09 ديسمبر 2014

السفير د. عبدالله الأشعل يكتب : اقتصاديات التخلف

اقتصاديات التخلف
يقصد باقتصاديات الشيء المنافع والمزايا فهو معني ايجابي ، أما اقتصاديات التخلف فلها معني اخر ويقصد بها في هذا المقام الخسائر والاعباء التي تقترن بحالة التخلف والتي تزيد حالة التخلف واعباءها سوءا
وللتخلف عدد من الاعباء المالية والاجتماعية والنفسية بعيدة المدى التى تترتب على التخلف. وقد حاولت أن أجد تعريفاً دقيقاً موضوعياً للتخلف فعدت إلى ما قرره منذ خمسين عاماً عميدنا الاشهر المرحوم زكى شافعى الذى وقف فى مثل هذا اليوم من خمسين عاما لكى يعرف التخلف تمهيداً للحديث عن التنمية التى تؤدى إلى التقدم فأخذ يستعرض معايير التخلف وأمارات التقدم لكى يصل فى النهاية إلى استبعاد كافة المعايير وأن ينتهى إلى ما انتهيت إليه اليوم بعد خمسين عاماً من التأمل والدراسة بأن التخلف هو التخلف. ولكن التخلف والتقدم صفتان للدولة تصل إليهما بطرق مختلفة. فقد اخترعت التنمية لكى تؤدى إلى أن تقف الدولة فى صفوف الدول المتقدمة والتى اطلق عليها حتى بداية عصر المعلومات الدول الصناعية. ومنذ ذلك الوقت أصبحت هناك دول متقدمة لم ترتد إلى الوراء ودول متخلفة حاولت أن تتقدم وأطلق عليها خلال هذه المحاولة الدول النامية والقليل منها أكمل مرحلة مهمة من نموه ولكنه ليس معدوداً من المتقدمين وأما البعض الآخر فقد أنقلب على عقبيه وأنهارت آماله فى التنمية وأصبح لدينا اليوم تصنيف جديد هو الدول المتقدمة وكلها دول أوروبية والدول النامية وعددها قليل من العالم الثالث على رأسها تركيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا أى معظم دول منظمة البركس وأما المرتبة الثالثة فهى الدول الريعية التى تعيش على ريع المورد كالبترول وتنفق دخلها لتحسين الحياة دون أن تأمل فى أن تنضم إلى الدول المتقدمة، ثم هناك أخيراً الدول المرتدة وهى التى تسرع إلى الوراء فى جميع المجالات، وليس عيباً أن نقول أن مصر أنضمت إلى هذه الدول والدليل هو تراجع مصر فى جميع المؤشرات الدولية بلا استثناء وعلى من لديه عكس ذلك أن يدلنى عليه . هناك أكثر من ثلاثين مؤشراً تحتل فيه مصر مراتب متقدمة أى تقترب من القاع وكان أخرها ترتيب الفريق القومى المصرى لكرة القدم فى إطار الفيفا حيث تحتل مصر المرتبة الستين وتقع فى المربع الأخير من الدول الكروية. ولابد أن يدعونا هذا بالمناسبة إلى البحث عن أسباب الانهيار حتى يمكن أن نوقفه ثم نبحث عن أسباب التقدم ولكننا حتى الأن نخادع أنفسنا وقد تبين لى مؤخراً أن التقدم والتخلف صفتان ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بالادراة والنظام وإلا كيف نفسر أن دولة متخلفة مثل تركيا أصبحت فى عداد الدول المتقدمة بعد نجاح تجربة التنمية فيها ، وهى تنمية بالمناسبة شاملة اقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية ونفسية. وليس صحيحاً أن التخلف يلحق بالشعوب لأن هذه الشعوب كما رأينا تستطيع أن تسهم فى التقدم إذا كان هناك نظام يحتويها ويحدد لها مساراتها والادلة على ذلك لا تحصى ولكن تكفى الإشارة إلى مثالين أثنين ، الأول هو لماذا يبرع أبناء العالم الثالث عندما يعملون فى دول أخرى لديها نظام أو يتفوقون فى دراساتهم ويبزون أقرانهم فى الجامعات الغربية. أما المثل الثانى فهو ما لاحظته خلال زيارة أخيرة فى الجامعات الأمريكية وهو أن معظم الشعب الأمريكى ينتمى إلى العالم الثالث ومع ذلك لا يتصرفون فى الشارع تصرفاً متخلفاً وإنما يضبطهم النظام، وما تحتاجه مصر هو أن يوضع فيها نظام ثم يقوم النظام بالقضاء على الشخصانية وأن يتم كل ذلك بحكم القانون فى كل جوانب الحياة فيظهر القانون أمامنا ويتوارى الأشخاص وهذه البيئة هى التى صنعت التقدم من عناصر تنتمى إلى عوالم التخلف وأن أدعو المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ومراكز الابحاث فى مصر أن تجرى دراسة لهذه النقطة وتستقصى سلوك المصريين مثلاً فى الولايات المتحدة فلا نكاد نلحظ مصرياً واحداً خرج على النظام أو انتهك القانون وإنما وفر له القانون البيئة الصالحة للامان والحرية والاستقرار والازدهار.
ولكل وضع اقتصادياته ولكن لا نلاحظ حديثاً عن اقتصاديات التقدم لأن التقدم فى ذاته وهو ارادة وقيادة يصنع التقدم ويضيف إليه تماماً كالغني يزيد الغنا والعلم يزيد العلم على خلاف المقابلات فى هذه النقطة ولذلك من الوجاهة بمكان أن تهتم مراكز البحوث بدراسة اقتصاديات التخلف أى التبعات والاثار والخسائر المترتبة على التخلف وفى هذه المقالة نقدم بعض الاضاحات التى تحتاج إلى احصائيات ودراسات. ففى مجال الاقتصاد هناك الكثير من الجوانب الخاصة بتركيب الاقتصاد والمؤشرات الاقتصادية والعمالة والبطالة والانتاجية ومستوى الجودة والتنافسية والقدرة على التصدير والاكتفاء والوفاء بالحاجات والتطوير والابتكار والبحث العلمى فى المجال الاقتصادى والشراكات الاقتصادية ووضع الاقتصاد ضمن الاقتصاديات الدولية وأوضاع العملة وعلاقتها بالعملات الأخرى وغير ذلك من المؤشرات الاقتصادية. وقس على ذلك فى مختلف المجالات التى تعكسها المؤشرات ولكنى أشير بصفة خاصة هنا إلى تكاليف التخلف فى مجال الجهل الطبى والصحى والدوائى والتخلف فى مجال عدم الوعى بقواعد المرور واحترامها، وبهذه المناسبة فإن المقارنة بين ضحايا الطرق والنقل فى مصر مثلاً حيث يتجاوز العدد المائة ألف بالاضافة إلى أضعاف هذا العدد من المصابين الذين يحتاجون إلى علاج كما يؤثرون على الانتاج إذا كانوا يعملون، وبين دولة متقدمة تحترم فيها قواعد المرور وتطبق القواعد على الجميع فلا تقع حادثة إلا نادراً ومن أشخاص لديهم مشاكل نفسية. بهذه المناسبة أيضاً فإن حالة الاكتاب القومى التى تصيب الشعب عادة بسبب تدهور الأوضاع تؤثر تأثيراً فادحاً على انتاج الناس واقبالهم على العمل. أما فى مجال الصحة فإن التخلف يعنى نوعية هابطة من الاطباء وغش فى الأدوية وانحدار مستوى الخدمات الحكومية وانتشار الامراض الضعيفة انتشاراً وبائياً وقلة الامكانيات المادية المخصصة للصحة مما يؤدى إلى المزيد من الانهيار ولكن إذا تمت ادراة الصحة بالوعى والتعليم والاخلاص والرقابة والدقة فإنها تصنع التقدم حتى فى بيئة متخلفة. صحيح أن العلاقة بين القطاعات وخصوصاً التفاعل بينها وقيادة قطاع منها لبقية القطاعات من المسلمات الاقتصادية فى علم الاقتصاد ولكن يجب دراسة فكرة النهوض فى قطاعات معينة تخفف من مظاهر التخلف وتمد المجتمع بعناصر نافعة للقطاعات الأخرى. فلا شك أن ارتفاع معدل الاصابات من الحوادث والتلوث يؤدى إلى المزيد من نسب الاعاقة البشرية فى المجتمع حتى أظن أن القهر السياسى والاقتصادى والاجتماعى والبلاهة السياسية والعجز عن التغيير واهدار الكرامة عبر أجيال كثيرة يؤدى إلى تخلف جينى لا يبرأ منه المجتمع إلا بعد أجيال من لحظة الوصول إلى الجيل الأول بعد الاصلاح. ولا نظن أن القهر الأمنى وحالة الخوف من الشعب واهتزاز النظام وارتفاع اعداد المعتقلين ووتيرة التعذيب فى السجون إلا أن تكرس مظاهر جديدة للتخلف وخلق النفوس السوداء والاحقاد وهذا كله له تكاليف اقتصادية هائلة. يضاف إلى ذلك أن الدولة المتخلفة تعانى من الفساد وقد تم رصد مقابل الفساد فى منظمة الشفافية الدولية والذى يمثل فى بعض الدول معظم ميزانيتها. فلوكانت الدولة مدينة بمبلغ معين لا يستطيع الاقتصاد أن يفى بالدين وخدماته ويشكل ذلك نسبة عالىة من الناتج القومى الاجمالى ويصبح الدين حدبه على ظهر الدولة تؤدى به إلى التقوس والعجز ثم الافلاس، فإن نسبة الفساد تفوق معدل الدين وهذه حقيقة علمية ثابتة بالاحصائيات. وحتى الموروث الثقافى والعادات والقيم السلبية والتقاليد يترتب عليها تكاليف اقتصادية يصعب حصرها ولكن هذه العادات مثلاً فى مجال الحفلات والاعياد قد تدخل السرور على القلوب ولكنها تسجل تراجعاً مخيفاً فى المجال الاقتصادى وأخيراً فإن التعليم الهابط والاعلام المتدهور والثقافة السطحية تخرج مجتمعاً يعانى من العاهات الاجتماعية والثقافية وتنتشر فيه القيم السلبية مثل الخرافات والنصب والاحتيال والمخدرات وكل مايضر بالصحة ويعتبر أرضا صالحة لازدهار عناصر تتغذى على النفاق والسطحية والخداع مما يؤدى إلى أثار اجتماعية خطيرة وتفكك الأسر وارتفاع معدل التوترات الاجتماعية مما يثقل كاهل الاجهزة الامنية والقضائية، وتزدهر فى هذه البيئة قيم الاستبداد والدكتاتورية والسلوكيات الشكلية المظهرية والاحقاد الطبيقة وانحسار قيمة القانون.
أننى أرجو أن يهتم المتخصصون فى الاقتصاد والاجتماع والثقافة والأمن والصحة وغيرها بإجراء أبحاث مشتركة حول اقتصاديات التخلف والبحث عن أسباب التقدم، لأن خسائر التخلف إذا قورنت بفضائل التقدم فسوف يظهر أن التقدم فى ذاته عملية اقتصادية يجب الحرص عليها والسعى لنوالها. ويجب أن يهتم البحث بالعلاقات الاقتصادية الدولية وخرافة المعونات الاقتصادية وان يفحص مدى صحة ما يتردد من أن أسباب تقدم المتقدمين هى نفسها الأسباب التى يحرصون على تخلف المتخلفين لأن الفضاء لا يتسع لكل الدول فى سلة واحدة وأن التبادل والانتفاع المتبادل يحتم وجود التخلف والتقدم ويجب أن يشمل البحث أخيراً خرافة حوار الشمال والجنوب التى استمرت عقوداً طويلة وانخداع العالم الثالث بما يسمى حوار الجنوب الجنوب، ونحن فى العالم العربى إذا صحت هذه المقولة أولى بالحوار لولا أن دوانا واقتصادياتنا تتحدد مصائرها وأقدارها بالبيئة الدولية التى تعيش فيها والتى تفرض عليها أن يكون التقدم والتخلف قراراً سياسياً.

بلال فضل يكتب: الدبوس في الأستيكة!

حُسن ظني بعقلك الراجح، وأملي في استفادتك من دروس الماضي، يجعلاني أستبعد أن تكون في الأيام التي أعقبت فضيحة تسريب تسجيلات منسوبة لبعض قادة القوات المسلحة، قد ظننت ولو لوهلة أن أحداً من أولئك القادة سيتعرض للحساب والعقاب، أو أن تكون قد تخيلت استقالة النائب العام الذي نسب إليه اللواء ممدوح شاهين أنه طلب تزوير أوراق حبس سيئ الذكر محمد مرسي، أو أن تكون قد انتظرت صحوة وطنية تدرك ضرورة التوقف عن انتظار الخير والتقدم من عقول مَرَدت على الفساد والتزوير، فأنت تعلم أن نسخة الوطنية الحالية تقتضي التحلي بأخلاق ذلك "المواطن الشريف" الذي قيل له أن زوجته تخونه مع الأسطى عبد الفتاح الكهربائي، فرد بكل إباء وشمم "يا راجل ده لا كهربائي ولا بيفهم في الكهربا".
أخطر ما في التسريبات، أنك بعد أن ينتهي ذهولك من مضمونها، ثم تنتهي سخريتك من ذهولك من مضمونها، ثم ينتهي جدالك مع من يغضبون من ذهولك وسخريتك، سيكون عليك بعدها تذكُّر أنك مضطر للعيش المشترك مع من يجمعون في نفس المناقشة بين إنكار التسجيلات والصياح ببجاحة "برضه بنثق في السيسي مهما عمل". ستتغير السلطة الفاشلة القاتلة يوما ما ولو بسلطة أفشل وأشد قتلاً، لكن متى وكيف سيتغير "البشر" الذين كانوا يهللون لبث مكالمات تليفونية خاصة ويسخرون ممن يسأل عن قانونية تلك التسجيلات وعن تأثيرها على المدى البعيد، ثم ها هم يتذكرون فجأة أن هناك اختراعات اسمها الشرف والعيب والقانون، مع أن التسجيلات المنسوبة للقادة دارت في قلب مكاتب مملوكة للشعب، ولم تتضمن مجرد آراء لا تخص إلا أصحابها، بل كانت تتضمن ارتكاباً لجرائم صريحة في حق العدالة، وإذا كان ممكناً الدفع بعدم قانونية استخدام التسجيلات كدليل لمحاكمة المتورطين فيها، فلن يكون ممكناً أبداً دفعها بعيداً عن عقل ووجدان وضمير كل من يخاف على بقاء مصر رهينة لدى هؤلاء الذين فشلوا في كل شيء، إلا القتل.
متابعة ردود الأفعال العنيفة من مهاويس السيسي على التسجيلات، تكشف هذه المرة خوفاً شديداً من مواجهة أسئلة كثيرة يجب أن ترعب الجميع أياً كانت توجهاتهم: هل يحكم مصر قادة يُسجِّلون لبعضهم تطبيقا للفكر المملوكي الذي يدرك أهمية "المستمسكات" اللازمة لتأمين أبواب الخروج الآمن؟ أم أن هناك اختراقاً حدث لجهة سيادية قامت بالتسجيل بحكم عملها الذي يقتضي مراقبة دائمة لمكاتب المسؤولين؟ هل هناك تصفية حسابات داخل المطبخ؟ أم انتقام موجه من طرف "مقلوش" أو مقموص؟ ولماذا وصل الارتباك بالنائب العام لدرجة أن يصدر بياناً متعجلاً يعلن فيه التحقيق في التسريبات ويصفها بأنها مفبركة في نفس البيان؟ هل فقدت الدولة العريقة ثباتها الانفعالي في التزوير الذي أخذ منها "راقات"؟ ولماذا لا تستغني عن خدمات الهواة لتستعين بخبرات مخضرمي التزوير صفوت الشريف وزكريا عزمي وحبيب العادلي وكلهم يتمنون رد جمايل السيسي عليهم؟
فليهرب من شاء إلى وطنية الشتائم ولغة التخوين، فذلك لن يجيب على المزيد من الأسئلة المفزعة التي تطرحها التسريبات: كيف يمكن لأناس اجتمعت في أيديهم سلطات لم تجتمع من قبل إلا لجمال عبد الناصر بعد تأميم قناة السويس، ومع ذلك يبدو عليهم كل هذا الارتباك والخوف من انفضاح أفعالهم أمام الدول المانحة التي تنتظر منهم باطلاً قانونياً منضبطاً؟ وكيف يتطوع لواء جيش لتزوير ورقة رسمية ثم يقول بتلقائية "ما يؤمرش عليك ظالم"، إلا إذا كانت كل مفاهيمه عن الدين والعدالة مشوشة بشكل مفزع؟ وإذا كان من الممكن أن تبني الدولة سجناً بكل هذه البساطة "فُكّ هنجر وركبه في حتة تانية وحُط قدامه كام عربية أمن مركزي وحراسة"، فلماذا لا تظهر التعقيدات والصعوبات إلا في ما يمكن له أن يجعل حياة الشعب أفضل؟ وهل يمكن أن يصدق عاقل أن هناك عدالة حقيقية في مصر بعد أن استمع إلى عبارات مثل "النائب العام بيقولي أرجوك اضربوا أي تاريخ قديم القضية هتبوظ.. النيابة قالوا لنا معاكوا خمستاشر يوم ستِّفوا اموركم براحتكم.. أي أوامر يعني في التزوير ما تقلقش.. الموضوع ده كان قالقني وبصراحة اتظبط والنائب العام انبسط جداً جداً جداً.. بعينهم ولاد الكلب مش هيشوفوها مش هيشمتوا فينا".
عن نفسي، لا أنتظر إجابة على كل هذه الأسئلة، لأنني مشغول أكثر بالإجابة على أخطر سؤال ظهر في تسريب سابق للسيسي، ولا أظنك تختلف معي في كونه السؤال الذي يتوقف عليه مستقبل مصر في السنين القادمة، أقصد طبعا سؤال "مين النتن اللي حط الدبوس في الأستيكة"؟

د. فيصل القاسم : حدث في رومانيا.. ويحدث الآن في بلاد الربيع العربي

هناك نموذج مشؤوم للثورات الحديثة كان يجب على كل شعوب وثورات الربيع العربي أن تتعلم منه كي لا تقع في الحفرة التي وقعت فيها الثورة الرومانية الشهيرة في عام 1989، ففي نهاية ذلك العام وبعد حكم ديكتاتوري قل مثيله في التاريخ الحديث انتفض الشعب الروماني على الطاغية سيء الصيت نيكولاي تشاوسيسكو الذي كان صديقاً حميماً لبعض الطواغيت العرب، وتمكن الثوار خلال أيام من إسقاط واحد من أحقر وأعتى الطغاة في القرن العشرين. وانتهت بمحاكمة الطاغية خلال ساعتين فقط بإطلاق الرصاص عليه وعلى زوجته. 
لقد ظن الشعب الروماني أنه بعد التخلص من الطاغية أن ثورته قد نجحت، وأن نظام تشاوسيسكو قد ولّى إلى غير رجعة، لكن الثوار كانوا ساذجين للغاية، فقد كان لهم الحرس القديم، أو ما يسمى بالدولة العميقة بالمرصاد. فبعد أن ارتدى الديكتاتور الجديد ثوب الثوار، وامتدح الثورة، وهنأ الشعب على ثورته، راح من وراء الكواليس يخطط لانفلات أمني رهيب في البلاد، حيث ﺑﺪﺃﺕ ﻣﺠﻤوﻋﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻟﻴﻦ ﻳﻬﺎﺟﻤﻮﻥ ﺑﻴﻮﺕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻟﻤﻨﺸﺂﺕ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ، ﻭأخذ ﺟﻨﻮﺩ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻳﺘﺼﺪﻭﻥ ﻟﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺭﻭﻣﺎﻧﻴﺎ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺣﺮﺏ، ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺒب في ﺇﺣﺴﺎﺱ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃنين ﺑﺎﻟﻬﻠﻊ ﻭﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻷﻣﻦ. وﻣﻊ ﺍﻻﻧﻔﻼﺕ ﺍﻷﻣﻨﻰ ﺍﻟﻤﺘﻌﻤد وغياب الخدمات الأساسية، ﺍﺭﺗﻔﻌت ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ، ﻭﺃﺻﺒﺤت ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ في غاية الصعوبة والفوضى.
في هذه الأثناء، كان الإعلام ﺍﻟﺨﺎﺿﻊ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ يلعب ﺩﻭﺭﺍً ﻣﺰﺩﻭﺟﺎً، ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺳﺎﻫﻢ في ﻧﺸﺮ ﺍﻟﺬﻋﺮ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺸﺎﺋﻌﺎﺕ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﻟﻴﺔ، ﻭﻓي ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺭﺍﺡ ﻳﻤﻌﻦ ﻓي ﺗﺸﻮﻳﻪ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺜﻮاﺭ. ﻭﺗﻮﺍﻟﺖ ﺍﻻﺗﻬﺎﻣﺎﺕ ﻟﻤﻦ ﻗﺎﻣﻮﺍ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺓ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺧﻮﻧﺔ ﻭﻋﻤﻼﺀ يتلقون ﺃﻣﻮﺍﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺗﺨﺮﻳﺐ ﺍﻟﻮﻃﻦ. ومع ارتفاع حدة الهلع وعدم الاستقرار والأزمات الطاحنة، ﺗﺄﺛﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻮﻥ ﺑﺤﻤﻼﺕ ﺍﻟﺘﺸﻮﻳﻪ ﺍﻹﻋﻼﻣي، ﻭﺑﺪﺃﻭﺍ ﻳﺼﺪﻗﻮﻥ ﻓﻌﻼً ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﻋﻤﻼﺀ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺣﺲ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﺑﺄﻥ ﺇﻳﻠﻴﺴﻜﻮ ﻳﺴﻌﻰ ﻹﺟﻬﺎﺽ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ، ﻧﻈﻤﻮﺍ ﻣﻈﺎﻫﺮﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺭﻓﻌﺖ ﺷﻌﺎﺭ: ﻻ ﺗﺴﺮﻗﻮﺍ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ.. ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺇﻳﻠﻴﺴﻜﻮ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻭﺟﻪ ﻧداء عبر شاشات ﺍﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻥ ﺇﻟﻰ من أسماهم ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﺍﻟﺸﺮﻓﺎﺀ.(ﻻﺣﻆوا ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ). ﻭﻃﺎﻟﺒﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺼﺪي ﻟﻠﺨﻮﻧﺔ، ﻭﻗﺎﻡ ﺇﻳﻠﻴﺴﻜﻮ ﺳﺮﺍً ﺑﺎﺳﺘﺪعاء ﺁﻻﻑ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﺟﻢ، ﻭﺃﺷﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻠﻴﺤﻬﻢ، ﻓﺎﻋﺘﺪﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮار، ﻭﻗﺘﻠﻮﺍ ﺃﻋﺪﺍﺩﺍً ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻨﻬﻢ. 
لاحظوا أيضاً أن الطاغية الجديد أطلق على عصابته التي انقلبت على الثورة وسرقتها، اسم "جبهة الخلاص أو الإنقاذ الوطني" التي تكونت من قيادات الصف الثاني من الحزب الشيوعي الروماني المنحل. وقد عمدت الجبهة إلى إطلاق العنان لفلول النظام البائد، فبدأت بالجيش، وعقدت صفقات مع جنرالاته. ورغم إعلان الجبهة نيتها عدم خوض انتخابات 1990، وأنها غير طامعة بالسلطة أبداً وأن هدفها فقط إنقاذ رومانيا، إلا أنها أعلنت عن تأسيس حزب سياسي عند اقتراب موعد عقد الانتخابات، واستخدمت وسائل الإعلام الحكومية بكثافة - والتي كانت لا تزال تحتكر الفضاء الإعلامي في البلاد - وقامت بتعبئة الناخبين من خلال شبكات الحزب الشيوعي القديمة في الريف والحضر، فتمكنت الجبهة من حسم أغلبية مطلقة لصالحها في أول برلمان روماني بعد الاستقلال، وهو البرلمان الذي وضع دستوراً يطلق صلاحيات السلطة التنفيذية خصوصا الرئيس. وفي 1992 عقدت أول انتخابات رئاسية خاضها إيون إيليسكو رئيس جبهة الإنقاذ، وأسفرت عن فوزه بأغلبية مطلقة قاربت 85% من أصوات الرومانيين طبعاً عبر عميلة مزورة من رأسها حتى أخمص قدميها. فباتت رومانيا برلماناً ورئاسة في يد كوادر الحزب الشيوعي السابق التي تمكنت من إعادة إنتاج سلطتها بعد التخلص من تشاوتشيسكو، حسبما تذكر الموسوعة السياسية حرفياً.
لقد نجحت (جبهة الخلاص أو الإنقاذ الوطني) في إجهاض الثورة الرومانية بعد سنه ونص فقط من قيامها، وفقدت الثورة الكثير من التعاطف الدولي لها، بينما استمر فلول تشاوسيسكو في السلطة لعشر سنوات بعد الثورة الشهيرة.
انظروا حولكم في بلاد الثورات العربية، وقارنوا ما حدث في رومانيا بما يحدث في بعض بلاد الربيع العربي، فستجدون أن الدرس الوحيد الذي نتعلمه من التاريخ أنه لا أحد يتعلم من التاريخ، كما قال هكسلي ذات يوم.
وسلامتكم!

د. سعيد صيني يكتب : الإسلام الحقيقي والكاثوليكية المتطرفة

لقد أثارت القصة التي رواها لنا الأستاذ عبد العزيز آل محمود –جزاه الله خيرا- عن مأساة غرناطة وطغيان الكاثوليكية المتطرفة بعض المحاورات التي طُرحت في عدد من ندوات ومؤتمرات الحوار بين ممثلي الأديان. ولعلي أسجل خلاصتها في المشاركة التالية بعنوان:
موقف الكتاب والسنة من أهل الكتاب
إن من يعش في بعض البلاد الإسلامية التي يشترك فيها المسلمون مع إخوتهم المسيحيين يرى مثالا رائعا للتعاون التلقائي غير المتكلف بين أتباع الديانتين، سواء يسكنون عمارة واحدة أو يعملون في مؤسسة واحدة، أو يتعاملون لتبادل مصالح مشتركة… وهذه العلاقة الودية التعاونية بين المسيحيين والمسلمين تمتد إلى قرون عديدة وتستند إلى الفطرة السليمة والأسس المشتَركة القوية، وإن كانت تواجهها أيضا بعض العقبات التي يصطنعها بعض قادة الرأي عن حسن نية أو لتحقيق مصالح شخصية.
ومن الأسس المشتركة أنه عندما نتأمل في الأشياء المشتركة بين المسيحيين والمسلمين نجد أشياء كثيرة يصعب حصرها، وعلى رأس هذه الأشياء هو انتسابهم جميعا إلى آدم عليه السلام، حيث يقول تعالى: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.( الحجرات: 13) فأصل الناس جميعا واحد، لهم أب واحد وأم واحدة، ويتكاثرون بالطريقة نفسها، ويتشابهون في التكوين الأساسي: العضوي والروحي والعقلي والنفسي والسلوكي؛ ويتشابهون كذلك في الدوافع والاحتياجات الأساسية للإنسان.
والتشابه لا يقف عند هذا الحد، ولكن يتعداها إلى التشابه في التشريعات الأساسية، وفي المبادئ الأخلاقية الأساسية، مثل حب الخير وكراهية الشر، وحب العدل وكراهية الظلم.
وإضافة إلى ذلك فإن هناك أشياء خاصة متشابهة منها:
أولا. الاتفاق على المكانة الخاصة لعيسى عليه الصلاة والسلام. فالإسلام يعتبره نبيا ورسولا ذا مكانة خاصة، فمثلا يقول تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.( آل عمران: 45) ويقول تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}.( آل عمران: 59)
ثانيا. الاتفاق على طهارة مريم العذراء ومكانتها العالية، وهذا ظاهر مثلا في قوله تعالى:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ.}( التحريم، آية 12)
ثالثا. تخصيص الإسلام أهلَ الكتاب ومنهم المسيحيين بمجموعة من الميزات عن غيرهم. ومنها:
1 – إباحة أكل المسلمين لطعامهم إلا ما ورد نص في تحريمه. (المائدة: 5)
2 - إباحة زواج المسلم من نسائهم.( المائدة: 5)
رابعا. خصّ القرآن الكريم المسيحيين بمدح لم يحظ به أهل الكتاب الآخرين، وذلك في قوله تعالى: {... وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ.} (المائدة : 82)
خامسا. جعل النبي صلى الله عليه وسلم أحد ملوكهم موضع ثقة لأصحابه المضطهدين حيث أمرهم ناصحا: " لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملِكا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق."( ابن هشام ج1: 280) وكانت نصيحته صلى الله عليه وسلم في مكانها. فقد رحّب بهم النجاشي في أرضه وردّ مبعوث قريش الذي جاء ليستعيدهم خائبا.( البخاري: مناقب الأنصار، هجرة الحبشة وانظر العسقلاني ج7: 227-230؛ ابن هشام ج1: 280-291؛ والندوي ص 131-135.)
سادسا. أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم خيرا بأهل مصر وكانوا أقباطا بقوله: "إنكم ستفتحون مصر، ...فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحِما." وذلك لأن هاجَرَ أم إسماعيل عليهما السلام، الجد الأعلى للنبي صلى الله عليه وسلم، كانت من مصر. وكذلك كانت مارية، إحدى أمهات المؤمنين.( مسلم: فضائل الصحابة، وصية النبي؛ وانظر الصالح ج1: 254-255)
سابعا. شهد التاريخ الإسلامي تقدير كثير من خلفاء المسلمين لذوي الكفاءات العالية من المسيحيين.
ثامنا. وفي العصر الحاضر يضع المسلمون يدهم في يد إخوانهم المسيحيين ليسهموا في تنمية البلاد التي يعيشون فيها كمواطنين أو ذوي مصالح مشتركة. ووصل بعض المسيحيين - في البلاد الإسلامية بالأغلبية- إلى مناصب رفيعة، بل قاموا بتمثيل بلادهم في مؤتمرات إسلامية على مستوى الوزراء، وربما ترأسوا بعض اجتماعاتها.
تاسعا. إن من يراجع الكتاب المقدس عند المسيحيين، والقرآن الكريم مراجعة فاحصة يتضح له أن الدين المسيحي والإسلام بريئان من الحروب التي نشبت وتنشب بين أتباعها. فمن يقوم بإشعال هذه الحروب وتأجيجها هم دائما بعض أتباع الديانتين.
ويلاحظ، في ظل الحقائق السابقة، أن العلاقة بين الإسلام والمسيحية هي علاقة حميمة، يمكن بسهولة بناؤها على قوله تعالى {لكم دينكم ولي ديني}( الكافرون: 6)
ويمكن حل مشكلات الاختلاف في الدين بطرق، منها الحوار للاتفاق على طرق التعامل مع المختلف فيه، وطرق تعزيز المتفق عليه. وبصورة عامة، يمكن الاسترشاد بما يلي:
أولا – هناك حاجة ملحة إلى جهود العلماء في الديانتين بصورة مستقلة أو بالتعاون، لتحقيق التوعية اللازمة –كما جاء في الكتب المقدسة- في مسألة التعايش السلمي والتعاون لنشر الخير وتحقيق العدل في الأرض والتكاتف لدفع الشر والظلم، وتذكير القيادات السياسية بالقيم الأخلاقية الدينية.
ثانيا – أن يدرك المسيحيون والمسلمون بأن أوجه الاتفاق لا حصر لها فيركزون عليها ويتعاونون فيها، وأن أوجه الاختلاف معدودة ويمكن حصرها والاتفاق على طريقة التعامل معها.
ثالثا – أن يدرك المسيحيون والمسلمون بأن الاختلاف ليس كلُّه شر، وأن الاتفاق ليس كلُّه خير، وأنه لا غناء عنهما لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة. والمهم هو كيف نسخرهما لتحقيق مصالحنا في الحياة المؤقتة وفي الحياة الأبدية.
رابعا – أن ندرك بأنه ليس من مسؤولية أحد –في هذه الحياة- محاكمة الآخرين على ما يختارونه طريقا للنجاة في الآخرة، ما لم ينقض عهدا قطعه على نفسه (مثلا التزم بالإسلام ولم يعمل به) أو يؤذي الآخرين. فالله سبحانه وتعالى يقول {لا إكراه في الدين. قد تبين الرشد من الغي.} وهو أحكم الحاكمين. وهو الذي سيحاسبهم، عقب انتهاء فترة الاختبار. فهو مالك يوم الدين.
ومن الواضح أن هذا التفريق يسهل تطبيقُه في مجال المعتقدات والعبادات عموما، وذلك لأنها أشياء يغلب عليها أن تكون فرديةُ الصبغة.
أما في مجال المعاملات فيحتاج الأمر إلى جهود كبيرة، وذلك لأن المعاملات لا تكون إلا مشتركة بين طرفين أو أكثر. فتتشابك فيها حقوق الأفراد، وحقوق الأطراف المعنية بصورة مباشرة (مثل العقود بين الأفراد المحددين) وحقوق الجماعة. كما تتشابك فيها حقوق الأقلية مع حقوق الأغلبية، في حالة تعذر الاتفاق في الأمور التي لا تحتمل التعدد، وتتشابك فيها المعاملات الإلزامية بالمعاملات الاختيارية...
ولو تُرك أمر التشريعات للملتزمين من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، المحافظين على قدر كبير من الفطرة السليمة والفاهمين لكتبهم المقدسة، فإن الأمر سيكون أكثر يسرا، وذلك للتطابق الكبير بين كثير من القيم الأخلاقية في القرآن الكريم وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام وكثير من القيم الموجودة في الكتاب المقدس عند المسيحيين، حتى في صورته الراهنة.

الحسّونة - "صباح" .. من "وادي شحرور" إلي الخلود!


 بقلم : محمد رفعت الدومي
للجميلة التي هزمها الموت قبل أيام أكتب، وفي مكان ما أعشق ساكنه خطر لي أن أسمي "صباح" بـ "الحسونة"..
عن "الحسونة"، وهي التي أنفقت عمرها توزع البهجة في جهات الكون الناطق بالعربية الأربع أكتب! 
أكتب عنها من قمر أحمر لا يري أهله منذ بدايات منتصف القرن الماضي من ألوان قوس قزح إلا اللون الأسود! 
من قمر يواصل انسحابه إلي أفق مجهول، بعدما صار للدم المراق خارج القانون في كل ملليمتر من مساحته الشاسعة نعيق كنعيق البوم، أكتب!
من "مصر" أكتب عن "جانيت فغالي"، أوَلم تغني هي لـ "مصر" ذات يوم بعيد: " والله و اتجمعنا تانى يا قمر"؟
"صباح" حالة، لا تحتاج إلي أحد يضئ سيرتها، ظلت حتي لفظت آخر أنفاسها امرأة مفتوحة علي كل الاحتمالات، أيقونة براقة، يكفي كل من يريد أن يعرف "صباح" أن يفتش عنها في أعماقه، فهي بالتأكيد موجودة هناك، موجودة جداً، كما أن هناك مسلسل يسرد كل الخطوط العريضة لشخصيتها، كان اختيار "كارول سماحة" لتجسيد تلك الشخصية، برغم ولعي الخاص بصوت "كارول سماحة"، وبرغم قامتها الخاصة، في رأيي، خطأ كبيراً، فالمسافة بين النجمتين فادحة إلي حد يظن معه المتلقي الذي رأي بالضرورة "صباح" علي الشاشة بأن العمل يدور حول "صباح" أخري، لا أعرف الآن بالضبط من أين يهبُّ استهجاني لأن تؤدي "كارول سماحة" دور "صباح"، ربما كان شعوراً مضللاً، أو، ربما كنت مخطئاً..
أنا هنا الآن لأروي "صباح" من زاويتي الخاصة، وفي ضوء المكان والزمان وما يربي كلاهما من أحاسيس طارئة في الأعماق البشرية، وفي ضوء متحيز أيضاً، لأنني، فقط، أحبها!
في البداية، لا أعتقد أبداً أنه من قبيل الخروج عن السياق أن أبدأ الكلام عن الجميلة "صباح" ببعض من كلمات أغنية للفنان "وائل كفوري":
وما وعدتك بنجوم الليل/ ولا بطرحة من خيوط الشمس/ ولا بجبلك عضهور الخيل/ كنوز الجن ومال الانس/ أنا زلمة ع قد الحال/ ومملكتي أوف وموال/ ومنجيرة عن جدي وبس!
أنا ما عندي ما عندي قصور/ ولا مخدة من ريش نعام/ ولا كاساتي من بلور/ ولا جواري ولا خدام.. 
أنا أنا ما عندي ما عندي قصور/ ولا مخدة من ريش نعام/ ولا كاساتي من بلور/ ولا جواري ولا خدام..
عندي بيت براس الجرد/ وجرة مي وحقلة ورد
عندي بيت براس الجرد/ وجرة مي وحقلة ورد
وعلى صوت الحسّون بحس / وعلى صوت الحسّون بحس .....
صوت "الحسُّون" أجمل من صوت الشحرور بالتأكيد!
لم أخرج عن السياق فالسياق واحد، وكلا الصوتين يحمل رائحة الجبل، وكلاهما خرج من نبع واحد يواصل السيلان هناك تحت ظلال شجر الأرز، ذلك الشجر الذي حمله اللبنانيون إلي "فلسطين" معونة من الملك الفينيقي "احيرام " ملك "صور و جبيل" إلي الملك "سليمان" عند بناء هيكله الشهير، هذه رواية التاريخ لهذا الحدث، كما أن التوراة لمست سيرة ذاك الملك لمساً رقيقاً، غير أن رواية القرآن لهذه الحقيقة التاريخية المؤكدة تفرض سؤالاً: 
- هل اللبنانيون ينحدرون من سلالة الجن فعلاً؟
لو تُركتُ علي سجيتي، أو كنت رحالة في زمن قديم، لأجبت بأنهم كذلك فعلاً من أجل شخص واحد فقط، إنه دجال "لبنان" الشهير "مايك فغالي"، فإن في ملامح وجهه بعضاً من ملامح الجن الذهنية التي اقترحتها علي طفولتنا الأساطير وحكايا الجدات..
"لبنان"، وفتنة ذلك البلد الصغير غريب الأطوار، ورقة شعبه الأقرب شبها بشعوب البحر المتوسط من الأوروبيين منه إلي الشعوب الناطقة بالعربية، وفلسفته الخاصة للجمال وللشرط الإنساني، كذلك، شغفه الشديد بالترحال، لمجرد الترحال أحياناً، كل ذلك معاً، من المسلمات التي لا تقبل القسمة علي اثنين!
لقد وزع اللبنانيون عطورهم الخاصة علي كل القارات حتي أن عدد المهاجرين من "لبنان" يفوق ضعف عدد المقيمين فيه، ما من بقعة زحف إليها العمران في هذا الكون الكبير إلا اهتدي اللبنانيون إليها، يحملون معهم ثقافة هذا البلد في حقائبهم، لكنهم، وهذا هو موطن الدهشة، لا يحتفظون أبداً بخطوط الرجعة، لم يحدث كثيراً أن عاد مهاجرٌ لبنانيٌّ مرة أخري إلي بلده الأم إلا كزائر، حين تصبح الحقيبة وطناً، لكن، ربما، كان سبب ذلك هو أن أكبر موجات هجراتهم حدثت أيام الحكم العثماني في يوم بعيد، فراراً من القمع والاستعلاء الإثني والعنصرية، لذلك، خفتت أسباب العودة في جيل حل الميلاد تمائمه في المنافي فصارت مهاجر الآباء والأجداد أوطانهم الأصيلة لا الطارئة، ولقد أورق الشجر العائليُّ الواقف علي الجذور الجديدة في المنافي الاختيارية علاقات طارئة ازدادت كلما تقدمت في العمر قوة وصلابة، لذلك، كان يجب أن تصبح الغربة، التي هي في نهاية المطاف حصيلة العلاقات الإنسانية، بالنسبة إلي هؤلاء، هي الهجرة من بلاد المهجر لا من وطن الأجداد!
من الجدير بالذكر أن كثيرين من المهاجرين اللبنانيين حققوا نجاحات كبري في مجالات شتي، بل استحوذ بعضٌ من سلالة هؤلاء علي ضوء مبهر في شتي أركان الأرض، علي سبيل المثال:
- المغنية العالمية "شاكيرا"، تعود أصولها إلي عائلة من "زحلة"، بل لهذه العائلة حتي يومنا هذا إرث هناك يشاركها فيه أحد أقارب العائلة وهو السيد "جان بعقليني" البالغ من العمر "71"، هذا الرجل، كرجل شرقي بطبيعة الحال، ادعي، حين طالبته عائلة "شاكيرا" بإرثها، أنه أنفق (75%) من قيمة هذا الإرث علي عجزة العائلة!
أشياء صغيرة لكنها تجعل المرء متي تأملها بعمق يقف علي مشارف الجنون، ولسوف يدرك ببساطة أن قصة العالم الكبير ما هي إلا مجموعة من القصص الصغيرة، وحين يتوغل المرءُ في دهاليز الخيال سوف لا يستبعد أن جد "شاكيرا" كان واحداً من بين الجمهور الذي رأي "محمد عبد الوهاب" يغني لـ "زحلة" ذات يوم بعيد قصيدة أمير الشعراء "أحمد شوقي" الشهيرة، وهو يكاد ينفجر طرباً:
( يا جارة الوادى طربت و عادنى / ما يشبه الاحلام من ذكـراك / مثلتُ فى الذكرى هواك و فى الكرى / و الذكريات صدى السنين الحاكى )
ما أغرب الاتفاق، الذكريات صدي السنين الحاكي!
سوف يقترب المرء من قلب الجنون أكثر حين يقرأ ما كتبه الأديب العظيم الراحل "جابرييل جارسيا ماركيز" عن "شاكيرا"، قال:
(موسيقي "شاكيرا" لها نغمة خاصة بها، والتي لا تشابهها أي نغمة أخرى، لا أحد يستطيع الغناء والرقص مثلها، في كل الاعمار، بمثل هذا الإحساس البريء، الذي إخترعته بنفسها!)
يقترب المرءُ، أو لأكون منصفاً، يقترب من يعرف سيرة "ماركيز" من الجنون عند قراءة هذه الشهادة لسبب بسيط، لقد كان "ماركيز" متزوجاً بامرأة مصرية من أصول لبنانية أيضاً!
وعلي سبيل المثال:
- النجمة العالمية "سلمي حايك"، وللنجمة المكسيكية "سلمي حايك" حكاية أخري تنبض بصدي السنين، وبالذكريات، لقد تم اختيارها، وهو اختيار له مغزي، لتقديم عدد من كتابات الأديب والمفكر اللبناني الراحل، أعظم من نزف حروفاً في بلاد المهجر، "جبران خليل جبران"، من كتابه الخالد "النبي"، ولقد عبرت عن سعادتها بهذا الاختيار، وقاطعت، عند افتتاح عروض الفيلم الكرتوني العالمي الذي يحمل اسم الكتاب على هامش مهرجان "كان" السينمائي، المندوب العام للمهرجان الذي عرفها بأنها مكسيكية، وقالت:
- أنا لبنانيّة أيضاً، وفخورة بكوني امرأة تنتمي أيضاً إلى "لبنان"..
وقالت، بعدما أهدت الفيلم إلى جدها، كما إلى ابنتها الحاضرة في القاعة: 
- فقدته، جدي، وأنا في السادسة فقط، لكنني لطالما رأيت هذا الكتاب الصغير بجانب سريره، وأتذكّر غلافه بشكل واضح تماماً، برغم أنني كنت صغيرة، لكنني، وبعد سنوات، حين بلغت الثامنة عشر ربّما، بحثت ثانية عن الكتاب، وصار مثل جدي، يعلّمني الكثير حول الحياة!
أنني هنا بصدد الحديث عن حقائب سفر قديمة حملت "لبنان" إلي العالم أكثر مما أنا بصدد الحديث عن بشر رحلوا!
وعلي سبيل المثال: 
كل هؤلاء النجوم، لا أعرف الكثير عنهم، لكن، ما أنا متأكد منه هو أن خلف كل نجم من هؤلاء النجوم قصص عائلية صغيرة بين طيات قصة العالم الكبير بمقدورها أن تجعل المرء يقف علي مشارف الجنون:
- "وينتوورث ميللر" نجم مسلسل PRISON BREAK"" من أصول لبنانية..
- "شانون أليزابيث"، ممثلة أميركية من أصول لبنانية سورية..
- "ريما فقيه"، ملكة جمال الولايات المتحدة لعام "2013" من أصول لبنانية، وهي،- وأدرك أن هذا التصنيف لا يليق تناوله أصلاً- "شيعية" أيضاً..
- "جينا ديوان"، زوجة الممثل "شانينج تايتوم" من أصول لبنانية..
- "آيمي يزبك"، ممثلة أمريكية ذائعة الصيت، من أصول لبنانية..
- "فينس فون"، ممثل أميركي من أصول لبنانية..
- "طوني شلهوب"، واسمه عربي لم يتماهي مع أسماء غربية، وهذا واضح، ممثل أميركي من أصول لبنانية..
- "ياسمين بليس"، ممثلة أميركية من أصول لبنانية جزائرية..
- "مساري"، فنان كندي من أصول لبنانية..
ليس هذا كل شئ، هناك أيضاً آخرون كثر من ذوي الأصول اللبنانية حققوا نجاحات مذهلة علي الصعيد الكونيِّ، مثلاً:
- "كارلوس سليم الحلو"، أغني أغنياء العالم لثلاثة سنوات متعاقبة، هاجر والده، وهو مسيحي ماروني من بلدة "جزين" جنوب "بيروت" إلي عاصمة "المكسيك" عام "1902" هرباً من تجنيد العثمانيين، وهناك فتح دكاناً صغيراً، ليصبح ابنه بعد حوالي قرن من الزمان المهيمن الوحيد علي سوق الهاتف في "المكسيك" من أقصي اليمين إلي أقصي الشمال، حتي ليقال هناك: إنك متي أجريت اتصالاً من أي مكان في "المكسيك" فأنت حتماً سوف تضع نقوداً في جيب "كارلوس سليم الحلو"!
(هاجروا وبقي أجدادنا يحرسون ماء النيل وتراث الحاكم الإله، اللعنة علي كل أرواحهم)
هناك أيضاً..
- المحامية "أمل علم الدين"، تلك اللبنانية التي وضعت حداً لعزوبية أشهر عزاب "هوليوود" الممثل العالمي "جورج كلوني"..
- السيدة "فيكتوريا رجي"، الحسناء اللبنانية التي تراجعت أمام فتنتها أسوار عائلة "كينيدي" العريقة بزواجها من آخر مشاهير هذه العائلة السيناتور "ادوارد كينيدي" الذي كان قبل رحيله ملقباً بـ "أسد مجلس الشيوخ"..
وعلي الصعيد السياسي، توصل اثنان من أبناء المهاجرين اللبنانيين إلي سدة الرئاسة في "الاكوادور"، كانت مدة حكم كليهما أسوأ الفترات علي الإطلاق في تاريخ هذا البلد الذي استأمن شعبه المسكين علي إدارة شئون بلدهم لبنانيين مولعين بالرقص والغناء وصناعة الأزمات، هذان هما:
- "عبد الله بوكرم"، حكم "الاكوادور" من "10" أغسطس "1996" حتي "6 " فبراير "1997"، أطلق على نفسه لقب "المجنون"، وهو لم ينس أبداً أنه لبناني قبل كل شئ، لذلك، جعل من هذا البلد،خلال ستة أشهر فقط من حكمه، تماماً كـ "صاحب مصر"، سلة للفضائح المدوية والأزمات، فهو لم يردعه وضعه الجديد عن أن يغني أمام الحشود علانية، ولا عن أن يحلق شاربه علي الهواء في حملة لجمع التبرعات، ولحسن حظ "الاكوادور" تم خلعه ببساطة الماء، فجمع حقائبه وفر إلي "بنما"، ولا يزال مطلوباً للعدالة! 
- الآخر هو المحامي "جميل معوض" ، تولى الرئاسة من "10" أغسطس "1998" إلى "21" يناير "2000"، لم يكن أحسن حظاً من سلفه، و اضطر تحت لفح احتجاجات سكان "الاكوادور" الأصليين بالتزامن مع تمرد عسكري أن يستقيل، وحوكم..
مع ذلك، لقد نجح بعض ذوي الجذور اللبنانية علي الصعيد السياسي في بلاد "الأمازون"، يأتي في مقدمة هؤلاء:
- "ميشال تامر"، نائب رئيسة البرازيل "ديلما روسيف"، تلك "الربعاوية" أكثر من "الإخوان المسلمين" أنفسهم!
لكل هذا أجدني لا أجد محلاً من الإعراب للمثل اللبناني الشهير هناك: "نيّال من له مرقد عنزة في لبنان"!
لا أعتقد أن شهيتي للكلام، والكلام عن الفنانة الجميلة "صباح"، جعلت الموضوع يترهل إلي حد طارت هي معه إلي ركن مهجور، فكل ما سلف مجرد مدخل ضروري لرؤية "حسونة الوادي" من كل جانب، فإن الباب الملكي للدخول إلي الشخصية التي طرأت علي"صباح" في منتصف الطريق هو هجرة أخري إلي "البرازيل"، ربما، حدثت في نفس الوقت الذي هاجرت فيه عائلة "ميشال تامر" هذا إلي هناك، إنها هجرة شقيقها الأصغر "انطوان" بجواز سفر مزيف، متنكراً في زي راهب، بعد أن قتل والدته تعقيباً علي انخراطها في علاقة محرمة مع عشيق لها من "بيروت"، كانت هذه العلاقة في ذلك الوقت حديث الناس، وكانت "صباح" تخطو خطواتها الأولي نحو الخلود في مجتمعات "القاهرة" عند وقوع تلك الجريمة، وعندما بلغها الخبر عادت ووالدها الفظ "جرجس" إلى "بيروت" عن طريق البحر، كان كل ما عرفته عن تلك الحادثة آنذاك أنها قتلت في "برمانا"، فقط، وهي، اعترفت ذات يوم أنها لم تعرف أبداً أين دفنت والدتها، اعترفت أيضاً في ذكريات روتها لـ "تليفزيون المستقبل" أنها قتلت علي يد ابنها عندما بلغته الوشايات عن ارتباطها بعلاقة محرمة مع رجل بيروتي!
والآن، أمام هذة الحادثة سوف تستحوذ علينا الدهشة من كل جانب عندما نعرف أن بيت المتنبي الشهير جداً:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذي / حتي يراق علي جوانبه الدمُ
هذا البيت ولد في جبل "لبنان"، من قصيدة قالها المتنبي وهو يهرب من "اسحق بن كيغلغ"، ويقول منها:
يحمي "ابن كيغلغ" الطريقَ وعرسُه / ما بين فخذيها الطريق الأعظم..
صدي السنين الحاكي مرة أخري، والذكريات!
علي أية حال، تلك الحادثة تحديداً كانت الأبرز بين الحوادث التي مدت جذورها في أعماق "صباح" حتي النهاية، ويمكن ببساطة أن نرد كثرة زيجاتها إلي التراكمات النفسية التي تركتها هناك هذه الحادثة تحديداً، هناك أسباب أخري طبعاً سوف يأتي وقت الحديث لاحقاً!
إن لم يكن الأمر هكذا، فما الذي كان يردعها عن ارتكاب نزواتها الجنسية في السر، أو حتي في وضح النهار، دون زواج، كما الكثيرات اللائي يلبسن أمام الناس مسوح القديسات، ويستلقين سراً علي سرير أول "عنتيل" يتودد إليهن؟
من الجدير بالذكر، أنها، قبل مقتل أمها المزري، وهي في عمر الرابعة عشر، اشتبكت في علاقة مشبوهة مع "كنعان الخطيب"، مدير إذاعة "صوت أميركا" في ذلك الوقت، كان في الأربعين من عمره، لكنه، برغم الفارق الرحب بين العمرين، استجاب لها، وسرعان ما مضغت سيرتهما الألسنة، وهذا دليل آخر علي أن إسراف "صباح" في الزواج، كان يعود إلي أسباب نفسية قبل كل شئ..
لقد كان يعشش داخلها ذعر خامل من مصير كمصير أمها، لكن، ربما دخلت الكثير من العلاقات المحرمة، ربما، وهناك الكثير من الشائعات حول قصص ساخنة كانت "صباح" أحد طرفيها،إنما حدث هذا بالتأكيد وهي في علاقة داخل إطار الزواج من أحد أزواجها ليني الطباع الذين كانت تنتقيهم بعناية تؤكد ما أقول أكثر مما تنفيه، فأغلب هؤلاء إما أكبر منها عمراً بكثير أو العكس، ويبقي اللافت أن أغلبهم كانوا متسامحين جداً، يحبون نقودها وشهرتها أكثر مما يحبون المرأة فيها، ولقد قالت هي ذات يوم:
- أحببتهم جميعاً، لكنهم اعتبروني (مدام بنك)، لم يحبني أحد! 
كذلك اعترفت بانتهاء معظم زيجاتها بسبب خيانة بعضهم لها، وأكدت أنها ساعدت أغلبهم على ولوج عالم الأضواء ودعمتهم مادياً..
من الجدير بالذكر، أنه عندما ثار الغبار حول علاقة محرمة تربطها "فريد الأطرش" كانت متزوجة من "أنور منسي"، عازف الكمان ووالد ابنتها "هويدا" التي لم تحضر جنازتها، وكانت تقيم في الشقة المقابلة لشقة "فريد الأطرش"، وهو الذي لحن أغنية "حبيبة أمها" آنذاك!
لن أفلت الخيط قبل أن أتحدث عن هذه النقطة المؤلمة، أقول:
من المؤسف حقاً أن "هويدا" تغيبت عن تشييع جثمان أمها، وأجدني، لا أستطيع أن أجد تبريراً أكثر عدالة لغيابها من الجحود، مع ذلك، أدرك أن ما تحت سطح العلاقات الإنسانية أسرار كبيرة في أغلب الأحيان لا يجوز للغرباء الدوران حولها، وهي أسرار حبلي بأسباب مقنعة للقطيعة أحياناً، لذلك، أميل إلي تصديق المخرجة "كلودا عقل"، ابنة شقيقتها الممثلة "لمياء فغالي"، لقد قالت "كلودا" عبر الصفحة التي خصصتها لخالتها "صباح" على الفيس بوك: 
- بالنسبة لهويدا، فبتمنى انو ما ينقال، قال وقيل في هذا المجال، لأن المخلوقة كانت منهارة وممنوعة من السفر، وليس لأنها بحاجة الى فلوس، بالعكس فيه كتير أشخاص طلبوا مني شخصيا انو بيجيبوها على نفقتهم ولكن ليس الموضوع موضوعا ماديا، فبتمنى من وسائل الاعلام ألا تتمادى في هذا الموضوع، لأن ما حدا بيعرف اكتر مني..
مع ذلك، يجب أن أقول أن "هويدا" مرت بأزمة صحية تعقيباً علي إدمانها للمخدرات عام "2006"، هذا أرغم الفنانة "صباح" على بيع بيتها لعلاج ابنتها بمصحة في "كاليفورنيا" بـ "الولايات المتحدة"، لتقيم بعد ذلك في غرفة في فندق "كونفورتيوم" في "الحازمية"، هي نفت هذه القصة لكنها حقيقة مؤكدة، وهي قالت في هذا الصدد: 
- هويدا تلومني لأنني تركتها وهي صغيرة، كنت غارقة في عملي، أنا أم، والأم تسامح!
أنا، من جهتي، أعتقد أن سبب الفتور في العلاقة بين الأم وابنتها يتجاوز اللوم علي مجرد إهمال بأميال ضوئية، مع ذلك، "كلودا" تعرف ما وراء الكواليس أكثر من أي أحد، وهي أيضاً كانت المصدر الجذري لخبر وفاة خالتها، قالت يوم الأربعاء قبل الماضي:
- يا أحباب الصبوحة، الصبوحة اليوم راجعة على ضيعتا، عالأرض اللي حبّتا وحبّتا، الصبوحة اليوم راحت عالسما عند الرب الكبير، راحت عند اهلا وأخوتا اللي اشتاقتلن كتير، بتودعكن وبتقلكن ما تبكوا وما تزعلوا عليي وهيدي وصيتي إلكن..
- قالتلي قوليلن يحطو دبكة ويرقصوا بدي ياه يوم فرح مش يوم حزن..بدي ياهن دايما فرحانين بوجودي وبرحيلي متل ما كنت دايما فرّحن... وقالتلي قلكن انه بتحبكن كتير وانو ضلوا تذكروها وحبوها دايماً..
وأرفقت الصفحة المنشور بأغنية الفنانة "راجعة على ضيعتنا"..
وصية هي الأشد التصاقاً بطباع "الحسونة"، ابنة "وادي شحرور"، وطن العتابا والميجنا و الأوف، ثم، ما معني أن يحزن الناس أو يتظاهرون بالحزن لموت إنسان آخر، ما معني أن يبكي ميتٌ مؤجل من اكتمل موته فعلاً؟!
لكن، ما أرق اللبنانيين، كم هي بسيطة كلمات "كلودا"، لكنها قادرة علي استدعاء الوجع، مدببة وعفوية، تشبه بالتأكيد امرأة أخري من "وادي الشحرور"!
لقد تزوجت "الحسونة" بكل هؤلاء:
- نجيب شماس، والد ابنها الدكتور "صباح شماس"، ودام زواجهما خمس سنوات، كان في عمرها أبيها تقريباً، وكانت قد تزوجته بمجرد أن بلغت السن القانونية فراراً من جحيم والدها "جرجس" الذي كان رفيقها المتسلط في "القاهرة"، وكان شديد السيطرة عليها، يتصرف بأموالها ويوقّّع العقود السينمائية نيابة عنها، في إحدى اللقاءات التلفزيونية نعتته بـ "القاسي"، وقالت أنه سبّب لها عقدة نفسية دفعتها إلى الزواج أكثر من مرة لتثبت لنفسها أنها امرأة مرغوبة، بعدما اعتاد على تذكيرها دائماً بأنها ساذجة، لكن "نجيب شماس"، لسوء الطالع، لم يكن أقلّ من أبيها قسوة، عندما قرر أن يقيم في "طرابلس" لم تستطع هي العيش بعيداً عن "بيروت" وعن "القاهرة"، ثم، عندما منعها من السفر إلي "القاهرة" لتصوير فيلمها "سيبوني أحب"، وجدت ذريعة مناسبة لطلب الطلاق، وحدث، حدث أيضاً، أنها، أمام رفضه السماح لها برؤية ابنها "صباح"، طلبت تدخل رئيس الجمهورية عن طريق ابنته "لميا فرنجية"، وحدث أن أذعن طليقها لطلب الرئيس "فرنجية"! 
- "خالد بن سعود بن عبد العزيز آل سعود"، قضت معه عدة أشهر فقط، وتم الطلاق بسبب ضغط من عائلته لتطليقه منها، كأن البدو، أهل الوبر، أرقي نسباً من الفينيقيين، يا لسخرية الزمن ووثباته الخاطئة، وغير المتوقعة! 
- "أنور منسي"، والد ابنتها "هويدا"، ودام الزواج أربع سنوات..
- المذيع المصري "أحمد فراج" ، وقضت معه ثلاث سنوات، كان شاركها بطولة فيلم "امرأة وثلاثة رجال"، وتزوجا، بدا واضحاً منذ الشهر الأول أن المسافة بين ثقافة الزوجين شاسعة، كانت عفوية ومائية الطباع، سهلة وشغوفة بكل أسباب البهجة، وكان هو متديناً، غيوراً، وصلت غيرته حداً لم يتورع معه أن يتنصت علي مكالماتها، طلب منها مراعاة الحشمة في أزيائها وعدم أداء الأدوار الساخنة أو القبلات في السينما، وهذا بسيط وأليف ومقبول، لكن الغريب أنه طلب منها تجاوز تلك الرقة التي تثير الغرائز في أغنياتها، والإبتعاد عن ذلك الدلال الجنساني في تصرفاتها، هذه التصرفات جعلتها تدرك منذ البداية أن تجربة زواجهما محكوم عليها بالفشل لا محالة، مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، لذلك رفضت فكرة أن يكون لهما أطفال، ولقد جاء هذا الوقت بعد سنوات ثلاث من زواجهما فعلاً! 
الأغرب في قصتها مع "أحمد فراج"، وهو أحد أسبابي لتسمية "صباح" بـ "الحسونة"، أنه طلب منها ألا تقف علي المسرح لتغني وتكتفي بالغناء في السينما، كان هذا الطلب الغريب رد فعل شديد العصبية علي أغنيتها الشهيرة "الغاوي ينقط بطاقيته" علي المسرح، لأن في هذه الأغنية تحديداً مقطع بلغت فيه ذروة الغنج فعلاً، تلك القدرة علي استدعاء رغبة العاجزين حتي، وهو: "حسونة ما ترد عليا"، وبسبب المحرضات الصوتية علي إثارة الغرائز في هذا المقطع أيضاً، صدر قرار بمنع إذاعة الأغنية في الراديو والتليفزيون معاً..
- الفنان "رشدي أباظة"، وقضت معه خمسة أشهر، لالتحامه في علاقة كانت لا تزال مفتوحة علي غير ما كانت تظن هي مع الراقصة "سامية جمال" حدث الطلاق، اعترفت هي بأنها أحبته أكثر من أزواجها الباقين، هو أيضاً أحبها أكثر من الأخريات، وكانت آخر كلمة نطق بها عند موته: "صباح"..
- الفنان "يوسف شعبان" ودام زواجهما شهراً واحداً..
- النائب اللبناني "يوسف حمود"، وقضت معه سنتين.. 
- الفنان "وسيم طبارة"، وقضت معه أربع سنوات..
- الفنان "فادي قنطار"، أكبر حماقات "صباح" علي الإطلاق، قضت معه سبع عشرة عاماً، كان يصغرها بأكثر من عشرين عاماً، وهذا وحده كان كافياً لأن يجعلها هدفاً مشروعاً للسخرية، بالإضافة إلي إسرافها في إجراء جراحات التجميل طبعاً، تزوجا في "لندن"، وعندما تأكد خبر زواجهما هاجمها الإعلام اللبناني بقسوة بلغت حد اتهامها بالجنون، هي أيضاً، اعترفت بأن زواجها منه كان غلطة لن تسامح نفسها عليها، وأضافت: 
- لم يكن الطلاق فقط بسبب ابتعاد "فادي" عني لبضعة أيام، كنت أفكر في ذلك منذ عامين، وكنت أعرف بحدسي إني واصلة الى هذا اليوم، إذ صار "فادي" ينشغل عني مع أصدقائه وفي البحث عن مستقبله..
هذا الكلام نصف الحقيقة فقط، ولكن ما تحت السطح خيانات وابتزاز، فملامح الرجل تفضح وصوليته، كرهته للوهلة الأولي عندما رأيته يجلس إلي جانبها للمرة الأولي ذات مساء بعيد في برنامج كان يقدمه الفنان "سمير صبري" اسمه "هذا المساء"، والأرواح جنود مجندة كما يقال..
انتشرت بعد طلاقها من "فادي" هذا شائعة بأنها تستعد للزواج من "عمر محيو" ملك جمال "لبنان" وكان عمره "25" سنة، اتضح بعد ذلك أنها كانت تساعده على الدخول إلى عالم الفن واختلقت قصة الحب والزواج وحاولت مساعدته فنيًا، وقد أنكرت هي هذه الإشاعة وقالت: 
- لو كنت أصغر بقليل لتزوجته!
أكاد أجزم بصحة هذه الشائعة، وبرغبتها الحقيقية في الزواج من ذاك الشاب لولا عراقيل وعوائق عائلية ردعت تلك الرغبة الجارفة!
انتشرت أيضاً شائعة بنيتها الزواج من الفنان "جوزيف غريب" كوافيرها الخاص، قيل أيضاً، أنها تزوجت لفترة قصيرة من الثري الكويتي الشيخ "عبد الله المبارك"، ومن الصحفي "موسى صبري" رئيس تحرير جريدة "الأخبار"، وكل هذه الأقاويل لم تخرج أبداً عن إطار الشائعات!
كانت هناك حادثة أخري، غير حادثة مقتل والدتها، تركت بصمتها السيئة في أعماق "صباح"، كانت آنذاك طفلة، لكن، ربما، لولا وقوع تلك الحادثة لخرجت "صباح" من باب الحياة إلي باب الموت كغيرها من ملايين الموهوبين الذين سقطوا في منتصف الطريق دون أن يسمع بهم أحد!
المكان بلدة "بدادون"، والزمان بداية ثلاثينات القرن الماضي، والأفق "وداي شحرور"، بلدة الموال والعتابا والميجنا، ويأتي في مقدمة شعراء الزجل المنتسبين إلي هذا الوداي بحكم الميلاد عم الجميلة "صباح" الشاعر "أسعد الخوري الفغالي"، وكان ملقباً بـ "شحرور الوادي"، ومن هنا جاء لقب "شحرورة الوادي"، لأن "صباح" كانت تحفظ وهي ما زالت طفلة كل أشعاره وترددها!
ولكي تكتمل الصورة الذهنية عن "صباح" لابد من استدعاء رائحة المكان الذي ولدت فيه من نقطة مركزة أشد قرباً، ذلك أن لرائحة المكان أثر في تكوين المرء لا يمكن إنكاره!
كان "وادي شحرور" ملكاً للامراء الشهابيين كغيره من البلدات المحيطة، وقد قسم هؤلاء الامراء البلدة الى أحياء وفق موقع قصورهم التي يبلغ عمرها حوالى "400" سنة وما زالت قائمة وحية حتي يومنا هذا، كان الأمير "شفيق شهاب" آخر الامراء الشهابيين الذين سكنوا البلدة، وقد ورثت عنه منزله ابنته "جلنار" التي تعيش فيه حاليا، فيما تعرف احياء ومنازل كثيرة في البلدة بأسماء أمراء الأسرة الشهابية الذين سكنوا فيها ومنها: دار المير "قيس"، دار المير "سليم"، دار المير "علي"، دار المير "كميل"، وأخرى تعرف بدار "حليما" كما يوجد قبر أثري للأمير "شفيق شهاب" وأخته السيدة "زاهدة"!
هؤلاء الإقطاعيون كانوا يملكون البلدة بكل ما فيها ويعتبرون السكان عبيداً للأرض لا أكثر، هذا يفسر سبب موجات النزوح الجماعي من لبنان إلي بلاد المهجر، ولقد استمر هذا الوضع سائداً حتي اندلعت ثورة "انطلياس" عام "1820"، عندما لم يعد بوسع الشعب دفع الضرائب لتغطية مطالب الحاكم العثماني "أحمد باشا الجزار"، فتخلوا عن الأمير "بشير" ونادوا بـ "حسن الشهابي" أميرا للبنان، فاضطر الوالي "عبد الله باشا" لإسكات الغضب الشعبي أن يلبي ذاك المطلب صاغراً، وأصبح "حسن شهاب" القاطن في "وادي شحرور" أميراً..
يقولون أن سبب تسمية الوادي بهذا الاسم هو كثرة طيور "الشحرور" هناك، وهو، بالمناسبة، طائر أسود اللون، لا يشبه "الحسونة"، يقولون أيضاً أن تسميته تعود إلي أصل سامي مشترك وهو "شحر"، أي السواد والظلمة، إذا صح هذا الاقتراح فهناك مفارقة مثيرة، ذلك أن اسم "لبنان" مشتق من أصل سامي، المفردة السامية "لبن" تحديداً، وهي تعني "أبيض"، قيل أن ذلك بسبب لون الثلوج التي تكسو جباله، لكن، قيل أيضاً، هو اسم سرياني مؤلف من "لب" و"أنان" وتعني "قلب الله"، لشهرة جبال "لبنان" كموطن للآلهة عند الأقدمين، ومن جهتي، لا أري تعارضاً كبيراً بين الرأيين، كما أن هناك إلهة قديمة أسطورية تسمي "أنانا" فعلاً!
لكن، بالنسبة إلي أصل تسمية "وادي شحرور"، هناك رأي آخر يقول أن ذلك يعود إلى "مشحرر" المشتقة من "حرر"، أي أعتق، وأنا أميل إلي هذا الرأي، فلقد كان أهل الوادي عبيداً للأرض فعلاً قبل أن يمتلكوا هذه الأرض لأنفسهم!
من كان يصدق في ذلك الوقت أن طفلة سوف تولد في "بدادون" في العاشر من أكتوبر عام "1927" سوف يركع لتقبيل يدها أمراء العثمانيين في مركز الخلافة؟، من كان يصدق؟، إنها "جانيت فغالي" بطبيعة الحال، الحسونة!
كانت المولودة الثالثة لعائلة "جرجس فغالي"، ابن "كاهن الرعية"، بعد شقيقتيها "جولييت" و "لمياء"، وكما يحدث في مجتمعات القاع عادة، قيل أن والدتها عندما علمت أنها ولدت بنتاً لم تستطع كبح دموعها، فالعائلة كانت تريد صبياً، قيل أيضاً، أنها امتنعت طيلة يومين عن إرضاعها، ولولا توسلات شقيق زوجها الشاعر "أسعد فغالي"، "شحرور الوادي" ما كانت لترضع الطفلة، لتطرد بطنها بعد أقل من عامين من ولادة "صباح" قاتلها "انطوان"، ما أغرب الدنيا!
كانت الحياة في البيت هادئة، راكدة، فيوميات العائلة متشابهة التفاصيل، كانت والدتها، حسب روايتها هي، خفيفة الظل، مرحة، وشغوفة بالفن، وكانت اهتمامات أبيها تنصب علي زراعة قطعة الأرض التي يمتلكها في البلدة، وبسيارته "الفورد" العمومية التي يقودها السائق "طنوس"، لكن، ما لبث هذا الهدوء والسلام العائليّ أن ارتبك وتبدل بمقتل شقيقتها الكبري "جولييت" من جراء اصابتها، وهي في العاشرة من عمرها، بطلق ناري في مشاجرة بالأسلحة حدثت في البلدة، انتقلت الأسرة علي وقع تلك الحادثة المؤلمة للإقامة في العاصمة، ولقد شكلت هذه الهجرة الداخلية من الريف إلي "بيروت" نقطة تحول جوهرية، بل، ربما، انتشلت "صباح" من احتمالات النسيان!
في منطقة "جل الديب"، وهي إحدى القرى اللبنانية من قضاء المتن في "جبل لبنان"، حسب روايتها، وقعت قصة غريبة كانت "صباح" تحتفي بالحديث عنها كثيراً، لقد ذهبت مع العائلة إلي هناك لزيارة إحدى العائلات، قال لهم صاحب البيت: 
- بالقرب من منزلنا كنيسة، كل من يدخلها للمرة الأولى ويطلب أمنية معينة تتحقق! 
تحينت "صباح" فرصة انشغال الباقين بتناول الطعام وتسللت إلى الكنيسة بهدوء شديد واحتراس، بكت وهي تصلي داعية الله أن يحقق أمنيتها الوحيدة: 
-أريد أن أصبح مطربة ناجحة ومشهورة..
إنها واحدة من المرات القلائل التي استجابت فيها القوي الإيجابية في الطبيعة لتوسلات أحد دون شروط!
وفي "بيروت"، التحقت "جانيت" بمدرسة "القلب الاقدس" في "الجميزة"، وهناك، بدأت تغني في المناسبات المدرسية، وهناك، علي حين غرة، كانت علي موعد مع اللحظة التي كانت نجمة كبيرة تتهيأ للميلاد سوف تسكنها هي بعد سنوات قليلة! 
لقد حضر "قيصر يونس"، صهر المنتجة "آسيا داغر"، إحدي المناسبات في مدرسة "القلب الأقدس"، ورآها تمثل، أو رأي فيها نجمة مؤجلة في الحقيقة، فاقترب من "جرجس فغالي"، وقال له:
- حرام ألا تدخل ابنتك السينما!
لم يكن إعجاب "قيصر يونس" وحده كافياً لدخول "الحسونة" إلي رحاب الضوء بتلك السهولة بطبيعة الحال، إنما إعجاب "قيصر يونس" وقوة اللحظة معاً، فالحياة هي صراعٌ واشتباكٌ واختلافٌ، لذلك، ما الخلود إلا ذلك القدر الذي ينجو من الذوبان في لهيب المعركة، ويتبقي من الإنسان بعد الانسحاب من حلبة الحياة إلي مثواه الأخير، فإن الخالدون درجات تماماً كالناس، ولولا وجود "صباح" في الحياة في نفس المدة الزمنية مع مواطنتها "ألكسندرا بدران"، الشهيرة بـ"نور الهدي" لحظيت الأخيرة بمساحة أكبر من الضوء، ودرجة أعلي من درجات الخلود، فما من شك أن خفوت ذكر "نور الهدي" يعود بالأساس إلي وجود "صباح" في نفس المدة الزمنية !
في ذلك الوقت، كان "يوسف وهبي" قد اكتشف صوت اللبنانية "نور الهدي"، وللحقيقة أن مكتشفها هو زوج عمتها ووالد الممثلة اللبنانية "فريال كريم" في الوقت نفسه، كان والدها يعمل في "تركيا"، وولدت هناك قبل ميلاد (ضرتها الفنية) بثلاثة أعوام فقط، لكنها عادت إلي "لبنان" طفلة فراراً من قسوة والدها، بلغ من القسوة حداً لم يتورع معه عن سجنها في بداياتها لإحيائها حفلاً بسينما "كريستال" في بيروت، هكذا قيل، لكنه، أذعن في النهاية للأمر الواقع بعد وساطة الكثيرين من أفراد العائلة بشروطه، لقد اشترط أن يرافقها في كل حفلاتها، هذا دفع الصحف المصرية أن تطلق علي الأب وابنته: (نور الهدي وخيالها)!
ما أغرب التشابه بين بداية النجمتين!
كان احتكار "يوسف وهبي" لـ "نور الهدي" خطأً كبيراً دفع الشركات المنافسة للبحث عن نجمة تعترض طريق هذه النجمة المحرمة، ولسوء حظ "ألكسندرا"، ولحسن حظ عشاق "ساعات ساعات" و "يا دلع" و "عالندا" و "ع الضيعة" و "ع البساطة البساطة" و "الغاوي ينقط بطاقيته"، وقع اختيار "آسيا داغر" علي مواطنتها "صباح" طبعاً لحمل أعباء تلك المهمة، ولقد اعترضت بريق "نور الهدي" بنجاح، ربما، حدث هذا لسبب واحد، لقد كانت المسافة بين "صباح" الإنسانة و "صباح" الفنانة قصيرة جداً، جداً، لا تلمسوا شيئاً!
برفقة والدها القاسي، وصلت "صباح" إلي "مصر"، وفي أحد مقاهي شارع "فؤاد الأول"، خلع عليها الشاعر "صالح جودت" اسمها الفني الذي عرفت به بوحي من وجهها الذي كان مشرقاً كنور الصباح، وكان أول خطواتها في عالم السينما فيلم "القلب له واحد" مع الفنان "أنور وجدي" عام "1943"، أحرز الفيلم نجاحاً متوسطاً، لكن جدران القلوب كانت قد تراجعت أمام فتنة تلك الشقراء فعلاً، وأصبحت منذ ذلك الوقت فاكهة في غير موسمها حقيقة، كانت قد نجت!
بمرور الوقت أصبحت أيقونة للموضة، لا تهتم فقط بتفاصيلها، بل تتوغل في التفاصيل حتي جذورها، ربما، لم تكن "صباح" هي الأجمل بين نجمات جيلها، لكن، تناقضها بالتأكيد، بالإضافة إلي حياتها المزدحمة بالشائعات والأسرار، جعل منها واسطة العقد بين نجمات تلك المرحلة، لذلك، ليس أبداً من الغرابة بمكان أن تكون هي رائدة للباحثات عن الشباب الدائم، ولذلك، جازفت بالخضوع لجراحات التجميل حتي قبل أن يصل هذا التخصص درجة النضج التي هو عليها الآن، وهذا أضرها كثيراً، لقد اختفت تعبيرات وجهها الطبيعية، وتآكلت لغة جسدها تماماً، فاستحالت مثل تمثال من حلوي أشقر الشعر في النهاية!
هوس غير مبرر بالمظهر الخارجي كان يحاصر عقلها من كل الجهات، وهي، قالت ذات مرة، ربما، في لحظة من التفكير السليم:
- قضيت عمري سجينة بشكل ملوّن، وإطار لمّاع، وأناقة مفرطة!
وكانت تردد دائماً:
- نحن "آل فغالي" نحتفظ بشكلنا الخارجي الحسن حتى مع تقدمنا في السن، هكذا كان والدي وخالي وعمي!
وأجابت، مراراً، علي سائليها عن سر شبابها الدائم: 
- لا أدخن، لا أشرب الكحول، وأنام مبكراً.. 
رحلة طويلة، تركت خلفها، عندما ألقت عصاها و استقر بها النوي، كما قر عيناً بالإياب المسافرُ: 
"83" فيلماً بين مصري و لبناني، و "27" مسرحية لبنانية، وحوالي "4000" أغنية بين مصري ولبناني، وهي، كانت ثاني فنانة عربية بعد "أم كلثوم" في أواخر الستينات تغني على مسرح "الأولمبيا" في العاصكة الفرنسية "باريس" مع فرقة "روميو لحود" الاستعراضية في منتصف السبعينات، وقفت أيضاً على مسرح "كارناجري هول" في "نيويورك"، ودار الأوبرا في "سيدني"، وقصر الفنون في "بلجيكا"، وقاعة "ألبرت هول" في "لندن"، وغيرها..
في مارس "2003" قررت الهجرة إلي "أميركا" نهائياً لتعيش إلى جانب ولديها، وبررت قرارها بضيق سبل العيش في "لبنان" وشعورها بالوحدة، لكنها لم تلبث أن عادت إلي "لبنان" بعد شهرين أو أقل لشعورها بالعجز عن العيش خارجه، وانتقلت للإقامة في منزل شقيقتها الممثلة "لمياء فغالي" وابنتها "كلودا عقل"، وعند وفاة "لمياء" انتقلت الى "كونفورتيوم" ليكون مقراً نهائياً لها..
لا أجد مقولة أشد جمالاً وحدة تشبه ما كان يدور في عقل "الحسونة" ولا تستطيع صياغته كلمات أجمل من مقولةٍ للرسامة المكسيكية الشهيرة "فريدا كاهلو"، تلك المعاقة التي تفوقت اللبنانية الجذور "سلمي حايك" علي نفسها في تجسيد شخصيتها في فيلم "فريدا" الذي يسرد حياتها، قالت:
- أتمنى أن يكون خروجي من الدنيا ممتعاً، وأتمنى أن لا أعود اليها ثانية!
يوم الأربعاء قبل الماضي، كان هناك نعي آخر للحسونة، برغم خلوه من إحساس الصدمة ونبرة ألفة الوداع في طياته، ربما يقل حرارة، لكنه لا يقل جمالاً عن نعي "كلودا عقل"، إنه نعي موقع الجرس:
- "صباح" في ذمة الله، منذ ساعة نامت "صباح" للأبد، رحلت وهي غافية مثل الملاك نامت، الكل مرتبك و "صباح" في غرفتها هادئة دون نفس، والعائلة الصغيرة تفكر باستدعاء ولديها، وقرار موعد الدفن يقرره ابن عمها، وبعد أن تقوم الهيئات المعنية بالنعي الواجب والمراسم اللازمة لقامة فنية بمستوى "صباح"..
لقد طارت "الحسونة"، طارت بعيداً، إلي حيث تلتقي هناك الفصول الأربعة طارت "الحسُّونة"، فوداعاً، مع الموتي، ذلك أفضل جداً..

الخدعة المخبأة وراء المشروع الأوروبى للاعتراف بفلسطين

كشف رئيس شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أن مشروع القرار الأوروبي الذي تنوي عدة دول تقديمه أمام مجلس الأمن بهدف إنهاء الاحتلال، بقيادة فرنسا، يتضمن الاعتراف بيهودية الدولة، فضلاً عن بنود أخرى تتعلق بإعادة توطين وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية.
ولفت عريقات خلال لقاء نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجيّة (مسارات) في مقره بالبيرة، إلى أن "مشاورات فلسطينية - فرنسية مكثفة تجري بشأن هذا المشروع، الذي يهدف إلى إنهاء الاحتلال عبر سقف زمني للمفاوضات تستمر حتى نهاية 2017".
وقال إن "فرنسا ستقدم مشروع قرار إلى مجلس الأمن يشكل جسراً باتجاه إقامة الدولة الفلسطينيّة، من خلال تحديد عدة أسس لاستئناف المفاوضات".
وأكد أن "المشروع يقوم على وضع سقف زمني محدد للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ضمن عمليّة تستمر حتى نهاية العام 2017، ومن ثم ستعترف فرنسا، ووربما بعض الدول الأوروبيّة، بالدولة الفلسطينيّة".
وأشار إلى أن "كلا من ألمانيا وبريطانيا قد دخلتا على خط صياغة مشروع القرار، وأن الأخيرة طرحت بعض النقاط الإضافيّة التي لا يوافق عليها الجانب الفلسطيني، وخصوصاً محاولة الزج بالدولة اليهوديّة من خلال تضمين مشروع القرار بنداً حول القرار 181 مع النص على أنه يتضمن إشارة إلى دولة عربيّة ودولة يهوديّة، وبنداً آخر يتحدث عن إعادة توطين وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب نقطة تشير إلى نزع سلاح الدولة الفلسطينيّة".
ورفض عريقات "القبول بالدولة اليهوديّة لأن الاعتراف بها سيدحض الرواية التاريخيّة الفلسطينيّة ويعني إقراراً من الفلسطينيين بأن فلسطين ليست وطنهم".
وأوضح أن "الوضع الراهن هو أخطر وضع على القضيّة الفلسطينيّة، خصوصاً بعد فشل الإدارة الأميركيّة على مدار تسعة أشهر في التوصل إلى اتفاق على المبادئ بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأنه بعد انتهاء هذه المهلة لم تجد القيادة مجالاً إلا التوجه نحو تدويل القضيّة الفلسطينيّة، من خلال الاستفادة من الاعتراف الأممي بالدولة، الذي يتعزز باستمرار من خلال اعتراف الدول والبرلمانات بالدولة الفلسطينيّة، وكان آخرها البرلمان الفرنسي الذي صوت لصالح الدولة الفلسطينيّة".
وحول الإستراتيجية الفلسطينية لمجابهة التحديات، قال عريقات إنّها "ترتكز على عدد من المحاور، أولها إحباط أهداف الإستراتيجيّة التي تنفّذها حكومة نتنياهو من خلال جعل السلطة الفلسطينيّة سلطة من دون سلطة، والاحتلال من دون كلفة، وإبقاء قطاع غزة خارج الفضاء الفلسطيني، في سياق فرض وجود دولة استعماريّة عنصريّة واحدة بنظامين"، مشيراً إلى "تصعيد الإجراءات الإسرائيليّة، بما في ذلك حزمة القوانين الخمسة التي تشمل الدولة اليهوديّة، وقسم الولاء، والطرق المعقّمة، والحافلات، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات".
وأضاف أن "مرتكزات الإستراتيجيّة الفلسطينيّة تشمل أيضاً تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام، وإعادة النظر في العلاقات الفلسطينيّة الإسرائيليّة انطلاقاً من مبدأ تبادليّة الالتزامات، وتدويل القضيّة الفلسطينيّة".
ودعا إلى "الاستفادة من الفرصة التاريخيّة السانحة لعودة فلسطين إلى خارطة الجغرافيا، من خلال التوجه إلى مجلس الأمن، والانضمام إلى المزيد من المواثيق والوكالات الدوليّة، واستمرار العمل لعقد اجتماع للأطراف المتعاقدة السامية على مواثيق جنيف في 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وكذلك العمل من أجل تطبيق نظام خاص لحماية المدنيين في زمن الحرب"

08 ديسمبر 2014

بيان شامل للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول الأوضاع العربية الراهنة

بسم الله الرحمن الرحيم 
حزْبُ البَعْثِ العَرَبي الاشْتِرَاكي
القيادة القومية 
أُمةٌ عرَبِيةٌ وَاحِدَة ذاتُ رِسالَةٍ خَالِدَة 
وحدة حرية اشتراكية
بيان شامل للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
حول الأوضاع العربية الراهنة
يا جماهير أمتنا العربية ،
أيها المناضلون العرب على مساحة الوطن العربي الكبير
أيها الرفاق
مع كل يوم يمر على الأمة العربية، تتوضح أكثر فأكثر معالم التحديات المصيرية التي تواجهها في حاضرها، نظراً لحجم وبُعد الصراع الدائر حالياً على أرض العروبة وفي العالم، وسعي أطرافه الدولية والإقليمية النزول بالواقع العربي إلى أدنى مما هو قائم حالياً من تقسيم كياني وضعت أسسه اتفاقية سايكس بيكو.
وإذا كانت إقامة الكيان الغاصب على أرض فلسطين عام / 1948، هي نتاج لمسار سياسي امتد لنصف قرن، فإن المرحلة الحالية إنما تُؤسس على ما استطاع إنجازه التحالف الصهيو-استعماري على مدى أكثر من قرن، وجديده الاتكاء على مواقع إقليمية تتقاطع معه في المصالح وتنخرط وإياه في حلف غير مقدس، لتقويض مرتكزات القوة في الوضع العربي، وإجهاض حالة النهوض القومي وشخوصاتها السياسية، والانطلاق نحو إنتاج واقع عربي جديد، تتقدم فيه الهوية الطائفية على حساب الهوية الوطنية واستطراداً الهوية القومية. وحيث ضمن سياق هذه الهجمة، حوصرت الثورة الفلسطينية وضربت في أكثر من موقع، وتم احتواء نظام مصر من خلال اتفاقيات "كمب دايفيد"، وزّين للنظام الإيراني ابتلاع العراق عبر إشعال حرب استمرت ثماني سنوات، لكن العراق خرج منها قوياً مقتدراً وفرض نفسه قوة ردع فعلية لمن توهم بتوسع إقليمي على حساب الأرض العربية والحق القومي.
لقد دفع انتصار العراق في الحرب التي فرضت عليه، قوى التحالف الصهيو-استعماري لأن تتقدم مباشرة لتنفذ أصالة ما عجز النظام الإيراني عن تنفيذه وكالة، فكان الحصار الاقتصادي والسياسي ،ومن ثم العدوان الثلاثيني ،ومن بعدها عدوان 2003 الذي أدى إلى وقوع العراق تحت الاحتلال.
هذا الاحتلال الذي دُحر بفضل مقاومة شعب العراق أفرز واقعاً جديداً، وأثبتت معطياتها بأن العراق العصي على الاحتواء، عصي على الاحتلال، وأن كل قوة مهما بلغ جبروتها لن تستطيع أن تفرض شروطها وخياراتها على شعب اختار المقاومة، وهي التي استطاعت أن تهزم الاحتلال وباتت صاحبة الحق الشرعي في تمثيل العراق وإرادة شعبه وإقامة نظامه السياسي الذي يلبي الحاجات الوطنية ويعكس حقيقة الشخصية الوطنية لشعب ما بخل يوماً في تقديم التضحيات دفاعاً عن حقه بالحياة الحرة الكريمة ودفاعاً عن قضايا أمته.
واليوم إذ تعود قوى التحالف الصهيو-استعماري بقيادة أميركا لضرب العراق تحت حجة مواجهة الإرهاب، فهذا إنما يندرج في سياق إعادة تعويم العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال الأميركي، واستمر برعايتها النظام الإيراني، وللحؤول دون تمكين المشروع الوطني الذي اٌحتضن بحراك شعبي تحت عناوين المسألة الوطنية ،من إعادة بناء عراق جديد على قواعد الوحدة والديموقراطية والمساواة في المواطنة.
إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وفي ضوء تقويمها للواقع القومي الراهن استناداً إلى مشهدية الصراع الذي تعيشه الأمة من مشرقها إلى مغربها، ترى أن هذه الشمولية في الصراع ،ما هي إلا تأكيد على أن الأمة محكومة بمصير واحد، وأن معركتها واحدة وان تعددت أطراف الصراع في محاورها، وأن هذا الذي يجري على الأرض العربية ومن حولها إنما يرتبط ببعضه البعض ترابط الأوعية المتصلة.
وعليه فإن القيادة القومية للحزب وفي ضوء إدراكها لحجم التحديات التي تواجه الأمة عبر تنوع أشكال المخاطر وتعدد أطراف العدوان وحتى لا تبقى صورة الصراع مشوشة تؤكد على ما يلي :
أولاً : إن القيادة القومية للحزب، ترى أن صراع الأمة مع أعدائها المتعددي المشارب والمواقع، تحكمه جملة تناقضات تتفاوت في مستوى وطبيعة عدائيتها . وهي تتراوح ما بين العدائية الوجودية و العدائية السياسية من أساسية وثانوية. وإذا كانت لائحة اصطفاف قوى العداء السياسي الأساسي تضم مروحة واسعة من القوى الدولية وتحتل أميركا رأس لائحتها، ويحتل النظام الإيراني رأس لائحة قواها الإقليمية، فإن العداء المحكوم بالتناقض الوجودي كان وسيبقى يجسده المشروع الصهيوني الذي أقام كيانه الغاصب على أرض فلسطين. وبالتالي فإن الصراع مع هذا المشروع سيبقى مفتوحاً، ما بقيت فلسطين محتلة .
ثانياً: إن القيادة القومية للحزب، وهي تؤكد على هذه المسألة المبدأية التي تحكم رؤية الحزب وموقفه من الصراع العربي –الصهيوني، ترى أن كل طرف عربي داخلي أوإقليمي ودولي، يعمل على تخريب وتفكيك الواقع المجتمعي العربي ، ويسعى لاستغلال واقع متناقضات اجتماعية عربية بهدف اضعاف عوامل المناعة الوطنية ،وتحويل مكونات مجتمعية عربية في إطار مكوناتها الوطنية إلى جاليات سياسية مرتبطة بمراكز تقرير وتوجيه دولية وإقليمية، إنما يشكل رديفاً موضوعياً للمشروع الصهيوني ،وبالتالي تكون نتائج سلوكه التخريبي على الاستقرار المجتمعي العربي مكملة لنتائج المشروع الصهيوني. ولهذا فإن مواجهة هذه الأدوار العدائية ووأدها وخاصة الدور الإيراني الذي بات الصراع معه مصيرياً في ظل معطاه الراهن هي واجبة لسببين:
الأول، لتحصين الداخل العربي من اختراقات معادية تعمل على تغذية الاحتراب المذهبي والطائفي،
والثاني، أنه يحول دون العدو الصهيوني من نفاذ مشروعه الهادف إلى جعل الحدود السياسية للكيانات العربية بحدود الطوائف والمذاهب.
وإذا كان البعض يعتبر أن تسليط الضوء على خطورة الدور الإيراني وهو الذي يستبطن عدائية تاريخية فارسية مشبعة بشعوبية عنصرية حاقدة ضد العروبة، هو لتشتيت الجهد العربي وتوسيع دائرة العدوات مع الأمة، فهذا البعض عليه أن يدرك، ان النظام الإيراني هو الذي أسس لهذه العدائية انطلاقاً من تدخله في الشؤون العربية الداخلية وأطماعه والذي اتخذ بعداً خطيراً من خلال احتلاله الذي يتخذ طابعاً استيطانياً وتكفي الإشارة إلى تأكيد المسؤولين الإيرانيين، بأن إيران باتت تسيطر على أربعة عواصم عربية، بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء فضلاً عن احتلال الجزر الثلاث والاحواز لاثبات مسؤولية النظام الايراني عن ذلك. فهل العرب هم الذين ذهبوا إلى الداخل الإيراني، أم العكس هو الحاصل ؟إن اصرار إيران في ظل نظامها الحالي على نهجها وسلوكها العدواني والتخريبي والتوسعي فإنها بذلك تكون هي التي اختارت عن سبق إصرار وتعمد طريق المواجهة وعليها تقع تبعة الموقف بكل أبعاده الأخلاقية والسياسية وبالتالي تحمل عبء النتائج.
والقيادة القومية للحزب، وهي تعتبر النظام الإيراني مسؤولاً عن شرخ العلاقات العربية –الإيرانية والتي دخلت في مواجهات ساخنة في أكثر من ساحة، ترى بأن الدور الإيراني ليس الوحيد من مواقع التخوم الإقليمية الذي يشكل تهديداً للأمن القومي العربي. فالدور التركي الذي بات تدخله مكشوفاً في أكثر من ساحة عربية، هو كما النظام الإيراني يعمل عبر تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على مواقع عربية وطمعاً بحصة في الترتيبات الأمنية والسياسية التي تطبخ في كواليس السياسة الدولية ضد الأمة العربية وطموح جماهيرها. وهذا ما كان ليحصل لو لم تكن الساحة العربية مفرغة من مركزها القومي الجاذب، والضعف والوهن والتفكك اللذين أصابا الجاذبيات الوطنية.
ثالثا: إن القيادة القومية للحزب، وفي الوقت الذي تؤكد فيه على مواجهة كافة المخاطر التي تهدد الأمن القومي من داخله ومداخله تشدد على أهمية استعادة مصر لموقعها،ودورها القومي الناشط في ظل نظام تحترم فيه الحريات العامة وتتبوأ القضية الفلسطنية موقعاً متقدماً في خطابه السياسي وسلوكه العملاني وترى بأن ذلك يشكل مدخلاً طبيعياً لإعادة الاعتبار للمركز القومي الجاذب وأن انتصار المشروع الوطني في العراق ببعديه التحريري والتوحيدي يجسد رديفاً موضوعياً لمركزية الموقع المصري لأجل إعادة تثبيت الهرم العربي على قواعد قوية، والذي تشكل سوريا المتحررة من الاستبداد والمستعيدة لدورها القومي ضلعه الثالث. وهذا يتطلب التعامل مع الصراع الدائر في ساحة العراق، باعتباره صراعاً بين مشروعين: المشروع الوطني الذي تحمل لواءه قوى التحرير التوحيد الوطني، والمشروع الرامي لتبثيت إفرازات الاحتلال الأميركي والهيمنة الإيرانية، وفرض واقع يحاكي مشروع بايدن التقسيمي. ولهذا فإن من يحرص على حماية وحدة العراق وعروبته، أن يخرج من رمادية المواقف ويصطف حيث يجب أن يكون في مواجهة التهديدات الفعلية للعراق بوحدة أرضه وشعبه وهويته القومية.
رابعاً: إن القيادة القومية للحزب، وفي ضوء الحملة المغرضة التي يتعرض لها الحزب والتي لم تعد أهدافها خافية على أحد، نظراً لدوره المحوري في مقاومة الاحتلال الأميركي، والتصدي للهيمنة الإيرانية ومشروع فرسنة الحياة المجتمعية العراقية، وما فرضته سياقات المواجهة العسكرية والسياسية على الأرض، وخاصة بعد الضربة التي تلقاها النفوذ الإيراني في العراق مؤخراً، وما ألصق بالخطاب السياسي للحزب من تهم مغرضة تتناول بنيته الفكرية، ورؤيته للدين، وعلاقاته مع قوى تستند في أدائها إلى منطلقات دينية ورموزه القيادية تؤكد :
بإن حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي، إنما يستلهم دائماً في أدائه السياسي والنضالي العودة إلى منظومته الفكرية، وهو في واقع النضال السلبي كما في واقع النضال الإيجابي، لم ولن يكون في يوم من الأيام ملحقاً بحركة دينية أو مذهبية،. فهو حزب ، قال بفصل الدين عن الدولة ودعوته إلى إقامة الدولة المدنية المتحررة تقوم على أساس رفض كل أشكال استغلال الدين لأغراض سياسية ،وعلى احترام الأديان وحماية حق الإنسان بإيمانه الديني وان النظرية القومية التقدمية هي الأصل في بنيانه الفكري.
خامساً: إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وهي تدعو الرفاق العودة دائماً إلى الينابيع الفكرية للحزب، في تحديد ضوابط الخطاب السياسي على المستوى القومي وعلى المستويات الوطنية، تتوقف عند مشهديات الصراع التي تختلج بها بعض الأقطار العربية، وإنما تؤكد على ما يلي:
1- في ضوء ما آلت العملية السياسية في العراق وتبعية أطرافها لأميركا وحلفائها والنظام الإيراني، وفي ضوء احتدام الصراع العسكري بين الميليشيات الإرهابية على مختلف تلاوينها، فإن إنتاج نظام سياسي جديد في العراق يحفظ مقوماته الأساسية، لا يستقيم إلا على قواعد المبادئ التي طرحتها قوى المشروع الوطني والتي تتلخص: بإلغاء الاجتثاث للبعث وتحت أي مسمى، وإصدار عفو عام ،والتعويض على المتضررين ،وإعادة تأسيس الجيش العراقي على قاعدة قانونه الأساسي وعقيدته القتالية الوطنية والقومية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من ذوي الكفاءات والمستقلين ،وتشكيل هيئة تأسيسية لوضع مشروع دستور يكون بديلاً للدستور الذي أفرزه الاحتلال، وبالتالي طرحه على الاستفتاء الشعبي، وإعادة هيكلة الحياة السياسية على ضوء أحكامه. أما إذا استمر الموقف المعادي من الحزب محكوماً بقانون الاجتثاث وحظره بقانون وتحت أي مسمى، فإن هذا يعني أن أطراف العملية السياسية بكل تحالفاتهم الاقليمية والدولية ،هم المسؤولون عن إبقاء ساحة العراق مفتوحة على صراع مستديم، وعلى كل أشكال التدخل الدولي والإقليمي وخاصة من دول الجوار الجغرافي. وعندها فإن الحزب سيبقى ضمن الخيار الذي اختطه لنفسه وهو استمرار الانخراط في الصراع بكل أشكاله لأجل إسقاط العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال، وحماية وحدة العراق وعروبته.
2- إن القيادة القومية للحزب، وهي تؤكد على موقفها هذا، ترى بأن التحالف الدولي الذي تقوده أميركا تحت حجة مواجهة الإرهاب، ما هو إلا لتعويم العملية السياسية بما يتعلق بالعراق، وربط ساحة سوريا بمسرح عمليات واحد مع ساحة العراق ،بحيث يراد للترتيبات الأمنية والسياسية في سوريا ،أن تكون متماهية بطبيعتها لجهة ما يرسم للعراق لإعادة رسم خارطة القطرين، وتقسيمهما إلى دويلات مذهبية وطائفية وعرقية. ولهذا ترى القيادة القومية بأن وضع حدٍ للصراع المدمر في سوريا، ولحالة الانكشاف السياسي والأمني الذي ارتقى إلى مستوى الانكشاف الوطني، لا يكون إلا عبر حل سياسي انتقالي، يضع حداً للتدخلات الخارجية في سوريا، سواء تلك التي تصطف مع النظام أو تلك التي تقدم نفسها تحت مسميات المعارضة بكافة تشكيلاتها. هذا الحل السياسي الذي يؤسس لنظام سياسي جديد يعيد هيكلة الحياة السياسية على قاعدة التعددية السياسية والديموقراطية، ويعيد لسوريا وهج دورها القومي ،بعدما شوهته الاختراقات المعادية للأمن القومي العربي وبخاصة الاختراق الإيراني، والتشكيلات التي تعمل تحت مسميات دينية ومذهبية موالية ومعارضة للنظام، هو الذي ينقذ سوريا ويحول دون تمادي التدمير الذي يطال بناها الحياتية والحيوية، ويعيد الأمن والأمان الوطني لشعب سوريا، التي باتت مأساته تشابه ما حل بشعب العراق من جراء الاحتلال الأميركي والهيمنة الإيرانية، وما أصاب شعب فلسطين من تشرد ما تزال تداعياته ترخي ظلالها الثقيلة على هذا الشعب الصامد الصابر.
3- إن القيادة القومية للحزب، وهي تدعو لحل سياسي يحمي المقومات الوطنية لسوريا والعراق، ترى أن الأحداث الجارية في اليمن، إنما تندرج في سياق إغراق كل ساحات الوطن العربي في دوامة الصراعات الداخلية المدمرة ،والتي من خلالها ينفذ أصحاب المشاريع المعادية من دوليين وإقليمين لضرب مخالب أنيابهم في الجسم العربي. وإذا كانت أحداث اليمن تحركها معطيات داخلية، إلا أن الدور الأخطر ،هو الدور الخارجي وخاصة الإيراني حيث يسعى نظام ملالي طهران للإمساك ما أمكن من الأوراق، لبسط نفوذه التوسعي أو لتوظيفها في سياق تحسين موقعه التفاوضي مع الغرب. وعليه يجب العودة إلى وثيقة الوفاق السياسي التي استند إليها في تحديد أسس الحل الانتقالي، وحتى لا تندفع الأمور إلى حرب أهلية لن يخرج أحد منتصراً منها.
4- إن القيادة القومية للحزب، وفي ضوء تقويمها للوضع اللبناني، ترى أن تعطيل دور المؤسسات الدستورية في لبنان ،وعدم ملء الشغور في الرئاسة الأولى، والتمديد للمجلس النيابي لدورة كاملة ،من شأنه أن يبقي البلد في حالة انكشاف سياسي وأمني، وبالتالي إبقاء حالة التفلت الأمني قائمة مع ما يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على السلم الأهلي .ولهذا فهي، تشدد على أهمية استئناف الحياة السياسية في لبنان لدورتها الطبيعية، وحتى لا يبقى الوضع اللبناني واقفاً على حافة الانزلاق إلى انفجار واسع في ظل ارتدادات الصراع في سوريا عليه. وهنا ترى بأن التعامل مع ملف النزوح السوري يجب أن يبقى محكوماً برؤية إنسانية ووطنية وأن لا ينظر إليه بمنظار الملف الأمني.
إن القيادة القومية إذ تشدد على إعادة انتظام الحياة الدستورية والسياسية في لبنان،ترى بأن إعلان بعبدا، إنما يشكل ركيزة لضبط الوضع السياسي على قاعدة عدم التدخل في الصراع المتفجر في سوريا،ومايترتب عليه من حماية الجيش في دوره الوطني،والحد من تأثيرات القوى المنخرطة في الصراع وسعيها أخذ لبنان رهينة لحساب المشاريع الفئوية، في ظل ارتفاع منسوب التكفير الديني في الخطاب السياسي، وما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على وحدة النسيج المجتمعي
5- إن القيادة القومية إذ تنوه بمسار العملية، السياسية في تونس، فلأنها ترى فيها بداية تجربة واعدة في إدارة السياسة الداخلية. إذ أن ما أفرزته الانتخابات الأخيرة في تونس وطريقة تعامل كافة الأطراف مع نتائجها ، جديرة بالتوقف عندها، وتقويمها إيجاباً، كونها ضبطت الإيقاع السياسي تحت مظلة الدستور، وأثبتت أن الوعي المجتمعي المشبع بروحية المواطنة المدنية، هي الضمانة الفعلية التي توفر للشعب كل متطلبات أمنه السياسي والاجتماعي والحياتي.
6- إن القيادة القومية للحزب، التي رأت بداية أن الحراك الشعبي، يمكنه أن يحقق تحولاً ديموقراطياً، إذا ما حافظ على استقلاليته وحال دون اختراقه من قوى معادية وتشرذمه ، ونموذجه تونس، هي ما تأمله وتؤكد عليه، ترى بأن معطيات هذا الحراك الجماهيري في السودان ،والمسار العام الذي ينتهجه في تصديه لنهج السلطة وسياسات النظام التي أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس السياسي والاقتصادي، فضلاً عن مسؤولياتها في سلخ جنوب السودان عن وطنه الأم، سيدخل السودان نطاق التغيير الديموقراطي الذي يعيد الاعتبار للحريات الأساسية وحقوق المواطنة، وبما يضع حداً لتمادي النظام في سياساته الراهنة وخاصة فساده واستمرار اعتماده الأسلوب الأمني في التعامل مع أزمة سياسة بنيوية.
7- إن القيادة القومية للحزب ،وهي تتوقف أمام البعد الخطير الذي انزلق إليه الصراع في ليبيا، وبما بات يهدد وحدتها،تدعو القوى الوطنية الليبية كما الأمة العربية على كافة هيئاتها الجامعة ودول الجوار، لتحمل مسؤولياتها لإنقاذ ليبيا من دوامة الصراع القبلي والجهوي،وتوفير كل مساعدة ممكنة لإنتاج نظام سياسي على قواعد المواطنة والديمقراطية والمناعة الوطنية. فالحل السياسي الوطني بقدر ما هو حاجة ليبية داخلية لمواجهة قوى التدخل الأجنبي وقوى التخريب الداخلي المدان وطنياً وقومياً،فإنه يحمي خاصرة مصر الغربية ويحول دون تمادي الاختراق للامن القومي العربي
8- إن القيادة القومية للحزب ،التي تدرك أن تحالف القوى المعادية يحاول الاستفادة القصوى من تشرذم وانقسام القوى الوطنية والديموقراطية، تشدد على أن تبقى قوى الحراك الشعبي المشدودة إلى برنامج وطني للتغيير الديمقراطي موحدة، ومستقلة في خياراتها الوطنية وبشكل خاص في البحرين والأردن وكل ساحة عربية تشهد حراكاً شعبياً يستند إلى برنامج وطني لمحاربة الفساد والتبعية وغياب العدالة الاجتماعية وبعيداً عن كافة التحزبات الطائفية والعشائرية والقبول بالتدخلات الاجنبية .
9- إن القيادة القومية للحزب، وهي تؤكد على وحدة القوى الوطنية والديموقراطية على مستوى الأقطار العربية، تؤكد على الارتقاء بالعمل الوطني العربي إلى مستوى التوحيد في جبهة قومية، تكون قادرة على أن تشكل عامل استقطاب جماهيري لمواجهة تحديات الداخل،واصطفافات أصحاب المشاريع الطائفية والمذهبية والتقسيم من جهة، وتحديات الخارج المحمول على رافعات التدخل العسكري والسياسي من جهة أخرى ،وشواهده ما يحصل في العراق وسوريا وليبيا والسودان .
إن هذه الجبهة في حال تشكلها، فإنها ستعيد الاعتبار لدور الحركة الشعبية العربية في نضالها الوطني الديمقراطي، ضد نظم الاستبداد والقمع والنظام الرسمي الرجعي العربي المفرط في تبعيته للنظام الاستعماري، كما تؤكد على دور الحركة الشعبية في حماية التحولات الديمقراطية التي تشهدها بعض الساحات العربية، وعلى فتح الحدود بين الأقطار العربية كافة.
10- إن القيادة القومية ،وهي تشدد على أهمية تشكيل جبهة شعبية قومية، ترى أن ضرورة انبثاق هذه الجبهة بقدر ما تمليه ضرورة إملاء الفراغ السياسي الوطني الذي تعاني منه بعض الساحات العربية، إنما تمليه أيضاً ضرورة توفير حاضنة شعبية لكل قضايا النضال العربي وبالأخص القضية الفلسطينية، للحؤول دون تمادي استمرار عملية القضم والهضم والصهينة لكل معالم الحياة في فلسطين ،وآخرها انتهاك حرمات الاقصى، وما له من دلالة رمزية قومية ودينية، وهذا كاف لأن تنطلق جماهير فلسطين وجماهير الامة في حراك شعبي انتصاراً لهذه القضية، التي يجب أن تبقى محفزاً نضالياً للكفاح المفتوح على عمقه القومي، باعتبار أن تحرير فلسطين كان وسيبقى مشروعاً قومياً عربياً بإمتياز.وإن ما يراد تمريره تحت عناوين الترتيبات الأمنية والسياسية، ليس إلا إخراجاً لتصفيتها وتحويلها إلى مجرد حقوق مدنية. وبالتالي فإن الحزب الذي يرفض تمرير مشروع تصفية القضية الفلسطنية تحت مظلة المفاوضات العبثية، يدعو جماهير فلسطين العودة إلى طريق الكفاح وإطلاق الانتفاضة الشاملة.
إن القيادة القومية للحزب، وهي تكبر بشعب فلسطين مقاومته وتضحياته تدعو المقاومة الفلسطينية بكل أطرافها إلى استعادة وحدتها على قاعدة البرنامج المقاوم لتحرير كامل تراب فلسطين لأنه ما من مقاومة استطاعت الانتصار، إلا إذا توحدت قواها والتحمت مع جماهيرها.
فتحية لفلسطين وانتفاضاتها الجديدة التي أطلقت شراراتها من حرم الأقصى ومحرابه. وتحية لثورة العراق وقيادتها بكل قواها وأطرافها،ولمقاومة الشعب العربي في الاحواز ونضاله لتحرير الارض العربية من الاحتلال الفارسي الاستيطاني، وتحية لشهداء الأمة في فلسطين والعراق، وفي كل ساحة عربية سقطوا وهم يواجهون قوى الاحتلال والاستعمار ونظم التبعية والارتهان والاستبداد.
تحية للقائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق مصدر الإلهام الفكري للبعثيين.
تحية لشهيد الحج الأكبر الأمين العام للحزب الرفيق لقائد صدام حسين على أبواب الذكرى الثامنة لاستشهاده.
تحية للأمين العام للحزب القائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني الرفيق عزة إبراهيم.
الحرية للأسرى والمعتقلين 
الحرية للرفيق طارق عزيز ورفاقه المناضلين 
المجد والخلود لشهداء الأمة العربية 
عاشت فلسطين حرة عربية، عاشت الأمة العربية وأهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية.
النصر لأمتنا والخزي والعار للخونة والمرتدين والمرتبطين بالقوى المعادية للأمة.
وعهداً أن تستمر مسيرة أمتنا على طريق الرسالة الخالدة.
القيادة القومية
لحزب البعث العربي الاشتراكي
٠٨ / ١٢ / ٢٠١٤

زهير كمال يكتب: العزبة ... ومحاكمة القرن

العزبة هي مصر المحروسة أم الدنيا التي تأبى الإنفصام عن علاقتها مع فرعونها.
علاقة استمرت سبعة آلاف سنة تختلف عن علاقة أي شعب بحاكمه، وربما كان للنيل دور في ذلك، فللنهر العظيم علاقة حميمة مع حياة شعب مصر وكذلك حاكمها.
وصلت العلاقة الى حد تأليه الفرعون في مراحل من تاريخ مصر القديمة ، ومنذ الأزل عبر السنين، لم نجد شعبا يخلد حاكمه فيحنطه ويزوده بالذهب والفضة ويبني له صرحاً عظيماً سوى شعب مصر، وبينما كانت الشعوب الأخرى تبحث عن مستقبلها، كان شعب مصر يعيش الماضي ويضحي بجزء من ثروته أو بالأحري يفقدها مع حاكم مات وانتهى.
قليل هم الفراعنة الذين أحبوا شعبهم وخدموه ، قد يكون من بينهم مينا موحد القطرين وأخناتون الذي دعا الى التوحيد وعبد الناصر الذي حاول رفع الذل والاستعباد عن شعبه ، أما الباقون فحدث ولا حرج ، عن القهر والاستبداد والأنانية.
مات مئات الألوف في بناء الأهرامات أو الأضرحة الفاخرة. هل كان الفراعنة يأبهون؟
مات عشرات الألوف في حفر قناة السويس أيام الخديوي سعيد، كان شباب مصر يعملون كسخرة. هل كان الفرعون يأبه؟
باع الملك فاروق أسلحة فاسدة لجيشه ليضع عمولات الصفقات في جيبه ، استشهد كثير منهم في حرب فلسطين. هل كان الفرعون يأبه؟
بينما كانت شعوب الأرض تتقدم وتصبح أكثر صحة وتعليماً ووعياً كان حسني مبارك يحطم مصر ويقتل أبناءها ويبطحها أرضاً لتصبح مداساً لمن هب ودب، فهل كان الفرعون يأبه؟
من غرائب التاريخ علاقة الفرعون المميزة باليهود أو الإسرائيلين عندما يكونون متواجدين في المنطقة.
قديماً 
سلم الفرعون خزائن مصر لابنهم يوسف .
ربى فرعون آخر نبيهم موسى في قصره وعندما انشق موسى وهرب منه لحقه فغرق في البحر الأحمر.
حديثاً
دمروا جيشه (عبدالناصر) في عام 1967 وقتلوا أسراهم من جنود مصر في سيناء بدم بارد.
جاء الفرعون التالي (أنور السادات) وعقد صلحاً معهم، ضارباً عرض الحائط بشعبه ودم شهدائه.
عندما احتجوا عليه واغتالوه عاقبهم الفرعون اللاحق (حسني مبارك) بالسجن المؤبد مدى حياته ( قانون الطوارئ) .
هذا الفرعون نفسه كان يستقبلهم في مقر إقامته في شرم الشيخ باستمرار وعندما خلع اعترفوا بأنهم فقدوا أعز صديق لهم.
أما الفرعون الحالي فهو يسير على خطى سابقيه ويضرب أعدائهم التاريخيين بحجة الإرهاب ويضيق عليهم الخناق ولو استطاع أن يمنع الهواء لمنعه، غير مبال بتأوهات الغلابا والمساكين والضعفاء.
بين المسؤولية السياسية والجنائية والأخلاقية:
كانت أول محاولة جادة من شباب مصر لتغيير الأوضاع فيها واللحاق بالعصر هي ثورة 25 يناير 2011 ، فقد انهارت دفاعات الفرعون واضطر للتنحي وتخلى عن الحكم ولكن لمن رباهم وأسمنهم وأغناهم.
وبعكس باقي الشعوب المقهورة عقدوا لها محاكمة، والحق أنها ظاهرة حضارية تفخر بها مصر. ولكن هالهم أنهم يحاكمون فرعوناً للمرة الأولى في تاريخهم فأسموها محاكمة القرن.
ولكن هل يختلف مبارك عن شاوشيسكو رومانيا أو قذافي ليبيا أو غيرهم من الطغاة الذين مروا في تاريخ الشعوب.
يختلف، فهو فرعون الذي وصل الى حد التأليه في مصر القديمة.
مر على مسرحية محاكمة القرن عدة قضاة كان أولهم أشجعهم فقد حكم على الفرعون بالسجن المؤبد ، كان ينطق الحكم وهو يرتجف وأتى بكل التبريرات التي يستطيعها للنطق بهذا الحكم الرهيب وأخيراً استجمع شجاعته وقالها.
ثم تنحى عدة قضاة عن نظر القضية وكانت حجتهم ( بداعي استشعار الحرج) .
هل يوجد استشعار حرج في ميزان السيدة معصوبة العينين ؟ ألا يجب أن يتخلى القاضي عن مشاعره تماماً عندما يتولى أية قضية ؟ ولكنهم لم يهضموا ولا يستطيعون محاكمة فرعونهم.
وأخيراً جاء هذا القاضي الهمام ليعلن براءة الفرعون وأعوانه، قالها وهو ينظر اليه بإعجاب ووله وكأنه يقول : أنت سيدنا ومولانا، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت السيد ونحن العبيد. لعلك تذكرني وترضى عني وتتفضل علي ، فأنا أطمع في كرمك.
كانت نية هذا القاضي الذكي إعلان البراءة في الجلسة السابقة قبل شهر تقريباً ولكنه آثر تأجيل النطق بالحكم ربما ليختار وقتاً مناسباً لذلك.
في حيثيات الحكم قال القاضي إن محمد حسني مبارك وأعوانه يتحملون المسؤولية السياسية وليست الجنائية .
هب الجميع ومعهم كل الحق يتساءلون: ولكن من قتل المتظاهرين؟
يظن هذا القاضي العبقري أنه حتى يتحمل مبارك وأعوانه الجريمة كان عليهم أن يحملوا المسدسات والبنادق بأيديهم.
ولكنها مسؤولية جنائية واضحة كالشمس في رابعة النهار .
وهذا يطرح سؤالاً عن المسؤولية الأخلاقية لهذا القاضي، هل يحتاج فعلاً الى الأدلة الجنائية ومعرفة عدد الخراطيش التي أطلقت من جنود الفرعون؟
وهل من المعقول أن يستطيع وزير أن يبيع الغاز لإسرائيل على مسؤوليته الخاصة.
مصر الفرعونية لا يتم عمل أي أمر مهما كان تافهاً إلا بعلم الفرعون وموافقته.
ولأنها محاكمة القرن كما توصف فالأمر لا يحتاج الى أدلة عينية تقدمها النيابة لإدانة الفرعون جنائياً.
وما حدث استخفاف بعقول الشعب المصري وغيره من شعوب العالم.
كل المسألة هي الجينات المتوارثة عند جزء من الشعب الذي يرفض المساس بالفرعون مهما فعل. 
لاحظنا مثلاً أن هناك جمهوراً من العامة كان يقف خارج المحكمة أثناء انعقاد جلساتها يهتف لمبارك وأصحابه دون مراعاة لمشاعر العائلات التي فقدت أبناءها. ولاحظنا أيضاً تشكل حملات شعبية مثل حملة ( أسفين يا ريس ) والتي ترفض محاكمته مهما فعل.
والأدهى من ذلك أن قسماً لا يستهان به من الفنانين والمثقفين يقفون وما زالوا مع الفرعون السابق. ولقد شاهدنا بعضهم وهو يذرف دموعاً صادقة وسخية وبحرقة شديدة على ما يجري له والمفترض في هؤلاء أنهم زبدة الشعب وصفوته ولطالما قام الفنانون منهم بتمثيل واقع المعاناة المريرة لفئات الشعب المختلفة. ولن نستطيع تفسير الأمر على أنه انسلاخ عن مجتمعهم فقط.
ومن الغريب أن بعض المثقفين (الثوريين) وجدوا الحل في استبدال فرعون فاسد بآخر سطحي وتافه.
وإنما يكمن الحل في تغيير طريقة الحكم بشكل نهائي حيث يتمتع رئيس الدولة بمنصب شرفي ويكون رئيس الوزراء صاحب الأغلبية في مجلس الشعب هو الحاكم الحقيقي.
لن يصلح حال مصر ولن تنطلق الى المستقبل إلا بأسلوب حكم كهذا ، وهي الطريقة الوحيدة للتخلص من الجينات المتوارثة والتي يمكن أن نطلق عليها اسم لعنة الفراعنة.
حفظ الله شعب مصر من كل سوء 

هيفاء زنكنة : منظمة « أنقذوا الأطفال» أم «انقذوا مجرمي الحرب»!

علي ان اعترف بانني لم أختر عنوان الموضوع . أحد الناشطين في مجال حقوق الانسان، دوليا، هو الذي اقترح هذا العنوان لمنظمة طالما اعتبرناها، نحن المتابعين لمجال تخصصها، صرحا انسانيا يساهم في حماية الاطفال، اينما كانوا، في اوقات الصراع والسلم معا. هذه المنظمة هي « انقذوا الاطفال» Save the Children. 
تقدم المنظمة نفسها بانها « منظمة غير حكومية بريطانية تُعنى بالدفاع عن حقوق الطفل حول العالم. تُعتبر أول حركة مستقلة تدافع عن الأطفال حيث أنها تقدم مساعدات إغاثية كما تساعد في دعمهم في البلدان النامية. للمنظمة 28 مكتبا حول العالم وتدعم شركاء محليين في أكثر من 120 بلدا، وتهدف الى تحقيق أكبر قدر من التنسيق في مجهودات الإغاثة مع الأمم المتحدة». تعتمد المنظمة على التبرعات الفردية والمؤسساتية كما المنظمات الخيرية العالمية القديمة الأخرى، مما يعني انها تتفاعل في عملها مع المجتمعات التي تتواجد فيها وتؤمن برسالتها.
وهل هناك ما هو أكثر انسانية من العمل على انقاذ وحماية الطفولة؟ فلم هذا العنوان اللاانساني، العدائي، غير المعقول لوصفها؟ هل هي حملة لتشويه نشاط المنظمة والحط من قيمة عملها خاصة وانها تعمل، في العراق، منذ بداية التسعينيات، واستمرت بالعمل تحت الاحتلال لتغطي جوانب متعددة من دعم الاطفال من بينها اعادة تأهيل المدارس ومراجعة المناهج التعليمية وانشاء شبكة حماية الاطفالـ بل كانت واحدة من المنظمات العالمية، مثل « أوكسفام» التي حذرت من عواقب الغزو؟ 
ان سبب اختيار العنوان مذهل في بساطته. اذ قامت المنظمة الانسانية، فرع أمريكا، بمنح جائزتها للانجاز العالمي، في احتفال كبير يليق بالمناسبة، الى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. وتوني بلير، كما هو معروف، متهم في بلده بريطانيا والعديد من دول العالم بتهمة ارتكاب جرائم حرب فيما يخص شن حرب عدوانية على بلد ذي سيادة هو العراق. وهو وحكومته وقرار خوض الحرب على العراق، تحت التحقيق من قبل « لجنة تشيلكوت» التي ينتظر الرأي العام نتيجة تحقيقها، الذي تم تأجيل اعلانه عدة مرات، حتى الآن، لما للنتيجة من مترتبات قضائية وسياسية تمس الحكومة ومسؤوليها عموما.
هذه التهمة لوحدها كان يجب ان تكون رادعا لمنظمة «أنقذوا الاطفال»، لئلا تفكر بمنح الجائزة الى توني بلير، والتروي، على الاقل، لحين اعلان نتيجة التحقيق، ومعاملته على قدم المساواة مع اي متهم آخر بارتكاب جريمة ما، فما بالكم بجريمة تؤدي الى قتل الاطفال وتشريدهم وأعاقتهم وحرمانهم من التعليم والخدمات الصحية، كما سببت الحرب العدوانية، بقيادة الرئيس الامريكي جورج بوش وتوني بلير البريطاني، للاطفال العراقيين؟ 
لماذا، اذن، قامت المنظمة بمنح بلير الجائزة التقديرية؟ تقول المنظمة بانها منحته الجائزة لأنه حث زعماء قمة الثماني على الموافقة على مجموعة من المساعدات في مجال التخفيف من أعباء الديون، ولأعماله في افريقيا من خلال «مبادرة الحكم في افريقيا». هنا يتبادر الى الاذهان سؤال مهم : ماذا عن العراق؟ ماذا عن مسؤولية شن حربين عدوانيتين، في افغانستان والعراق، وما سببتهما من نتائج مخيفة لايزال العالم يعيش انعكاساتها؟ ماذا عن استخدام اليورانيوم المنضب الذي سيستمر في القتل البطيء للاطفال والكبار على مدى أجيال؟ من الذي سيتحمل مسؤولية الخراب البشري والعمراني ان لم يكن رئيس وزراء الدولة الغازية ؟ ومن باب القياس بالمثل هل يستحق رئيس عصابة قتلت المئات ان يكافأ اذا ما وزع بعض المال المسروق على عدد من الفقراء؟
النقطة التي تستحق الاشارة هنا، هي ان الجواب على الاسئلة الملحة المذكورة اعلاه واتخاذ موقف علني من منح الجائزة لم يأت من كتاب وناشطين عراقيين او عرب ولا من قبل مسؤولي الحكومة العراقية و «ممثلي الشعب المنتخبين» في البرلمان، بل أتى من حوالي 200 من موظفي «انقذوا الأطفال»، نفسها، ليستهجنوا بقوة، في رسالة مفتوحة، منح الجائزة الى توني بلير لأن « تاريخه كرئيس للوزراء وتوريطه بريطانيا في الحرب على العراق يهدد سمعة المنظمة… وإن قرار منح الجائزة لشخص حوله انقسام حاد ومتهم بارتكاب جرائم حرب ليس مستهجنا اخلاقيا، فحسب، بل يهدد سمعة المؤسسة عالميا، ويمكن أن يعرض برامج الهيئة وموظفيها للخطر».
وتزايد الضغط العام على المنظمة حين وقع أكثر من مائة الف شخص طلبا على الانترنت لسحب الجائزة من توني بلير باعتبار إن ماسببه بلير في العراق قد غطى على إنجازاته في أفريقيا. وشاركت منظمة «هيومان رايتس ووتش»، الحقوقية الدولية، في حملة الأدانة حين وصف مديرها توني بلير بأنه يشغل منصب «وكيل علاقات عامة» للحكام الطغاة. 
وكانت استجابة الغضب الأولى من كاتب أمريكي هو نيكولاس دايفز، مؤلف « دماء على ايدينا: الاحتلال الامريكي وتخريب العراق». كتب دايفز رسالة مفتوحة الى منظمة « انقذوا الاطفال» بين فيها غضبه الشديد على المنظمة التي تساهم بغسل يدي توني بلير من دماء العراقيين وباعادة تأهيل واحد من اكثر مجرمي الحرب خطورة في هذا العصر. يقول دايفز بأن العديد من القانونيين « كانوا قد حذروا بلير من ان غزو العراق جريمة عدوان، وصفها القضاة في محاكمة النازيين في نورمبيرغ بانها أقصى جريمة دولية، وهذا ما ارتكبه بلير بحق آلاف الضحايا وتهديم المدن والقرى وتحطيم مجتمع بكامله». ويواصل دايفز سرد جرائم توني بلير واكثرها بشاعة بحق الاطفال، مستندا الى احصائيات ودراسات تثبت ان غالبية الضحايا من المدنيين العراقيين، خلافا لما يشاع، هم ضحايا القصف والاحتلال العسكري وما سببه من خراب للبنية التحتية.
ان منح هذه الجائزة الى متهم بجرائم حرب بشعة هو الذي دفع احد الناشطين الى اقتراح ان تغير المنظمة اسمها الى «انقذوا مجرمي الحرب»، ان لم تسحب الجائزة من بلير، كما اجدني اقف مع الكتاب والحقوقيين الداعين الى مقاطعة المنظمة، ما لم تغير موقفها، والتعاون مع منظمات أطفال انسانية اخرى، لا تطبق مفهوم الانسانية بانتقائية ومعايير ازدواجية لتساير بذلك السياسة العدوانية الامريكية والبريطانية.
٭ كاتبة من العراق