى ونتنياهو، التى لا يترك الرئيس المصرى فرصة الا ويؤكدها ويتفاخر بها على الملأ، مثلما فعل فى لقائه بوفد القيادات اليهودية الامريكية بالقاهرة فى 11 فبراير 2016 حين وصف نتنياهو بالنص ووفقا لما تداولته وكلات الانباء بأنه "زعيم وقائد لديه قوى جبارة، تساعده ليس فقط في إدارة دولته، وإنما يمكنها أن تحقق التقدم وتعزز المنطقة كلها والعالم". وكذلك حين اشاد به صراحة فى كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحد فى سبتمبر 2017 فدعى ما أسماه "بالشعب" الاسرائيلى الى ان يتوحد خلف قيادته، وكأن نتنياهو رجل سلام يرغب فيه ويحاول الوصول اليه لولا المعارضة الشعبية الاسرائيلية.
·مثلما نعلم ونؤمن ان العلاقات المصرية الاسرائيلية العلنية من سلام واتفاقيات وسفارات وتنسيقات وتطبيع وتجارة وصفقات...الخ، تكفى وحدها لتجريد اى نظام او حاكم مصرى من الشرعية الوطنية.
· ولكن ان يكون اللقاء سرياً، أياً كان جدول أعماله، فان هذا مصدر شك وريبة وقرينة قوية على سوء النوايا.
·فمثل هذه العلاقات والاتصالات والمفاوضات السرية التى لم تتوقف لحظة بين العرب واسرائيل منذ بدايات المشروع الصهيونى على امتداد قرن من الزمان، لم تحمل لنا سوى كافة انواع الأضرار والشرور والتآمر على شعوبنا وأوطاننا واستقلالنا، والتى كانت تنتهى دوما بمزيد من التفريط والهزائم والتنازلات.
·كما ان الاتصالات والعلاقات السرية بين مصر واسرائيل جارية على قدم وساق منذ نهاية حرب 1973، ولا تزال تفاصيل كثيرة من اتفاقيات كامب ديفيد غائبة ومحجوبة عن غالبية الراى العام المصرى رغم مرور ما يقرب من 40 عاما.
·والصندوق الاسود لهذه العلاقات لا يزال مغلقا بالضبة والمفتاح، وحين تتسرب منه اى معلومة، فانه يكون وراءها كارثة جديدة مثل القيود الامنية المفروضة على قواتنا فى سيناء، وحق (الاسرائيليين) فى دخول سيناء والبقاء فيها 14 يوما بدون تأشيرة وفقا لاتفاقية طابا، واتفاقية فيلادلفيا 2005، وصفقة تصدير الغاز لاسرائيل، واتفاقيات الكويز، واتفاقيات تيران وصنافير .. الخ، ولكن كل هذا لا يمثل سوى قمة جبل الاسرار الذى لا نراه ويحظر علينا الاقتراب منه، ومن ذلك ملفات التنسيق الامنى والاستخبارى فى سيناء، وملف حصار غزة واستهداف نزع سلاحها وإخلاء المنطقة الحدودية لإقامة المنطقة العازلة... الخ، وربما يكون أخطرها ما يتردد اليوم عن تأسيس ناتو عربى/اسرائيلى لمواجهة ايران، واخيرا وليس آخرا ما يسمى بصفقة القرن التى لا تعدو ان تكون خطة لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية. 
***
لقد دأبت القوى الوطنية فى مصر والوطن العربى، عن حق، على ادانة الولايات المتحدة كقوة امبريالية استعمارية، تدعم (اسرائيل) وتعادينا وتعتدى علينا وتنهب ثرواتنا، ولكننا اليوم امام محك واختبار من نوع جديد، فقطاع كبير من الشعب الامريكى، أىً كانت دوافعه، يتشكك ويبحث ويراقب المعلن والمخفى من علاقات ترامب مع الروس، فهل نقتدى بهم وبكل الشعوب الحرة ونشارك فى حماية مصالحنا العليا وامننا القومى فنعلن، على أضعف الايمان، رفضنا لزيارات نتنياهو وللتقارب المصرى الاسرائيلى ولمشاركة مصر فى ترتيبات صفقة القرن، ام نلتزم الصمت كالمعتاد.
*****
القاهرة فى 15 اغسطس 2018

13 أغسطس 2018

محمد سيف الدولة يكتب: يا ضحايا امريكا .. اتحدوا

 
Seif_eldawla@hotmail.com
لا تستطيع مصر ان تختار رئيسا للجمهورية لا يوافق عليه الامريكان، ولا تستطيع ان تتخذ من القرارات ما يغضب (اسرائيل)، ولا تستطيع ان تتحرر من قيود كامب ديفيد المفروضة عليها فى سيناء، ولا ان تكسر الاحتكار الامريكى لغالبية التسليح المصرى، ولا ان ترفض المعونة الامريكية ولا ان تعترض على شروطها المهينة والمجحفة التى لا تنتهى، ولا تستطيع ان توقف التسهيلات اللوجستية للبوارج الامريكية فى قناة السويس حتى لو كانت فى طريقها لغزو العراق، ولا تستطيع ان تقيم علاقات ومصالح خاصة مع كوريا الشمالية، ولا تستطيع ان تخرج من الاحلاف الامريكية العسكرية فى المنطقة ولا ان تلتحق بأحلاف مستقلة او مناوئة للولايات المتحدة، ولا تستطيع ان تقول لا لنادى باريس وصندوق النقد والبنك الدوليين، ولا تستطيع ان تستقل اقتصاديا، ولا ان تحرر عملتها من الدولار.
مائة شرط وشرط تلزمنا بهم امريكا منذ ان سقطنا فى مستنقع التبعية منذ ما يقرب من اربعين عاما.
***
· ولا تستطيع إيران أو مصر أو اى بلد خارج النادى النووى الحالى ان تسعى الى امتلاك السلاح النووى، لتحقيق توازن الردع مع كيان استعمارى عدوانى نووى كالكيان الصهيونى.
· ولا تستطيع تركيا او مصر أو أى دولة فى العالم ان تمارس سيادتها وتطبق قوانينها على المواطنين الامريكيين على ارضها، والا تعرضت لشتى انواع العقوبات.
· ولا يستطيع الفلسطينيون منذ 70 عاما ان ينالوا ولو جزء ضئيلا من ارضهم وحقوقهم، او ان يُفَعِّلوا ولو قرارا دوليا واحدا صدر لصالحهم، او ان يتقوا شر (اسرائيل) ومذابحها وجرائها اليومية، بسبب الحماية الامريكية.
· ولا قيمة دولية او قانونية او تفاوضية لإجماع كل دول العالم على ان القدس عاصمة لفلسطين، فيما لو قرر الرئيس الامريكى عكس ذلك.
· ولا تستطيع دولة كلبنان ان تحافظ على توازنها الداخلى الحساس تجنبا للحرب الاهلية، الا وتتعرض لضغوط وتهديدات وعقوبات امريكية.
· ولن تستطيع الشعوب العربية ان تتحرر أو تستقل أو تتقدم فى ظل كل هذا الوجود والهيمنة الامريكية فى المنطقة من أول التبعية الكاملة لغالبية الانظمة العربية والخضوع الكامل للعائلات الحاكمة فى دول ودويلات النفط، ومرورا بعشرات القواعد الامريكية فى الاراضى العربية. ناهيك عن السيطرة الرأسمالية العالمية على معظم الثروات والاسواق العربية.
· ولا تستطيع غالبية دول المنطقة ان تعترض على عربدة الطائرات الأمريكية فى سماواتها، لتقتل وتقصف من تشاء، أو دعمها وتمويلها وتسليحها لكل انواع المرتزقة والمليشيات فى المنطقة.
· ولا يستطيع اى شعب ان يطمح الى العدل والحرية والثورة ضد الفقر والظلم والفساد والاستبداد، الا ويعانى من التدخل والاختراق الامريكى لاجهاض ثورته او احتوائها او حرفها عن مسارها.
· ولا يستطيع اى نظام فى امريكا اللاتينية ان يخرج من الحظيرة الامريكية، ويسعى لتحقيق استقلالا سياسيا واقتصاديا حقيقيا، الا ويتم وضعه على القوائم السوداء ويتعرض للحصار وتدبير القلاقل والاضطرابات والانقلابات.
· ولا تستطيع حتى الدول الكبرى مثل الصين وروسيا، ادارة مصالحها العليا والدفاع عن امنها القومى والاقليمى والدولى، والتطلع الى المشاركة فى ادارة النظام العالمى، بدون ان تتعرض للعقوبات والتهديدات والضغوط الامريكية.
· حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة فى اوروبا الغربية، لم يسلموا من التسلط والأذى الأمريكى، ولىِّ الأذرع عسكريا واقتصاديا وسياسيا، الى درجة انهم لا يستطيعون ان يقيموا علاقات خارجية طبيعية مع اى دولة يعاديها الامريكان.
· ولا تستطيع دول اى منطقة اقليمية فى العالم، ان تتعايش فى سلام ووئام بمنأى عن التدخل والاستقطاب والاحلاف الامريكية.
· ولا يوجد حزب او تيار او مؤسسة فى العالم تتصدى للاستعمار الأمريكى ونفوذه ومصالحه فى بلادها، الا وتجد نفسها على قوائم الارهاب الامريكية.
· ولا توجد دولة او مؤسسة او شخصا فى العالم، بمنأى عن قرارات وقوانين وعقوبات الكونجرس الامريكى، وكأنه برلمان العالم كله.
· ولا توجد حضارة او ثقافة او ديانة فى العالم، لم تتعرض لمحاولات الاختراق والهيمنة الثقافية من قبل اجهزة الاستخبارات الامريكية.
· ولا يوجد مواطن واحد سَوىِ فى اى بلد من بلدان العالم، الا ويتجرع السم كل يوم وهو يشاهد السيد الامريكى يمارس جبروته وعنصريته على كل شعوب العالم وكأنهم عبيد لديه.
· او يرى رؤسائه وملوكه وجيوشه وبرلماناته يقدمون فروض الولاء والطاعة للسيد الأمريكى، طامعين فى رضاه، ومتجنبين كل ما يمكن ان يغضبه منهم أو يقلبه عليهم.
· ولا يوجد انسان حر او متدين فى مشارق الارض ومغاربها، أىً كان دينه، يمكن ان يخضع ويستسلم الى ما يحاول الامريكان ترويجه طول الوقت من انه لا حول ولا قوة الا بهم.
***
كل شعوب العالم، على اختلافاتها وصراعاتها وتنوعاتها الفكرية والحضارية ودرجات تقدمها وقوتها، تعانى بشكل أو بآخر من الجبروت الامريكى. ولكنها رغم ذلك، ويا للعجب، تخشى أن تتوحد فى مواجهته.
*****
القاهرة فى 13 اغسطس 2018

10 أغسطس 2018

محمد سيف الدولة يكتب: الرهان على خوف الناس

ما الذى يستطيع الانسان الطبيعى ان يتحمله اكثر من الثانى؟
1) ان يعيش سالما فى منأى عن أذى السلطة ويدها الباطشة، مقابل ان يرضى بالذل والظلم والقهر ويعيش طول حياته جبانا خاضعا مستسلما لا يعارض، لا يتململ، لا يتأفف، لا ينطق؟
2) أم أن يعيش حرا شجاعا يرفض الذل والظلم والقهر ويتحمل العواقب التى قد تكلفه حياته أو حريته أو أمنه ووظيفته واستقراره؟
***
تراهن الأنظمة المستبدة على الاختيار الاول، لأنها تتصور ان غالبية الناس تؤثر السلامة، تجنبا لبطش السلطة وأياديها الطايلة.
· ولقد قالها صراحة شيخ القضاة المستشار "يحيى الرفاعى" عليه رحمة الله، حين قال ان الغالبية العظمى من القضاة ليسوا فدائيين، فرغم انهم يرفضون تزوير الانتخابات وتدخلات وهيمنة السلطة التنفيذية وينشدون استقلالهم واستقلال القضاء، الا انهم ليسوا فدائيين، بمعنى انهم ليسوا على استعداد لتحدى السلطة التنفيذية والتعرض لتنكيلها.
· ما قاله الرفاعى، ينطبق من منظور الحاكم المستبد، على غالبية المواطنين، فهم ايضا ليسوا فدائيين، وقليل القليل منهم الذي لديه الرغبة او القدرة على تحدى السلطة، اى سلطة، واى متابع سيكتشف بسهولة ان نسبة الموظفين فى اى مؤسسة او شركة عامة أو خاصة الذين يخاطرون بتحدى رؤسائهم لا تتعدى ١ ٪ وربما اقل.
