اتفق جميع المحللين السياسيين على أن ردة فعل النظام السعودي كان مبالغاً فيها وغير مألوفة على التصريحات الكندية بشأن احتجاز وسجن نشطاء سياسيين في المملكة، فكثير من الدول الأوروبية والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تتخذ نفس الموقف وتصدر تصريحات ربما أقوى من التصريحات الكندية.
وفي العادة فان موقف النظام من تصريحات كهذه كان دائماً موقفاً خجولاً ونافياً لوقوع أحداث كهذه أو مهملاً لها، ثم يمر زمن على مثل هكذا تصريحات يتم نسيانها توضع في الملفات وعفا الله عما سلف.
فما الذي استدعى هذا الموقف القوي من نظام آل سعود؟
قبل الخوض في السبب لا بد من التنبيه أن الغرب عموماً كان يتخذ ذرائع كهذه، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان للتدخل في الشؤون الداخلية للوطن العربي ولعل العراق وليبيا خير مثل على ذلك.
ولا يملك المواطن العربي الغيور سوى الوقوف مع حكوماته مهما كانت مستبدة فما خفي كان أعظم ولسان حاله يقول إن وراء الأكمة ما وراءها.
ولكن اختلفت الصورة هذه المرة ، فكندا التي عادة ما تؤيد التدخل الاستعماري الغربي وتساعد دوله على الغزو بدون تردد، لم تعد كما كانت وأصبحت أقرب ما يمكن لنموذج الدول الاسكندفانية مثل السويد والنرويج والدانمارك، وهو النموذج المشرف فعلاً والذي يعبر عن الرقي الحضاري لإنسان المستقبل ولدولة عادلة كما ينبغي أن تكون.
وعندما تنادي كندا وتحتج مثل غيرها من الدول والمنظمات الإنسانية على الاعتقالات وعلى انتهاك حقوق الإنسان في دولنا المبتلاة بهذه الأنظمة التعسفية فيجب الوقوف معها وتشجيعها.
بينما ينبغي الوقوف ضد كل المواقف المنافقة والمرائية لحكومات أمريكا وبريطانيا وفرنسا الاستعمارية التي لا تبالي ابداً بما تفعله أنظمتنا المستبدة طالما أن مصالحها مؤمنة لديها.
إذاً ماذا حدث حتى يتخذ النظام السعودي هذا الموقف الجريء وهو الذي لم يجرؤ أبداً على المواجهة: إنه الضوء الأخضر من ترامب .
فقد طلب من النظام السعودي معاقبة كندا ولبى النظام النداء فقد تلاقت مصلحة الطرفين في هذا الموضوع .
بالنسبة لترامب هو لن ينسى طيلة حياته ما فعله جاستين ترودو به وهو يعامله مثل تلميذ خائب ابتداءً من سيطرته في مصافحة اليد وحتى إلقاء محاضرة سياسية عليه في قمة السبع التي انعقدت في كندا ، والمصيبة الأعظم استهزاء ترودو به وتذكيره بتاريخ العائلة التي بدأت ثروتها بفتح جده لبيت دعارة في كندا عام 1897
لم يعرف تاريخ رؤساء الولايات المتحدة رئيساً ترتفع فيه نسبة الأنا الى الحد الذي وصل إليه ترامب، ولم يشهد البيت الأبيض مزاجية عالية مثل مزاجيته أو فضائح مثل فضائحه.
يمثل ترامب الوجه القبيح للرأسمالية التي تنادي بأن الغاية تبرر الوسيلة وهو لا يتورع عن التعاون مع الشيطان من أجل الفوز والحصول على ما يريد ، ولو وجد ترامب في دولة أخرى غير الولايات المتحدة فقل على التوازن الدقيق للسلطات السلام. وقل رحمة الله على الصحافة الحرة التي يعاديها بكل قوة.
ولكن مهما بلغت المزاجية في الرجل فإن لها حدوداً لا يستطيع تخطيها ومن بين ذلك علاقة الولايات المتحدة الحميمة بجارتها الشمالية كندا.
ولكنه يستطيع توظيف عملائه وصبيانه في محاولة إيذائها أو بالأحرى التأثير على الناخب الكندي في إلقاء اللوم على ترودو وإسقاطه في الانتخابات القادمة بسبب تأثر المصالح الاقتصادية للدولة وخسارة بعض العقود الهامة.
ولن نعرف تأثر ترودو وحزبه بما حدث حتى اكتوبر 2019 .
تلاقت مصلحة النظام السعودي مع رغبة ترامب وأراد أن يشعر العالم أنه حر وليس تابعاً ذليلاً فكانت ردة الفعل القوية هذه على كندا والتي لا تهدد تبعيته المطلقة للولايات المتحدة بشكل عام أو ترامب بشكل خاص، فربما تعطيهم شعوراً زائفاً أنهم ند للدول الكبرى، ولكن هل يجرؤون على اتخاذ نفس الفعل ضد بريطانيا وفرنسا؟
ولعلنا نتذكر طلب ترامب من العاهل السعودي رفع إنتاج النفط 2 مليون برميل يومياً فلبى نداءه بدون مراعاة للمصلحة الاقتصادية لبلاده والتي تعاني من ضائقة مالية وهي أحوج ما تكون الى رفع سعر النفط عله يعوض النزيف المتزايد بسبب حروبه في المنطقة وضرب عرض الحائط بشركائه في( أوبيك ( منظمة الدول المصدرة للنفط والتي هي أيضا أحوج ما تكون الى رفع السعر.
وبالطبع فإن تنفيذ أوامر ترامب بدون تردد في مسألة النفط لن تمحي أبداً رأي الدول والشعوب في تبعية النظام السعودي الكاملة لأمريكا والألعاب البهلوانية التي قام بها النظام في مسألة كندا لن تغير من هذه النظرة.
ملاحظة : البغاث هو صغار العصافير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق