12 نوفمبر 2015

مقال تعيد المدونة نشره بمناسبة احتفال السيسي للعام الثانى على التوالى بالحرب العالمية الاولى التى بيع فيها العرب


محمد سيف الدولة يكتب:
 خطيئة الاحتفال بالحرب العالمية الأولى
لا اعلم من هو صاحب فكرة ان تحتفل مصر بالذكرى المئوية للحرب العالمية الاولى، وهى الحرب التى كانت وبالا علينا جميعا، ففيها تم تقسيمنا بموجب اتفاقيات سايكس ـ بيكو، وتم توزيعنا كغنائم حرب على المنتصرين من الاوروبيين، وخرجت منها كافة الأقطار العربية وهى ترزح تحت الانتداب/الاحتلال البريطانى او الفرنسى او الايطالى الذى استمر الى ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذى كان سببا رئيسيا فى تخلفنا ونهب ثرواتنا.
وفيها بدأ تدشين المشروع الصهيونى بإعطاء اليهود الحق فى وطن قومى فى فلسطين بموجب صك الانتداب البريطانى 1922 ومن قبله وعد بلفور المشئوم 1917.
وفيها قام الاوروبيون باحتلال القدس لأول مرة منذ ان حررها صلاح الدين فى 1187، ودخلها الجنرال الانجليزى اللنبى بجيوشه فى 9/12/1917 وقال قولته الشهيرة "اليوم انتهت الحروب الصليبية". وهو ذات المعنى الذى كرره بعده الجنرال الفرنسى هنرى غورور حين احتلت قواته دمشق فى 25 يوليو 1920، فذهب الى قبر صلاح الدين وقال بشماتة "ها قد عدنا يا صلاح الدين".
ان استكمال احتلال البلاد العربية فى الحرب العالمية الاولى، وخاصة بلدان المشرق العربى التى لم تكن قد خضعت بعد للاحتلال الاوروبى، هو فى التاريخ والوعى والضمير الاوروبى الاستعمارى العنصرى، هو مجرد امتداد للحملات الاستعمارية التى شنت على أوطاننا منذ تسعة قرون، والتى لم ينسوا او يغفروا لنا أبدا انتصارانا عليهم فيها و طردنا لآخر جندى منهم فى عام 1291.
فنأتى نحن اليوم ونحتفل بها !؟
اى رسالة تلك التى نريد ان نبعث بها الى شبابنا وأولادنا بمشاركتنا فى هذا الاحتفال ؟
أنريد أن نخبرهم اننا نفتخر بهذه الحقبة التى كنا فيها محتلين وتابعين وضعفاء ومساقين وشعوبا من الدرجة الثالثة والرابعة.
هل نريد ان نروج لعصور الاحتلال والتبعية ؟
ام اننا نريد أن نتقرب من الغرب ومجتمعه الدولى، فى محاولة لنيل الرضا والاعتراف،على غرار مشاركتنا الحالية فى التحالف الامريكى الاستعمارى فى العراق وسوريا ؟
ان الشعوب والأمم العريقة، لا تنسى أبدا ثأرها، ممن اعتدى عليها واستعمرها واستعبدها.
حتى الصهاينة المجرمون لا يزالون يهاجمون مصر والمصريين بدعوى إخراجهم لليهود من مصر منذ ما يزيد عن 3000 عام. ولا يزالون يبتزون العالم بالهولوكست، وبالاضطهاد الاوروبى لهم فى العصور الوسطى، وبعنصرية شكسبير فى رواية تاجر البندقية، ولا يزالون يتاجرون بمحاكمة الضابط الفرنسى اليهودى "دريفوس" للتدليل على عنصرية أوروبا ومعاداتها للسامية.
فلماذا نسينا نحن جرائم الحقبة الاستعمارية الاوروبية التى قد تمتد آثارها المدمرة علينا لقرون طويلة ؟
هل يمكن ان ننسى لهم مذابح الإسكندرية والتل الكبير ودنشواى وثورة 1919 وكوبرى عباس والاسماعيلية وحريق القاهرة والعدوان الثلاثى وغيرها؟
ثم نتذكر لهم بدلا من ذلك انتصاراتهم على بعضهم البعض، باستغلالنا واستخدامنا أوطانا و بشرا ومواردا كوقود لحروبهم الاستعمارية الإجرامية.
***
لقد قامت الحرب العالمية الاولى بسبب تنافس وصراع الدول والامبراطوريات الاوروبية على استعمار باقى شعوب العالم. صراعا بين القوى الاستعمارية المهيمنة كبريطانيا وفرنسا وروسيا من جانب، وبين ألمانيا والامبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية رجل اوروبا المريض.
وللفيلسوف البريطانى الشهير "برتراند راسل" مقولة شهيرة بالغة الدلالة فى عنصريتها، حين سألوه عن سبب رفضه للحرب العالمية الاولى واعتقاله لذلك؟ فأجاب انه كان من الممكن تجنب الحرب لو قامت بريطانيا وفرنسا بإعطاء ألمانيا بعضا من مستعمراتها !
هكذا يفكرون، لقد كانت حرب بين لصوص العالم. حرب المنتصر و المهزوم فيها أشرار. والضحية فى جميع الاحوال هى شعوبنا.
***
لقد قال اللواء أركان حرب جمال شحاتة رئيس هيئة البحوث العسكرية فى الكلمة التى ألقاها فى الاحتفال، إن الجيش المصرى قدشارك مع الحلفاء فى 5 أغسطس 1914، لنصرة الإنسانية، بأكثر من مليون و200 ألف مقاتل، وقاتل فى 3 قارات "آسيا وإفريقيا وأوروبا"، وكان ترتيبه الثامن من حيث عدد القوات المشاركة. وانه قدّم أكثر من نصف مليون شهيد فى الحرب العالمية الأولى، ودفن من سقطوا من هؤلاء الشهداء فى بلاد مختلفة بمقابر الكومنولث.
فهل يجوز الافتخار بمثل هذه المشاركة التى قدمنا فيها نصف مليون شهيد من جملة عدد القتلى الذى بلغ 8.5 مليون فى هذه الحرب الاستعمارية الإجرامية ، بدون أن نحقق أى مقابل أو مكسب او مصلحة.
فازت بريطانيا التى لم يتعدَ عدد قتلاها هى ودول الكومنولث مجتمعة، 900 الف قتيل، باحتلال غالبية بلدان أفريقيا وآسيا بالمشاركة مع حلفائها، بينما خرجنا نحن فاقدى الاستقلال، مجزئين مستعبدين، بل ومحرومين من المشاركة فى كل مؤتمرات ومقررات ما بعد الحرب، التى رفضت مطالبنا بالاستقلال. انها أياما سوداء فى تاريخنا .
ورغم كل هذه التضحيات المصرية المجانية، لم ينسب لمصر أى دور أو فضل فى اى من المراجع التاريخية الرئيسية التى تناولت الحرب.
كما أن الجنود المصريين، شاركوا فيها بالإكراه والكرباج والسخرة لصالح مصالح بريطانيا الاستعمارية وليس لصالح مصالح مصرية او عربية.
وحتى لو كان الاحتفال مجرد مناسبة بروتوكولية، فان المشاركة غير مقبولة أيضا، فلا أحد يحتفل بهزائمه أو بعصور استعباده؛ فهل نحتفل بالاحتلال البريطانى 1882 أو بالانتداب 1922 ؟ أو بذكرى النكسة فى 5 يوينو 1967، أو بذكرى النكبة فى 1948 ؟
وهل يمكن ان يحتفل الزنوج بذكرى اصطيادهم وترحيلهم واستعبادهم فى الولايات المتحدة الامريكية؟
أو الهنود الحمر بذكرى إبادة المستوطنين الاوروبيين البيض لهم ولقبائلهم ولحضارتهم؟
***
ان المشاركة تعكس خللا واضطرابًا فى البوصلة الوطنية. ولقد سبق ان حسمت القوى الوطنية موقفها من مثل هذه الاحتفالات والمناسبات التاريخية، حين رفضت وتصدت للاحتفالية التى نظمها فاروق حسنى وزير ثقافة مبارك بمرور مائتى عام على حملة نابليون بونابرت.
ورغم ذلك نأتى اليوم ونكررها مرة أخرى، انها بلد العجائب !
*****
كتب هذا المقال فى نوفمبر عام 2014

11 نوفمبر 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: مطلوب خيّاطة

مدينتنا تواصل الهبوط إلي ما تحت القبو بخطوات عصبية، لم تدخل سردابًا مجهول المعالم أكثر مما هي الآن، حتي الإستعمار الصريح لم ينجح في استدراجها إلي هكذا حالة، شعور محموم بالذعر العميق وضياع الطريق يضرب قلوب المصريين جميعًا، كل الطرق ظلال دائرية لا تقود إلي غاية، قيثارة بليدة تعزف صوتاً واحدًا صنعت في خمسينيات القرن الماضي، ونعيق الغربان يتردد في كل مكان! 
ليس من مصري واحد في قرارة نفسه يريد المضي قدمًا نحو تجربة سياسية أخري يكون للجيش نبض فيها بعدما انحاز ضد الشعب من أجل أقلية لا يريدون أن يتقبّلوا إملاءات التطور وتحولات الحياة، ولا أن يخسروا ولو قطعة مما يظنونها كعكة مقدسة يتوارثونها بحكم الزي في سبيل انتشال الكثير من الوطن والسكان وأنفسهم من الفجوة المرعبة التي تتهيأ لابتلاع الجميع..
لقد اكتشف الناس بياض الحرية لبعض الوقت وضاقت صدورهم بكل من يعتبر الحوار هرطقة، والنظر إلي الأمور في ضوء مغاير تطاولاً، والمعارضة حكمًا إن لم يكن بالإعدام فلا أقل من السجن المؤبد، كأنما عقد هؤلاء العزم علي الزحف إلي الخلف ولو علي دماء المصريين جميعًا، وعلي ألا يتركوا ورائهم سوى الأطلال، تلك الاستهانة الباهظة بروح القانون وبكل معاني المواطنة صار السكوت عليها عبئاً يفوق طاقة المصريين! 
لكأن الرغبة في الاحتفاظ بامتيازاتهم إلي الأبد أعمت عقول هؤلاء عن إدراك أن الخطر هذه المرة أكبر من أي مجازفة (استراتيجية) من مجازفاتهم البائسة، ولربما أدركوا أن الوطن الذي كان علامة علي احترامهم صار علامة على ضرورة انسحابهم من كل ما يمت إلي السياسة من قريب أو من بعيد ولكنهم لا يعرفون متي ولا أين ولا كيف يتوقفون، أو ربما يجهزون الآن وجههم القادم في مؤامرة أخري حتمًا سوف يكون مصيرها أيضًا الفشل ما دام علي الجانب الآخر ثمة شباب لم يسأموا بعد من البحث عن وطن يحترم بديهيات الديمقراطية، تلك البديهيات التي بمقدورها وحدها أن تضبط إيقاع شهوة الأغبياء إلي السلطة حتي بعد انقضاء مدة الصلاحية وتبخر الأوهام، وأنا هنا أستعير أصابع الفيلسوفة الأمريكية روسية المولد "آين راند" حيث تقول: 
- شهوة السلطة هي أعشابٌ تنمو فقط في القطع الشاغرة من الأدمغة المهجورة!
من السئ ألا شئ يفصل بين الماضي والمستقبل في هذه المعركة الصفرية إلا بندقية صماء سوف لا تسمع بالتأكيد ماذا يريد القتيل أن يقول قبل أن يترك هذا العالم!
لم يعد يخفي علي أحد أن ثورة يناير كانت ثورة ناقصة، والثورة الناقصة هي هاوية مرشحة لابتلاع وطن بأكمله، هذا عرفٌ تاريخي أشبه بالدارج، وهذا ما حدث فعلاً، لقد وصلت مصر إلي آخر موطأ قدم من الحافة من جراء عدم اكتمال ملحمة يناير، كان السبب المفصلي في نقصها هو، لا عدم وجود قائد لها، بل لتورط بعض الذين لبسوا مسوح الثوار في الترويج لهذه الشائعة ليوم له ما بعده، كل ما صدر عن هؤلاء بعد ذلك أكد أنهم ضالعون في مخطط إحباط محاولة انتقال مصر إلي المستقبل دون خسائر!
إن مما هو في حكم المؤكد أن عددًا من الذين انحازوا إلي الميدان، بل من الذين ساهموا في استدراج المصريين إليه قبل الثورة بشهور طويلة، كان بمقدورهم نقل الحلم بالتغيير من مجازفة التحرير الأشبه بالحلم إلي حقائق السياسة وتحويل الحلم إلي واقع، وكان من بينهم من يعرف كيف يجعل كتلة الثوار لا تنهار قبل انهيار عالم "مبارك" الكريه من الأمام ومن الخلف ومن الجانب الآخر وتطويقه من الذين لم يعرفوا في عالمه شيئاً عن الحق في الدفاع عن النفس ولا العدالة، وقبل اكتمال الثأر المؤلم من ستين عامًا من الخوف والقهر والقتل المجاني والمهانة وسرقة الأحلام، غير أن الأرض تآكلت سريعًا من تحت أقدام هؤلاء بفعل فاعل، أو بفعل كثيرين علي وجه الدقة!
لم يستغل الميدان قوة اللحظة التي كانت تقتضي أن تكون النهاية أعلى سقفاً وأرحب مساحةً من ضيق خيار "مبارك" وخبثه مهما كانت الخسائر، ما كانت لتكون بأية حال "1" علي "1000" من الخسائر التي نجمت، وتنجم، وستنجم، عن ترك الميدان قبل الأوان، ربما لأن الفرحة الزائدة عن الحد هي البوابة الملكية للغفران، ولقد بلغت فرحة المصريين عند تنحي "مبارك" حدًا كانوا مستعدين عنده لغفران خطايا الإنسانية كلها، لكن الخسة كاسمها، ذلك أن نظام "مبارك" عندما تأكد من انكسار قوة اللحظة راح يبجث للجميع عن جدران تفصلهم، وواصل العمل علي ارتفاعها وتكثيفها حتي حجبت الجميع عن الجميع، وصار كل شركاء شتاء يناير بحميميته وترقبه وأحلامه البيضاء جزرًا منعزلة انهارت بينها كل الجسور سريعًا، سريعًا جدًا!
وتظل الثورة الفرنسية مرجعًا رئيسيًا لكل الثورات، وقصة مدينتين A Tale of Two Cities"" هي الرواية التاريخية الثانية للكاتب العظيم "تشارلز ديكنز"، والمدينتان هما "باريس" و "لندن" في مدة زمنية واحدة، لقد كتب هذه الرواية عام "1859" ليؤرخ لأجواء الثورة الفرنسية وملامحها والأسباب الحاثة علي اندلاعها وذلك الانتقام المسرف الذى مارسه الثوار علي النبلاء والإقطاعيين دون أن يقيموا لأدنى معايير العدالة وزناً، ولقد استلهم "ديكنز" الرواية من كتاب "الثورة الفرنسية" للكاتب الإسكتلندي "توماس كارليل"، وتعد هذه الرواية مصدرًا جذريًا لكتابة التاريخ أدبًا، كما صارت مع بيع "200" مليون نسخة منها أعلي كتاب أصلي مكتوب بالإنجليزية تمت طباعته!
من السهل أن يكتشف كل من يقرأ "قصة مدينتين" أن الحالة التي تصنعها الأنظمة القمعية متشابهة في كل مكان، عندما كان "الباستيل" رمزًا للمخاوف والمعلم الأشهر دلالة علي "فرنسا" المظلمة، كما كان الفقر مرضًا فرنسيًا بلغ من الضراوة حدًا دفع "ديكنز" إلي أن يرسم في روايته بالكلمات لوحة لبرميل مملوء بالنبيذ الأحمر قد انكسر في أحد شوارع حي "سانت أنطوان"، فترك كل الناس أعمالهم وهرولوا إلى مكان البرميل يحاولون شرب قطرات النبيذ قبل أن تبتلعها الأرض، بل نزع بعضهم ثيابه وأخذ يغمسها في النبيذ المسكوب ثم يعصرها في فمه!
وكما نحن الآن في نظر سادتنا المزمنين، كان الفرنسيون في نظر الإقطاعيين أرقامًا، لقد ضغط "ديكنز" علي هذا المعني بقوة أكثر من مرة: 
المرة الأولي عندما يدهس الماركيز "سان إيفرموند" ابن الفلاح الفقير "جاسبارد" بعربته، ثم يلقي إليه في استعلاء عملة نقدية كتعويض عن خسارة ابنه! 
والمرة الثانية، عندما يتمكن "مستر لوري" من الوصول إلي صديقه القديم الدكتور "مانيت" فيجده مستغرقاً حتي جذور أعصابه في صناعة حذاء حريمي حتي أنه لم يلحظ أحدًا ممن دخلوا إليه، ويتقدم صديقه العجوز نحوه ويسأله بصوت هادىء إن كان يتذكره فلا يرد، ويسأله مرة أخري: ما اسمك؟ 
فيجيب بصوت منهك:
- اسمي مائة وخمسة البرج الشمالي! 
كان يشير بهذه الكلمات إلى رقم زنزانته في سجن الباستيل! 
ليس هذا أسوأ ما في الأمر، إنما الأسوأ أن الدكتور "مانيت" صار يؤمن أن السجان فقط هو من له الحق في استئناف الوجود والتواصل مع المستقبل، لذلك، عندما تقترب منه ابنته "لوسي" في تأثر بالغ وتضع يدها فوق ذراعه، يلتفت إليها ويسألها: 
- هل أنتِ ابنة سجاني في الباستيل؟
غير أن أبرز المشاهد التي لابد أن تتمسك بها الذاكرة فى "قصة مدينتين" هو مشهد "مدام ديفارج"، تلك المرأة التي التهم أعماقها الحقد على عائلة "دارني" الأرستقراطية بسبب ما فعلته بعائلتها في الماضي، لقد كانت الوحيدة الناجية من تلك العائلة التي حطمها "آل ايفرموند"، امرأة عابسة وفقيرة تحتل ندوب قلبها كل المسافة بين عقلها وتصرفاتها، شفتاها علي الدوام مزمومتان فى صرامة، ولقد رسم "ديكنز" هذا المشهد لها بحرفية عالية: 
"مدام ديفارج" تجلس في الحانة على مقعد بجوار زوجها "مسيو ديفارج" منهمكة في شغل الإبرة، كانت تنسج أسماء جديدة لمن حكم عليهم العوامُ بقطع الرأس بمقصلة الجلوتين، تتوقف أحياناً لتقوم بإملاء زوجها بعض الأسماء التي نسجتها بالإبرة في وقت سابق، وكلما نسيت اسمًا استعانت بصديقاتها المتواجدات معها بالحانة لتذكيرها، كان المخمورون يطلقون صرخاتٍ أشبه بعواء الذئاب استحساناً لإضافة كل اسم جديد، هذه الأصوات الممتلئة بنشوة الشراب الردئ كانت هي النغمات الأولي لعواء الحشود المتعطشة للثأر الذى اتصل فى "ساحة الشعب" حيث نصبت المقصلة الرئيسية! 
فما أحوجنا الآن إلي "خياطة" تنسج الكراهية، حتي لا ننسي، لقد ساهمت المغفرة وتجاوز الماضي في خرق ثورة يناير بقدر يصعب إنكاره، حتي أن بعض إعلاميي "مبارك" وبعض رجال دينه وبعض مثقفي نظامه وبعض معارضي نظامه من فوق السطح والمولودين من رحم مخابراتي خالص من تحت السطح، بعدما كانوا يحرضون علانية علي حرق الثوار أحياء لم يجدوا غضاضة في أن يحصوا أنفسهم فيما بعد من بين ثوار التحرير، بل لم يمنع الخجل بعضهم أن يدعي مساهمته في صناعة الثورة، وتقبَّل المصريون هذه الأكاذيب عن طيب خاطر، علي الرغم من أن كل مصري كان لديه القدرة على مشاهدة مساحة الضوء التي كان يشغلها هؤلاء أو تشغلها أقلام هؤلاء أو أصواتهم، وتلك النفايات التي كانوا يبصقونها في عقول البسطاء بهدف تعطيلها وحراسة بطالتها، سوف يُدرك ببساطة الماء أن هؤلاء لعبوا دورًا جسيمًا في تقويض الحلم وتعطيل التغيير وتخصيب الأحقاد وإقناع البسطاء بأن حظيرة "عبد الناصر" هي الخيار الوطني الذي يجب الإخلاص له، تمامًا كما استداروا إلي حقيقتهم، عندما شعروا بزوال الخطر وثبَّتهم العسكر، واستأنفوا العمل علي إقناعهم في عهد "د.مرسي" بأنها الخيار الوطني الذي يجب استرداده، والآن أيضًا، وبانفعالات مسرفة!
لا شك أن الأنظمة القمعية لايمكن أن تقوم بذاتها، لأنها أنظمة هشة بطبيعتها، لا يحميها من الانهيار إلا الخداع المتواصل وبعض السفلة الذين لا ضمير لهم من الموهوبين في فنون التضليل وفنون اختطاف البسطاء بعيدًا عن بشاعة الواقع، لذلك، إذا زار مصر، في أي وقت، يومٌ كيوم "فبراير" 2011 الشهير يجب أن تتسع دائرة العقاب لتشمل كل من ساهم في استعادة الشر وتجميل القتلة، من أجل المستقبل فقط، أعرف أن أوطان هؤلاء هي حقائب السفر، كما أعرف أنهم سوف يتوغلون في مساحات الفرار عند أول إحساس بالخطر، لكن لليهود تجربة جديرة بالاستنساخ في هذا السياق، لقد نجح الموساد الاسرائيلي في ملاحقة واغتيال معظم الذين تورطوا في الهولوكوست ثم تمكنوا بعد سقوط "ألمانيا" من الفرار إلي "أمريكا الجنوبية" ومخابئ أخري، هذه هي العدالة، إلا من رجع قبل انتهاء صلاحية الرجوع وجفاف مواسم الغفران!

09 نوفمبر 2015

نجاد البرعي يكتب: الأمن وليس الخوف

رساله تسلمتها. استاذ فى احدى الكليات المرموقة. يقف بسيارته فى احد المراكز التجارية .سيدة تعود بسيارتها إلى الخلف مسرعة، كادت تصدمه، نبهها؛ تشاجرت معه. اخذت رقم سيارته، اجرت اتصالا هاتفيا سريعا، نظرت اليه وعائلته وقالت ابلغت عنكم «شكلكم إخوان»!!. يقول الرجل «حاولت ان اعتذر لها خشية ان اجد نفسى أو احد ابنائى فى المعتقل أو السجن أو خشية المذلة والمهانة فى احد اقسام الشرطة». ترك الرجل رقم هاتفه اتصلت به؛ تركت له رقم هاتفى وانا اعرف انه لو حدث له ما يخشاه فلن يستطيع احد ان يساعده. بعدها بيوم واحد اتصلت بى احدى السيدات قالت «ان اخاها أحمد محمود عبداللطيف والذى يعمل اماما وخطيبا بوزارة الأوقاف تم اختطافه اثناء سيره بمنطقة البحوث فى ١٦ اكتوبر الماضى ».
علموا بعد وساطات متعددة انه محتجز بشكل غير رسمى فى لاظوغلى. الشاب الذى يبلغ من العمر ٣٢ سنة كفيف. ارسل اهله برقيات إلى النائب العام ووزير الداخلية دون رد. قالت «انا مستعدة ادفع أى اتعاب حضرتك عايزها، انت محام معروف واكيد تعرف تتصرف». قلت لها «لا تخافى سيحتجزونه مدة ثم يرسلونه مع بعض الاتهامات إلى النيابة والتى ستبقيه رهن الحبس الاحتياطى إلى امد غير معلوم، وعندها يمكن لك ان تزوريه فى السجن.. وفرى عليك مالك «!!. بعد يوم واحد اصدرت وزارة الداخلية بيانا قالت فيه انه «بناء على تحريات الأمن الوطنى تم القبض على خلية إخوانية تقوم بسد مصارف الأمطار فى الإسكندرية لإحداث حالة من السخط الجماهيرى ضد النظام القائم». تم القبض على مواطنين بتلك التهم مضافا اليها قليل من التوابل حول استهداف ضباط الشرطة والجيش!!. فى الوقت الذى كان فيه «الأمن الوطنى» مشغول بمعرفة من سد مصارف الأمطار فى الاسكندرية ليغرقها، كانت دول اجنبية ترسل خبراءها للتحقق من توافر «الأمن» فى المطارات المصرية.
عدم قيام «الأمن الوطنى» بواجبه بمهنية ونزاهة سيؤدى إلى مزيد من العمليات الارهابية. استغراقه فى محاولات خلق «مناخ من الخوف» داخل المجتمع للحفاظ على «استقرار الدولة» لن يؤدى الا إلى توترات عنيفة وخطيرة تتجاوز بكثير ما حدث فى يناير. الذين اكتشفوا ان هناك خلية إخوانية تسد مصارف الامطار فى الاسكندرية عجزوا عن حل لغز «اغتيال النائب العام» فى وسط القاهرة. دولة الخوف لن تحارب الارهاب، ولكنها تساعد على ان يتفهم البعض مبرراته بل ويساعده. الوقت قد حان للقيام بمهمة إصلاحية واسعة داخل جهاز «الامن الوطنى»، خلال العام الماضى بدا للكثيرين ان «القانون فى اجازة» وهو امر لا يصب فى صالح الدولة واستقرارها بالقطع. تُقام الدول على الامن وليس الخوف، الخائفون لا تقوى ايديهم المرتعشة على البناء.

وائل قنديل يكتب : جمهورية "ما يصحش كده"

كانوا يصرخون "تحيا مصر"، كلما وجدوا أنفسهم بصدد استحقاق لازم، أو سؤال موضوعي، يرددونها ثلاثاً، بشكل هيستيري، قافزين في أحراش الوطنية الفاسدة، للاختباء، والابتزاز، ومواصلة الاستثمار في الأوهام والاتجار في الأكاذيب. الآن، لم تعد "تحيا مصر" تسد رمق الجائعين للأجوبة، ولا تقي من انهمار سيول الأسئلة، بعد أكثر من عامين، تمتع فيها نظام عبد الفتاح السيسي بوضعية طفل العالم المدلل، والمريض الأولى بالرعاية، من أولئك الباحثين عن جنرال يمارس الاستبداد والقمع بيد، وبالأخرى ينفذ ما يأمره به الرعاة، على النحو الذي يحقق مصالحهم، وفي العادة، تكون هذه على حساب المبادئ والقيم المحترمة. وفي الداخل، يتمتع بمكانة الصنم المقدس، التميمة، أو "المبروك" في تراث الخرافة الشعبية، الذي لا يجيد الكلام، ولا الفعل، ولا التفكير، لكنه مثل "الخرزة الزرقاء"، يكفي وجودها على باب الدار لجلب الرزق، كما يعتقد ضحايا الدجل والشعوذة. قبل عام تقريباً، وتحت عنوان "الزعيم السيسي في الحضانة" كتبت الآتي: يسلك عديد من النظم السياسية العربية والدولية مع عبد الفتاح السيسي، باعتباره الزعيم الذي ولد مبتسراً. وبالتالي، لا مناص من وضعه في "حضانة"، أملا في اكتماله وامتلاكه القدرة على الحركة والقابلية للنمو. وبعد أكثر من 18 شهراً مضت على "زرع" هذه الزعامة الاصطناعية في مصر، يكتشف الرعاة والداعمون أن كل ما فعلوه لم يحقق المطلوب، فقد ضخت هذه النظم الكثير، لتوفير البيئة الملائمة لإنجاح عملية إنضاج الزعامة المبتسرة في حضانةٍ، لم يبخل عليها أحد بالمال والسلاح وأطقم الحراسة". وأتبعت "والمدهش أن زعيم الجماعة الانقلابية يسلك، هو الآخر، وفقا لسيكولوجية المبتسرين، إذ يكاد يكون مستقراً في يقينه أنه طفل العالم المستحق للرعاية الشاملة، كونه يردد ما يملى عليه من "كتاب الأناشيد" الخاصة بالحرب على الإرهاب. ومن ثم يريد إسقاط مديونيات، إسكات منابر إعلامية، إبعاد معارضيه وتشريدهم في كل واد، ابتزاز معونات ومساعدات، وكأنها حق أصيل، إلى آخر معطيات هذه الحالة التي لا تجدها إلا في مجموعات التسول بعاهات مصطنعة". كان ذلك في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي. والآن، بعد مرور سنة أخرى، يكتشف الجميع أن الطفل المدلل، خارجياً، والصنم المقدس، داخلياً، لا يملك مقومات البقاء، بعد أن استنفد عدد المرات المسموح بها بالرسوب، وأهدر كل فرص النجاح، فالداخل يغرق في مياه الأمطار، وعواصف الدولار، ويتخبط في عراء اقتصادي موحش، انخفض فيه الاحتياطي النقدي إلى ما تحت الصفر، والخارج يحترق بفعل فشله الأمني والاستخباراتي، ليصل الأمر إلى حدود اختراق الإرهاب للمطارات والمنافذ وتفجير الطائرات، في سيناء التي كان البند الوحيد، في سيرته الذاتية، المقدمة للحصول على وظيفة "حارس منخفض السعر لمشروع الحرب على الإرهاب". اكتشف الجميع هزاله، وأيقنوا أن استمراره خطر داهم، إذ يقود الطائرة بعقلية سائق الجرافة، أو المدرعة، أو ينطلق بدراجة نارية داخل محل للخزف والزجاج، لا تزيد مساحته عن عشرة أمتار مربعة. وحين اكتشف العالم أن الصمت والتغطية على هذا الهراء سيجلب كوارث، تكلموا وفعلوا ما يرونه في صالحهم، فسارعت لندن بسحب السائحين البريطانيين على وجه السرعة، وتبعتها موسكو، وعواصم أخرى قررت تعليق رحلاتها إلى المطارات المصرية التي تستأسد سلطاتها على امرأةٍ، مثل ياسمين النرش، أو تلميذ أو كاتب أو ناشط تمنعه من السفر، لكنها شديدة النعومة مع احتمالات الإرهاب والخطر. هنا، لم يخرج رد فعل النظام عن ترديد أناشيد الوطنية المختلة، وإطلاق ميكروفونات العبط تتحدث عن المؤامرة الكونية، على الجنرال الذي يرعب الأميركان، ودخلت روسيا إلى قائمة الأعداء المتآمرين، على الرغم من أن الأصوات نفسها كانت، قبل وقت قليل، تكاد تسجد للجاكيت ذي النجمة الحمراء، هدية بوتين الكبير إلى "بوتين الصغير"، كما حاول إعلام السيسي أن يختلق سمات وملامح وخصائص وجذور مشتركة لجنرالهم مع قيصر روسيا الجديد. تمتد حالة الهذيان القومي، لتجعل إعلام السيسي يتحدث عن نجاح "الزيارة التاريخية لبريطانيا"، ثم بعد دقائق يُتهم الإنجليز بالتآمر ودعم الإرهاب، تماما كما أنزلوا بوتين من مرتبة الراعي الصالح والداعم الأكبر إلى الضعيف الخاضع للظروف، المتآمر. ولا تتوقف الهلوسة على إعلاميين خلت أدمغتهم إلا من قاموس للبذاءة والإسفاف، لتشمل الرجل الأول في الدبلوماسية، فيستنكر سامح شكري وزير الخارجية موقف الدول الأوروبية المحذر من خطورة أوضاع الطيران في مصر، ويطالبها بأن تكون قمعية ومعتمة مثل سلطته، فلا تعلن ما لديها من معلومات وبيانات، عبر وسائل الإعلام، وتعطيها لمصر. منطق ساذج لا يختلف عن منطق "ما يصحش كده" الذي يشهره رئيسه في وجه كل منتقد أو معترض، أو حتى ناصح. إنه نظام يهرب من فشله وبلادته في مواجهة الأمطار بإلقاء التهمة على "الإخوان" بسد البلاعات، ويبتز الذين أصابهم الهم والغم على وصوله بمصر إلى مصاف الدول الأكثر فشلا، باتهامهم بالشماتة، وتنتفي فيه الفوارق بين "البيان الرسمي" و"الجنون الرسمي"، ويردد، طوال الوقت، أن كل سكان الكرة الأرضية يتآمرون عليه. ويواصل دغدغة عواطف المخدوعين فيه بعبارات "مصر لن تركع"، تلك التي اخترعتها فايزة أبو النجا، وزيرة مبارك سابقا، وصانعة فكر السيسي وخطابه، بشأن علاقته بالعالم، حالياً. ومع نظام بهذه المواصفات البائسة، يصبح الصمت على الإهانة الدولية التي يعرّض لها مصر نوعاً من الخيانة، فارحمونا من "أستاذيتكم الفارغة"، وحديثكم التافه عن الشماتة والتشفي

بلال فضل يكتب: النسخة الإجرامية من حب الوطن


كم كارثةً يحتاج مؤيدو الحكم العسكري، لإدراك أن موديل الوطنية الهستيرية الزاعقة، الذي أدمنوا استخدامه، يهدد بتدمير مصر، بأسرع وأقسى مما يحلم به أي خائن أو متآمر؟
لا يبدو أن كارثة قنبلة الطائرة الروسية ستوقظ مؤيدي عبد الفتاح السيسي من غيبوبتهم الاختيارية، ولا أظن أن كارثة أخرى ستفعل، فحين تلغي عقلك، وتسلم قرارك لقاتل، سيصبح مصيرك مرتبطاً بمصير القاتل، ومرهوناً بقدرته على ممارسة مزيد من القتل، من أجل حماية نفسه ومصالحه، وحين لا يكون ذلك القاتل مرتبطاً بشخص، بل مرتبطاً بمجموعة مؤسسات أصبحت تمارس القتل وتحميه، من أجل الدفاع عن مصالحها، تكون المسألة أعقد من رحيل شخص أو بقائه، ويكون على من بقي محتفظاً بعقله وضميره أن يتصرّف بحذر شديد، لتقليل حجم الخسائر، ومحاولة التفكير في بدائل للخروج بمصر من ثنائية "العسكرجية والإسلامجية"، لكي لا يظل فيلم (ما بعد يوليو 52) الدامي والماسخ يُعاد إلى الأبد، من دون أن يتغير في تفاصيله شيء، سوى عدد الضحايا ووطأة الألم.
خلال الأيام الماضية، شهدنا محاولات "سيساوية" ضارية لإنكار وجود قنبلة في الطيارة الروسية المنكوبة. والآن، نشهد محاولات أشد ضراوة للتملص من مسؤولية وصول القنبلة إلى متن الطائرة، بتقديم إجابات مضللة على سؤال "كيف زُرعت القنبلة"؟ ليتم عزل كارثة القنبلة عن المناخ السياسي والأمني والإعلامي الذي ساهم في وقوعها، فينجو المتسببون في الكارثة برؤوسهم ومصالحهم، وتشهد البلاد حالة مؤقتة من التشديد الأمني، تعود بعدها إلى حالة الرخاوة والبلادة المعتادة التي تنتج كارثة جديدة.
حجم المصيبة كبير هذه المرّة، ويمس ملايين العاملين في قطاع السياحة، كان الله في عونهم على مواجهة الأيام الصعبة المقبلة. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك رغبة في تغيير طريقة التعامل الرسمي والشعبي مع الكارثة على المستويات كافة، فكما لم نعدم من يحاولون استثمار المصيبة للتغطية على فشل السيسي المنقطع النظير، وتصوير ما جرى ضريبة لمحاولته إنقاذ العالم من خطر "الإخوان"، لم نعدم من يحاولون استثمار المصيبة من أجل وهم استعادة شرعية محمد مرسي، كأن مصر لم تكن وطناً منكوبا في عهد مرسي، وكأن أنصاره لم يكونوا، عقب كل كارثة، يرددون المبررات نفسها التي يرددها الآن أنصار السيسي، ويتشدّقون بالحديث نفسه عن المؤامرات الكونية ضد الدين والوطن والأيدي المتوضئة.
أخطر ما في الكوارث المدوية، أنها تنتج حالة من الهستيريا، تخيف الراغبين في طرح الأسئلة الحقيقية، وتمنع تسمية الأشياء بمسمياتها، ولعل هذا ما جعل كثيرين ممن يفترض أنهم أصحاب عقول وألباب، يندفعون في الأيام الماضية، إلى إعتماد سيناريوهات المؤامرة الدولية في تفسير ما حدث من تطورات متلاحقة، وفي مقدمتها سيناريو أن هناك "لعبة أمم" تجري بين أميركا وبريطانيا من ناحية وروسيا من ناحية أخرى، وأن قضية الطائرة ليست سوى تصفية حسابات بين الأطراف المتصارعة في سورية، وحين أصدر فلاديمير بوتين فجأة قراره تعليق الرحلات الجوية الروسية إلى مصر، لم يسكت مروجو سيناريو المؤامرة خجلاً أو أسفاً، بل اعتمد كثيرون منهم منطق "ما فيش صاحب بيتصاحب"، للتأكيد على أن روسيا انضمت إلى المؤامرة، من دون أن يقدموا أسباباً محددة لذلك، ولو حتى القول، مثلاً، إن الجنرال عبد الفتاح رجل مؤمن، والمؤمن "متصاب بطبعه".
المؤسف أنه كان لدى بعض مروجي سيناريو المؤامرة الدولية، طوال الفترة الماضية، انتقادات حقيقية لأداء السيسي وانتهاكات نظامه، لكن "موديل الوطنية الستيناتي" الذي ما زال الأكثر تداولاً في مصر يرى أنه حين تقع كارثة قومية، فمن الأفضل أن يصطف الجميع خلف صانع الكارثة، لمنحه فرصة أخرى، حتى وإن كانت كل المؤشرات تفيد بأن إمكاناته الضئيلة لا تعد إلا بكارثة جديدة، وحتى لو تأكد أن المشكلة ليست في شخصه، أو أسماء معاونيه، بل في منهج التفكير الذي يقود به البلاد، ما يجعل السماح له بالبقاء على قيد القيادة، مشاركة له في صنع جريمة كاملة جديدة.
لي أصدقاء يعملون في الإعلام يمتلكون تجارب شخصية مع كوارث الأمن والإدارة في المطارات المصرية، حيث يسود شعار "بفلوسك وبمالك هتنول اللي في بالك"، تماماً كما يسود في كل مكان آخر في مصر. ومع ذلك، دفعتهم حالة الهستيريا الوطنية، ليتحولوا إلى أسود ضارية على مواقع التواصل الاجتماعي، تنهش كل من يسخر من سيناريوهات المؤامرة، وتخوّن من يطالب بمحاسبة الذين أشاعوا في مصر مناخاً من الفساد وانعدام الكفاءة وقتل روح الانتماء، يتغذّى عليه الإرهاب، ويتعملق في ظله. والمؤسف أن بعض هؤلاء سبق أن أقاموا في دول أجنبية تحترم مواطنيها، ويعرفون جيداً أن حكومات تلك الدول يمكن أن تقلب الدنيا رأسا على عقب، لحماية مواطنيها، ليس فقط حباً فيهم، بل للإفلات من مسؤولية التقصير في حمايتهم. ومع ذلك، استسهل هؤلاء ترويج سيناريوهات التآمر الدولي الهادف لإسقاط مصر، من دون أن يقدموا تفسيراً للتناقض الذي يجعل دولا تتآمر على مصر، ومع ذلك ترسل لها آلاف السياح لكي ينفقوا فيها ملايين الدولارات، فضلاً عن تقديم تفسير لاستمرار هذه الدول في منح مصر مزيداً من المساعدات والمنح والدعم السياسي اللازم لإبقاء السيسي على قيد الحكم.
الأخطر أن نظرية المؤامرة في مصر لم تعد اختيارا، بل صارت ملاذاً أخيراً للتماسك من أجل البقاء. ببساطة، لا أحد يحب أن يواجه حقيقة أنه بذل كل هذا التأييد والتفويض والتطبيل، من أجل شخص محدود القدرات، لا يمتلك أي مشروع أو خطة إنقاذ للوطن، وكل ما في الأمر أن الظروف أتاحت له تحقيق حلم النط على الكرسي، فنطّ على الكرسي. لكن، بعيداً عن شخص القائد المقلب، دعنا نقول إنه لا أحد يستطيع أن يعيش مرتاح البال تحت سقف دولة، يعرف أنها ليست حقاً دولة. لذلك، سيكون الأفضل له كمواطن أن يتخيّل أنها دولة قوية ومرغوبة، وأن قوى الشر تتآمر عليها، طمعا فيها وخوفا منها، فذلك الخيال أكثر راحة من التعايش مع حقيقة أنك محكوم بدولة شائخة "مخوّخة"، استطاعت قتل آلاف الناس، وحبس أضعافهم، لكنها فشلت في تأمين مطار. وبالطبع، تتعقد المأساة، حين يتعلق الأمر بمواطن منكوب، ينتظر من هذه الدولة المفترضة أن تعوّضه عن خسائره التي حدثت بسبب تقصيرها في أداء واجبها، فعندها يكون التوحش في تبني سيناريو المؤامرة بمثابة إعلان نيات حسنة من المواطن، وعربون تأييد لقائدها. وهنا، لن يكون مطلوباً من المواطن أن يرقص أمام لجنة انتخابية، أو يبتكر أسلوباً جديداً في النفاق والتطبيل، بل عليه فقط أن يتحول إلى جندي مجند مرابط في موقعه، للبطش بكل من يرفض شماعات المؤامرة، ويطالب بضرورة التغيير، لعل الدولة تلتفت إلى معاناته، وتساعده على الخروج من مآسيه. 
هناك من يعتقد أن كوارث من هذا النوع الخطير ستجبر السيسي على إصلاح نفسه ونظامه، فيفتح، مثلاً، المجال العام الذي أغلقه بالضبة والمفتاح، أو يدعو إلى مصالحة وطنية غير دعائية، أو يقوم بتنحية صناع الهستيريا الإعلامية الذين اعتمد عليهم في تقوية نظامه، وهي أحلام، مع تقديري لطالبيها، تنسى أن هذا كان ممكناً، قبل أن تتلطخ يدا السيسي بالدماء، لأنه أصبح بمجرد ذلك جزءاً من المشكلة، تماماً كما أصبح مرسي جزءاً من المشكلة بعد ما جرى في الاتحادية وما تلاها. وعلى الرغم من أن جرائم مرسي لا يمكن لمنصف مقارنتها أبداً بجرائم السيسي، إلا أن ما لا يرغب كثيرون من أنصار مرسي والسيسي فهمه هو أن المسألة أصبحت تتجاوز شخصي الاثنين، إلى عقم فكرة الحكم العسكري، واستحالة فكرة حكم الشعارات الدينية، وهو ما يجعل مشكلات مصر المعقدة تحتاج إلى أفق مختلف وخيال جديد، لكن ذلك لن يتم إلا بعد محاسبة الذين تورطوا في سفك الدماء، والبدء في إنصاف المظلومين، وليس فقط إيقاف مظالمهم، فبذلك وحده يمكن أن تسير مصر في طريق العدالة والمصالحة، الذي لن يكون بدوره طريقاً سهلاً، لأنه يحتاج، أولاً، أن نقر بأهمية البحث عن الحقيقة، وهو أمر يصعب حدوثه، في ظل سيادة النسخة الإجرامية من حب الوطن التي لا ترضى من الأصوات إلا بصوت الهستيريا.
طيب، إلى أين يصل بنا حاصل ضرب توحش النظام بتوحش مؤيديه؟ لا أحد يعلم. لكن، ربما كان في وسع كل منا، أن ينأى بنفسه عن المشاركة في صنع مزيد من التوحش، وأن يتوقف عن تكرار أخطاء الماضي، ولو بحسن نية، وأن يبدأ الراغبون في تحقيق مطالب ثورة يناير، ببلورة مشروع سياسي ثوري يرفض ظلم أنصار "الإخوان" وقمعهم، لكنه يرفض مناصرة مشروعهم المغلق والمفلس ودعمه، ويرفض الحكم العسكري، لكنه يرفض أيضاً التورط في صراع أهوج مع الجيش، سيطيل أمد الحكم العسكري أكثر. وحين يأتي صناع التوحش وهواته، في كل الجبهات، بآخر ما عندهم، سينفتح مجال ما لصوت العقل، ربما يكون لهذا المشروع، على اختلاف تياراته ومكوناته الفكرية والسياسية، فرصة حقيقية لإنقاذ مصر، وتحويلها إلى وطن صالح للحياة الكريمة، يمكن أن يختلف فيه الناس بقوة. لكن، بعد أن يتفقوا على قيم مشتركة، أهمها ألا يشرعنوا قتل وقمع بعضهم البعض.
ولعله، على الرغم من كل شيء، لم يفت الأوان للاستعانة بدعاء الأجداد: يا خفيّ الألطاف.. نجّنا مما نخاف.

د.عمرو حمزاوى يكتب: كشف الظلم قبل الهزل

ربما للمرة الأولى منذ أن سطت إدارة الجنرالات على حكم مصر فى صيف 2013 وأسست قتلا وقمعا وتعذيبا وتزييفا للوعى لسلطويتها الجديدة، أمامنا فرصة واقعية لكشف ظلمها وفشلها وطبيعتها الهزلية للناس.تراكمت المظالم والانتهاكات، فاقتربت جرائم سلب الحرية والتعذيب والقتل من دوائر حياتنا الخاصة والأسرية والمهنية وشبكات الأصدقاء وما عاد بيننا غير قليلين لا تجمعهم الروابط الإنسانية بضحايا السلطوية المتزايدة أعدادهم.
تراكمت المظالم والانتهاكات، وتغلب صدق القليل الذى خرج إلى الناس موثقا معاناة الضحايا من الشباب أحمد ماهر وأحمد دومة ومحمد عادل وعلاء عبدالفتاح وإسراء الطويل وعمرو على وغيرهم إلى البرلمانيين محمود الخضيرى ومحمد سعد الكتاتنى وعصام سلطان وغيرهم على زيف المجال العام الذى أطلقت فيه السلطوية الجديدة خدمتها تبريرا لجرائمها.
تراكمت المظالم والانتهاكات، ليتصاعد تداول شبكات التواصل الاجتماعى وقليل من المساحات الإعلامية التقليدية للشهادات الشخصية لضحايا التعذيب وتقارير المنظمات الحقوقية التى توثق للاختفاء القسرى والقتل فى أماكن الاحتجاز والقتل خارج القانون، ولتحرم السلطوية من إمكانيات تجميل صورتها فى الخارج قبل الداخل بقرارات عفو رئاسية أو بتأجيل تنفيذ أحكام الإعدام المتوالية.
تراكمت شواهد فشل إدارة الجنرالات فى النجاة بمصر من أزماتها. سطا الجنرالات على الحكم فى صيف 2013 وطلبوا «تفويضا شعبيا» لمواجهة الإرهاب، وبعد مرور أكثر من عامين على هيستيريا التفويض الشعبى التى مكنت للآلة الأمنية من العصف بسيادة القانون وارتكاب جرائم مروعة وتجاوز ضمانات التقاضى العادل والاستخفاف بكل صوت أصر على حتمية المزاوجة بين مواجهة أمنية للإرهاب تلتزم معايير حقوق الإنسان وبين سياسات تنموية تحول دون التورط فى جرائم كتهجير بعض أهل سيناء من مناطق عيشهم وتنفتح على مضامين العدل الاجتماعى وتحسين أحوال الناس، مازالت عصابات الإرهاب تزداد توحشا وتسقط ضحايا أبرياء من القوات المسلحة والشرطة ومن المدنيين وتعتاش على بيئات مجتمعية قابلة للعنف وعلى النزوع للتطرف الذى ينتجه الظلم الذى يصنع داخل أماكن الاحتجاز جيلا جديدا من ممارسى العنف.
خرج الجنرالات على الناس بخطاب «الاستقرار» المعتاد ووعود «الإنجازات الكبرى» لكى يقايضوا المواطن سلطويا «استقرارك وأمنك وتحسين ظروفك المعيشية نظير انتهاك حقك وتقييد حريتك ونظير صمتك على الظلم» ولكى يزيفوا وعيه ويدفعوه إلى تأييد الحاكم الفرد / البطل المنقذ دون مساءلة أو محاسبة. غير أن تردد إدارة الجنرالات فيما خص الاختيارات الرئيسية لسياستها الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك تقلبها بين تحالف مع نخب الثروة والنفوذ وبين بعض القرارات الشعبوية المعدة للاسترضاء المؤقت للأغلبية الفقيرة ومحدودة الدخل باعدا بين البلاد وبين خروج حقيقى من أزماتها، تماما كما قوضت ثنائية غياب العدل وحضور الظلم مقومات السلم الأهلى وجعلت التعافى الاقتصادى والاجتماعى مستحيلا.
ولأن شواهد عجز إدارة الجنرالات عن مواجهة الإرهاب بفاعلية وعن تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لم تتأخر طويلا، توغل السلطوية اليوم فى الاعتماد الأحادى على آلتها الأمنية وفى توريط المؤسسات والأجهزة الرسمية فى الظلم والقمع على نحو يجردها من ثقة الناس ويهدد شرعية الدولة الوطنية، وتسرف أيضا فى صناعة مظاهر زائفة وهزلية لتأييد شعبى ينحسر.
وإذا كانت السخرية من زيف وهزل السلطوية تعبر بتلقائية عن حال المواطن الواعى، فإن نفس المواطن يرفض السخرية من أزمات الوطن التى تغرقه بها إدارة الجنرالات، ويبتعد عن الرقص غير الأخلاقى على دماء وأشلاء ضحايا كارثة كتحطم الطائرة الروسية فى سيناء لتسجيل نقاط سياسية متهافتة، ويقاوم نسيان أن هزل السلطوية يقابله ظلمها الذى يسقط يوميا ضحايا جدد. هذا المواطن الواعى ينتظر منا نحن كشف ظلم السلطوية وفشلها وعدم الاكتفاء بالسخرية من هزلها.

06 نوفمبر 2015

الحرب على الاسلام بين الصليبية العالمية والأُمراءْ والعلماء


بقلم:محمد أسعد بيوض التميمي

(فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)]البقرة:79[

بعد سُقوط الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين المنصرم,وقع المسلمون تحت سيطرة ونفوذ الغرب الصليبي مُباشرة,حيث إحتلت جيوشه بلاد المسلمين إحتلالاً مباشراً,وقام بتعين نواطيرعلى مصالحه في العالم الإسلامي الذي تم تفتيته الى دول ودويلات لا تملك من أمرها شيئاً,وتم فرض إتفاقيات ومُعاهدات على العالم الاسلامي من أخطر وأهم بنودها الغاء الخلافة العثمانية ومنع قيام دولة إسلامية أو إعادة الخلافة أو الحُكم بالإسلام أوإعادة الوحدة بين أملاك الدولة العثمانية التي تم تفتيتها وتقسيمها بين بريطانيا وفرنسا أهمها إتفاقية سايكس وبيكو,وتم فرض معاهدة سان ريمو عام 1920 ومعاهدة لوزان 1923 على تركيا التي أصبحت فقط حدودها في هضبة الأناضول...
وبعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة للضعف الذي أصاب بريطانيا وفرنسا بسبب الحرب وخروجهما منها مهلهلتين مترنحتين إنتقلت زعامة الغرب الصليبي من بريطانيا وفرنسا الى الولايات المتحدة الامريكية التي ظهرت كقوة عظمى فتية صاعدة,عملت على إنتزاع مناطق نفوذ بريطانيا وفرنسا وسيطرتهما المباشرة وأملاكهما اللتين سيطرتا عليها من الدولة العثمانية,ولكن أسلوب السيطرة والنفوذ الذي إتبعته الولايات المتحدة يختلف عن اسلوب بريطانيا وفرنسا المباشر,حيث قامت بإستبدال الإستعمار المباشر بإستعمار غير مباشر بواسطة الإستعمار الإقتصادي,حيث انشأت البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من أجل إغراق هذه الدول بالديون ووضع يدها على إقتصادياتها...
والأسلوب الأخرالتي استخدمته أمريكا في السيطرة على العالم الاسلامي كان بواسطة عملاء جاءت بهم الى السلطة بإنقلابات عسكرية مع الإبقاء على بعض الدول كما هي دون تبديل ولكن نقلتها الى سيطرتها غير المباشرة وأبقت ارادتها منزوعة...
فنتيجة هذا التبديل في نظام النفوذ والسيطرة الصليبية التي أجرته الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية من المباشر الى غير المباشر,أخذت دول العالم الاسلامي بعد الحرب العالمية الثانية تشهد ما ُسمي بالانقلابات العسكرية المتتابعه, ومن أجل خداع الامة سموا هذه الإنقلابات بالثورات وقادتها بالثوار والضباط الأحرار,وما هي بثورة ولا هُم بثوار ولا أحرار,وانما خيانات وعملاء ومؤامرات وجواسيس واعادة صياغة لنفوذ وسيطرة الصليبية العالمية بقيادة امريكا على العالم الاسلامي ...
وبذلك أصبحت الولايات المتحدة تحكم العالم الاسلامي بواسطة عُملائها بدون جيوش مع ايجاد قواعد لها في كثير من الدول,وبعد أن أجْلًت جيوش بريطانيا وفرنسا عن المنطقة سُمي هذا الجلاء المتفق عليه بين بريطانيا وفرنسا من جهة وامريكا من جهة أخرى ب(الاستقلال)من أجل ذر الرماد في العيون,وسُميت هذه الفترة
(فترة الاستقلال والتحرر الوطني والنهوض القومي ومُحاربة الاستعمار)
وما هو بإستقلال وانما عبودية واستعباد من نوع جديد وبصيغة جديدة أشد وطأة من الاستعمار المباشر,إنطلى على الأمة مما جعل الجماهير والشعوب في العالم الإسلامي تغني وترقص وتطبل وتغني وتتمايل لهذا الإستقلال المُزور والمُزيف والعبودية المغلفة بالحرية والاستقلال,وصارت تهتف للعملاء
(أبطال الانقلابات الابطال المزورين والمزيفين)
وصورت أمريكا للجماهير بأن جلاء جيوش الاستعمار بريطانيا وفرنسا عن ديارهم وأوطانهم هو من فعل هؤلاء أبطال الانقلابات العسكرية الجواسيس,حتى أنها قامت بإجلاء قواعد امريكية من المنطقة بعد فقدانها لأهميتها نتيجة إختراع البوارج وحاملات الطائرات العملاقة والتي هي بمثابة أهداف متحركة وليست ثابتة فلا يسهل إستهدافها كالقواعد الأرضية الثابتة...
ونتيجة لهذا الإستقلال وهذه البطولة المُزورة والمُزيفة أخذ هؤلاء العملاء والجواسيس المُجرمون يبطشون بالامة ويسحقون كرامتها وإنسانيتها,ويرفعون كل وضيع وذليل وخسيس فوق رؤوس العباد,ويدوسون على كل عزيز كريم,وصاروا يُطاردون كل شريف,وكل ذلك تحت غطاء وابل من الشعارات البراقة
(الحرية والوحدة والاشتراكية وتحرير الانسان وتحرير فلسطين ومحاربة الإستعمار)
وهُم في نفس الوقت يفعلون غير ذلك تماما,فما هُم إلا مُمثلون على المسرح قاموا بأدوارهم التي رُسمت لهم بتدمير الأمة وكيانها وخراب ديارها بكل نجاح منقطع النظير,وكل من كان يعترض عليهم يُتهم بأنه عميل للإستعمار والرجعية ومتأمر وخائن ويتم التخلص منه.
ان المشروع الغربي الصليبي بعد الحرب العالمية الأولى بقيادة بريطانيا وفرنسا أو بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة أمريكا لم تتغير نظرته للإسلام وروح العداء التي يحملها للإسلام والمسلمين,وبأن الخطر الداهم على نفوذه وسيطرته في العالم الإسلامي هو الإسلام,لذلك إستمرت حربه على الإسلام بل تصاعدت وبكل الوسائل حتى يبقى المسلمون قطيعاً من الأغنام وغثاء كغثاء السيل يتحكم بحركتها ومستقبلها كما يشاء...
من أجل ذلك حارب عقيدة الجهاد وحًرم عليهم السياسة والتفكير بها والإهتمام بأمور المسلمين وما يجري في ديارهم,وأبقى السياسة حكراً على من حًمًلًهُمْ على رقابنا وعلى بطانات الشر والسوء التي تحيط بهم من كل جانب,وصارهؤلاء المحملين على رقاب الأمة يُرددون كما يريد الغرب الصليبي
(لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة)
ولاحقوا كل من يقول ربي الله ويهتم بأمر المسلمين ويرفض الإنصياع لجبروتهم وبطشهم,ففتحوا لهم المعتقلات وعلقوا لهم المشانق وأذاقوهم العذاب ألوان,وصار الإسلام مُحارباً ومطارداً في دياره وبين أبناءه وعلى يد من يزعمون بأنهم ينتسبون للإسلام...
وأخذوا يُحاربون الإسلام باسم الإسلام,فشجعوا الحركات والجماعات التي تنتسب الى الإسلام,والتي حولت الإسلام الى طقوس وثنية وتحرم الجهاد وإستخدام القوة ضد أعداء الله أو الخروج على الظالمين وتُحرم الإهتمام بالسياسة...
فشجعوا على إنتشار الطرق الصوفية القبورية التي تنحاز دائما الى فسطاط أعداء الإسلام وتعتبرهم قدر الله الذي لا يجوز الإعتراض عليه ولو بكلمة...
وإستخدموا مشايخ وعلماء وبعض الأشخاص الذين ينتسبون للعلم الشرعي ومن أصحاب العمائم وبدون عمائم من أصحاب النفوس المجبولة بالخسة والوضاعة والذلة والمهانة والحقارة من الذين عندهم إستعداد أن يبيعوا دينهم بدنياهم بثمن بخس وبلُعاعات هؤلاء الظالمين الخونة العملاء أعداء الاسلام الذين يُوالون أعداء الله,فكانوا بمثابة الكهنة في المعابد الوثنية الفرعونية الذين يحملون المباخر ويؤلهون الفرعون,فأسسوا لهم هيئات وجمعيات ومؤسسات واتحادات وروابط ومجامع دينية...
وسموهم بكبار العلماء ليُعطوهم هيبة عند المسلمين,وبأنهم ورثة الأنبياء ومن يعترض عليهم إنما يعترض على الله ورسوله والعياذ بالله,وصاروا يقولون لنا لحوم العلماء مسمومة وهُم السم الناقع نفسه الذين سمموا عقول الأمة وجعلوها غثاء كغثاء السيل...
وأغدقوا عليهم الاموال والمنافع الدنيوية ليسهل السيطرة عليهم وليُعطوا فتاويهم صفات الإجماع,وحتى يؤدوا رسالتهم في تحريف الاسلام بما يخدم أولياء نعمتهم فتحوا لهم وسائل الاعلام المختلفة التي تدر عليهم أموالاً طائلة فجمع الكثير منهم ثروات ضخمة...
فصاروا يتسابقون على محاربة أي بادرة خير في الامة بإصدار الفتاوى التي تخرج هذه البادرة من الاسلام وتحكم عليها بالكفر والخروج عن ولاة الأمر من أجل أن يبقى للصليبية العالمية على المسلمين سيطرة ونفوذ حتى لا تنهض الامة من جديد...
وفي مصر عمل العميل الأمريكي الخطيرعبد الناصر زعيم إنقلاب 23 يوليو 52 على تخريب الأزهر,وجعل تعيين شيخ الأزهر من صلاحياته ليستخدمه في الحرب على الإسلام كما يُريد,وصار يُعين شيوخا للأزهر من سقط المتاع واستمر هذا الحال في عهد من جاؤوا من بعده,فأخذ هؤلاء يُزينون للحكام أفعالهم المشينة والمخزية وظلمهم ويمدحون حربهم على الإسلام ويُحللون لهم ما حرم الله ويُحرمون ما حلله حتى أنهم حللوا الربا وأكل لحم الخنزير,وبعضهم ألف كُتباً بِمدح كُفر والحاد هؤلاء الحكام,فجعلوا الإشتراكية النظام الإقتصادي للشيوعية الماركسية الملحدة من الإسلام,فألفوا كُتبا بعناوين الإشتراكية من الإسلام,وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول إشتراكي وشيوعي والعياذ بالله...
وجعل هؤلاء العلماء من فشل الحكام على جميع المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعيىة والعسكرية إنجازات وبطولات تاريخية والأمة تذبح من الوريد للوريد على أيديهم وأيدي أسيادهم,وبدلاً من الحض على نهوض الأمة والدعوة لتحكيم شرع الله والجهاد في سبيل الله وقول الحق ومجابهة الظالمين تجدهم يدعون الى التسامح مع أعداء الله وخفض جناح الذل لأعداء الأمة والكفار أجمعين,بل ويعتبرون اليهود على حق عندما يقتلون المسلمين في فلسطين لأنهم يدافعون عن أنفسهم,فجعلوا من اليهود مظلومين ومُسالمين ووديعين ووُلاة أمر للمسلمين ومن قاتلهم أو اعترض عليهم فهو يستحق القتل,وكأن اليهود لم يغتصبوا فلسطين ويقتلوا أهلها ويُشردوهم في الأرض ولا يحتلون المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث المسجدين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم...
فهُم يُفتون بذلك من أجل أن ينالوا رضى اليهود والنصارى ومن والاهُم من الحكام,لذلك تجدهم يتسابقون ويتبارون ويبذلون كل جهد ممكن من أجل تحريف أيات الله لإقرار ظلم الحكام وحربهم على الإسلام لكسب رضاهم,حتى أنهم إعتبروا كل من لا يُقر بأن هؤلاء الحكام ولاة أمر شرعيين رغم ظلمهم والكفر البواح الذي فيه من الله سلطان بظلم هو من الخوارج مُباح الدم,بل حرضوا على قتله بل واعتبروا قتله من أقرب القربات الى الله وكثيراً ما حصل هذا وهو يحصل الأن في مصر والعراق والشام...
لقد وصل الأمر ببعض هؤلاء العلماء الى تأليف دين جديد من بنات أفكارهم الشيطانية سموه (الدين الوسطي)ليكون بديلاً لدين الله الذي سماهُ الله بالإسلام لينال رضى أعداء الله والصليبية العالمية,وبموجب هذا الدين أفتوا للعسكر الأمريكيين الذين ينتسبون للإسلام بالإشتراك في الحرب الصليبية ضد المسلمين التي أعلنها الرئيس الأمريكي بوش عام 2001 حتى أن مؤسس هذا الدين سارع لإنقاذ الأصنام التي قررت حركة طالبان هدمها حسب شرع الله ولكن الحركة لم تستجب لطلبه...
ونتيجة لهذا الدور القذر الذي قبل أن يقوم به هؤلاء الذين ينتسبون للعلم الشرعي نزع الله منهم هيبة العلم وإحترام المسلمين وأصبحوا مضرب المثل في النفاق والكذب والدجل والإرتزاق بدين الله,وفقدوا ثقة عامة المسلمين بهم فلا أحد يثق بهم ولا بفتاويهم,فهؤلاء يستحقون عن جدارة أن يُسموا بعُلماء السلطان والشيطان,فهم لا يفتون إلا بما يُرضي السلطان والشيطان...
فحال هؤلاء العلماء مع الحكام في النار يصفه الله سبحانه وتعالى بهذه الأيات

(وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) ]غافر:47 [

)إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ *وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ )] البقرة: 166 [

(وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا*ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا )]الاحزاب:67-68[

فالهدف الأول والأخير للغرب الصليبي بقيادة امريكا هو العمل بكل الوسائل والسُبل على تدمير الإسلام,لأنه السد المنيع أمام أطماعهم وروحهم الصليبية التي تعادي الإسلام,وهو الصخرة الصلدة التي تتحطم عليها كل دسائسهم ومؤامراتهم وأطماعهم في ديار المسلمين,ويُشكل الخطر الحقيقي على الشجرة الخبيثة التي غرسوها في أرضنا المباركة وسموها(اسرائيل)...
فالإسلام هو الكابوس الرهيب والشبح المخيف الذي ترتعد له فرائص الصليبية العالمية,فهم يعرفون بأننا بالإسلام كُنا خير أمة أخرجت للناس وقُدنا العالم وأصبحنا أمة لها حضارة مشعة وتاريخاً مجيداً وسيادة في العالمين تهابنا الأمم...
وهُم يعلمون بأن الإسلام الحقيقي الصحيح كما هو في القرأن والسنة ثورة على الظلم والقهر والفساد والجهل والتخلف الحضاري والعلمي,فهُم يريدون القضاء على الإسلام من أجل القضاء والإجهاز على أمتنا حتى لا تقوم لها قائمة وتبقى في حالة إنكسار دائم وتعيش في مستنقع المباديء والعقائد والايدلوجيات التي أرادوا أن يستبدلوا الإسلام بها,فحاربوا الإسلام بكل الوسائل ومنها محاربة الإسلام بالإسلام بواسطة هؤلاء الذين اشتروا بأيات الله ثمنا قليلاً والذين توعدهم الله بالويل ولولا أن الله تكفل بحفظ دينه لتم القضاء على دين الله بواسطة هؤلاء الحكام والعلماء
فالحمد لله الذي تكفل بحفظ دينه والله متم نوره ولو كره الكافرون.
الكاتب والباحث
محمد أسعد بيوض التميمي

مدونة محمد أسعد بيوض التميمي
مع فائق التقدير،
محمد أسعد بيوض التميمي | bauodtamimi@hotmail.com

05 نوفمبر 2015

محمد رفعت الدومي يكتب:بنات كلب

كان موقفها يوم مقتله بمثابة حجر كريم، عندما تنقش حزمة أصابع مبتورة بصماتها علي جدران التاريخ فشخصية الصحراء تؤدي إلي امرأة قد يسرها أن تعرف أننا نتذكرها، من السئ أن ذلك الحدث قد واكب تمامًا لحظة ميلاد الجرح القديم الذي تتكاثر في دمه كل هزائم المسلمين حتي يومنا هذا!
سأبقي مع المنطق وأقول أن الألم كان يجلد قلب "نائلة بنت الفرافصة" بقسوة عند رحيلها من بادية أهلها إلي المدينة للزواج من "عثمان بن عفان"، كانت أبعد ما تكون عن الرضا، وكانت تري أن لدي أبناء عمها أيضًا ما يكفي حاجة امرأةٍ من الرجال، عندما اقترب موعد الرحيل عن الديار ازداد ألمُها ضراوة، وعندما بلغ ذروته لم تجد بدًا من أن تفصح عما يدور في أعماقها شعرًا لعل أخاها ينهي الموضوع برمته:
ألست ترى يا "ضبُّ" بالله أنني / مرافقةٌ نحو المدينة أركبا؟!
أما كان في أولاد "عوف بن مالك" / لك الويل، ما يغني الخباءَ المطنَّبا؟!
أبى اللهُ إلا أن أكونَ غريبةً / بـ "يثربَ"، لا أمًا لديَّ .. ولا أبا
علي الرغم من أن القسم بالله من امرأة كانت حتي ذلك الوقت مسيحية يدفعني إلي الشك في صحة نسبة هذه الأبيات إلي "نائلة"، غير أني سأتجاوز هذا الشك وأستأنف:
لم يكن يدور ببال "نائلة" في ذلك الوقت أن المسافر سوف لا يلقي عصاه في نهاية المطاف قبل أن يخسر أصابعه، وقبل أن يقول هذا البيت المؤلم:
وماليَ لا أبكي وأبكي قرابتي / وقد ذهبت عنَّا فضولُ "أبي عمرو"
سوف لا أحاول الحفاظ علي إيقاع يرضي المتمسكين حتي الآن بضرورة تعتيم الأسباب التي دعت الثائرين إلي قتل "عثمان بن عفان" وأؤكد أن فضوله وإغداقه علي أهلها وأهله من الأمويين علي حساب الآخرين، بالإضافة إلي لين في طباعه ورقة ضارة، هي وحدها السبب المفصلي الذي دفعها للبقاء، وهي أيضًا السبب المفصلي الذي دفع الآخرين للثورة عليه!
هذا جانب من القصة، ثمة جانب آخر من القصة لا يحترم المنطق يزعم أن "نائلة" عندما قدمت من "العراق" وجلست بجوار "عثمان" علي سريره، كشف عن رأسه، وقال لها:
- إنما أنا رجل كبير السن، أصلع الرأس، فإن أعجبتُك وإلا فلك الخيار!، فقالت:
- أنا من قبيلةٍ خيرُ رجالها الصلعان!
كلام مقنع، لولا أن الرغبة في صور مجازية للأمور في الحياة ليست سهلة، لماذا لا ننظر إلي الأمور من مكان أكثر ألفة؟ هذا التضارب في الروايات حول حدث دنيوي هو ما أربك ذاكرة المسلمين وشتتها، تلك المحاولات المتشنجة لردم فجوات لا تقدم أو تؤخر طلبًا للكمال حول أحداث أليفة وإنسانية ليس لدينا الآن صور ذهنية عن ملابساتها ضار جدًا، لماذا نلزم أنفسنا بالنظر بعيدًا وقصة "نائلة" مع "عثمان بن عفان" هي قصة تحدث عن كثب في حياة كل منا؟ قصة كقصص الكثيرات وكقصة الشاعرة "تماضر بنت عمرو بن الشريد" المعروفة بـ "الخنساء" مع "دريد بن الصمة" الأهم من خليفة بمقاييس الجاهلية، وأحداثها أليفة، لقد رأي "الخنساء" متخففة من ملابسها تطلي بالقطران جملاً أجربًا، فأنشد: 
حَيُّوا تُماضرَ واربعوا صَحْبِيْ / وقِفوا، فإنَّ وقوفَكم حَسبيْ
أَخُناسُ قد هام الفؤادُ بكم / وأصابه تبلٌ مِنَ الْحُبِّ!
وكما يليق بامرأة شريفة تقدم لخطبتها، آنذاك، كان "دريد" مسناً لا يملك من أوسمة الرجال إلا سيرة ذاتية تزخر بالبطولات الحربية واسم مضيئاً يتردد صداه في كل أرجاء الجزيرة العربية، غير أن لعاب "الخنساء" لم يسل للزواج من فارس شهير، وقالت لجاريةٍ لها: 
- انظري إليه إذا بال، فإن كان بوله يخرق الأرض، ففيه بقية، وإن كان بوله يسيح على وجهها فلا بقية فيه!
وأغلب الظن أن هذه الطريقة كانت كافية للحكم علي الفحولة في مجتمعاتهم!
عندما عادت الجارية وأخبرتها أن بوله يسيل على وجه الأرض، أرسلت "الخنساء" إليه دون مواربة رسالة تقول:
- ما كنت لأدع بني عمي وهم مثل عوالي الرماح، وأتزوج شيخاً!
ولقد ثبَّت "دريد" تلك اللحظة في ديوانه يبرئ نفسه من تهمة الكذب عليها وإخبارها بأنه ما زال شابًا:
وقالت إنني شيخ كبير.. وما أنبأتُها أنَّي ابنُ أمس! 
شئ آخر يدفعني إلي محاذاة الجانب الأول من قصة "نائلة"، وهو أن الانتقائية أشبه بنساء البدو دون غيرهن، وهي أشبه بنساء قبيلة "كلب" من نساء القبائل الأخري، معتدات بأنفسهن ربما، ردود أفعالهن ذات زوايا حادة ربما، وربما لأن الصحراء وهي الوجه الآخر للرحيل والبعاد جعلت الحنين في صدورهن عارمًا، وعندما أراد "المتنبي" أن يرسم صورة ذهنية للبعاد والاعتراض لم يجد أفضل من الصحراء وعاءًا لكلماته:
أمَّا الأحبة فالبيداءُ دونهم.. فليتَ دونكَ بيـدًا.. دونها بيدُ
قسوة صحراء "بني كلب" وصراحتها متداخلة مع مائية المسيحية التي يعتنقونها بالإضافة إلي شريعة البدو نجم عنها خليط من إباء وعزة وجمال أنثوي لا نظير له، "ميسون بنت بحدل" كلبية أخري كانت "مرعي ولا كالسعدان"، شاعرة، جميلة، أبية، صعبة المراس، وأم لـ "يزيد بن معاوية"، وأكثر زوجات "معاوية بن أبي سفيان" حظوة لديه! 
ولعل الميكافيلية هي ما دفعت الأمويين إلي التصاهر مع قبيلة "كلب" التي كانت من أهم الأحجار التي أسسوا عليها دولتهم، ولقد بلغت امتيازات تلك القبيلة حدًا شاهقاً، حتي أن بعض رجالها شاركوا في صناعة أحداث كبيرة غيرت وجه التاريخ الإسلامي، كابن أخيها "حسان بن مالك"، فقد لعب دورًا رئيسيًا في تولي "مروان بن الحكم" الخلافة بعد ابن عمته "يزيد"، ولقد ضغط الشاعر "عرفطة بن عفان" علي هذه الحادثة بقصيدة ركل خلالها "حسان" في غروره بأنه إنما أصبح من السادة فقط لأن عمته هي "ميسون بنت بحدل" لا لأنه يستحق السيادة ولا بأبيه، منها:
إذا ما انتمى "حسانُ" يومًا، فقُلْ لهُ / بـ "ميسون" نلتَ المجدَ لا بـ "ابن بحدل"
ولولا "ابنُ ميسون ٍ" لما ظلْتَ عاملاً.. تخمِّطُ أبناء المكارم من علِ
مع ذلك، كانت "ميسون" تفضل الحياة في الصحراء علي حياة البلاط، أحاديث الكرام والصراعات الجانبية ورحم الأساطير النشط وحكايا الجن والضباب والحيات، كما أنها أخلصت للمسيحية وكانت لا تنزع قلادة الصليب من صدرها أبدًا، الشاعر الأخطل أيضًا مسيحي آخر كان يدخل علي "عبد الملك بن مروان" والصليب معلق في رقبته ولحيته تهطل خمرًا! 
ولا يملك المرء أن يحتجز ضحكاته وهو يقرأ ما كتبه الشيعة حول "ميسون"، ربما لرسم صورة ذهنية لـ "يزيد بن معاوية" كمسيحي لأنه أقام مدة طويلة مع أمه عند أهلها في بادية "بني كلب"! 
المضحك أكثر روايتهم عن سبب إرساله مع أمه إلي البادية، ذلك أنهم يزعمون أن "معاوية" سمعها ذات يوم تنشد أبياتاً، عبرت خلالها عن كونها تفضل عباءات البدو علي حرير البلاط، والنوق علي البغال، وكلب الأضياف الشهير علي قطط الزينة، وتصفه هو بالفلاح الذي تفضل عليه أحمق فقير من أولاد عمها، عندما قالت، أو عندما قيل علي لسانها:
‏ للبسُ عباءةٍ وتقرُّ عيني.. أحبُّ إليَّ من لبسِ الشفوفِ
وبكرٌ تتبع الأظعان صعبٌ .. أحبُّ إلي من بغلٍ زفوفِ
وكلبٌ ينبح الأضياف دوني.. أحب إليّ من هرٍّ ألوفِ
وخرقٌ من بني عمي فقيرٌ.. أحبُّ إليَّ من علْجٍ عنيفِ
يقولون، فقال لها معاوية‏:‏ 
- ما رضيت يا ابنة "بحدل" حتى جعلتني علجًا عنيفاً، الحقي بأهلك، فمضت اِلى بادية "بني كلب" و معها "يزيد"!
أعرف أن علي المرء أن يتحلي بالشك العارم عند قراءة رواية مصوبة من مذهب إلي مذهب، مع ذلك، ثمة رواية أخري لا تقف خلفها أصابع ممتلئة بالطائفية تجعل هذا الكلام مقبولاً، ذلك أن "معاوية" أيضًا تقدَّم لخطبة "نائلة بنت الفرافصة" بعد مقتل "عثمان" فأبت، ولإغلاق كل نافذةٍ يمكن أن تهب منها مستقبلاً ريحٌ تحمل رجلاً آخر يريد زواجها، سألت النِّساء عمَّا يعجب الخطاب فيها، فقلن لها: ثناياك، فخلعت ثناياها وأرسلت بهنَّ إلى "معاوية"!
لا شك أن حواس الحنين عند البدو أقوي منها عند غيرهم، لكنه حنين إلي المكان الأول لا الحنين لمجرد الحنين، ولا إلي بادية "بني كلب" بشكل خاص، فهذه بدوية أخري من "أبان بن دارم" تزوجت في بادية "بني كلب"، نظرت ذات يوم إلى ناقةٍ قد حنت فتذكرت موطنها، فأنشدت:
ألا أيُّها البكرُ الأبانيُّ إنني / وإيَّاك، في كلبٍ .. لمغتربان
تحنُّ وأبكي ذا الهوى لصبابةٍ / وإنَّا على البلوى لمصطحبان 
رواية الأمويين أيضًا عن مقتل "عثمان" مبالغ فيها جدًا، ومن السهل أن نكتشف أنه روعي عند بنائها أن تكون في ضوء أموي خالص من شأنه أن يجعل التماس العذر لـ "معاوية" في تنمية الصراع سهلاً، يقولون:
عندما ألقى الرجال حبالهم على أسوار منزله بادرت "نائلة" إليه تتلقى عنه ضربات السيوف، فقطعت أصابعها، فصرخت على "رباحٍ" غلامه، فأسرع نحو الرجل فقتله، وعندما كانت تتهيأ لإمساك سيف رجل آخر قُطعت أصابع يدها الأخرى، وحين همّوا بقطع رأسه ألقت عليه بنفسها إلا أنَّهم لم يرحموا ضعفها ولم يعرفوا لـ "عثمان" قدره، فقطعوا رأسه، ومثلّوا بجثته، فصاحت والدّم يسيل من أطرافها: 
- إنَّ أمير المؤمنين قد قُتل .. إنَّ أمير المؤمنين قد قُتل!
تتطور الدراما بصورة استخدم السيناريست فيها نبرةً مزعجة، فأدخل رجلاً ليجد رأسه في حجرها، وليقول لها: 
- اكشفي عن وجهه!
- ولم؟ 
- ألطم حُرَّ وجهه! 
- أما ترضى ما قال فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ 
- اكشفي عن وجهه
ويهجم الرجل في النهاية فيلطم وجه "عثمان"، وتدعو هي عليه:
- يبس الله يدك، وأعمى بصرك! 
فلا يخرج الرَّجل من الباب إلاَّ وقد يبست يداه وعمي بصره!
سيناريو هزيل، يقف علي حافة الخلق الشهيرة، غير أن من الثابت أن "نائلة بنت الفرافصة" لعبت دورًا جسيمًا في تأجيج الفتنة وانخرطت في الصراع السياسي حتي جذور أعصابها، ولا يمكن لأحد أن يلومها، هي امرأة موتورة أولاً وأخيرًا، لقد أرسلت إلى "معاوية" بكتاب مرفق معه قميص "عثمان" ممزقاً ومضرجًا بالدماء، كما علقت في زر القميص خصلة من شعر لحيته وادعت أن أحد قاتليه قطعها من ذقنه، بالإضافة إلي حزمة من أصابعها المقطوعة، وأوصته بأن يعلّق كل تلك الأشياء في المسجد الجامع في دمشق، وأن يقرأ على المجتمعين ذلك الكتاب:
إلى "معاوية بن أبى سفيان"، أمَّا بعد: فإنِّي أدعوكم إلى اللَّه الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، ونصركم على العدو، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأنشدكم اللَّه وأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه بعزم اللَّه عليكم، فإنه قال: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)!
حبكة منطقية، لكن تعليق الكتاب في الجامع وقرائته علي الناس فكرة تليق بداهية كـ "عمر بن العاص" مثلاً!
أيا كان الأمر، لقد ألهب الكتاب حماسة الكثيرين للثأر وما كان "معاوية" يريد أكثر من ذلك في الحقيقة، كما لعبت المعارك الكلامية دورًا مهمًا في إشعال الصراع، علي سبيل المثال، "الوليد بن عقبة" أخو "عثمان" من أمه، قال موجهًا أصابع الاتهام مباشرة إلي "علي بن أبي طالب":
لقد قتلوه كي يكونوا مكانه / كما غَدَرَتْ يومًا بـ "كسري" مرازبُهْ
بنو هاشمٍ ردّوا سلاح ابن أختكم / ولا تنهبوهُ، لا تحلُّ مناهبه
بني هاشم كيف الهوادة بيننا / وعند "عليٍّ" درعُهُ ونجائبه؟
فأجابه "عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب" بأبيات طويلة، منها:
فلا تسألونا سيفَكم إن سيفكم / أُضيعَ، وألقاه لدى الروعِ صاحبُهْ
وشبَّهتهُ "كسرى"، وقد كان مثله / شبيهًا بـ "كسرى"، هديُهُ ومذاهبُهْ!
لقد ابتعد كل هؤلاء في ذاكرة التاريخ حتي أنهم أصبحوا روايات فقط، شأنهم شأن الجن في الأساطير، لا نعرف علي وجه الدقة إن كانوا مروا من هنا فعلاً أو لم يمروا أصلاً، وعليه، كان يجب ألا يعني الآن أحدًا أيهما المخطئ وأيهما المصيب، وأنا بصفة شخصية لا يهمني من تلك المعركة وتداعياتها سوي موقف "نائلة بنت الفرافصة"، غير أن الحقيقة أننا لا نعرف في محيطنا ماضيًا قد احتفظت جثته بطزاجتها أشد وضوحًا من ماضي هؤلاء، ولا نعرف أحدًا في التاريخ، إذا استثنينا أصحاب المشاريع العظيمة، ترك أثرًا أقوي حضورًا الآن من أثره في زمانه أكثر من الذين عاشوا في تلك الفترة، ولا نعرف خلافاً كان يكبر بوتيرة عصبية كلما تقدم في العمر إلا ذلك الخلاف الذي اندلع بينهم، لقد كبر حتي خرج عن إطار الخلاف داخل الدين الواحد إلي صراع بين عقيدتين متضاربتين أي محاولة للتوفيق بينهما هي كالدق علي الماء، لا تقدم ولا تؤخر، كل من قرأ أهم موسوعات الشيعة "بحار الأنوار" أو قرأ فصلاً حتي مما كتب "المجلسي" سوف يدرك هذا جيدًا!
ما حدث أن الصراع قد امتد بمرور الوقت إلي أبعد من مجرد خلاف حول أحقية "علي" أو أحقية "عثمان" إلي معبر لاستعادة الدولة الفارسية وماضيها المجيد، هكذا استحال مطلق الفكرة الشيعية وما الهيام بـ "آل البيت" إلا الذريعة المؤقتة وصدق أو لا تصدق!
صراع أحمق وعقيم من السئ أنه سوف لا يهدأ قبل أن تقضي إحدي الفكرتين علي الفكرة الأخري قضاءًا مبرمًا، والأسوأ أن غبار المعركة أعمي عيون الفريقين عن رؤية أصحاب أفكار أخري يحدقون النظر إليهما من حواف الحلبة بحدقات ساخرة وقلوب مترقبة لفرصةٍ سانحة لاحتواء الفريقين وتحويلهما إلي شكوك هزيلة لا يمكن ترميم كسورها، وفيما بدا أن العالم كله، حكومة "وول ستريت" بشكل خاص، قد تواطأ علي أفضلية الخلاص من أهل السنة أولاً، صار هؤلاء في كل مكان أهدافاً مشروعة، وليس لدي هؤلاء فرصة للنجاة إلا باستخدام مخالبهم الخاصة، فما أكبر التحدي وما أصغر الهامش المتاح للمناورة!

31 أكتوبر 2015

أصحاب الاحتياجات الخاصة ما بين التشريع والتجاهل


بقلم : محمد التابعى عقل
 لما كان للمعوق حاجاته التي يجب إشباعها كغيره من بين جنسه فقد أصدرت مجموعة من التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية في شأنه نصت موادها على أن يحيا المعاق حياة طبيعية مثله مثل باقي سائر البشر من حوله .
وبصورة واقعية فقد فرض علينا الواقع أن نطرق باب هذه التشريعات وأن نتصفح كتب القانون بحثاَ عن القوانين والتشريعات والقرارات والمواثيق التي أصدرت بشأن هذه الفئة ونبحث وراء كل هذا وذاك بالواقع الذي نعيش فيه ولنعرضه لأن الكثير من تلك القوانين والبنود والقرارات ما هي إلا حبر على ورق يتم تنفيذ القليل منها 
فقد وجد أن هناك مجموعة من المشاكل لابد أن نعمل جميعا على حلها وأهم هذه المشاكل :-
1- أن أغلب المعاقين أنفسهم وأسرهم وبعض القائمين على رعايتهم لا يعلمون أي شئ عن التشريعات والقوانين التي صدرت بشأنهم 2- عدم تطبيق الكثير من نصوص القوانين الخاصة بالمعاقين من الواقع الملموس.
3- قلة المميزات والتسهيلات الخاصة بالمعاقين بالمواصلات والمسارح وقصور الثقافة والنوادي داخل نطاق محافظة أسيوط مما دعانا إلي أن نبحث وراء كل نصوص القوانين ومعرفة دور الدولة في رعاية وتأهيل المعاقين.
هناك العديد من القوانين والقرارات التي أصدرت بشأن تأهيل وتشغيل المعاقين إلا أن هذه القوانين تفتقد عنصر الالتزام بالنسبة لشغل النسبة المطلوبة في وظائف القطاعين الحكومي والعام. فليس هناك إلزام قانوني على هذه الأجهزة بتنفيذ ما أوجبه القانون بمعني أنه لا يوجد جزاء جنائي أو إداري عند إهمال ما تطلبه الأجهزة المختصة في مجال تشغيل المعاقين وأصبح متروكاً لهوى القائمين على العمل في هذه الجهات بعكس الحال بالنسبة للقطاع ا لخاص سواء غرامة لا تتعد المائة جنيها لا غير.
ومن هنا يتطلب الأمر تفعيل قانون العاملين بالدولة والمادة الخاصة بتخصيص نسبة 5% للمعاقين للعمل في وطائف القطاعين الحكومي والعام ووضع آلية رصد وتفعيل ومتابعة للعمل على تفعيل نصوص المواد التاسعة والعاشرة بالقانون رقم 42 لسنة 1982 والمطالبة باهتمام كل الهيئات العاملة في مجال رعاية المعاقين بتوعية هذه الفئة بالقوانين والمواثيق التي تخدمهم والوقوف على أهم المواد التي تحتاج إلي تعديل وعرضها على المجلس التشريعي للدولة. وهنا ياتى موضع الشكر لمن اخذوا على عاتقهم تهيئه المناخ وخلق الفرصه لمشاركه أصحاب الاحتياجات في صنع قوانين الدوله بما يمكنهم من الشعور بالانتماء للوطن
كما لا يفوتنا الحديث حول افتقار قانون رقم 39 لسنة 1975 والمعدل بالقانون رقم 42 لسنة 1982 من أوجه الرعاية الاجتماعية والإنسانية في عصر أصبحت فيه هذه الرعاية من مقومات الإنسانية ومنها مراعاة هذه الفئة في تخصيص الطوابق الأرضية لهم بالإسكان التابع للقطاع الحكومي و تخصيص سيارات لهم في خطوط المواصلات مع تشجيع أقامة المصانع المجهزة للمعوقين ( المصانع المحمية) مراعاة الظروف الخاصة لهم بالطرق والمنشآت العامة والخاصة.
أنه لا يؤسفني أن أجد أن هناك الكثيرون ينسون أن هذه الفئة من حقها أن تحيا حياة كريمة طبيعية مثلها مثل باقي البشر العاديين بل وقد كفلت الدولة رعايتهم وتأهيلهم وحمايتهم كما أن رعاية وتأهيل هذه الفئة ليست من واجب الدولة وحدها بل من واجب المجتمع كله أن يتكاتف لحل مشكلات هذه الفئة والعمل على دمجهم في المجتمع واستغلال ما تبقي لهم من قدرات تمكنهم من العمل والسير على الدرب الصحيح ليكونوا نافعين لأنفسهم ولوطنهم العزيز 

30 أكتوبر 2015

سيد أمين يكتب: ردما بعلم الجهل

آخر تحديث : الجنمعة 30 أكتوبر 2015 20:05 مكة المكرمة
لا ينكر أحد أنه في صبيحة الثالث من يوليو/تموز 2013, كانت شعبية الانقلاب في مصر كبيرة لحد ما, خاصة بين أوساط الفئات الأقل وعيا في المجتمع, فيما تتضاءل تلك النسبة بشكل تدريجي ملفت كلما ارتفع المستوى التعليمي والثقافي أو بالأحرى المعرفي , في حين شذ عن القاعدة من المثقفين بعض الانتهازيين وأصحاب الأفكار ذات الاحكام المسبقة التي لا تتحرج من إقصاء، بل وقتل، من يخالفها الرأي ولا ترى فيه أية مجلبة للعار.
وفي المقابل أيضا, كان الحراك الرافض للانقلاب كبيرا بشكل واضح وملموس على الأرض, نظرا لأن الخوف من القتل أو الاعتقال أو الفصل والتشريد لم يكن مطروحا ـ كما هو اليوم ـ حتى ذلك الوقت, وأن عملية التصدي للمليونيات والتظاهرات بالرصاص خلافا لمقابلة المليونيات بالمليونيات، وهى المعادلة التي ألفها الشارع المصري منذ ثورة يناير 2011، لم تكن قد بدأت بعد.

علم الجهل 
وبقليل من التأمل, ومعايشة فقه المرحلة, سيدرك الواحد منا, أن الشعبية التي اكتسبتها "الثورة المضادة" آنذاك, كانت ـ فيما يبدو ـ نتيجة استخدام ممنهج لعلم غامض اسمه "علم الجهل" وهو العلم الذى اتخذ من الإعلام بشتى صوره وسيلة له, وكانت مفرخة الشائعات والأكاذيب العملاقة التي لا تتوقف من أهم أدواته , بحيث يتم إطلاق كميات مهولة من الشائعات يوميا, فتصنع تراكما معرفيا زائفا لدى هؤلاء البسطاء خاصة في ظل عجز الطرف الآخر عن تفنيدها بسبب كثافتها فضلا عن فقدانه وسائل الإعلام, واحتياج الشائعة الواحدة لجهد جبار لإثبات كذبها.
وكان الهدف من ذلك "الردم المعلوماتي" هو حقن "أدمغة" الشرائح البشرية المتعددة من البسطاء بنوع "زائف" من "المعرفة" ليملأ مناطق المجهول فيها بمعرفة كاذبة أو ما يمكن ان نسميه مجازا "المعرفة المظلمة" قبل أن تملأ من قبل آخرين بـ "نور المعرفة".

مخدر الجهل
وبدأ "مخدر الجهل" يصبح فعالا حينما تم اللعب على العواطف والاحتياجات البشرية لدى قطاعات كبيرة من البسطاء, وتتويجهم بتاج التقدير المعرفي الذى افتقدوه دائما، وذلك من خلال اعتبارهم يتمتعون بالمعرفة والوعى السياسي الذى يحظى به من هم "يعرفون" ومن ثم تغذيتهم بمعطيات معرفية وهمية معينة تخدم حالة الرفض .
وهذه النقطة تحديدا, صنعت شعورا غريبا لدى كل فرد من هؤلاء "البسطاء" بأن الواحد منهم أعلم من أستاذ العلوم السياسية فيما يختص بالسياسة, وأعلم من خبير اقتصادي فيما يخص الاقتصاد, ورحالة يجوب العالم في الجغرافيا و"هيردوت" أو "الجبرتي" في التاريخ وهكذا.
تنوع الجهل 
لا يمكن ان تجد جميع من يؤيدون الانقلاب يتفقون على سبب واحد لتأييده , بغض النظر عن صحة هذا السبب أو منطقيته من عدمه, بل انه قد لا يكون غريبا ان تجد أن السبب الأهم الذى قد جعل هذا يؤيد الانقلاب, قد يفنده له شخص اخر كان يقف بجواره في مشهد 30 يونيو أيضا , بل ويسخر منه , وهم لو جلسوا جميعا بحسن النية واستمعوا الى الاسباب التي جعلت كل منهم يؤيد الانقلاب سببا سببا, لتنازعوا فيما بينهم نزاعا صاخبا ثم انفضوا جميعا من حوله
وذلك لأن البسطاء جميعا ليسوا سواء فيما يجهلون أو يعرفون, ولأن الانتاج الغزير لمفرخة "الشائعات" استطاع أن يملأ جميع مناطق النقص في جميع تلك الأدمغة رغم تنوعها, فهناك شائعات تخاطب من يجهلون التاريخ , وهناك شائعات تخاطب من يجهلون الجغرافيا واخرى الدين.. وهكذا.
ونجم جراء هذا الاستخدام المفرط لعلم الجهل , اتساع كبير لرقعة الرفض المراد تحضيرها, وهى لا تتفق على سبب أو منطق وجيه, ولكنها قوية على نحو غير مبرر, ويبدو ومن الوهلة الأولى أنها صلابة وهمية.

نماذج الجهل 
ومن النماذج الشائعة للعب على مواطن الجهل في الأذهان المختلفة, هو أن نقوم بتغذية جهلاء التاريخ بمعلومات مثيرة للسخرية كالقول بأن الإخوان والذين جعلتهم مفرخة الشائعات "بؤرة الردم المعلوماتى" هم سبب سقوط الاندلس أو أنهم سبب هزيمة 1967, أو نطلق اتهامات غير منطقية بأنهم جاءوا من بلاد كذا وكذا, أو بمعلومات غير مدققة ومختلف عليها كالقول بأنهم قتلوا السادات, وهى معلومات سيفندها من تيسر له القليل من المعرفة التاريخية من أول لحظة.
ومن نماذج الاتهامات التي تغذى جهل الجغرافيا, القول بأن عناصر من حماس استقلوا عدة سيارات واقتحموا السجون, وأنهم يمدون مقاتلي سيناء بل وليبيا بالسلاح , وأن 33 مليون "ثائر" كانوا في ميدان التحرير في 30 من يونيو، ومنها التفريعة السابعة لقناة السويس التي أطلقوا عليها "قناة السويس الجديدة.
ومن نماذج استغلال الجهل بالدين القول بجهاد النكاح في رابعة وأن الاخوان شيعة وخوار
أما أوضح نماذج استغلال الجهل الطبي العلاج الذى قدمه الجيش لفيروس سي والإيدز والذى اشتهر إعلاميا بعلاج "عبد العاطي كفتة"وكذلك معلومات عسكرية وهمية مثل أسر قائد الأسطول السادس الأمريكي وامتلاك مصر للقنبلة النووية. والحقيقة أن التفرغ لشرح مواطن الردم بعلم الجهل في عقول بعض مؤيدي الانقلاب قد لا يتسع له سجلات من الكتب لحصره وتفنيده.

28 أكتوبر 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: أثر المقاومة على الكيان الصهيونى

مهاجرون من اسرائيل، جنود صهاينة، محللون اسرائيليون، كتاب وأدباء عالميون، يهود غير صهاينة، كل هؤلاء وغيرهم قدموا شهاداتهم على امتداد سنوات طويلة عن طبيعة (اسرائيل) واعتداءاتها المتكررة، وعن المقاومة الفلسطينية وآثارها على هذا الكيان الصهيونى، وكيف تؤدى الى تفككه ويأسه وهزيمته وسحب الشرعية الباطلة من تحت أقدامه. وفيما يلى بعض هذه الشهادات، كما وردت فى دراسة هامة بعنوان ((أثر الانتفاضة على الكيان الصهيونى)) للمفكر الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيرى، وسنشعر ونحن نقرأها وكأنها كُتبت اليوم تعقيبا على العدوان الصهيونى الأخير. ولعلها تساعدنا فى رسم صورة لحقيقة ما جرى ويجرى بعد كل انكسار للعدو الصهيونى أمام صمود ومقاومة الشعب فى فلسطين، وتمثل حافزا اضافيا لدعم بلا حدود لنضال الشعب الفلسطينى الذى لم يتوقف منذ قرن من الزمان :
**
شهادة مهاجر من اسرائيل :
((لم يكن الامر هينا، لقد استغرقتنى اعوام من الانفجارات واعمال القتل، من الاحزان والآمال، من المجادلات والقلق، لكننى فى النهاية انهرت. سئمنا ان نجدهم فى كل مرة نفتح المذياع يتحدثون عن انفجارات، عن دماء، عن موت، عن جنائز. هذا هو الواقع صراحة. ولست فخورا بذلك، ولا اعتبر هذا شعارا لى ولكن من المستحيل ان تقولوا لنا عليكم ان تبقوا هنا ما دام من المستحيل ان تضمنوا لنا حياتنا. اريد ان امنح اسرتى اقصى قدر ممكن من السعادة. الجميع يعتقد انه لا مجال نتقدم نحوه..المشكلة هى اننا على مدى السنوات الثلاث والخمسين الماضية لم ننجح فى ضمان امننا. هذا هو سبب الرحيل..الحل هو الرحيل وليس تغيير السلطة))ـ (عاموس ساهر، مستوطن اسرائيلى قرر ان يهاجر من اسرائيل بعد انتفاضة الاقصى)
***
اليأس من القضاء على المقاومة :
((فلنتخيل ان كل الاوهام تحققت، وقبضنا على كل الارهابيين، وصادرنا كل الاسلحة، وحطمنا كل مصانع السلاح..فهل سيكون لهذا اى تأثير؟ هل يشك أحد انه فى الصباح التالى ستظهر مصانع سلاح أخرى ستنتج المزيد من الاسلحة؟..هل يشك احد فى ان هناك مئات من الفلسطينيين الآخرين سيعلنون مجددا انهم على استعداد ان يشنوا هجوما على اسرائيل ؟ هل نفذ خزان الانتحاريين من نابلس وقطاع غزة؟)) ـ (يوزى بنزمان - هارتز )
***
الاعتراف بالهزيمة :
((يدخل ملاكمان الحلقة: واحد منهما بطل الوزن الثقيل، والاخر وزن الريشة. ويتوقع الجميع أن يقوم البطل بتسديد ضربة قاضية تقضى على غريمه الهزيل فى الجولة الاولى.
ولكن باعجوبة تنتهى الجولة الاولى، والضربة القاضية لم تسدد بعد، ثم الجولة الثانية، ويستمر نفس الوضع. وبعد الجولتين الثالثة والرابعة لا يزال خفيف الريشة واقفا، مما يعنى انه هو الرابح الحقيقى، لا بالضربة القاضية ولا بالنقط، وانما لمجرد انه لا يزال واقفا ومستمرا فى الصراع مع غريمه القوى )) ـ (يورى افنيرى)
***
الاعتراف ببربرية الكيان الصهيونى ووحشيته ـ شهادة جندى صهيونى :
((كنا نتسلى بمنع عربات الاسعاف التى تحمل المرضى والجرحى من المرور. ولقد رأيت أشخاصا يموتون بسبب الفشل الكلوى والأزمة القلبية، ورأيت بعض الحوامل يقضين حتفهن اثناء الولادة، كنا نستيقظ أحيانا فى منتصف الليل ونركب دبابة مع جنود آخرين، وندخل فى المدن والقرى الفلسطينية قبل بزوغ الفجر ونمطر الاسر الفلسطينية النائمة فى منازلها بالقذائف.
وأحيانا كنا نقوم بغارات قبل الفجر ونندفع داخلين الى منازل الفدائيين لنلقى القبض عليهم او لنقتلهم امام اعين زوجاتهم وأطفالهم. واحيانا اخرى كنت اقود بلدوزر اسرائيلى لأحطم منازل وأحلام قاطنيها، وأحيانا اخرى كنت اجتث اشجارا استغرق نموها عدة اجيال، وكم كنت احب اتلاف الارض الزراعية. وكنت احيانا اطلق الرصاص الحى على المتظاهرين المسالمين. لكن اكثر الاعمال التى كنت احبها هو اطلاق النار على الاطفال الفلسطينيين الذين يتجاسرون على القاء الحجارة على. فى هذه الحالة كنت اصوب رصاصى على رؤوسهم وقلوبهم، ثم اتفاخر باننى قتلت الكثيرين وأصبت عددا اكبر بعاهات مستديمة، فقد كنت أؤمن ايمانا جازما بان حياة اسرائيلى واحد تساوى حياة الف فلسطينى. وان ابدى الفلسطينيون اى شكل من اشكال المقاومة كنا نلجأ للعقاب الجماعى!
ودعايتنا الصهيونية فى غاية الكفاءة. لقد اقنع الاسرائيليون العالم اننا نحارب دفاعا عن انفسنا ضد عدو فلسطينى لا يريد سوى ان يقذف بنا الى البحر. ولكن الاشياء ليست كما تبدو. ان العالم لا يعرف ان الاسرائيليين هم الذين يحاولون ابادة الشعب الفلسطينى. ونحن بمقدورنا ان نفعل ذلك بسهولة ويسر بسبب دعم اصدقائنا الامريكيين الذين يساعدونا بغض النظر عما نقوم به ويعطونا خمسة بليون دولار كل عام ويزودوننا بآخر الاسلحة والطائرات. نحن لا نريد السلام فنحن نريد المزيد والمزيد من الارض العربية حتى تصل امبراطوريتنا الى منتهاها......الارهاب لعبتى، والقتل اسمى، لا أشعر بأى ندم على ما فعلت لأن روحى ماتت، واعرف انه لا يوجد اى مجال لأن أنال الخلاص)) ـ (اعترافات الجندى الصهيونى عاموس)
***
اهتزاز الثقة فى المشروع الصهيونى :
هل بإمكانكم ان تأتوا بمثال واحد من التاريخ نجح فيه شعب فى السيطرة على شعب آخر لفترة طويلة؟ هل تعرفون مكانا واحدا فى العالم يعيش فيه بشر دون حقوق انسان مثل الفلسطينيين؟ ـ ابراهام يهوشع ـ يديعوت احرنوت
***
((ان الانتفاضة هى حرب التحرير التى يخوضها الشعب الفلسطينى. فالتاريخ يعلمنا ان لا توجد امة على استعداد ان تعيش تحت هيمنة شعب اخر وان حرب التحرير التى يخوضها شعب مضطهد ستنجح حتما
والاسرائيليون كقوة احتلال يقتلون الاطفال ويقومون بتنفيذ حكم الاعدام فى اشخاص مطلوبين دون محاكمة. لقد اقمنا الحواجز التى حولت حياة الملايين الى كابوس..ان علما اسود يرفرف فوق افعالنا ))ـ مايكل بن مائير ـ هارتس
***
((ان الفلسطينيين يعرفون ان قوتهم العسكرية اقل بأضعاف من القوة الاسرائيلية .. ولكنهم يؤمنون من الناحية الاخرى بتفوقهم السياسى والاخلاقى )) جرشون باسكين ـ المدير العام المشترك للمنظمة الاسرائيلية الفلسطينية للبحوث والمعلومات
***
ايقاظ الضمير العالمى ـ شهادة أدباء عالميين :
((استندت نظرية المجال الحيوى الصهيونية الى ان اليهود شعب بلا ارض، وان فلسطين ارض بلا شعب، هكذا قامت الدولة الاسرائيلية غير المشروعة فى 1948. فلما تبين ان هناك شعبا، وان فى فلسطين شعب يسكن فى ارضه، كان من الضرورى حتى لا تكون النظرية مخطئة ابادة الشعب الفلسطينيين وهو ما يتم بصورة منهجية منذ اكثر من خمسين عاما.
هناك بلا شك اصوات كثيرة على امتداد العالم تريد ان تعرب عن احتجاجها ضد هذه المجازر المستمرة حتى الان، لولا الخوف من اتهامها بمعاداة السامية او اعاقة الوفاق الدولى. انا لا اعرف هل هؤلاء يدركون انهم هكذا يبيعون ارواحهم فى مواجهة ابتزاز رخيص لا يجب التصدى له سوى بالاحتقار، لا احد عانى فى الحقيقة كالشعب الفلسطينى، فالى متى نظل بلا ألسنة؟
..اطالب بترشيح آرييل شارون لجائزة نوبل فى القتل. سامحونى اذ قلت اننى اخجل من ارتباط اسمى بجائزة نوبل. انا اعلن عن اعجابى غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطينى الذى يقاوم الإبادة، بالرغم من انكار القوى الاعظم او المثقفين الجبناء او وسائل الاعلام او حتى بعض العرب لوجوده)) ـ (جابريل جارثيا ماركيث الكاتب الكولومبى)
***
((لم اكن اعرف انه من الطبيعى ان يبحث طفل فلسطينى دمروا بيته عن كتبه ولعبه وسط الأنقاض، لم اكن اعرف انه من الطبيعى تماما ان تزين الرصاصات الاسرائيلية جدران المنازل الفلسطينية، ولا اعرف انه يلزم لحماية اقلية من الناس ان تصادر مزارع وان تدمر محاصيل، ولا ان توفير الامن لهذه الاقلية يقتضى احتجاز المئات عند نقاط التفتيش وحواجز الطرق قبل السماح لهم بالعودة الى منازلهم منهكين، هذا ان لم يقتلوا..فهل هذه هى الحضارة، ايمكن ان نسمى هذه الاشياء ديمقراطية؟)) ـ (الكاتب البرتغالى ساراماجو الحائز على جائزة نوبل للادب)
***
بيان عدد من كبار المفكرين والمثقفين اليهود الفرنسيين :
((هؤلاء الذين يبررون حق عودة اليهود الى اسرائيل تحت دعوى"حق دم" يعود لآلاف السنين يرفضون حق العودة "حق الارض"للفلسطينيين. وأصحاب المقامات الرفيعة فى الامم المتحدة تصالحوا وارتضوا الاذلال المفروض على السلطة الفلسطينية. وهؤلاء الذين يدعون ادارة العدالة الكونية يديرون رأسهم عن اعمال القتل خارج نطاق القانون، واعدام السجناء دون وجه حق وجرائم الحرب التى يرتكبها آرييل شارون.
الاسرائيليون لديهم دولة ذات سيادة وجيش وتراب وطنى، اما الفلسطينيون فهم محبوسون كالبهائم فى معسكرات منذ نصف قرن معرضين للوحشية والاذلال، ومحاصرين على ارض من الاحزان فى حجم مقاطعة فرنسية..ان الضفة الغربية مفخخة بالطرق الاستراتيجية ومثقوبة بنحو 700 نقطة تفتيش ومحاطة بالمستوطنات.
لا يمكن المساواة بين المحتل وبين من تحتل ارضه. الانسحاب غير المشروط للجيش الاسرائيلى من الاراضى المحتلة وتفكيك المستوطنات هو مجرد تطبيق لحق معترف به شكليا من الامم المتحدة فى القرارين 242 و 338 وحتى قرار مجلس الامن 1042، ومع ذلك طلب بوش ضمانات من الضحايا.
شارون يعتقل ممثليهم، وينسف بيوتهم بينما تمنع قواته سيارات الاسعاف من الوصول للجرحى))
*****
كتب هذا المقال أثناء العدوان الصهيونى على غزة فى صيف 2014

رساله لأصحاب الضمائرإذا كانت مازالت حية


بقلم عادل بدير ابو صيرة 

رساله بمداد رائحته الفــســاد!!!
*تأذيتم من صوره الطفل السوري الغريق! ألم تتأذوا لصورة الطفل المصري المــصــعــوق!!!!
* بالله والالم يعتصرني إعتصاراً,والدموع متحجرة في مقلتي,أكتب هذة الرساله لكل ذي لب وقلب ومن كبيرلصغيرومن مطروح إلي إسوان إلي كل مسؤل في مصر من أول الرئيس إلي أصغر موظف: 
- وحيدا تركتموة ملقى على الارض، بمفردة توجه إلى ربه ليشكيكم إليه،فليس له من ناصر الا الله!!
- أنة الصبى الذى لم يبلغ سن الحُلم، أنة الفتى الذى لم تنسج خيوط أحلامة بعد، أنة من لم يعرف حتى نفسه ولا هويته!! 
- بسببكم يا مسؤلين(وزراء - محافظين -رؤساءأحياء -ومادونهم)، أنه طفل مصري.حدث. صغيرًا مسكينًا تقاذفته المياه وصعقته الكهرباء، وماذا تجدى حروفه المتلعثمة وتآوهاته لكم، فأنه مجرد طفل مصري.. رحل كغيرة، سبقه إخوة له رجالًا وشيوخًا ونساءاً سكنوا تلك الأرض وذهبوا ليحتموا من قضاء الله إلى قضاء الله محاولين النجاة بأنفسهم.!!
- أعطي لنا درساً راحلًا عن دنيانا الفانية، ومخفيًا وجهة فى التراب والمياه ذلًا ويأسًا منا!!. وحيدًا ملقى بلا حول ولا قوة فى المياه، لا لاعبًا بها ولا لاهيًا كباقى الأطفال فى سنه، وإنما ميتًا من القهر والفقر والخوف فلا بلادة حمته ولا مسؤليها حاموه!!!
-هل نشرتم صورته؟ هل بحثتم عن كلمات مناسبة للحدث عندما رأيتموة؟ هل شعرت قلوب منكم بأى غصة لمأساته؟، وسنون عمرة القليله التى انطفئت سريعًا، والتى ستنسوها قريبًا كما نسيتم ما سبقها من أحزان بلادنا، التى ستتكرر فيها المأساة!!
- ولن يتحرك أحد من المسؤلين كالعادة. أنه ليس مصعوقا بل نحن من صعقنا من و فى الفشل!!
- أخبروا رؤسائكم و سادتكم أنه وإن صعق جسده فروحه فرحة أنها نجت من دنيانا العفنة الزائلة، فمثله من الملائكة لا يعيش بيننا!!-*اتركوه نائمًا فلا أنتم ولا مناصبكم وكراسيكم وسلطانكم وكل خططكم تستطيع إخافته مجددًا!!!
* أرفلوا بالمناصب والكراسي والثروات,إنشغلوا بتوافه الامور-كماهو مخطط لكم-!!!!!
* واتركوه يرحل بروحه بسلام وصمت بعيدًا عن عالمنا وأطماعنا، فأه ليس لاجئًا لنا.. بل لجأ إلى الله الذي لايغفل ولا ينام ليحميه منا
ملحوظة :ننشر الرساله لنظرا لما تحتويه من مشاعر صادقة 

25 أكتوبر 2015

محمد القدوسي يكتب: مَنْ مِنَ العسكر قتل "جمال حمدان"؟

نقلا عن الشرق
هل نحتاج مناسبة لتذكر "د. جمال حمدان"؟ لا أظن، فهو الحاضرـ دائما ـ بوعيه المشرق وببصيرته الكاشفة، وهو الذي منح الدنيا علما ثريا بينما عاش ومات زاهدا في ثرائها، مكتفيا بشقة بالغة التواضع والضيق، ليس فيها من الأجهزة الكهربائية إلا المذياع، وليس في مطبخها إلا موقد غاز مسطح، علقت جريمة قتله (التي ارتكبها جهاز مخابرات) في عنق اسطوانته التي قيل إنها انفجرت فأحرقته. لكن "مفتش صحة الجيزة" الذي حرر شهادة الوفاة أكد أن "المرحوم" مصاب بحروق متوسطة في الساقين لا تؤدي إلى الوفاة، وقال "د.عبادة كحيلة" في مقدمة كتابه "جمال حمدان: عبقرية المكان والزمان" إن "حمدان" أخبره بأن لديه 3 مخطوطات، هي: "الصهيونية" و"شخصية سوريا" و"العالم الإسلامي". ويتساءل شقيقه "اللواء عبد العظيم حمدان" في حوار صحفي: فأين ذهبت هذه المخطوطات؟ ثم يجيب محددا المتهم "الموساد الذي قتله هو الذي سرق المخطوطات الثلاث التي رأيتها بعيني، وهي مكتملة على مكتبه. وأخبرني شقيقي قبل اغتياله بأن "يوسف عبد الرحمن" ناشره، سيأتي للتعاقد على طباعتها يوم الأحد، لكنهم اغتالوه يوم الجمعة، أي قبلها بيومين فقط".
وإذا كان "اللواء عبدالعظيم حمدان" يتهم الموساد بالقتل بناء على مصلحته في اختفاء كتاب "الصهيونية" فإن لنا أيضا أن نتساءل عن صاحب المصلحة في اختفاء "شخصية سوريا" ونتساءل عن صاحب المصلحة في حذف هذا الاتهام من الحوار عند نشره في صحيفة "الأهرام" المصرية، بينما نشر النص كاملا في صحيفة "الخليج" ونتساءل عمن أحنقته كلمات "جمال حمدان" المنشورة في "شخصية مصر ـ الجزء 4" لدرجة الإقدام على قتله، حيث يقول:
"وهكذا بقدر ما كانت مصر تقليدياً، ومن البداية إلى النهاية، شعباً غير محارب في الخارج، كانت مجتمعاً مدنياً يحكمه العسكريون كأمر عادي في الداخل، وبالتالي كانت وظيفة الجيش الحكم أكثر من الحرب، ووظيفة الشعب التبعية أكثر من الحكم، وفي ظل هذا الوضع الشاذ المقلوب، كثيراً ما كان الحكم الغاصب يحل مشكلة الأخطار الخارجية والغزو بالحل السياسي وأخطار الحكم الداخلية بالحل العسكري، أي أنه كان يمارس الحل السياسي مع الأعداء والغزاة في الخارج والحل العسكري مع الشعب في الداخل، فكانت دولة الطغيان عامة، استسلامية أمام الغزاة، بوليسية على الشعب.
من هذا وذاك جاءت لعنة خضوع الحكم العسكري الاغتصابي الاستسلامي للاستعمار الأجنبي على المستوى الخارجي، ولعنة خضوع الشعب السلبي المسالم للحكم البوليسي في الداخل، وهي جميعاً سلسلة متناقضات ساخرة بقدر ما هي قطعة من الاستمرارية المأساوية المحزنة المخجلة".
يرحم الله جمال حمدان (4 من فبراير 1928م - 17 من أبريل 1993م) الذي كان آخر ما فعله قبل موته هو ركوب الحافلة العامة (الأوتوبيس) لتسليم مقاله إلى "الأهرام"!.

محمد سيف الدولة يستعيد مقالا كتبه في 2010 : الكذب وحده يكفى

· إن كذب الأزواج ، تستحيل العِشْرَة
· وإن كذب الشريك ، تُفَض الشركة .
· وإن كذب المَدين ، يَحلُ الدين فورا .
· وإن كذب المتعاقد ، يُفسَخ العقد .
· وإن كذب الموظف ، يُحال الى الشئون القانونية .
· وإن كذب المسئول المالى ، يُحال الى النيابة العامة .
· وإن كذب أمين العهدة ، تُجرد عهدته ويُعزل .
· وإن كذب الإقرار الضريبي ، تُهدر الدفاتر .
· وإن كذب المسافر ، يُغَرَم جمركيا .
· وإن كذب الأجنبى ، يثير الريبة .
· وإن كذب الحارس ، يُفصَل .
· وإن كذب الخادم ، يُطرَد .
· وإن كذب السيد ، يُحتَقر .
· وإن كذب الحزبي ، يُشتبه فيه أمنيا .
· وإن كذب السياسى ، يفقد مصداقيته وجمهوره .
· وإن كذب الكاتب ، لا يُقرأ .
· وإن كذب الداعية ، ينفض الناس من حوله .
· وإن كذب المُعلم ، يَفسد الطلاب .
· و إن كذب القاضى ، تسود الفتنة .
· وإن كذب الشاهد ، يُجَرَم و يعاقب .
· وإن كذب المواطن فى محرر رسمى ، يُحبس .
* * *
فحياة أى أسرة أو مؤسسة أو جماعة أو مجتمع أو شعب أو أمة أو دولة تقوم وتنهض على عقد اجتماعي يمثل الصدق فيه العامود الفقري .
فان غاب ، تنهار الجماعة .
***
فإن كان النظام هو الذى يكذب ، فانه يفقد شرعيته .
والانتخابات الأخيرة ، كانت كذبة كبيرة .
الجميع يعلم ذلك :
المرشحون والناخبون والمثقفون والعامة والساسة والحكومة والمعارضة ورجال الأمن والقضاة ومنظمات حقوق الإنسان والأحزاب ومؤسسة الرئاسة والرئيس ومجلس الوزراء والوزراء ورؤساء التحرير والصحفيون والإعلاميون والمذيعون ومعدو البرامج والكتاب والفنانين والطلبة ..الخ ، حتى ربات البيوت .
كما يعلم الجميع أن النظام الحالى كله لا يعدو أن يكون بناءً كاملا من الأكاذيب فى الانتخابات و فى غيرها.
هذه هى خلاصة الحكاية بدون كلام كثير .
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
*****
كُتِبَ هذا المقال بعد انتخابات 2010.