Seif_eldawla@hotmail.com
ليس صحيحا ان حق العمل السياسي والمشاركة السياسية مكفولان لكل المصريين بموجب الدستور والقانون،
فيجب أولا ان يكون مسموحا لك بذلك من قبل من يحكمون البلاد، وألا يكون اسمك على "القوائم السوداء". وأن تحترم وتتواءم مع الخطوط الحمراء التى يضعها رئيس الدولة واجهزته الامنية وكل مؤسساته، فلا تخالفها او تختلف معها، حتى لو كان الاختلاف معها حق يكفله لك الدستور والقانون.
***
ولكل عصر ولكل رئيس شروطه وخطوطه الحمراء التى قد لا تتطابق مع اسلافه او خلفائه، بل ان هذه الخطوط ذاتها قد تتغير أكثر من مرة فى ظل حكم الرئيس الواحد:
· ففى عصر عبد الناصر على سبيل المثال تغيرت الخطوط الحمراء للنظام عدة مرات تجاه عدد من الملفات والقضايا والقوى السياسية: فما كان مشروعا من الممارسة السياسية والحزبية 1952ـ 1953 أصبح محظورا بعد الغاء الاحزاب، كما تغيرت التوجهات الاقتصادية وخطوطها الحمراء مع التأميم عام 1961عما كانت عليه قبل ذلك من تشجيع القطاع الخاص ومحاولات اقناعه بالمشاركة في الخطة الاقتصادية الاولى. كما تغير موقف السلطة من الشيوعيين المصريين من حظر واعتقال وادانة قبل 1964، الى السماح لهم بالمشاركة فى الحياة السياسية والانضمام الى الاتحاد الاشتراكى العربى، وتغير موقف القيادة السياسية من الشللية ومراكز القوى داخل الجيش بعد عام 1967 وهكذا.
***
·اما السادات فلقد تغيرت موازينه وخطوطه الحمراء 180 درجة بعد حرب 1973 فتحول من عدو للأمريكان الى حليف وتابع لهم، ومن العدو الاول لإسرائيل الى العربى الوحيد المعترف بها والمتصالح معها، وتغيرت طبيعة النظام الاقتصادي وقواعده ومحرماته وانحيازاته الطبقية بصدور قانون الانفتاح الاقتصادي عام 1974، كما تغيرت عام 1977ـ 1978 قواعد الممارسة السياسية من نظام التنظيم الواحد الى التعدد الحزبي الشكلي والمقيد وهكذا.
***
· اما مبارك فلقد سار على نهج السادات لا يحيد عنه فى علاقاته بالأمريكان وبإسرائيل وبنادي باريس ومؤسسات الاقراض الدولى وفى انحيازاته الطبقية الرأسمالية، الا انه حدث تغيران كبيران فى عصره الممتد 30 عاما، الاول كان بعد الغزو الامريكى للعراق عام 2003 حين قرر توسيع الهامش الديمقراطى للمعارضة تحت الضغوط الامريكية التي كانت تدعى زورا وبهتانا انها أتت للمنطقة لنشر الديمقراطية وإنقاذ الشعوب من مستبديها، وهو الهامش الذى سمح بظهور حركات مثل كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وحملة توكيلات البرادعى وانتفاضة القضاة وتأسيس حركة 6 ابريل...الخ، والتى كان لها دورا كبيرا فى التمهيد لثورة يناير، وحين اراد مبارك ان يلملم الأمور ويعيدها الى ما كانت عليه ويلغى هذا الهامش الديمقراطى ويزور الانتخابات البرلمانية تزويرا كاملا عام 2010، انفجرت البلاد فى وجهه متأثرة بما حدث فى تونس.
اما التغير الثاني فى عصر مبارك فكان محاولته الانقلاب على "مراكز القوى" الحاكمة والمتحكمة منذ عقود طويلة والمتمثلة في الجيش وباقي مؤسسات الدولة العميقة واستبدالهما بشلة جمال مبارك واحمد عز وشبكات المصالح المحيطة بهما، فكانت نتيجة ذلك التعجيل بسقوط عرشه.
***
· أما خلال ثورة يناير، عليها رحمة الله، فلم تكن هناك تقريبا خطوط حمراء، فكانت الحقوق والحريات بكل اشكالها وانواعها بلا أسقف أو قيود؛ حق التظاهر مكفول للجميع بدون تصاريح او حتى اخطارات، حرية تامة فى تكوين الاحزاب والجمعيات والنشر واصدار الصحف، حق الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية مفتوح للجميع، نزاهة انتخابية لم ترَ لها مصر مثيلا من قبل او من بعد. المنابر الاعلامية من صحف وفضائيات متاحة لكل الآراء بدون تمييز .. وغيرها الكثير.
