10 ديسمبر 2014

الشعب تنشر فضيحة مدوية وبالمستندات لرئيس نادى قضاة السويس

نشر موقع الشعب الاليكترونى التابع لحزب الاستقلال ما قال انها فضيحة مدوية لاحد كبار القضاة بالمستندات والصور حيث تزوير وتعدد أزواج واختلاط أنساب.وغيرها.. وجاء في التقرير:
فى فضيحة قضائية جديدة لقضاة الانقلاب بطلها المستشار جمال مصطفى عبده وهو رئيس نادى قضاة السويس وشغل أعلى منصات القضاء وحكم على صحفيين الجزيره فى خلية المريوط وحكم على الدكتور باسم عوده وغيره الكثير من ابناء الوطن طول مشواره القضائى ومعه المحامى /محسن جلال حسين عبده ابن عمه رفقيق دربه وصديق عمره ومحسن جلال هو محامى السيد السويركى صاحب محلات التوحيد والنور فى قضيته الشهيره تعدد الزوجات, ومأذون مشهور بقضايا تعدد الازواج عبدالرازق البيه ماذون اللمفور مصر القديمه والمنيل.
المستشار (جمال مصطفي عبدة) وشهرته (جمال موافي) ومع المحامي الشهير (محسن جلال حسين) وعنوانه 23 شارع شريف وسط البلد وأخته (مرفت جلال حسين) حيث تزوجت (مرفت جلال حسين عبده )من المستشار جمال مصطفى عبده في تاريخ 15\4\1993 بشهاده اخوها (محسن جلال عبده ) وبشهاده اخو المستشار جمال مصطفي عبده – ويدعى سعيد مصطفى عبده_وطبعآ بدون علم زوجه المستشار الأولى لكونها في السويس وهو يعمل في القاهرة لكونها زوجة متعة او كصفقة بين المحامي والمستشار وكانت مطلقة مستشار (احمد عبد الرحمن احمد) المقيم بالسويس ومعها منه ولد.
ولكن عندما جاء المستشار جمال مصطفى يطلق زوجته مرفت – طلقها عند الشيخ عبد الرازق البيه بشهادة اخوها محسن المحامي وزوج اختها عصام علي انها انسه – مع ان هذا الزوج رقم 5 بالنسبه لمرفت وان ثبت في قسيمة الطلاق انها انسه وما جاء بعد ذلك كان اعظم
طلقت (مرفت جلال) من المستشار(جمال موافي) في تاريخ31\7\1993 علي يد الشيخ عبد الرازق
وجائت في تاريخ 20\9\1993 للزواج من المدعوا (محمد عاشور محمد) علي يد الشيخ عبد الرازق واثبت المأذون المذكور بشهادة اخوها المحامي وزوج اختها عصام – شهود الطلاق السابق بأنها البكر الرشيد – التي لم يسبق العقد عليها من قبل وهي في فترة عدتها الشرعيه اي بعد خمسون يومآ قبل انتهاء فترة العده الشرعيه
اذن هل من المعقول ان قاضي ومحامى يعلمون القانون والشرع ورجل الدين عالم الأذهر يقوموا بفعل هذه الاشياء
ولكن السر انها كانت حامل من القاضى ومن اجل تجنب فضيحه امر القاضى وحفاظا على منصبه تم التزوير بهذه الواقعه وبالفعل انجبت بنت وسجلت باسم محمد عاشور
ولكن محمد عاشور كان ضحية خطأ القاضى هو وابنته شروق محمد عاشور ابنته من زوجه اخرى غيرمرفت
وبنفس الاسلوب ونفس الطريق ورطو محمد عاشور وابنته فى نفس الجريمه حتى لا يفضح امرهم.
حيث قام الدكتور: اسامة عز الدين ابراهيم عبد الله – مدير عام مستشفي التامين الصحي باحمد عرابي بالمهندسين باستخراج شهادة ميلاد للسيدة : (شروق محمد عاشور)- وقام بأستخراج بطاقة شخصية لها علي ضوء شهادة الميلاد المزورة علي عنوانة وقام بالزواج بها علي يد مأذون وثبت عكس الحقيقة انها بكر رشيد ولكن كان يعلم انها علي ذمة السيد (فرج الله فوزي حسين الرشيدي) – المقيم بالسويس- بالاربيعن كفر احمد عبده الجديد 151 شارع محمد نجيب- من عام 1994 وضرب بالشرع و القانون عرض الحائط ونسيا ان الله سبحانه وتعالي يمهل ولا يهمل – وقد تحصلت علي المستندات التي تثبت ان الدكتور (اسامة عز الدين) قام بالتزوير وتعدد الازواج مع السيدة (شروق محمد عاشور) ولم يخاف الله سبحانة وتعالي ولم علم بأنني ( لم يذكر اسم الشخص ) حصلت علي المستندات قام بتهديدي واستغلال سلطته ونفوذه هو و الاخرون في ايذائي والله علي ما اقوله شهيد
مرفق صور المستندات التي تدين الدكتور المحترم وتكشف عيشته النكراء مع زوجة تحالفت مع الشيطان وجمعت بين زوجين بعلم الدكتور اسامه عز الدين
تاريخ الزواج الاول من : فرج الله فوزي حسين في الرابع من شهر يونيه سنة 1994 علي يد ماذون (السويس) بالاربعين الشيخ \ يحي ابو المجد فتوح .
وقامت بالزواج الثانى من الدكتور : اسامة عز الدين ابراهيم في الثامن والعشرون من شهر نوفمبر سنة 1998 علي يد ماذون سوق السلاح (القاهرة) الشيخ \ حسن حسين حسن
تارخ الطلاق من الاستاذ : فرج الله فوزي حسين في الخامس والعشرون من شهر اكتوبر سنة 1999 وتم الطلاق علي يد الشيخ \ احمد عبد الشكور – مأذون الجناين بالسويس
واصبح الموضوع عباره عن مستندات امام مستندات وهم اهل القانون والسلطه لو محمد عاشور اتكلم هيتحبس هوا وبنته وجوز بنته وده شغل الكل يعلم شغل مين
ومرفت تزوجتها انا عام 2003 بعد طلقها من محمد عاشور محمد وانجبت منها ولد وبنت وهى الان هاربه بعد تحليل DNA
اثبت استحالة نسب البنت لى وهناك قضيا تنظر امام القضاء من عام 2007 وحتى الان تؤجل وما ادراك من القضاء وما لقيته منهم
يوم حصولى على المستندات قامو بمحاولة قتلى فى مكتبى فى المعادى ويوم ما تقدمت بشكوا وحررت محضر بالمستندات فى كفرالشيخ يوم 23فبراير 2011اعترضت طريقى سياره بوكس فى العجوزين واطلقت على النار من بندقيه الى واصيب طفل بطلق نارى واتهمت فيه القاضى فى محضر رسمى فى دسوق ولم تقدمت ببلاغ للمستشار صلاح سعد فى التفتيش القضائى بمجرد انا قرأ اسمى قلى انتا سعد الدين الشاذلى قلتله ايوه قالى انتا قريب بتاع الثغره قلتله يا سيدى التاريخ يورث لا يكتب ولا يدرس وانا فخور بانى من عائلة الفريق رحمة الله عليه وتعنت معى ولم يحرك ساكننا وظل يتهرب منى لمدة عام
ولكن اصبح زواجى من مرفت باطل لكونها جمعت بين المستشار جمال مصطفى عبده ومحمد عاشور محمد لزواجها فى فترة العده ومن بنى على باطل فهو باطل 
ملحوظة: نقلا عن صفحة هيثم أبو خليل و علي مسئوليته الشخصية و الذي أشار منوها في بداية الخبر الذي نشر علي صفحته ” والكلام بالمستندات هذه المرة وبأبطال الواقعة أنفسهم وهناك شهود مستعدين يدلوا بشهاداتهم قضائياً وإعلامياً ..من أرسل لي هذا الملف المرعب هو أحد أقارب الفريق سعد الدين الشاذلي وإسمه سعدالدين عبدالله عبدالقادر الشاذلى “
كل ما ورد في هذا الخبر يتحمل مسئوليته من قام بارسال هذه المستندات للأستاذ هيثم أبو خليل الذي قام بنشرها !

"قناة الشرق" : 974 مليار جنيه ..ميزانيات اعتمدها السيسي في يوم واحد



في ظل غياب البرلمان ..وبعيداً عن مساءلة الأجهزة الرقابية ..اعتمد قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي ميزانية 30هيئة اقتصادية، مجمل موازناتها يفوق 974مليار جنيه مصري مايعادل 120مليار دولار تقريباً..
و فضح برنامج "صباح الشرق" الذى تبثه قناة الشرق تجاوزات رهيبة في الميزانية التي اعتمدها السيسي مؤخراً ، و التي تضمنت أرقاماً خيالية لمؤسسات أغلبها ليس لها دور ملموس .. كما كشف البرنامج أجوراً فلكية للعاملين بهذه الهيئات التي ليس لأغلبها دور ملموس في حياة المواطن مثل الهيئة العامة لتنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة التي زادت ميزانيتها عن 5مليارات و21مليون جنيه مصري ، رغم عدم وجود محطات للطاقة الجديدة والمتجددة في مصر سوى محطة وحيدة في صعيد مصر تم افتتاحها منذ اسابيع .. كما وقع قائد الانقلاب على أرقام وصفها خبراء اقتصاديون بالخيالية لهيئات يقتصر دورها على تلقي الشكاوى من المواطنين، مثل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الذي فاقت ميزانيته 4مليارات و691مليون جنيه، وبلغ مجمل الأجور ملياراً و250مليوناً بعد قرار السيسى باضافة 691مليون جنيه الى الميزانية التى أعتمدت قبل شهور.
أبرز الأرقام التي اعتمدها السيسي وراجعها اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية والدستورية ميزانية الهيئة العامة للبترول التي فاقت 490ملياراً664مليون جنيه مصري.. وتلتها الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي التي تخطت ميزانيتها 298 ملياراً و521 مليون جنيه بزيادة بلغت 9مليارات و819 ألف جنيه مصري....فيما فاقت ميزانية الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات 54مليار جنيه .. كما زادت ميزانية مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون عن 10مليارات جنيه مصري .
كما بلغت ميزانية هيئة قناة السويس 39ملياراً و339مليوناً و751ألف جنيه وبلغت الأجور والمكافآت 2مليار و99مليوناً و124ألف جنيه .

09 ديسمبر 2014

صحف اسرائيلية تنقل صورة عن الفيس بوك: "السيسي قاعد جنبي على القهوة"

تداول مصريون على موقع فيس بوك، صورة لشخص ملامحه تشبه ملامح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث ظهر هذا الشخص في أحد مقاهي مصر الكثيرة في القاهرة، وقد كتب صاحب الصورة الأصلية فوق الصورة "عبد الفتاح السيسي قاعد جنبي على القهوة" لتحوز الصورة إعجاب آلاف رواد الموقع الاجتماعي.
وحسب التعليقات التي رصدناها على الصورة، يبدو أن البعض ارتبك إزاء تلك الصورة، أهي للرئيس الفعلي، وهو " يتفقد أحوال الرعية" أم هو مجرد شبيه له.
وذكرت مواقع مصرية أن تلك الصورة ليست الأولى من نوعها لشخص يشبه السيسي، حيث انتشرت من قبل صورة المواطن "حاتم حمدي" الذي يشبه الرئيس المصري إلى حد كبير، وقبل ذلك ظهر شبيه للرئيس الراحل السادات في طنطا بمحافظة الفربية داخل أحد أماكن الاقتراع.
كما تداول من قبل أيضًا عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صورا لشبيهي الرئيس الأسبق محمد مرسي وعدلي منصور.

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب : اليافطة

((إتصور ماسك بيضة أو بتبوس بقرة))
((وإزرع شجرة تطلع فى الكاميرا وبعد ما تمشى تموت))
بهذه الأبيات من قصيدة "المد والجزر"سخر عبد الرحمن الأبنودى منذ 33 عاما، من نظرة السلطة وفلسفتها تجاه الشعب، وكيف تضللهم وتستخف بعقولهم، بلا أدنى خجل او حياء أو مواربة او حتى إتقان وإجادة لفنون التضليل وغسل الأدمغة.
انها فلسفة لا تهم فيها الحقيقة أو العدالة، ولا القانون والحقوق والحريات، ولا الإنحيازات الشعبية والطبقية، ولا البرامج والمواقف السياسية، ولا الثورة والثوار، ولا الشهداء والقصاص، ولا القيم الأخلاقية أو الثوابت الوطنية أو العدالة الاجتماعية او المبادئ الديمقراطية، ولا طبيعة التحالفات الإستراتيجية، أو عمق علاقات التبعية، أو حميمية العلاقات المصرية الاسرائيلية. ولا يهم استقلال القضاء أو فصل السلطات أو نزاهة الانتخابات أو ضمانات تداول السلطة أو المشاركة العادلة فى الثروة. ولا تهم بالطبع حرية الراى أو الاعلام ...الخ. ولكن المهم هو شكل السلطة وصورتها أمام الرأى العام .
فهى تتصرف وفق قاعدة ((افعل ما تشاء ولكن قل للناس ما يريدون، وإرفع لهم ما يحبون من مانشيتات وشعارات ويافطات))
فيافطة صغيرة تخفى بلاوى كثيرة؛
تستطيع بيافطة واحدة أن تحول وحدة عسكرية الى سجن تابع للداخلية وبأثر رجعى أيضا.
أو أن تفرج عن قتلة آلاف المتظاهرين بيافطة "الإجراءات"
وأن تقتل من تشاء تحت يافطة "الطرف الثالث"
وأن تسمى البلطجية "بالمواطنين الشرفاء"
وتحت يافطات "القضاء الشامخ" و"لا تدخل ولا تعليق على أحكام القضاء" تستطيع أن تصدر أحكام إعدام بالجملة، وتسجن الناس لعشرات السنين.
وان تخفى حزن الناس وخوفهم وغضبهم بالرقص أمام اللجان الانتخابية
وان تختزل أزمات مصر وتطمسها بأغنية وطنية من النوع الركيك
وان تحظر المظاهرات وتمنعها بقانون تسميه "تنظيم حق التظاهر"
وأن ترفع الدعم وتفقر الناس لإرضاء نادى باريس وصندوق النقد الدولى تحت يافطة "إصلاح الاقتصاد والميزانية"
وان تعدم ثورة عظيمة وأحلام كبرى بجرة قلم تحت يافطة "مقاومة الفوضى"
بل وأن تعصف بالثورة باسم "الثورة"
وأن تفرض القهر والاستبداد وتعصف بالحقوق والحريات تحت يافطة "الأمن والاستقرار وهيبة الدولة"
وأن تتهم خيرة الشباب "بالعمالة"
وأن تقتل السياسة بحجة " مكافحة الارهاب"
وأن تحمى النظام ومصالحه وطبقاته ضد أى نقد أو معارضة تحت يافطة "الدفاع عن وجود الدولة"
وأن تعيد نظام مبارك تحت يافطة "خريطة الطريق"
وأن تفرض إرادة السلطة تحت يافطة "الإرادة الشعبية"
وأن تؤمم الإعلام بمنابره الصحفية والفضائية تحت يافطة "الإعلام المسئول"
وأن تطمس الحقائق تحت يافطة "لجان تقصى الحقائق"
وأن تعصف بحقوق الإنسان بقيادة وإشراف "منظمات حقوق الانسان"
وأن تمارس أردأ أنواع النفاق والانتهازية والتأليه تحت يافطة "شعبية الزعيم"
***
انها فلسفة الدولة والنظام والسلطة والقائمين عليهم وحلفائهم والتابعين لهم وأتباع التابعين منذ عقود طويلة.
فلقد استبيحت البلاد للنهب الراسمالى العالمى تحت يافطة "الاستثمارات الأجنبية"
وللنهب الداخلى واحتكار الثروة تحت يافطات "رجال الأعمال والاقتصاد الحر وريادة القطاع الخاص"
وكل أنواع التبعية للأمريكان مورست تحت الشعارات الوطنية و "تحيا مصر"
وتم بيع فلسطين باسم "السلام"، ورفعت يافطة "اسرائيل" فوق أرضها الطاهرة.
وتم العصف باستقلال مصر وسيادتها وكرامتها تحت يافطة "مصر أولا"
وتم تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح تحت يافطة"مصر دولة كبيرة تحترم التزاماتها الدولية"
وحماية امن اسرائيل تحت يافطة "الأمن القومى لمصر"
ورفع قادة التفريط والتبعية والاستسلام يافطات "أبطال الحرب والسلام و الضربة الجوية الاولى"
وتم الترويج للتمديد لمبارك او التوريث لجمال تحت يافطة "التعديلات الدستورية 2007"
وتزوير الانتخابات يتم دائما تحت يافطة "أكثر انتخابات نزيهة تشهدها البلاد"
***
كفانا كذبا وتضليلا، فالناس ضجت وزهقت وعلى آخرها ولن تقبل أن تعيش هذا الهم مرة أخرى.
*****
القاهرة فى 9 ديسمبر 2014

السفير د. عبدالله الأشعل يكتب : اقتصاديات التخلف

اقتصاديات التخلف
يقصد باقتصاديات الشيء المنافع والمزايا فهو معني ايجابي ، أما اقتصاديات التخلف فلها معني اخر ويقصد بها في هذا المقام الخسائر والاعباء التي تقترن بحالة التخلف والتي تزيد حالة التخلف واعباءها سوءا
وللتخلف عدد من الاعباء المالية والاجتماعية والنفسية بعيدة المدى التى تترتب على التخلف. وقد حاولت أن أجد تعريفاً دقيقاً موضوعياً للتخلف فعدت إلى ما قرره منذ خمسين عاماً عميدنا الاشهر المرحوم زكى شافعى الذى وقف فى مثل هذا اليوم من خمسين عاما لكى يعرف التخلف تمهيداً للحديث عن التنمية التى تؤدى إلى التقدم فأخذ يستعرض معايير التخلف وأمارات التقدم لكى يصل فى النهاية إلى استبعاد كافة المعايير وأن ينتهى إلى ما انتهيت إليه اليوم بعد خمسين عاماً من التأمل والدراسة بأن التخلف هو التخلف. ولكن التخلف والتقدم صفتان للدولة تصل إليهما بطرق مختلفة. فقد اخترعت التنمية لكى تؤدى إلى أن تقف الدولة فى صفوف الدول المتقدمة والتى اطلق عليها حتى بداية عصر المعلومات الدول الصناعية. ومنذ ذلك الوقت أصبحت هناك دول متقدمة لم ترتد إلى الوراء ودول متخلفة حاولت أن تتقدم وأطلق عليها خلال هذه المحاولة الدول النامية والقليل منها أكمل مرحلة مهمة من نموه ولكنه ليس معدوداً من المتقدمين وأما البعض الآخر فقد أنقلب على عقبيه وأنهارت آماله فى التنمية وأصبح لدينا اليوم تصنيف جديد هو الدول المتقدمة وكلها دول أوروبية والدول النامية وعددها قليل من العالم الثالث على رأسها تركيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا أى معظم دول منظمة البركس وأما المرتبة الثالثة فهى الدول الريعية التى تعيش على ريع المورد كالبترول وتنفق دخلها لتحسين الحياة دون أن تأمل فى أن تنضم إلى الدول المتقدمة، ثم هناك أخيراً الدول المرتدة وهى التى تسرع إلى الوراء فى جميع المجالات، وليس عيباً أن نقول أن مصر أنضمت إلى هذه الدول والدليل هو تراجع مصر فى جميع المؤشرات الدولية بلا استثناء وعلى من لديه عكس ذلك أن يدلنى عليه . هناك أكثر من ثلاثين مؤشراً تحتل فيه مصر مراتب متقدمة أى تقترب من القاع وكان أخرها ترتيب الفريق القومى المصرى لكرة القدم فى إطار الفيفا حيث تحتل مصر المرتبة الستين وتقع فى المربع الأخير من الدول الكروية. ولابد أن يدعونا هذا بالمناسبة إلى البحث عن أسباب الانهيار حتى يمكن أن نوقفه ثم نبحث عن أسباب التقدم ولكننا حتى الأن نخادع أنفسنا وقد تبين لى مؤخراً أن التقدم والتخلف صفتان ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بالادراة والنظام وإلا كيف نفسر أن دولة متخلفة مثل تركيا أصبحت فى عداد الدول المتقدمة بعد نجاح تجربة التنمية فيها ، وهى تنمية بالمناسبة شاملة اقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية ونفسية. وليس صحيحاً أن التخلف يلحق بالشعوب لأن هذه الشعوب كما رأينا تستطيع أن تسهم فى التقدم إذا كان هناك نظام يحتويها ويحدد لها مساراتها والادلة على ذلك لا تحصى ولكن تكفى الإشارة إلى مثالين أثنين ، الأول هو لماذا يبرع أبناء العالم الثالث عندما يعملون فى دول أخرى لديها نظام أو يتفوقون فى دراساتهم ويبزون أقرانهم فى الجامعات الغربية. أما المثل الثانى فهو ما لاحظته خلال زيارة أخيرة فى الجامعات الأمريكية وهو أن معظم الشعب الأمريكى ينتمى إلى العالم الثالث ومع ذلك لا يتصرفون فى الشارع تصرفاً متخلفاً وإنما يضبطهم النظام، وما تحتاجه مصر هو أن يوضع فيها نظام ثم يقوم النظام بالقضاء على الشخصانية وأن يتم كل ذلك بحكم القانون فى كل جوانب الحياة فيظهر القانون أمامنا ويتوارى الأشخاص وهذه البيئة هى التى صنعت التقدم من عناصر تنتمى إلى عوالم التخلف وأن أدعو المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ومراكز الابحاث فى مصر أن تجرى دراسة لهذه النقطة وتستقصى سلوك المصريين مثلاً فى الولايات المتحدة فلا نكاد نلحظ مصرياً واحداً خرج على النظام أو انتهك القانون وإنما وفر له القانون البيئة الصالحة للامان والحرية والاستقرار والازدهار.
ولكل وضع اقتصادياته ولكن لا نلاحظ حديثاً عن اقتصاديات التقدم لأن التقدم فى ذاته وهو ارادة وقيادة يصنع التقدم ويضيف إليه تماماً كالغني يزيد الغنا والعلم يزيد العلم على خلاف المقابلات فى هذه النقطة ولذلك من الوجاهة بمكان أن تهتم مراكز البحوث بدراسة اقتصاديات التخلف أى التبعات والاثار والخسائر المترتبة على التخلف وفى هذه المقالة نقدم بعض الاضاحات التى تحتاج إلى احصائيات ودراسات. ففى مجال الاقتصاد هناك الكثير من الجوانب الخاصة بتركيب الاقتصاد والمؤشرات الاقتصادية والعمالة والبطالة والانتاجية ومستوى الجودة والتنافسية والقدرة على التصدير والاكتفاء والوفاء بالحاجات والتطوير والابتكار والبحث العلمى فى المجال الاقتصادى والشراكات الاقتصادية ووضع الاقتصاد ضمن الاقتصاديات الدولية وأوضاع العملة وعلاقتها بالعملات الأخرى وغير ذلك من المؤشرات الاقتصادية. وقس على ذلك فى مختلف المجالات التى تعكسها المؤشرات ولكنى أشير بصفة خاصة هنا إلى تكاليف التخلف فى مجال الجهل الطبى والصحى والدوائى والتخلف فى مجال عدم الوعى بقواعد المرور واحترامها، وبهذه المناسبة فإن المقارنة بين ضحايا الطرق والنقل فى مصر مثلاً حيث يتجاوز العدد المائة ألف بالاضافة إلى أضعاف هذا العدد من المصابين الذين يحتاجون إلى علاج كما يؤثرون على الانتاج إذا كانوا يعملون، وبين دولة متقدمة تحترم فيها قواعد المرور وتطبق القواعد على الجميع فلا تقع حادثة إلا نادراً ومن أشخاص لديهم مشاكل نفسية. بهذه المناسبة أيضاً فإن حالة الاكتاب القومى التى تصيب الشعب عادة بسبب تدهور الأوضاع تؤثر تأثيراً فادحاً على انتاج الناس واقبالهم على العمل. أما فى مجال الصحة فإن التخلف يعنى نوعية هابطة من الاطباء وغش فى الأدوية وانحدار مستوى الخدمات الحكومية وانتشار الامراض الضعيفة انتشاراً وبائياً وقلة الامكانيات المادية المخصصة للصحة مما يؤدى إلى المزيد من الانهيار ولكن إذا تمت ادراة الصحة بالوعى والتعليم والاخلاص والرقابة والدقة فإنها تصنع التقدم حتى فى بيئة متخلفة. صحيح أن العلاقة بين القطاعات وخصوصاً التفاعل بينها وقيادة قطاع منها لبقية القطاعات من المسلمات الاقتصادية فى علم الاقتصاد ولكن يجب دراسة فكرة النهوض فى قطاعات معينة تخفف من مظاهر التخلف وتمد المجتمع بعناصر نافعة للقطاعات الأخرى. فلا شك أن ارتفاع معدل الاصابات من الحوادث والتلوث يؤدى إلى المزيد من نسب الاعاقة البشرية فى المجتمع حتى أظن أن القهر السياسى والاقتصادى والاجتماعى والبلاهة السياسية والعجز عن التغيير واهدار الكرامة عبر أجيال كثيرة يؤدى إلى تخلف جينى لا يبرأ منه المجتمع إلا بعد أجيال من لحظة الوصول إلى الجيل الأول بعد الاصلاح. ولا نظن أن القهر الأمنى وحالة الخوف من الشعب واهتزاز النظام وارتفاع اعداد المعتقلين ووتيرة التعذيب فى السجون إلا أن تكرس مظاهر جديدة للتخلف وخلق النفوس السوداء والاحقاد وهذا كله له تكاليف اقتصادية هائلة. يضاف إلى ذلك أن الدولة المتخلفة تعانى من الفساد وقد تم رصد مقابل الفساد فى منظمة الشفافية الدولية والذى يمثل فى بعض الدول معظم ميزانيتها. فلوكانت الدولة مدينة بمبلغ معين لا يستطيع الاقتصاد أن يفى بالدين وخدماته ويشكل ذلك نسبة عالىة من الناتج القومى الاجمالى ويصبح الدين حدبه على ظهر الدولة تؤدى به إلى التقوس والعجز ثم الافلاس، فإن نسبة الفساد تفوق معدل الدين وهذه حقيقة علمية ثابتة بالاحصائيات. وحتى الموروث الثقافى والعادات والقيم السلبية والتقاليد يترتب عليها تكاليف اقتصادية يصعب حصرها ولكن هذه العادات مثلاً فى مجال الحفلات والاعياد قد تدخل السرور على القلوب ولكنها تسجل تراجعاً مخيفاً فى المجال الاقتصادى وأخيراً فإن التعليم الهابط والاعلام المتدهور والثقافة السطحية تخرج مجتمعاً يعانى من العاهات الاجتماعية والثقافية وتنتشر فيه القيم السلبية مثل الخرافات والنصب والاحتيال والمخدرات وكل مايضر بالصحة ويعتبر أرضا صالحة لازدهار عناصر تتغذى على النفاق والسطحية والخداع مما يؤدى إلى أثار اجتماعية خطيرة وتفكك الأسر وارتفاع معدل التوترات الاجتماعية مما يثقل كاهل الاجهزة الامنية والقضائية، وتزدهر فى هذه البيئة قيم الاستبداد والدكتاتورية والسلوكيات الشكلية المظهرية والاحقاد الطبيقة وانحسار قيمة القانون.
أننى أرجو أن يهتم المتخصصون فى الاقتصاد والاجتماع والثقافة والأمن والصحة وغيرها بإجراء أبحاث مشتركة حول اقتصاديات التخلف والبحث عن أسباب التقدم، لأن خسائر التخلف إذا قورنت بفضائل التقدم فسوف يظهر أن التقدم فى ذاته عملية اقتصادية يجب الحرص عليها والسعى لنوالها. ويجب أن يهتم البحث بالعلاقات الاقتصادية الدولية وخرافة المعونات الاقتصادية وان يفحص مدى صحة ما يتردد من أن أسباب تقدم المتقدمين هى نفسها الأسباب التى يحرصون على تخلف المتخلفين لأن الفضاء لا يتسع لكل الدول فى سلة واحدة وأن التبادل والانتفاع المتبادل يحتم وجود التخلف والتقدم ويجب أن يشمل البحث أخيراً خرافة حوار الشمال والجنوب التى استمرت عقوداً طويلة وانخداع العالم الثالث بما يسمى حوار الجنوب الجنوب، ونحن فى العالم العربى إذا صحت هذه المقولة أولى بالحوار لولا أن دوانا واقتصادياتنا تتحدد مصائرها وأقدارها بالبيئة الدولية التى تعيش فيها والتى تفرض عليها أن يكون التقدم والتخلف قراراً سياسياً.

بلال فضل يكتب: الدبوس في الأستيكة!

حُسن ظني بعقلك الراجح، وأملي في استفادتك من دروس الماضي، يجعلاني أستبعد أن تكون في الأيام التي أعقبت فضيحة تسريب تسجيلات منسوبة لبعض قادة القوات المسلحة، قد ظننت ولو لوهلة أن أحداً من أولئك القادة سيتعرض للحساب والعقاب، أو أن تكون قد تخيلت استقالة النائب العام الذي نسب إليه اللواء ممدوح شاهين أنه طلب تزوير أوراق حبس سيئ الذكر محمد مرسي، أو أن تكون قد انتظرت صحوة وطنية تدرك ضرورة التوقف عن انتظار الخير والتقدم من عقول مَرَدت على الفساد والتزوير، فأنت تعلم أن نسخة الوطنية الحالية تقتضي التحلي بأخلاق ذلك "المواطن الشريف" الذي قيل له أن زوجته تخونه مع الأسطى عبد الفتاح الكهربائي، فرد بكل إباء وشمم "يا راجل ده لا كهربائي ولا بيفهم في الكهربا".
أخطر ما في التسريبات، أنك بعد أن ينتهي ذهولك من مضمونها، ثم تنتهي سخريتك من ذهولك من مضمونها، ثم ينتهي جدالك مع من يغضبون من ذهولك وسخريتك، سيكون عليك بعدها تذكُّر أنك مضطر للعيش المشترك مع من يجمعون في نفس المناقشة بين إنكار التسجيلات والصياح ببجاحة "برضه بنثق في السيسي مهما عمل". ستتغير السلطة الفاشلة القاتلة يوما ما ولو بسلطة أفشل وأشد قتلاً، لكن متى وكيف سيتغير "البشر" الذين كانوا يهللون لبث مكالمات تليفونية خاصة ويسخرون ممن يسأل عن قانونية تلك التسجيلات وعن تأثيرها على المدى البعيد، ثم ها هم يتذكرون فجأة أن هناك اختراعات اسمها الشرف والعيب والقانون، مع أن التسجيلات المنسوبة للقادة دارت في قلب مكاتب مملوكة للشعب، ولم تتضمن مجرد آراء لا تخص إلا أصحابها، بل كانت تتضمن ارتكاباً لجرائم صريحة في حق العدالة، وإذا كان ممكناً الدفع بعدم قانونية استخدام التسجيلات كدليل لمحاكمة المتورطين فيها، فلن يكون ممكناً أبداً دفعها بعيداً عن عقل ووجدان وضمير كل من يخاف على بقاء مصر رهينة لدى هؤلاء الذين فشلوا في كل شيء، إلا القتل.
متابعة ردود الأفعال العنيفة من مهاويس السيسي على التسجيلات، تكشف هذه المرة خوفاً شديداً من مواجهة أسئلة كثيرة يجب أن ترعب الجميع أياً كانت توجهاتهم: هل يحكم مصر قادة يُسجِّلون لبعضهم تطبيقا للفكر المملوكي الذي يدرك أهمية "المستمسكات" اللازمة لتأمين أبواب الخروج الآمن؟ أم أن هناك اختراقاً حدث لجهة سيادية قامت بالتسجيل بحكم عملها الذي يقتضي مراقبة دائمة لمكاتب المسؤولين؟ هل هناك تصفية حسابات داخل المطبخ؟ أم انتقام موجه من طرف "مقلوش" أو مقموص؟ ولماذا وصل الارتباك بالنائب العام لدرجة أن يصدر بياناً متعجلاً يعلن فيه التحقيق في التسريبات ويصفها بأنها مفبركة في نفس البيان؟ هل فقدت الدولة العريقة ثباتها الانفعالي في التزوير الذي أخذ منها "راقات"؟ ولماذا لا تستغني عن خدمات الهواة لتستعين بخبرات مخضرمي التزوير صفوت الشريف وزكريا عزمي وحبيب العادلي وكلهم يتمنون رد جمايل السيسي عليهم؟
فليهرب من شاء إلى وطنية الشتائم ولغة التخوين، فذلك لن يجيب على المزيد من الأسئلة المفزعة التي تطرحها التسريبات: كيف يمكن لأناس اجتمعت في أيديهم سلطات لم تجتمع من قبل إلا لجمال عبد الناصر بعد تأميم قناة السويس، ومع ذلك يبدو عليهم كل هذا الارتباك والخوف من انفضاح أفعالهم أمام الدول المانحة التي تنتظر منهم باطلاً قانونياً منضبطاً؟ وكيف يتطوع لواء جيش لتزوير ورقة رسمية ثم يقول بتلقائية "ما يؤمرش عليك ظالم"، إلا إذا كانت كل مفاهيمه عن الدين والعدالة مشوشة بشكل مفزع؟ وإذا كان من الممكن أن تبني الدولة سجناً بكل هذه البساطة "فُكّ هنجر وركبه في حتة تانية وحُط قدامه كام عربية أمن مركزي وحراسة"، فلماذا لا تظهر التعقيدات والصعوبات إلا في ما يمكن له أن يجعل حياة الشعب أفضل؟ وهل يمكن أن يصدق عاقل أن هناك عدالة حقيقية في مصر بعد أن استمع إلى عبارات مثل "النائب العام بيقولي أرجوك اضربوا أي تاريخ قديم القضية هتبوظ.. النيابة قالوا لنا معاكوا خمستاشر يوم ستِّفوا اموركم براحتكم.. أي أوامر يعني في التزوير ما تقلقش.. الموضوع ده كان قالقني وبصراحة اتظبط والنائب العام انبسط جداً جداً جداً.. بعينهم ولاد الكلب مش هيشوفوها مش هيشمتوا فينا".
عن نفسي، لا أنتظر إجابة على كل هذه الأسئلة، لأنني مشغول أكثر بالإجابة على أخطر سؤال ظهر في تسريب سابق للسيسي، ولا أظنك تختلف معي في كونه السؤال الذي يتوقف عليه مستقبل مصر في السنين القادمة، أقصد طبعا سؤال "مين النتن اللي حط الدبوس في الأستيكة"؟

د. فيصل القاسم : حدث في رومانيا.. ويحدث الآن في بلاد الربيع العربي

هناك نموذج مشؤوم للثورات الحديثة كان يجب على كل شعوب وثورات الربيع العربي أن تتعلم منه كي لا تقع في الحفرة التي وقعت فيها الثورة الرومانية الشهيرة في عام 1989، ففي نهاية ذلك العام وبعد حكم ديكتاتوري قل مثيله في التاريخ الحديث انتفض الشعب الروماني على الطاغية سيء الصيت نيكولاي تشاوسيسكو الذي كان صديقاً حميماً لبعض الطواغيت العرب، وتمكن الثوار خلال أيام من إسقاط واحد من أحقر وأعتى الطغاة في القرن العشرين. وانتهت بمحاكمة الطاغية خلال ساعتين فقط بإطلاق الرصاص عليه وعلى زوجته. 
لقد ظن الشعب الروماني أنه بعد التخلص من الطاغية أن ثورته قد نجحت، وأن نظام تشاوسيسكو قد ولّى إلى غير رجعة، لكن الثوار كانوا ساذجين للغاية، فقد كان لهم الحرس القديم، أو ما يسمى بالدولة العميقة بالمرصاد. فبعد أن ارتدى الديكتاتور الجديد ثوب الثوار، وامتدح الثورة، وهنأ الشعب على ثورته، راح من وراء الكواليس يخطط لانفلات أمني رهيب في البلاد، حيث ﺑﺪﺃﺕ ﻣﺠﻤوﻋﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻟﻴﻦ ﻳﻬﺎﺟﻤﻮﻥ ﺑﻴﻮﺕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﻤﻨﺸﺂﺕ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ، ﻭأخذ ﺟﻨﻮﺩ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻳﺘﺼﺪﻭﻥ ﻟﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺭﻭﻣﺎﻧﻴﺎ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺣﺮﺏ، ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺒب في ﺇﺣﺴﺎﺱ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃنين ﺑﺎﻟﻬﻠﻊ ﻭﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻷﻣﻦ. وﻣﻊ ﺍﻻﻧﻔﻼﺕ ﺍﻷﻣﻨﻰ ﺍﻟﻤﺘﻌﻤد وغياب الخدمات الأساسية، ﺍﺭﺗﻔﻌت ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ، ﻭﺃﺻﺒﺤت ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ في غاية الصعوبة والفوضى.
في هذه الأثناء، كان الإعلام ﺍﻟﺨﺎﺿﻊ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ يلعب ﺩﻭﺭﺍً ﻣﺰﺩﻭﺟﺎً، ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺳﺎﻫﻢ في ﻧﺸﺮ ﺍﻟﺬﻋﺮ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺸﺎﺋﻌﺎﺕ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﻟﻴﺔ، ﻭﻓي ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺭﺍﺡ ﻳﻤﻌﻦ ﻓي ﺗﺸﻮﻳﻪ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺜﻮاﺭ. ﻭﺗﻮﺍﻟﺖ ﺍﻻﺗﻬﺎﻣﺎﺕ ﻟﻤﻦ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺓ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺧﻮﻧﺔ ﻭﻋﻤﻼﺀ يتلقون ﺃﻣﻮﺍﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺗﺨﺮﻳﺐ ﺍﻟﻮﻃﻦ. ومع ارتفاع حدة الهلع وعدم الاستقرار والأزمات الطاحنة، ﺗﺄﺛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻮﻥ ﺑﺤﻤﻼﺕ ﺍﻟﺘﺸﻮﻳﻪ ﺍﻹﻋﻼﻣي، ﻭﺑﺪﺃﻭﺍ ﻳﺼﺪﻗﻮﻥ ﻓﻌﻼً ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﻋﻤﻼﺀ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺣﺲ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﺑﺄﻥ ﺇﻳﻠﻴﺴﻜﻮ ﻳﺴﻌﻰ ﻹﺟﻬﺎﺽ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ، ﻧﻈﻤﻮﺍ ﻣﻈﺎﻫﺮﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺭﻓﻌﺖ ﺷﻌﺎﺭ: ﻻ ﺗﺴﺮﻗﻮﺍ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ.. ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺇﻳﻠﻴﺴﻜﻮ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻭﺟﻪ ﻧداء عبر شاشات ﺍﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻥ ﺇﻟﻰ من أسماهم ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﺍﻟﺸﺮﻓﺎﺀ.(ﻻﺣﻆوا ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ). ﻭﻃﺎﻟﺒﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺼﺪي ﻟﻠﺨﻮﻧﺔ، ﻭﻗﺎﻡ ﺇﻳﻠﻴﺴﻜﻮ ﺳﺮﺍً ﺑﺎﺳﺘﺪعاء ﺁﻻﻑ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺟﻢ، ﻭﺃﺷﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻠﻴﺤﻬﻢ، ﻓﺎﻋﺘﺪﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮار، ﻭﻗﺘﻠﻮﺍ ﺃﻋﺪﺍﺩﺍً ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻨﻬﻢ. 
لاحظوا أيضاً أن الطاغية الجديد أطلق على عصابته التي انقلبت على الثورة وسرقتها، اسم "جبهة الخلاص أو الإنقاذ الوطني" التي تكونت من قيادات الصف الثاني من الحزب الشيوعي الروماني المنحل. وقد عمدت الجبهة إلى إطلاق العنان لفلول النظام البائد، فبدأت بالجيش، وعقدت صفقات مع جنرالاته. ورغم إعلان الجبهة نيتها عدم خوض انتخابات 1990، وأنها غير طامعة بالسلطة أبداً وأن هدفها فقط إنقاذ رومانيا، إلا أنها أعلنت عن تأسيس حزب سياسي عند اقتراب موعد عقد الانتخابات، واستخدمت وسائل الإعلام الحكومية بكثافة - والتي كانت لا تزال تحتكر الفضاء الإعلامي في البلاد - وقامت بتعبئة الناخبين من خلال شبكات الحزب الشيوعي القديمة في الريف والحضر، فتمكنت الجبهة من حسم أغلبية مطلقة لصالحها في أول برلمان روماني بعد الاستقلال، وهو البرلمان الذي وضع دستوراً يطلق صلاحيات السلطة التنفيذية خصوصا الرئيس. وفي 1992 عقدت أول انتخابات رئاسية خاضها إيون إيليسكو رئيس جبهة الإنقاذ، وأسفرت عن فوزه بأغلبية مطلقة قاربت 85% من أصوات الرومانيين طبعاً عبر عميلة مزورة من رأسها حتى أخمص قدميها. فباتت رومانيا برلماناً ورئاسة في يد كوادر الحزب الشيوعي السابق التي تمكنت من إعادة إنتاج سلطتها بعد التخلص من تشاوتشيسكو، حسبما تذكر الموسوعة السياسية حرفياً.
لقد نجحت (جبهة الخلاص أو الإنقاذ الوطني) في إجهاض الثورة الرومانية بعد سنه ونص فقط من قيامها، وفقدت الثورة الكثير من التعاطف الدولي لها، بينما استمر فلول تشاوسيسكو في السلطة لعشر سنوات بعد الثورة الشهيرة.
انظروا حولكم في بلاد الثورات العربية، وقارنوا ما حدث في رومانيا بما يحدث في بعض بلاد الربيع العربي، فستجدون أن الدرس الوحيد الذي نتعلمه من التاريخ أنه لا أحد يتعلم من التاريخ، كما قال هكسلي ذات يوم.
وسلامتكم!

د. سعيد صيني يكتب : الإسلام الحقيقي والكاثوليكية المتطرفة

لقد أثارت القصة التي رواها لنا الأستاذ عبد العزيز آل محمود –جزاه الله خيرا- عن مأساة غرناطة وطغيان الكاثوليكية المتطرفة بعض المحاورات التي طُرحت في عدد من ندوات ومؤتمرات الحوار بين ممثلي الأديان. ولعلي أسجل خلاصتها في المشاركة التالية بعنوان:
موقف الكتاب والسنة من أهل الكتاب
إن من يعش في بعض البلاد الإسلامية التي يشترك فيها المسلمون مع إخوتهم المسيحيين يرى مثالا رائعا للتعاون التلقائي غير المتكلف بين أتباع الديانتين، سواء يسكنون عمارة واحدة أو يعملون في مؤسسة واحدة، أو يتعاملون لتبادل مصالح مشتركة… وهذه العلاقة الودية التعاونية بين المسيحيين والمسلمين تمتد إلى قرون عديدة وتستند إلى الفطرة السليمة والأسس المشتَركة القوية، وإن كانت تواجهها أيضا بعض العقبات التي يصطنعها بعض قادة الرأي عن حسن نية أو لتحقيق مصالح شخصية.
ومن الأسس المشتركة أنه عندما نتأمل في الأشياء المشتركة بين المسيحيين والمسلمين نجد أشياء كثيرة يصعب حصرها، وعلى رأس هذه الأشياء هو انتسابهم جميعا إلى آدم عليه السلام، حيث يقول تعالى: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.( الحجرات: 13) فأصل الناس جميعا واحد، لهم أب واحد وأم واحدة، ويتكاثرون بالطريقة نفسها، ويتشابهون في التكوين الأساسي: العضوي والروحي والعقلي والنفسي والسلوكي؛ ويتشابهون كذلك في الدوافع والاحتياجات الأساسية للإنسان.
والتشابه لا يقف عند هذا الحد، ولكن يتعداها إلى التشابه في التشريعات الأساسية، وفي المبادئ الأخلاقية الأساسية، مثل حب الخير وكراهية الشر، وحب العدل وكراهية الظلم.
وإضافة إلى ذلك فإن هناك أشياء خاصة متشابهة منها:
أولا. الاتفاق على المكانة الخاصة لعيسى عليه الصلاة والسلام. فالإسلام يعتبره نبيا ورسولا ذا مكانة خاصة، فمثلا يقول تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.( آل عمران: 45) ويقول تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}.( آل عمران: 59)
ثانيا. الاتفاق على طهارة مريم العذراء ومكانتها العالية، وهذا ظاهر مثلا في قوله تعالى:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ.}( التحريم، آية 12)
ثالثا. تخصيص الإسلام أهلَ الكتاب ومنهم المسيحيين بمجموعة من الميزات عن غيرهم. ومنها:
1 – إباحة أكل المسلمين لطعامهم إلا ما ورد نص في تحريمه. (المائدة: 5)
2 - إباحة زواج المسلم من نسائهم.( المائدة: 5)
رابعا. خصّ القرآن الكريم المسيحيين بمدح لم يحظ به أهل الكتاب الآخرين، وذلك في قوله تعالى: {... وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ.} (المائدة : 82)
خامسا. جعل النبي صلى الله عليه وسلم أحد ملوكهم موضع ثقة لأصحابه المضطهدين حيث أمرهم ناصحا: " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملِكا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق."( ابن هشام ج1: 280) وكانت نصيحته صلى الله عليه وسلم في مكانها. فقد رحّب بهم النجاشي في أرضه وردّ مبعوث قريش الذي جاء ليستعيدهم خائبا.( البخاري: مناقب الأنصار، هجرة الحبشة وانظر العسقلاني ج7: 227-230؛ ابن هشام ج1: 280-291؛ والندوي ص 131-135.)
سادسا. أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم خيرا بأهل مصر وكانوا أقباطا بقوله: "إنكم ستفتحون مصر، ...فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحِما." وذلك لأن هاجَرَ أم إسماعيل عليهما السلام، الجد الأعلى للنبي صلى الله عليه وسلم، كانت من مصر. وكذلك كانت مارية، إحدى أمهات المؤمنين.( مسلم: فضائل الصحابة، وصية النبي؛ وانظر الصالح ج1: 254-255)
سابعا. شهد التاريخ الإسلامي تقدير كثير من خلفاء المسلمين لذوي الكفاءات العالية من المسيحيين.
ثامنا. وفي العصر الحاضر يضع المسلمون يدهم في يد إخوانهم المسيحيين ليسهموا في تنمية البلاد التي يعيشون فيها كمواطنين أو ذوي مصالح مشتركة. ووصل بعض المسيحيين - في البلاد الإسلامية بالأغلبية- إلى مناصب رفيعة، بل قاموا بتمثيل بلادهم في مؤتمرات إسلامية على مستوى الوزراء، وربما ترأسوا بعض اجتماعاتها.
تاسعا. إن من يراجع الكتاب المقدس عند المسيحيين، والقرآن الكريم مراجعة فاحصة يتضح له أن الدين المسيحي والإسلام بريئان من الحروب التي نشبت وتنشب بين أتباعها. فمن يقوم بإشعال هذه الحروب وتأجيجها هم دائما بعض أتباع الديانتين.
ويلاحظ، في ظل الحقائق السابقة، أن العلاقة بين الإسلام والمسيحية هي علاقة حميمة، يمكن بسهولة بناؤها على قوله تعالى {لكم دينكم ولي ديني}( الكافرون: 6)
ويمكن حل مشكلات الاختلاف في الدين بطرق، منها الحوار للاتفاق على طرق التعامل مع المختلف فيه، وطرق تعزيز المتفق عليه. وبصورة عامة، يمكن الاسترشاد بما يلي:
أولا – هناك حاجة ملحة إلى جهود العلماء في الديانتين بصورة مستقلة أو بالتعاون، لتحقيق التوعية اللازمة –كما جاء في الكتب المقدسة- في مسألة التعايش السلمي والتعاون لنشر الخير وتحقيق العدل في الأرض والتكاتف لدفع الشر والظلم، وتذكير القيادات السياسية بالقيم الأخلاقية الدينية.
ثانيا – أن يدرك المسيحيون والمسلمون بأن أوجه الاتفاق لا حصر لها فيركزون عليها ويتعاونون فيها، وأن أوجه الاختلاف معدودة ويمكن حصرها والاتفاق على طريقة التعامل معها.
ثالثا – أن يدرك المسيحيون والمسلمون بأن الاختلاف ليس كلُّه شر، وأن الاتفاق ليس كلُّه خير، وأنه لا غناء عنهما لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة. والمهم هو كيف نسخرهما لتحقيق مصالحنا في الحياة المؤقتة وفي الحياة الأبدية.
رابعا – أن ندرك بأنه ليس من مسؤولية أحد –في هذه الحياة- محاكمة الآخرين على ما يختارونه طريقا للنجاة في الآخرة، ما لم ينقض عهدا قطعه على نفسه (مثلا التزم بالإسلام ولم يعمل به) أو يؤذي الآخرين. فالله سبحانه وتعالى يقول {لا إكراه في الدين. قد تبين الرشد من الغي.} وهو أحكم الحاكمين. وهو الذي سيحاسبهم، عقب انتهاء فترة الاختبار. فهو مالك يوم الدين.
ومن الواضح أن هذا التفريق يسهل تطبيقُه في مجال المعتقدات والعبادات عموما، وذلك لأنها أشياء يغلب عليها أن تكون فرديةُ الصبغة.
أما في مجال المعاملات فيحتاج الأمر إلى جهود كبيرة، وذلك لأن المعاملات لا تكون إلا مشتركة بين طرفين أو أكثر. فتتشابك فيها حقوق الأفراد، وحقوق الأطراف المعنية بصورة مباشرة (مثل العقود بين الأفراد المحددين) وحقوق الجماعة. كما تتشابك فيها حقوق الأقلية مع حقوق الأغلبية، في حالة تعذر الاتفاق في الأمور التي لا تحتمل التعدد، وتتشابك فيها المعاملات الإلزامية بالمعاملات الاختيارية...
ولو تُرك أمر التشريعات للملتزمين من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، المحافظين على قدر كبير من الفطرة السليمة والفاهمين لكتبهم المقدسة، فإن الأمر سيكون أكثر يسرا، وذلك للتطابق الكبير بين كثير من القيم الأخلاقية في القرآن الكريم وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام وكثير من القيم الموجودة في الكتاب المقدس عند المسيحيين، حتى في صورته الراهنة.

الحسّونة - "صباح" .. من "وادي شحرور" إلي الخلود!


 بقلم : محمد رفعت الدومي
للجميلة التي هزمها الموت قبل أيام أكتب، وفي مكان ما أعشق ساكنه خطر لي أن أسمي "صباح" بـ "الحسونة"..
عن "الحسونة"، وهي التي أنفقت عمرها توزع البهجة في جهات الكون الناطق بالعربية الأربع أكتب! 
أكتب عنها من قمر أحمر لا يري أهله منذ بدايات منتصف القرن الماضي من ألوان قوس قزح إلا اللون الأسود! 
من قمر يواصل انسحابه إلي أفق مجهول، بعدما صار للدم المراق خارج القانون في كل ملليمتر من مساحته الشاسعة نعيق كنعيق البوم، أكتب!
من "مصر" أكتب عن "جانيت فغالي"، أوَلم تغني هي لـ "مصر" ذات يوم بعيد: " والله و اتجمعنا تانى يا قمر"؟
"صباح" حالة، لا تحتاج إلي أحد يضئ سيرتها، ظلت حتي لفظت آخر أنفاسها امرأة مفتوحة علي كل الاحتمالات، أيقونة براقة، يكفي كل من يريد أن يعرف "صباح" أن يفتش عنها في أعماقه، فهي بالتأكيد موجودة هناك، موجودة جداً، كما أن هناك مسلسل يسرد كل الخطوط العريضة لشخصيتها، كان اختيار "كارول سماحة" لتجسيد تلك الشخصية، برغم ولعي الخاص بصوت "كارول سماحة"، وبرغم قامتها الخاصة، في رأيي، خطأ كبيراً، فالمسافة بين النجمتين فادحة إلي حد يظن معه المتلقي الذي رأي بالضرورة "صباح" علي الشاشة بأن العمل يدور حول "صباح" أخري، لا أعرف الآن بالضبط من أين يهبُّ استهجاني لأن تؤدي "كارول سماحة" دور "صباح"، ربما كان شعوراً مضللاً، أو، ربما كنت مخطئاً..
أنا هنا الآن لأروي "صباح" من زاويتي الخاصة، وفي ضوء المكان والزمان وما يربي كلاهما من أحاسيس طارئة في الأعماق البشرية، وفي ضوء متحيز أيضاً، لأنني، فقط، أحبها!
في البداية، لا أعتقد أبداً أنه من قبيل الخروج عن السياق أن أبدأ الكلام عن الجميلة "صباح" ببعض من كلمات أغنية للفنان "وائل كفوري":
وما وعدتك بنجوم الليل/ ولا بطرحة من خيوط الشمس/ ولا بجبلك عضهور الخيل/ كنوز الجن ومال الانس/ أنا زلمة ع قد الحال/ ومملكتي أوف وموال/ ومنجيرة عن جدي وبس!
أنا ما عندي ما عندي قصور/ ولا مخدة من ريش نعام/ ولا كاساتي من بلور/ ولا جواري ولا خدام.. 
أنا أنا ما عندي ما عندي قصور/ ولا مخدة من ريش نعام/ ولا كاساتي من بلور/ ولا جواري ولا خدام..
عندي بيت براس الجرد/ وجرة مي وحقلة ورد
عندي بيت براس الجرد/ وجرة مي وحقلة ورد
وعلى صوت الحسّون بحس / وعلى صوت الحسّون بحس .....
صوت "الحسُّون" أجمل من صوت الشحرور بالتأكيد!
لم أخرج عن السياق فالسياق واحد، وكلا الصوتين يحمل رائحة الجبل، وكلاهما خرج من نبع واحد يواصل السيلان هناك تحت ظلال شجر الأرز، ذلك الشجر الذي حمله اللبنانيون إلي "فلسطين" معونة من الملك الفينيقي "احيرام " ملك "صور و جبيل" إلي الملك "سليمان" عند بناء هيكله الشهير، هذه رواية التاريخ لهذا الحدث، كما أن التوراة لمست سيرة ذاك الملك لمساً رقيقاً، غير أن رواية القرآن لهذه الحقيقة التاريخية المؤكدة تفرض سؤالاً: 
- هل اللبنانيون ينحدرون من سلالة الجن فعلاً؟
لو تُركتُ علي سجيتي، أو كنت رحالة في زمن قديم، لأجبت بأنهم كذلك فعلاً من أجل شخص واحد فقط، إنه دجال "لبنان" الشهير "مايك فغالي"، فإن في ملامح وجهه بعضاً من ملامح الجن الذهنية التي اقترحتها علي طفولتنا الأساطير وحكايا الجدات..
"لبنان"، وفتنة ذلك البلد الصغير غريب الأطوار، ورقة شعبه الأقرب شبها بشعوب البحر المتوسط من الأوروبيين منه إلي الشعوب الناطقة بالعربية، وفلسفته الخاصة للجمال وللشرط الإنساني، كذلك، شغفه الشديد بالترحال، لمجرد الترحال أحياناً، كل ذلك معاً، من المسلمات التي لا تقبل القسمة علي اثنين!
لقد وزع اللبنانيون عطورهم الخاصة علي كل القارات حتي أن عدد المهاجرين من "لبنان" يفوق ضعف عدد المقيمين فيه، ما من بقعة زحف إليها العمران في هذا الكون الكبير إلا اهتدي اللبنانيون إليها، يحملون معهم ثقافة هذا البلد في حقائبهم، لكنهم، وهذا هو موطن الدهشة، لا يحتفظون أبداً بخطوط الرجعة، لم يحدث كثيراً أن عاد مهاجرٌ لبنانيٌّ مرة أخري إلي بلده الأم إلا كزائر، حين تصبح الحقيبة وطناً، لكن، ربما، كان سبب ذلك هو أن أكبر موجات هجراتهم حدثت أيام الحكم العثماني في يوم بعيد، فراراً من القمع والاستعلاء الإثني والعنصرية، لذلك، خفتت أسباب العودة في جيل حل الميلاد تمائمه في المنافي فصارت مهاجر الآباء والأجداد أوطانهم الأصيلة لا الطارئة، ولقد أورق الشجر العائليُّ الواقف علي الجذور الجديدة في المنافي الاختيارية علاقات طارئة ازدادت كلما تقدمت في العمر قوة وصلابة، لذلك، كان يجب أن تصبح الغربة، التي هي في نهاية المطاف حصيلة العلاقات الإنسانية، بالنسبة إلي هؤلاء، هي الهجرة من بلاد المهجر لا من وطن الأجداد!
من الجدير بالذكر أن كثيرين من المهاجرين اللبنانيين حققوا نجاحات كبري في مجالات شتي، بل استحوذ بعضٌ من سلالة هؤلاء علي ضوء مبهر في شتي أركان الأرض، علي سبيل المثال:
- المغنية العالمية "شاكيرا"، تعود أصولها إلي عائلة من "زحلة"، بل لهذه العائلة حتي يومنا هذا إرث هناك يشاركها فيه أحد أقارب العائلة وهو السيد "جان بعقليني" البالغ من العمر "71"، هذا الرجل، كرجل شرقي بطبيعة الحال، ادعي، حين طالبته عائلة "شاكيرا" بإرثها، أنه أنفق (75%) من قيمة هذا الإرث علي عجزة العائلة!
أشياء صغيرة لكنها تجعل المرء متي تأملها بعمق يقف علي مشارف الجنون، ولسوف يدرك ببساطة أن قصة العالم الكبير ما هي إلا مجموعة من القصص الصغيرة، وحين يتوغل المرءُ في دهاليز الخيال سوف لا يستبعد أن جد "شاكيرا" كان واحداً من بين الجمهور الذي رأي "محمد عبد الوهاب" يغني لـ "زحلة" ذات يوم بعيد قصيدة أمير الشعراء "أحمد شوقي" الشهيرة، وهو يكاد ينفجر طرباً:
( يا جارة الوادى طربت و عادنى / ما يشبه الاحلام من ذكـراك / مثلتُ فى الذكرى هواك و فى الكرى / و الذكريات صدى السنين الحاكى )
ما أغرب الاتفاق، الذكريات صدي السنين الحاكي!
سوف يقترب المرء من قلب الجنون أكثر حين يقرأ ما كتبه الأديب العظيم الراحل "جابرييل جارسيا ماركيز" عن "شاكيرا"، قال:
(موسيقي "شاكيرا" لها نغمة خاصة بها، والتي لا تشابهها أي نغمة أخرى، لا أحد يستطيع الغناء والرقص مثلها، في كل الاعمار، بمثل هذا الإحساس البريء، الذي إخترعته بنفسها!)
يقترب المرءُ، أو لأكون منصفاً، يقترب من يعرف سيرة "ماركيز" من الجنون عند قراءة هذه الشهادة لسبب بسيط، لقد كان "ماركيز" متزوجاً بامرأة مصرية من أصول لبنانية أيضاً!
وعلي سبيل المثال:
- النجمة العالمية "سلمي حايك"، وللنجمة المكسيكية "سلمي حايك" حكاية أخري تنبض بصدي السنين، وبالذكريات، لقد تم اختيارها، وهو اختيار له مغزي، لتقديم عدد من كتابات الأديب والمفكر اللبناني الراحل، أعظم من نزف حروفاً في بلاد المهجر، "جبران خليل جبران"، من كتابه الخالد "النبي"، ولقد عبرت عن سعادتها بهذا الاختيار، وقاطعت، عند افتتاح عروض الفيلم الكرتوني العالمي الذي يحمل اسم الكتاب على هامش مهرجان "كان" السينمائي، المندوب العام للمهرجان الذي عرفها بأنها مكسيكية، وقالت:
- أنا لبنانيّة أيضاً، وفخورة بكوني امرأة تنتمي أيضاً إلى "لبنان"..
وقالت، بعدما أهدت الفيلم إلى جدها، كما إلى ابنتها الحاضرة في القاعة: 
- فقدته، جدي، وأنا في السادسة فقط، لكنني لطالما رأيت هذا الكتاب الصغير بجانب سريره، وأتذكّر غلافه بشكل واضح تماماً، برغم أنني كنت صغيرة، لكنني، وبعد سنوات، حين بلغت الثامنة عشر ربّما، بحثت ثانية عن الكتاب، وصار مثل جدي، يعلّمني الكثير حول الحياة!
أنني هنا بصدد الحديث عن حقائب سفر قديمة حملت "لبنان" إلي العالم أكثر مما أنا بصدد الحديث عن بشر رحلوا!
وعلي سبيل المثال: 
كل هؤلاء النجوم، لا أعرف الكثير عنهم، لكن، ما أنا متأكد منه هو أن خلف كل نجم من هؤلاء النجوم قصص عائلية صغيرة بين طيات قصة العالم الكبير بمقدورها أن تجعل المرء يقف علي مشارف الجنون:
- "وينتوورث ميللر" نجم مسلسل PRISON BREAK"" من أصول لبنانية..
- "شانون أليزابيث"، ممثلة أميركية من أصول لبنانية سورية..
- "ريما فقيه"، ملكة جمال الولايات المتحدة لعام "2013" من أصول لبنانية، وهي،- وأدرك أن هذا التصنيف لا يليق تناوله أصلاً- "شيعية" أيضاً..
- "جينا ديوان"، زوجة الممثل "شانينج تايتوم" من أصول لبنانية..
- "آيمي يزبك"، ممثلة أمريكية ذائعة الصيت، من أصول لبنانية..
- "فينس فون"، ممثل أميركي من أصول لبنانية..
- "طوني شلهوب"، واسمه عربي لم يتماهي مع أسماء غربية، وهذا واضح، ممثل أميركي من أصول لبنانية..
- "ياسمين بليس"، ممثلة أميركية من أصول لبنانية جزائرية..
- "مساري"، فنان كندي من أصول لبنانية..
ليس هذا كل شئ، هناك أيضاً آخرون كثر من ذوي الأصول اللبنانية حققوا نجاحات مذهلة علي الصعيد الكونيِّ، مثلاً:
- "كارلوس سليم الحلو"، أغني أغنياء العالم لثلاثة سنوات متعاقبة، هاجر والده، وهو مسيحي ماروني من بلدة "جزين" جنوب "بيروت" إلي عاصمة "المكسيك" عام "1902" هرباً من تجنيد العثمانيين، وهناك فتح دكاناً صغيراً، ليصبح ابنه بعد حوالي قرن من الزمان المهيمن الوحيد علي سوق الهاتف في "المكسيك" من أقصي اليمين إلي أقصي الشمال، حتي ليقال هناك: إنك متي أجريت اتصالاً من أي مكان في "المكسيك" فأنت حتماً سوف تضع نقوداً في جيب "كارلوس سليم الحلو"!
(هاجروا وبقي أجدادنا يحرسون ماء النيل وتراث الحاكم الإله، اللعنة علي كل أرواحهم)
هناك أيضاً..
- المحامية "أمل علم الدين"، تلك اللبنانية التي وضعت حداً لعزوبية أشهر عزاب "هوليوود" الممثل العالمي "جورج كلوني"..
- السيدة "فيكتوريا رجي"، الحسناء اللبنانية التي تراجعت أمام فتنتها أسوار عائلة "كينيدي" العريقة بزواجها من آخر مشاهير هذه العائلة السيناتور "ادوارد كينيدي" الذي كان قبل رحيله ملقباً بـ "أسد مجلس الشيوخ"..
وعلي الصعيد السياسي، توصل اثنان من أبناء المهاجرين اللبنانيين إلي سدة الرئاسة في "الاكوادور"، كانت مدة حكم كليهما أسوأ الفترات علي الإطلاق في تاريخ هذا البلد الذي استأمن شعبه المسكين علي إدارة شئون بلدهم لبنانيين مولعين بالرقص والغناء وصناعة الأزمات، هذان هما:
- "عبد الله بوكرم"، حكم "الاكوادور" من "10" أغسطس "1996" حتي "6 " فبراير "1997"، أطلق على نفسه لقب "المجنون"، وهو لم ينس أبداً أنه لبناني قبل كل شئ، لذلك، جعل من هذا البلد،خلال ستة أشهر فقط من حكمه، تماماً كـ "صاحب مصر"، سلة للفضائح المدوية والأزمات، فهو لم يردعه وضعه الجديد عن أن يغني أمام الحشود علانية، ولا عن أن يحلق شاربه علي الهواء في حملة لجمع التبرعات، ولحسن حظ "الاكوادور" تم خلعه ببساطة الماء، فجمع حقائبه وفر إلي "بنما"، ولا يزال مطلوباً للعدالة! 
- الآخر هو المحامي "جميل معوض" ، تولى الرئاسة من "10" أغسطس "1998" إلى "21" يناير "2000"، لم يكن أحسن حظاً من سلفه، و اضطر تحت لفح احتجاجات سكان "الاكوادور" الأصليين بالتزامن مع تمرد عسكري أن يستقيل، وحوكم..
مع ذلك، لقد نجح بعض ذوي الجذور اللبنانية علي الصعيد السياسي في بلاد "الأمازون"، يأتي في مقدمة هؤلاء:
- "ميشال تامر"، نائب رئيسة البرازيل "ديلما روسيف"، تلك "الربعاوية" أكثر من "الإخوان المسلمين" أنفسهم!
لكل هذا أجدني لا أجد محلاً من الإعراب للمثل اللبناني الشهير هناك: "نيّال من له مرقد عنزة في لبنان"!
لا أعتقد أن شهيتي للكلام، والكلام عن الفنانة الجميلة "صباح"، جعلت الموضوع يترهل إلي حد طارت هي معه إلي ركن مهجور، فكل ما سلف مجرد مدخل ضروري لرؤية "حسونة الوادي" من كل جانب، فإن الباب الملكي للدخول إلي الشخصية التي طرأت علي"صباح" في منتصف الطريق هو هجرة أخري إلي "البرازيل"، ربما، حدثت في نفس الوقت الذي هاجرت فيه عائلة "ميشال تامر" هذا إلي هناك، إنها هجرة شقيقها الأصغر "انطوان" بجواز سفر مزيف، متنكراً في زي راهب، بعد أن قتل والدته تعقيباً علي انخراطها في علاقة محرمة مع عشيق لها من "بيروت"، كانت هذه العلاقة في ذلك الوقت حديث الناس، وكانت "صباح" تخطو خطواتها الأولي نحو الخلود في مجتمعات "القاهرة" عند وقوع تلك الجريمة، وعندما بلغها الخبر عادت ووالدها الفظ "جرجس" إلى "بيروت" عن طريق البحر، كان كل ما عرفته عن تلك الحادثة آنذاك أنها قتلت في "برمانا"، فقط، وهي، اعترفت ذات يوم أنها لم تعرف أبداً أين دفنت والدتها، اعترفت أيضاً في ذكريات روتها لـ "تليفزيون المستقبل" أنها قتلت علي يد ابنها عندما بلغته الوشايات عن ارتباطها بعلاقة محرمة مع رجل بيروتي!
والآن، أمام هذة الحادثة سوف تستحوذ علينا الدهشة من كل جانب عندما نعرف أن بيت المتنبي الشهير جداً:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذي / حتي يراق علي جوانبه الدمُ
هذا البيت ولد في جبل "لبنان"، من قصيدة قالها المتنبي وهو يهرب من "اسحق بن كيغلغ"، ويقول منها:
يحمي "ابن كيغلغ" الطريقَ وعرسُه / ما بين فخذيها الطريق الأعظم..
صدي السنين الحاكي مرة أخري، والذكريات!
علي أية حال، تلك الحادثة تحديداً كانت الأبرز بين الحوادث التي مدت جذورها في أعماق "صباح" حتي النهاية، ويمكن ببساطة أن نرد كثرة زيجاتها إلي التراكمات النفسية التي تركتها هناك هذه الحادثة تحديداً، هناك أسباب أخري طبعاً سوف يأتي وقت الحديث لاحقاً!
إن لم يكن الأمر هكذا، فما الذي كان يردعها عن ارتكاب نزواتها الجنسية في السر، أو حتي في وضح النهار، دون زواج، كما الكثيرات اللائي يلبسن أمام الناس مسوح القديسات، ويستلقين سراً علي سرير أول "عنتيل" يتودد إليهن؟
من الجدير بالذكر، أنها، قبل مقتل أمها المزري، وهي في عمر الرابعة عشر، اشتبكت في علاقة مشبوهة مع "كنعان الخطيب"، مدير إذاعة "صوت أميركا" في ذلك الوقت، كان في الأربعين من عمره، لكنه، برغم الفارق الرحب بين العمرين، استجاب لها، وسرعان ما مضغت سيرتهما الألسنة، وهذا دليل آخر علي أن إسراف "صباح" في الزواج، كان يعود إلي أسباب نفسية قبل كل شئ..
لقد كان يعشش داخلها ذعر خامل من مصير كمصير أمها، لكن، ربما دخلت الكثير من العلاقات المحرمة، ربما، وهناك الكثير من الشائعات حول قصص ساخنة كانت "صباح" أحد طرفيها،إنما حدث هذا بالتأكيد وهي في علاقة داخل إطار الزواج من أحد أزواجها ليني الطباع الذين كانت تنتقيهم بعناية تؤكد ما أقول أكثر مما تنفيه، فأغلب هؤلاء إما أكبر منها عمراً بكثير أو العكس، ويبقي اللافت أن أغلبهم كانوا متسامحين جداً، يحبون نقودها وشهرتها أكثر مما يحبون المرأة فيها، ولقد قالت هي ذات يوم:
- أحببتهم جميعاً، لكنهم اعتبروني (مدام بنك)، لم يحبني أحد! 
كذلك اعترفت بانتهاء معظم زيجاتها بسبب خيانة بعضهم لها، وأكدت أنها ساعدت أغلبهم على ولوج عالم الأضواء ودعمتهم مادياً..
من الجدير بالذكر، أنه عندما ثار الغبار حول علاقة محرمة تربطها "فريد الأطرش" كانت متزوجة من "أنور منسي"، عازف الكمان ووالد ابنتها "هويدا" التي لم تحضر جنازتها، وكانت تقيم في الشقة المقابلة لشقة "فريد الأطرش"، وهو الذي لحن أغنية "حبيبة أمها" آنذاك!
لن أفلت الخيط قبل أن أتحدث عن هذه النقطة المؤلمة، أقول:
من المؤسف حقاً أن "هويدا" تغيبت عن تشييع جثمان أمها، وأجدني، لا أستطيع أن أجد تبريراً أكثر عدالة لغيابها من الجحود، مع ذلك، أدرك أن ما تحت سطح العلاقات الإنسانية أسرار كبيرة في أغلب الأحيان لا يجوز للغرباء الدوران حولها، وهي أسرار حبلي بأسباب مقنعة للقطيعة أحياناً، لذلك، أميل إلي تصديق المخرجة "كلودا عقل"، ابنة شقيقتها الممثلة "لمياء فغالي"، لقد قالت "كلودا" عبر الصفحة التي خصصتها لخالتها "صباح" على الفيس بوك: 
- بالنسبة لهويدا، فبتمنى انو ما ينقال، قال وقيل في هذا المجال، لأن المخلوقة كانت منهارة وممنوعة من السفر، وليس لأنها بحاجة الى فلوس، بالعكس فيه كتير أشخاص طلبوا مني شخصيا انو بيجيبوها على نفقتهم ولكن ليس الموضوع موضوعا ماديا، فبتمنى من وسائل الاعلام ألا تتمادى في هذا الموضوع، لأن ما حدا بيعرف اكتر مني..
مع ذلك، يجب أن أقول أن "هويدا" مرت بأزمة صحية تعقيباً علي إدمانها للمخدرات عام "2006"، هذا أرغم الفنانة "صباح" على بيع بيتها لعلاج ابنتها بمصحة في "كاليفورنيا" بـ "الولايات المتحدة"، لتقيم بعد ذلك في غرفة في فندق "كونفورتيوم" في "الحازمية"، هي نفت هذه القصة لكنها حقيقة مؤكدة، وهي قالت في هذا الصدد: 
- هويدا تلومني لأنني تركتها وهي صغيرة، كنت غارقة في عملي، أنا أم، والأم تسامح!
أنا، من جهتي، أعتقد أن سبب الفتور في العلاقة بين الأم وابنتها يتجاوز اللوم علي مجرد إهمال بأميال ضوئية، مع ذلك، "كلودا" تعرف ما وراء الكواليس أكثر من أي أحد، وهي أيضاً كانت المصدر الجذري لخبر وفاة خالتها، قالت يوم الأربعاء قبل الماضي:
- يا أحباب الصبوحة، الصبوحة اليوم راجعة على ضيعتا، عالأرض اللي حبّتا وحبّتا، الصبوحة اليوم راحت عالسما عند الرب الكبير، راحت عند اهلا وأخوتا اللي اشتاقتلن كتير، بتودعكن وبتقلكن ما تبكوا وما تزعلوا عليي وهيدي وصيتي إلكن..
- قالتلي قوليلن يحطو دبكة ويرقصوا بدي ياه يوم فرح مش يوم حزن..بدي ياهن دايما فرحانين بوجودي وبرحيلي متل ما كنت دايما فرّحن... وقالتلي قلكن انه بتحبكن كتير وانو ضلوا تذكروها وحبوها دايماً..
وأرفقت الصفحة المنشور بأغنية الفنانة "راجعة على ضيعتنا"..
وصية هي الأشد التصاقاً بطباع "الحسونة"، ابنة "وادي شحرور"، وطن العتابا والميجنا و الأوف، ثم، ما معني أن يحزن الناس أو يتظاهرون بالحزن لموت إنسان آخر، ما معني أن يبكي ميتٌ مؤجل من اكتمل موته فعلاً؟!
لكن، ما أرق اللبنانيين، كم هي بسيطة كلمات "كلودا"، لكنها قادرة علي استدعاء الوجع، مدببة وعفوية، تشبه بالتأكيد امرأة أخري من "وادي الشحرور"!
لقد تزوجت "الحسونة" بكل هؤلاء:
- نجيب شماس، والد ابنها الدكتور "صباح شماس"، ودام زواجهما خمس سنوات، كان في عمرها أبيها تقريباً، وكانت قد تزوجته بمجرد أن بلغت السن القانونية فراراً من جحيم والدها "جرجس" الذي كان رفيقها المتسلط في "القاهرة"، وكان شديد السيطرة عليها، يتصرف بأموالها ويوقّّع العقود السينمائية نيابة عنها، في إحدى اللقاءات التلفزيونية نعتته بـ "القاسي"، وقالت أنه سبّب لها عقدة نفسية دفعتها إلى الزواج أكثر من مرة لتثبت لنفسها أنها امرأة مرغوبة، بعدما اعتاد على تذكيرها دائماً بأنها ساذجة، لكن "نجيب شماس"، لسوء الطالع، لم يكن أقلّ من أبيها قسوة، عندما قرر أن يقيم في "طرابلس" لم تستطع هي العيش بعيداً عن "بيروت" وعن "القاهرة"، ثم، عندما منعها من السفر إلي "القاهرة" لتصوير فيلمها "سيبوني أحب"، وجدت ذريعة مناسبة لطلب الطلاق، وحدث، حدث أيضاً، أنها، أمام رفضه السماح لها برؤية ابنها "صباح"، طلبت تدخل رئيس الجمهورية عن طريق ابنته "لميا فرنجية"، وحدث أن أذعن طليقها لطلب الرئيس "فرنجية"! 
- "خالد بن سعود بن عبد العزيز آل سعود"، قضت معه عدة أشهر فقط، وتم الطلاق بسبب ضغط من عائلته لتطليقه منها، كأن البدو، أهل الوبر، أرقي نسباً من الفينيقيين، يا لسخرية الزمن ووثباته الخاطئة، وغير المتوقعة! 
- "أنور منسي"، والد ابنتها "هويدا"، ودام الزواج أربع سنوات..
- المذيع المصري "أحمد فراج" ، وقضت معه ثلاث سنوات، كان شاركها بطولة فيلم "امرأة وثلاثة رجال"، وتزوجا، بدا واضحاً منذ الشهر الأول أن المسافة بين ثقافة الزوجين شاسعة، كانت عفوية ومائية الطباع، سهلة وشغوفة بكل أسباب البهجة، وكان هو متديناً، غيوراً، وصلت غيرته حداً لم يتورع معه أن يتنصت علي مكالماتها، طلب منها مراعاة الحشمة في أزيائها وعدم أداء الأدوار الساخنة أو القبلات في السينما، وهذا بسيط وأليف ومقبول، لكن الغريب أنه طلب منها تجاوز تلك الرقة التي تثير الغرائز في أغنياتها، والإبتعاد عن ذلك الدلال الجنساني في تصرفاتها، هذه التصرفات جعلتها تدرك منذ البداية أن تجربة زواجهما محكوم عليها بالفشل لا محالة، مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، لذلك رفضت فكرة أن يكون لهما أطفال، ولقد جاء هذا الوقت بعد سنوات ثلاث من زواجهما فعلاً! 
الأغرب في قصتها مع "أحمد فراج"، وهو أحد أسبابي لتسمية "صباح" بـ "الحسونة"، أنه طلب منها ألا تقف علي المسرح لتغني وتكتفي بالغناء في السينما، كان هذا الطلب الغريب رد فعل شديد العصبية علي أغنيتها الشهيرة "الغاوي ينقط بطاقيته" علي المسرح، لأن في هذه الأغنية تحديداً مقطع بلغت فيه ذروة الغنج فعلاً، تلك القدرة علي استدعاء رغبة العاجزين حتي، وهو: "حسونة ما ترد عليا"، وبسبب المحرضات الصوتية علي إثارة الغرائز في هذا المقطع أيضاً، صدر قرار بمنع إذاعة الأغنية في الراديو والتليفزيون معاً..
- الفنان "رشدي أباظة"، وقضت معه خمسة أشهر، لالتحامه في علاقة كانت لا تزال مفتوحة علي غير ما كانت تظن هي مع الراقصة "سامية جمال" حدث الطلاق، اعترفت هي بأنها أحبته أكثر من أزواجها الباقين، هو أيضاً أحبها أكثر من الأخريات، وكانت آخر كلمة نطق بها عند موته: "صباح"..
- الفنان "يوسف شعبان" ودام زواجهما شهراً واحداً..
- النائب اللبناني "يوسف حمود"، وقضت معه سنتين.. 
- الفنان "وسيم طبارة"، وقضت معه أربع سنوات..
- الفنان "فادي قنطار"، أكبر حماقات "صباح" علي الإطلاق، قضت معه سبع عشرة عاماً، كان يصغرها بأكثر من عشرين عاماً، وهذا وحده كان كافياً لأن يجعلها هدفاً مشروعاً للسخرية، بالإضافة إلي إسرافها في إجراء جراحات التجميل طبعاً، تزوجا في "لندن"، وعندما تأكد خبر زواجهما هاجمها الإعلام اللبناني بقسوة بلغت حد اتهامها بالجنون، هي أيضاً، اعترفت بأن زواجها منه كان غلطة لن تسامح نفسها عليها، وأضافت: 
- لم يكن الطلاق فقط بسبب ابتعاد "فادي" عني لبضعة أيام، كنت أفكر في ذلك منذ عامين، وكنت أعرف بحدسي إني واصلة الى هذا اليوم، إذ صار "فادي" ينشغل عني مع أصدقائه وفي البحث عن مستقبله..
هذا الكلام نصف الحقيقة فقط، ولكن ما تحت السطح خيانات وابتزاز، فملامح الرجل تفضح وصوليته، كرهته للوهلة الأولي عندما رأيته يجلس إلي جانبها للمرة الأولي ذات مساء بعيد في برنامج كان يقدمه الفنان "سمير صبري" اسمه "هذا المساء"، والأرواح جنود مجندة كما يقال..
انتشرت بعد طلاقها من "فادي" هذا شائعة بأنها تستعد للزواج من "عمر محيو" ملك جمال "لبنان" وكان عمره "25" سنة، اتضح بعد ذلك أنها كانت تساعده على الدخول إلى عالم الفن واختلقت قصة الحب والزواج وحاولت مساعدته فنيًا، وقد أنكرت هي هذه الإشاعة وقالت: 
- لو كنت أصغر بقليل لتزوجته!
أكاد أجزم بصحة هذه الشائعة، وبرغبتها الحقيقية في الزواج من ذاك الشاب لولا عراقيل وعوائق عائلية ردعت تلك الرغبة الجارفة!
انتشرت أيضاً شائعة بنيتها الزواج من الفنان "جوزيف غريب" كوافيرها الخاص، قيل أيضاً، أنها تزوجت لفترة قصيرة من الثري الكويتي الشيخ "عبد الله المبارك"، ومن الصحفي "موسى صبري" رئيس تحرير جريدة "الأخبار"، وكل هذه الأقاويل لم تخرج أبداً عن إطار الشائعات!
كانت هناك حادثة أخري، غير حادثة مقتل والدتها، تركت بصمتها السيئة في أعماق "صباح"، كانت آنذاك طفلة، لكن، ربما، لولا وقوع تلك الحادثة لخرجت "صباح" من باب الحياة إلي باب الموت كغيرها من ملايين الموهوبين الذين سقطوا في منتصف الطريق دون أن يسمع بهم أحد!
المكان بلدة "بدادون"، والزمان بداية ثلاثينات القرن الماضي، والأفق "وداي شحرور"، بلدة الموال والعتابا والميجنا، ويأتي في مقدمة شعراء الزجل المنتسبين إلي هذا الوداي بحكم الميلاد عم الجميلة "صباح" الشاعر "أسعد الخوري الفغالي"، وكان ملقباً بـ "شحرور الوادي"، ومن هنا جاء لقب "شحرورة الوادي"، لأن "صباح" كانت تحفظ وهي ما زالت طفلة كل أشعاره وترددها!
ولكي تكتمل الصورة الذهنية عن "صباح" لابد من استدعاء رائحة المكان الذي ولدت فيه من نقطة مركزة أشد قرباً، ذلك أن لرائحة المكان أثر في تكوين المرء لا يمكن إنكاره!
كان "وادي شحرور" ملكاً للامراء الشهابيين كغيره من البلدات المحيطة، وقد قسم هؤلاء الامراء البلدة الى أحياء وفق موقع قصورهم التي يبلغ عمرها حوالى "400" سنة وما زالت قائمة وحية حتي يومنا هذا، كان الأمير "شفيق شهاب" آخر الامراء الشهابيين الذين سكنوا البلدة، وقد ورثت عنه منزله ابنته "جلنار" التي تعيش فيه حاليا، فيما تعرف احياء ومنازل كثيرة في البلدة بأسماء أمراء الأسرة الشهابية الذين سكنوا فيها ومنها: دار المير "قيس"، دار المير "سليم"، دار المير "علي"، دار المير "كميل"، وأخرى تعرف بدار "حليما" كما يوجد قبر أثري للأمير "شفيق شهاب" وأخته السيدة "زاهدة"!
هؤلاء الإقطاعيون كانوا يملكون البلدة بكل ما فيها ويعتبرون السكان عبيداً للأرض لا أكثر، هذا يفسر سبب موجات النزوح الجماعي من لبنان إلي بلاد المهجر، ولقد استمر هذا الوضع سائداً حتي اندلعت ثورة "انطلياس" عام "1820"، عندما لم يعد بوسع الشعب دفع الضرائب لتغطية مطالب الحاكم العثماني "أحمد باشا الجزار"، فتخلوا عن الأمير "بشير" ونادوا بـ "حسن الشهابي" أميرا للبنان، فاضطر الوالي "عبد الله باشا" لإسكات الغضب الشعبي أن يلبي ذاك المطلب صاغراً، وأصبح "حسن شهاب" القاطن في "وادي شحرور" أميراً..
يقولون أن سبب تسمية الوادي بهذا الاسم هو كثرة طيور "الشحرور" هناك، وهو، بالمناسبة، طائر أسود اللون، لا يشبه "الحسونة"، يقولون أيضاً أن تسميته تعود إلي أصل سامي مشترك وهو "شحر"، أي السواد والظلمة، إذا صح هذا الاقتراح فهناك مفارقة مثيرة، ذلك أن اسم "لبنان" مشتق من أصل سامي، المفردة السامية "لبن" تحديداً، وهي تعني "أبيض"، قيل أن ذلك بسبب لون الثلوج التي تكسو جباله، لكن، قيل أيضاً، هو اسم سرياني مؤلف من "لب" و"أنان" وتعني "قلب الله"، لشهرة جبال "لبنان" كموطن للآلهة عند الأقدمين، ومن جهتي، لا أري تعارضاً كبيراً بين الرأيين، كما أن هناك إلهة قديمة أسطورية تسمي "أنانا" فعلاً!
لكن، بالنسبة إلي أصل تسمية "وادي شحرور"، هناك رأي آخر يقول أن ذلك يعود إلى "مشحرر" المشتقة من "حرر"، أي أعتق، وأنا أميل إلي هذا الرأي، فلقد كان أهل الوادي عبيداً للأرض فعلاً قبل أن يمتلكوا هذه الأرض لأنفسهم!
من كان يصدق في ذلك الوقت أن طفلة سوف تولد في "بدادون" في العاشر من أكتوبر عام "1927" سوف يركع لتقبيل يدها أمراء العثمانيين في مركز الخلافة؟، من كان يصدق؟، إنها "جانيت فغالي" بطبيعة الحال، الحسونة!
كانت المولودة الثالثة لعائلة "جرجس فغالي"، ابن "كاهن الرعية"، بعد شقيقتيها "جولييت" و "لمياء"، وكما يحدث في مجتمعات القاع عادة، قيل أن والدتها عندما علمت أنها ولدت بنتاً لم تستطع كبح دموعها، فالعائلة كانت تريد صبياً، قيل أيضاً، أنها امتنعت طيلة يومين عن إرضاعها، ولولا توسلات شقيق زوجها الشاعر "أسعد فغالي"، "شحرور الوادي" ما كانت لترضع الطفلة، لتطرد بطنها بعد أقل من عامين من ولادة "صباح" قاتلها "انطوان"، ما أغرب الدنيا!
كانت الحياة في البيت هادئة، راكدة، فيوميات العائلة متشابهة التفاصيل، كانت والدتها، حسب روايتها هي، خفيفة الظل، مرحة، وشغوفة بالفن، وكانت اهتمامات أبيها تنصب علي زراعة قطعة الأرض التي يمتلكها في البلدة، وبسيارته "الفورد" العمومية التي يقودها السائق "طنوس"، لكن، ما لبث هذا الهدوء والسلام العائليّ أن ارتبك وتبدل بمقتل شقيقتها الكبري "جولييت" من جراء اصابتها، وهي في العاشرة من عمرها، بطلق ناري في مشاجرة بالأسلحة حدثت في البلدة، انتقلت الأسرة علي وقع تلك الحادثة المؤلمة للإقامة في العاصمة، ولقد شكلت هذه الهجرة الداخلية من الريف إلي "بيروت" نقطة تحول جوهرية، بل، ربما، انتشلت "صباح" من احتمالات النسيان!
في منطقة "جل الديب"، وهي إحدى القرى اللبنانية من قضاء المتن في "جبل لبنان"، حسب روايتها، وقعت قصة غريبة كانت "صباح" تحتفي بالحديث عنها كثيراً، لقد ذهبت مع العائلة إلي هناك لزيارة إحدى العائلات، قال لهم صاحب البيت: 
- بالقرب من منزلنا كنيسة، كل من يدخلها للمرة الأولى ويطلب أمنية معينة تتحقق! 
تحينت "صباح" فرصة انشغال الباقين بتناول الطعام وتسللت إلى الكنيسة بهدوء شديد واحتراس، بكت وهي تصلي داعية الله أن يحقق أمنيتها الوحيدة: 
-أريد أن أصبح مطربة ناجحة ومشهورة..
إنها واحدة من المرات القلائل التي استجابت فيها القوي الإيجابية في الطبيعة لتوسلات أحد دون شروط!
وفي "بيروت"، التحقت "جانيت" بمدرسة "القلب الاقدس" في "الجميزة"، وهناك، بدأت تغني في المناسبات المدرسية، وهناك، علي حين غرة، كانت علي موعد مع اللحظة التي كانت نجمة كبيرة تتهيأ للميلاد سوف تسكنها هي بعد سنوات قليلة! 
لقد حضر "قيصر يونس"، صهر المنتجة "آسيا داغر"، إحدي المناسبات في مدرسة "القلب الأقدس"، ورآها تمثل، أو رأي فيها نجمة مؤجلة في الحقيقة، فاقترب من "جرجس فغالي"، وقال له:
- حرام ألا تدخل ابنتك السينما!
لم يكن إعجاب "قيصر يونس" وحده كافياً لدخول "الحسونة" إلي رحاب الضوء بتلك السهولة بطبيعة الحال، إنما إعجاب "قيصر يونس" وقوة اللحظة معاً، فالحياة هي صراعٌ واشتباكٌ واختلافٌ، لذلك، ما الخلود إلا ذلك القدر الذي ينجو من الذوبان في لهيب المعركة، ويتبقي من الإنسان بعد الانسحاب من حلبة الحياة إلي مثواه الأخير، فإن الخالدون درجات تماماً كالناس، ولولا وجود "صباح" في الحياة في نفس المدة الزمنية مع مواطنتها "ألكسندرا بدران"، الشهيرة بـ"نور الهدي" لحظيت الأخيرة بمساحة أكبر من الضوء، ودرجة أعلي من درجات الخلود، فما من شك أن خفوت ذكر "نور الهدي" يعود بالأساس إلي وجود "صباح" في نفس المدة الزمنية !
في ذلك الوقت، كان "يوسف وهبي" قد اكتشف صوت اللبنانية "نور الهدي"، وللحقيقة أن مكتشفها هو زوج عمتها ووالد الممثلة اللبنانية "فريال كريم" في الوقت نفسه، كان والدها يعمل في "تركيا"، وولدت هناك قبل ميلاد (ضرتها الفنية) بثلاثة أعوام فقط، لكنها عادت إلي "لبنان" طفلة فراراً من قسوة والدها، بلغ من القسوة حداً لم يتورع معه عن سجنها في بداياتها لإحيائها حفلاً بسينما "كريستال" في بيروت، هكذا قيل، لكنه، أذعن في النهاية للأمر الواقع بعد وساطة الكثيرين من أفراد العائلة بشروطه، لقد اشترط أن يرافقها في كل حفلاتها، هذا دفع الصحف المصرية أن تطلق علي الأب وابنته: (نور الهدي وخيالها)!
ما أغرب التشابه بين بداية النجمتين!
كان احتكار "يوسف وهبي" لـ "نور الهدي" خطأً كبيراً دفع الشركات المنافسة للبحث عن نجمة تعترض طريق هذه النجمة المحرمة، ولسوء حظ "ألكسندرا"، ولحسن حظ عشاق "ساعات ساعات" و "يا دلع" و "عالندا" و "ع الضيعة" و "ع البساطة البساطة" و "الغاوي ينقط بطاقيته"، وقع اختيار "آسيا داغر" علي مواطنتها "صباح" طبعاً لحمل أعباء تلك المهمة، ولقد اعترضت بريق "نور الهدي" بنجاح، ربما، حدث هذا لسبب واحد، لقد كانت المسافة بين "صباح" الإنسانة و "صباح" الفنانة قصيرة جداً، جداً، لا تلمسوا شيئاً!
برفقة والدها القاسي، وصلت "صباح" إلي "مصر"، وفي أحد مقاهي شارع "فؤاد الأول"، خلع عليها الشاعر "صالح جودت" اسمها الفني الذي عرفت به بوحي من وجهها الذي كان مشرقاً كنور الصباح، وكان أول خطواتها في عالم السينما فيلم "القلب له واحد" مع الفنان "أنور وجدي" عام "1943"، أحرز الفيلم نجاحاً متوسطاً، لكن جدران القلوب كانت قد تراجعت أمام فتنة تلك الشقراء فعلاً، وأصبحت منذ ذلك الوقت فاكهة في غير موسمها حقيقة، كانت قد نجت!
بمرور الوقت أصبحت أيقونة للموضة، لا تهتم فقط بتفاصيلها، بل تتوغل في التفاصيل حتي جذورها، ربما، لم تكن "صباح" هي الأجمل بين نجمات جيلها، لكن، تناقضها بالتأكيد، بالإضافة إلي حياتها المزدحمة بالشائعات والأسرار، جعل منها واسطة العقد بين نجمات تلك المرحلة، لذلك، ليس أبداً من الغرابة بمكان أن تكون هي رائدة للباحثات عن الشباب الدائم، ولذلك، جازفت بالخضوع لجراحات التجميل حتي قبل أن يصل هذا التخصص درجة النضج التي هو عليها الآن، وهذا أضرها كثيراً، لقد اختفت تعبيرات وجهها الطبيعية، وتآكلت لغة جسدها تماماً، فاستحالت مثل تمثال من حلوي أشقر الشعر في النهاية!
هوس غير مبرر بالمظهر الخارجي كان يحاصر عقلها من كل الجهات، وهي، قالت ذات مرة، ربما، في لحظة من التفكير السليم:
- قضيت عمري سجينة بشكل ملوّن، وإطار لمّاع، وأناقة مفرطة!
وكانت تردد دائماً:
- نحن "آل فغالي" نحتفظ بشكلنا الخارجي الحسن حتى مع تقدمنا في السن، هكذا كان والدي وخالي وعمي!
وأجابت، مراراً، علي سائليها عن سر شبابها الدائم: 
- لا أدخن، لا أشرب الكحول، وأنام مبكراً.. 
رحلة طويلة، تركت خلفها، عندما ألقت عصاها و استقر بها النوي، كما قر عيناً بالإياب المسافرُ: 
"83" فيلماً بين مصري و لبناني، و "27" مسرحية لبنانية، وحوالي "4000" أغنية بين مصري ولبناني، وهي، كانت ثاني فنانة عربية بعد "أم كلثوم" في أواخر الستينات تغني على مسرح "الأولمبيا" في العاصكة الفرنسية "باريس" مع فرقة "روميو لحود" الاستعراضية في منتصف السبعينات، وقفت أيضاً على مسرح "كارناجري هول" في "نيويورك"، ودار الأوبرا في "سيدني"، وقصر الفنون في "بلجيكا"، وقاعة "ألبرت هول" في "لندن"، وغيرها..
في مارس "2003" قررت الهجرة إلي "أميركا" نهائياً لتعيش إلى جانب ولديها، وبررت قرارها بضيق سبل العيش في "لبنان" وشعورها بالوحدة، لكنها لم تلبث أن عادت إلي "لبنان" بعد شهرين أو أقل لشعورها بالعجز عن العيش خارجه، وانتقلت للإقامة في منزل شقيقتها الممثلة "لمياء فغالي" وابنتها "كلودا عقل"، وعند وفاة "لمياء" انتقلت الى "كونفورتيوم" ليكون مقراً نهائياً لها..
لا أجد مقولة أشد جمالاً وحدة تشبه ما كان يدور في عقل "الحسونة" ولا تستطيع صياغته كلمات أجمل من مقولةٍ للرسامة المكسيكية الشهيرة "فريدا كاهلو"، تلك المعاقة التي تفوقت اللبنانية الجذور "سلمي حايك" علي نفسها في تجسيد شخصيتها في فيلم "فريدا" الذي يسرد حياتها، قالت:
- أتمنى أن يكون خروجي من الدنيا ممتعاً، وأتمنى أن لا أعود اليها ثانية!
يوم الأربعاء قبل الماضي، كان هناك نعي آخر للحسونة، برغم خلوه من إحساس الصدمة ونبرة ألفة الوداع في طياته، ربما يقل حرارة، لكنه لا يقل جمالاً عن نعي "كلودا عقل"، إنه نعي موقع الجرس:
- "صباح" في ذمة الله، منذ ساعة نامت "صباح" للأبد، رحلت وهي غافية مثل الملاك نامت، الكل مرتبك و "صباح" في غرفتها هادئة دون نفس، والعائلة الصغيرة تفكر باستدعاء ولديها، وقرار موعد الدفن يقرره ابن عمها، وبعد أن تقوم الهيئات المعنية بالنعي الواجب والمراسم اللازمة لقامة فنية بمستوى "صباح"..
لقد طارت "الحسونة"، طارت بعيداً، إلي حيث تلتقي هناك الفصول الأربعة طارت "الحسُّونة"، فوداعاً، مع الموتي، ذلك أفضل جداً..

الخدعة المخبأة وراء المشروع الأوروبى للاعتراف بفلسطين

كشف رئيس شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أن مشروع القرار الأوروبي الذي تنوي عدة دول تقديمه أمام مجلس الأمن بهدف إنهاء الاحتلال، بقيادة فرنسا، يتضمن الاعتراف بيهودية الدولة، فضلاً عن بنود أخرى تتعلق بإعادة توطين وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية.
ولفت عريقات خلال لقاء نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة (مسارات) في مقره بالبيرة، إلى أن "مشاورات فلسطينية - فرنسية مكثفة تجري بشأن هذا المشروع، الذي يهدف إلى إنهاء الاحتلال عبر سقف زمني للمفاوضات تستمر حتى نهاية 2017".
وقال إن "فرنسا ستقدم مشروع قرار إلى مجلس الأمن يشكل جسراً باتجاه إقامة الدولة الفلسطينيّة، من خلال تحديد عدة أسس لاستئناف المفاوضات".
وأكد أن "المشروع يقوم على وضع سقف زمني محدد للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ضمن عمليّة تستمر حتى نهاية العام 2017، ومن ثم ستعترف فرنسا، ووربما بعض الدول الأوروبيّة، بالدولة الفلسطينيّة".
وأشار إلى أن "كلا من ألمانيا وبريطانيا قد دخلتا على خط صياغة مشروع القرار، وأن الأخيرة طرحت بعض النقاط الإضافيّة التي لا يوافق عليها الجانب الفلسطيني، وخصوصاً محاولة الزج بالدولة اليهوديّة من خلال تضمين مشروع القرار بنداً حول القرار 181 مع النص على أنه يتضمن إشارة إلى دولة عربيّة ودولة يهوديّة، وبنداً آخر يتحدث عن إعادة توطين وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب نقطة تشير إلى نزع سلاح الدولة الفلسطينيّة".
ورفض عريقات "القبول بالدولة اليهوديّة لأن الاعتراف بها سيدحض الرواية التاريخيّة الفلسطينيّة ويعني إقراراً من الفلسطينيين بأن فلسطين ليست وطنهم".
وأوضح أن "الوضع الراهن هو أخطر وضع على القضيّة الفلسطينيّة، خصوصاً بعد فشل الإدارة الأميركيّة على مدار تسعة أشهر في التوصل إلى اتفاق على المبادئ بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأنه بعد انتهاء هذه المهلة لم تجد القيادة مجالاً إلا التوجه نحو تدويل القضيّة الفلسطينيّة، من خلال الاستفادة من الاعتراف الأممي بالدولة، الذي يتعزز باستمرار من خلال اعتراف الدول والبرلمانات بالدولة الفلسطينيّة، وكان آخرها البرلمان الفرنسي الذي صوت لصالح الدولة الفلسطينيّة".
وحول الإستراتيجية الفلسطينية لمجابهة التحديات، قال عريقات إنّها "ترتكز على عدد من المحاور، أولها إحباط أهداف الإستراتيجيّة التي تنفّذها حكومة نتنياهو من خلال جعل السلطة الفلسطينيّة سلطة من دون سلطة، والاحتلال من دون كلفة، وإبقاء قطاع غزة خارج الفضاء الفلسطيني، في سياق فرض وجود دولة استعماريّة عنصريّة واحدة بنظامين"، مشيراً إلى "تصعيد الإجراءات الإسرائيليّة، بما في ذلك حزمة القوانين الخمسة التي تشمل الدولة اليهوديّة، وقسم الولاء، والطرق المعقّمة، والحافلات، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات".
وأضاف أن "مرتكزات الإستراتيجيّة الفلسطينيّة تشمل أيضاً تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام، وإعادة النظر في العلاقات الفلسطينيّة الإسرائيليّة انطلاقاً من مبدأ تبادليّة الالتزامات، وتدويل القضيّة الفلسطينيّة".
ودعا إلى "الاستفادة من الفرصة التاريخيّة السانحة لعودة فلسطين إلى خارطة الجغرافيا، من خلال التوجه إلى مجلس الأمن، والانضمام إلى المزيد من المواثيق والوكالات الدوليّة، واستمرار العمل لعقد اجتماع للأطراف المتعاقدة السامية على مواثيق جنيف في 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وكذلك العمل من أجل تطبيق نظام خاص لحماية المدنيين في زمن الحرب"