***
ولكن فى المقابل:
· ما الذي يدفع كل هذا العدد من المفكرين والسياسيين والكتاب والشخصيات العامة والشباب وكل الذين يتمتعون بتاريخ مشرف وتعليم جيد وثقافة واسعة ووعى وذكاء لا بأس به بالإضافة الى حسن تقدير للامور، ان يستمروا فى نقد ومعارضة عبد الفتاح السيسى ونظامه ومؤسساته، رغم علمهم وتيقنهم من العواقب التى يمكن أن تطالهم بدءا بالحصار والتشهير والمنع من الكتابة نهاية بالإعتقال والسجن؟
· ولماذا يرفض كبار الكتاب رفضا قاطعا اى تعديل او مونتاج او توجيه او رقابة على مقالاتهم، حتى لو كان الثمن، المنع من الكتابة والنشر وخسارة قنواتهم الوحيدة للتواصل مع قرائهم؟
· ولماذا يكون هؤلاء الكتاب المحظورون محل احترام وتقدير عشرات المرات من أمثالهم الذين قرروا التواؤم مع السلطة والخضوع لخطوطها الحمراء؟
· لماذا لا يهرب ويتراجع المتظاهرون امام الغاز المسيل للدموع وهراوات الامن المركزى؟
· لماذا تؤدى التهديدات الامنية للمعارضين الى نتائج عكسية، فيزدادوا تحديا ومعارضة؟
· لماذا تحتفى القوى السياسية على مر التاريخ بقياداتها وعناصرها التى صمدت ولم تكسرها اجراءات التحقيق والتعذيب وسنوات السجن والاعتقال الطويلة؟
· لماذا تحرص كل شعوب العالم فى مناهجها التعليمية وفى اعمالها الأدبية على ابراز وتخليد وتمجيد قيم الشجاعة والاقدام والتضحية فى مواجهة كل انواع البغى والظلم والقهر والعدوان؟
· ما الذي دفع كل هذا العدد من القضاة، رغم ما يتمتعون به من حصانة وامتيازات ومكانة خاصة، الى القيام بانتفاضتهم عام ٢٠٠٦؟
· لماذا تعج مصر وغيرها من البلدان بهذا الكم الهائل من حركات المعارضة والتنظيمات العلانية او السرية على امتداد قرن من الزمان، رغم ان السلطات والقوانين واحكام القضاء لم تكف عن مطاردتهم والقبض عليهم والتمثيل بهم؟
· لماذا يعلم غالبية المعتقلين ان احتمال الافراج عنهم فى القريب العاجل بعيد الاحتمال، وأنهم قد يموتون فى السجون ورغم ذلك يرفضون الخضوع والاستسلام؟
· وهو ما ينطبق على كل المعتقلين السياسيين على مر العصور؛ ينطبق على الوفدين والشيوعيين والاخوان فى الخمسينات والستينات، وعلى الناصريين والشيوعيين فى السبعينات والثمانينات وعلى المعتقلين فى السنوات الأخيرة؟
· لماذا لم يتوقف الشباب عن التظاهر بعد سقوط كل هذا العدد من الشهداء فى جمعة الغضب فى ٢٨ يناير2011؟
· ولماذا حدث نفس الشئ مع الاسلاميين بعد رابعة واخواتها؟
· لماذا لا يستسلم آلاف الاسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال؟
· ولماذا يتسابق شبابهم على الاستشهاد كل يوم؟
***
انها النفس البشرية التى جبلها الله على العزة والكرامة..
ولكن حتى لو ظهرت للوهلة الأولى، صحة رهانات الأنظمة المستبدة وفاعلية استثماراتها الأمنية والبوليسية فى خوف الناس، فان كل هذا مؤقت وغير مضمون العواقب؛ فحين تأتى الشرارة التى تولد الانفجار، مثل شرارة محمد بوعزيزي فى تونس او خالد سعيد فى مصر أو محمد الدرة فى فلسطين، أو هزة وطنية كبرى مثل نكسة 1967 أو افقار جماعى مثل رفع الأسعار فى 1977 أو انهيار اقتصادى مثلما حدث فى بلدان كثيرة مثل اندونسيا عام 1998، او انتفاضة عمالية مثل المحلة الكبرى فى ابريل 2008، او سقوط ضحية جديدة تحت التعذيب فى قسم شرطة فى احدى المناطق الشعبية، او فتنة طائفية مثل الزاوية الحمراء 1981، أو فجيعة قومية مثل غزو العراق فى 2003 أو مذبحة صهيونية جديدة مثل صابرا وشاتيلا 1982، أو عدوى عربية مثل تفجر ثورة شعبية فى قطر شقيق 2011، والأمثلة والدروس كثيرة ومتعددة ... حينها يتبخر الخوف فى ثوان معدودات، وتنطلق انفجارات نووية من الغضب والعنف والرغبة فى الثأر والانتقام بلا حدود، بعد أن يكون قد فات الأوان.
ولم يحدث من قبل فى تاريخ أى بلد من بلاد العالم، أن استمر الشعب خائفا مستسلما خاضعا الى ما شاء الله.
ومن ثم فعلى أى سلطة رشيدة، ان تحسبها بالعقل والمنطق، وان تقرأ التاريخ وتستوعبه جيدا، وأن تدرس طبيعة النفس البشرية وقدرتها على التحمل، وان تتعرف على شخصية شعبها وتحترمها وتتقى غضبها ولا تستهين بها، وأن تعلم ان هناك حدودا لكل شئ، حدودا لقوة الردع والبطش والاذلال، وحدودا للخوف وحدودا للصبر.
*****
القاهرة فى 10 أغسطس 2018