***
·اما اليوم فان الشروط والخطوط الحمراء واضحة للجميع بدءاً بمن يريد ان يحصل على أى تأشيرات أو موافقات امنية بالمشاركة فى الحياة البرلمانية أو السياسية او الاعلامية، ومرورا بمن لا يطمح الا فى كتابة مقال صحفى فى اى جريدة مقروءة، الى آخر من يريد أن يتجنب وضع اسمه فى القوائم السوداء وما قد يترتب علي ذلك من عواقب وعقوبات، تبدأ بالحظر والحصار وتنتهي بالسجن. أما اهم هذه الشروط والخطوط الحمراء فهى:
·تمجيد عبد الفتاح السيسى ومؤسسات الدولة بمناسبة وبدون مناسبة.
· والامتناع تماما عن توجيه اى انتقادات إليهم او الى سياساتهم ومواقفهم؛ مثل التقارب الحالى بين مصر و(اسرائيل)، والانخراط فى تحالفات اقليمية تحت قيادة الامريكان وآل سعود، وما يسمى بسياسات الاصلاح الاقتصادى التى ادت الى افقار المزيد من ملايين المصريين، واغراق مصر فى الديون الخارجية والمحلية، والتنازل عن تيران وصنافير للسعودية، وتبديد اموال طائلة على مشروعات مشكوك فى جدواها الاقتصادية مثل تفريعة قناة السويس وبناء العاصمة الجديدة...الخ.
· ادانة ثورة يناير واتهامها بالمؤامرة وبالكارثة، ونفى أى صفة ثورية أو ايجابية عنها.
·مع تمجيد 30 يونيو و3 يوليو وعدم توجيه اى انتقادات لها أو لما آلت اليه مع اعتبارها الثورة الوحيدة.
·تشويه وشيطنة كل من شارك فى ثورة يناير لا فرق فى ذلك بين إسلامي ومدني.
· مع تخوين الاخوان واتهامهم جميعا بالإرهاب والمطالبة باجتثاث كل التيار الإسلامي من الحياة السياسية.
·وكذلك تخوين أى معارضة أو معارضين مدنيين والمطالبة باجتثاثهم هم أيضا من الحياة السياسية.
·تحريم وتجريم وحظر اى تواصل بين التيارين المدنى والاسلامى.
·الامتناع التام عن توجيه اى نقد لسياسات الاستبداد والقبضة البوليسية مهما ارتكبت من تجاوزات، مع الاشادة بحالة الحريات وحقوق الانسان في مصر بما فى ذلك المعاملة داخل السجون!
· حظر اى انتقادات لانتخابات المرشح الرئاسى الواحد والوحيد، والاشادة بنزاهة الانتخابات، وتشويه اى مرشحين مستقلين.
·مع حظر اى انتخابات حقيقية على اى مستوى، فكله بالترتيب والتعيين.
·بالإضافة الى قوائم طويلة من الممنوعات والمحظورات مثل حظر التظاهر، وحظر المؤتمرات الجماهيرية، وحظر المواقع الالكترونية وحظر الصحافة الحرة وحظر الكتاب المعارضين، وحظر أى رأى آخر فى كل القنوات الفضائية المصرية، وحظر الانشطة النقابية والطلابية المعارضة او المستقلة، وحظر اى فاعليات او انشطة سياسية أو ثقافية أو حتى رمضانية يمكن ان تؤدى الى اجتماع الناس وتواصلها وتنظيم صفوفها وتنسيق مواقفها.
·الامتناع عن المشاركة في أي قناة فضائية خارجية تعارض السيسي.
· تفريغ حق التقاضي امام مجلس الدولة من دوره ووظيفته، بإهدار احكامه التي تصدر ضد قرارات الدولة.
·مع تحصين صفقات الخصخصة وبيع القطاع العام ضد الطعن عليها قضائيا.
· الاشادة بعدالة القضاء وبالمحاكمات العسكرية، وحظر المطالبة بالافراج عن أى معتقلين، والصمت التام عن أحكام الاعدام بالجملة والسجن المؤبد والمشدد والحبس الاحتياطي بدون أسقف زمنية بالمخالفة لنص القانون.
·العمل تحت اشراف وتوجيه أحد الاجهزة الامنية.
·وبشكل عام محظور حظرا تاما، أن يكون هناك شخص او حزب او حركة أو تيار معارض، قادر على الوصول الى قطاعات واسعة من الناس والتفاعل معها والتأثير فيها، حددها قانون جرائم الانترنت الصادر مؤخرا بـ 5000 فردا.
*****
القاهرة فى 26 اغسطس 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق