03 أغسطس 2015

صبحي حديدي يكتب: الداعش الإسرائيلي: باقٍ… ويتمدد!

«الإسرائيليون يطعنون المثليين ويحرقون الأطفال. ليس ثمة أيّ مقدار من الافتراء، أو الدرجة الأدنى من المبالغة، في هذا الوصف الجافّ. صحيح أنّ هذه أفعال قلّة. صحيح، أيضاً، أنّ أعدادهم تتزايد. وصحيح أنهم جميعاً ـ كلّ القتلة، وكلّ مَنْ يحرق، ومَنْ يطعن، ومَنْ يقتلع الأشجار ـ ينتمون إلى المعسكر السياسي ذاته»؛ يكتب جدعون ليفي، المعلّق في صحيفة «هآرتز» الإسرائيلية، تعقيباً على حرق الرضيع الفلسطيني علي سعد دوابشة، الجريمة البشعة التي ارتكبها إرهابيون إسرائيليون، مستوطنون قرب نابلس.
وفي مناسبات أقلّ وحشية من هذه، كان صوت ليفي عالياً في الإدانة، وفي فضح المسكوت عنه، وخدش «الحياء» الإسرائيلي الجَمْعي؛ ولكنّ مثاله لا يظلّ نادراً للغاية فقط، بل هو أقرب إلى صرخة أحادية منفردة، في عماء من الصخب الديني المتطرف، والعنف العنصري الأعمى، والتأتأة… في أفضل النماذج، إذا جازت المفاضلة أصلاً. داعش باقية، وتتمدد بالفعل، إذاً، إلى باطن هذا الإرهاب الإسرائيلي؛ ما خلا أنّ ترويع مهووسي الخليفة البغدادي لم يبلغ حدّ حرق الأطفال الرضّع، وأنّ تاريخ الإرهاب الصهيوني، ومنذ بذوره الأولى، أينع قطافاً لا قِبَل للدواعش بمضاهاته في الهمجية.
حال تعيد المرء إلى مطالع العام 1988، حين نشب في إسرائيل جدل (واسع النطاق!)، حول هذا السؤال الفريد: هل يتوجّب السماح للجنود الإسرائيليين بذرف الدموع، خلال تشييع زملائهم؟
وهل أنّ الدموع، على ملأ من الجمهور الإسرائيلي، تضعف شوكة «الدولة»، وتفتّ في عضد المحارب الصهيوني؟ وكان السجال قد انطلق حين ارتأى قائد الجبهة الشمالية أنّ البكاء صفة إنسانية، ولا مانع من أن ينخرط فيه الجندي الإسرائيلي؛ وفي المقابل، اتخذ رئيس الأركان موقفاً معاكساً تماماً، فاعتبر أنّ البكاء علامة ضعف لا تليق بالمقاتل إجمالاً، وهي حتماً لا تليق بالمقاتل الإسرائيلي تحديداً!
آنذاك توفّر صوت إسرائيلي جادّ، واحد على الأقلّ، هو أفيشاي مرغاليت، قرأ المشهد في توصيفه الواقعي، الحقيقي: هذه مسخرة معلنة (أطلق عليها صفة الـ Kitsch)، تكشف جيداً «قلّة ذوق إسرائيل»، كما سار عنوان مقاله اللاذع. 
والرجل استخلص نتائج متعددة من ذلك الجدل حول الدموع، وأرجعه إلى ظاهرة جوهرية أكثر شمولاً تتصل بالمسألة العاطفية في «الثورة الصهيونية»، تلك التي هدفت إلى قَوْلَبة «اليهودي الجديد»، ورأت في المآقي الدامعة علامة عاطفية سلبية على اليهودي الضعيف، المنفيّ، الحزين، الطيّب، العتيق… الذي يتوجب استئصاله من الذاكرة اليهودية مرّة وإلى الأبد!
غير أنّ ذلك الجدل كان جزءاً من ذلك السجال اليهودي الأعرض، حول شخصية اليهودي ما بعد الهولوكوست، وكيف ينبغي أن تُطوى إلى الأبد صورته السالفة التي سادت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، خانعاً ذليلاً مستسلماً وهو يُساق إلى أوشفيتز ومواقع الهولوكوست الأخرى. وهل، في المقابل، يتوجب أن تحلّ محلّها، مرّة وإلى الأبد أيضاً، صورة «اليهودي الجديد»، مواطن دولة إسرائيل، الـ»صبّاري» Sabra، المشتقة سماته من نبتة الصبّار: شوكية صلبة في وجه الخارج، وطرية عصارية حلوة في الداخل؟
لكنّ الملفّ كان محفوفاً بمخاطر «جانبية»، إذا صحّ التعبير، وبمجازفة جوهرية أيضاً؛ إذ كيف يمكن استئصال هذه الشخصية العاطفية الحزينة الكسيرة، وفي الآن ذاته استمرار تحويل الهولوكوست ــ في جوانبه المأساوية والكارثية التي تســـتدرّ الدمــــوع بالضرورة ــ إلى هوية لمواطن الدولة اليهودي، وللدولة اليهودية ذاتها وفي ذاتها؟ من جانب آخر، كيف توصَف، اليوم، دموع تماسيح يذرفها أمثال بنيامين نتنيــــاهو؛ بالمقارنة مع دموع حمائم، في مآقي الروائي دافيد غروسمان مثلاً؛ أو دموع فضّاحة للهمجية الإسرائيلية، عند فرد مثل جدعون ليفي؟
للمرء، هنا أيضاً، أن يعود إلى جورج شتاينر، المفكر اليهودي متعدد الجنسيات، الذي عرّف اليهودي بأنه ذاك الذي سيعجز أبداً (نعم: أبداً!)، عن ممارسة التعذيب، ودفن الأحياء، ومنع الكتب… أياً كانت الأسباب والموجبات. ثمة، في نظر شتاينر، إرث أخـــلاقي عريق يحول دون قيام اليهودي بأيّ من هذه الممارسات الثلاث؛ فاليهود قبيلة الأنبياء، ورثة الكوارث، وأهــــل المآسي؛ وهم دُفنوا أحياء على امتداد التاريخ، ولا يعقل أن يدفنوا سواهم؛ واليهودي يقيم في بيت النصّ، أصلاً، وليس له أن يمنع الكتاب.
دواعش إسرائيل، الذين أحرقوا الرضيع الفلسطيني، لم يرموا تعريف شتاينر في سلّة قمامة التاريخ، فحسب؛ بل استبدلوا دموع الصبّاري، المحتبَسة تكلفاً، بقنابل حارقة، وقودها أكذوبة «اليهودي الضعيف» وخرافة «الإسرائيلي الجديد»، وسطوة العنف والحقد والكراهية والعنصرية والتعصب والتطرف، فضلاً عن الهمجية المطلقة… من قبل، ومن بعد!

01 أغسطس 2015

الشاعر عبد الرحمن يوسف يكتب: ليس سرا ؟

ليس سِرّا أن كثيرا من الثوَّار قد تغيَّرتْ آراؤهم من (يسقط كل من خان … عسكر فلول إخوان) … إلى (يسقط يسقط حكم العسكر).
إعلان هذا التحول في الغرف المغلقة حدث عشرات المرات من مئات الناشطين والقياديين في التيار المدني، كما حدث ذلك تلميحا في التعليق على بعض الأحداث السياسية، أو تصريحا في بيانات مستقلة.
إعلان هذا التحول رسميا في الفضاء العام من حركات سياسية في الداخل المصري له أثمان باهظة، إزهاق أرواح، ومصادرة أموال، واعتقال شباب، وسائر ما نعرفه من إجراءات قمعية يوجهها النظام العسكري لكل ثوَّار يناير، وسيكون له ثمن من المزايدات لا أول له ولا آخر.
متى حدث هذا التحول؟
حدث بالتدريج … ولكن لا نستطيع أن نغفل مناسبة بعينها كانت مفصلا مهما في تغيير مئات الناشطين لتوجههم، أعني بذلك تظاهرة ميدان التحرير في التاسع والعشرين من نوفمبر 2014 بعد الحكم الفج الذي برَّأ الرئيس المخلوع مبارك من آخر التهم الموجهة إليه … في هذه التظاهرة تجمع ما يقرب من عشرين ألفا من الشباب من سائر التيارات في ميدان عبدالمنعم رياض … ودون ترتيبات توحَّدت الهتافات، وكانت نهاية المشهد تدخل عنيف بالرصاص الحي من سلطات الانقلاب، ما أدى إلى استشهاد أربعة من الشباب (على الأقل).
كنت قد تشرفت بالمشاركة في “بيان القاهرة” بجوار الدكتور سيف عبد الفتاح، وسعادة السفير إبراهيم يسري، في الرابع والعشرين من مايو عام 2014، وعملت على قضية الاصطفاف الثوري الحقيقي بين ثوَّار يناير، وأستطيع أن أقول بكل ثقة إنه ليس سِرّا أن المزاج الثوري قد تغير بعد براءة مبارك تماما.
بعد أن بدأت الأفكار بالتلاقي حدثت بعض الاجتماعات المبدئية لجس النبض وتنسيق المواقف (كنت شاهدا بنفسي على بعض هذه الاجتماعات) … فصدر بعدها قرار لجنة حصر أموال جماعة الإخوان المسلمين المذهل، فقد قررت في ديسمبر 2014 التحفظ على أموال وممتلكات 112 شخصية بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية، من بينهم اثنان من الاشتراكيين الثوريين، وهما هيثم محمدين وهشام عبد الرسول، وأحد شباب 6 أبريل وهو عمرو علي، وخالد السيد أحد أعضاء حركة شباب من أجل العدالة والحرية !
كانت الرسالة فجَّة في وضوحها … اقتربوا من الإخوان وسوف نستبيحكم كالإخوان !
ليس سِرّا أن كل من سيدعو للاصطفاف ستكون حياته معرضة للخطر، وسيكون في مرمى قصف مدفعية النظام، و ليس سِرّا أن تكلفة السكوت قد ارتفعت حتى أصبحت تفوق تكلفة الدعوة للاصطفاف، فالموت قادم قادم، والمعتقلات في انتظار كل من شارك في ثورة يناير.
إن الرضى بالوضع الحالي معناه – على المستوى الفردي – انتظار السجن أو المقصلة، وعلى المستوى الوطني الجماعي معناه انهيار مصر بسبب مجموعة من المجرمين، تتحكم في كل شيء، وتسلم كل مقدرات الوطن لأعدائه.
على المستوى الاقتصادي ليس سِرّا أن مشروع القناة (المسمى بقناة السويس الجديدة) سيكون فنكوشا جديدا مثل المؤتمر الاقتصادي … وكلما زادت الفناكيش كلما تبخر أثرها بشكل أسرع، وكلما ظل الأثر السلبي للفشل بشكل أطول، فالأحمق الذي وعد بمائة مليار دولار سنويا يتراجع عن وعوده الآن … ولكنه يزعم أن (مصر بتفرح)، وكل ما في الأمر أننا أمام سياسة اللقطة الحلوة … اللقطة التي تظهر السفيه بمظهر الزعيم، وتظهر الجرذ أسدا.
(راجع تصريحات هاني قدري دميان وزير مالية الانقلاب التي قال فيها : إن المتوقع هو زيادة عوائد القناة المباشرة من نحو 5 مليارات دولار حاليا إلى نحو 13 مليار دولار تدريجيا خلال 8 سنوات القادمة)، وسلم لي على المائة مليار دولار !!!
الأزمة الاقتصادية قد بدأت منذ شهور، وإخفاء آثارها ممكن لفترة ما، ولكن يستحيل أن ينجح النظام في إخفاء أزمة بهذا الحجم لمدة طويلة … مسألة وقت !
على المستوى الدولي ليس سِرّا أن “سيسي” أصبح حملا ثقيلا على الجميع، وهناك شخصيات من داخل نظام مبارك تتحرك منذ شهور (علنا)، يطرحون أنفسهم كبديل جديد لمرحلة انتقالية جديدة … كل هذا … ليس سِرّا !
أين المشكلة إذن؟ أين العقدة؟
المشكلة في صنع اصطفاف حقيقي يستطيع أن ينسق العمل في الشارع في الداخل (لأن الداخل هو أساس كل شيء)، ويستطيع كذلك أن يكون جزءا من الترتيبات الدولية والإقليمية في الخارج، ويستطيع أن يطرح الشكل المطمئن للمصريين وللعالم كله لمرحلة ما بعد “سيسي”.
ليس سِرّا أن بيننا وبين ذلك مسافة ليست بعيدة، وليست قريبة، وخصمنا يبذل جهدا جبارا لتأجيل لحظة الاصطفاف تلك.
ليس سِرّا أن بعضا ممن كنا نظنهم ملائكة يقومون اليوم بأقذر أدوار الشياطين لإعاقة الاصطفاف، وذلك بعد أن ربطهم النظام بسفينته الغارقة !
إن واجب التيار المدني اليوم أن يسعى بشكل حثيث لتصحيح الوضع المقلوب، وليس سِرّا أن بيان الاشتراكيين الثوريين الذي صدر الأسبوع الماضي، كان خطوة سليمة وشجاعة في هذا الاتجاه.
ليس سِرّا أن ردود أفعال بعض الإسلاميين على البيان كانت في غاية الحماقة، وأقل ما يقال عن هؤلاء أنهم أعداء أنفسهم، بل هم يعملون لصالح خصومهم شاؤوا أم أبوا، عرفوا ذلك أو جهلوه.
ليس سِرّا أن عدونا ينتصر علينا بأسلحة كثيرة … من ضمنها … توظيف واستغلال الأغبياء بيننا !
تحية لكل الصامدين في الشوارع … ستنتصر ثورتنا بكم بإذن الله تعالى … وسنحترم سنن الله في النصر … ولن نقبل بالعمل لصالح أعدائنا أبدا.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين

محمد رفعت الدومي يكتب: سيد قطب وظلاله!

قبل أعوام قليلة شاهدت المفكر السعودي "محمد سعيد طيب" علي قناة LBC يتحدث إلي "أحمد عدنان" مؤلف كتاب "السجين 32، أحلام محمد سعيد طيب وهزائمه"، حتي ذلك الوقت لم أكن أتصور أن في السعودية ليبراليين إلي هذا الحد؛ ولا أن ناصرياً يحمل كل ذلك التبجيل للشيخ "سيد قطب"، قال:
- عندما قرأت في السجن كتاب "في ظلال القرآن" كدتُ أن أقع في شراك "سيد قطب"!
ما زلت أتذكر اعترافه علي نحو واضح لأنه أثار في ذاكرتي ركناً مهجورًا، أنا أيضًا مررت بالاختبار نفسه عند قراءة الظلال تحديدًا، ولولا يقيني الذي كان آنذاك قد اكتمل بأن القيم الكبري ستواصل الزحف علي القيم الصغري حتي ابتلاعها كاملة لسقطتُ في الشراك نفسها!
وأثناء عام "د. مرسي" وقبله وحتي الآن يضغط إعلام العسكر بقسوة علي عباراتٍ بعينها وردت في الظلال، مثل: 
(ما الوطن إلا حفنة تراب عفنة)
(الوطن وأهله مجرد كلأ ومرعى وقطيع وسياج)
ولقد وقف "قطب" علي جذور قناعته هذه وثبَّتها في "معالم في الطريق"، وبصرف النظر عن صخب العوام، هي قناعة سابقة لأوانها بالقدر الذي يكفي للحكم عليه كأحد المفردات الإنسانية الشرقية التي ساهمت في التأسيس لفكر عالمي جديد علي أنقاض محاولات الأولين المزدحمة بشوائب المدرسية وعبادة الآباء! 
غير أنه لم يكن رائد هذا الكلام، فلقد لمس قبله هذا المعني فلاسفة كثر، ورهبان الزن اليابانيون، أشد المفكرين بساطة علي الإطلاق، وأشهر ما قالوا في هذا المعني: 
(خلعتُ ثوب الأنا وأصبحت العالم الفسيح) 
لقد هيَّجوا بلغتهم الخاصة قضية كبري، حتي عندما وضعوا تعريفا لـ "بوذا" وصفوه بـ " السروة في حوش الدار"، فهو موجود في كل مكان كشجرة السرو في حوش الدار..
ولمسه العرب أيضاً في أشعارهم:
شَرِّق وغرِّبْ تجدْ عن مُعْرِضٍ بدلاً / فالأرضُ من تربةٍ .. والناس من رجل
وأنت برأيك، لماذا يقدس الإنسان سجناً لأنه فقط ولد فيه بالصدفة؟! 
هل الحياة طويلة إلي هذا الحد ليقدس الإنسان الحياة في أوصال أرض ينفق عمره فيها عبداً لإقطاعيين يسرقون حقوقه وحريته في وضح النهار؟! 
إن الوطن محله الحذاء الذي يقف علي أرض للجميع بالتساوي، فكر، ليس العقل وحمة أو مجرد زائدة لحمية لتعطيله والسماح للمنتفعين بالتجول فيه بأحذيتهم القذرة، نعم، ما الوطن إلا حفنة تراب عفنة، يا لها من ومضة فكرية بالنظر إلي الزمان الذي ولدت فيه وإلي المكان تحرض الدهشة علي الإشعاع، لا يمكن أن تصدر إلا عن مثقف بلغ من وضوح الرؤية مرتفعات شاهقة لا يطالها حتي الفلاسفة، لذلك، اتهم "عبد الرحمن بدوي" رابعة العدوية" بالشطح الصوفي لأنها وصفت الكعبة بـ "الصنم المعبود في الأرض، وإنه ما ولجه الله ولا خلا منه"، غير أنه اعترف بأن معاني كلامها لم تتكشف بوضوح إلا ابتداءًا من "الحلاج"! 
الغريب أن الإمام "أحمد بن تيمية" في واحدة من المرات القليلة التي تحلي فيها بسعة الصدر هو من نزه "رابعة" عن نسبة هذا التصريح إليها كما فهم من ظاهره، وبرره بأن المسلمين لا يعبدون الكعبة، وإنما يعبدون الله بالطواف حولها!
ولسنا بحاجة إلي كلام "ابن تيمية" لندرك أن كلام "رابعة" يحتاج فقط إلي نظرة إسكاتولوجية لإدراك مراميه، فهي بالتأكيد لم تقصد ما فهم العوام من كلامها، ولا "الحلاج" عندما قال: "ما في الجبة إلا الله" كان يقصد ما فهم أصحاب الحد الأدني، ولا "ابن عربي" كان يقصد ما فهم المتلقون من أبياته:
لقدْ صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورة ٍ/ فمَرْعًى لغِزْلاَنٍ وديرٌ لرُهْبانِ
وبَيْتٌ لأوثانٍ وكعبة ُ طائفٍ / وألواحُ توراة ٍ ومصحفُ قرآنِ
أدينُ بدينِ الحبِّ أنَّى توجَّهتْ / رَكائِبُهُ .. فالحُبُّ ديني وإيماني
فما من شك أن القلائل جدًا بلغوا المطلق عقب رياضة عسيرة للنفس، "سيد قطب" أحدهم، لكن الفرق بين مطلق "رابعة" و "الحلاج" و" بن عربي" وبين مطلق "سيد قطب" هو طريقة التحليق في المطلق، ذلك أن مطلق "رابعة" ومن يشبهونها شديد السلبية يدعو إلي الانسحاب من الحياة، بوحدة الشهود، والفناء في ذات الحبيب، بينما مطلق "سيد قطب" مطلق إيجابي يحرض علي الاشتباك مع الحياة بخشونة في سبيل الحبيب والحياة معًا!
معروف أن "قطب" كان واحداً من شعراء "أبوللو" المطبوعين تعيسي الحظ في الوقت نفسه، معروف أيضًا أنه كان من أوائل من انتبهوا للوعد الذي يحمله قلم "نجيب محفوظ"، لذلك، هو عندما انتسب إلي الجماعة لم يكن محتاجًا إلي مطلق يتحرك من خلاله، فهو قادم إليها من مطلق الشاعر، لذلك، من المنطقيِّ أن يستوعب فكرة "حسن البنا" أكثر من "حسن البنا" نفسه!
الأسرة هي الحجر الذي بني عليه "البنا" فكرته، ونظرة عابرة، من الخارج حتي، تكفي للحكم عليها بأنها فكرة صالحة للتحقق، ولقد تحققت فعلاً، وفي أكثر من مجتمع، لأسباب عدة، أهمها هو أن الجماعة هي البديل الوحيد للكابوس العسكري المزمن الذي يلتحق كالأفكار السوداء بنوم المصريين والتونسيين والليبيين ومن قبلهم الأتراك، لكن الوصول إلي سدة الحكم شئ والحفاظ عليه، لا أقول الزحف إلي الأمام، شئ آخر، فالعالم كريه بشكل أعمق مما كان يتصور "البنا"، لذلك، لا يمكن لفكرته أن تتمدد ما لم يكن لها عضلات صلبة تحميها، كالفكرة الإيرانية، كما أن هناك عوائق دقيقة تناستِ الفكرة وضع حلول للقفز فوقها، أقلها خطرًا أن "البنا" لم يتوقع "صفوت الخرباوي" مثلا، شخص ينتمي لبعض الوقت إلي الجماعة ثم عند أول فرصة يتخذ من رجمها "سبوبة"، إن للخسة عادةً أخلاقا!
الأخطر أن الفكرة رحمٌ صالحٌ لولادة "الجيتو"، "جيتو" ذهني علي كل حال، وضَّحتُ هذا في كلام قديم تحت عنوان "السيسي.. والرقص في درجة الغليان"، وأزعم أن ثقافة "الجيتو" هي خاصرة الجماعة الرخوة، كما أزعم أن الإخوان لو أدركوا أن خارج الجماعة أيضًا أنقياء لبلغوا الدرب، لو احترموا قوس قزح، لو صدقوا أن تجسيد شخصية "ياسر برهامي" لا يحتاج أكثر من قول الشاعر:
شمِّرْ قميصَكَ إنْ أردتَ ولايةً / واحْككْ جبينَكَ للقضاءِ بثوم 
مع ذلك، لقد انتهت صلاحية الفكرة مؤقتاً، وأصبح الحديث الآن عن الخلافة حديثاً ضارَّاً، وإن موجة من الشك تضرب الآن عقلي في أن الهدف من ثورات الربيع كان ضرب الظاهرة الإسلامية في الصميم لا تحرير الشعوب، كل ما حدث بعد ذلك يرجح هذا الشك، لا يمكن أن يكون الغرب يكترث لآلامنا المزمنة إلي هذا الحد، وعليه، يجب أن ينسحب الحديث عن الخلافة إلي أطراف لهجة الإسلاميين، مؤقتاً علي الأقل، وأن ينتقل الحديث عن الحريات إلي المركز..
الغريب أن الإخوان لا يفهمون الحدوث العميقة لفكرة "البنا"، وما زالوا يرددون أن الجماعة دعوية وهذا خطأ، فالجماعة ثورية لسبب بسيط، ذلك أن الدعوة تنتهي بقول الداعية: "اللهم بلغت.. اللهم فاشهد"، لا يحدق الداعية النظر إلي الأمام، فما معني "أستاذية العالم" إذاً؟
وبمناسبة "أستاذية العالم"، ضغطت جوقة العسكر علي ماسونية المصطلح، ولا أنفي ذلك بل أؤكده، لكن، هل يعني هذا أن الجماعة ماسونية؟
يقول "حافظ إبراهيم": 
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى / شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ 
لقد كان مصطلحاً شائعًا تجده بسهولة في كل ما ترك كتاب تلك الفترة، كتابات الذين اقتربوا من "جمال الدين الأفغاني" خاصة، وهذا التأثير والتأثر شائع جداً في كل مكان، علي سبيل المثال: 
في التسعينيات كان هناك برنامج يومي يقدمه المذيع "أحمد مختار" لا أتذكر أن حلقة من حلقات البرنامج خلت من ضيف يردد جملة: 
(الكومبيوتر لغة العصر)
عمومًا ينفي هذه التهمة عن الجماعة إخلاصها في قتال اليهود الذين لم تعمل الماسونية يومًا إلا علي تجذيرهم في فلسطين!
يتحرك الإخوان بلا منطق، لذلك، وبعد عامين من اندلاع المعركة ما زالوا مجرد رد فعل، مكاسبهم ناجمة عن الصراع بين أجنحة الانقلاب، وهي مكاسب ضحلة، خدوش سطحية في المكونات الصلبة للنظام يكفي لالتئامها كذبة ككذبة (قناة السويس)، وماكينة أكاذيب النظام وتر مشدود لصناعة المزيد من الأكاذيب المؤجلة، وانتظروا عما قليل من فقدان كذبة القناة بريقها صناعة كذبة "محطة الضبعة" ودخول مصر النادي النووي!
وأقسم، لو أن لمديري معركة الجماعة قدرًا من الذكاء يوازي عُشْر تضحيات قواعدهم لما صمد الانقلاب أكثر من ثلاثة أشهر، لقد كانوا يوم 25 يناير الماضي علي مشارف مشهد جديد لولا الجزر غير المبرر لأسباب غامضة، عندما اعتبرهم العالم لأول مرة طرفاً، هل كانوا يظنون أن ثمة حرية بدون تضحيات كبيرة؟
لا يمكن أن نتجاوز هنا دور مرتزقة الثورة، فمن الخطأ اختزال مفردة "المرتزقة" علي الذين يؤجرون أنفسهم لمن يدفع في الحروب، إنهم حولنا في كل مكان، في السياسة وفي الطب وفي الثقافة وفي كل مهنة عرفها الإنسان! 
مفردات بشرية وفدوا مباشرة من الظل دون تجارب سياسية إلي المقدمة، وجدوا أنفسهم فجأة أرقامًا صعبة، تحت طائلة الأضواء المبهرة، كل ما يلزم أحدهم للبقاء في قبضة الضوء تصريح عقب كل هزيمة تلحق بقواعدهم، أو رهائنهم عند العسكر علي وجه الدقة، ويبدو أنهم استراحوا لهذا الوضع! 
وسدًا لثغرة من الممكن أن ينفذ منها قائل: 
- لماذا يطالب الإخوان وحدهم باستعادة الحرية؟ 
لأنهم، ببساطة، قلب المعركة وأصحاب الحق وأولياء الدم الذي سال مجاناً وصارت أطرافه نعيق البوم، ومما لا شك فيه أن الآخرين، عند اتزان المعركة، أو انتصافها، سوف يتسللون من حوافها إلي القلب، ليس العنف بالضرورة، يكفي أن يكسروا حاجز الخوف فقط!
ويجب أولا أن يستوعب الإخوان المسلمون أن لا أحد غير المصريين بإمكانه أن يعيد الأمور إلي نصابها، لا السعودية ولا قطر ولا تركيا ولا الغرب، وأن الغرب يدرك تمامًا أن حكم العسكر صار "إكسباير" وهو عاكفٌ الآن علي تصميم سيناريو ما بعد العسكر بمعاييره الخاصة، لكن السؤال المتطلب هو: 
- متي يتدخل الغرب؟ 
والإجابة صادمة وملتبسة، وهي: 
- عندما يتفضل "نادر بكار" بإنهاء منحته الدراسية في "هارفارد"، أو ينتهي من مراقبة بعض أيقونات الثورة هناك والتلصص علي مخططات الجامعة لوجه مصر القادم!
حتي يجئ ذلك الوقت، تري كم من الأحلام سوف تحترق؟
الأحداث العظيمة لا تولد من تلقائها، ولا تولد في الألفة، و "هارفارد" رحم صالح لولادة حدث عظيم، لماذا "هارفارد"؟ الجواب في عهدة هذه المعلومة التاريخية:
عند تأسيس "هارفارد" عام 1636 كانت اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدراسة، كما حملت أول رسالة دكتوراة نوقشت في الجامعة عنوان:
"اللغة العبرية هي اللغة الأم"!
كان "طلحة بن عبيد الله" أحد الستة الذين اقترحهم "عمر" لخلافته غائبًا عندما تمت البيعة لـ "عثمان"، وعندما عاد إلى المدينة قال علي عهدة صاحب العقد الفريد: 
- أعلى مثلى يُفتات؟!
بالمصرية:
- أنا ينطبخ فوق راسي الطبيخ؟!
وهذا تمامًا حال الإخوان المسلمين، مع ذلك، ما زال أمامهم متسع من الوقت لكبح المخطط، ويستطيعون!

29 يوليو 2015

محمد طلبة رضوان يكتب: الاصطفاف.. مع من؟.. ضد من؟


مع قوى الثورة على تنوعها ضد الحكم العسكري/ قوى الثورة المضادة، هنا يبدو الخصم أكثر وضوحًا من الحليف، ثمة ثوار ليسوا بثوار، أخوة أعداء، محسوبون علينا وهم علينا، حروفهم معنا، ومضامينهم مع السيسي، ولذلك علينا إعادة الفرز، والبحث عن إجابات.
الاصطفاف ضرورة ومسؤولية، وكل من يتصور أنه سيتنزل من عليائه متأففا ليضع يده في يد آخر، وهو مغمض العينين، مسدود الأنف والأذن والحنجرة، مثل عبد السلام النابلسي وهو يلعب دور رئيس فرقة "البيانولا" فليهنأ بعصاته الخشبية، وأوهامه اللزجة بكونه حسب الله السادس عشر، وليرح نفسه ويريحنا.
يتساوى في ذلك كونه إخوانا، أم ليبراليا، إن كان في مصر ليبراليين، أم من اليسار الرجعي التقليدي، الذين يقفون من الواقع مسافة ابتعاد الكوكب الجديد عن أقرب المتطلعين لسكناه من أهل الأرض.
الاشتراكيون الثوريون، أطلقوا بيانين لتوضيح الأمر، وتعريف المعرف، الذي بات واجبا وضروريا من كثرة ما أغرقتنا الآلة الإعلامية الجبارة للنظام، والمتعاونون معها من الثوار المتقاعدين، بتفاصيل ليس أولها مؤامرة يناير ولن يكون آخرها "الاشتراكيون الثوريون إخوان!!"
الرفاق قالوا إن الفاشية العسكرية هي الخصم الحقيقي، وإن الاخوان والعسكر ليسوا سواء، ولا يعني إدراجهم في شعار واحد سوى الانحياز الضمني للدولة العسكرية، وطالبوا بالاصطفاف الوطني وتجاوز الخلاف.
الكلام واضح، ردود الأفعال أيضا جاءت واضحة، البيان أثار حفيظة الفلول، وقطاعات من المحسوبين على الثورة في آن، الفريقان اعترضوا، هل هما فريقان؟
الواقع أنهما فريق واحد، خطاب واحد، مصالح واحدة، ولا ينبغي لنا منذ الآن أن نؤمل في هذا الاتجاه، تضامنا أو عقلا، ثمة من نزلوا معنا بفعل الدفع الاجتماعي، شاركونا الهتاف، مواجهة الرصاص، والخيل والجمال.. والحمير، إلا أنهما الآن في المربع الآخر، تجاوزتهم الثورة.. بالغباء أو بالخيانة !!
لم يعد الوقت يسمح بـ"المناهدة"، ربما نحتاج أن نصبر على بعضنا البعض، لنتفاهم، إلا أن المشهد الآن بات واضحا بما يكفي، تجاوزنا مرحلة التفهيم، من يتصور أن 30/ 6 ثورة، و3 /7 ليس انقلابا، والجيش لم يبيت النية، ولم يخطط لثورة مضادة، ومؤسسات الدولة لم تفشل مرسي، فهذا ليس غيبا، ولا يحتاج إلى من يناقشه، لقد اختار صاحبنا المربع "عسكر"، لكنه يخجل من الإفصاح داخل مجتمعه النضالي، ربما ليجد من يرد عليه السلام على المقهى ليلا، ويشاركه "البوستات" و"التويتات" !!
أيضا من يتصور أن الحدث، في 30/ 6، لم يكن بالتعقيد والتركيب الذي يسمح بالانخداع والانجرار، والذي كان أول المنخدعين فيه هم الإخوان أنفسهم الذين تصوروا يوم 3 /7 صباحا أن الجيش نزل ليحمي الشرعية، والذين رفضوا طوال شهرين كاملين تصديق كل النصائح والتسريبات التي وصلت إلى قصر الاتحادية، ومكتب الإرشاد، تفيد صراحة بأن العسكر قادمون، وأنه ثمة ما يدبر، ممول، ومسمم بأموال الخليج، والتحالفات الإقليمية والدولية، ضد "يناير" قبل الإخوان، وأنهم سيكونون هم ومعارضوهم سلما لعودة رجال مبارك، أقول أن من يتصور أن 30/ 6 خطيئة تستوجب ما هو أكثر من الاعتذار عن سوء التقدير السياسي من الجميع، وأولهم الإخوان أنفسهم، وأنه على من يتراجع أن يعلن توبته إلى الله، ويبدي أسفا وندما، ويحمل التراب ويضع على رأسه ووجهه، إلى آخر هذه الكربلائيات الساذجة، هذا الصنف بدوره عليه أن يبحث عن "النابلسي" في شارع محمد علي ويجلس إلى جواره في انتظار حفل "طهور".
النقاء الأيديولوجي، مثل النقاء العرقي، محض وهم وخيال، لا يوجد صف لم تخترقه الثورة المضادة، ولا يوجد صف يخلو من رجال حقيقيين، تحالف 30/ 6 ضم إسلاميين وعلمانيين، يمينا ويسارا ووسطا، أزهريين، وكنسيين، وإخوانا سابقين، وفلولا، بل وثوارا بكل أسف، بدوره الاصطفاف الذي نرجوه، ونعد له، ونبذل مساعينا تجاهه، من شأنه أن يضم الجميع، ممن لم يزالوا على حلم الثورة ووعيها، لم تلوثهم المزايدات والمرارات التاريخية والأيدولوجية، ولم تجندهم المصالح الفردية، والمكاسب الرخيصة.
إن أولى خطوات هذا الاصطفاف هو ترتيب البيت الثوري من الداخل، وتجاوز التعميمات، لا الإخوان كلهم واحد، ولا القوى المدنية، لا الشباب كلهم واحد ولا العجائز، لا من نزلوا 30/ 6 كلهم واحد، ولا من لم ينزلوا جميعهم فعلوا عن وعي وإدراك، المسألة أكثر تعقيدا من الإجابات الجاهزة، التي لن تصب بدورها سوى في مصلحة الجاثم على صدر البلاد بقوة السلاح، ينتظر المزيد من الخلاف والتخبط بين رفقاء الثورة، ليهنأ بالمزيد من الاستمرار والسلب والنهب بين رجاله.

28 يوليو 2015

محمد سيف الدولة يكتب: محمود خضيرى .. القاضى الفدائى

لشيخ القضاة المستشار يحيى الرفاعى، مقولة شهيرة فحواها:"أن غالبية القضاة شرفاء، ولكنهم ليسوا فدائيين".
ولقد قالها فى سياق مطالبته باستقلال القضاء، وتحصين القضاة فى مواجهة ضغوط و اغراءات و تجاوزات السلطة التنفيذية لتزوير الانتخابات.
فهو يرى ان غالبية القضاة يرفضون تزوير الانتخابات، ويودون لو تمكنوا من الاشراف عليها اشرافا حقيقيا فى مواجهة عبث أجهزة السلطة التنفيذية. ولكنهم من ناحية أخرى ليسوا جميعا على استعداد لتعريض انفسهم لاعتداءات وتجاوزات وإهانات رجال الشرطة فى اللجان الانتخابية، او لانتقام ومضايقات وجزاءات وزارة العدل ورئاسة الجمهورية فيما بعد.
وهو ما يتطلب توفير كافة الضمانات لاستقلال القضاء وحماية القضاة فى مواجهة تغول وتدخل و انتقام السلطة التنفيذية، كشرط لتمكينهم من القيام بالأدوار المنوطة بهم، و تحقيق فاعلية الاشراف القضائى والنزاهة التامة للانتخابات.
***
ورغم هذا التوصيف الواقعى للرفاعى، الا ان المستشار محمود الخضيرى كان واحدا من الاستثناءات لهذه القاعدة، فلقد كان من القضاة القلائل الذين قرروا واختاروا ان يكونوا فدائيين غير عابئين بالعواقب.
كان من تلاميذ شيخ القضاة، ومن رموز وقيادات تيار الاستقلال الذى ادار وقاد نادى القضاة خلال العشر سنوات الاولى من الالفية الجديدة، والذى انحاز الى، والتحم مع مشروع القوى الوطنية المصرية وحلمها بمجتمع حر وديمقراطى وعادل فى مواجهة نظام مبارك التابع والمستبد والفاسد. وهو الانحياز الذى كان له بالغ الأثر فى التمهيد لثورة يناير.
***
لم يكن الخضيرى، قاضيا صغيرا لن يخسر الا القليل، وانما تقلد أرفع المناصب فى سلك القضاء، فكان احد نواب رئيس محكمة النقض. وهو منصب يوفر لصاحبه مكانة اجتماعية ممتازة، وشبكة قوية من المعارف والعلاقات العامة بكافة مؤسسات الدولة ورجالها. كان يملك لو اراد ان يوظفها للاقتراب من السلطة والفوز بأحد مناصبها التنفيذية، أو لتحقيق مجموعة من الفوائد والمكاسب والامتيازات الشخصية كما يفعل غيره. او على اضعف الايمان ان يكتفى بها و يعيش ما تبقى له من سنوات فى هدوء وأمان وراحة بال بعيدا عن المخاطر والمضايقات والمطاردات.
ولكنه رفض كل ذلك، وتحدى استبداد النظام الحاكم، فى أوج قوته، وناضل مع رفاقه من أجل استقلال السلطة القضائية وتحرريها من قبضة السلطة التنفيذية. مع ادراكه الكامل لما يمكن ان يترتب على ذلك من عواقب.
بل انه قرر، رغم كل المخاطر، واحتجاجا على أحواله والتدخل فى شئونه، ان يترك سلك القضاء، ويضحى بما يوفره له من حصانة، فاستقال من المنصة عام 2009 فى عز جبروت نظام مبارك، وقبل ان يخطر على بال أحد انه أوشك على السقوط، وان هناك ثورة على الابواب.
***
وفى السنوات القليلة بين استقالته وقيام الثورة، شارك بكثافة وايجابية فى عديد من فاعليات و أنشطة القوى السياسية المعارضة. اتذكر منها على وجه الخصوص، مشاركاته فى ندوات ومؤتمرات نصرة فلسطين والمقاومة ضد الاحتلال وحروبه العدوانية، وفى المطالبة بفك الحصار ورفض الجدار الفولاذى الذى اقامه مبارك على الحدود المصرية الفلسطينية بتوجيه من اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.
***
وحين تفجرت الثورة، كان أحد المقيمين الدائمين فى ميدان التحرير، لم يغادره الا الى ميادين الاسكندرية. وكان احد الحكماء والمرجعيات الذى تحرص كل مجموعات الثورة المختلفة على اشراكه ومشورته فى قراراتها الميدانية. ولا اقول انه كان احد قيادتها، لان الثورة لم يكن لها قيادة موحدة.
لقد كان من ابرز المشاركين في الثورة منذ لحظاتها الأولى، قبل ان يتضح الخيط الأبيض من الأسود، قبل موقعة الجمل، حين كانت الامور لا تزال على المحك، والمعركة لم تحسم بعد، ومخاطر وعواقب المشاركة جسيمة، والمصائر مجهولة والاحتمالات والعواقب كلها واردة. و كان نظام مبارك لا يزال على الأرض، ولا يزال يجتمع مع المجلس العسكرى الذى لم يكن قد أعلن بعد امتناعه عن ضرب المتظاهرين، بل كان يرسل طائرات "إف 16" لإرهاب المعتصمين فى الميدان. وحين كان لا يزال كثيرون يدعمون مبارك ويدينون المعتصمين، وآخرون مترددون لم يحسموا موقفهم بعد، خوفا من فشل الثورة وتحمل العواقب.
***
وتقديرا لمواقفه الوطنية و الشجاعة، كرمه الشعب المصرى بعد الثورة، فقاموا بانتخابه فى اول انتخابات نزيهة تشهدها البلاد منذ زمن بعيد، ضد طارق طلعت مصطفى، أحد كبار مليارديرات مبارك وعضو الحزب الوطنى، لينهى الاحتكار الذى استمر ربع قرن من آل طلعت مصطفى للدائرة الثانية بالاسكندرية.
***
وبمتابعة أبرز مواقفه بعد الثورة، نجده كان من أهم المطالبين بتطهير الحياة السياسية والشرطة و القضاء، ولقد طالب فى سياق ذلك باستبعاد كل القضاة الذين شاركوا فى تزوير الانتخابات فى اعوام 2010 و 2005 و ما قبلهما. وكشف عن تعاون البعض منهم مع جهاز مباحث امن الدولة فى هذا الشأن. وهو ما عرضه، مع بدايات عودة مؤسسات مبارك الى الظهور، للتحقيق بتهمة الاساءة الى السلطة القضائية وإهانة القضاء، وتم اخلاء سبيله بكفالة 3000 جنيه. ولكن يبدو ان النوايا كانت مبيتة للثأر منه وعقابه على مواقفه قبل الثورة و بعدها.
***
وبالفعل تم اعتقال الخضيرى فى 25 نوفمبر 2013، وتقديمه للمحاكمة مع آخرين و ادانته بالسجن لثلاث سنوات بتهمة تعذيب احد الاشخاص فى ميدان التحرير فى يوم 3 فبراير 2011 أى فى اليوم التالى لموقعة الجمل.
لتكون ادانته بمثابة "السابقة" و "الكاشفة" ؛
سابقة من حيث انها اول ادانة على افعال ومواقف وقرارات اتخذها الثوار فى خضم ايام الثورة الأولى، أى فى الـ (18 يوم البِيض)، والتى كانت تعتبر قبل هذا الحكم القضائى، فى مصاف الاعمال البطولية و الثورية، ومن قبيل الادارة الحكيمة للميدان وحماية الثورة والمعتصمين من الاختراق والفتن ومؤامرات النظام وأمنه.
وهى كاشفة من حيث انها كشفت عن حقيقة موقف السلطة الحالية بكافة مؤسساتها من ثورة يناير، التى يعتبرونها، على عكس ما يدعون، كارثة وفوضى وجريمة تستوجب العقاب والانتقام.
فالجميع يعلم علم اليقين أنه بعد موقعة الجمل، قرر الثوار فى ميدان التحرير بالإجماع، تحصين الميدان، وفرض اجراءات صارمة على كل من يدخله، وتشكيل لجان امنية تشرف على المداخل والمخارج وتفتيش المارة والتحقق من شخصياتهم، وتوقيف المخبرين ورجال الامن والشرطة السريين، والتحقيق معهم وتسليمهم الى القوات المسلحة..الخ. وهى الاجراءات التى نجحت الى حد بعيد فى حماية المعتصمين، ولولاها لارتفع عدد شهداء الثورة اضعافا مضعفة.
وكثيرا ما كان الشباب يفقدون السيطرة على غضبهم، بالذات بعد ان سقط من بينهم شهداء برصاص قوات الامن والقناصة والبلطجية، فكانوا ينهالون بالضرب على الجواسيس والبصاصين، الى ان يتدخل الشيوخ والعقلاء من امثال المستشار الخضيرى لإنقاذهم وتحريرهم من ايادى الغاضبين.
***
ثم بعد كل ذلك يكون السجن هو مصير مستشارنا الجليل بتهمة متهافتة! ولا تتناسب مع عمره الذى يناهز 75 عاما، ولا مع حالته الصحية التى تتطلب اصطحابه الدائم لمرافق بسبب ضعف بصره.
بل انه من المفارقات المؤلمة والصادمة والدالة فى نفس الوقت، انه بعد مرور اربع سنوات على الثورة ضد "مبارك" ، يقبع أبرز معارضيه من القضاة فى السجن، بينما يتقلد اقرب رجاله منصب وزير العدل.
***
وفى الختام، نسجل قلقنا البالغ وخوفنا الشديد على كل المعتقلين من المسنين والمرضى، لا قدر الله، من مصير عديد من نظرائهم الذين استشهدوا فى السجون على امتداد العقود الماضية. نذكر منهم المرحوم المهندس عبد العظيم أبو العطا، الذى اعتقله السادات فى سبتمبر 1981، رغم سابق اختياره له وزيرا للرى و للزراعة، وموته فى السجن بعد اصابته بوعكة صحية لم يجد من يسعفه منها.
كما نذكر الدكتور محمود القاضى الذى كان من أشرس معارضى السادات وكامب ديفيد فى برلمان 1976 الذى تم حله عام 1979، وتم اعتقاله أيضا فى سبتمبر 1981، وتدهورت صحته بشدة فى السجن، ليتوفاه الله فى العام التالى لخروجه منه عن عمر يناهز 59 عاما. والقائمة تطول.
***
حفظ الله المستشار الجليل محمود الخضيرى، والحرية له ولكل المعتقلين من الثوار و المظلومين، وفى مقدمتهم المرضى والمسنين
*****
موضوعات مرتبطة:

23 يوليو 2015

غازي ابوفرحة يكتب : هيكل عميد الانهزاميين العرب

إن الذي شاهد محمد حسنين هيكل على قناة الجزيرة يلاحظ فيه انهزامية عميقة متغلغلة في عظامه ونخاعه؛ فهو لا يريد الاعتراف بهزيمة أمريكا في العراق وحولها إلى فشل وأخذ يصغرها إلى أن تلاشت، كما أن هيكل حاول أن يرهب العرب المثخنين بالجراح الأمريكية بموضوع الأطماع التركية بالموصل؛ مع أن السياسيين الأميركان يعترفون بهزيمة وفشل أمريكا بالعراق جهارا نهارا وبدون مواربات هيكلية.
لقد تحول هيكل إلى عميل استراتيجي بعيد المدى لأمريكا إرضاء لنرجسيته وعقدة التكبر الطاووسية المستحكمة فيه؛ فانحاز ضميره لعدوه وأخذ ينظر له بأكثر ما يتمنى ذلك العدو.
إن الزانية لا تريد الاعتراف بضعف زانيها لأنها اختارته حسب الغرائز البهيمية؛ حيث أعجبتها قوته وجبروته حسب قانون البقاء للأصلح البيولوجي.
إن كل المتأمركين العرب والانهزاميين والعملاء والجواسيس والخونة والطابور الخامس والحكام العرب الذين ارتموا بأحضان الزاني والداعر الكبير (أمريكا) كي يزني بهم ويغتصبهم بالليل وفي وضح النهار كلهم تسيرهم الغريزة البهيمية المنحرفة بطريقة مازوخية (نسبة إلى الروائي النمساوي مازوخ الذي كان من مثليي الجنس – من تحت وبالعربي *** – ووصف في رواياته تلذذه بالعذاب الذي كان يحدثه له الزناة)؛ أي أن المازوخية تعني تلذذ الزانية بالعذاب الذي يحدثه لها الزاني السادي.
إن أمريكا قد شاخت الآن وهي على حافة الانهيار؛ فلا يريد المازوخيون العرب الاعتراف بذلك لأن اعترافهم بضعفها وعجزها دليل على انحرافهم وخطأهم بل وخطيئتهم ودليل عجزهم وإفلاسهم وبالتالي نهايتهم الذليلة في مزبلة التاريخ الكبيرة برفقة أبو رغال الذي أرشد أبرهة الأشرم على الكعبة كي يهدمها؛ وهم في دفاعهم عن أمريكا المتهاوية تحت ضربات المقاومين الأحرار البواسل؛ كالمحتضر على فراش الموت الذي يصارع بين الحياة والموت.
إن المازوخيين العرب مفتونون بأمريكا وديزني لاند ومفتونون بالغرب الصليبي بلاد الحضارة والديمقراطية؛ ولا يفهمون بأن الحضارة هي نتاج عقول البشرية بأكملها؛ وقد كان للعرب والمسلمين عبر التاريخ الإسهام الأكبر في الحضارة البشرية؛ فما زالت وزارة الدفاع البريطانية تحمل اسما عربيا وهو: آرسينال وهو مشتق من العربية (دار الصناعة)؛ حيث كانت وزارة الدفاع في الدولة الإسلامية تسمى دار الصناعة حيث تصنع السيوف والمنجنيقات وشتى الأدوات الحربية.
إن المازوخيين العرب يلعقون حذاء أمريكا المجرمة الكافرة التي دمرت وما زالت تدمر وتسفك دماء العرب والمسلمين بطريقة مباشرة وغير مباشرة بواسطة الحكام الخونة وأعوانهم من الطفيليين الفاسدين.
إن دفاع المتأمركين العرب عن أمريكا مثل الذبيحة التي تدافع عن ذباحها وتلوم بل تلعن كل من يحاول إزاحة السكين عن عنقها.
لا يشفع للدول العظمى عظمتها من الهزيمة والفشل والانهيار؛ بل إن العظمة قد تكون من الأسباب المؤدية للانهيار كما يقول المثل:"صيت الجمل قتله"؛ فإن عظمة الجمل بين حيوانات نقل الأحمال قد تكون سببا في تحميله أكثر من اللازم فيقتل كما هو حال أمريكا الآن حيث يصفها الاقتصاديون بأنها:"غول استهلاك"، لقد انهارت أمريكا في تاريخها منذ استقلالها عام 1783 مرتان: الأولى عام 1865 حيث غرقت في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب أربع سنوات والثانية عام 1929 عندما انهارت بورصة منها تن ووصل الدولار للصفر وعطلت البنوك سنتان واستمرت البطالة والجوع سبع سنين؛ وأمريكا الآن بانتظار الانهيار الثالث؛ وحسب نظرية تعاقب الأجيال (الجيل الباني والجيل المستهلك أو الطفيلي) - للكاتب - سوف تنهار أمريكا عام 2005-+3 أي لغاية نهاية عام 2008 تكون أمريكا منهارة وسوف تمكث أمريكا في الإنعاش سبع سنين كما مكثت في الانهيارين السابقين حتى تستطيع النهوض من جديد، لقد حللت تواريخ أكثر من عشرين أمة ووجدت أنها كانت تنهار كل 70-80 سنة (عمر الإنسان) معتمدا على نظرية ابن خلدون التي تقول:"أن للأمم أعمارا كالأفراد" لأن الأمة مجموعة أفراد؛ تلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا. صدق الله العظيم.
لقد دأب هيكل في السابق على التمجيد بعظمة أمريكا وجنرالاتها الذين نراهم يتساقطون أمام أسود الفلوجة والمقاومة العراقية الباسلة والتمجيد بعظمة مخلبها إسرائيل وجنرالات هذا المخلب والذين تساقطوا أمام أسود حزب الله والمقاومة اللبنانية وإن شارون أعتى جنرالاتها سقط تحت ضربات المقاومة الفلسطينية.
لقد حاول هيكل في أحاديثه الأخيرة على الجزيرة إدخال الناس في متاهات بأن يجرهم إلى حوادث فرعية تافهة ليس لها قيمة تاريخية رغم أنه كان يضع في أحاديثه بعض الدسم مثل وثائق انحرافات بعض الحكام العرب.
إن هيكل والمتأمركين العرب يحافظون على أمريكا أكثر من الأمريكان ويسترون عوراتها ويحولون العورات إلى أمجاد لكنهم سوف يتساقطون عندما تسقط أمريكا المجرمة عن قريب إنه سميع مجيب.
 – جنين – فلسطين www.abufarha.jeeran.com

محمد أبو الغيط يكتب: مرسي لم يتصل بهاتف الثريا

(1)
"كل الناس عارفة إن مرسي هرب يوم 28 واتصل بالجزيرة بتليفون أقمار صناعية "ثُريا" أخده من حماس.. أنت متأكد من كلامك يا محمد؟!"
هكذا قال لي ذلك الصحفي الكبير بكل دهشة، حين أخبرته ببساطة أن مرسي وإخوانه خرجوا من وادي النطرون ظهر يوم 30 يناير، وأن شبكات المحمول كانت قد عادت إلى مصر كلها وقتها.
أعرف الصحفي الكبير شخصيًّا، وأثق في مهنيته وميوله الثورية، لكنه بدوره صدق الرواية السائدة.. التهم الطعام الفاسد رغم أنه في "المطبخ".
حقا "الزن على الودان أمر من السحر"، فالسحر وحده هو تفسير أن يصدق الناس تغيير أحداث عاشوها بأنفسهم منذ وقت قريب.
(2)
شهادتك تشير إلى أن الإخوان تم تحريرهم بالمصادفة، هل حدث ذلك فعلا؟
محاولات الاعتداء على السجن والبدء في عملية اقتحامه سبقت وصول قيادات الإخوان للسجن بيوم واحد، حيث إن الاعتداء على السجن بدأ يوم 28 يناير ولم تكن مأمورية قيادات الإخوان قد وصلت إلى السجن بعد، لأنهم وصلوا يوم 29 يناير.
صف لنا الحالة التي شهدها السجن يوم 28 يناير؟
ـ تعرضنا في ذلك اليوم لبعض المناوشات، وإطلاق نار كثيف من قبل مجموعة من الأشخاص المنتمين لبدو سيناء، الذين اعتلوا سيارات ربع نقل ماركة تويوتا «2 كابينة»، وكانت تلك المناوشات بمثابة جس نبض سبقت عملية الاقتحام، وكانت السمة السائدة فيها الكر والفر.
وهل هذه المجموعة هي ذاتها التي قامت بعملية الاقتحام في اليوم التالي؟
ـ نعم نفس المجموعة وساعدهم أهالي منطقة وادي النطرون الذين عملوا على تهريب بعض المساجين الجنائيين من أقاربهم.
وماذا كان الموقف وقت اقتحام السجن؟
ـ عقب تمكن مجموعات البدو وأهالي وادي النطرون من الدخول إلى السجن، توجهوا مباشرة إلى العنبر رقم 2 المخصص للمعتقلين من الجماعات التكفيرية والجهادية المنتمية لبدو سيناء، والعنبر رقم 7 الذي كان مخصصًا وقتها للسجناء الجنائيين، وكان أغلبهم من سكان وادى النطرون...
كان الوضع شديد الاضطراب داخل السجن، وكان هناك شغب داخل العنابر من قِبَل السجناء والمعتقلين، خاصة في عنبري 2 و7، وإطلاق نار كثيف خارج السجن من خلال المجموعات التي قامت بعملية الاقتحام.
وللعلم لم تكن لدىّ نية مطلقًا لتسلم قيادات الإخوان، نظرًا لهذا الوضع، وحاولت إقناع القيادات بمصلحة السجون بعدم قدرتنا على تأمين السجن، إلا أنهم رفضوا بدافع صعوبة عودة المأمورية التي جاءت بهم إلى السجن مجددًا إلى أكتوبر، في ظل الظروف الصعبة والفوضى التي يشهدها الشارع وقتها.
هل شاهدت ذلك بنفسك؟
ـ شاهدتهم وقتها من داخل مكتبي... كما أكدت لي ذلك مجموعة من السجناء ممن ظلوا داخل السجن ورفضوا الهروب، الذين استمعت إلى أقوالهم عقب عودتي للسجن بعد مرور أسبوع على أحداث الاقتحام.
وأين كانت قيادات الإخوان وقتها؟
ـ قيادات الإخوان وعددهم 34 كانوا محتجزين داخل عنبر 3، وأعتقد أنهم ممن أجبروا على الهرب.
وكم المدة التي قضاها قيادات الإخوان داخل السجن؟
ـ قيادات الإخوان لم يستكملوا 24 ساعة داخل سجن وادي النطرون؛ لأن مأموريتهم وصلت من مكتب أمن الدولة بـ6 أكتوبر يوم 29 يناير الساعة 5 مساء، وخرجوا ضمن من خرج من السجن يوم 30 يناير الساعة العاشرة صباحًا.
هل كانت هناك تغطية لشبكات الموبايل يوم 29 يناير أثناء عملية اقتحام السجن؟
ـ كانت هناك تغطية من الشبكات، وأجريت أكثر من مرة اتصالات من هاتفى المحمول بالقيادات بوزارة الداخلية لإطلاعهم على الأمر أولا بأول ساعة اقتحام السجن.
(3)
س: ما هي السجون التي تم اقتحامها من الخارج تحديدًا حسب ترتيب اقتحامها؟
ج: أول سجن كان منطقة سجون «أبو زعبل»، وهي تضم أربعة سجون، وهي ليمان أبو زعبل 1، وليمان أبو زعبل 2 شديد الحراسة، والسجن العسكري بأبو زعبل، ثم سجن الفيوم، ثم يوم السبت بالليل كان منطقة سجون وادي النطرون اللي هو فيه ليمان 430، ليمان 440، ملحق وادي النطرون، وتمكنوا من إخراج المساجين من جميع وادي النطرون فجر يوم 2011/1/30، وبعد كده توجهوا إلى سجن 2 صحراوي، واللي تم اقتحامه صباح يوم 2011/1/30، وبعد كده يوم ٣٠/١/٢٠١١ العصر تم اقتحام سجن المرج.
س: وما الصلة التي تجمع بين تلك السجون التي اقتحمت من الخارج والسالف سردها؟
ج: كلهم فيهم مساجين سياسيين وكمان فيه حاجة أخرى أن السجون ديه كلها في مناطق صحراوية فيها بدو، وتنتشر بها تجارة المخدرات، بالإضافة إلى وجود محاجر وتوجد بها لوادر وتجارة السلاح....
س: ومتى كان أقصى هجوم تحديدًا؟
ج: يوم الجمعة 28 يناير 2011 الساعة 11:30 بالضبط مساءً.
س: وما السجن الذي تم اقتحامه آنذاك؟
ج: هو كان هجومًا على سجن برج العرب، ولكن سجن برج العرب من السجون المبنية على الطراز الحديث وصعب اقتحامه، وأن جميع المساجين داخل سجن برج العرب جنائيون، ولم يكن من بينهم مساجين سياسيون، والسبب الثالث كانت قوات الجيش موجودة آنذاك وقت الهجوم على سجن برج العرب وتصدت لهم.
من شهادة اللواء عاطف شريف، مدير مصلحة السجون سابقًا، في 3 فبراير أمام محكمة جنايات القاهرة في محاكمة مرسي.
(4)
أثناء حرب الخليج الثانية في 1991 كتب الفيلسوف الفرنسي جان بودريار 3 مقالات شهيرة هي "حرب الخليج لن تقع"، "هل حرب الخليج تجري فعلًا؟"، "حرب الخليج لم تقع"، وهو الاسم الأشهر الذي حمله كتابه الصادر بعدها.
اعتبر بودريار أن الصورة التي يعرفها الأمريكيون عن الحرب هي "النموذج" الذي نقله الإعلام، وعلى رأسه قناة "سي إن إن"، بغض النظر تمامًا عن واقع ما حدث بالفعل على الأرض. الحقيقة فقط هي الصورة.
"تم تسويق الحفلة التنكرية عن حرب خاطفة نظيفة، وعدم تمكين الجمهور من مشاهدة الوجه الآخر للحرب من مآسٍ وفواجع، أو التقليل من شأن تلك الكوارث، وحلول وسائل الإعلام بكافة أنواعها مكان الحدث الحقيقي، وخضوع الكثير من تلك الوسائل لرقابة ذاتية أو من الإدارة الحاكمة"
ومما لا يقل خطورة أن الصورة المطلوبة يصدقها مروجوها أنفسهم بالفعل، مما ينعكس على تعاملهم بدورهم.
الآن قناعة الداخلية وأركان النظام القديم الأمنيين والسياسيين بشكل عام هي أن ما تعرضوا له كان مؤامرة من الإخوان وحماس.. حرب الخليج لم تقع، والشعب لم يثٌر.
(5)
لماذا قضية وادي النطرون؟
لأننا منذ الثورة نعيش صراعًا بين 4 روايات لتاريخها، كل تصور منها يختلف جذريًّا عن قرينه، وكل منها يؤدي لنتائج مختلفة تمامًا.
الرواية الأولى هي السائدة سابقًا عن الثورة الجميلة، التي نزلها الشباب الطاهر، شباب الطبقة الوسطى من طلاب الجامعات ورواد "فيس بوك"، وأعضاء الحركات الشبابية، واعتصموا بكل سلمية حتى استجاب لهم مبارك وسقط النظام، ثم على كل منهم أن يكون "الثائر الحق" فيهدأ ليبني الأمجاد!
الرواية الثانية هي التي كافحنا طويلًا للاحتفاظ بها، وهي عن الثورة القبيحة وشبابها غير الطاهر، عن الدم والنار والمولوتوف والرصاص والهتافات البذيئة والفوضى غير الخلاقة!
عن أهالي المناطق الشعبية الذين أحرقوا الأقسام، وسرقوا سلاحها، وأحرقوا المدرعات، ومارس بعضهم السرقة وتناول المخدرات، ثم هدأوا ليندمجوا في الإضرابات العمالية والفئوية.. نقول ذلك لا امتداحًا ولا ذمًا، ولكن تقريراً لحقائق.
الرواية الثالثة هي ما يراه قطاع من الإخوان، بأن الفضل كل الفضل في نجاح الثورة للإخوان وحدهم، ولولاهم وحدهم لتم إخلاء الميدان بكل سهولة في موقعة الجمل وانتهت الثورة تمامًا!
أما الرواية الرابعة البائسة فهي التي كانت تُردد على استحياء في البداية، ثم أصبحت تردد بعزف جماعي صاخب، حتى يكاد صوتها يتجاوز الرواية الأولى، وهي أن الثورة كانت مؤامرة كبرى، خطط لها عناصر حماس وحزب الله وأمريكا وإسرائيل وأوروبا، لتقسيم البلاد وهدم الدولة، وهؤلاء هم من اقتحم السجون، ثم تسلوا في أوقات فراغهم بإحراق الأقسام وقتل المتظاهرين - مع فرسان مالطا طبعًا - وهكذا فجأة أصبح الجميع خبراء في حروب الجيل الرابع، والطابور الخامس!
قضية وادي النطرون هي العامل الأهم في تأكيد هذه الرواية حاليًّا، ورغم احتواء القضية نفسها على شهادات موثقة من بعض أبناء النظام مثل اللواءين سالفي الذكر (علمًا بأن كليهما في شهادته أكد أيضًا إن حماس شاركت في مؤامرة لتهريب سجنائها، وأن أي كلام عن فتح الشرطة للسجون باطل تمامًا) فإن التوجه العام من وسائل الإعلام - مع وجود استثناءات - هو أن تهمل أو تجتزئ هذه الشهادات، ما دام كلامها لا يوافق الرواية المراد لها أن تسود.
(6)
"تبين للجنة أن رجال الشرطة أطلقوا أعيرة مطاطية وخرطوش وذخيرة حية، في مواجهة المتظاهرين، أو بالقنص من أسطح المباني المطلة على ميدان التحرير، خاصة من مبنى وزارة الداخلية، ومن فوق فندق النيل هيلتون، ومن فوق مبنى الجامعة الأمريكية، وقد دل على ذلك أقوال من سُئلوا في اللجنة ومن مطالعة التقارير الطبية..."
"وقد بدأ إطلاق الأعيرة النارية يوم 25/1/2011 في مدينة السويس، ثم تواصل إطلاق الأعيرة النارية والخرطوش فى سائر محافظات القطر سيما في القاهرة والجيزة والإسكندرية والإسماعيلية والدقهلية والقليوبية والغربية والشرقية والفيوم وبني سويف وأسيوط وأسوان وشمال سيناء.
كما تبين للجنة كذلك أن سيارات مصفحة للشرطة كانت تصدم المتظاهرين عمدا، فتقتل و تصيب أعداداً منهم"
من تقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر في أبريل 2011، علمًا بأن اللجنة شكلها شفيق في آخر أيام مبارك، ورأسها المستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق، ومن أعضائها المستشار محمد أمين المهدي، وزير العدالة الانتقالية حالياً.
(7)
لماذا قضية وادي النطرون؟
لماذا ليست قضايا قتل الثوار والمتظاهرين؟ لماذا ليست قضايا جيكا أو الجندي أو الشافعي أو مذبحة بورسعيد؟
لأنه حسب البلاغات المتهم الأول في هذه القضايا بجوار مرسي هو وزير الداخلية محمد إبراهيم، ومعه الضباط الفاعلون المباشرون بطبيعة الحال، وهو ما يتنافى مع الإرادة الحالية أن يظهر الإخوان كمجرمين وحيدين.
ولأنه إذا تم إقرار قاعدة محاكمة المسؤول السياسي عن الدماء التي وقعت في عهده، فإنه من باب أولى يجب محاكمة المشير طنطاوي وعنان لمسؤوليتهما السياسية عن دماء المرحلة الانتقالية، مجلس الوزراء وماسبيرو والعباسية ومحمد محمود..الخ، ومن بعدهم يتم محاكمة منصور والسيسي والببلاوي لمسؤوليتهم عن دماء عهدهم، وهو يقينًا أغزر من أي دماء سالت في أي عهد سابق.
عارضنا مرسي لأنه لم يكن ثوريًّا بما يكفي بالنسبة لنا، وعارضوه لأنه كان ثوريًّا أكثر من اللازم بالنسبة لهم. لا يستوون.
(8)
"ناقص يطلعوا يقولوا إن أفرادًا من حركة حماس وحزب الله هم الذين اقتحموا أقسام الشرطة والسجون وهم الذين قتلوا المتظاهرين بالمرة، وإن معلومات طلعت زكريا الذكية والثمينة هي التي تحرك الاتهامات تجاه الثوار والمتظاهرين والمعتصمين!
ساعتها لو ثبت ذلك سنطلب من المجلس العسكري إعادة حسني مبارك فورًا من شرم الشيخ ليحكمنا وبالمرة يجيب ابنه، ما دام الجنرالات يقولون نفس كلام الديكتاتور وأجهزته ويعتقدون في صحته وسلامته، يبقى بلاها ثورة...!"
إبراهيم عيسى – من مقال "الوطنية خط أحمر" – 26 يوليو 2011
(9)
مشكلة محاولة إعادة كتابة التاريخ في العصر الحالي أنه تاريخ قريب جدًّا، لم ينسه الناس، لم يمت شهوده، ونحن لم نعد في الستينيات، وما أدراك ما الستينيات، حيث لا صوت إلا إذاعة صوت العرب.دائمًا في هذا العصر، بعد هدوء فورة الهيستريا، يفيق الناس على فيديو قديم أو خبر قديم ينسف الأوهام الجديدة.
ومشكلة محاولة إعادة كتابة التاريخ في مصر تحديدًا هي "التجويد" و"الأفورة" بلا حدود، وبلا سقف، وبما يقلب السحر على الساحر الفاشل.المتهم الثاني في قضية وادي النطرون هو الفلسطيني حسام عبد الله إبراهيم الصايغ، والمتهم رقم 35 هو الفلسطيني حسن سلامة. حسام استشهد عام 2008 أثناء حرب إسرائيل على غزة، وحسن سلامة معتقل في إسرائيل منذ 1996، أي منذ 16 عامًا!
فضلاً عن أن المبالغة في الحديث عن عن قوات فلسطينية كثيفة احتلت الشريط الحدودي بطول 600 كيلومتر، وقامت بكل هذا التخريب والإختراق، بالتعاون مع الإخوان الخونة، ثم لا نعرف عن ذلك إلا الآن، يطرح أسئلة كثيرة عن جلوس عمر سليمان قائد المخابرات العامة مع مرسي - الهارب الخائن - أثناء الثورة، ثم تعاون طنطاوي مع قيادات الإخوان بعدها، ومن قبل ومن بعد كان المشير السيسي هو قائد المخابرات الحربية المسئول الأول عن تلك المعلومات! 
وعلى هامش القضية يستمر التجويد، بين من يتحدث عن فرسان مالطة، ومن يتحدث عن مؤامرة شفرات أبلة فاهيتا وإعلان بيبسي، وبين من ينشر "وثيقة" رهيبة تكشف قيادة أحمد الجعبري للقوة الحمساوية المهاجمة، رغم أنه قد اغتالته إسرائيل بدوره!
سُنة الحياة هي أن الهيستريا تأخذ وقتها ثم تهدأ، وسُنة الثورة في مصر هي أن الشعب قَلاب، والشعب ما زال يريد مطالب يصعب تحقيقها على أي جهة، وبعد حين - طال أو قَصُر - سيعود الشعب للهتاف بما يريد، وحينها سيعلو صوت الجوع والفقر والبطالة على صوت المعركة، ولن يبقى من يصدق هذه الأفورة إلا أمثال مدام إيمان عبد العزيز – حزب الكرامة الناصري – القليوبية!

21 يوليو 2015

محمد سيف الدولة يكتب: مجدى أحمد حسين

لو كتبنا قائمة بأسماء أكثر مائة شخصية مصرية تعادى المشروع الامريكى الصهيونى، فسيكون مجدى احمد حسين فى القلب منها.
فهو مناضل وطنى من الطراز الاول، وسليل عائلة وطنية عريقة، على رأسها المناضلَيّنِ والمفكرَيّنِ الراحليّنِ احمد حسين وعادل حسين.
يتهمه البعض بالتطرف، وهو كذلك بالفعل، ولكنه تطرف محمود و ايجابى، تطرف فى الوطنية والعداء للأمريكان والصهاينة، والانحياز الى المقاومة.
ولقد اعتبرته دائما الأقرب فى مواقفه المبدئية، فهو يرفض حتى النخاع الصلح مع العدو والتبعية للولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبر قضية الاستقلال الوطنى وإلغاء كامب ديفيد من أهم أولوياته. ولم يتوقف عن دعوة القوى الوطنية المصرية الى وضع هذه القضايا على راس أجنداتها السياسية.
ولذلك حين اراد مع رفاقه اختيار اسما جديدا لحزبهم الجديد بعد الثورة، فانهم اختاروا "الاستقلال" اسما وهدفا وبرنامجا لهذا الحزب.
وهو يتمتع باتساق هائل مع النفس قلما تجد له مثيلا لدى الكثيرين. لا يعرف الموائمات السياسية ولم يعترف أبدا بالخطوط الحمراء والخضراء.
وهو بالغ الجرأة والشجاعة فى اتخاذ المواقف الوطنية التى يؤمن بها، بصرف النظر عن العواقب القانونية والجنائية. وهو ما كبده اثمانا باهظة على امتداد حياته، كان آخرها قضاءه سنتين فى السجن، قبل الثورة، بسبب ادانته من محكمة عسكرية بتهمة الاجتياز غير الشرعى للحدود المصرية الفلسطينية. وهى الزيارة التى اصر على القيام بها تضامنا مع الشعب الفلسطينى ضد العدوان الصهيونى عام 2009، رغم تحذير رفاقه وأصدقائه من خطورتها.
***
ينتمى "حسين"الى مدرسة فكرية متميزة، تتبنى خطابا "قوميا اسلاميا تقدميا"، فتؤمن بالهويتين العربية والاسلامية معا، وترفض افتعال التناقض بينهما والصراع بين انصارهما. فتؤمن بالانتماء الى امة عربية واحدة مكتملة التكوين تجمعها الارض واللغة والتاريخ. وكذلك بالانتماء الى امة اسلامية واحدة يجمعها الدين والعقيدة. وهى ايضا مدرسة تقدمية انحازت الى الفقراء ضد احتكار قلة طبقية لثروات البلاد، وضد النظام الرأسمالي والاقتصاد الحر و روشتات صندوق النقد الدولى وما يرتبط بهم من استغلال وفساد. وهو ما ظهر بوضوح فى كتابات عادل حسين وعلى الأخص فى كتابه المرجع "الاقتصاد المصرى من الاستقلال الى التبعية"، وكذلك فى العديد من كتابات مجدى حسين. وهى مواقف نابعة من انفتاح كل منهما على الفكر الاشتراكى بانحيازاته الاجتماعية وبدائله الاقتصادية، فى سنوات حياتهما الاولى.
تبنى حزب العمل هذا التوجه منذ الثمانينات، وأكد من خلاله على مفهوم الاسلام الحضارى، او الهوية الحضارية الاسلامية التى تجمع كل المواطنين العرب من مسلمين و مسيحيين، انطلاقا من أن كل امة فى العالم لها خصائص حضارية مميزة وليست ممتازة. مثل الهوية الحضارية المسيحية فى أوروبا، والكونفوشيوسية فى الصين، والهندوسية فى الهند وهكذا.
وانطلاقا من هذه الرؤية، دعا الحزب الى توحيد التيارين القومى والاسلامى، او على اضعف الايمان الى تضييق المسافات الفكرية وتذويب الاختلافات السياسية بينهما، وخلق ارضية مشتركة للعمل الوطنى والقومى مطعمة بأفكار العدالة الاجتماعية. ولقد تناغمت هذه الجهود مع دعوات مماثلة ومتزامنة انتشرت على امتداد العالم العربى، وأسفرت عن تأسيس المؤتمر القومى الاسلامى، المنبثق عن المؤتمر القومى العربى.
لينضم الحزب بذلك الى كتلة القوى السياسية العربية المؤمنة والداعية الى وحدة تيارات الامة، فى مواجهة المشروع الامريكى الصهيونى فى المنطقة.
ولقد استطاعت هذه المدرسة ان تجمع تحت مظلتها فى سنواتها الأولى شخصيات وطنية متنوعة سواء من المسلمين أو المسيحيين.
ولقد رفع رايتها مع عادل حسين وبعده، مجدى حسين ورفاقه، الذين حرصوا دائما على التأكيد على هذه الهوية الحضارية الجامعة، وترجموا ذلك فى السعى الى التواصل مع عديد من التيارات السياسية الوطنية، لا فرق فى ذلك بين اسلاميين وغير اسلاميين.
***
ولقد فعلوا ذلك بدون ان يفقدوا استقلاليتهم الفكرية والسياسية والحزبية. فلقد احتفظ "حسين" دائما بمسافة مع الآخرين يعبر فيها بوضوح وشفافية وبلا مجاملة عن نقاط الاتفاق والاختلاف معهم. ومن ذلك انتقاداته لبعض الفصائل الاسلامية وغير الاسلامية على مواقفها المائعة من اتفاقيات كامب ديفيد.

ولقد وقفت السلطة فى مصر منذ زمن بعيد ضد اى تقارب بين القوى السياسية من التيارات المختلفة. وتآمرت على الدوام من أجل تفريقها وبث الخلافات بينها، وضرب كل المحاولات والتجارب الجبهوية فى صفوفها. وتطبيقا لذلك قامت بحظر هذه المدرسة السياسية ووضعتها فى القائمة السوداء، وضيقت عليها وحظرت أنشطتها منذ ايام عادل حسين. فقامت بتجميد حزب العمل وإغلاق مقراته ومطاردة اعضاءه، وإلغاء ترخيص جريدة الشعب.
***
وكانت جريدة الشعب ولا تزال تحت رئاسة مجدى حسين منبرا وطنيا معارضا جذريا لا سقف له فى مواجهة نظامى مبارك القديم والجديد
وخاضت معارك وطنية شجاعة على امتداد عمرها الطويل، عرضت مجدى حسين وزملائه عدة مرات الى التحقيقات والمحاكمات التى ادت بعضها الى الاعتقال والإدانة والسجن، مثل المعركة ضد التطبيع الزراعى مع (اسرائيل) الذى قاده يوسف والى وزير زراعة مبارك الأشهر وأمين الحزب الوطنى حينذاك. وكذلك المعركة مع حسن الالفى وزير الداخلية الأسبق.
***
وكان مجدى حسين من أوائل الذين تصدوا لمبارك ونظامه منذ البداية، سواء بمبادرات فردية او بالمشاركة مع القوى السياسية المناهضة للتوريث والتجديد. فكان من مؤسسى حركة كفاية، ومن أنشط المشاركين فى كل وقفات و تظاهرات المعارضة التى خرجت ضد مبارك فى السنوات السابقة على الثورة. بل لقد انفرد هو ورفاقه فى الحزب بالحرص على توعية الناس وتعبئتها ضد مبارك وأمريكا وإسرائيل فى صلاة الجمعة بمساجد الازهر وعمرو بن العاص.
وحين قامت ثورة يناير، كان مجدى احمد حسين لا يزال فى السجن، يقضى ساعاته الاخيرة فى الحكم العسكرى القاضى بسجنه سنتين على زيارته لغزة عبر الأنفاق كما تقدم.
ليخرج يوم 29 يناير 2011 بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف تنفيذ القرار الصادر من وزير الداخلية ورئيس مصلحة السجون بالامتناع عن الإفراج الشرطى عنه بعد أن قضى ثلاثة أرباع المدة.
وخرج مجدى من السجن الى ميدان التحرير مباشرة، ليلتحم بملايين الثوار هناك، وليلقى الترحيب والاحتفاء من الجميع الذين اعتبروا وجوده بينهم هى بشرة خيرعلى قرب سقوط مبارك.
***
وفى اول يوليو 2014 عاد مجدى احمد حسين الى السجن مرة أخرى، ليتم تجديد حبسه باستمرار على ذمة التحقيقات. وانهمرت الدعاوى القضائية الموجهة من السلطة للمطالبة بحل حزب الاستقلال وحظر أنشطته. والتهمة هذه المرة هى نشر الأكاذيب والتحريض على العنف على نحو يؤدي إلى تكدير السلم العام !
***
كم لنا من اخ وصديق وابن وابنة من امثال مجدى حسين فى السجن، نفتقد وجودهم وأدوارهم بيننا؟
الحرية له ولرفيق كفاحه الدكتور مجدى قرقر، ولآلاف المعتقلين المظلومين.
****

20 يوليو 2015

اللغة العربية .. تغزو مفردات كل لغات العالم

نتيجة الفتوحات الإسلامية الواسعة، استطاعت اللغة العربية فرض نفسها بقوة على العديد من اللغات التي كان يستخدمها سكان المناطق المفتوحة.
ليس هذا فحسب، ولكن حركة التجارة الواسعة التي تميز بها المسلمون في مناطق عديدة من أوروبا وآسيا وأفريقيا سهلت من وصول اللغة العربية إلى سكان مناطق لم يصلها الفتح الإسلامي لكن سكانها دخلوا في دين الإسلام.
من الهند إلى إسبانيا مرورًا بكردستان وتركيا وإيران وغيرها، كثير من سكان هذه المناطق وغيرها اقتبسوا العديد من الكلمات العربية لتصبح جزءًا لا يتجزأ من لغتهم حتى يومنا هذا.
هل تعلم أنه في آسيا فقط يوجد حوالي 25 لغة يتم كتابتها بحروف عربية.

الإنجليزية
الأستاذ تيلور قال في بحثه “الكلمات العربية في اللغة الإنجليزية” إن هناك أكثر من 1000 كلمة عربية في الطب والكيمياء والفلك قد دخلت إلى اللغة الإنجليزية.
من بين أبرز الكلمات الإنجليزية المستعارة من العربية: التعريفة الجمركية (tarrif)، خرشوف (artichoke)، كحول (alcohol)، طائر الرخ (roc)، كلمة (guess) وأصلها من الفعل جس العربي، كلمة (house) المأخوذة من الكلمة العربية حوش، كلمة (down) مأخوذة من الكلمة العربية دون، سكر (sugar)، قطن (cotton).

الفرنسية
أوضح المستشرق لامانس في كتابه “ملاحظات على الألفاظ الفرنسية المشتقة من العربية” أن هناك أكثر من 700 كلمة عربية دخلت للغة الفرنسية
دخول هذه الكلمات جاء من خلال التجارة.
من بين الكلمات الفرنسية المشتقة من كلمات عربية: الحصان (alezan)، مسكين (mesquin)، الغارة (algarade)، شربة (sorbet)، خوارزمي (algorithme).

الإسبانية
ذكر المستشرقان أنجلمان ودوزي في كتابهما “معجم المفردات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من اللغة العربية” أن الكلمات العربية الموجود في اللغة الإسبانية تعادل ربع كلمات اللغة الإسبانية.
السبب الأساسي وراء هذا يرجع إلى الحقبة الأندلسية للمسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية بين عامي 711- 1492م.
من أبرز الكلمات الإسباني ذات الأصول العربية: الزيت (aceite)، قيادة (acauddillar)، الزيتون (aceituna)، الصبار (acibar)، الدليل (adalid)، الطوب (adobe)، البرص (albarazo)، شراب (jarabe).

البرتغالية
ذكر المستشرقان أنجلمان ودوزي في كتابهما “معجم المفردات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من اللغة العربية” أن الكلمات العربية الموجود في اللغة البرتغالية تصل إلى 3000 كلمة عربية.
من بين الكلمات العربية التي اقتبستها اللغة البرتغالية: القفة (alcofa)، الضيعة (aldeia)، الفقيه (alfaqui).

الكتالونية
أثرت اللغة العربية على اللغة الكتالونية في مناطق فالنسيا وما حولها.
نتيجة للوجود العربي في هذه المناطق لفترات طويلة فقد تسللت المئات من الكلمات العربية إلى اللغة الكتالونية.
بعض الأمثلة لهذه الكلمات: قناة ري (sequia)، ناعورة (noria)، دور علوي (algorfa)، الأنشوجة (aladroc)، الباذنجان (alberginia)، الترمس (tramus).

التركية
أخذت اللغة التركية الكثير والكثير من اللغة العربية ومن اللغة الفارسية المتأثرة بالعربية.
حتى وقت قريب كانت اللغة التركية تكتب باستخدام الحروف العربية.
بلغ عدد المفردات العربية في اللغة التركية ما يقارب 6436 كلمة.
من بين هذه الكلمات: قلم (kalelm)، ساعة (saat)، ساحل (sahil)، مثال (missal)، فن (fen).

الفارسية
هي إحدى أكثر لغات العالم تأثرًا واقتباسًا من اللغة العربية. يكاد يظهر القاموس العربي بكامله في قاموس اللغة الفارسية.
الفارسية هي إحدى اللغات التي تكتب بالحروف العربية.
من أبرز الكلمات الفارسية المشتقة من العربية: وقتما (وقتي)، أعجوبة (أعجوبة)، عطلة (تعطيل)، عادة (عادت)، لقاء (ملاقات)، فعل (فعل).
الأوردو
هي إحدى أكثر اللغات الإسلامية نشأة وواحدة من أهم اللغات الإسلامية بعد العربية والفارسية والتركية.
ترتبط هذه اللغة بالمسلمين في منطقة هندستان.
هي اللغة الوطنية لدولة باكستان كما أنها اللغة الرسمية في 6 ولايات هندية.
تكتب بالحروف العربية، وهناك أكثر من 7500 كلمة لها أصول عربية في اللغة الأوردية.
من بين هذه الكلمات: سؤال (sawaal)، جواب (jawaab)، الدنيا (dunya)، صراط (sirat)، لكن (laakin).

الهندية
هي اللغة الأولى المعترف بها في دولة الهند بين أكثر من 18 لغة مختلفة.
اللغة الهندية مشابهة كثيرًا للغة الأوردية، لكن الأوردية تكتب بحروف عربية بينما الهندية تكتب بحروف سنسكريتية مع بعض الإضافات.
من بين الكلمات الهندية ذات الأصول العربية: أدب (अदब)، عين (ऐना )، عالم (आलम ).

الصقلية
يوجد في اللغة الصقلية حوالي 500 كلمة لها أصول عربية وذلك نتيجة وقوع صقلية تحت الحكم الإسلامي لفترة من الزمن.
من بين أبرز الكلمات: برطمان (burnia)، زبيب (zibbibu)، زعفران (zaffarana).

الألبانية
أخذت الألبانية مفردات عديدة من اللغة العربية مثل: دقيقة (dekika)، فلان (filan)، حمام (hamam)، عذاب (gazep).

الرومانية
هناك الآلاف من اللغات العربية التي دخلت إلى اللغة الرومانية.
من بين الكلمات العربية التي اقتبستها الرومانية: عباءة (aba)، عادة (adet).

البلغارية
بها العديد من الكلمات العربية مثل: بقال (bakalin)، بارود (barout)، سروال (chalvari)، إبريق (ibrik),

اليونانية
رغم قدم اللغة اليونانية إلا أنها اقتبست الكثير والكثير من الكلمات العربية في وقت لاحق.
من بين هذه الكلمات: بلاء (belas)، إبريق (brik)، دف (defi)، دنيا (Dounias)، خبز (khabazi).

الأمازيغية
هي إحدى اللغات القديمة ولا تزال حية حتى يومنا هذا والتي يتحدث بها الأمازيغ من سكان الشمال الإفريقي.
تتشابه اللغة العربية والأمازيغية في العديد من القواعد.
من بين الكلمات الأمازيغية ذات الأصول العربية: أدلف (أداف)، الريفية (تاريفيت)، الثريا (itri).

الكردية
هي اللغة الخاصة بالأكراد الذين يسكنون مناطق في غرب آسيا. يتحدث بها من 20- 30 مليون شخص حول العالم.
هناك العديد من الكلمات الكردية التي لها أصل عربي مثل كلمة برتقالي ولها نفس الشكل في اللغتين.

الفنلندية
اقتبست المئات من الكلمات العربية مثل: كيمياء (kemia)، سلطان (sultani)، قهوة (kahwi).

الجاوية
وهي اللغة التي يتحدث بها شرق ووسط جزيرة جاوه الإندونيسية.
تحوي بعض المفردات العربية مثل: فكر (piker)، بدن (badan).

السندية
يتم التحدث بها في الإقليم الشمالي من ولاية بومباي الهندية.
بها العديد من الكلمات ذات الأصل العربي مثل: سكر (سكهر).

السواحليةهي لغة سواحل أفريقيا الشرقية.
حوالي 65% من اللغة السواحيلية هي كلمات عربية الأصل.
حوالي 90% من الصفات المستخدمة في السواحيلية هي كلمات عربية مما يوضح أن الكلمات العربية هي الأكثر ملائمة للتعبير عن الصفات في السواحلية.
من أبرز الكلمات السواحلية ذات الأصول العربية: سمك (سماكي)، كتاب (كتابو)، قلم (كلامو)، ألف (ألفو).

الليتوانية
هناك العديد من الكلمات العربية التي اقتبستها اللغة الليتوانية مثل: أمير (admirolas)، قهوة (kava)، الجبر (algebra)، وزير (viziris).

الملايو
هناك حوالي 3300 كلمة عربية دخلت إلى لغة الملايو التي يستخدمها اتحاد ماليزيا وبروناي وسنغافورة وإندونيسيا وجنوب تايلاند المسلم.
من بين هذه الكلمات: الأبجدية (abjad)، يوم الأحد (ahad)، عسكري (askar)، بقية (baki).

الإندونيسية
كونها إحدى اللغات المشتقة من لغة الملايو فهي أيضًا تحوي العديد من المصطلحات ذات الأصل العربي.
بعض هذه الكلمات: خبر (kabar)، ترتيب (tartib)، كتاب (kitab).

المالطية
اللغة المالطية هي لغة مشتقة من اللغة العربية وخصوصًا اللهجتان الليبية والتونسية.
تأثرت مالطا أيضًا باللغات الإنجليزية والإيطالية.
من بين الكلمات ذات الأصول العربية: قشطة (qassata)، ساقية (saqqajja)، زهرة (Zahar).

لغات أخرى تكتب بحروف عربيةآسيا
الأذربيجانية، الأفغانية، والهندستانية (في الهند الشمالية)، البالوتشية (جنوب أفغانستان)، الداخينية (لغة المسلمين في الهند الغربية والجنوبية)، الكشميرية والكورانية (في كشمير)، البنجابية والملتانية (في البنجاب)، التاميلية (جنوب الهند وجزيرة سيلان)، الأُزبكية (في تركستان)، الكرغيزية (في تركستان الصينية وآسيا الروسية وسيبيريا الغربية)، المليالامية (في الهند الجنوبية الغربية)، الجاكاتائية (في تركمنستان الروسية)، الكشغرية (في تركستان الصينية)، السندانية (في جاوة الغربية)، المالائية (في عدة مناطق من ماليزيا)، السولوئية (في جزر سولو التابعة للجزر الفيليبنية).

أفريقيا
البمبارية (السودان الفرنسي)، الفولية (في غينيا الفرنسية)، الهوسائية (في نيجيريا)، الفياديجية (في حوض النيل).

بلال فضل يكتب: طبيب الفاشيست


لماذا لا يبدو مسؤولو أجهزة الدولة المصرية مؤمنين بقدرات عبد الفتاح السيسي الخارقة، مثلما يؤمن بها، هو وسائر الذين اتبعوه ونصروه في ساعة التفويض؟
تدرك ذلك، حين يدعو شيخ منفعل على الظالمين والقتلة، فيمنعه مسؤولو "الأوقاف" من إمامة المصلين، ثم يمنعه مسؤولو "الداخلية" من السفر، من دون أن يدركوا أنهم يلفتون أنظار العالم بأسره، إلى أنك يمكن، في مصر، أن تدعو في سرك فقط، على أي قاتل أو ظالم. أما إذا دعوت بذلك جهرا، فأنت تقصد قطعا رئيس الجمهورية الذي يعرف الكل، بمن فيهم رجاله المخلصون، أنه قاتل وظالم. حينها يتجاوز الأمر، كون أولئك المسؤولين أغبياء، فالغباء في مصر ذنب مغفور، إن اقترن بالولاء الأعمى، وما ينبغي أن يغضب السيسي، ليس قرارات مرؤوسيه الغبية، بل عدم إيمانهم بقدراته وخوارقه، فلو أنهم آمنوا به وعرفوا كنه خوارقه، لاتبعوه حق اتباعه، ولتركوا أي شيخ كان، يصعد أعلى مئذنة في مصر، ليدعو على السيسي باسمه واسم والديه، إن أراد، ليرى أهل المحروسة حينها كيف ترتد تلك الدعوات في نحر داعيها، ويلاً وثبوراً وخيبة بالويبة.
بل دعني أقل لك إن مسؤولي الأوقاف والداخلية، لو تركوا الأمر للسيسي ذات نفسه، لألفوه يذهب بمفرده، إلى جامع عمرو بن العاص، ليمسك بذقن شيخه الداعي محمد جبريل، ويصعد به إلى أعلى مآذن المسجد، ثم يرفع ذقنه إلى السماء، ويهتف فيه: "إدعي يا جبريل.. إدعي يا سيدي.. إدعي وهات آخرك في الدعاء.. إدعي وفرج الناس على خيبتك يا جبريل الأرض.. عشان جبريل السماء يعرفك مقامك"، ولما كان السيسي، إن فعل ذلك مبالغا في ثقته، ولا مغاليا في يقينه، فهو يعرف جيداً، كما يبدو جليا من خطاباته، أن عدالة السماء لم تتنزل على الأرض، فيما يخص (المسألة المصرية)، إلا مرتين: الأولى حين استنزلها (الكابتنان) محمود بكر ومجدي عبد الغني على إستاد باليرمو الدولي عام 1990، والمرة الثانية حين هتف هاتف الأوميجا به في منامه: "يا عبد الفتاح: لك ملك مصر، وهذه أنهار الدم تجري من تحتك، فخذها بقوة، ولا تخف من داعٍ أو ناعق، وقل للناس إن قادة العالم وفلاسفته، يأخذون رأيك في سائر شأنهم، فمن كان السلاح معه، صدق الناس أن الله معه، وإن كذّب ذلك كل ما حولهم، فالرهبوت خيرٌ من الرحموت، ومن امتلك طرف سلك الكهرباء العاري، كان أقدر على إقناع العقول من موسوعات الفلسفة، بل وصار للفلاسفة طبيبا، حتى وإن كانت فيه كل العِبَر".
لكن، يبقى السؤال: لماذا لا يؤمن مسؤولو دولة السيسي بقدرات قائدهم، كما يؤمن بها الملايين من أبناء شعبه، على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، دعك مما يقوله هؤلاء المسؤولون في وسائل الإعلام، حين يتغنون بعبقرية السيسي وقدراته الخارقة، فلم يكن سيكون أداؤهم على الأرض كما ترى، لو كانوا يؤمنون حقا، بما يؤمن به أنصار السيسي، الذين يوقنون أنه الأسد الكاسر الذي أنقذ مصر من الضياع والضباع، وقهر أميركا بجلالة أسطولها السادس، ورمى قائده في غيابة الجُبّ، وروّض مستشارة ألمانيا، أنجيلا ميركل، التي دوّخت قادة العالم، فدوخها هو بنظراته الملغزة، وجعل قادة العالم وفلاسفته يدمنون خاصية "الويتينج"، وهم ينتظرون رده عليهم، ليستشيروه فيما غمُض عليهم من شؤون الدنيا، التي أوتي الكثير من علمها الّلدُنيّ، فكيف لمن نال هذا الفيض من الكرامات والانتصارات، أن يخيفه دعاء شيخ طائش، أو تهز جبل دولته هتافات شراذم تكفر به؟
لو أدرك رجال السيسي كرامات قائدهم حق إدراكها، لما امتدت أياديهم بالقتل والأذى والبطش، إلى كل من يراه عاريا، عن كل الأوهام التي يسبغها عليه أنصاره، ولأسلموا أمر تلك الشرذمة القليلة لبطش السماء، التي منحت مقاليد أرض مصر للسيسي، إلا إذا كان مسؤولو دولة السيسي، بحكم قربهم من بواطن الأمور ومكامن المصالح، يعرفون أن قائدهم مثلا يكذب في كل ما يدعيه من قدرات ومهارات، وأنهم من أجل بقاء مصالحهم، التي تحميها طريقته العتيقة في الحكم، محتاجون لحمايته بالحديد والنار اللذين لا يملك غيرهما، من دون أن يفرقوا، في البطش الأخرق، بين فتاة عشرينية وقفت دقائق في مظاهرة، أو شيخ فك عن نفسه بدعوتين، أو شاب كان لديه أمل أن يعود بعد صلاة العيد ليمنح العيدية أو ينالها.
لو آمن رجال السيسي بكراماته وفتوحاته، لتوقفوا عن خنقه بالحراسات اللصيقة، وخلّوا بينه وبين من لم يؤمنوا به، ليريهم عجائب قدرته، التي تليق ببلد يعتقد سائر أهلها، أن الله خلق بلاد الدنيا، لكنه تعهد بحراسة بلادهم، دونا عن كل بلاد الدنيا