والمجرم لم يتغير |
لتحليل ما يحدث من تغير جذري عند شعوب العالم في النظرة للقضية الفلسطينية، علينا الرجوع في التاريخ الى البدايات.
بعد الحرب العالمية الثانية اجتاحت القارة العجوز موجة ندم واعتذار لما فعله ابنها أدولف هتلر باليهود ، وما فعله هذا الشرير كان قمة جبل الجليد لما فعلته الشعوب الأخرى في القارة عبر العصور بهذه الفئة من الناس، في نفس الوقت لا نعفي اليهود أنفسهم من المسئولية لاستعلائهم وانعزالهم واعتبار الآخرين مرتبة دنيا لا قيمة لهم، فلو كانوا أكثرية في مجتمع أوروبي ما لبصقوا على المسيحيين كما يفعلون الآن في فلسطين.
كان أصدق تعبير عن مشاعر الناس تجاه هذه المجموعة ، ما كتبه وليم شيكسبير في مسرحية تاجر البندقية، حيث أصبح شايلوك مثالاً لليهودي الجشع الذي لا يرعوي عن قطع لحم مدينيه من أجل سداد ديونهم.
ما فعله هتلر كان في منتهى الوحشية وأصبح الهولوكوست رمزاً لكل ما هو قبيح في هذه الحياة.
اجتمعت عوامل كثيرة في جعل الهولوكوست نقطة تحول فاصلة في حياة اليهود وإلى حد كبير في حياة باقي المجتمعات التي لها علاقة بالحدث كالفلسطينيين والعرب، ومن بين هذه العوامل:
أن عدد الضحايا اليهود كان كبيراً وما فعلته الشعوب الأوروبية الأخرى باليهود لا يقاس بما فعلته النازية، ثبت في الوعي العام أنه بلغ ستة ملايين ضحية، ولا يعنينا في هذا المقال الجدال في صحة الرقم رغم أن كثيراً من الكتاب والباحثين شككوا في صحته ، ولكن ما يعنينا أنه بناء على هذا الرقم صدرت قوانين في عدد كبير من الدول الأوروبية سميت بقوانين إنكار الهولوكوست ومعاداة السامية، ولكن نطرح هنا سؤالاً لماذا لم تشرع هذه الدول قوانين ضد معاداة السلافية حيث بلغ ضحايا الروس والسوفييت عشرين مليوناً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الضحايا اليهود.
نجح الإعلام الذي يسيطر عليه اليهود في تضخيم الحدث وتعزيزه في مجتمعات أوروبا الغربية ويمكن القول إن عملية غسيل مخ ضخمة جرت في تلك البلاد بحيث أصبحت معادة السامية جريمة لا تغتفر، كان مصدر هذه العملية الرئيسي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث توجد هوليوود وبرامج التلفزيون والجرائد العالمية وعدد كبير من المؤلفين والصحفيين الموالين للصهيونية.
أصبح حتى التشكيك في أرقام ضحايا الهولوكوست يعاقب عليها القانون، هذا ما حدث مع عدة كتاب بحثوا في الموضوع ولم يهضموا رقم الستة ملايين يهودي، كان مجرد التشكيك في هذا الرقم يعرضهم للمحاكمة ونبذ المجتمع لهم كونهم لاساميين. وللتذكير فقط لم يكن هناك توثيق دقيق لهذا الرقم في حرب دمرت فيه أرشيف الدول ووثائقها.
منذ خمسينات القرن العشرين وحتى انتشار الإعلام البديل تربت أجيال كاملة على عقدة الذنب والشعور بالعطف على هؤلاء المساكين (كما وصفهم الملك عبدالعزيز سعود) الذين قتلوا بدون ذنب وبكل وحشية وقسوة.
كان على هؤلاء المساكين المثقفين القادمين من العالم الأول إلى فلسطين، استيعاب درس النازية المقيت وأن يكونوا أكثر إنسانية تجاه مضيفيهم الفلسطينيين، ولكن عقدة التفوق العرقي والديني أعمت أعينهم، فقاموا بقتل وتشريد السكان أصحاب الأرض. هذا ما كشفه الإعلام البديل لجموع الشباب حول العالم، هذا الشباب المتحرر من عقدة الذنب وعقدة التهمة الجاهزة التي تستعملها الصهيونية : تهمة العداء للسامية. لم تعد هذه التهمة صالحةً بعد طوفان الأقصى والحرب البشعة التي تشنها على السكان المدنيين في غزة والتي تشابه الى حد بعيد الهولوكوست النازي، لم يعد ممكناً أن كل من يرفع صوته ضد سياسة التمييز العنصري والإبادة هو معاد لليهود، أصبح الأمر واضحاً فهناك عداء للصهيونية ولإسرائيل، حتى من اليهود أنفسهم، وما نتعلمه من التاريخ أن من يخسر تعاطف شعوب العالم يخسر كل شيء.
ولكن ماذا ميّز الفلسطينيين عن نظائرهم من الشعوب التي تعرضت وتتعرض للمذابح والتقتيل والإفناء عبر التاريخ؟
إنه التعليم، فالفلسطينيون لجأوا الى التعلم بعد أن فقدوا الأرض، والنتيجة أن هذا الشعب هو الأعلى في نسبة التعليم الجامعي بين شعوب العالم.
لم يواجه أصحاب الأرض في الأمريكتين التحدي الذي يمثله قدوم الرجل الأبيض لبلادهم، استمروا في استعمال الأسلحة القديمة التي لا تضاهي الأسلحة الحديثة، بينما نجد أن الفلسطينيين طوروا قذيفة روسية لتصبح الياسين 105 والتي قامت بعمل مذبحة للميركافا 4 مفخرة الصناعة العسكرية الإسرائيلية، فتحولت الى مسخرة ولا أعتقد أن هناك من دول ستشتريها إلا الأغبياء.
عندما مات الأمريكان الأصليون ( أصحاب الأرض) بشكل جماعي من الطاعون جراء هدايا البطانيات المليئة بجراثيمه لم يربطوا بين الأمرين، بقوا على سليقتهم وخانة قوى الطبيعة الشريرة.
للمقارنة، عندما أعلنت أمريكا عن نيتها بناء رصيف عائم في غزة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، لاحظنا مئات المقالات من الفلسطينيين تفضح نوايا الأمريكان، شركاء جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
تم سوق الروهنجا كالقطيع خارج بلادهم بسبب تدني نسبة التعليم بينهم، وتم نسيان مأساتهم. بينما نجد الفلسطينيين يتحملون فوق طاقة البشر ويتمسكون بالبقاء في أرضهم، وسيعودون إلى شمال غزة ليجدوا دماراً كاملاً، ولكن لن يفت ذلك من عضدهم ولن يثنيهم أو يبعث اليأس في نفوسهم.
بالنسبة لإسرائيل الفلسطينيون كلهم سواء وتريد محوهم عن وجه الأرض، ما حدث أن هذا الدمار طال مقومات وجود الطبقة الوسطى في غزة، فهبطت الى الطبقة الدنيا في السلم الاجتماعي. عندما لا يبقى لأفراد الطبقة الوسطى ما يخسرونه سينضمون الى المقاومة بشكل جماعي، وهذه الاضافة الاستراتيجية هي التي ستنهي الوجود الإسرائيلي لاحقاً.
حالياً فإن محصلة ( End Result ) ما تفعله قوى المقاومة ينتج عنه على المدى الطويل تحرير اليهود من الصهيونية، فهي ليست قدراً مكتوباً عليهم، وفي مرحلة من مراحل الصراع في المستقبل، على اليهود أنفسهم الاشتراك في معركة التخلص من الصهيونية، فهذا هو المعيار الحقيقي لمدى تقدمية وإنسانية اليهود إذ لا يكفي أبداَ إدانة ما يفعله قادة إسرائيل الصهاينه من أفعال الإبادة الجماعية التي يقترفونها باسم اليهود ضد الفلسطينيين، فالصهيونية هي خطاً تاريخي لا بد من إصلاحه فهو لم يصلح لحاضرنا وبالتأكيد لن يصلح للمستقبل.
النصر دائماً للشعوب والفجر قادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق