يتململ محمود درويش وهو يرى أبياته الرائعة تستعمل بطرق أخرى وبتصرف.
قال درويش:
ما أوسع الثورة
ما أضيق الرحلة
ما أكبر الفكرة
ما أصغر الدولة!..
تقلصت الدولة التي يقصدها محمود درويش ( دولة اوسلو ) من 22% من مساحة فلسطين الى بضع مئات من الأمتار المربعة هي منطقة المقاطعة في رام الله يسيطر عليها ظاهرياً محمود عباس ، وفي هذه المساحة عقد مؤتمر حركة فتح السابع ، وكان عدد الضيوف الذي بلغ 62 وفداً أكبر من عدد أعضاء المؤتمر.
لنسمي الأمور بمسمياتها:
حددت الدولة المضيفة ( إسرائيل ) نوعية الحضور وعددهم، فهي التي تسيطر على الحدود والمعابر، وكمثال لذلك فقد سمحت لبعض من وفد غزة بالمرور ومنعت 75 عضواً من حضور المؤتمر ، ربما سيسببون الصداع لعباس وهو في هذه المرحلة المتقدمة من العمر.
في كل مؤتمرات فتح السابقة كان هناك حركة ما، ترقب ما، احتمال حدوث تقدم أو تغيير، إلا في هذا المؤتمر ، ويمكننا القول : لا جديد تحت شمس فتح.
وإذا أردنا الدقة فلم يكن هناك أي جديد تحت شمس فتح منذ فترة طويلة، وجاء هذا المؤتمر تكريساً لهذا الوضع.
أسماء أعضاء المؤتمر:
الحاضر الأول اسمه محمود عباس .
الحاضر من رقم 2 الى رقم 1400 اسمه محمود عباس أيضاً ، أليست صدفة عجيبة؟! وللدقة فإن علينا إضافة اسم الدلع للحاضر رقم واحد إذ يطلقون عليه اسم (أبو مازن )، وليس لكلمة أب هنا أية علاقة بالمهابة ولا بتحمل المسؤولية كما يفهم منها.
ما الذي جرى لمثقفي الطبقة الوسطى الفلسطينية هل أصابهم العمى لهذه الدرجة أم أصابهم اليأس أم أصابهم الطمع وحب الذات فنسوا وتغاضوا عن هموم شعبهم المقهور؟ هل يمكن أن يقودهم رجل واحد مثل القطيع الى الهاوية؟!
بداية كان تفكيري يقودني الى هذا المنحى ولكنني استدركت قانون الثورة الخالد أن الشجعان والمؤمنين بها يستشهدون أو يؤسرون على طريق النضال الطويل ولا يبقى في النهاية سوى الجبناء والانتهازيين والمتخاذلين.
وحركت فتح لا تختلف عن غيرها فقد سارت على هذا المنوال في التطور، سوى أنها ثورة لم تنتصر، وهكذا فمن تبقى فيها يتصفون بوصف لا يسمح الناشر بتمريره.
كان هدف إسرائيل بعد احتلال ما تبقى من فلسطين في العام 1967 إقامة نوع من التنظيم لحياة هذا العدد الكبير من السكان ، فهي غير مستعدة ولا تقبل أن تجمع قمامة أعدائها الفلسطينيين ، وكانت الفكرة هي إنشاء روابط القرى تسمح للفلسطينيين بحكم أنفسهم أي سلطة على السكان وليس على الأرض، وهذا ما جرى فعلاً في نهاية المطاف بعد أعوام الصراع الطويلة والتي خسر فيها الفلسطينيون كثيراً من الضحايا.
وكحقيقة لا مراء فيها : يضاهي الفلسطينيون أعداءهم الصهاينة في الذكاء والفطنة والقدرة على تحمل المشاق والتضحية، بل أثبتت الأيام أنهم يتفوقون عليهم في كل ذلك ولهم تاريخ وحضارة بعكس الصهاينة الذين تم تجميعهم من كل أنحاء الأرض.
كانت المشكلة عدم تمكن الفلسطينين من تكوين قيادة واعية ذكية صلبة الإرادة مخلصة وتتمسك بالكفاح المسلح مهما طال الزمن، وتتمسك بالثابت الحقيقي الوحيد وهو عدم التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، ولا شك أنها بمثابة مزحة كبرى لا تنطلي على أحد عندما يقول ورثة فتح إنهم مستمسكون بالثوابت، فعن أية ثوابت يتحدثون؟ وعندما يشعرون أنهم أنفسهم غير مقتنعين بهذه الزعم يتشدقون بأنهم (أول رصاصة وأول حجر) .
ينطبق عليهم عندما يتغنون بأمجاد الماضي والانتصارات اللفظية قول علي بن ابي طالب:
إن الفتى من يقول ها أنا ذا .... ليس الفتى من يقول كان أبي
في تاريخ الثورة الجزائرية كان هناك حزب يسمى حركة مصالي الحاج، وكان أعضاؤها يتعاونون مع الاحتلال الفرنسي ويرشدون عن الثوار، وعندما انتصرت الثورة لم يكن هناك مجال لبقائهم في الجزائر ، فمصيرهم الموت المحتوم فغادروها الى فرنسا مع الجيش الفرنسي المنسحب. وكان الجزائري إذا أراد أن يسب أحداً مسبة عظيمة قال له : يا حركي !
وربما انطبق هذا على الفييتناميين الذين تعاونوا مع الأمريكان ضد شعبهم، فنسبة كبيرة من الشهداء والقتلى والأسرى تكون عادة من صنع هؤلاء المتعاونين مع المحتل، والشعوب لا تنسى هؤلاء الذين يفضلون مصلحتهم الخاصة على مصلحة شعوبهم.
فهل سيأتي اليوم الذي تصبح فيه كلمة فتحاوي معادلة لكلمة حركي؟
أمر غير مستبعد إطلاقاً، فهناك حلم كبير للفلسطينيين بإقامة دولة ديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود في مساواة تامة بنفس الحقوق والواجبات لكل فرد.
يومئذ سيهرب هؤلاء الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء الى المنافي وسيهرب معهم كل متعاون مع الاحتلال.
وربما يعتقد البعض أن هناك مبالغة في هذا القول ولكن طالما أن معظم شعب فلسطين يعيش في مخيمات حول فلسطين وفي داخلها فسيظل الصراع قائماً ومستمراً. وليس ذلك فحسب بل إن السكان الذين يعيشون في الضفة وغزة والجليل وباقي الأراضي الفلسطينية يعانون نفس المعاناة ونفس القهر ونفس الظلم.
وإذا كان هناك حالة نكوص عامة تسود المنطقة فإنما هي حالة مؤقتة سيتبعها حالة نهوض شاملة، وسينتصر الحلم الفلسطيني مهما طال الزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق