نشرت مجلة الفورين بوليس مقالا للناشطة اليمنبة توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام تحت عنوان "مرسي مانديلا العالم العربي .. لماذا علينا دعم الاخوان في كفاحهم من أجل الديمقراطية".
وهذا نص المقال
بعد وقت قصير من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المصري محمد مرسي ، أعلنت انني في طريقي الى رابعة العدوية للمشاركة في الاعتصامات المطالبة بعودة الديمقراطية، بيتي في صنعاء ، لكن كل واحد منا وضع آماله في الربيع العربي معنيٌ بما يحدث في مصر.
تمنيت أن أتظاهر ضد القمع الذي يتعرض له المعتصمون من قتل واخفاء قسري وتكميم للافواه وسجن للقيادات المعارضة للانقلاب واغلاق مقرات الاحزاب في ظل صمت رهيب وعجيب من قبل الناشطين الحقوقيين والنخب السياسية والذين عوضاً عن إدانتهم بالانتهاكات والاجراءات الانقلابية ومجزرة الحقوق والحريات التي رافقتها والتضامن مع الضحايا والمطالبة بالغاء الاجراءات الانقلابية واحترام الحقوق والحريات ، ذهبوا لمباركة تلك الاجراءات والتبرير لها والصمت عنها!!
أعلنتُ على الملأ انني في طريقي الى رابعة العدوية لمناهضة تلك الانتهاكات والدفاع عن مكتسبات ثورة 25 يناير وأهمها حرية التعبير والتظاهر والاجتماع السلمي والتنظيم وحق الناس في اختيار الحكام .
قوبل إعلاني بترحيب واسع من قبل المعتصمين مقابل حملة تحريض واسعة من قبل وسائل اعلام الانقلابيين ومن يساندهم توعدوني فيها بالسحل والقتل والمحاكمة بتهمة التجسس والتدخل في شؤون مصر!! .
في الـ 4 من أغسطس وصلت مطار القاهرة مع صديقتي بشرى الترابي المدير التنفيذي لمنظمة صحفيات بلا قيود، كل السيناريوهات أمامي كانت تدعو الى المخاطرة فإما ان يسمحوا لي بدخول مصر ويعتدون علي بعد مغادرتي المطار او في الميادين، أو أن ينفذوا تهديداتهم بمحاكمتي واعتقالي أو قتلي أو أنهم يعيدونني، وكلها سيناريوهات تحمل المخاطرة لكنها تحقق الهدف من ذهابي الى مصر وهي المساهمة في حماية المتظاهرين السلميين وتسليط الضوء على حجم الانتهاكات التي يتعرضون لها، كانت رحلة مثيرة رغم أن النهاية لم تكن كما أحب.
وقفت في الطابور لإنهاء إجراءات الدخول، وما هي إلا دقائق قليلة حتى تعرّف عليّ أحد ضباط المطار وطلب مني التوجه لمكتب خاص بإنهاء إجراءات الدخول للأشخاص الذين يحملون الجوازات الدبلوماسية، في هذه الأثناء بدأت حركة غير طبيعية بين ضباط المطار، وسمعت أحدهم يجري اتصالات بصوت خفيض، كان يتحدث عني، وزادت الاتصالات والتحركات ، كانوا مرتبكين للغاية ويرددون " توكل جت ، توكل جت ، مش هنخليها تدخل خالص" وكما لو أني شخص خطر للغاية!!، تم إبلاغي بقرار منعي من الدخول، ثم تم ترحيلي إلى اليمن بنفس الطائرة التي أتيت بها .
سلطات الانقلاب لم تعطني جواباً على سؤالي لماذا تم منعي ، قالو لي انت تعرفين السبب أكثر منا، قالوا ان هناك توجيهات عليا بمنعي من دخول القاهرة وان اسمي على قائمة الممنوعين من دخول مصر بناء على طلب جهة امنية، هذا ماقالوه لي، أما ما قالوه للصحافة ان النائب العام منعني من الدخول لانني تقاضيت مليونين دولار من الاخوان مقابل مشاركتي، وهكذا بهذا الاستخفاف يتعاملون مع القضايا!! .
أشعر بالحزن لأني لم أتمكن من أن أكون مع المعتصمين الذين يواجهون سلطة انقلاب ديكتاتورية ويطالبون بمطالب مشروعة، لا يجب أن نخجل من الوقوف إلى جانب المظلومين الذين ينشدون الديمقراطية والعدل والعيش بكرامة، هذا واجبنا.
إن إطاحة سلطة الانقلاب بأول رئيس منتخب في تاريخ مصر، وتعليق دستور تم الاستفتاء عليه وحاز على اكثر من 60% من اصوات الناخبين ، وحل أول مجلس للشورى بعد الثورة ببيان عسكري اسند مهام كافة السلطات التشريعية والتنيفيذية والقضائية الى شخص اخر، واقصاء حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين بل والعمل على الاجتثاث الكامل للإخوان باعتقالهم، كما قطع الطريق أمام الشراكة والتوافق بين قوى الثورة، وتعمق الإنقسام الحاد في المجتمع المصري ، فإنه يعد انقلابا كاملاً وفجاً على الديمقراطية الناشئة في مصر، مما يجعل الضمير الانساني في مأزق حقيقي، كما أن كل المهتمين بشأن مصر اليوم أمام امتحان صعب، الخيارات امامه محدودة جدا، إما ان ينحاز الى القيم المدنية والديمقراطية وإما الى العسكر والاستبداد والقهر والإكراه !!
مرسي ليس فقط الرئيس المنتخب في مصر، إنه يظهر الآن كما لو أنه مانديلا العرب، زعيم جنوب أفريقيا الذي جلب السلام والديمقراطية إلى بلده، وخلال سنة من حكم مرسي شهدت مصرحريات مطلقة وبالأخص حرية التعبير والتظاهر السلمي، لم تغلق قناة ولم يسجن معارض، وحتى حين تم عزل الرئيس مرسي بالقوة وعلى الرغم من الشرعية الانتخابية التي يمتلكها لكنه لم يقتل أحد ولم يسجن أحد ولم يبدي أي مقاومة عنيفة وهذه حالة ليس لها مثيل في المنطقة.
والأهم أن جماعته وحركته استقبلوا حجم القتل والقمع والسجن والاقصاء وماتعرضوا له من قهر وقتل وقمع وسجن وإقصاء إلا أنهم حافظوا على سلمية احتجاجاتهم وحفظوا مصر من الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي، ، باعتقادي ان استمرارهم في النهج السلمي، وتصميمه على التمسك بالمسار الديمقراطي، فإنه ينتظره الدكتور مرسي وجماعته ومؤيديه في مصر دوراً لا يقل عن دور المؤتمر الوطني ومانديلا في جنوب افريقيا، وعلى العالم الحر أن يعزز هذا الدور بمساندتهم ورفض الانتهاكات التي تطال محمد مرسي وجماعته وشركاءهم وكل المؤيدين للمسار الديمقراطي .
أنا لست عمياء عن الأخطاء والقصور التي ارتكبها مرسي والحكومة قبل الانقلاب، لقد كنت مؤيدة لمطالب مظاهرات 30 يونيو وكنت معارضة بشراسة لمرسي وجماعة "الإخوان المسلمين" والمتمثلة في عدم قدرتهم القيام بأي خطوة جادة لإحداث شراكة حقيقية وتوافق في السلطة بين قوى الثورة لإدارة مصر، لكن كان أمام عيني هدف واحد وهو انهاء الخلاف والانقسام في مصر و الوصول إلى إدارة البلاد بالشراكة والتوافق بدلاً من حكم الأغلبية الضيقة، لكن الجيش استولى على السلطة وهدف إلى الاقصاء الشامل للإخوان المسلمين وشركاءهم، وماحدث في مصر هو أنه تم استبدال الرئيس مرسي وجماعته ومن خلال القوة الغاشمة بمنافسيهم الخاسرين في الانتخابات أقصد جبهة الانقاذ والبرادعي!!!
التاريخ يقول لنا أن الديمقراطية لا تزدهر تحت حكم العسكر، وفي مصر الدليل واضح على ذلك من خلال الانتهاكات المريعة التي طالت الحقوق والحريات الأساسية مباشرة منذ الانقلاب، لقد عادت الدولة البوليسية بل أنها اليوم أسوأ مما كانت عليه أيام مبارك!!.
إن مايحدث في مصر مخيف للغاية : إن هذا الانقلاب قد يفقد المجتمع إيمانه بالعملية الديمقراطية مما يعطى الجماعات الارهابية فرصه الانتعاش مره أخرى ! مما قاله أيمن الظواهري في آخر خطاب له ان مرشح الاخوان فاز في الانتخابات الرئاسية وانهم حازوا على أغلبية مجلسي الشعب والشورى ومع ذلك تم خلعهم مستنتجا من ذلك إن الديمقراطية طريق فاشل وهي حكرعلى الغرب وليست متاحة لمن ينتمي للتيار الاسلامي حسب قوله .. أمر يدعو للتأمل !! جماعات القاعدة في بلاد الشام والعراق يعيرون الإخوان المسلمين بالقول أن الحل في صناديق الذخيرة لا صناديق الاقتراع.
الانقلابيون يعززون الارهابيين ويقدمون لهم خدمة جليلة بقدر ما يقطعون الطريق امام التغيير السلمي يمكن القول أن اضعاف جماعات الاسلام السياسي يعني بالضرورة تقوية جماعات العنف، هذا ليس تحريض بل هكذا هي المعادلة للأسف إن ما يحدث في مصر سوف يتجاوز أثره إلى جميع دول الربيع العربي ، ولن تكون بلدي اليمن التي تبعد أكثر من 1000 كم عن مصر في منأى عن آثار الانقلاب السلبية، أنه من الخطأ الحديث عن الربيع العربي بوصفه أحداث متفرقة، فالشعوب في دول الربيع العربي ثارت على نفس الظروف وتمتلك نفس الحلم، ثارت على الاستبداد والظلم، وحلمت بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية .
الآن كل الأنظمة التي سقطت في دول الربيع العربي تراهن على العودة من خلال نجاح انقلاب مصر، وكل الأنظمة الباقية تراهن على بقاء أطول من خلال نجاح انقلاب مصر ايضا، وكلهم من سقط ومن ينتظر يباركون انقلاب العسكر في مصر. وكما أن السياسات القمعية كانت تبدأ من مصر وتنتقل لبقية العالم العربي. فإن ازدهار الديمقراطية في مصر يعني ببساطة ازدهار الديمقراطية في بقية الدول العربية، ربما لهذا السبب لا يريد جهات إقليمية ودولية كثيرة أن تكون مصر دولة ديمقراطية. إن على أولئك الذين يدعمون الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط مقاومة الاستبداد الجديد في القاهرة بعزيمة وإصرار .
توكل كرمان
مجلة الفورن بوليسي الأمريكية 9- أغسطس - 2013
وكانت ، توكل كرمان، قد اعلنت في تصريح سابق لها أن إعلان الشرطة المصرية نيتها فض الاعتصامات المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي، يكشف عن عودة نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وكتبت "كرمان" في تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "لو لم يكن نظام مبارك قد عاد بكامل تفاصيله ما أعلنت الشرطة المصرية عن إجراءات فض اعتصامات الرافضين للانقلاب على الديمقراطية الناشئة في مصر".