09 يناير 2017

داود عمر داود يكتب: فضيحة القرصنة الروسية أخطر من "ووترغيت"

خلص تقرير أجهزة الاستخبارات الأمريكية، الى نتيجة مفادها ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من أصدر الأوامر للاجهزة في بلاده كي تقوم بعمليات اختراق اليكتروني وقرصنة للتأثير على الانتخابات الرئاسية الامريكية. وقد حدد التقرير أربعة أهداف أراد بوتين تحقيقها، أولها: زعزعة الثقة في الديمقراطية الامريكية عبر التشكيك في نزاهة الانتخابات، وثانيها: الإضرار بفرص فوز هيلاري كلينتون، وثالثها: زرع الفتنة والانقسام بين الأمريكيين، ورابعها: تحسين فرص دونالد ترامب بالفوز.

تفضيل ترامب

الهدف الأخير، تفضيل ترامب على كلينتون، هو مربط الفرس. فقد أكد التقرير أن الروس كانوا يفضلون فوز ترامب، وسعوا الى ذلك سعيا حثيثا، بعرقلة حملة منافسته كلينتون، وتشويه صورتها لدى الناخبين بفضيحة الايميلات، وجعلها تبدو غير مؤهلة لتصبح رئيسة للبلاد. وهذا كان اسلوب موسكو للوصول الى هدفها من القرصنة. المهم انه تحقق لبوتين ما أراد، فخسرت كلينتون وفاز ترامب. لكن الأهم ما سيترتب على هذا التدخل الروسي من تداعيات على الصعيد السياسي الأمريكي الداخلي، وكيفية تصرف الكونغرس مع القضية، ومع ترامب، ومع روسيا.

قنبلة اوباما المؤقوتة لترامب

سمع أعضاء الكونغرس مباشرة، من قادة أجهزة الاستخبارات، أن روسيا تشكل تهديدا كبيرا "للحكومة الامريكية والجيش والدبلوماسية والتجارة والبنية التحتية" للبلاد. كما أكدت هذه الأجهزة أن لديها أدلة دامغة أن الروس اخترقوا موقع الحزب الديمقراطي، وسربوا المعلومات لموقع "ويكيليكس" لنشرها على الملأ. لذلك أراد اوباما إبقاء القضية حية في أروقة الكونغرس، كقنبلة سياسية مؤقوتة تنفجر بوجه ترامب في أية لحظة. وما دام الكونغرس قد علم بمحتويات تقرير القرصنة الروسية، ووضعه على جدول أعماله، فلا بد أن يصل الى نتيجة، في نهاية المطاف.

كان تصرف اوباما حين طلب إصدار التقرير الاستخباري، قبيل إنقضاء مدة رئاسته، واطلاع الكونغرس عليه، غاية في الذكاء السياسي. إذ ترك قضية، على درجة عالية من الحساسية، مفتوحة أمام الساكن الجديد للبيت الأبيض ستؤرقه من شدة خطورتها، السياسية والقانونية. ويتعين على ترامب أن يتعايش مع هذا الواقع، مهما أمضى من وقت في الرئاسة. ولن يكون بمقدروه طي الملف باللجؤ إلى أساليب النفي، والتهكم، والاستخفاف، والتصريحاته النارية. فالأمر الان ليس بيده بل بيد أعضاء الكونغرس من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، الذين يُجّمعون على متابعة القضية، حتى نهايتها. واعلنوا أنهم سيواصلون، في الاشهر القادمة، عقد جلسات الاستماع للوصول الى الحقيقة الكاملة. 

"ترامب غيت"

هناك أوجه شبه بين فضيحة القرصنة الروسية، التي ستلاحق ترامب، وبين "ووترغيت"، تلك الفضيحة المدوية التي أطاحت بالرئيس الامريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، وأُضطر معها للاستقالة من منصبه، في 8 آب أغسطس عام 1974، لتجنب اجراءات العزل التي كان يعتزم الكونغرس البدء فيها. ولولا العفو الرئاسي من خلفه، جيرالد فورد، لدخل السجن بتهم جنائية.

ملخص فضيحة "ووترغيت" أن نيكسون قرر ترشيح نفسه، لفترة رئاسية ثانية، في انتخابات 1972، حيث كان ينافسه السناتور الديمقراطي جورج ماكغفرن. وقبيل الانتخابات بأشهر قليلة، ألقت الشرطة القبض على خمسة أشخاص كانوا يقومون بتركيب أجهزة تجسس في مقر الحزب الديمقراطي في مجمع تجاري اسمه "ووترغيت" بالعاصمة واشنطن. وكانت النتيجة أن تفجرت أزمة سياسية، وُوجهت فيها أصابع الاتهام الى الرئيس نيكسون، الذي فاز على ماكغفرن.

وتبين بعد عامين من التحقيقات أن الجرائم التي ارتكبت باسم نيكسون تشمل التجسس على أنشطة الحزب الديمقراطي مما ساعد على إعادة انتخابه، وقيام فرق من حزبه الجمهوري بالأعيب قذرة لإثارة الفتن بين أعضاء الحزب الديموقراطي. ودافع محامي البيت الأبيض انذاك بأن الرئيس قد لا يكون على علم بما جرى، إلا أنه اعترف بقيامه بالتستر على تلك المخالفات عندما علم بها. وأصبح مؤكدا أن مجلس النواب سيوجه له تهما ستؤدي الى عزله من منصبه، لو وافق 60% من النواب. فاختار نيكسون الاستقالة، وكان أول رئيس يستقيل من منصبه.

تهم بالخيانة ربما تنتظر ترامب

تتبادر الى الاذهان هذه التفاصيل عن فضيحة "ووترغيت" في وقت يولي فيه الكونغرس الامريكي أهمية قصوى هذه الأيام لفضيحة القرصنة الروسية التي ربما تتحول الى فضيحة سياسية، تفوق فضيحة "ووترغيت"، ستظل تلاحق الرئيس الجديد دونالد ترامب، الذي يصر على إنكار التدخل الروسي وينفيه، ويحاول التستر عليه، ويواصل إبداء الاعجاب بالرئيس الروسي، رغم العداء الذي تبديه الاوساط السياسية في واشنطن لروسيا ولشخصية بوتين.

ما يزيد الأمر إثارة ما تناقلته الصحافة الأمريكية من تسريبات أن تهما بالخيانة ربما تنتظر ترامب لو ظل يصر على إنكار الاختراق الروسي للانتخابات الرئاسية. والأدهى أن الصحف أشارت إلى إحتمال أن يكون ترامب قد فتح، خلال حملته، قنوات اتصال خلفية مع الروس، عن طريق معاونين له، وأنه ربما يكون على اطلاع على القرصنة ويحاول الآن التستر عليها. وما يغذي هذه التكهنات الصحفية ذلك التصريح الذي أدلى به سيرغي رايبوكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، في جريدة "نيويورك تايمز"، بعد يومين من فوز ترامب، حيث قال ان "هناك اتصالات بين موسكو وحملة ترامب الانتخابية، وأن موظفين وأعضاء في الحملة كانوا على تواصل مع مندوبين عن روسيا".

الخلاصة إذن، أن واشنطن الآن أمام فضيحة من نوع جديد، أهم وأخطر من فضيحة "ووترغيت" في السبعينات، إذ أن فضيحة "ترامب غيت" لها أبعاد خارجية. فإذا كان التحقيق قد استغرق عامين لادانة الرئيس نيكسون، المحامي والسياسي الذكيُ المراوغ، وهو يحاول التملص من مسئوليته عن فضيحة "ووترغيت"، فكم يحتاج المحققون من وقت للايقاع بترامب، رجل المال والاعمال ليحملوه مسئولية فضيحة "ترامب غيت"؟ لقد وجد نيكسون نائبه جيرالد فورد ليُصدر عفوا رئاسيا عنه، لتجنيبه دخول السجن، فهل سيجد ترامب من يعفو عنه لو أُدين؟ وهل يعيد التاريخ نفسه في واشنطن؟

07 يناير 2017

سارة السهيل تكتب : العنف في التاريخ العراقي قديما وحديثا

يعيش شعب العراق في آتون عنف دموي شبه يومي تجلت مظاهره منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق وتفتيت تماسك وحدة نسيج المجتمع العراقي بشظايا الطائفية والمذهبية الظاهرة للأعين.
غير ان التاريخ الانساني يؤكد ان ظاهرة العنف في العراق ليست وليدة العصر الحالي، بل ان حضارات العراق القديمة شهدت العديد من مظاعر العنف والاقتتال، ولذلك فانه وللوهلة الأولى يبدو الشعب العراقي و كأنه شعبا عنيفا وان العنف جزء اصيل في تركيبته الانسانية إلا أن الحقيقة غير ذلك فإن تفسير ما يجري وما جرى على أرض العراق عبر التاريخ غير مشتق من كلمة العنف على قدر ما هو تركيبة إنسانية منفردة ورثها هذا الشعب العريق عبر حضاراته المختلفة 
كل الدول من حولنا تتغنى بحضارة واحدة عاشت أو مرت من أرضها أو اثنان على الأكثر إلا العراق فقد احتضن سبعة حضارات على أرضه الغنيه بالتراث و الخيرات
و من السبع حضارات تكونت سبعة خبرات و سبع تناقدات و بالتالي سبع تناحرات و ولدت سبع أشكال فيسيولوجيه بالشبه و الملامح فتجد بالعراق أنماط مختلفه من هيئات البشر تبعا لاصولهم و جنسهم 
كما تجد ديانات و طوائف و أنماط فكرية مختلفه من الجنوب حتى الشمال ،شرقا وغربا وبالتالي التقاليد و الأعراف و الأكلات و الزي .وتباين مقدار اندماج كل فئة منهم مع الحضارة الجديدة و التطور الطبيعي الزمني الذي مر بهم و اوصلنا إلى الوقت الحالي فمنهم من اندمج مع العصر و منهم من آثر أن يبقى في الماضي 
وفي رأيي كل هذه الاختلافات قوة ما بعدها قوة أن كانت في كنف حكم حكيم ومن السهولة أن تتحول إلى نقمة أن كانت كل هذه الطوائف تحت حكم عنيف قاس كما في السابق القريب أو الفوضى و الفساد أو في الحقب الزمنية التي كانت تعاني الضعف و الشتات
وبما اننا في مرحلة عصيبة من تكالب الأمم على عراقنا و تآمر البعض من أبنائه مع الأمم المتكالبة و جهل البعض بسبب الفقر و الحروب و انعدام الأمان.
فحتما سيكون هذا التنوع الثقافي الحضاري الذي ذكرناه نقمة و مدعاة للتناحر واالحروب والفوضى طالما لم يستطع الدستور أن يحوي كل الفئات تحت جناح القانون و العدالة لتتم المواطنة على أساس الانتماء للوطن و ليس الحزب أو الطائفة أو الدين
وهذا الفكر لم يكن من الممكن أن يكون قد تشكل في وجدان العراقيين لسبب بسيط انه في السنوات السابقه قبل الاحتلال لم يكن هناك أي فكر مطروح أو انتماء سوى للحزب الحاكم و الحاكم فلم يتدرب الشعب على حب الوطن بالاختيار بل كان انتماء مفروض بالإكراه و التعود
وعندما غابت العصاة المخيفة و أصبحوا أحرارا كان من الصعب جدا تقرير المصير قبل أن يكونوا مجهزين لهذا التحول ومن الطبيعي أن يتولى أمر التجهيز أولياء الأمر والقائمين على أحوال الشعب
إلا أن الحروب الطائفيه و الاحتلال و الإرهاب حال دون مقدرة الاشراف منهم لخدمة الوطن و فشلهم بحل الازمه و جعل الغير إشراف يصولون و يجولون فسادا
كل هذا زاد من نظرة غير العراقيين للعراق على أنه بلد تشبعت أرضه من دم شعبه و انه وطن يحلو له قتل أبنائه و ان تراب العراق لا يهدأ ولا يستكن حتى يحتضن باعماقه اكفان و صناديق الشهداء من كل الملل و الطوائف
و لم ينفي أحد و لم يعترض أحد على هذه النظرة التعسفية و التعسَه ولا أقصد النفي فقط بالكلام و إنما بالأدلة و البراهين بأن يصرح أحد المسؤولين أن الإنسان أغلى ما نملك أو أن تقوم الدنيا و لا تقعد عندما نفقد طفل أو امرأة أو رجل عراقي وفي أعلى طموحاتنا أن يجنح العراقيون للسلم فيما بينهم حقنا لدماء اخوتهم بالوطن وان يقفوا صفا واحدا إكراما لدماء الشهداء .
وأصبح المشهد العراقي مثير للألم و الحزن و اليأس في كل الأحيان. 
وعندما صمت الجميع و لم يجب أحد على هذه الاتهامات في حق شعبنا المظلوم أجاب القدر و انتقلت عدوى العنف إلى الكثير من البلدان ليتم الإجابة أن الظروف تخلق العنف و ان النفس البشرية تتقلب و خاصة الضعيف منها و الغير مؤهل و اتضح انه حولنا الكثير ممن حولتهم الظروف إلى العنف الإجباري كما اضطر العراقيون أن يواجهوا مصيرهم طوال السنوات الماضية عبر التاريخ القديم والحديث.
و بالعودة لخصوصية العراق مع العنف..
يؤكد هذا التصور النظري ان التاريخ الانساني يسجل الارث الدامي في العراق عبر حضاراته المختلفة مما يجعلهم من أكثر الشعوب تطرفا.
غير ان الدراسات التي قام علماء متخصصون في تاريخ العراق وشعبه عبر التاريخ درسوا خلالها سيكولوجية اهل العراق وجدوهم اكثر ميلا للزعامة والرئاسة، وانهم متقلبي المزاج بين البداوة والمدينة، وانهم لا يرضون عن حالهم وسرعان ما ينقلبون عليهم.
ويستدل بعض الكتاب على صحة هذه الفرضية بما نقل عن ابن الأثير قوله : " فلما مرض معاوية مرضه الذي مات فيه، دعا ابنه يزيد فقال: انظر أهل العراق، فان سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملا فأفعل، فان عزل عامل أيسر من أن تشهر عليك مائة ألف سيف".
وهذه المقولة تعكس في تحليل بعض المتخصصين ادراك " معاوية " سرعة تقلب مزاج العراقيين وعدم رضاهم عن الحكام وميلهم للقيادة والزعامة.
وكما تذكر بعض الآثار التاريخية، أن الاسكندر المقدوني كتب إلى أستاذه الفيلسوف أرسطو، بعد فتحه العراق عام 331 قبل الميلاد: «لقد أعياني أهل العراق، ما أجريت عليهم حيلة إلا وجدتهم قد سبقوني إلى التخلص منها، فلا استطيع الإيقاع بهم، ولا حيلة لي معهم إلا أن اقتلهم عن آخرهم".
ووفقا لهذه التصورات، فان أهل العراق يوصفون بأن لهم نظر وفطنة وذكاء، وان هذا الذكاء يدفعهم إلى ممارسة الجدل والنقد و قلة الطاعة ومعصية حكامهم وهو ما يولد العنف الظاهري.
ولعله مما يبرهن على ذلك، تفسير الجاحظ، وهو احد كبار المفكرين أسباب عصيان أهل العراق على الأمراء بقوله أنهم " أهل نظر وفطنة ثاقبة، ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤوساء وإظهار عيوب الأمراء. ثم يقول وما زال العراق موصوفا بقلة الطاعة وبالشقاق على أولي الرئاسة" .
وهذا يعني بما لا يدع مجالا للشك، بأن نزعة الجدل في الشخصية العراقية بجانب سماتها الشخصية من الأنفة والكبرياء والزهو والتمسك بالرأي قد جعل قيادتهم من أي حاكم أمرا شديد الصعوبة .


جذور العنف


فالعنف هو الطابع الغالب في الحياة السياسية العراقية قديما وحديثا. ولهذا العنف جذوره التاريخية والاجتماعية والثقافية والطبيعية، ومن بينها تعرض العراق على مدار التاريخ الانساني لمذابح وانتهاكات كبرى اقترفها غزاة ومحتلون اجانب مثلما اقترفه هولاكو وتيمور لنك في العراق ومن قبلهما الحجاج والخلفاء الامويون وما اقترفه السلطان مراد أوالصفويون ضد الشيعة أو السنة في العراق، والمذبحة التي نفذها الولاة العثمانيون بحق المماليك.
فهذه الشواهد التاريخية تؤكد ان العراقيين لقرون طويلة وما زالوا ضحايا الاستبداد والعنف والقهر والقمع بما جعل العنف أرثا ملازما لهم، ابتداء من حكم نبوخذ نصر، مرورا بمأساة كربلاء وطغيان الحجاج واستبداد المنصور والسفاح وهجوم المغول واستباحتهم لبغداد ، وكافة أشكال الاستبداد والقمع والحروب والحصار والمقابر الجماعية لنظام صدام حسين وانتهاء بالاحتلال الغاشم وما افرز ويفرزه من فوضى ودمار وصراعات اثنية ودينية وطائفية ، و الأعمال الإرهابية ذات الآيديولوجية التكفيرية، التي جاءت على الاخضر واليابس ولم ترحم المدنيين العُزَّل من الأطفال والنساء والشيوخ في عالمنا المعاصر.

هذه المآسي التاريخية التي تعرض لها شعب العراق عبر الحضارات المختلفة قد أثرت سلبا في نفسية الانسان العراقي، وجعلته شديد البأس في مواجهة أي خطر قد يستشعره بحسه التاريخي، و قلقاً ومتوتراً وغير مستقر على حال، يغلفه ميراث من الحزن والأسى عبرت عنها أساطيره وأشعاره وأغانيه.


حقيقة تاريخية


والملاحظة العملية قد اثبتت تاريخيا أن العنف في العراق جاء دائما من الأطراف، خاصة من جانب الجيوش الغازية من الشرق أو من القبائل البدوية من الغرب، كما حدث مؤخرا مع الغزو الامريكي للعراق الذي هدم مؤسسات الدولة جيشا وشرطة واقتصاد وانتهك حرمات التاريخ وسلب الخزائن التاريخية في المتاحف العراقية ليطمس الذاكرة الحضارية للعراقيين.
ولعل المشهد اليومي للعنف واراقة الدماء في العراق يؤكد استمرار ميراث ثقيل من تاريخ العنف الدموي الذي دفع ثمنه ابناء العراق نتيجة غزو بلادهم، مما اورثه ايضا ثقافة العنف المكتسب كرد فعل على اعتداء الاخرين عليه.

الاطفال وميراث العنف

لم تتمتع العراق بالاستقرار السياسي الا لفترات قصيرة، بسبب تواصل الصراع السياسي والعسكري العنيف، وما ترتب عليه من سجناء ومعتقلين واعدامات، مثلما حدث في الحرب العراقية الايرانية وقدرت خسائرها بمليون انسان مابين قتيل وجريح ومعوق، اضافة الى 100 الف قتيل في حرب الخليج الثانية، وانتفاضة اذار عام 1991 في الوسط والجنوب. ونجم عن هذه الحروب ضحايا واسر مشتتة واطفال يتامى بلا نهاية وصولا لما آل اليه حال العراق بعد الغزو العراقي وتداعياته حتى يومنا هذا.
وأدى انخراط مئات الاف الاباء في القوات المسلحة والاعمال المساندة إلى انحسار في دور الأب في الاسرة وتراجعه، فولدت مشاكل اسرية، انعكست على التربية الاجتماعية للاطفال، وفقدان الأطفال للثقة بالنفس وبالاخرين والأمن والسلامة، والشعور بالتعرض للاذى، وقد اجبرت العديد من عوائل الاطفال على العمل، مما ادى لانتشار ظاهرة اطفال الشوارع بأعداد كبيرة وهي ظاهرة في تنامي مستمر.

مآسي أطفال الشوارع



هناك العديد من المخاطر التي تعرض أطفال الشوارع لمخاطر اشبه بالمآسي تقضي على مستقبلهم وعلى مجتمعهم ومن ابرزها : تفشي الامية بين الأطفال المتسولين والمتشردين خاصة وان من بينهم من لم يدخلوا المدرسة، ومنهم من تركوا الدراسة بعد ان نالوا قسطا غير وافٍ من التعليم.
وتقودهم ظروفهم الاجتماعية الي الانحدار في مهاوي الرذيلة، حيث يتعرض اطفال الشوارع الى الاستغلال الجسدي، مستغلين ضعفهم وصغر سنهم، وعدم قدرتهم على رد الاساءة، اضافة الى ممارسة العنف و الامور الغير أخلاقية مع بعضهم البعض.
كما يتعرض اطفال الشوراع إلى مخاطر الادمان على التدخين والمخدرات، اكدت بعض الدراسات ان 90% من المتسولين والاطفال العاملين يتعاطون التدخين في محاولتهم تقليد الكبار والاخطر من ذلك الادمان على المخدرات المحلية المتوفرة في الاسواق .


وقف العنف


يبقى حماية الاطفال من ان يتحولوا إلى اطفال شوراع في العراق رهين، بتغيير ثقافة العنف المنتشرة في المجتمع وبذل أقصى الجهود لنشر ثقافة التسامح، وهذا لن يتحقق بمعزل عن نبذ التطاحن السياسي والعمل على محاربة فكر الطائفية والمذهبية واعادة اعمار العراق وفق اجندة وطنية مخلصة تحافظ على وحدة العراق واستقراره الأمني والسياسي ، ووضع برامج للتنمية الاقتصادية المستدامة وتوفير حضانة آمنة لاطفال الشوراع تتولي رعايته امنيا واجتماعيا واقتصاديا وتربويا .
فهل بعد كل هذه الأحداث التي مرت على العراق نتعجب ان كان هناك عنف على أرضه وهل لو مر ربع الذي مر به العراق على اي شعب اخر ما سيتحمل أو هل سيواصل او كان بقي له اثر من الأساس !!؟؟ 
انا أرى ان شعبنا صامد و باق مهما مر عليه من مشاهد مأساوية و لنا ان نلقي اللوم على الظروف و على العلماء و المفكرين الذين لم يوجدوا حلولا لقطع العنف من دابره و شلع الحرب من جذورها وقطع الفتنة من رأسها و سحب البساط من تحت الخلافات و الاختلافات فليس الجميع واع و قادر إنما العتب على المتميزين بعلمهم و قدراتهم أين هم من نشر الوعي و العلم في بلادهم و اعادة الحضارة و التحضر الذي كان في الماضي القريب و أين هم من وضع الاستراتيجيات التي تساعد في القضاء على الفقر و الجهل الذي كان له التأثير الأكبر على تراجع الفكر و التقدم يجب ان نعتذر جميعنا للعراق فكلنا مقصرين
*أديبة عراقية

01 يناير 2017

سيد أمين يكتب: الصراع القطبي الجديد .. وانعكاساته على مصر وسوريا

نقلا عن حرية بوست
المشهد الروسي الأمريكى يزداد توترا ويحتوى على المزيد من الألغاز والتعقيدات وبالقطع سيلقي بظلاله على منطقة الشرق الأوسط ، ويأتى ذلك بعد العُثور على المليونير ووزير الإعلام الروسي الأسبق ميخائيل ليسين المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، ميتاً في فندق بالعاصمة الأميركية واشنطن، وهو الشخص الذي كانت المعارضة الروسية تتهمه بقمع وسائل الإعلام في روسيا، وشارك في تأسيس مجموعة الإعلام "روسيا توداي" الناطقة بالإنجليزية والمدعومة من الحكومة الروسية، وتقول المجموعة إنها ترغب في تقديم رؤية بديلة للأحداث العالمية الكبرى مع "وجهة نظر روسية".
القتيل كان محل شكوك أمريكىة سابقة حينما طالب السيناتور الجمهوري الأمريكى روجي ويكر، في يوليو 2014 بتحقيق اتحادي حوله لمعرفة ما إذا كان يبيض أموالاً في الولايات المتحدة أو ما إذا كان على صلة بأشخاص موضع عقوبات أميركية.
أهمية الحادث أنه جاء قبيل طرد الولايات المتحدة عدد من الدبلوماسيين الروس مؤخرا، فيما رد الرئيس الروسي فلاديميربوتين بأن روسيا لن ترد على هذه الواقعة إلا بعد معرفة رأى الرئيس الامريكى المنتخب دونالد ترامب من تلك الواقعة عقب توليه الحكم في نهاية يناير المقبل ، وهو الرد الذى وضع علامات استفهام كبيرة حول صحة التحقيقات التى تؤكد تورط روسيا في عمليات تزوير تقنية متقدمة لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية التى جرت اوائل نوفمبر الماضى.
ورغم من المجمع الانتخابي أكد فوز ترامب في تلك الانتخابات إلا أن ما اعلنته المخابرات الامريكية السبت من اجتماعها مع الرئيس ترامب يضع علامات استفهام كبري جديدة أهمها أنه لا يحق لرئيس لم يتولى رئاسته رسميا الاجتماع بالمخابرات الامريكية خاصة أن قيادات تلك الاجهزة قد يتم تبديلها مع كل رئيس جديد للبيت الأبيض وهو ما يرجح معه أن يكون الاجتماع للتحقيق مع ترامب وليس لترتيب أوضاع الجهاز كما يتصور وكما أعلن.
ومن اللافت للنظر ذلك الرضوخ السريع للقوات الروسية في سوريا وقبولها الجلوس مع المعارضة المسلحة للتفاوض ما يعنى اعترافا ضمنيا بها ، وهو ما يشير ضمن ما يشير إلى رغبة الروس في تسوية سريعة والخروج بأى مكسب سريع من الوضع السوري للتتفرغ موسكو لصراعات جديدة ترتقبها.
وفيما شبه تفجرا جديدا للحرب الباردة ، قاست موسكو خلال الأيام القليلة الماضية خسائر فادحة قد لا تبدو مبررة ، أو حتى منطقية ، أهمها سقوط الطائرة العسكرية وعلى متنها عدد كبير من كبار العسكريين الروس كانت في طريقها لحلب السورية، ثم مقتل السفير الروسي في اسطنبول بينما تشر التحريات التركية بحسب افادات صحفية عن وجودعلاقة حميمة بين القاتل وبين سيدة روسية كانت على علاقة بالمخابرات الأمريكية وهو ما أكده رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي ،وكذلك مقتل وكيل وزارة الخارجية الروسي في شقته بموسكو.
كما يأتى اعلان صحيفة "ديلي ستار" البريطانية عن أن الرئيس الروسي قتل في 2014 وتم استبداله بشبيه أخر ليضيف المزيد من الاستفهامات ، فضلا عن الاعلان عن تعرض السفير الروسي في تل أبيب إلى وعكة صحية وما تلاها من تسرب معلومات عن أنه تعرض للتسمم ، وهو الأمر الذى إن ربطنا بينه وبين تصريحات وزير خارجية امريكا عن خطورة المستوطنات الاسرائيلية ومن قبلها امتناع الولايات المتحدة عن الاعتراض على قرار ادانة بناء المستوطنات والاكتفاء بالامتناع عن التصويت فقط ، وما يحمله ذلك من تطور غير مسبوق بين العلاقات المعروفة تقليديا بالحميمية بين اسرائيل والولايات المتحدة ، لو ربطنا بين ذلك لوجدنا مؤشرا كافية عن احتمال اكتشاف الولايات المتحدة تدخلا روسيا عبر النفوذ الاسرائيلي في الانتخابات الامريكية.
بالطبع صراعات العمالقة تلقي بظلاها على كل العالم ، والذى من أهم الأماكن تأثرا به سيكون الشرق الأوسط ، ففيما يبدو أن الولايات المتحدة تسارع الزمن قبيل حلول العشرين من يناير حيث يتولى ترامب رسميا الرئاسة – إن كان هذا سيحدث هذا أصلا – من أجل قصقصة ريش روسيا التى خرجت من الحظيرة الأمريكية بشكل مفاجئ ، بعدما أدخلت إليها قسرا عقب الانهيار السوفياتى عام 1990 ، وراحت تعبث في البيت الأبيض نفسه.
ومن المتوقع أن تمتد قصصة الريش تلك إلى مصر لتتم ازاحة الحلفاء المارقين ، الذين صعدوا بعونالبيت الابيض وهرولوا إلى الكرملين، كما امتدت إلى سوريا مؤخرا.

24 ديسمبر 2016

(شمس في المقهى) لنازك ضمرة.. كثافة اللغة

غلاف مجموعة "شمس في المقهي"

بقلم حسب الله يحيى*
تتيح القراءة الثانية لأي عمل إبداعي أو ثقافي، فرصة جديدة للناقد والقارئ لمراجعة ما توصل إليه في قراءته الأولى. وهذا لا يعني أن القراءة الأولى هامشية عابرة، والثانية معمقة دالة.. بل هي الدقة والإمعان والوصول الى مستويات جديدة للقراءة، وقد تقترن بظروف نفسية يمر بها المتلقي وبالتالي تنعكس على قراءته.
وتشكل القراءة الثانية تلويناً وحيوية وتفهماً أعمق لا تحققه القراءة الأولى، وقد أتاحت لي هذه القراءة الخروج بنتائج إيجابية إزاء أعمال فذة مثل «العالم الطريف» لهكسلي، و»لعبة الكريات الزجاجية» لهيرمان هيسه، و»العقب الحديدية» لجاك لندن، في حين كانت القراءة الأولى لهذه الأعمال سلبية، حتى إذا جاءت القراءة اللاحقة بعد زمن وبدافع ملحّ للفهم، كانت القناعات قد أخذت قناعات جديدية. 
من هنا وجدت ضرورة حفزني إليها القاص نازك ضمرة لإعادة قراءة مجموعتيه «لوحة وجدار» و»شمس في المقهى». وكنت قرأتهما وتناولتهما بالنقد تباعاً.. ومثل هذا الحافز يثير الفضول، والدعوة إلى تمثل التجربة القصصية لكاتب بريد أن يفهمه ناقده ويستوعب ما أراد، مع علم الناقد أنه غير ملزم -ولا يلزمه المؤلف كذلك برأيه- بإظهار تطابق مع ما يطرحه المبدع، فقد تكون المسائل التي يتناولها كل واحد من جهته واضحة بينة، إلا أنها أثناء الكتابة التنفيذية تبدو مختلفة.. وقد لا تلتقي فيها القناعات، بل قد تتناقض لتصل حد التضاد، ومع ذلك تبقى جسور الحوار الثقافي قائمة، والعلاقات الإنسانية وثقى..
لذلك وجدت في القراءة الثانية لقصص نازك ضمرة في مجموعتيه «لوحة وجدار» و»شمس في المقهى» متعة وتصوراً مضافاً لم يظهرا لي في القراءة الأولى، إلا أنهما في الوقت نفسه لم يتقاطعا مع تلك القراءة.
ففي كلا المجموعتين، هناك رؤية مشتركة بل رؤى عدة تشكل بمجموعها حضور القاص وطبيعة إنجازه لفنه القصصي. فهناك الواقع المتخيل.. فهو وإن وُجد في كل فن، إلا أن كل فنان لديه ما يميزه عن سواه، ليصبح دالاً، وليحمل خصائص محددة. وهذا الواقع المتخيل هو الواقع الفني وليس الواقع المادي الذي يعيشه القاص وسواه من الناس.. إنه منظور القاص إلى الأشياء وكيفية تفهم هذه الأشياء وانعكاساتها في نفسه.
نازك ضمرة لا يكرر نفسه، وإنما يؤكد أسلوب كتابته.. فهو يعتمد الجمل القصيرة الموحية والمتدفقة.. ويتنبه إلى الأشياء مهما صغرت ويسعى لتقديم منظور جديد لها، والتعامل معها ضمن هذا المنظور. ومثل هذه النظرة، لا يتقنها إلا خبير مجرب لطقوس الحياة وتلوينها. كما لا ينشئ منها عالماً للفحص والتدقيق إلا من يملك خزيناً هائلاً من التجارب، حيث لا تمر الأشياء أمامه بشكل عابر.
هذه خاصية تميز قصص نازك ضمرة، وقد لا نجدها لدى عدد كبير من الكتّاب الذين لا تتحرك حواسهم إلا إزاء حدث كبير ينوء ثقله عليهم، أو تعمر به قلوبهم، لتصبح الكتابة عندئذ كتابة انفعالية.
نازك ضمرة على العكس من ذلك، ينظر إلى الأشياء بهدوء تام، ولكن بتعلق عميق وبدراية وحساسية خاصة ليجعل منها حيوات أخرى مشحونة بالحركة. فقصة «الديك» التي ظهرت في المجموعة الأولى تعود في المجموعة الثانية بعنوان «ابن الديك»، وعلى الرغم من التباين القائم بين كلتا القصتين، إلا أنهما يشكلان موقع حدقة العين وترصدها ومراقبتها وإدراكها بالكائن الذي يقف أمامها. والشيء نفسه ينطبق على عدد آخر من القصص.
الاديب نازك ضمرة
كذلك تتميز قصص نازك ضمرة بالإيجاز المقصود وكثافة اللغة.. ومثل هذا الفن الذي يطلق عليه «القصة القصيرة جداً» أو «القصة الدقيقة» نادر في القصص العالمي وإن كان موجوداً.. وأقرب نموذج أجنبي وصل إلينا «100 قصة وقصة عن الأميركية» لجيمس يونج. والتي ترجمها إلى العربية محمد السيد شوشة (الهيئة المصرية للكتاب، 1984)، وهذا لا يعني بالضرورة أن نازك ضمرة كان قد قام بتقليد هذه القصص، وربما لا يكون قد قرأها أصلاً، وإنما أريد بذلك القول إن هذا النموذج في الكتابة قائم ومثير للانتباه وللجدل كذلك باعتباره فناً يتقدمإالى القارئ بتجارب وأحاسيس -صغيرة وكبيرة- ولكن بإيجاز اقتصادي في السرد القصصي. وقد يكون عصرنا الذي يتسم بالسرعة مجنداً لهذا النمط من الفن القصصي.
إضافة إلى ذلك، نجد القاص وفي كلتا مجموعتيه يعنى بالكائنات –إنساناً وحيواناً- وأحياناً يونسن الأشياء أو يستنطقها، وصولاً إلى حدب كلي وهيمنة على المادة القصصية التي يريد التعبير عنها، كما في قصة «اغتيال الأطفال» التي يظهر فيها التداخل والتفاعل، لتجتمع فيها حيوات عدة، تبدأ من مراقبة دقيقة لنقطة ماء متساقطة.
ودافع المراقبة والترقب هذا هو الذي يشكل عالم نازك ضمرة القصصي، وهو العالم نفسه الذي قد لا يجد استقبالاً متحمساً لدى النقاد أحياناً، ومن القراء في أحيان أخرى، باعتباره يجري تحت مسقط النظر بشكل يومي وأقرب إلى الآلية، فلا يلفت نظرهم، في حين يلفت نظر الفنان المبدع الذي لا يدع الأشياء تمر دون أن يتوقف عندها ويتأملها ويراجعها.
هذا ما نجده في نازك ضمرة، إذ ينقل إلينا الكثير من الإحباطات والقرف من أشياء كثيرة تحيط به، ولا يجد حرجاً في استخدام عبارات وحتى عناوين لعدد من قصص تحمل مثل هذا القرف وعن قصد واضح.. كما في قصصه «مخاط» و»الحذاء» و «الجلة» وسواها.. ويسود الإحباط حد العجز كما في قصتي «شجرة الصنوبر» و»موناليزا»، الأمر الذي ينبه فيه القاص قارئه إلى حال ويدفعه إلى أن يكون شاهداً على واقع إنساني متخيل أو واقعي، وهو إلى جانب ذلك يمكن أن نراه ونحدد موقفاً منه.
إلا أن المشكلة التي تجعلنا قد لا نجد تفاعلاً كلياً مع القاص وقصصه أحياناً هو تعجّله في اختتام قصصه، فهو قبل أن يجعلنا في قلب الحدث وفي تلمس الشخصيات يكون قد أنهى قصته.. وقد يكون الكاتب قاصداً هذا اللون من الكتابة، ودليلنا إلحاحه على هذا الطراز من الكتابة كمؤشر مقصود، لا عجزاً. وكل قصد يحتاج إلى ما يدعمه ويقرّه ويثريه.
ونازك ضمرة قاص نابه قادر على تأكيد أسلوبه القصصي هذا، ليصبح نهجاً هو من خصوصيات ومعالم قصصه.. ذلك أن هذا الثراء سواء في التجارب العديدة التى يكتب عنها أو الأسلوب البرقي الذي يعتمده، يفتح أفقاً إلى كتابة جديدة هي من معالمه ومن رؤاه التي ستحقق إنجازاً -إن لم تنجزه فعلاً. فقصصه محطات في قطار الحياة الممتد إلى البعيد.. إلى أفق إبداعي متجدد.

• كاتب المقال عربي عراقي والاديب نازك ضمرة عربي فلسطينى

23 ديسمبر 2016

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب : لماذا يحصن السيسى المستوطنات الاسرائيلية؟

احتاج الأمر ثلاثين عاما (1948 - 1978) وعدوانين كبيرين فى 1956 و 1967، والجسر الجوى الأمريكى وثغرة الدفرسوار فى حرب 1973، لاخضاع الادارة المصرية تحت رئاسة السادات"الضعيفة والمهزوزة"، واجبارها على التراجع عن المواقف المبدئية والمقررات العربية والثوابت الوطنية والقومية، والقيام بالصلح مع (اسرائيل) والاعتراف بشرعيتها والتنازل لها عن فلسطين 1948.

بينما لم يتطلب الأمر سوى بضع دقائق و مكالمة تليفونية واحدة أو ربما مكالمتين من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو الى عبد الفتاح السيسى لاقناعه بارجاء وتعطيل التصويت على قرار يدين المستوطنات الاسرائيلية فى مجلس الأمن.

***

وأصل الحكاية هو أن مصر كانت قد وزعت مشروع قرار على أعضاء المجلس الـ15 مساء الأربعاء 21 ديسمبر الجارى، على أن يتم التصويت عليه الخميس.

وينص هذا المشروع على وقف فورى وتام لكل الأنشطة الاستيطانية فى الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.وأن إقدام إسرائيل على إقامة المستوطنات ليس له سند قانوني ويمثل انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي، ويثير القلق البالغ من أن يكون استمرار الأنشطة الاستيطانية معرقلا خطيرا يحول دون تطبيق حل الدولتين.

ولقد نقلت وكالات الأنباء انه كانت هناك مخاوف اسرائيلية بأن تقوم إدارة أوباما، التى تعيش ايامها الاخيرة، بالامتناع عن استخدام الفيتو.وان مسئولا إسرائيليا قد صرح لوكالة رويترز بأن إسرائيل تواصلت مع الفريق الانتقالي لترامب لكي يتدخل في الموضوع. وبالفعل اعلنترامب عن اعتراضه علي القرار، وقال فى البيان الذى اصدره فى هذا الشأن ان: "السلام بين إسرائيل والفلسطينيين سيتحقق فقط عبر المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وليس عن طريق فرض شروط من جانب الأمم المتحدة". وأن مثل هذا القرار "سيضع إسرائيل في موقف تفاوضي ضعيف للغاية، وهو غير عادل بالمرة بالنسبة لكل الإسرائيليين."

وفى يوم الخميس الموافق ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦، طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من البعثة المصرية في مجلس الأمن تأجيل التصويت على مشروع القرار. وسط حالة من الصدمة والذهول العام، لم تقتصر على الفلسطينيين والعرب فقط، بل شملت عديد من المراقبين الاجانب.

وفى غضون لحظات خرجت وسائل الاعلام الاسرائيلية تشيد بالموقف المصرى الذى انقذ المستوطنات الاسرائيلية من ادانة دولية، وتشيد بنتنياهو لنجاحه فى "تدشين شبكة علاقات شخصية مع السيسي تحقق لإسرائيل عوائد إستراتيجية."

وفى اليوم التالى الموافق الجمعة 23 ديسمبر، نشرت جريدة الاهرام المصرية الخبر تحت عنوان مراوغ جاء فيه أن ما يلى : ((تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساء الخميس، اتصالاً من الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، تم التطرق خلاله إلى مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية بعد تولي الإدراة الأمريكية الجديدة مسئولياتها بشكل رسمي .. وفى هذا الإطار تناول الاتصال مشروع القرار المطروح أمام مجلس الأمن حول الاستيطان الإسرائيلى، حيثاتفق الرئيسان على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية الجديدةللتعامل بشكل متكامل مع كافة أبعاد القضية الفلسطينية بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية لهذه القضية))

***

· لماذا فعلها السيسى وقرر ان ينحاز علانية لاسرائيل ويساعد فى تحصين المستوطنات الاسرائيلية فى الضفة الغربية ضد قرار محتمل من مجلس الأمن؟

· لماذا ساعد فى اضاعة هذه الفرصة المحتملة و النادرة التى قد لا تتكرر مرة اخرى؟

· لماذا تنازل بهذه السهولة عن آخر مطلب لا يزال تتمسك به السلطة الفلسطينية والنظام العربى الرسمى، بعد أن تنازلوا عن كل شئ آخر؟ 

· لماذا استجاب فورا لطلبات ترامب الذى لم يكلفه الامر سوى مكالمة تليفونية واحدة ؟

· لماذا لم يرفض طلب نتنياهو، رغم انه كان بامكانه التذرع بأنه ليس فى مقدور مصر أن تخرج عن الاجماع العربى والدولى برفض المستوطنات الاسرائيلية وعدم الاعتراف بشرعيتها؟

· لماذا لم يجرؤ ان يقول لا؟

· لماذا ضرب ما تبقى من ثقة فى دور مصرى رسمى داعم لما تبقى من القضية الفلسطينية، بعد ان اصبح واضحا للجميع، انه فى اوقات الشدة والأزمات والمحكات، ستنحاز الادارة المصرية الى الجانب الاسرائيلى، باشارة صغيرة من الامريكان؟ 

· لماذا قبلت الخارجية المصرية وأعضاء البعثة المصرية بالأمم المتحدة هذا القرار المهين بدون اعتراض او تعقيب؟ ولماذا لم نسمع عن اى استقالة تقدم بها اى منهم رفضا لما حدث على غرار جيل الرواد من امثال ابراهيم كامل واسماعيل فهمى؟

· لماذا لم يدرك السيسى انه بهذا الموقف، إنما يسقط آخر ورقة توت عن كل الادعاءات الزائفة بالوطنية والاستقلال، التى يطنطن بها هو وإعلامه ليل نهار؟ بل ها هو يعلن بلا اى خجل او مواربة ان الاولوية هى للعلاقات مع الولايات المتحدة واسرائيل، وأن التبعية هى الحل؟

· لماذا لم يشعر بالخجل من ان يكون هو صاحب اول سابقة لحاكم عربى على مر التاريخ، يقوم بالانحياز لاسرائيل علنا فى الامم المتحدة؟ الآخرون يفعلونها سرا وفى الخفاء، وفقا لقاعدة "اذا بليتم فاستتروا."

· لماذا قرر ان يقدم تنازلات رفض السادات ومبارك رغم كل تنازلاتهما ان يقدماها لاسرائيل؟ 

· لماذا لم يراع مشاعر الشعب المصرى، الذى يحب فلسطين ويؤاخيها ولا يزال يكره اسرائيل ويعاديها رغم كل محاولات التضليل وتزييف الوعى التى مارسها ولا يزال نظام كامب ديفيد فى اربعة عقود.

***
لقد اصبح واضحا للجميع منذ فترة طويلة، اننا نعيش تحت حكم السيسى فى "العصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية"، وان اسرائيل هى بوابته الرئيسية لنيل القبول والرضا والدعم الامريكى والدولى. ولكنه هذه المرة فى تحصينه للمستوطنات الاسرائيلية ضد قرار ادانة محتمل من مجلس الامن، قد تجاوز كل الحدود والتنازلات والمحرمات، بما فيها اتفاقيات كامب ديفيد التى كانت فيما قبل حكمه ومواقفه وانحيازاته الصادمة، تمثل قمة التنازلات.

*****

القاهرة فى 23 ديسمبر 2016

05 ديسمبر 2016

زهير كمال يكتب: ما أكبر الحلم! ما أصغر المقاطعة

يتململ محمود درويش وهو يرى أبياته الرائعة تستعمل بطرق أخرى وبتصرف.
قال درويش:

ما أوسع الثورة
ما أضيق الرحلة
ما أكبر الفكرة
ما أصغر الدولة!..
تقلصت الدولة التي يقصدها محمود درويش ( دولة اوسلو ) من 22% من مساحة فلسطين الى بضع مئات من الأمتار المربعة هي منطقة المقاطعة في رام الله يسيطر عليها ظاهرياً محمود عباس ، وفي هذه المساحة عقد مؤتمر حركة فتح السابع ، وكان عدد الضيوف الذي بلغ 62 وفداً أكبر من عدد أعضاء المؤتمر.
لنسمي الأمور بمسمياتها:
حددت الدولة المضيفة ( إسرائيل ) نوعية الحضور وعددهم، فهي التي تسيطر على الحدود والمعابر، وكمثال لذلك فقد سمحت لبعض من وفد غزة بالمرور ومنعت 75 عضواً من حضور المؤتمر ، ربما سيسببون الصداع لعباس وهو في هذه المرحلة المتقدمة من العمر.
في كل مؤتمرات فتح السابقة كان هناك حركة ما، ترقب ما، احتمال حدوث تقدم أو تغيير، إلا في هذا المؤتمر ، ويمكننا القول : لا جديد تحت شمس فتح.
وإذا أردنا الدقة فلم يكن هناك أي جديد تحت شمس فتح منذ فترة طويلة، وجاء هذا المؤتمر تكريساً لهذا الوضع.
أسماء أعضاء المؤتمر:
الحاضر الأول اسمه محمود عباس .
الحاضر من رقم 2 الى رقم 1400 اسمه محمود عباس أيضاً ، أليست صدفة عجيبة؟! وللدقة فإن علينا إضافة اسم الدلع للحاضر رقم واحد إذ يطلقون عليه اسم (أبو مازن )، وليس لكلمة أب هنا أية علاقة بالمهابة ولا بتحمل المسؤولية كما يفهم منها.
ما الذي جرى لمثقفي الطبقة الوسطى الفلسطينية هل أصابهم العمى لهذه الدرجة أم أصابهم اليأس أم أصابهم الطمع وحب الذات فنسوا وتغاضوا عن هموم شعبهم المقهور؟ هل يمكن أن يقودهم رجل واحد مثل القطيع الى الهاوية؟!
بداية كان تفكيري يقودني الى هذا المنحى ولكنني استدركت قانون الثورة الخالد أن الشجعان والمؤمنين بها يستشهدون أو يؤسرون على طريق النضال الطويل ولا يبقى في النهاية سوى الجبناء والانتهازيين والمتخاذلين.
وحركت فتح لا تختلف عن غيرها فقد سارت على هذا المنوال في التطور، سوى أنها ثورة لم تنتصر، وهكذا فمن تبقى فيها يتصفون بوصف لا يسمح الناشر بتمريره.
كان هدف إسرائيل بعد احتلال ما تبقى من فلسطين في العام 1967 إقامة نوع من التنظيم لحياة هذا العدد الكبير من السكان ، فهي غير مستعدة ولا تقبل أن تجمع قمامة أعدائها الفلسطينيين ، وكانت الفكرة هي إنشاء روابط القرى تسمح للفلسطينيين بحكم أنفسهم أي سلطة على السكان وليس على الأرض، وهذا ما جرى فعلاً في نهاية المطاف بعد أعوام الصراع الطويلة والتي خسر فيها الفلسطينيون كثيراً من الضحايا.
وكحقيقة لا مراء فيها : يضاهي الفلسطينيون أعداءهم الصهاينة في الذكاء والفطنة والقدرة على تحمل المشاق والتضحية، بل أثبتت الأيام أنهم يتفوقون عليهم في كل ذلك ولهم تاريخ وحضارة بعكس الصهاينة الذين تم تجميعهم من كل أنحاء الأرض.
كانت المشكلة عدم تمكن الفلسطينين من تكوين قيادة واعية ذكية صلبة الإرادة مخلصة وتتمسك بالكفاح المسلح مهما طال الزمن، وتتمسك بالثابت الحقيقي الوحيد وهو عدم التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، ولا شك أنها بمثابة مزحة كبرى لا تنطلي على أحد عندما يقول ورثة فتح إنهم مستمسكون بالثوابت، فعن أية ثوابت يتحدثون؟ وعندما يشعرون أنهم أنفسهم غير مقتنعين بهذه الزعم يتشدقون بأنهم (أول رصاصة وأول حجر) .
ينطبق عليهم عندما يتغنون بأمجاد الماضي والانتصارات اللفظية قول علي بن ابي طالب:
إن الفتى من يقول ها أنا ذا .... ليس الفتى من يقول كان أبي
في تاريخ الثورة الجزائرية كان هناك حزب يسمى حركة مصالي الحاج، وكان أعضاؤها يتعاونون مع الاحتلال الفرنسي ويرشدون عن الثوار، وعندما انتصرت الثورة لم يكن هناك مجال لبقائهم في الجزائر ، فمصيرهم الموت المحتوم فغادروها الى فرنسا مع الجيش الفرنسي المنسحب. وكان الجزائري إذا أراد أن يسب أحداً مسبة عظيمة قال له : يا حركي !
وربما انطبق هذا على الفييتناميين الذين تعاونوا مع الأمريكان ضد شعبهم، فنسبة كبيرة من الشهداء والقتلى والأسرى تكون عادة من صنع هؤلاء المتعاونين مع المحتل، والشعوب لا تنسى هؤلاء الذين يفضلون مصلحتهم الخاصة على مصلحة شعوبهم.
فهل سيأتي اليوم الذي تصبح فيه كلمة فتحاوي معادلة لكلمة حركي؟
أمر غير مستبعد إطلاقاً، فهناك حلم كبير للفلسطينيين بإقامة دولة ديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود في مساواة تامة بنفس الحقوق والواجبات لكل فرد.
يومئذ سيهرب هؤلاء الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء الى المنافي وسيهرب معهم كل متعاون مع الاحتلال.
وربما يعتقد البعض أن هناك مبالغة في هذا القول ولكن طالما أن معظم شعب فلسطين يعيش في مخيمات حول فلسطين وفي داخلها فسيظل الصراع قائماً ومستمراً. وليس ذلك فحسب بل إن السكان الذين يعيشون في الضفة وغزة والجليل وباقي الأراضي الفلسطينية يعانون نفس المعاناة ونفس القهر ونفس الظلم.
وإذا كان هناك حالة نكوص عامة تسود المنطقة فإنما هي حالة مؤقتة سيتبعها حالة نهوض شاملة، وسينتصر الحلم الفلسطيني مهما طال الزمن. 

03 ديسمبر 2016

سيد أمين يكتب: هنا مصنع إنتاج "البهلوان"

آخر تحديث : السبت 03 ديسمبر 2016 11:12 مكة المكرمة

لا تندهش إن وجدت أتفه من حولك وأقلهم وعيا وخبرة هو ذاته من اعتمد عليه النظام من أجل خوض غمار معركة الوعى والتنوير، أو تجد اللص هو من يتولى مقاليد خزائن المال ومناجم وآبار الثروة، والفاسد قاضيا، والعنصري وزيرا للعدل، والجاهل عالما ، ولا تتعجب أن أطلقوا على الغباء حكمة والسذاجة حنكة والتهور إخلاص، فهذا هو نتاج حكم وكلاء الاستعمار في وطننا العربي لا سيما مصر ولا تتبرم إن رأيت أجهزة الدولة تقوم بعكس وظيفتها تماما، فالشرطة مثلا بدلا من أن تحفظ أمن الناس هى من تروعهم، والجيوش بدلا من أن تحافظ على وحدة البلاد، هى من تفرط فيها ، والقضاء بدلا من أن يحمى العدل بين الناس ، هو من يكون مثالا للفساد والظلم ، وجهاز الصحة هو من ينشر المرض ويخفض خصوبة الشعب ، والإعلام بدلا من أن ينقل الحقيقة تكون مهمته هو كيفية إخفائها.
الأمر جلى جدا ولا يحتاج لأن نشرحه فكل واع عربي أو مصري خاصة يري في محيطه وبيئته الضيقة أمثلة حية تشخص بكل براعة وإتقان هذا الحالة ، بدءا من أصغر الوظائف حتى أعلاها شأنا.
والعتب كل العتب أن يذهب أحدنا للاعتقاد بأن هذا الوضع المقلوب جاء نتيجة سوء إدارة ممن يدير زمام هذه البلاد، فالأمر تجاوز سوء الإدارة إلى ارتكاب أعمال التخريب عن عمد، بهدف تدميرهذا الوطن والحيلولة دون نهضته خدمة لمصالح دول أخري، فضلا عن التمكن من استمرارهم في نهب ثرواته.
ولا غرابة إن نصح أحدنا طالبا للعلم أو العمل نابغا في مجاله بأن يخفي تفوقه من أجل أن يتمكن من إيجاد وظيفة مريحة تكفيه شر التسكع وندب سوء الحظ ووفرة العلم!
واستمرارا لهذا النهج التخريبي، أنتج النظام المخرب في مصر ضمن ما أنتج أيضا مثقفين بالأجرة كل مهمتهم هو إيجاد المخرج الفلسفي لكل حماقة يرتكبها من يديرون البلاد مهما كان تنافرها مع المنطق والوطنية ، بدءا من "الكفتة" حتى التفريط في السيادة الوطنية.

مثقفون بالأمر

في الحقيقة أنه منذ زمن ليس ببعيد كنا نعرف "المثقف" بأنه هو الشخص الذي يعرف بعض الشيء عن أى شيء معرفة اليقين،وكنا نكشف بسهولة هؤلاء "المسطحين" الذين يدعون معرفة كل شئ رغم أنهم لا يعرفون أى شئ أصلا، وذلك لأن الأقل وعيا آنذاك كان يدرك أنه كذلك، ويتقبل ذلك بروح راضية، ومع ذلك كان يمتلك القدرة على أن يميز لحد ما بين الكلام العلمى و"اللغو" احتكاما لمعيار"المنطق".

لكن في مصر الآن يحدث خلط مقصود للحابل بالنابل ، خلط فكري تم خلاله استغلال جهل قليل الوعى عبر تلقينه مفاهيم ومصطلحات تبدو كبيرة كتلك التى يستخدمها "المثقفون" ولكن بطرق خاطئة ، فأشبعوا بذلك حاجته الماسة في أن ينضوى تحت زمرة "المثقفين" ، ثم استخدامه كقنبلة تنفجر في وجه خصوم الدولة العسكرية والذين هم عادة من قوى "الاستنارة".
وصار بذلك عدد من أنصار النظام الحاكم "مثقفين" بالأمر العسكري ، لينضموا إلى طابور طويل ممن يطلق عليهم النخبة الرسمية ، المزورة المصنوعة على يد الحاكم وعينه ، قوامها من مثقفي المفردات الرنانة أو"التيك أواي"الذين نجدهم بكل انتهازية يحرمون لهذا ما شرعوه لذاك ويباركون لزيد ما لعنوه في علي.
صحيح أن كل منابرالاعلام لا تفتح ابوابها إلا من أجل تلك النخب الرسمية ، لتقود فيها عادة عزفا منفردا دون رادع أو منافس ،وتسقط في حبائلها الكثي من الضحايا ، إلا أنها مع ذلك لا تستطيع الحفاظ على تفردها حينما تواجه أى قدر من حديث "المنطق " والعلم والمعلومة" فتلجأ إلى حديث الغيبوبة والتخوين والصراخ.
والحقيقة المُرة أنه كما تفسد السمكة من رأسها ، فإن المجتمع فسد أيضا حينما فسد مثقفوه، فما كان للانقلاب العسكري أن "يستمر" لو وجد مثقفين حقيقيين يقفون ضده دون هوى أو زيغ نفس، وما كان للسيسي أن يمرر مذابحه لولا أنه وجد تواطئا أو خوفا منهم، فراح يشتريهم بذهب المعز أو يخرسهم بسيفه. 
ونعرف جميعا، أن وحدة المستعمر القديم لهذا الوطن، ووحدته الحديثة أيضا ، لم تصنعا "توحيدا" فيه أبدا إلا في توريث الورثة العسكريين الاستبداد، وطرق إدارة فنون الخداع والتخبئة، وتركيع الشعوب طوعا وكرها.

صناعة البهلوان

كل الأمور النخبوية تجري في مصر الآن لإنتاج هذا الكائن ، كما لو كنا نتسابق لتهيئة التربة الخصبة المواتية لصناعة بهلوان، بهلوان يصفق متى صفق الجنرال ، ويضحك متى ضحك ، ويندب متي ندب، بهلوان يناضل نضالا في سبيل معرفة الكذبة الأفضل التى تحوز دون رفاقه على القدر الأكبر من إعجاب الجنرال.
بهلوان لا يغضبه ما يغضب الناس ولا يسعده ما يسعدهم ، لكن مهمته الشاقة هى أن يجد الذريعة التى يمكنها تبرير كل نزق يقوم به الجنرال.
سحقا للبهلوان وكل بهلوان

23 نوفمبر 2016

زهير كمال يكتب: الكنيسة الفلسطينية وصناعة التاريخ

من منا لا يتذكر عيسى العوام ، هذا الفلسطيني الذي حارب مع صلاح الدين ضد الغزاة الصليبيين!
عيسى العوام فلسطيني يدين بالمسيحية ولكنه يؤمن أن الصليبيين القادمين من أوروبا، ( كان أجدادنا يطلقون عليهم اسم الفرنجة وهي التسمية الصحيحة) رغم أنهم يدينون بنفس الديانة إلا أنهم غزاة ، لا يفرقون بين مسلم ومسيحي من أصحاب الأرض.
عندما دخل الفرنجة القدس في العام 1099 ميلادي أعملوا قتلاً وتذبيحاً في أهلها فقتلوا سبعين ألفاً من سكانها لم يفرقوا بينهم ولم يقسموهم حسب الدين أو الفئة العمرية.
وكيف لسكان فلسطين ومنهم عيسى عام 1187 م أن ينسوا هذه الواقعة والتي كان قد مر عليها قرابة 88 عاماً آنذاك ، فحاربوا بكل قواهم وانتصروا وطردوا المحتل الغازي.
عيسى العوام محارب شجاع وقد ضحى بحياته من أجل فلسطين ، ومن الطريف ذكره أن كل طائفة تحب أن تنسب هذا البطل لنفسها كما ورد في النوادر السلطانية، فقد ضرب المثل في الشجاعة والأمانة.
في عام 2016 قام المحتل الإسرائيلي بمنع الأذان في المسجد الاقصى ، فقام القساوسة المسيحيون بالأذان في كنائسهم ، في واقعة تسجل لأول مرة في أية كنيسة في العالم . والقسيسون عادة لا يتدخلون في شؤون الدنيا والسياسة ويكرسون جل حياتهم للعبادة والخدمة العامة، ولكن عملهم هذا، رغم بساطته وعفويته ، إنما يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وستظل الأجيال القادمة تتذكر هذا الحدث.
ولا بد وأن يفكر طويلاً كل من يحاول فصم هذه العلاقة أو حتى محاولة تكديرها، فهي راسخة في جينات الفلسطيني عندما أرسى دعائمها عمر بن الخطاب وسوفرونيوس بطريرك القدس في العام 637 ميلادية ، أي قبل ألف وأربعمائة عام. وترجمها الاثنان الى ما يعرف بالعهدة العمرية التي تعتبر مثالاً في التعايش بين الديانتين.
دخلت روح العهدة العمرية عميقاً في ضمير ووعي الفلسطيني سواء كان مسيحياً أم مسلماً، وستستمر الى الأبد ، فالدين لله والوطن للجميع. وسار أمراء الكنيسة الفلسطينية على خطى المسيح، الفلسطيني الأول ، المضطهد والمظلوم الأول ووقفوا مع شعبهم في محنته .
من منا لا يذكر كيف ضرب المطران الفدائي إيلاريون كبوجي المثل في مقاومة الاحتلال وكلفه ذلك السجن ثم المنفى القسري عن بلاده؟
أما المطران عطالله حنا فهو صوت الشعب الفلسطيني بلا منازع ، ولا ننسى ذكر الأب مانويل مسلم (أطال الله عمره) أسقف غزة الذي قاوم الاحتلال وقاسم أهلها شقاءهم وجوعهم.
لن ينسى مقاوموا فلسطين حصار كنيسة المهد في بيت لحم عندما لجأوا إليها فأبت الرضوخ لطلب الصهاينة بتسليمهم رغم محاصرتها وضربها بالرصاص في ظل صمت الغرب المنافق وهو يرى الاعتداء الصهيوني على مهد المسيح فلا يحرك ساكناً ولا حتى بالاستنكار .
وها نحن نرى قساوسة الكنيسة يسيرون على نفس الدرب في مقاومة العدو. فقد أضاءوا بعملهم هذا شمعة في ظلام المنطقة المصابة بمرض خبيث لأول مرة في تاريخها، مرض الطائفية والمذهبية والمللية.
وهذا المرض قد تم دس ميكروباته ببطء ودهاء في هذه المجتمعات المسالمة التي تؤمن بالتعايش وقبول الآخر منذ زمن طويل ، وإلا لما وصلنا الى هذه الفسيفساء في تركيبة شعوب المنطقة : عرباً ، أمازيغ، أكراداً ، مسلمين بكل تفرعاتهم من سنة وشيعة وأباضيين وزيديين ودروز وعلويين ، ومسيحيين بكل تفرعاتهم من كاثوليك وبروتستانت وأرذوكس وأقباط .
في الوقت الذي كانت فيه دول أوروبا تتحول الى إثنيات عرقية دينية في حروب التطهير الديني والعرقي تمخضت في أن فرنسا مثلاً يعيش فيها فرنسيون أقحاح يدينون بالكاثوليكية، أما ألمانيا فهي دولة الألمان الأقحاح الذين يدينون بالبروتستنتية، وقس على ذلك باقي دول القارة.
بدأ هذا المخطط منذ أربعين عاماً تقريباً أي منذ اتفاقية كامب دافيد بين مصر وإسرائيل في العام 1978.
بداية كان العمل على تجهيل شعوب المنطقة ، فزادت نسبة الأمية في المجتمعات بدلاً من القضاء عليها، فالجهل هو التربة الخصبة لزراعة الفتنة وتوجيه الشعوب وجرها الى مستنقع البغضاء والفرقة.
ولعلنا لا ننسى مثلاً فاضحاً هو تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية بهدف بث الفرقة بين الأقباط والمسلمين والتي كشفت التحريات تورط نظام مبارك في تدبيرها. ولا ننسى كيف بدأت قبل سنوات على استحياء ذكر مقولة الهلال الشيعي والتحذير من الغول الشيعي الذي سيبتلع السنة.
وبدلاً من توظيف مال النفط للتنمية الحقيقية ورفع مستوى شعوب المنطقة في كل النواحي فقد ذهب وما يزال في الشحن الطائفي.
والشعب الفلسطيني، لا يعيش في جزيرة منعزلة بعيداً عن مؤثرات البرمجة الإعلامية الهادفة الى غسل مخ البشر وتوجيههم للفتنة والاقتتال الداخلي ، بل هو جزء من شعوب المنطقة التي لا يراد لها أن تستيقظ وأن تضع أُصبعها على الجرح المسبب لهذا النزيف القاتل. 
وكان فعل القساوسة ضربة معلم جاءت في الوقت المناسب، فقد ألغوا بحركة بسيطة عشرات السنين من تخطيط أعداء الشعوب، ولم يعد هناك مجال لهؤلاء الجهلة الذين ينادون بتكفير غير المسلم.
لا نملك سوى القول شكراً لهؤلاء القساوسة فقد أضافوا إنجازاً عظيماً ضمن إنجازات الأفراد الفلسطينيين هذا العام ، ولهم كل التحية والتقدير فقد علمونا درساً في الوطنية الحقة.

19 نوفمبر 2016

سيد أمين يكتب : ماذا بعد ثورة الغلابة؟

* نقلا عن هافنجتون بوست
قد لا يحدث شيء في مصر جراء ما سمّوها "ثورة الغلابة"، ولكن في المقابل لا أحد يستطيع أن يجزم بما قد يحدث في مصر خلالالأيام القادمة وبعدَ فشل ثورة الغلابة التي لم يحضرها أحد، فالأوضاع تتقلب انهياراً بشكل سريع لا يخفى على أحد، ولا داعي لمزيد من القول فيه.

لكن ثمة حقائق صارت محسومة على الأقل شعبياً في هذه الأجواء المشحونة بالترقب والأمل والشك والخوف، مفادها أن بقاء الحال هو المحال، وأن النهاية الطبيعية لهذا الطقس إما التغيير طوعاً أو البتر من الجذور، خصوصاً أنه ما عادت أسحار الرجل الإعلامية تجدي نفعاً أو تقنع أحداً من أتباعه مجدداً بضرورة أن يعاني الفقير منهم من أجل أن يبقى الوطن.


ربما كانت تلك الأسحار مجدية حينما أقنعت بعض ضعاف النفوس منهم في لحظات مُرة من تاريخ هذا النظام بأنه يجب أن يموت غيرهم لكي يحيا الوطن، لكن حينما طالت نار الظلم ملابسهم هم كفروا بهذا المفهوم عن الوطن دون تردد.

عموماً قد لا يتحرك الناس في ثورة الغلابة، ولكن ذلك لا يعني أنهم راضون عن أداء تلك السلطة، ولا يعني أيضاً أنهم لن يتحركوا ضدها مستقبلاً، هي فقط مسألة وقت في رأيي.


ثورة الغلابة.. لماذا كنا نحتاجها؟


بالتعرض لنماذج من النقاشات الدائرة في كل ربوع مصر حول الحاجة لحراك جماعي يفرمل تغوُّلَ النظام الحاكم في دهسه للفقراء وكبحه للحريات، وبالإجابة عن التساؤلات حول مبررات اتخاذ السلطة للإجراءات الاقتصادية العنيفة قبل "ثورة الغلابة"، وليس بعدها، وهو الإجراء المنطقي للحيلولة دون خلق ذرائع الحشد الشعبي لها، يتضح أن تلك الدعوة اتفق أغلب المصريين على تأييدها، ولكنهم أيضاً شككوا في قدرتها على النجاح، خاصة مع آلة القمع المتوحشة التي قد تجابهها، بحيث جعلتهم يحددون إمكانية نزولهم لها بناء على إجابة السؤال الأهم فيها وهو: مَن دعا إليها؟ وهو السؤال الذي بناء على إجابته سيعرفون مدى القمع الذي قد يلاقونه.

وهناك أربعة تفسيرات لثورة الغلابة، تفسيران منها يؤكدان أنها حركة أطلقتها قوى الأمن، وتفسير ثالث يقول إنها حراك ثوري بحت، أما الرابع فهو تفسير السلطة لها بـ"المؤامرة".


تصحيح مسار


التفسير الأقوى يقول إنها حركة أسستها قوى من داخل السلطة مناهضة لوجود عبد الفتاح السيسي في الحكم لأسباب كثيرة، إما لفشله، وإما لتزايد الغضب الشعبي عليه، ما ينذر بثورة عارمة تقتلع كل النظام العسكري وربما للأبد، وإما لأنها جعلته يتخذ كل القرارات الاقتصادية الصعبة التي كانت تود اتخاذها وخلقت بها أمراً واقعاً، ثم جابهت حالة الرفض لها بتغييره هو وليس تغييره وإسقاط قراراته معه التي ستجد السلطة الجديدة وقتها مبررات لاستمرارها، مع تقديم حزمة من الإغراءات الشعبية في مجال الإفراج عن المعتقلين، وإسقاط حزم القوانين الجائرة التي تكبل الحريات، وتسلب حقوق المعارضين.

ويساعد هذا الفرض وقائع كثيرة تؤكد أن الجيش هو من خطط للإطاحة بمبارك في ثورة يناير/كانون الثاني، وخطط أيضاً للإطاحة بمرسي في انقلاب يوليو/تموز، وبنفس الطريقة لا مانع أيضاً من أن يخطط للإطاحة بالسيسي في نوفمبر/تشرين الثاني، فضلاً عن كلام يتحدث فيه مصريون كثر -لم أعرف مدى صحته- بشأن علاقة اغتيال العميد الشهيد عادل رجائي، قائد الوحدة المدرعة بدهشور التي سيطرت على القاهرة في ثورة يناير وانقلاب يوليو من قبل، بهذا المخطط، واستغلال الإجراءات الاقتصادية كعوامل تحفيز للثورة، ثم ظهور البرادعي مجدداً بتغريداته حول مجزرتَي رابعة والنهضة، ودعوة المصريين للتوحد، وهو الظهور الذي يسبق التغييرات الكبيرة في السلطة في مصر، وهي التغريدات التي تبعها أيضاً تقرير البرلمان البريطاني الذي برأ الإخوان من الإرهاب، ما يعني ضمنياً تكذيباً لنظام السيسي الذي وصفهم بالإرهاب، وراح يعمل فيهم السيف بناء على ذلك، وكل ذلك يتوافق مع نفور سعودي خليجي واضح من عمليات دعم السيسي التي ظهرت أنها بلا جدوى، ولن تتمكن من إنقاذه من وحلته، فضلاً عن تفاصيل أخرى يصعب أن نناقشها في هذا المجال.

استعراض للقوة

أما السيناريو العسكري الثاني فهو أن نظام السيسي نفسه هو من أطلق تلك الدعوات، وقد سبقها اتخاذه القرارات الاقتصادية وكان الهدف من ذلك إرسال رسالة للداخل والخارج وحلفائه الغربيين بأنه يقبض على زمام البلاد جيداً ولا خوف من الثورة عليه، وعليهم دعم نظامه بالمساعدات اللازمة لإنجاحه بدلاً من الندم على تفريطهم السريع فيه، وأن فكرة انهياره لأسباب تعود للداخل بعيدة المنال.

كما أن البعض الذي يروج لهذا الطرح يقول أيضاً إنه قد يتخذها ذريعة للتخلص من معارضيه جملة وتفصيلاً، ويعمل فيهم السيف والرصاص، مع تبرير نزول الجيش للميادين مجدداً حتى مرور ذكرى ثورة يناير العام المقبل، ويكبح من خلال ذلك أي رفض لارتفاع الأسعار، ويضمن أيضاً استقرار سعر صرف الدولار، وتقبل الناس لذلك.


حراك ثوري


أما ثالث التفسيرات فهو أنها حراك ثوري بحت جاء احتجاجاً على السحق غير المسبوق للفقراء، والتردي غير المسبوق أيضاً في الحريات، والاستهانة البالغة بالحياة الإنسانية للمصريين، ورغم أن تلك المبررات وجدت أصلاً منذ أن وجد الانقلاب، فإن الجديد هنا هو انضمام طوابير هائلة جديدة من المسحوقين البسطاء الذين كانوا يمثلون كنزاً استراتيجياً للثورة المضادة إلى صفوف الثورة، ويجب هنا استغلالهم للسير في المسار الصحيح، بدلاً من المسار الخطأ، بما يخدمهم ويخدم معهم الوطن.

مؤامرة


ويبقى أيضاً التفسير الرابع المعتاد الذي تطلقه كل السلطات الاستبدادية في العالم تجاه دعوات معارضيها بأنهم قلة مأجورة متآمرة تستغل عمليات التحول الديمقراطي والبناء الاقتصادي التي تمر بها البلاد لإثارة الفتن والقلاقل من أجل إعاقة نجاحاتها، وتدعمها في ذلك قوى خارجية.

وتفوق النظام الحاكم في مصر على أقرانه الدوليين بالتأكيد بأنها تأتي في إطار مؤامرة يقودها مجلس إدارة العالم "الخفي" ضد مصر وضد قيادتها الحكيمة.

عموماً مثل هذه الأكليشيهات خفت بريقها، وفقدت داعميها من هزلية تكرارها، وبسبب الانفتاح الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي.

18 نوفمبر 2016

سيد أمين يكتب : الافرازات الضارة للديمقراطية

آخر تحديث : الجمعة 18 نوفمبر 2016   21:08 مكة المكرمة
فجر الزلزال المدوى الذى أفرزته الانتخابات الأمريكية ، ووصول مرشح صاحب توجهات عنصرية لا تتفق مع معاييرالديمقراطية إلى كرسي حكم العاصمة التى تقود الكون تقريبا، عبر وسائل ديمقراطية خالصة، تساؤلات مدوية في شرق العالم وغربه حول الإفرازات الضارة المحتملة للديمقراطية ونظام حكم الأغلبية.
وهذا النتاج ليس الأول من نوعه حيث يشهد التاريخ أن الزعيم القومى أدولف هتلر وحزبه النازى– اختصارا لكلمة حزب العمال الاشتراكى الوطنى- الذى تسببت قيادته لألمانيا في اندلاع ثانى الحروب العالمية ومقتل نحو مئة وخمسين مليون شخص حول العالم ، صعد للحكم بانتخابات ديمقراطية خالصة، بل وحاز فيها على نسبة 84.6% من الناخبين، لكن ذلك قد ساعده فيه الغبن القومى الذى وقع على الألمان جراء الوصاية التى فرضتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى.
كما أن اليميني الإيطالي المتطرف أندريا موسولينى زعيم الحزب الفاشي– حزب العمال والجنود – قد وصل للحكم تحت رعاية ديمقراطية واسعة ليشارك في كبريات المآسي الانسانية في ليبيا والحبشة ويكون قطبا من أقطاب الحرب العالمية الثانية.
ولكن قبل الحديث عن أخطاء الديمقراطية ينبغي بداية رثاء حالنا ، فبينما نحن في القرن الحادى والعشرين، نناضل في وطننا العربي للوصول لحالة ترسيخ تعريفها والإقناع بها، نجد أن الديمقراطية التى أسس لها نظام الحكم الأمريكى وحلفاؤه الغربيون منذ مئتى عام تقريبا أو يزيد، قد تجاوزت حالة الرسوخ في وجدان الناس لدرجة أنها لما تمكنت من افراز أسوأ منتجاتها احترموها، وعملوا أيضا على تهذيبها وتجنيب مخاطرها حتى وإن كانت شطحاتها لا تمسهم هم بالأذى، وأسقطوها بالديمقراطية وليس الانقلاب.

عيوب الديمقراطية
للديمقراطية أخطاء وعيوب لا شك، والتى من أخطرها مثلا أنه من الممكن خداع الجماهير وتضليلها تحت دعاوى زائفة وتحفيزها لاتخاذ مسارات مغايرة لتلك التى تؤمن بها أو ترغبها أو تلبي احتياجاتها فعلا، واستغلال جهلها أو حاجتها المادية أو اكراهها بالقوة أو بالحيل وبالحرب والإكراه النفسي للتصويت في صناديق الاقتراع في اتجاه معين.
ولذلك فان الديمقراطية تحتاج من ضمن أهم ما تحتاج درجة كاملة من الوعى والمعرفة والحرية ، وبدونهم ستكون كل تصرفات العمل الديمقراطى نوعا من أنواع التزوير، الذي يحرم المواطن من معرفة الحقيقة كاملة ثم يقدم له الاختيارات مشوهة ليختار من بينها.
كما أن للديمقراطية أيضا عيب أخر أكثر خطورة وهو ما يمكن أن نسميه بـ"عيوب المساواة المطلقة في الأمور المتخصصة"، فمثلا لو أجرينا استفتاءا حول اللجوء لاستخدامات الطاقة الذرية في مصر هنا يصبح من المضحك أن نساوى بين رأى الفلاح أو العامل أو الصحفي أو المدرس مع رأى عالم الفيزياء أو الكيمياء أو المهندس ، وحتى في الشأن العام بكل تنوعاته ، قد يكون من المخزى المساواة بين رأى من يملك وعيا  وبين من لا يملكه ونسوى بينهما في صندوق الانتخاب على ندرة "الواعين".
وأيضا من أبرز عيوب الديمقراطية ونظام حكم الأغلبية ما يمكن تسميتها بـ"ديكتاتورية الأغلبية " والتى تجعل الأغلبية تفرض ارادتها على الأقلية ، حتى إن قاربتها في أعدادها، وإن صحت وجهة نظر الأقلية ، وتجارب التاريخ في ذلك تشهد.

خيار لابد منه
تأول النظم المستبدة - وهى كثيرة في وطننا العربي المنكوب – مثل تلك الانتقادات وتنزعها نزعها من سياقها لتتخذها ذريعة فلسفية للانقضاض على الديمقراطية ولتسويغ استبدادها.
ومن العجب أنه في اطار الرسائل المتتالية التى تبعث بها تلك النظم إلى الغرب للتأكيد بأن شعبنا العربي يرفض الديمقراطية التى لن تأتى إلا بأعدائه ، وأنه يدافع عن الزعامات العسكرية ومقتنع بها ، استغلت السلطة العسكرية الحاكمة في مصر في خمسينيات القرن الماضى جهل الجماهير وراحت تحشدهم للنزول بالملايين للتعبير عن رفضهم للديمقراطية والهتاف ضدها بوصفها بدعة استعمارية جديدة ، يا للخجل.
كل مثل تلك الهرطقات في الواقع هى في سبيل اللغو المردود عليه بأن خطأ أفرزته حركة ديمقراطية هو خير من صواب أفرزه حكم مستبد، لأن الديمقراطية تصوب توجهاتها وتحمى مبادئها، المهم أن تتمسك الشعوب بها.
 الفلسفة الغربية ناقشت مثل تلك الاشكاليات قبلنا بمئات السنين، وبعد دمار شديد عاشته الحضارة الغربية كذلك الذى تعيشه أمتنا العربية الآن جراء الصراع بين الجديد والقديم، استقر في وجدان الناس أنه لا خلاص للبشرية سوى الاحتكام لإرادة الشعوب واحترام أفكار الناس جميعا وعقائدهم وحقهم في الحكم ، وما أن ترسخ هذا الوعى حتى قفزت أوربا من الظلام إلى النور.
جاء ذلك رغم أن الاستبداد في عصور الظلمات الغربية لم يكن تحت رعاية عسكرية فحسب كما هو حالنا، ولكن كانت سلطة الكنيسة الدينية الروحية أشد جلدا لظهور الناس من سياط الحاكم المستبد ونبلائه ونخبته، وهو ما يعنى بشكل جازم أن العبء الملقي على ظهور دعاة الديمقراطية في مصر والوطن العربي أقل بكثير من العبء الذى ألقي على كاهل المواطن الغربي في عصوره الوسطى، ما يعنى أيضا أن امكانات النجاح هنا أعلى وأكبر لكوننا نواجه فاشية واحدة لا فاشيتين.
أعتقد أنه رغم قساوة المشهد الدموى والفوضوى الذى تعيشه أمتنا العربية الأن، ورغم التعثر والإحباط، فإن المستقبل محسوم للديمقراطية بلا شك.

لقراء المقال على الجزيرة مباشر اضفط هنا