15 أغسطس 2018

محمد سيف الدولة يكتب: ترامب و روسيا .. والسيسى و (اسرائيل)

Seif_eldawla@hotmail.com
لم يعلق أحد فى مصر كالمعتاد، على ما أذاعته القناة العاشرة الاسرائيلية منذ ايام وأكده وزير المالية الصهيونى "موشيه كحلون" من قيام نتنياهو بزيارة سرية الى مصر للاجتماع مع عبد الفتاح السيسى يوم الثلاثاء 22 مايو 2018. مثلما لم يعلقوا من قبل على طبيعة العلاقات المصرية الاسرائيلية الحالية التى توطدت وتعمقت الى درجة غير مسبوقة.
بينما فى امريكا فان حالة من القلق والاستنفار الشديدين قد ضربت المؤسسات والرأى العام، فأخذت تبحث وتحقق وتدقق وتتساءل عن طبيعة العلاقات بين الرئيس الامريكى دونالد ترامب وبين روسيا فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية وما بعدها. وربما لم يتعرض رئيس امريكى من قبل لكل هذه الشكوك والاتهامات والانتقادات التى تعرض لها ترامب، خاصة بعد مؤتمره الصحفى المشترك مع بوتين فى مدينة هيلسنكى التى وصلت الى حد اتهامه بالخيانة.
***
· ان المقارنة واجبة ومنطقية، فالعلاقات الروسية الامريكية لا تختلف كثيرا عن العلاقات المصرية الاسرائيلية، فكلتاهما يحكمها تاريخ طويل من الحروب والعداء التاريخى والصراع الاستراتيجى والتناقض الجذرى فى المصالح العليا والامن القومى، لا فرق بينهما سوى ان الاولى بين قوى عظمى دوليا، والثانية بين أكبر قوتين عسكريتين فى الاقليم. (احداهما بالطبع لا تعدو أن تكون كيانا استعماريا عدوانيا باطلا.)
· وكما لم يؤدِ انتهاء الحرب الباردة الى تغيير يذكر فى التناقض والصراع بين الروس الامريكان، فان اتفاقيات كامب ديفيد هى الاخرى لم تؤدِ الى تغيير فى حقيقة وطبيعة التناقض والعداء والصراع بين مصر العربية وبين الكيان الصهيونى المسمى بـ (اسرائيل)، بعيدا عن موقف النظام والحكام.
***
ليست هذه هى المرة الأولى التى يجتمعان فيها سرا، بعيدا عن أعين الرأى العام المصرى والعربى وبعيدا عن متابعة ومراقبة مؤسسات الدولة المعنية، بل هى المرة الثالثة على الأقل، وفقا لما تناقلته وكالات الانباء؛ كانت المرة الأولى فى مدينة العقبة فى 21 فبراير 2016 بمشاركة وزير الخارجية الامريكى وملك الاردن وكانت المرة الثانية فى مصر فى ابريل 2016 بصحبة إسحاق هرتزوغ زعيم المعارضة الاسرائيلية وفريق من المستشارين والخبراء الامنيين الاسرائيليين.
ولم يحدث ان قامت اى مؤسسة رسمية فى مصر بنفى او تكذيب انباء هذه اللقاءات بدءا برئاسة الجمهورية ومرورا بوزارة الخارجية وانتهاء بهيئة الاستعلامات، بل ان بيانا قد صدر بصيغة مراوغة لتأكيد لقاء العقبة.
***
ولقد قام نتنياهو بتدنيس التراب المصرى فى مايو الماضى، بعد اسبوع واحد فقط من المذبحة التى ارتكبتها قواته ضد المتظاهرين السلميين العزل من الفلسطينيين على حدود القطاع مع ارض فلسطين 1948، يوم الاثنين 14 مايو 2018 وارتقى فيها 63 شهيدا.
وبعد اسبوعين من الاحتفال بالذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين الذي اقامته السفارة (الاسرائيلية) فى القاهرة فى فندق "ريتز كارلتون" على ضفاف النيل يوم الثلاثاء 8 مايو 2018، فى حماية قوات الامن المصرية، ورغما عن انف جموع الشعب المصرى.
وبعد ستة ايام فقط من خطاب السيسى فى مؤتمر الشباب الذى قال فيه صراحة ان مصر اليوم اضعف وأصغر من ان تستطيع ان تفعل شيئا للفلسطينيين.
ولكن من الواضح ان هذه القاعدة لا تنطبق على الاسرائيليين، الذين يرحب السيسى على الدوام بمد يد المساعدة إليهم فى اى وقت، وهو ما تم على الاغلب ووفقا لوكالات الانباء فى لقائهما السرى الأخير، حيث بحثا مشروع التهدئة مع غزة، وهو المشروع الذى لم يخرج للراى العام سوى فى الاسابيع القليلة الماضية.
وهو ايضا المشروع الذى هناك شكوك كبيرة حول اقترانه بصفقة القرن بكل ترتيباتها الأخرى وعلى راسها الاعتراف الامريكى بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.
***
·نحن نعلم حجم التقدير والمودة الخاصة القائمة بين عبد الفتاح السيسى ونتنياهو، التى لا يترك الرئيس المصرى فرصة الا ويؤكدها ويتفاخر بها على الملأ، مثلما فعل فى لقائه بوفد القيادات اليهودية الامريكية بالقاهرة فى 11 فبراير 2016 حين وصف نتنياهو بالنص ووفقا لما تداولته وكلات الانباء بأنه "زعيم وقائد لديه قوى جبارة، تساعده ليس فقط في إدارة دولته، وإنما يمكنها أن تحقق التقدم وتعزز المنطقة كلها والعالم". وكذلك حين اشاد به صراحة فى كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحد فى سبتمبر 2017 فدعى ما أسماه "بالشعب" الاسرائيلى الى ان يتوحد خلف قيادته، وكأن نتنياهو رجل سلام يرغب فيه ويحاول الوصول اليه لولا المعارضة الشعبية الاسرائيلية.
·مثلما نعلم ونؤمن ان العلاقات المصرية الاسرائيلية العلنية من سلام واتفاقيات وسفارات وتنسيقات وتطبيع وتجارة وصفقات...الخ، تكفى وحدها لتجريد اى نظام او حاكم مصرى من الشرعية الوطنية.
· ولكن ان يكون اللقاء سرياً، أياً كان جدول أعماله، فان هذا مصدر شك وريبة وقرينة قوية على سوء النوايا.
·فمثل هذه العلاقات والاتصالات والمفاوضات السرية التى لم تتوقف لحظة بين العرب واسرائيل منذ بدايات المشروع الصهيونى على امتداد قرن من الزمان، لم تحمل لنا سوى كافة انواع الأضرار والشرور والتآمر على شعوبنا وأوطاننا واستقلالنا، والتى كانت تنتهى دوما بمزيد من التفريط والهزائم والتنازلات.
·كما ان الاتصالات والعلاقات السرية بين مصر واسرائيل جارية على قدم وساق منذ نهاية حرب 1973، ولا تزال تفاصيل كثيرة من اتفاقيات كامب ديفيد غائبة ومحجوبة عن غالبية الراى العام المصرى رغم مرور ما يقرب من 40 عاما.
·والصندوق الاسود لهذه العلاقات لا يزال مغلقا بالضبة والمفتاح، وحين تتسرب منه اى معلومة، فانه يكون وراءها كارثة جديدة مثل القيود الامنية المفروضة على قواتنا فى سيناء، وحق (الاسرائيليين) فى دخول سيناء والبقاء فيها 14 يوما بدون تأشيرة وفقا لاتفاقية طابا، واتفاقية فيلادلفيا 2005، وصفقة تصدير الغاز لاسرائيل، واتفاقيات الكويز، واتفاقيات تيران وصنافير .. الخ، ولكن كل هذا لا يمثل سوى قمة جبل الاسرار الذى لا نراه ويحظر علينا الاقتراب منه، ومن ذلك ملفات التنسيق الامنى والاستخبارى فى سيناء، وملف حصار غزة واستهداف نزع سلاحها وإخلاء المنطقة الحدودية لإقامة المنطقة العازلة... الخ، وربما يكون أخطرها ما يتردد اليوم عن تأسيس ناتو عربى/اسرائيلى لمواجهة ايران، واخيرا وليس آخرا ما يسمى بصفقة القرن التى لا تعدو ان تكون خطة لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية. 
***
لقد دأبت القوى الوطنية فى مصر والوطن العربى، عن حق، على ادانة الولايات المتحدة كقوة امبريالية استعمارية، تدعم (اسرائيل) وتعادينا وتعتدى علينا وتنهب ثرواتنا، ولكننا اليوم امام محك واختبار من نوع جديد، فقطاع كبير من الشعب الامريكى، أىً كانت دوافعه، يتشكك ويبحث ويراقب المعلن والمخفى من علاقات ترامب مع الروس، فهل نقتدى بهم وبكل الشعوب الحرة ونشارك فى حماية مصالحنا العليا وامننا القومى فنعلن، على أضعف الايمان، رفضنا لزيارات نتنياهو وللتقارب المصرى الاسرائيلى ولمشاركة مصر فى ترتيبات صفقة القرن، ام نلتزم الصمت كالمعتاد.
*****
القاهرة فى 15 اغسطس 2018

ليست هناك تعليقات: