08 مايو 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: هي دي حمير مصر يا ثعالبي

تعوَّدتُ ألا أحترم كلَّ من يحترم الانطباعات الأولي، ولا كل من يتبني أفكارًا مسبقة بشكل متحيز عن أي شئ فقط لأن الأغلبية تتزاحم حول صحتها، فالحقيقة ليست كما تبدو أحيانًا، وليست هي الإجماع علي الدوام! 
علي سبيل المثال، الحمار ليس غبيَّاً أبدًا، إنما وظائف إدراكه تعمل علي نحو أكثر لياقة من عقول الكثير من البشر، يعرف هذا جيدًا كل من تعامل مع هذا الكائن الوديع من مكان قريب، القرويون علي وجه الخصوص، فهو يستطيع أن يتذكر تفاصيل الطرقات برحلة واحدة وإن كانت في الظلام، كما أن ذاكرته تستطيع أن تلتقط حدود الأرض التي يملكها صاحبه بدقة بالغة وتحفظها كأي رجل مساحة حقيقي، لذلك، عندما يتجاوز هذه الحدود إلي حدود الجيران ليسطو علي بعض الحشائش تستطيع العيون ببساطة الماء أن تضبط ارتباكه والذعر في نظراته!

رجم الحمار بالغباء في عهدة هذه الآية:
"مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين"..
أو في عهدة الذين لا يحبون السباحة في الأعماق فأولوا الآية من علي الساحل تأويلاً ليس كله صحيحًا، وبطبيعة الحال، سرعان ما اتكأ الشعر علي خاصرة تلك التأويلات واحترم مضمونها السطحي حتي بات من الصعب تبديده، وظهرت أبيات كثيرة في الهجاء تنبض بجلد الحمار بالغباء، كهذا التعريض الذكي بـ "زياد بن أبيه" من قبل شاعر خبيث استغل أن "أبا زياد" اسم من أسماء الحمار فقال:
زيادٌ لستُ أدري مَنْ أبوهُ/ ولكنَّ الحمارَ أبو زياد..
الغريب، أن هذه النظرة السفلية للحمار حكر علي كوكب الوطن العربي فقط، والأغرب، أن الحزب الذي الآن يدير كوكب الأرض شعاره الحمار!
بدأت قصة ارتباط الحزب الديمقراطي الأمريكي بالحمار عام 1828، عندما اختار "أندرو جاكسون" المرشح الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة في ذلك الوقت "لنترك الشعب يحكم" شعارًا، وكما يحدث في مثل هذه الظروف علي الدوام، اندلعت سخرية الجمهوريين من الشعار ووصفوه بالرخيص، كما وصفوا مرشح الديمقراطيين بـ "أندرو جاكاس" التي توازي في درجة من درجات الإنجليزية "أندرو الحمار"، تعليقاً علي هذا، اختار "جاكسون" من جانبه حمارًا رماديَّ اللون وألصق على ظهره شعار حملته، وقاده وسط القرى والمدن المتاخمة كلون من ألوان الترويج لبرنامجه الانتخابي ضد منافسه الذي كان نخبويَّاً يفضل الوقوف علي مسافة بعيدة من العوام! 
من الجدير بالذكر أن تصرف "أندرو جاكسون" لم يكن كافيًا لإلصاق الشعار بحزبه لولا ضلوع رسام الكاريكاتير الشهير "توماس ناست" في الأمر، عندما نشر "ناست" في مجلة "هاربر" الأسبوعية رسمًا ساخرًا بعنوان "الحمارُ حيٌّ يرفس أسدًا ميتاً" في وكز ساخر للمواقف الإرتجالية المتشنجة للديمقراطيين التصق رمز الحمار بالحزب الديمقراطي ربما إلي الأبد!
من الجدير بالذكر أيضًا، أن "ناست" أيضًا عندما رسم فيلاً ضخمًا مكتوبًا علي جسمه "الصوت الجمهوري" ألصق بالحزب الجمهوري شعار الفيل، أيضًا، ربما إلي الأبد! 
هناك أيضًا من مكان أشدَّ قربًا حزب الحمير الكردستاني الذي كان قائمًا حتي وقت قريب!
وللحمار في التراث حضور وافر وأخبار بعضها قادرٌ علي استقطاب الضحكات كهذا الخبر:
كان "محمد بن عبد الله بن نُمير الثقفي" يعشق "زينب بنت يوسف"، فقال فيها ذات يوم شعرًا عندما بلغ "الحجاج" أقسم أن يوقع به، لكن، عندما ابتلعت القصيدة المسافات ووصلت بلاط "عبد الملك بن مروان" كتب إلى الحجاج: 
- قد بلغني قول الخبيث في زينب، فالهُ عنه وأعرض عن ذكره، فإنك إن أدنيته أو عاتبته أطمعته وإن عاقبته صدقته! 
عندما أدرك "النميري" أن خلاصه من بطش "الحجاج" في عهدة "عبد الملك" وحده هرب إليه واستجار به، فقال له عبد الملك: 
- أنشدني ما قلت في زينب، فأنشده:
تضوع مسكاً بطنُ نعمان إذ مشت/ به زينبٌ في نسوةٍ عطرات
يُخمِّرن أطرافَ البنان مِنَ التقى/ ويخرجن جُنْح الليل معتجرات
فلما انتهى إلى قوله:ولما رأت ركبَ النميريِّ راعها/ وكنَّ من أن يلقينه حذرات
سأله "عبد الملك": - وما كان ركبك يا نميري؟
فقال: - أربعة أحمرة لي كنت أجلب عليها القطران؛ وثلاثة أحمرة تحمل البعر!
كان هذا هو كل ركب الشاعر الطيب الذي روَّع حبيبته وأضحك "عبد الملك" حتى استغرب ضحكاً، ثم قال له:
- لقد عظمت أمرك وأمر ركبك!
وكتب له إلى "الحجاج" أن لا سبيل عليه!
وأشهر الحمير في التاريخ "حمار عزير"، وسوف لا أضغط علي هذا الحمار لأنه حمارٌ من الصعب العثور علي مثله إلا في الأساطير أو أدب الرحلات، تفاصيل القصة نفسها تحتاج إلي عقول خاصة لامتصاصها، وسوف لا أتوقف أيضًا عند حمار "جحا" أو "حمار الشيخ الذي وقف في العقبة" فللخيال الشعبي، وللفراغ، في صناعتهما نبض أكيد!

وهناك أيضًا الحمار الذي ركبه "يسوع" عندما ذهب إلي أورشليم:
"لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ"
ذلك الالتباس في الآية جعل الكهنة، كعادة الكهنة، ينزلقون بإسراف في شروخ الحادثة الجانبية ويتجاهلون مركزها، لقد اختلفوا حول هل هو جحشٌ وأتان أم جحشٌ فقط ولم يضغطوا عنيفًا علي تلك التجليات في دخول "يسوع" أورشليم، ولا أدري ما الذي سوف يتوقف عن الدوران إن كان "يسوع" قد ركب جحشًا أو حمارًا، لكن، أكد بعضهم أن الحادثة كانت تحقيقاً لنبوءة "زكريا":
(هوذا ملكُكِ يأتي إليكِ وهو وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان) "زك 9 : 9"
والنبوءة واضحة، لقد كان "يسوع" يركب علي حمار وعلي جحش في نفس الوقت، وكل من رأي عربة كارو بحمارين ورأي كيف يكون الحماران قريبين جدًا إلي حد الالتصاق سوف لا يجد غضاضة في أن يصدق أن "يسوع" كان يمتطي ظهر الحمارين معًا في نفس الوقت، ربما، ليروِّع اليهود، تمامًا، كـ "ركب النميريِّ، إن لم يكن الأمر هكذا، فلا أقل من أن يكون دخل أورشليم علي عربة كارو، ما المانع؟!
وهناك "حمار أبى الهذيل" شيخ المعتزلة في عصر "المأمون"، ذاك الحمار صار مضرب الأمثال لكل كلام يقال في غير موضعه أو وقته لهذا السبب:
لقد زار أبو الهذيل بلاط "المأمون" فاحتجزه ليأكل معه، وعندما وضعت المائدة قال "أبو الهذيل" قبل أن يشرع في الأكل:
- يا أمير المؤمنين، إن الله لا يستحى من الحق، غلامى وحمارى بالباب!

فقال: - صدقت يا أبا الهذيل!
ودعا حاجبه وأمره أن يعتني بحمار أبي الهذيل وغلامه!
و"حمار طياب السقاء" الذي جعل منه شعر "أبي غلالة المخزومي" مثلة وعارًا بين الحمير، ومن شعره فيه:
وحمارٌ بكت عليه الحمير/ دقَّ حتى به الذبابُ يطيرُ
كان فيما مضى يقومُ بضعفٍ/ فهو اليوم واقفٌ لا يسيرُ
كيف يمشى وليس يعلفُ شيئاً/ وهْو شيخٌ من الحمير كبيرُ..
وعلي النقيض من "حمار طياب" هناك حمار "أبي سيارة" الذي ظل يحمل عليه الناس من مزدلفة إلي مني أربعين سنة، وهذا أمر غريب أبي ذهن "الجاحظ" أن يمتصه كما قيل له، فردده وتبرأ من صحته أو يكاد، قال:
- أعمار حمر الوحش تزيد على أعمار الحمر الأهلية، ولا يعرف حمار أهلى عاش أكثر وعَمَّر أطول من عير "أبى سيارة"، (فإنهم) لا يشكون أنه دفع عليه أهل الموسم أربعين عامًا!
كما أن آخر خلفاء بني أمية كان يلقب بـ "مروان الحمار"، وقتل في مصر!
ومصر مشهورة بكثرة الحمير، ربما، لهذا، خصص "الثعالبي" في الموصوف والمنسوب مكانًا لائقًا لـ "حمير مصر" التى لا تخرج البلدان أمثالها، والتي، كان الخلفاء لا يركبون سواها فى دورهم وبساتينهم، كما كان "المتوكل" يصعد منارة "سر من رأى" على حمار مريسى، ودرج تلك المنارة من خارج وأساسها على جريب من الأرض وطولها تسع وتسعون ذراعًا، و "مريس" قرية بمصر إليها ينسب "بشر المريسى"!
وآخر نجم لمع في سماء الحمير هو "حمار المطار"، والأضواء حظوظ، ولكي أكون منسجمًا مع المنطق سوف أسميه "حمار مكيدة المطار"، فلا شك أن الحادثة غريبة بالقدر الذي يكفي ليوقظ في العقول شدوًا مريبًا، ولا شك أن لها دلالاتها التي تعكس حدة الصراع بين أجنحة الثورة المضادة، لا شك أيضًا أنها تحمل في طياتها نذرًا بيضاء لكل المقهورين!
سوف ينتصر الحلم بالتأكيد الزائد عن الحد، وسوف تعاود الحرية اكتشاف مصر مجددًا، ليس فقط لأن شعبًا استطاع أن يرج الرعب في قلوب جلاديه في ثورة يناير يمكن أن يسمح لأي أحد أن يُربِّي أعماقه بالعُصيِّ مرة أخري، بل لأن ما يحدث الآن في مصر ليس طبيعيَّاً إنما محاكاة للطبيعة، السيسي يدرك هذا أكثر من أي شخص آخر، يدرك أنه يؤدي دور ثانويَّاً تحت الأضواء الرئيسية في مسرحية أبطالها الرئيسيون هم الذين يسكنون الأدوار الثانوية ووراء الكواليس وجمهورها هم البالون وأصحاب الحد الأدني فقط!
لكن السؤال الأشد عسرًا الآن أيهما سوف يسبق الآخر لاكتشاف مصر، الحرية أم التقسيم؟
ذلك أن ثمة خبرين يلتحمان التحامًا صريحًا تجاوزا الآن أياماً دون أن يغوص في النذر السوداء التي يحملانها الكثيرون، لكن القلائل.. القلائل فقط، حدقوا النظر في امتداداتهما من علي الساحل فقط بأذهان مشوشة، هذان:
- الولايات المتحدة تدرس توجيه ضربة لـ "سيناء"..
- اندلاع الحديث عن "داعش" وولاية الصعيد في إعلام السيسي!
هل انعقد عزم الغرب أخيرًا علي تنشيط السيناريو القديم لتقسيم مصر إلي ثلاث دول؟
هل؟

05 مايو 2015

محمد المولدي الداودي يكتب: تراجيديا المشهد المصري

 *العربي الجديد
*كاتب من تونس
على نحو من مسارات التراجيديا الإغريقية، تطوّر المشهد المصري بعد ثورة يناير، ليعيد الوصل بين فكرتي التاريخ والتصوّر الأدبي للفعل الإنساني ومساراته. كانت شخصيّة الرئيس محمد مرسي صورة للبطل التراجيدي في المسرح الإغريقي، كما كان البناء التراجيدي للثورة المصريّة محاكيا للفعل الدرامي وتحوّلاته وتطوّراته، انطلاقا من مستوى العرض، وانتهاء بالنهاية الفاجعة. ولئن حاولنا رصد هذا العمق الأدبي لمرحلة تاريخيّة ملهمة للمؤرّخين والأدباء فإنّنا سننأى قليلاً عن استعارة آليّات التحليل الأدبي، لحوادث الساحة المصريّة وأحداثها، لنبحث في ثنايا السياسة ومدركاتها، لعلّنا ندرك فنونها وشروطها في بلاد العربان.
لم تتفق الثورتان، التونسيّة والمصريّة، مع تعريفات الثورة وبنائها المفهومي في أبعاده التاريخيّة والفلسفيّة والسياسيّة، وظلّت عصيّة على التحديد الاصطلاحي، فهي، أحياناً، انتفاضة شعبيّة، وهي حركة تمرّد شعبي، وهي ثورة عند بعض المتباهين بقدرة الشعوب المستكينة على التغيير الاجتماعي والسياسي، غير أنّ رصد المسارات وأشكال الفعل الثوري يسقط كثيرا من معالم الثورة وأشكالها، ويضعها في منزلة بين المنزلتين: الانتفاضة والثورة .فلقد أقصت هذه الثورات (باستثناء الثورتين، الليبيّة والسوريّة، وهما الأقرب إلى مفهوم الثورة، وهما الأقدر على النجاح) رأس النظام في ابن علي ومبارك، لكنّها أبقت على الأساس العميق لهذه الأنظمة، كالمؤسسة الأمنيّة والعسكريّة والقضاء والإعلام والفاعلين الإداريين والماليين والمنظمات المهنيّة والمدنيّة، وبذلك توهّم الفاعلون الثوريون" أنّهم حققوا فعلا ثوريّا لا تشوبه شائبة، وأخذتهم نشوة الانتصار الزائف إلى البحث عن معالم سلطة ثوريّة، سرعان ما لاحت مظاهر سقوطها وتفكّكها، بعد أن خرج ذلك العمق المخفي لتلك الأنظمة من صدمة "السقوط"، واستعاد مبادرة الفعل السياسي مستعينا بقدراته في التوظيف السياسي لارتباك " الثوّار" وتعثّر مسار الثورة وإخفقاته.
لم تسقط العناصر الأساسيّة لبنية الدولة العميقة، وظلّت قادرة على التأثير، وتحريف المفاهيم الثوريّة، بل إنّها نجحت في تحويل الثورة من فعل بطولي يستحقّ التمجيد إلى فعل مستهجن وملعون. ولذلك، ظهرت حركات في تونس ومصر، لا تتردّد في الكشف عن انتمائها إلى تلك الأنظمة التي توهّم بعضهم سقوطها، وتؤكّد أحقية دورها في البناء السياسي لمرحلة ما بعد الثورة، ففقدت الثورة قدرتها على الدفع الذاتي، أي ذلك الوجدان الثوري الذي حرّك المظاهرات والثورة التي تفقد وجدانها الثوري حتماً ستؤول إلى الموت.
لم تتمكّن الثورة في تونس ومصر من بناء أساس فكريّ، يحدّد ملامحها وتصوراتها ورؤاها لمرحلة ما بعد الثورة، بل إنّها ظلّت منشدّة في رسم مساراتها إلى أفعال عفويّة وارتجاليّة، تبدع شعارها وسلوكها الثوري من صميم المقام والسياق (اعتصام القصبة 1 و2)، ولم تتمكّن الثورات من "صناعة" الرمز الذي له القدرة على الدفع بها إلى تخوم ثوريّة، تتفق مع ذلك الطموح الشعبي، ويحرسها من شراسة الدولة العميقة. كانت الثورات يتيمة، تتدافعها رياح سموم، وتلقي بها في مهاوي الانتهازيّة والارتجاليّة، فتحوّلت إلى كابوس يخيف عموم الشعب الذي لم يكن شريكا فعليّا في الثورتين.
لم يكن الوقت كافيا لبناء فكر ثوري، وفلسفة ثوريّة لها حاضنة شعبيّة تمكنها من صناعة "الرمز" والفكر والشعار والشعب القادر على حراسة الثورة، وحمايتها واختط "الثوّار" مسارات تناست بديهيّات الثورة، وسارعت في الانتقال من مستوى الثورة إلى مستوى الدولة التي لم تكن محلّ اتفاق بين الفرقاء والشركاء فيها. ولذلك، انجذبت الثورة إلى تجاذبات الفكر والسياسة، وصارت "سلعة غالية " في ميادين المتاجرة السياسيّة وفنون الاحتكار والاتجار، وأضحت معالم ضياعها جليّة ظاهرة.
أفرزت الانتخابات التي اختارها " الثوّار" مساراً مناسبا لتحقيق أهداف الثورة، فوز الأحزاب المنتسبة فكريّا إلى ما يسمّى الإسلام السياسي. وبذلك، أكّدت مستوى الحضور الشعبي لهذه الحركات والتيّارات، وكان الاختيار الشعبي مدفوعاً، في كثير من مواطنه، بحالة التعاطف والتضامن الوجداني الذي تعلّق بذلك القمع الذي عاناه المنتسبون للحركات الإسلامية، على امتداد سنين الجمر والقهر. ولكنّ هذا الاختيار حرّك الآلة الخفيّة الفاعلة في بنية الدولة العميقة، وألهمها ضرورة العمل، لأنّ المعركة مع الإسلاميين بالأساس معركة وجود، فكيف يرضى من ربّي على كره الإسلاميين يرضى بهم حكّاما وسادة، فالعقيدة العسكريّة والأمنيّة، في أغلب البلاد العربيّة، تقوم على محاربة هؤلاء الناس، باعتبارهم نظيراً للأعداء.
لم يكن الإسلاميون، شركاء في الوطن، بل كانوا معزولين وممنوعين من الإدارة والعسكر والأمن والوظائف العموميّة والمنظمات المدنيّة. كانوا جزءا من الشعب، تختبر فيه السلطة قدرتها على القمع والقتل. كانوا التهمة التي يتجنبها المسالمون من بسطاء الشعب و"العيّاشة" والمسايرين للحيطان في بلاد العرب، والمكتفين بالسعي وراء "الخبزة " من دون سؤال أو مقال. ومن هذا الإرث الدامي من الصراع بين السلطة والفكرة الإسلامية، وجد الإسلاميون أنفسهم، بعد رياح الثورة، في مقام السلطة، وفي سياق سياسي واقتصادي واجتماعي، تحرّكة الآلة اللعينة للدولة العميقة. كانوا عنصرا نشازا ومقيتا، يترصّده الكلّ الذي تربّى على قتاله وعدائه. في هذا الإطار، كان التناقض بيّنا بين حكم الإسلاميين ومؤسسات الدولة في حدّ ذاتها، وتمكّن الفاعلون في الدولة العميقة من إعادة تحريف الشعار الثوري، ليتحوّل إلى مطالب يوميّة، تؤمن بقدرة الجوعى على الثورة. ولذلك، ارتفعت الأسعار، وزاد الاحتكار، وضيّق على الناس في أرزاقهم، وتحرّك الناس مدفوعين بإعلام مازال يحتفظ بولائه لأصحاب النعم من أصحاب المال والسياسة. تمكنوا من تحويل الصراع السياسي المشروع إلى صراع اجتماعي، مقنّع بأقنعة المطالب الثوريّة، فكانت موجات الاعتصامات والإضرابات، واشتدّت مظاهر العداء الإيديولوجي للإسلاميين، وتحالف الكل للقضاء على فكرة المشروع الإسلامي، باعتباره بديلا ممكنا للحكم في فضاء الحريّة.
أسقط العسكر الرئيس المنتخب محمد مرسي، وحاول أن يخفي انقلابه بشعارات استقاها من مسارات الثورة، واستفاد من القدرة على التجييش والتزييف، وأخرج الانقلاب على نحو من الصناعة الهوليوديّة لأفلام الإثارة، وحضر الإعلام باعتباره شريكاً في الانقلاب، واهتزّت أساسيّات الثورة، وتحوّل المشهد المصري إلى ما يشبه المشهد المسرحي الذي تتعاضد فيه كل مدارس المسرح على اختلافها.
سقطت كل الأقنعة التي حاول من خلالها الغرب والنظام العالمي الجديد إخفاء عدائه للمشروع الإسلامي، وكان شريكا في المؤامرة. ولكن، تناسى الكل من العسكر والغرب المرعوبين من إمكانيّة عدوى الثورات، فحاولوا وأدها في المهد، وفي أرضها تناسى كل هؤلاء أنّ الفكرة روح سارية في أعماق الوجود لن يقتلها الرصاص، ولن تحاصرها السجون والمعتقلات. وسيذكر التاريخ مرسي بطلا شجاعا، وان كان غريبا في قومه غربة الأنبياء والعلماء.

المفكر محمد سيف الدولة يكتب: تحت أبصارنا .. اللمسات الأخيرة لتقسيم العراق

تحت أبصارنا جميعا، ورغما عن أنوفنا، بل وبمشاركة أنظمتنا، يشرع الامريكان اليوم فى وضع اللمسات الاخيرة فى مشروع تقسيم العراق، الذى لم يخفوا نواياهم فيه أبدا، بل اعلنوه جهارا نهارا، مرارا وتكرارا، هم والصهاينة منذ سنوات طويلة، ادراكا منهم ان العرب لم يعد لهم حول ولا قوة.
فبذريعة تزايد النفوذ الايرانى فى العراق، والسياسات الطائفية للحكومة العراقية، مررت لجنة القوات المسلحة فيمجلس النواب الامريكى فى الايام الماضية، مشروع قانون يدعو صراحة لاعتبار الاكراد والسنة بلدانا مستقلة، حتى يجوز تسليحهما مباشرة بعيدا عن السلطة المركزية العراقية.
قد تبدو الذرائع حقيقية، لكن النوايا والتوصيات والمخططات والمشروعات شديدة الخبث.
***
الهدف الحقيقى:
لقد حذرنا مرارا، منذ بدايات الحملة الامريكية الاستعمارية الثالثة على العراق، المسماة بالتحالف الدولى لمواجهة داعش، حذرنا من ان الهدف الحقيقى للحملة هو حماية واستكمال مشروع بناء دولة كردية فى شمال العراق، تقف هى و جنوب السودان جنبا الى جنب مع الدولة اليهودية الصهيونية فى فلسطين، كنماذج للدويلات الطائفية والعرقية التى يريدون تخليقها على انقاض الوضع العربى الناتج عن ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الاولى.
***
القانون الأمريكى :
أما عن دور مشروع القانون المذكور الذى طرحه النائب"ماك ثورنبيري"، فانه يفرض "شروطا" لتخصيص مساعدات عسكرية أميركية للعراق بقيمة 715 مليون دولار من ميزانية الدفاع لعام 2016.
فينص على أن يذهب 25 % منها مباشرة إلى قوات البيشمركة والقوات السنية، وأن يتم صرف الـ 75 % المتبقية بعد أن تقدم وزارتا الدفاع والخارجية ما يثبت التزام الحكومة العراقية بعملية المصالحة الوطنية، وفي حال فشلتا في إثبات ذلك، يذهب 60 % من المبلغ المتبقي أيضا للقوات الكردية والسنية.
كما نص المشروع صراحة على ان هذه الخطوة تقتضى اعتبار كل من السنة والأكراد "بلادا مستقلة"، حتى يتسنى تسليحهما بشكل مباشر بعيدا عن السلطة المركزية، وفقا للقانون الامريكى.
***
وثائق التقسيم والعجز العربى:
ليست المشكلة أو المأساة الحقيقية والوحيدة، فى القانون ولا فى المخططات والنوايا الامريكية والصهيونية، وانما فى المجتمع العربى الذى يقف عاجزا مستسلما لعملية ذبحه وتقسيمه، رغم درايته بها من البداية، منذ كانت مجرد اوراق فى الادراج وهمهات فى الكواليس، ورغم أن باحثيه ومفكريه وإعلامه وحتى حكامه لم يكفوا عن الحديث عنها والتحذير منها على امتداد سنوات طويلة.
لم يكن اولها الاعلان الصريح من"جوزيف بايدن" نائب الرئيس الامريكى الحالى، الذى دعى صراحة الى تقسيم العراق الى ثلاث مناطق تتمتع بالحكم الذاتي.
ولكن مشروعات التقسيم ووثائقه، وردت فى عديد من الوثائق والكتابات الامريكية والصهيونية منذ الخمسينات من القرن العشرين، نورد منها على سبيل المثال وليس الحصر الوثيقتين التاليتين:
***
أولا ـ محاضرة وزير الامن الداخلى الصهيونى الأسبق " آفى ديختر " ، التى القاها يوم 4 سبتمبر 2008 ، فى معهد ابحاث الامن القومى الاسرائيلى، والتى جاء فيها ما يلى عن الساحة العراقية:
· ان تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية عن تكريس وإدامة تحييد مصر.
· وان كان تحييد مصر قد تحقق بوسائل دبلوماسية (كامب ديفيد) لكن تحييد العراق يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يكون التحييد شاملا كاملا .
· و ان المعادلة الحاكمة لاسرائيل فى البيئة العراقية تنطلق من مزيد من تقويض حزمة القدرات العربية فى دولها الرئيسية من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومى لإسرائيل .
· العراق الذي ظل فى منظورنا الاستراتيجى التحدى الاستراتيجى الأخطر بعد أن تحول الى قوة عسكرية هائلة، فجأة تلاشى كدولة وكقوة عسكرية بل وكبلد واحد متحد، العراق يقسم جغرافيا وانقسم سكانيا وشهد حربا أهلية شرسة ومدمرة أودت بحياة بضع مئات الألوف.
· وان تحليلنا النهائى و خيارانا الاستراتيجى هو أن العراق يجب أن يبقى مجزأ ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا عن البيئة الإقليمية.
· و ليس بوسع أحد أن ينكر أننا حققنا الكثير من الأهداف فى العراق أكثر مما خططنا وأعددنا له .
· فنحن لم نكن بعيدين عن التطورات هناك منذ عام 2003
· وما زال هدفنا الإستراتيجى هو عدم السماح لهذا البلد أن يعود الى ممارسة دور عربى واقليمى ، لأننا سنكون أول المتضررين .
· ونحن نستخدم فى ذلك كل الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسى والأمني لتحقيق اهدافنا.
· وذروة اهداف اسرائيل هو دعم الاكراد بالسلاح والتدريب والشراكة الامنية من اجل تأسيس دولة كردية مستقلة فى شمال العراق تسيطر على نفط كركوك وكردستان.
· ولقد كان من المستحيل ان تنجح اسرائيل فى تحقيق ما حققته الولايات المتحدة فى العراق الا باستخدام عناصر القوة لديها بما فيها السلاح النووى
· وان استمرار وجود الولايات المتحدة فى العراق لعقد او عقدين سيكون ضمانة لاسرائيل ضد عودة العراق لمواجهة اسرائيل
· وان الاتفاقية الامنية الامريكية العراقية ستتضمن بنودا تضمن تحييد العراق فى اى حرب مع سوريا او لبنان او ايران كما تضمن عدم السماح للعراق بالالتزام باى مواثيق تعادى اسرائيل مثل معاهدة الدفاع العربى المشترك.
***
ثانيا ـ وثيقة صهيونية هامة و قديمة عن العالم العربى، نشرتها مجلة "كيفونيم" لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية عام 1982تحت عنوان " استراتيجية اسرائيل فى الثمانينات " ، ونشرناها نحن بعنوان : "الوثيقة الصهيونية لتفتيت الامة العربية "، حيث جاء فى الجزء الخاص بالعراق ما يلى :
· ان العراق لا تختلف كثيرا عن جارتها ولكن الأغلبية فيها من الشيعة والاقلية من السنة، ان 65% من السكان ليس لهم أى تأثير على الدولة التى تشكل الفئة الحاكمة فيها 20% الى جانب الأقلية الكردية الكبيرة فى الشمال.
· ولولا القوة العسكرية للنظام الحاكم وأموال البترول، لما كان بالامكان ان يختلف مستقبل العراق عن ماضى لبنان وحاضر سوريا .
· ان بشائر الفرقة والحرب الأهلية تلوح فيها اليوم، خاصة بعد تولى الخمينى الحكم، والذى يعتبر فى نظر الشيعة العراقيين زعيمهم الحقيقى وليس صدام حسين .
· ان العراق الغنية بالبترول والتى تكثر فيها الفرقة والعداء الداخلى هى المرشح التالى لتحقيق أهداف اسرائيل .
· ان تفتيت العراق هو أهم بكثير من تفتيت سوريا وذلك لأن العراق أقوى من سوريا.
· ان فى قوة العراق خطورة على اسرائيل فى المدى القريب أكبر من الخطورة النابعة من قوة أية دولة أخرى.
· وسوف يصبح بالإمكان تقسيم العراق الى مقاطعات اقليمية طائفية كما حدث فى سوريا فى العصر العثمانى
· وبذلك يمكن اقامة ثلاث دويلات (أو أكثر) حول المدن العراقية.
· دولة فى البصرة، ودولة فى بغداد، ودولة فى الموصل، بينما تنفصل المناطق الشيعية فى الجنوب عن الشمال السنى الكردى فى معظمه .
***
ملاحظات أخيرة:
1) رغم ان مشروعات التفتيت لا تقتصر على العراق، فالحروب الاهلية والطائفية وأشباح التقسيم ضربت عديد من الاقطار العربية فى سوريا واليمن وليبيا، الا انه لو نجح مخطط تقسيم العراق، لا قدر الله، فانه سيؤدى الى انهيارات متتالية سريعة وحتمية فى دول عربية أخرى، مما يستوجب استنفارا وتصديا ومواجهة شعبية عربية طارئة وملحة فى الايام والأسابيع القادمة.
2) كما انه ليس لنا عذرا فى السماح بتمرير هذا المشروع؛ فان كان اسلافنا قد تذرعوا بان مخططات سايكس بيكو الاولى كانت سرية ومجهولة، ولم يتم الاعلان عنها الا على ايدى الثورة الروسية عام 1917، بعد ان قاربت الحرب العالمية الاولى على نهايتها، وكانت ترتيباتها وغنائمها موزعة ومحسومة ومتفق عليها مسبقا بين الدول المنتصرة. فانه ليس لنا ان نتذرع بذلك اليوم، فمشروعات التقسيم الجديدة معلنة ومنشورة منذ سنوات طويلة.
3) ولقد آن الأوان أن نتحرر من جرثومة الاستقطاب التى ضربتنا جميعا فى كل الاقطار العربية، وان نتوحد فى مواجهة كل القوى والظروف الخارجية والداخلية التى ادت الى خلق بيئة قابلة للاختراق والتقسيم ومحرضة عليه، مثل ضعف الانتماءات الوطنية بسبب التبعية والاستسلام للعدو، ومثل المذهبية والطائفية، والاستغلال والافقار، والظلم والقهر والاستبداد.
*****
موضوعات مرتبطة:

04 مايو 2015

ممدوح الولى يكتب: الحرية الغائبة للصحافة

22 شهرا من القمع والاستبداد تمثل عمر الانقلاب العسكرى حتى الآن ، شهد خلالها الإعلام المصرى أسوأ مرحلة فى تاريخه، تضمنت كافة أشكال الانتهاكات، من قتل للإعلاميين وعدم محاسبة القتلة، والإصابات الجسدية والاعتقال والاتهامات الجزافية والأحكام المشددة، والإحالة للمحاكم العسكرية والتعذيب، وغلق القنوات الفضائية والصحف، ومصادرة بعض الأعداد.
ومن البداية وفى نفس إعلان الانقلاب العسكرى ، جرى اقتحام الفضائيات الإسلامية والقبض على بعض العاملين بها ، والتى مازالت مغلقة حتى الآن ، ثم استمرت عمليات القتل والإصابة والاعتقال للإعلاميين ، خلال تغطيتهم للاعتداءات والمجازر المتكررة من قبل الشرطة على المتظاهرين فى العديد من الميادين بالعاصمة والمحافظات.
هذا، لتزدحم القائمة بأكثر من عشرة قتلى ، وحوالى مائة معتقل وحوالى 350 مصابا ، حيث لم تفرق الانتهاكات وتكسير الكاميرات والاحتجاز ، ما بين العاملين بجهات إعلامية رافضة للانقلاب ، وجهات إعلامية موالية للانقلاب ، ورغم ذلك لم تعتذر السلطات مرة واحدة عما ارتكبته من تجاوزات ضد الإعلاميين .
وامتدت التجاوزات إلى حد المطالبة بإسقاط الجنسية عن الإعلاميين المصريين بالخارج الرافضين للانقلاب ، بعد تسميتهم بالخونة والعملاء ، كما جاء فى صحيفة أخبار اليوم فى الثامن عشر من أبريل الماضى .
وتم التحفظ على أموال بعضهم ، كما هددت قيادات إعلامية بشطب قيد هؤلاء بنقابة الصحفيين ، وبفصل من يعملون فى قنوات قطرية من أعمالهم بالتلفزيون المصرى .
وهكذا يجد خبراء الإعلام فى الحالة الإعلامية المصرية -خلال الشهور الـ22 الماضية- نموذجا متفردا لحدوث كافة أشكال الانتهاكات ضد الاعلاميين شملت : تجديد الحبس الاحتياطى بلا سقف ، والمنع من التغطية الاعلامية .
كما شهدت مداهمة مقار فضائيات وكالات أنباء ومواقع الكترونية ، واقتحام منازل إعلاميين والتشويش على القنوات ، ومنع مقالات المعارضين ، واستبعاد قيادات اعلامية من مواقعها ، والمنع من السفر وتحريض الأمن عليهم .
وأصبح الصوت الواحد هو سمة الاعلام المصرى ، بحيث أصبح لا فرق فيها بين مضمون صحف حكومية مملوكة للحكومة ، وصحف خاصة مملوكة لرجال أعمال ، أو قنوات تلفزيونية حكومية وقنوات وفضائيات خاصة.
الكل يسبح بحمد قائد الانقلاب ويشيد بحكمته وعظمته وعبقريته وانجازاته ، ويشهر بمن يخالفه ، حتى ولو كان مسؤلا حكوميا سابقا فى حكومات الانقلاب.
وفى ظل هذا الجو القمعى للمعارضين كان من الطبيعى ألا تلتزم سلطات الانقلاب بما وعدت به فى بيانها الأول بإيجاد ميثاق شرف اعلامى ، أو الالتزام بنصوص دستور 2014 التى جاءت به، والخاصة بحرية التعبير وضمان تعبير المؤسسات الصحفية عن كافة الآراء والاتجاهات السياسية ، وحرمة المنازل وحرمة المكالمات الهاتفية ، وحق التظاهر وحرمة جسد الإنسان وعدم المنع من مغادرة الدولة، والتزام الشرطة بحقوق الإنسان.
ولاذ المجلس الأعلى للصحافة المعين من قبل سلطات الانقلاب بالصمت التام تجاه كل تلك التجاوزات ، ونفس الموقف الصامت لاتحاد الصحفيين العرب حتى خلال لقائهم بقائد الانقلاب.
أما نقابة الصحفين فلم تكتف بالصمت ، بل قام بعض أعضاء مجلسها بالتهجم على بعض الصحفيين المعتقلين ، كما هاجموا تقارير منظمة العفو الدولية التى تحدثت عن انتهاكات ضد الصحفيين المصريين، ولهذا كافأتهم سلطات الانقلاب بزيادة البدل النقدى الذى يحصل عليه الصحفيون مرتين خلال أقل من عامين .
وواصلت توليها صرف أجور العاملين بغالبية المؤسسات الصحفية القومية ، وأجور العاملين باتحاد الإذاعة والتلفزيون ، بل وصرف أرباح للعاملين بالمؤسسات الصحفية القومية الخاسرة جميعها.
بينما صنفت لجنة حماية الصحفيين الدولية ، مصر عام 2013 ضمن أكثر ثلاث دول دموية للصحفيين بسبب ارتفاع أعداد القتلى من الصحفيين بها ، كما صنفت منظمة مراسلون بلا حدود مصر برقم 159 من 180 دولة فى حرية الصحافة ، ونددت منظمة العفو الدولية بأحكام السجن المؤبد على 14 من الاعلاميين بها .
وهكذا حال الصحافة فى مصر فى ذكرى اليوم العالمى لحرية الصحافة ، قتل واعتقال وسجن وتشويه للمعارضين ، واغداق على الموالين ، ولقاءات متكررة بهم ، واصطحاب لقائد الانقلاب لهم ، بكل رحلاته الخارجية والداخلية ، وتصريحات رسمية عن الالتزام بحرية الاعلام ، وتسفيه رسمى لدعاوى المنظمات الحقوقية الدولية عما تذكره من انتهاكات تجاه الاعلاميين !.
* نقيب الصحفيين المصريين الاسبق

02 مايو 2015

دعاء اعجبنى خشوعه وبلاغته وتضرعه فنشرته

ادعو لنفسك لمدة دقيقة لعلها تكون ساعة استجابه
ياودود
ياودود
ياودود
ياذا العرش المجيد
يافعال لما تريد
لك الحمد ولك الشكر على جميع النعم
اللهم لك الحمدكماينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
اللهم ياحي ياقيوم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابرهيم انك حميد مجيد
يارب يارب يارب
اسألك بعزك الذي لايرام
وبملكك الذي لا يضام
وبنورك الذي ملأ اركان عرشك
يامغيث اغثني ..
يامغيث اغثني..
يامغيث اغثني..
(اذكر حاجتك)
(اللہم لا تشمت اعدائي بدائي، واجعل القرآن العظيم دوائي وشفائي، انت ثقتي ورجائي واجعل حسن ظني بك شفائي،
اللهم ثبت علي عقلي وديني، وبك يا رب ثبت لي يقيني وارزقني رزقاً حلالاً يكفيني وابعد عني شر من يؤذيني، ولا تحوجني لطبيب يداويني،
اللهم استرني على وجه الارض، اللهم ارحمني في بطن الارض، اللهم اغفرلي يوم العرض عليك ، بسم الله الرحمن الرحيم طريقي والرحمن رفيقي والرحيم يحرسني من كل شيء يلمسني، اللهم اعوذ بك من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد اذا حسد،
اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك اسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك او استاثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي
اللهم يا مسهل الشديد و ياملين الحديد و يامنجز الوعيد و يا من هو كل يوم في امر جديد، اخرجني من حلق الضيق الى اوسع الطريق بك ادفع ما لا اطيق ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم،
اسالك اللهم بقدرتك التي حفظت بها يونس في بطن الحوت ، ورحمتك التي شفيت بها ايوب بعد الابتلاء ان لاتبق لي هما ولاحزنا ولاضيقا ولاسقما الا فرجته، وان اصبحت بحزن فامسيني بفرح و ان نمت على ضيق فايقظني على فرج، وان كنت بحاجه فلا تكلني إلى سواك وان تحفظني لمن يحبني وتحفظ لي احبتي،
اللهم انك لا تحمل نفساً فوق طاقتها فلا تحملني من كرب الحياة مالا طاقة لي به وباعد بيني وبين مصائب الدنيا وتقلب حوادثها كما باعدت بين المشرق والمغرب،
اللهم بشرني بالخير كما بشرت يعقوب بيوسف وبشرني بالفرح كما بشرت زكريا بيحيى،
اللهم بشر من أرسل لي هذا الدعاء بحاجة تفرح قلبه وتدمع عيناه منها، اللهم يامن لا تضيع لديك الودائع احفظني واهلي واحبتى والمؤمنين.وصل اللهم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
قولو معي ..في هذه الساعه :
ربي ها أنت ترى مكاني و تسمع كلامي و أنت أعلم من عبادك بحالي ربي شكواي لك لا لأحد من خلقك فاقبلني في رحابك في هذه الساعة المباركه، ربي إني طرقت بابك فافتح لي أبواب سمواتك و أجرني من عظيم بلائك،
اللهم يا مسخر القوي للضعيف و مسخر الجن لنبينا سليمان و مسخر الطير و الحديد لنبينا داود و مسخر النار لنبينا ابراهيم(سخر لي عبادك الطيبين من حولي وسهل لي أموري وارزقني من حيث لا أحتسب) ، ربي بحولك و قوتك و عزتك و قدرتك أنت القادر علي ذلك وحدك لا شريك لك..
اللهم إني أسألك بخوفي من عظمتك و طمعي برحمتك أن ترزقني ما كان خيرا لي في ديني و دنياي و معاشي و عاقبة أمري عاجله و اجله،
اللهم إني أشكو لك قلة حيلتي و هوان أمري و ضعف قوتي، اللهم إني أسألك أن تصرف عني شتات العقل و الأمر و التفكير، ربي اثرني و لا تؤثر على ، ربي انصرني و لا تنصر علي. إلهي ارحم ضعفي و فرج همي و اجبر كسري و امن خوفي و امطرني برزق من عندك لا حد له، و فرج من عندك لا مد له، و خير من عندك لا عدد له
اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله وإن كان في الأرض فأخرجه وإن كان بعيدا فقربه وإن كان قريبا فيسره وإن كان قليلا فكثره وإن كان كثيرا فبارك لي ڤيہٌ اللهم ولمرسلها مثل ذلك ،،
يارب في هذه الساعه أسالك الراحه لكل مسلم ضاقت عليه دنياه وذرفت عيناه يا الله أفرح قلوبا أنهكها التمني وبشر أصحابها بفرح لايذكرهم بوجعهم واسعد قلوبهم وأسعدنا بصحبتهم.اللهم إغفر لوالدي وادخلهم جنتك ياأرحم الراحمين.
أمين اللهم وفق من ارسل لي الرساله ويسر له اموره بالدنيا والاخره وارزقه النظر الى وجهك الكريم واحسن خاتمته ووالديه وارزقه ضعف مايتمنى بالدنياوالاخره وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
اللهم اعتق رقابنا من النار ، -
اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا ، . - اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد ، - استغفر الله واتوب اليه ، -
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

محمد رفعت الدومي يكتب: لزرتُ قبرَكِ والحبيبُ يزارُ!

لا شك في أن "جرير" كان إنسانًا فقط لم يكن قط شاعرًا عندما نزف من يمين قلبه هذا البيت الشهير:
لولا الحياءُ لعادني استعبارُ / ولزرتُ قبرَكِ والحبيبُ يزارُ
لذلك فحسب، ربما، تجاوز هذا البيت إلي نسق من الصيرورة تلك اللحظة الحارة التي نجح "جرير" في اصطيادها عند ذروة النقطة وشحنها بتعاسته الصادقة وأوجاعه الحقيقية لفقد زوجته، كما تجاوز الطابع العائليَّ الخاص برجل خسر فردًا من أفراد موقده العائلي إلي قافية تليق بأن يحدق النظر فيها بعيون حبلي بالدموع الطبيعية كلُّ من فقد عزيزًا، وهذا تمامًا هو ما قد حدث، فعندما اندلع الضوء الفسيح في هذا البيت ومضغته المسافات كان من الغريب أن ينفض مأتمٌ من مآتم العراق أو الشام دون أن يتردد هذا البيت فيه، لقد كان النساء يندبن أمواتهن علي إيقاعاته، وبطقسٍ بسيط، جعل "جرير" من فقيدته الخاصة فقيدة عالمية، ليس هذا كل شئ، لقد تواطأ المؤجلون أو كادوا علي اعتبار هذا البيت هو أرثي بيت في الشعر العربي!
الغريب أن "جريرًا" في أيٍّ من قصائده لم يفصح أبدًا عن مكانة "أم حزرة" في قلبه وهي علي قيد الحياة، ولا وظفها أبدًا في شعره إلا عندما كان يحتاج إلي الكلام عن ربة بيت لها مزاج مرير ومفتوحة علي مصراعيها للوم والعتاب والتقريع وتكدير يومه تعقيبًا علي تقصيره في الإنفاق علي متطلبات العائلة، كقوله، مثلاً: 
تعزتْ أمُّ حزرةَ ثمَّ قالتْ/ رَأيتُ الوَارِدِينَ ذَوي امْتِناحِ 
تُعلّلُ، وَهْيَ ساغِبَة ٌ، بَنِيها/ بأنْفاسٍ مِنَ الشَّبِمِ القَرَاحِ
سَأمْتاحُ البُحُورَ، فجَنّبِيني/ أذاة َ اللّوْمِ وانْتظِرِي امْتِياحي!
لقد كان "جرير" أحد الواقعيين العظام، لذلك، لم تكن المرأة محورًا يدير حوله عن عمدٍ ديوانه، ولم يكن البكاء علي الأطلال ما لم يكن ممرًا إلي جوف القصيدة من أغراض شعره، ربما، لذلك، ولسد العجز الصريح في حضور الأنثي في شعره، استراح الذين لا يصدقون أن ثمة من استوعب مبكرًا أبعاد الحياة كاملة وتوصل إلي جوهر الشرط الإنساني إلي أن يلحقوا به علي الدوام صفتين:
- كان ديِّنًا عفيفًا! 
وهذا كلامٌ فقير جدًا، وإذا جاز لنا أن نسلم بصحته جاز لنا أيضًا أن نتسائل لماذا لم يردعه تدينه عن ولم تمنعه عفته من الخوض في الأعراض حتي العظام؟ 
إنه كان إنسانًا مطبوعًا علي الواقعية إلي مدي بعيد، وإلي مدي أبعد حالة الإيمان بها، لذلك، كان منسجمًا مع نفسه وصادقًا، لم يكن كالشعراء الذين كان الكذب أهم أغراض شعرهم، معاصره "عمر بن أبي ربيعة" مثلاً، حيث كل امرأة حسناء عنده هي حتمًا قاتلةٌ محتملة بسهام عينيها، وحيث موسم الحج هو الوقت الملائم لاصطياد طرائده، أو، لتسوق الوقود الأنثويِّ لقريحته الشعرية علي وجه الدقة!
"كثيِّر عزة" أيضًا لم يكن بريئاً من استنطاق قلبه بما ليس فيه، ولقد ضبطته "عزة" أكثر من مرة يقف علي حافة الخيانة الشهيرة، غير أن أستاذه "جميل بن معمر" كان أغلب الظن مخلصًا في جنونه، وأغلب الظن أيضًا أن "بثينة" كانت تستغل سذاجته وتزيِّف مشاعرها طمعًا في سد فجوات فقر زوجها ببعض من ثروته الطائلة، طائلة بلهجة ذاك الزمان طبعًا، ولقد خانته فعلاً مع "حجنة الهلالي"، بل لقد اشترط عليها "حجنة" هذا ليستجيب لحبها أن تشتم "جميلاً" علي الملأ ففعلت، ولقد ثبَّت هو هذه الحادثة في بعض أشعاره عندما قال:
بينا حبالٌ ذات عـقـدٍ لـبـثـنةٍ / أتيح لها بعضُ الغواة فحلـهـا
فعدنا كأنَّا لم يكن بينـنـا هـوًى / وصار الذي حلَّ الحبالَ هوًى لها
وقالوا: نراها يا جميل تـبـدَّلـتْ / وغيَّرَها الواشي فقلتُ: لعلـهـا!!
في هذا السياق، كنت لا أريد أن أتطرق إلي الحديث عن "قيس بن الملوح" لأنه سيقودني حتمًا إلي صدمة ميسرة للكثيرين، لكن لا مناص من الوكز أحيانًا، فـ "مجنون بني عامر" هذا ليس سوي شخصية خيالية ابتكرها بعض الرواة الحاذقين، وإن مما هو في حكم المؤكد أن شخصين أحرزا شهرة واسعة لم يوجدا قط ولم يمرّا أبدًا بأي زمان أو أي مكان، "مجنون ليلي" و "ابن القِرِّية"!
ولماذا نهبط هكذا في درجات الزمن بعيدًا ولدينا من مكان قريب "نزار قباني"!
سوف يكون خطأ نفسه وارتكاب سذاجته من يظن أن أي امرأة من نساء "نزار قباني" تصلح لأكثر من قصيدة، أو أن أيَّاً منهنَّ لم يصنعها علي عينه أولاً في مخيلته قبل أن يذيبها علي الورق قطرة قطرة، لا أستثني "بلقيس" حتي، يعرف هذا جيدًا كل من له علاقة بالشعر وصناعته، فإن هناك بالتأكيد الزائد عن الحد فارق رحب بين "بلقيس" القصيدة وبين "بلقيس" شريكة اليوميِّ والفراش، تلك الكومة من اللحم المطروق، ذاك الجسد المستهلك التفاصيل، عندما ينبض كل شئ علي انفراد من مجرد صديقين صارا صمتاً، جسامة الاختلاف هذه بين الصديقة الأنثي وبين أنثي القصيدة هي انعكاس صادق لفحولة "نزار" الشعرية، مع ذلك، سوف يبقي أجمل ما نزف "نزار" فيها هو من نصيب ما نزف فيها من رثاء، تمامًا كـ "جرير"!
ليس ثمة شيء أكثر استقطابًا للألم من مواجهة أشياء شخص مات، عندما يحدث هذا، سوف نكتشف علي الفور أن الموت قد زاده جمالاً، وأن جزءًا من الذاكرة قد انهار فعلاً، سوف نكتشف أيضًا أن الحياة لا تتجمد، وأن الأقدام الصحيحة قادرة علي تجاوز الأطلال إلي العمران، وأن من غير المستبعد أبدًا أن يكون أجمل شئ قد يحدث لنا ربما يعود الفضل في عثورنا عليه إلي وثبة من وثبات الصدفة المجردة!
المرأة ليست وطنًا إنما حقيبة سفر، الرجل أيضًا بالنسبة للأنثي مجرد حقيبة سفر، فالرغبة هي الأنثي وهي الذكر، عندما تضيع يضيع معها تمامًا، وحتي تستعيد مجددًا لياقتها، ذلك البريق المفعم بكل ما هو جميل وأخاذ لأشياء كلا الجنسين في حواس الجنس الآخر، هذه واحدة من الحقائق التي يسوِّف الإنسان في مواجهتها، ويفر علي الدوام من تحديق النظر فيها بعيون تتحلي بالشجاعة.. 
أيها المبتدئون في العشق وزيارات الأرق، ماذا سوف تصنعون عندما تدركون أنَّ كلَّ تراث العشق والعاشقين مجردُ غاباتٍ وغاباتٍ من الأكاذيب التي تتضائل سريعًا بمجرد أن يقترب النقد من حوافها؟
أيها المبتدئون في ملاحقة الوهم، يؤسفني أن أقول لكم أن تلك النبضات المنعزلة التي تتخلف علي الدوام عن إيقاع القلب عندما نعتقد أننا نسقط في الحب ما هي إلا انعكاسٌ طبيعي لهيمنة الرغبة في جسد ما علي كل حواسنا، هذه الرغبة متي انطفأت خرج من يسكن هذا الجسد فورًا من النص وصار مخلوقًا ليس بمقدوره أن ينبه اختلال تلك النبضات التي سرعان ما تلتئم تمامًا وتنتظم تمامًا بمجرد الفراغ من العلاقات الحميمة!
إن الحب، فقط، أعراض حالة ذهنية تولد من انعكاس رغبة على جسد ما، كما أنه استعارة مضللة للحنين إلي الطفولة ورائحة المرضعات!
أيها المبتدئون في اختبارات الرغبة، متي رأيتم امرأة تحلق في المطلق، أو رأيتموها في أبهي حلة فتأكدوا أن شاعرًا مرَّ قبلكم من هذا المكان، فالشعراء وحدهم هم الأوتار المشدودة علي الدوام للمشي في المتاهات المعتمة دون انتظار لأضواء النهايات، وهم، وحدهم، الذين يستطيعون أن يتذكروا امرأة بقبلة واحدة، كما أنهم متي أخلصوا لانطباع ما يصير بمقدورهم تزييف الواقع والوقائع بكل بساطة!
لذلك، لكل ذلك.. 
لا تجعلوا من قلوبكم محطات انتظار للمسافرين في مساحات الغياب فقد لا تذوب، وقد لا يأتون، فتلك القطارات التي لا تأتي في موعدها لا تصل متأخرة فحسب إنما لا تصل إلي أي مكان، بل اجعلوا قلوبكم أسواقًا مفتوحة علي مصراعيها لمقايضة الرغبات، واحرصوا علي ألا يكون الوعد بالمحبة إلي نهاية المطاف، فإن ما تواطأ المحبطون علي تسميته حبَّاً ما هو إلا تعريف وسيم للعبث، أو أسلوب وسيم للإفصاح عن الرغبة في جسد، فالرغبة وحدها هي المطلق، وما الحب إلا الذريعة المؤقتة!
لا تصدقوا أن الوردة أنثي، إنها وعاءٌ للعطر فقط والأنوثة للعطر، نعم، العطر هو الأنثي، فالوردة لا تثير الحواس لذاتها، إنما لما تخفيه في ذاتها من عطر!
أيها المبتدئون في الألم، لا تقتربوا من الأحبة إلي حد الاتحاد، بل، واظبوا علي حراسة بعض المسافات بينكم فالمسافات بين العاشقين صحية وضرورية، فليس كل ما يلمع ذهبًا، ولا كل أواني العطر تحفظ عطرًا نقيَّاً، ولكلِّ إنسان أسراره الخاصة الصغيرة، عندما تذوب المسافات سوف لا يسركم بالتأكيد أن تكتشفوا أن الذي قد اتسخ كثير!
الموت يزيد المرأة جمالاً، هذا صحيح، صحيحٌ أيضًا أن القبر ليس فقط تلك الحفرة من الأرض التي نودعها العابرين فحسب، بل هو رمزٌ للفقد وللنهايات التعيسة بكل تجلياتها وصورها، فقد يكون القلبُ قبرًا لائقاً باستقبال عابر علي قيد الحياة، يؤلمنا، فنحفر له عميقاً ونضغطه في القاع بكل ما ينتمي إليه، ونهيل عليه كل شئ تطاله أيدينا ثم نرقص تلك الرقصة الإشبيلية متأبطين الفراغ فوق أطلاله، لكن، للأسف، علي إيقاعات بيت "جرير" في امرأته:
لولا الحياءُ لعادني استعبارُ / ولزرتُ قبرَكِ والحبيبُ يزارُ

29 أبريل 2015

عصير الليمون .. غذاء فعال للوقاية من السرطان

يُمْكِنُك الآن أَنْ تُساعدَ الناس بأرشادهم الى منافع عصيرِ الليمون في مَنْع المرضِ. طعمه لطيفُ وهو لا يُنتجُ التأثيراتَ الشنيعةَ للعلاج الكيمياوي. كم من الناس سَيَمُوتونَ بينما هذا السرّ المحاط بكتمان شديدِ يبقى مخفيا ، لماذا؟ ...لِكي لا يُعرّضوا شركاتَ المليونيرات الكبار للخطر .... كما تعرف، فأن شجرة الليمونَ معروفةُ بتنوعها مِنْ الليمونِ. يُمْكِنُك أَنْ تَأْكلَ الفاكهةَ بطرق مختلفة: يُمْكِنُك أَنْ تَأْكلَ اللبَّ،تشرب سائله (عصيرِ)، في إعداد المشروباتَ , ، المُعَجّنات، الخ. . . هي مقرونة بالعديد مِنْ المزايا، لكن الإِهْتِمام الأكثر هو التأثيرُعلى الخراجاتِ والأورامِ. هذه النبتة أثبتَت فعالية للعلاج ضدّ أمراضِ السرطان وبكُلّ الأنواع. البَعْض سيقول أنها مفيدُة جداً لانها لكل أنواع السرطاناتِ. هو مُعتَبَرُ أيضاً مضاد لإصاباتِ الميكروبات والفطرِ الجرثوم يِ، فعّال ضدّ الطفيليات والديدانِ الداخليةِ، ويُنظّمُ ضغطَ الدمّ العالي جداً وضدّ الكآبةُ،وضدالاِضطرابات العصبية. إنّ مصدرَ هذه المعلوماتِ مدهش: لقد جاء مِنْ واحد من أكبر منتجي الأدوية في العالمِ، يَقُولُ بأنّه بعد أكثر مِنْ 20 إختبار أجري في مختبرات الفحص منذ 1970 ، أكتشف أن الليمون : يُحطّمُ الخلايا الخبيثةَ في 12 نوع من السرطان
It destroys the malignant cells in 12 cancers ،
بضمن ذلك القولونِ والصدرِ والبروستاتِ والرئةِ والبنكرياسِ. . . وتبين أن مركّباتُ هذه الشجرةِ أفضل 10,000 مرةِ مِنْ مُنتَجِ Adriamycinُفي دواء chemotherapeutic والمستعمل عادة في العالمِ،الليمون يَبطئ نمو خلايا السرطانِ. وما هو أكثرمن مُدهِش: هذا النوعِ مِنْ العلاجِ بالليمونِ يُحطّمُ خلايا السرطانِ ال خبيثةِ فقط وفقط و لا يُؤثّرُ على الخلايا الصحّيةِ
منقول

28 أبريل 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: سيناء 2015 .. حقائق وأكاذيب وأسرار

اصبح من طقوسنا السنوية، فى ابريل من كل عام، ان ننبرى جميعا للحديث عن سيناء وتاريخها وتحريرها وبطولاتها، حتى اذا انقضت المناسبة، قمنا بإعادة الملف بكل تعقيداته ومشاكله المزمنة الى الأدراج، ليظل هناك عاما كاملا، مهملا منسيا، الى أن نتذكره مرة اخرى فى العيد التالى، ما لم يقطع الصمت، كارثة جديدة.
ولقد شهدت سيناء فى العام المنصرف ولا تزال، جرعة مكثفة من الكوارث، أعقبتها حزم من القرارات والاجراءات، المصحوبة بكثير من الحكايات والتحليلات والإدعاءات، مما خلق حالة عامة من الخوف والقلق والغموض والالتباس، تحتم معها ان نحاول جميعا المشاركة فى فك طلاسمها.
***
أولا - الحقائق:
ترزح سيناء ومعها كل مصر تحت نير القيود العسكرية، التى فرضها علينا الصهاينة والأمريكان فى المادة الرابعة من اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية الموقعة عام 1979، والتى بموجبها يحظر على مصر نشر اكثر من 22 الف جندى فى المنطقة (أ) بجوار قناة السويس وعرضها 58 كيلومتر، وما لا يزيد عن 4000 عسكرى حرس حدود فى المنطقة (ب) فى وسط سيناء وعرضها 109 كيلومتر، كما يحظر وجود اى قوات مصرية فى المنطقة (ج) بجوار فلسطين (اسرائيل) وعرضها 33 كيلومتر، اذ مسموح لنا فيها بقوات شرطة (بوليس) فقط. اما على الجانب الاسرائيلى فيحظر نشر اى دبابات فى المنطقة (د) بطول الحدود المصرية الاسرائيلية، وعرضها لا يتعدى 3 كيلومتر. لتصبح اقرب دبابة اسرائيلية على بعد 3 كيلومتر من الحدود المصرية، فى حين تبعد اقرب دبابة مصرية عن نفس النقطة 150 كيلومتر، فى انحياز فاضح وخطير وغير مسبوق للامن القومى الاسرائيلى على حساب الامن القومى المصرى.
أضف الى ذلك القوات الاجنبية المسماة بالقوات متعددة الجنسيةMFO، التى تم نشرها فى سيناء لتراقبنا، وعددها حوالى 2000 عسكرى، ما يقرب من نصفهم قوات امريكية، والباقى من دول حلف الناتو وحلفائهم. وهى قوات لا تخضع للامم المتحدة، وانما لوزارة الخارجية الامريكية، ومديرها الحالى هو ديفيد ساترفيلد الذى شغل منصب القائم باعمال السفير الامريكى فى مصر بعد آن بترسون، فى دلالة هامة على حقيقة وطبيعة وانحيازات هذه القوات. 
وهى الترتيبات الذى جردت مصر من السيادة الكاملة على سيناء، واضعفت من قبضة الدولة المصرية وشرعيتها هناك، وفتحت الابواب على مصراعيها لكل انواع الاختراق والتجسس والارهاب والتهريب، بالاضافة الى بروز انتماءات وشرعيات بديلة وموازية، بشكل لم يحدث او يتكرر فى اى بقعة اخرى فى مصر.
فحتى فى ظل الانفلات الامنى الذى ضرب ربوع مصر كلها بعد الثورة، لم يحدث ان وقع كل هذا العدد من القتلى فى صفوف الشرطة والجيش فى اى مكان آخر. لأن سيناء وحدها هى التى تعانى من قيود كامب ديفيد العسكرية و الامنية.
***
ثانيا - الاكاذيب:
1) التنمية :
على امتداد اكثر من ثلاثين عاما، كان رجال السلطة وخبراؤها من العسكريين والاستراتيجيين يدَّعون، فى سياق دفاعهم عن اتفاقية السلام، انه لم يكن فى بالإمكان ابدع مما كان، وانه لا ضرورة لإلغائها او تعديلها، وان البديل هو تنمية سيناء، وان هناك مشروعات كبرى تنوى الدولة تنفيذها هناك، وانها خصصت لها مليارات الجنيهات. ثم لا يحدث شيئا
بينما الحقيقة التى يعلمونها جميعا ولكنهم يخشون مصارحة الرأى العام بها، هو استحالة التنمية فى غياب سيادة الدولة الكاملة وحمايتها. استحالة التنمية فى ظل قيود كامب ديفيد الحالية. فكيف تبنى مصانع ومزارع ومناجم ومدن وتعمرها بالناس وانت عاجز عن حمايتها وحمايتهم؟ لا يوجد عاقل يمكن ان يقدم على ذلك. ولنا فى مدن القناة عبرة كبيرة، حين قامت الدولة بتهجير اهاليها بعد 1967، حتى لا يكونوا رهينة تحت القصف الاسرائيلى المستمر، فى ظل غياب دفاع جوى فعال.
***
2) الفلسطينيين يطمعون فى استيطان سيناء:
هذه واحدة من اكثر الاكاذيب انتشارا وترويجا فى الفترة الاخيرة، بهدف تبرير الانحياز المصرى الرسمى لاسرائيل فى حصارها واعتداءاتها على الفلسطينيين فى غزة، وايضا لتبرير التنسيق والتقارب المصرى الاسرائيلى غير المسبوق فى مواجهة "العدو المشترك" المتمثل فى الارهاب الفلسطينى (المقاومة). فاستيطان الفلسطينيين لسيناء هو مشروع صهيونى رفضته كل الاطراف المصرية والفلسطينية بدون استثناء. كما ان الذين يرفضون التنازل عن اراضيهم التاريخية (فلسطين 1948) لاسرائيل ويرفضون الاعتراف بشرعيتها ويقاتلونها ويقدمون شهداء بالالاف دفاعا عن اراضيهم ومواقفهم، لا يمكن ان يستبدلوا اوطانهم باى اراض اخرى فى مصر او غيرها. 
***
3) مصر تحررت من قيود كامب ديفيد:
يشيع البعض نفاقا وتضليلا ان الادارة المصرية الحالية قد تمكنت من التحرر من القيود العسكرية المذكورة عاليه، بدليل وجود قوات مصرية اضافية الان فى سيناء تكافح الارهاب.
وهو كلام عار من الصحة تماما، فهم يعلمون جيدا ان نشر اى قوات مصرية اضافية فى سيناء يتطلب استئذان اسرائيل وموافقتها على اعداد القوات وتسليحها وأماكن انتشارها وطبيعة مهماتها وموعد انسحابها.
بالإضافة الى أن كل الموافقات الاسرائيلية تخص وتتعلق بالقوات المصرية على الحدود المصرية الغزاوية التى لا تتعدى 14 كيلومتر،وليس بباقى الحدود المصرية الفلسطينية (الاسرائيلية) البالغة اكثر من 200 كيلومتر.
**
4) المنطقة العازلة والأنفاق و معبر رفح :
يدعون ((ان الفلسطينيين هم الذين يهددون امن مصر القومى، بعناصرهم الارهابية أو بالسلاح الذى يهربونه الى ارهابيي سيناء عبر الانفاق، وهو ما يستدعى تدميرها عن بكرة أبيها، بكل ما يستلزمه ذلك من اجراءات بما فيها اخلاء الحدود من السكان واقامة منطقة عازلة. كما انه لا يمكن لاى دولة محترمة ان تسمح باختراق سيادتها بأنفاق غير شرعية لحدودها.))
لن نرد عليهم بأنه لو كانت مصر لا تزال تقود معارك تحرير فلسطين والامة العربية، من الكيان الصهيونى المسمى باسرائيل، لكانت الانفاق هى احد ادوات المقاومة المصرية الفلسطينية المشتركة ضد قوات الاحتلال وضد التواطؤ الدولى لحصار المقاومة وحظر تسليحها...
لن نرد بذلك، لأنهم سيتحججون بأنه بعد انسحاب مصر من الصراع العربى الصهيونى وتوقيعها معاهدة صلح مع اسرائيل، تلزمها وتجبرها فى مادتها الثالثة على منع وتجريم اى اعمال عدائية ضد اسرائيل من الاراضى المصرية، فانه يجب تدمير الانفاق.
ولكن رغم حججهم تلك، بل وبافتراض صحتها، فان ما يقولونه لا يزال يقع تحت باب الكذب و التضليل، لعدة أسباب، اولها انه على من يريد الدفاع عن الامن القومى المصرى ولو على نهج كامب ديفيد ومن منظورها البائس، عليه ان يدمر الانفاق تحت الارض مع فتح معبر رفح فوق الارض، لحركة الاهالى والبضائع بشكل طبيعى وقانونى كما هو متبع فى المعابر المصرية الأخرى كمعبر السلوم مثلا.
أما أن يتم تدمير الانفاق مع اغلاق المعبر فى ذات الوقت، فهو ليس حماية للامن القومى المصرى، بقدر ما هو حماية لأمن اسرائيل، والتزاما بالاتفاقية الظالمة، المجهولة للكثيرين، المسماة باتفاقية فيلادلفيا والموقعة بين مصر واسرائيل عام 2005، من أجل حصار غزة ومراقبتها.
كما أن اخلاء الحدود المصرية من السكان، وانشاء منطقة أمنية عازلة، هو مطلب اسرائيلى قديم سبق ان رفضه مبارك نفسه الذى وصفه الاسرائيليون بكنزهم الاستراتيجى. وهو اجراء خطير يهدد امن مصر واستقلال سيناء، فى مواجهة عدو توسعى دأب، على امتداد قرن من الزمان، على اغتصاب واستيطان أى أراضى عربية خالية. وهو ما سبق أن فصلناه فى دراسة سابقة بعنوان ((اخلاء سيناء مطلب اسرائيلى)).
***
5) أنصار بيت المقدس أو ولاية سيناء:
من ناحية أخرى، فان الجماعات الإرهابية، التى تدَّعى كذبا وتضليلا انها تنطلق من مرجعيات دينية لتحرير القدس، فاننا نكاد نقطع بصلتها الوثيقة بإسرائيل، مباشرة او اختراقا. وأوضح ما يكشفها انها توجه سلاحها الى الداخل المصرى وليس الى اسرائيل الذى لا تبعد عنها سوى أمتارا قليلة. لأن من يملك القيام بعمليات بهذا الحجم والكفاءة والقوة والجرأة، لماذا لا يفعلها مع قوات الاحتلال الصهيونية؟!
ومن يرد بأن السلطات المصرية لن تسمح بذلك. نقول أن هذه حجة متهافتة لأن هذه الجماعات لا تتحرك وفقا للمسموح والمحظور من قبل الدولة.
ومن يرد، بأن الجيش هو الذى بدأ بالإرهاب، وانهم يقاتلونه ردا وانتقاما من أعمال القتل العشوائى الذى قام به ضد الأبرياء من اهل سيناء. نرد عليه بان اول عملية ارهابية تمت فى اغسطس 2012 قبل اى عمليات للقوات المسلحة هناك.
ان من يسمون أنفسهم بأنصار بيت المقدس او ولاية سيناء، يتماثلون مع داعش واخواتها الذى يوجهون رصاصهم الى مواطنيهم من العرب فى العراق وسوريا وليبيا واليمن وليس الى القوات الامريكية او الصهيونية.
وان كانت داعش والقاعدة من صناعة الاستخبارات الامريكية والاوروبية، فان انصار بيت المقدس وولاية سيناء من صناعة اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بامتياز.
*****
ثالثا - الاسرار:
هناك كثير من الأسرار، المحجوبة عن الرأى العام المصرى منذ عقود طويلة، كان اشهرها بنود وتفاصيل اتفاقية السلام ذاتها، الذى دُعِّى الشعب للاستفتاء عليها عام 1979 بدون ان تعرض عليه وثائقها. بالإضافة الى عديد من الملاحق والاتفاقيات والترتيبات التى لا نعلم عنها شيئا حتى يومنا هذا، ما لم يتم تسريبها عبر وسائل الاعلام العبرية او الامريكية.
واليوم أضيف الى ترسانة الاسرار المصرية الاسرائيلية الامريكية المشتركة، ملفات و أسئلة جديدة لا نعلم عنها شيئا هى الأخرى، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
· ما هى نصوص وطبيعة التفاهمات المصرية الاسرائيلية الأخيرة، والتى سمحت اسرائيل بموجبها للادارة المصرية بإدخال بعض القوات الاضافية؟ وما هو المقابل؟
· وما هى حدود التنسيق والتعاون الامنى المشترك، الذى دفع القادة الصهاينة ووسائل الاعلام الاسرائيلية الى الحديث عن حميمية غير مسبوقة فى العلاقات المصرية الاسرائيلية، وصلت الى حد قيام اللوبى الصهيونى فى امريكا بقيادة منظمة "الأيباك" بالضغط على الكونجرس والادارة الامريكية لاسئتناف المساعدات العسكرية الامريكية لمصر؟!
· ما صحة بعض التصريحات والتسريبات الاسرائيلية بان المعاهدة قد تم تعديلها بالفعل دون اعلان ذلك للرأى العام؟ وان صحت فما هى التعديلات الجديدة التى أدخلت عليها؟
· من هى الجهات الحقيقية التى تقف وراء العمليات الارهابية؟ وما هو دور اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية فيها، خاصة أن سواحل سيناء على خليج العقبة مفتوحة لاى سائح اسرائيلى لمدة اسبوعين بدون تأشيرة عبر منفذ طابا، ناهيك عن الحدود الطويلة المشتركة محرومة، بموجب المعاهدة، من وجود وحماية قوات حرس الحدود المصرى، الا بما تأذن وتجود به اسرائيل؟ 
· ما هى طبيعة وتفاصيل ونتائج وآثار العمليات العسكرية فى سيناء؟ وما هو حجم وعدد وأسماء القتلى من الارهابيين او من الضحايا المدنيين الأبرياء من الاهالى؟ وملابسات ووقائع مقتل كل منهم بالتفصيل؟
· وما حقيقة ما يشاع من ان هدم المنازل وسقوط الأبرياء، أنشأ حالة تعاطف من الاهالى مع الارهابيين، مما قد يسفر عن خلق حاضنة شعبية لهم؟
· ما هو السر وراء تغير وانقلاب موقف "السيسى" 180 درجة فيما يتعلق بإجراءات اخلاء المنطقة الحدودية وهدم منازلها وتهجير أهاليها، وهى الاجراءات التى سبق وحذر هو نفسه منها ومن آثارها المدمرة
· كيف تنجح الجماعات الارهابية فى تكرار عملياتها واعتداءاتها، رغم حظر التجوال والمنطقة العازلة وكل هذه التحصينات التى حولت شمال سيناء كلها الى ثكنة عسكرية؟ 
***
وفى الختام، نلقاكم باذن الله فى حديث جديد عن سيناء فى ابريل 2016، ان عشنا وكان لنا عمر.
*****
موضوعات مرتبطة:

26 أبريل 2015

سعيد نصر يكتب: إشادة مبارك بالسيسى للمرة الثانية .. وبال على الديمقراطية

 من يكره الديمقراطية لم يتطور الى الانسانية بعد ، فالتمسك بالديمقراطية من وجهة نظرى هو أساس تصنيف البشر الى إنسانى وغير إنسانى، فمن يريد الديمقراطية ويدافع عنها ويضحى بروحه من أجلها يدرك دون غيره ماهية حقوق المواطنة ، ويسعى لأجل غيره لترسيخ قيمة المجتمع القائم على المشاركة ، وقيمة دول القانون القائمة على مبدأ سيادة القانون على الجميع ، والداعمة لقيمة المساواة التى تقرها كافة دساتير العالم ، وليس الدستور المصرى فقط . وفى مقابل الانسانية السياسية ، أى السياسى الإنسان ، تتصاعد و تتوحش البهيمية السياسية ، أى السياسى الحيوان ، الذى لا يحس بالبشر ولا يدرك ماهية المواطنة ، ولهذا السبب نراه يقمع الشعب عندما يصبح رئيسا ويعذب المواطنين حتى الموت عندما يصبح وزيرا للداخلية ، ولا يرضى بأن يخضع للرقابة والمسائلة البرلمانية عندما يصبح قياديا كبيرا فى القوات المسلحة ، و يرجع السبب فى ذلك الى اصابة كل هؤلاء بنرجسية الوطنية التى يتخيلون بسببها أن الدولة ستضيع اذا تركوا أمورها لغيرهم ، وأن الأمن سيزول إذا تعاملوا مع المواطنين بالقانون ، ولعل هذا يفسر سر تحول الفصول الدراسية بالمدارس الى ما يشبه سلخانة التعذيب ، و ليس أدل على ذلك أكثر من وفاة تلميذ بسبب ضرب مدرس له فى العام الدراسى الجارى .
 وهؤلاء الصنف الكاره للديمقراطية ولملف حقوق الانسان وكرامته الإنسانية يفعلون الآن كل ما فى وسعهم لتكريس كذبة أن الإستبداد ضرورة حتمية ، وأن الديمقرطية ستقودنا الى الفوضى ، و قد وصل الأمر بهم الى حد عمل مداخلات للرئيس المخلوع حسنى مبارك فى برامج فضائية ليقول للشعب أن مصر فى يد حكيمة ويناشده بأن يقف الى جانب الرئيس ! والخطر يكمن هنا فى أن مبارك المخلوع بأمر الشعب بسبب فساده وإستبداده صار حجة ومرجعية الآن لتبرير سياسات قمعية للرئيس السيسى ، يراها البعض ضرورة حتمية بسبب خصائص الظرف الراهن ، ولا نراها نحن كذلك ، ولا نجد لها مبررا منطقيا ، لسبب بسيط ، وهو أن دول كثيرة عانت وتعانى من الإرهاب ، ولم تتجرأ يوما على الإجحاف بقيمة الديمقراطية ، ولم تضيق الخناق على شعبها ، ولعل أكبر مثل على ذلك إنجلترا وفرنسا ، ولا يمكن هنا التزرع بأنها دول عريقة فى الديمقراطية ، وتختلف عنا فى ذلك ، خاصة و أنها تمسكت بالديمقراطية فى أوقات كانت فيها اكثر تخلفا منا ، فضلا عن تمسكها بالديمقراطية واجراء الإنتخابات البرلمانية ، وهى تئن من ضربات النازى اثناء الحرب العالمية الثانية .
 وما فعله الإعلامى أحمد موسى بعمل مداخلة مع مبارك للإشادة بالسيسى ، وذلك للمرة الثانية منذ حصوله على البراءة فى قضية قتل المتظاهرين ، يهدف فى الأساس الى ترسيخ فكرة فى أذهان المصريين المغلوب على أمرهم بضغط ضجيج النفاق الإعلامى ، مفادها أن حكم مبارك هو النموذج ، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان ، و أن ما كان نموذج يجب أن يتكرر ويتبع ، وأن الديكتاتورية هى الأفضل لحكم المصريين ، فضلا عن أنها تحمل ايحاءات غير مباشرة للمصريين بأن مرشحى المنحل فى الإنتخابات هم الأفضل للسيسى لإستكمال إحكام قبضته القمعية على الشعب وفى القلب منه نشطائه وثواره ،وبالأخص الشباب الراغب فى إستكمال ثورة يناير ، والذى ليس لها صلة بتيارات الإسلام السياسى. والمثير للغرابة وما يزيد الخطورة على حلم الشعب فى الديمقراطية ، هو أن أكثر الذين يحبون السيسى فى مصر، هم الكارهون للديمقراطية ولحقوق الإنسان ، والأغرب أن من بين هؤلاء سياسيون كبار ، عاشوا وتربوا على أن الحزبية والعملية الإنتخابية ماهى إلا ديكور لتثبيت نظام حكم قائم رغم أنف الجميع، وهى ثقافة تجذرت فى وجدانهم بفعل انظمة حكم ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، وهى فئة تعيش على فتات الحاكم ، ولا قيمة عندها لخيارت الشعب ، بدليل أنها لم تسع يوما لأن يكون لها تواجد فى الشارع السياسى ، حتى أنها لم تنل شرف المحاولة لتحقيق ذلك، وهو ما يستوجب على المصريين توخى الحذر واليقظة للدفاع عن حلمهم فى دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتحقق فيها العدالة الإجتماعية والحرية السياسية ، وعملية انتخابية شفافة ونزيهة توفر انتقال سلمى للسلطة على المستويات الثلاثة الرئاسية والبرلمانية والمحليات ، فضلا عن إنتخابات الأندية والنقابات.

محمد رفعت الدومي يكتب: بلطاي - مرسي!

للدم الملكيُّ في قصة العالم مساحات رحبة ليس من الصعب أن نلمس هيمنة الطابع الأسطوري علي فصولها، من السهل أيضًا أن نراقب من مكان قريب ذلك الإتفاق المريب علي أنه دمٌ مقدس وهو يتحرك عبر الزمن من أقصي بقعة في العالم القديم إلي أقصي بقعة في الجانب الآخر من العالم القديم، هذا كان سببًا لائقًا لأن يصل إلي الحكم عددٌ لا يحصي من النبلاء المزدحمين بالأمراض تعقيبًا علي زواج الأقارب!
بمرور الوقت، عندما أدركوا أن الشك صِحّيٌّ تجرأ العوام علي التجديف في ملوكهم حتي الخوض في أعراضهم، واكتظت حناجرهم علنًا بالظنون حول ما كان يدور خلف أسوار القصور الملكية المغلقة علي المؤامرات والدسائس والفضائح الأخلاقية، كما تبدد إيمانهم تدريجيًا بقداسة دمائهم أو تميزها؛ آنذاك، صار الدم الملكيُّ رَحِمًا ملائمًا لتربية الأساطير، أسطورة الكأس المقدسة هي الأهم علي الإطلاق! 
لقد عششت في عقول العوام إلي حد أنفق عنده الكثيرون منهم في البحث عن الكأس الضائعة أعمارهم، وإلي حد لا يوجد عنده أوروبي واحد أو أوروبي الجذور واحد لا يعرف أسطورة الكأس التي يقولون أن قطراتٍ من دم المسيح وضعت فيها!
ما من شك في أن الكنيسة لعبت دورًا كبيرًا في حراسة الأسطورة حية في عقول خراف البابا، بل، لسخافة بنائها وعدم احترامها للمنطق أغلب الظن أن الكنيسة هي المصدر الجذريَّ لاختلاقها، فمن يبني كل معرفته علي كتاب واحد ليس من المستبعد أبدًا أن يوكل إلي الكأس مهامًا مثل خدمة الملوك وإعداد الطعام لهم وقتال أعدائهم! 
كل هذه المهام المرهقة وما زلت أتكلم عن كأس يا سادة، ولست أدري ما الذي حال بين هؤلاء السطحيين وبين أن يضيفوا إلي كل هذه المهام مهامًا يحتاجها الملوك أيضًا، كتربية الأطفال وغسل الأسنان عند الاستيقاظ من النوم وإرضاء الملوك في الفراش!
لحسن الحظ، لم يدر آنذاك ببال الكهنة أن طفلاً سيولد في "إنجلترا" ليتخذ من الأسطورة حجرًا يبني عليه روايته الجلل "شيفرة دافنشي" فيطعن بها الظاهرة البابوية في الصميم، "دان براون" طبعًا!
لقد ألحق "براون" بعقول قرائه ظنونًا مستديرة بأن "مريم المجدلية" هي الكأس المقدسة، وبأنها كانت زوجة لـ "يسوع" ووعاءًا لذريته، كما كانت يهودية يجري في أوردتها دمٌ ملكيٌّ احتاجه المسيح ليكون ملكًا شرعيًا لليهود، وسوف لا أستسلم لحذر الحكاية وأؤكد أن في الأناجيل التي اعتمدتها الكنيسة، وبشكل أكثر عمقًا في الأناجيل التي تصنفها كأناجيل منحولة، ما يجعل كل ما ذهب إليه الرجل جديرًا بالاحترام!
لا أعرف حتي الآن شيئًا عن ملابسات استقدامهما للقيام بالمهمة، لقد تجاوز الرجلان رواية "علي أحمد باكثير" بكثير، فما لم يعرف أن مخرج الفيلم "أندرو مارتون" أمريكي ولد في "المجر" وأن سيناريو الفيلم للأوروبي "روبرت أندروز" سوف لا يعرف كل من شاهد أو سوف يشاهد فيلم "وا إسلاماه" من أين يهبُّ ذلك الحضور الذي يتركه تحديدًا في الذاكرة "بلطاي"، أو، "فريد شوقي"، كما "جهاد"، أو، "لبني عبد العزيز"! 
فالفيلم ليس إلا قصة أخري من قصص الدم الملكي والبحث عن الكأس المقدسة، لو لم يكن الأمر هكذا، فمتي كان المغول علي وجه الخصوص، أشرس حضارة عرفتها الإنسانية، يحترمون شرعية غير شرعية المعركة لكي ينسق "بلطاي" كل تلك المكائد ويبذِّر كل ذاك الجهد والسنوات للبحث عن "جهاد"؟
قصة الفيلم مشهورة..
"سلامة" يفر من "خوارزم" بالأميرة "جهاد" وريثة العرش و "محمود" بعد مقتل السلطان، وهو، عندما يتوقع وصول المغول إلي "جهاد" وابن عمها يبيعهما كالرقيق بعد أن ينقش خاتم المُلك علي ذراعيهما! 
وترسلهما الصدفة إلي مصر، فتصير "جهاد" جارية في قصر "شجر الدر" و "محمود" قائدًا لمماليك "عز الدين أيبك"، مع ذلك، يعثر "سلامة" علي "جهاد" قبل "بلطاي" الذي كان يحاول العثور عليها أيضًا! 
يرتبك الأفق المملوكيُّ فجأة، حزمة من الاغتيالات والخيانات والدسائس يصبح بعدها "محمود" سلطانًا ينتصر في النهاية علي المغول في "عين جالوت" ويثأر لعائلته، لم يقل الفيلم بالطبع أن صديقه "بيبرس" قد اغتاله عما قليل من نهاية المعركة!
لم أشاهد "وا إسلاماه" منذ سنين، مع ذلك، طرأ "بلطاي" علي ذاكرتي من كل جانب عند حادثتين كلتاهما تتعلق بـ "د.مرسي":
الأولي، عندما انتشر أيام "د.مرسي" خبر العثور علي حمامة تحمل في رجلها رسالة، تصورت، للحظة، تحت ضغط الخبر، كعادة الأخبار الغريبة المباغتة، أنها الحمامة التي أرسلها "بلطاي" بخبر موت "شجر الدر" ولم تصل!
أمس كانت الثانية.. 
عقب صدور الحكم علي "د.مرسي" ضحكت، ليس فقط لأن الحكم غريبٌ، إنما لأنني كنت أتوقع حكمًا بالإعدام، ولأنني، تذكرت تغريدة ترددت كثيرًا علي تويتر (ليلة الإتحادية) تصلح وحدها دليلاً علي هزلية المحاكمة من الجذور، هذه هي:
(بيان من مدينة الحرفيين : تم رد رفرف سيارة السيد الرئيس ع البارد وجاري شراء زجاج استيراد عشان التوكيل غالي)
أين هو استعرض القوة إذاً؟
تذكرت أيضًا "بلطاي"، صرتُ أتفهم دوافعه للبحث عن الدم الملكي أكثر من أي وقت مضي، تفهمت أيضًا تمسك الإخوان المسلمين بعودة "د.مرسي" إلي هذا الحد، إنه الدم الملكي الذي اكتسب من الشعب المصري قداسته وهو في حوزتهم فعلاً، وهو مصدر قوتهم، كأسهم المقدسة، بل الكأس المقدسة لثورة 25 يناير، علي الآخرين أن يستوعبوا هذه البديهية ونقاط الالتقاء بعد ذلك كثيرة، أو، عليهم أن يشاهدوا فيلم "يا نحب يا نقب" السخيف، وأن يتوقفوا طويلاً عند مقولة "د.عبادة"، أو، الفنان "محمد متولي"، وهو يبرر إكراه رفقاء المدرج الذين ما زالوا طلابًا علي النجاح:
- عاوز أحس إني بقيت دكتور!
لذلك كنت أتوقع حكمًا بإعدام "د.مرسي"، فوجوده علي قيد الحياة يكفي بالقدر الذي يبقي علي ذاكرة الثورة مشتعلة ويضع اللص وجهًا لوجه أمام اللقب الذي ينبغي له!

د. هاني السباعي يكتب: إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين .. الأكذوبة الكبرى.

*مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.
هذا مقال للرد على زعم إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين على النحو التالي:
أولاً: تقدمة.
ثانياً: محاور أساسية لفهم الصراع.
ثالثا: ولاء الأرمن للروس وتمردهم على العثمانيين أمثلة ونماذج.
رابعاً: شهادة مدفونة في أضابير قسم الوثائق الأمريكية.
خامساً:صفوة القول.
أولاً: تقدمة:
لقد تبنى هذه الأكذوبة (إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين) من استخدم الأرمن في تحقيق مطامعه السياسية فهم أنفسهم أعني روسيا القيصرية هي التي صنعت الأرمن ومنحتهم بغير حق معظم الأراضي التي طردت المسلمين منها في خلال حروبها المستمرة لعدة قرون مع الدولة العثمانية! فقد كانت روسيا القيصرية تمارس إرهاباً منظماً ضد رعايا الدولة العثمانية حيث كانت تبيد مدائن وقرى كاملة كانت عامرة بالمسلمين، ومن تبقى على قيد الحياة منهم كانت تجبره على النزوح القسري مستولين على كل ممتلكات هؤلاء المسلمين المظلومين الذين تعرضوا لأبشع عملية استئصال جماعي في تاريخ البشر! وفي نفس الوقت كانت القوات الروسية بزعم الدفاع عن المسيحية! تقوم بعملية إحلال وتجديد من خلال توطين الأرمن الموالين لها في حروبها مع الدولة العثمانية أراضي المسلمين الذي هجروها قسراً أو قتلوا إبادة! وقد كانت روسيا القيصرية تمد المتمردين الأرمن بالمال والسلاح والعتاد بمجرد حدوث أدنى نزاع بين مسلم من رعايا الدولة العثمانية وأرمني موال لروسيا القيصرية فلم يكن مسموحاً للمسلم أن يرد عدوان عصابات الأرمن التي تغير على القرى وتنتهك الأعراض فإذا حاول المسلم أن يدافع عن عرضه وأرضه تقوم هذه العصابات المدعومة روسيا بإبادة القرية وحرق من فيها!
لقد استخدمت روسيا المتمردين الأرمن لتوسيع مناطق نفوذها واحتلال البلاد الخاضعة للدولة العثمانية وهذا ما ساعد فيما بعد على تكوين الاتحاد السوفيتي منذ الثورة البلشفية عام 1917م!
وأكد على ذلك لورانت شابري وآني شابري في كتابهما (سياسة وأقليات في الشرق الأدنى ترجمة د.ذوقان قرقوط ص311) رغم أنهما لم يكونا محايدين على الإطلاق في كتابهما المذكور! لكن على أية حال فقد ذكرا رغم تعصبهما للأرمن: "وقد أبصر الأرمن الباقون في أرمينيا، الخاضعون من جهة للأتراك ومن الجهة الأخرى للفرس، أملاً كبيراً في نهاية القرن الثامن عشر وهم يرون إلى القوة الروسية، القوة المسيحية تظهر على مسرح الشرق الأدنى. وتظهر الرغبة في الامتداد إلى ما وراء القوقاز، نحو الجنوب والجنوب الشرقي. قبل ذلك في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حاولا الأرمن -عبثاً بلا جدوى-العثور على عون في الغرب المسيحي، متوقعين تدخلاً عسكرياً من الدول الغربية ينقذهم من النير التركي. ولم تثبط روسيا هذه الآمال الجديدة، واجدة في جيوش المتطوعين الأرمن التي شنت على الفرس، احتلال الأراضي التي تشكل اليوم صورة تقريبية أرمينيا السوفيتية" أهـ.
لعل متسائلاً يقول متى ظهرت المسألة الأرمنية دولياً؟ ولماذا يصر الأرمن على أنهم قد تعرضوا للإبادة على أيدي العثمانيين؟
للإجابة على هذا نحاول أن نسلط الضوء على المحاور التالية:
ثانياً: محاور أساسية لفهم الصراع:
المحور الأول:
لقد تم تدويل المسألة الأرمينية لأول مرة بموجب معاهدة (سان ستيفانو):فعقب انتهاء الحرب الروسية التركية لعام 1877م – 1878م عقد الطرفان معاهدة سان ستيفانو وبرلين عام 1878م حيث مهد البند رقم 16 والبند رقم 61 بتدويل المسألة الأرمنية التي لا تزال تستخدم فزاعة لابتزاز الأتراك حتى وقتنا الحاضر.
المحور الثاني:
لا بد من دراسة الحقبة التاريخية التي يزعم الأرمن أنهم قد تعرضوا فيها للإبادة وهي تقريباً الفترة من (1821م إلى 1922م).. مع دراسة منطقة جغرافية كبرى كانت خاضعة للدولة العثمانية من قفقاسيا إلى الأناضول والبلقان بما في ذلك بلغاريا واليونان حيث كان معظم سكان هذه الأراضي الشاسعة يدينون بالإسلام!
وهناك بالفعل دراسات جادة حول هذا الموضوع رغم ندرتها مثل الدراسة التي أعدها جستن مكارثي في كتابه (نفي وموت) حيث قامت بدعمه وتمويله (هيئة وقف الولايات المتحدة الأمريكية القومي للدراسات الثقافية للبحث في الحرب العالمية الأولى وآثارها، ومؤسسة الدراسات التركية للبحث في وفيات وهجرات الأتراك بالاشتراك مع بعض الجامعات الأمريكية والبريطانية.. ويعتبر هذا البحث من أفضل ما كتب في هذا الشأن رغم تحفظنا على بعض الملاحظات التي لا تقلل من قيمة البحث وجديته والجهد المبذول فيه وقد ترجم إلى اللغة العربية في الكتاب الموسوم (الطرد والإبادة) نشرته قدمس للنشر والتوزيع بدمشق وهو كتاب جيد في مجاله. وبالطبع فإن دراسة هذه المنقطة جغرافيا وتاريخيا وطبيعة الصراع القائم في تلكم الحقبة يحتاج إلى العديد من الأبحاث والدراسات الوثائقية ليستبين للمنصفين من ذوي العقول عظم الفرية التي يرددها الغرب حول ما يسمى (بإبادة الأرمن)! في الوقت الذي يتجاهل فيه الكتاب الغربيون مصير ملايين المسلمين الذي شردوا من أوطانهم وقتلوا على أيدي الروس والأرمن والبلغار واليونان والصرب في نفس الحقبة المذكورة حتى عام 1922م !
وعلى حد تعبير مكارثي: "كانت هناك مجتمعات مسلمة في منطقة بحجم أوربا الغربية كاملة قُلصت أو أبيدت. تقلصت مجتمعات البلقان التركية العظيمة إلى جزء من أعدادها السابقة. في القفقاس طرد الجركس واللاز والأبخاز والأتراك وآخرون من جماعات مسلمة صغيرة. تغيرت الأناضول، وغربي الأناضول وشرقيها أقرب إلى الخرائب. أنجزت إحدى أكبر مآسي التاريخ" أهـ (مكارثي: ص327 بتصرف).
المحور الثالث:
دور جماعة الاتحاد والترقي في إسقاط الخلافة العثمانية وذلك عام 1908م وإجبار السلطان عبد الحميد الثاني على الاعتزال! وإدخال فقرة في الدستور الجديد تسمح لكل المواطنين العثمانيين بالتسلح مما وفر غطاءً قانونياً للأقليات بالتسلح! واستغل الأرمن هذا التشريع الجديد بجمع وتخزين الأسلحة التي حابوا بها المسلمين وقتلوهم! حيث بدأ العدوان الأرمني على المسلمين في مدينة أطنة Adana قبل منتصف عام 1909م بقيادة أسقف مدينة (أسفين) المدعو موستش!
المحور الرابع:
دور السفراء والقناصل الغربيين والمبشرين البروتستانت الأمريكيين في تضليل الرأي العام ونشر تقارير مبالغ فيها عن قتلى الأرمن وغض الطرف عن قتلى المسلمين بل وتعمد الكذب في أحايين كثيرة وقد كان للقنصل الأمريكي المتهم بالتعصب للأرمن دور في نشر هذه الأضاليل! ولم يكن القنصل الفرنسي أقل افتراءً من القنصل الأمريكي والروسي وغيرهم!
وللأسف الشديد فإن السلطان عبد الحميد كان يثق في أن الحكومة البريطانية تريد الحفاظ على وحدة الممالك العثمانية! لكنه كان قد استفاق بعد فوات الأوان! يقول روبير مانتران في كتابه تاريخ الدولة العثمانية وهو كتاب فيه كثير من الآراء غير السديدة! يقول في الجزء الثاني من الكتاب المذكور: "ومنذ 1878 إلى 1879م يبدأ عبد الحميد في الاشتباه في أن إنجلترا تريد التخلي عن سياستها التقليدية الخاصة بالحفاظ على وحدة الأراضي العثمانية. وهذه الشكوك تغذيها الضغوط التي تمارسها الحكومة البريطانية على السلطان عبد الحميد حتى يضطلع بالإصلاحات الموعودة في الولايات الأرمنية؛ ويزيد من احتدادها تولي(جلادستون) زعيم حزب الأحرار لرئاسة الحكومة البريطانية في مايو عام 1880م، وهو عدو سافر للأتراك منذ مذابح بلغاريا. وتؤكدها بشكل ما هيمنة لندن على مصر عام 1882م. فمنذ ذلك الحين شهدت الديبلوماسية الإنجليزية، على نحو ما ينظر إليها في استنبول، انقلاباً كاملاً"أهـ (روبير مانتران: تاريخ الدولة العثمانية/ترجمة بشير السباعي/دار الفكر للدراسات والتوزيع/القاهرة/ج2 ص165).
المحور الخامس:
الدعاية الغربية المضللة التي كانت تنشرها وسائل الإعلام من قلب للحقائق وتصوير المسلمين على أنهم همج وبرابرة متوحشون! وفي المقابل تصوير الأرمن على أنهم أتقياء بررة وعباقرة أذكياء متسامحون!
المحور السادس:
لقد ظهرت هذه المشاكل والقلاقل التي أثارتها القوى المعادية للدولة العثمانية في مناطق نفوذها في القفقاس والقرم والبلقان والأناضول وأثرت على مصير المسلمين في هذه المساحات الشاسعة بسبب عدة عوامل أساسية:
(أ) ضعف الدولة العثمانية وشيخوختها حتى وصفت بعد ذلك بالرجل المريض.
(ب) التحريض على الوعي القومي المسيحي بين الطوائف التي تعيش في كنف الدولة العثمانية فقد حرصت الدول الكبرى الطامعة في تقسيم أملاك الدولة العثمانية على تحريض الطوائف غير المسلمة على التمرد وإحياء النعرات القومية كما حدث مع الأرمن والبلغار واليونان والصرب!. وهذا ما أشار إليه روبير ما نتران:"والواقع أن الحركة القومية الأرمنية بعد عام 1878 يرتبط إلى حد بعيد بالتحليل الذي أجره المثقفون الأرمن للاستقلال البلغاري: فقد تم الحصول على هذا الاستقلال بفضل أوروبا، فعلاً، لكنه تم أساساً بفضل الأساليب العنيفة التي لجأت إليها (اللجان الثورية البلغارية). وهكذا فإن النموذج البلغاري يهيمن على تفكير المناضلين الأرمن، خاصة أولئك الذين سوف يتجهون إلى إنشاء المنظمات الأولى. والواقع أن الأحزاب الثورية الأولى تبدأ في الظهور في أواسط ثمانينيات القرن التاسع عشر: حزب (أرمينكان) الذي تأسس في (فان) عام 1885م على أيدي عدد من المربين، ثم الحزبان الكبيران اللذان، خلافاً للحزب الأول، سوف يجري تأسيسهما على أيدي أرمن من القوقاز ليس لهم مع أرمينيا التركية غير القليل من الروابط: الهينتشاق(الجرس) الذي تأسس في جنيف عام 1887م، والداشناق (الاتحاد الثوري الأرمني) الذي تأسس في عام 1890م في تفليس" أهـ (روبير مانتران: ج2 ص217).
(ج) التوسع الاستعماري الروسي الذي ظل يبتلع أملاك الدولة العثمانية قطعة قطعة.
هكذا نستطيع من خلال هذه المحاور فهم الملف الأرمني الذي يستخدمه الغرب ضد الدولة التركية الحديثة رغم ابتعادها عن الإسلام ومحاربتها له عن طريق علمنة كافة المناحي الحياتية في تركيا بغية إرضاء الغرب والدخول في جنة الاتحاد الأوروبي الموعودة! ذلك الاتحاد الذي لا ولن يرضي عن دخول تركيا حتى تلج تركيا (سم الخياط)! فقادة الغرب يعلمون جيداً أن كمال أتاتورك قد فعل ما لم يكن الأوروبيون أنفسهم يحلمون به! وفي نفس الوقت يعلمون أن الشعب التركي رغم ابتعاده كثيراً عن الإسلام الحقيقي غير أن روح الإسلام لا تزال تسري في جسده وأن هناك حنيناً لعودة عظمة الإسلام التليد أضحت تنتشر في الآونة الأخيرة رغم محاولات العسكر حصار هذه الروح وخنقها في مهدها! لذلك يتخوف القادة الأوروبيون بدخول تركيا الاتحاد الأوربي لأنهم يعتقدون أن هذا الاتحاد الأوروبي ناد مسيحي! لا يسمح للمسلمين بعضويته!
ورغم تحالف تركيا مع أميركا إلا أن قادة الولايات المتحدة غير مطمئنين على مصالح بلادهم في المستقبل البعيد لذلك فإنهم سيتبنون في نهاية المطاف قراراً بإدانة تركيا في إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين! بغية ابتزاز تركيا واتخاذ هذا القرار تكأة لحصار تركيا اقتصادياً والتدخل عسكرياً إن خرجت تركيا عن علمنتها المتطرفة وغيرت بوصلتها إلى الحكم بالإسلام في المستقبل القريب أو البعيد! لأنه في هذه الحالة ستتحالف أوروبا وأمريكا في حرب ضروس أشبه بحرب عالمية ثالثة أو رابعة أو خامسة ضد تركيا لاستعادة القسطنطينية وضمها إلى الغرب!
ثالثا: ولاء الأرمن للروس وتمردهم على العثمانيين:
لقد كان للولاء الديني الدور الأبرز في الصراع بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية حيث لم يكن مفهوم الجنسية قد ظهر في تلك الحقبة وقد أكد على هذا مبدأ الولاء الديني مكارثي في كتابه المذكور آنفاً: "من الواضح أن الأرمن في ظل الحكم الروسي والعثماني كانوا يرون بعضهم إخوة، مهما كانت جنسياتهم والأمر نفسه صحيح عند المسلمين. من غير المؤكد إذا كان مفهوم الجنسية، بالمقارنة بالانتماء الديني، توطد على نحو كبير في أي من القفقاس أو شرقي الأناضول قبل عشرينيات القرن العشرين. في الشرق شعر المسلم القفقاسي بأنه أقرب إلى مسلم أناضولي منه إلى أرمني قفقاسي تماماً كما نسب الأرمني الأناضولي الشرقي نفسه إلى أرمن القفقاس، وليس إلى المسلمين الأناضوليين. إن انتماءهم الرئيس لجماعاتهم الدينية برهنت عليه حروب القفقاس وشرقي الأناضول المرة تلو الأخرى" (جستن مكارثي: الطرد والإبادة ص49 بتصرف).
أقول إن مبدأ الولاء الديني ليس مستغرباً في تاريخ الأمم، لكن المستغرب أن يتم إقصاء هذا المبدأ في تقويم طبيعة الصراع عبر التاريخ. وللتدليل على أهمية الولاء الديني أن روسيا القيصرية كانت تضطهد الكنيسة الأرمينية ثم غيرت معاملتها لهم في عهد بطرس الأكبر! للاستعانة بهم في حروبهم التوسعية ضد الدولة العثمانية وقد تفهم ذلك الأرمن على أساس أنهم والروس ينتمون في النهاية إلى الديانة النصرانية وأن عدوهم واحد (الدولة الإسلامية العثمانية)! والحقيقة أن الأرمن تعاملوا بنفس المنطق مع الفرنسيين وشكلوا فيلقاً يتبع الجيش الفرنسي في قليقلية عاث في الأرض فساداً على أساس أن الفرنسيين أيضاً إخوانهم في العقيدة وعدوهم مشترك! وكان للمبشرين البروتستانت الأمريكان دور بارز في تأجيج الصراع وكانت الأخوة الدينية هي التي تربطهم مع الأرمن بل وتحجب حقيقة المجازر التي كانت يرتكبها الأرمن في حق المسلمين! وليس هذا تعصباً مني ومغالاة في فهم طبيعة الصراع فجميع الشواهد التاريخية تؤيد ذلك والواقع المعاصر يعضد هذا الرأي! راجع مناطق الصراع في العالم: فلسطين/العراق/ كشمير/أفغانستان/بورما/تايلاند/البوسنة والهرسك/الجبل الأسود/الصومال/دار فور/التضييق على المسلمين في الغرب)!! هل كل ذلك مصادفة وبدون قصد ولا دخل للولاء الديني في هذا الصراع وشن هذه الحروب الظالمة؟!
أمثلة على ولاء الأرمن للروس وتمردهم على الدولة العثمانية:
لقد ذكر مكارثي في دراسته العديد من الشواهد التاريخية على ولاء الأرمن لروسيا ونحن بدورنا نلخص أهم هذه الشواهد عبر النقاط التالية:
الأول: في عهد القيصر بطرس الأكبر بدأ يقوى اتكال الأرمن على روسيا وأملهم في مساعدات من هذا الجانب منذ غارات الروس الأولى على القفقاس منذ حكم بطرس المذكور حين أسسوا قوة عسكرية ليساعدوا غزو القياصرة المنطقة، تعهد الأرمن القفقاس بالولاء والدعم للقياصرة الروس.
الثاني: في خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر دعم الأرمن (رؤساء كنائس/علمانيون/وبقية طوائف الشعب) الغزو الروسي لولايات المسلمين في القفقاس والإطاحة بحكامها المسلمين.
الثالث: علم الأرمن جواسيس للروس ضد حكامهم المسلمين سواء العثمانيين أو الأرمن الذين كانوا رعايا الدولة الفارسية.
الرابع: حين كانت مدينة دربند Derbendتحت الحصار الروسي عام 1796م أرسل سكانها الأرمن إلى الغزاة معلومات عن مصادر الإمداد المائي للمدينة، ما أتاح للروس أن يهزموا أهل (خان دربند).
الخامس: صرح رئيس أساقفة أرمني (أرغوتنسكي - دولغوروكوف) علانية في تسعينات القرن الثامن عشر، بأمله وإيمانه أن الروس سيحررون الأرمن من حكم المسلمين.
السادس: الرعايا الأرمن للإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية، وكذلك الأرمن الذين يعيشون في الإمبراطورية الروسية قاتلوا إلى جانب الروس ضد بلاد فارس والإمبراطورية العثمانية في حروب أعوام (1827م إلى 1829م) وحرب القرم.
السابع: أبدى الأرمن في الأناضول العثمانية ولاءهم للقضية الروسية بعملهم جواسيس بعملهم للروس.
الثامن: كان الأرمن يعبرون من الأناضول الحدود ويقدمون تقارير عن تحركات القوات العثمانية في جميع حروب شرق الأناضول.
التاسع: لقد ساعد الأرمن الأناضوليون الجيوش الروسية الغازية في عام 1827م وعندما غادر الجيش الروسي اتبع آلاف الأرمن هذا الجيش خارج الأناضول.
العاشر: خلال حرب القرم، قدم الأرمن معلومات استخباراتية من مدينة قارص Kars المحاصرة للروس.
الحادي عشر: مهد المرشدون الأرمن من الأناضول العثمانية الطريق للغزاة الروس في عام 1877م.
الثاني عشر: رحب أرمن وادي الشكرد Elsekirt بالجيوش الروسية الغازية في عام 1877م، وعندما انسحب الروس غادر الجميع معهم.
الثالث عشر: كان الأرمن في الأناضول والقفقاس حلفاء للروس في الحرب العالمية الأولى. لقد بدأ اتكال المتمردين الأرمن في الأناضول على الروس واضحاً بحلول منتصف القرن بالثورة في زيتون Zeyton عندما كانت هناك حاجة إلى موارد مالية لتقوية دفاعات زيتون ضد العثمانيين في عام 1854م بينما كان العثمانيون يقاتلون الروس في حرب القرم، حاول الثوار الأرمن الحصول على مساعدات مالية من الروس.
الرابع عشر: في عام 1872م كتب سكان أرمن وان Van كونهم جالية إلى نائب الإمبراطور الروسي للقفقاس يطلبون المساعدة ضد حكومتهم؛ فقد طالبوا أن يصبحوا من الرعايا الروس وعلى نحو محدد بدأوا يجمعون أسلحة!.
الخامس عشر: توالت الاتصالات بين الأرمن العثمانيين والإمبراطورية الروسية ضمن نشاطات الجماعات الثورية الأرمنية الرئيس، خصوصاً الطاشناق. وكانت أرمينية الروسية مركزاً لتجميع الأسلحة والتنظيم الثوري الموجهين ضد العثمانيين.
السادس عشر:حول رئيس دير للراهبات (باغرات فاردابيت تافاكليان أو آكي) دير ديرك Derik على الجانب الفارسي للحدود العثمانية الفارسية، إلى مستودع أسلحة ونقطة تسلل المتمردين الأرمن في الإمبراطورية العثمانية.
السابع عشر: استمر أرمن وجورجيون خصوصاً أولئك الذين كان لهم أقارب في إيران أو كانوا متورطين في أعمال هناك، في أن يكونوا مصادر مهمة للمعلومات عند المسؤولين الروس لذلك، كان لهم تأثير في القرارات السياسية والتكتيكية الروسية. أمر القيصر ألكسندر تسيتسيانوف أن يقصد البطريك دانييال وأتباعه
الثامن عشر: قدم دانييال Daniel المرشح المدعوم من الروس لمنصب بطريرك الكنيسة الأرمنية (بعد وفاة أرغوتنسكي-دولغوروكوف) المعلومات للروس.
التاسع عشر:في عام 1808م كافأ ألكسندر دانييل برهبنة (سان آن) من الدرجة الأولى، لخدماته في تقديم معلومات للروس. على مدى السنوات التالية، بينما كان الروس يقاتلون لتوسيع جبهتهم إلى الكور Kur والآراس Aras استمر الأرمن في إرسال رسائل إلى المسؤولين الروس يشجعونهم فيها على الاستيلاء على المناطق التي يحكمها المسلمون وإنقاذ الأرمن من اضطهاد المسلمين.
العشرون:لقد سهلت علاقة المتمردين بالكنيسة الأرمينية نشاطاتهم إلى حد بعيد، كونها هيئة استطاعت أن تجتاز الحدود بسهولة وفي استنبول نفسها كان لرجال الكنيسة من أساقفة وكهنة حرية التنقل ولم يكن يتعرض لهم الأرمن العثماني رغم أنه قد ثبت أن هؤلاء الأساقفة والكهنة كان يتنقلون الرسائل والتقارير والأموال إلى المتمردين وكانت بعض الأديرة والكنائس مستودعاً للأسلحة التي تسرب وتهرب إلى المتمردين الأرمن نظراً لعدم خضوع هذه الكنائس والأديرة للتفتيش الأمني!!
هكذا قد استعرضنا نماذج وأمثلة لولاء الأرمن للروس في زمن الحرب والسلم مما ينسف مرثيتهم الملفقة (إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين)! ولمزيد من التأكيد على صحة ما ذكرناه نورد هذه الشهادة.
رابعاً: شهادة مدفونة في أضابير قسم الوثائق الأمريكية:
هذه الشهادة عبارة عن تقرير لرجلين لم يكونا متعاطفين مع العثمانيين المسلمين بل كانا متعصبين للأرمن وجاءا إلى المنطقة على خلفية جاهزة سلفاً أن الأرمن شعب مستضعف ارتكب المسلمون مجازر جماعية بحقه حسب المعلومات المستقاة من وسائل الإعلام الغربية المضللة!، ومن المبشرين البروتستانت الأمريكيين الذين لم يكونوا جديرين بالثقة كلياً كشهود على معاناة المسلمين حيث كانوا بارعين في تدوين أعمال ضد الأرمن بتفصيل كبير، ولم يكونوا كذلك في تدوين أعمال عنف ضد المسلمين كما ذكر ذلك بعض المؤرخين! فمن هما هذان الشاهدان اللذان رجع إلى أميركا بغير الوجه الذي ذهبا به إلى شرقي الأناضول؟
إنهما النقيب إموري نيلز Emory Noles، وآرثر سذرلاند Arthur Sutherland حيث أمرتهما حكومة الولايات المتحدة الأمريكية باستقصاء الوضع في شرقي الأناضول. ونزل منطقة الأناضول وتجولا في جميع أنحاء المنطقة وسمعا شهادة الطرفين وفوجئا بحجم التزوير والتلفيق الذي اقترفه الأرمن وصعقا من هول معاناة المسلمين ومن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الأرمن بحق المسلمين! ولما لم يرق التقرير الحكومة الأمريكية تم استبعاده، ولهذا السبب لم يضمن تقريرهما وثائق لجنة التحقيق الأمريكية ومن فضل الله تعالى أنها لم تتلف بل كانت مخبأة ومدفونة في مواضيع لها صلة بملف الحرب العالمية الأولى في شرقي الأناضول! وقد قام كارثي بنشر هذا التقرير عام 1994م ثم نشره في كتابه (المسلمون والأقليات)! وأعاد نشره في كتابه (الطرد والإبادة) ولله الحمد والمنة!
أما عن تقرير (نايلز وسذرلاند):
جاء في تقريرهما: "المنطقة الممتدة من (بتليس) عبر (وان) إلى (بايزيد) أُخبرنا بأن الضرر والتدمير في كل هذه المنطقة كانا من فعل الأرمن الذين استمروا في احتلال البلد بعد أن انسحب الروس، والذين دمروا كل شئ يخص المسلمين مع تقدم الجيش التركي. علاوة على ذلك، اتُهم الأرمن بارتكاب أعمال قتل واغتصاب وإحراق عمد للممتلكات وأعمال وحشية رهيبة من كل وصف ضد السكان الأصليين. كنا في البداية في ريب كبير بشأن تلك الروايات، لكننا توصلنا في النهاية إلى تصديقها، لأن الشهادات كانت بالإجماع بكل ما في الكلمة من معنى وجرى تأييدها بالأدلة المادية. على سبيل المثال كانت الأحياء الوحيدة التي ظلت سليمة في مدينتي بتليس ووان أحياءً أرمينية، كما كان جلياً من الكنائس والكتابات على البيوت، بينما كانت الأحياء المسلمة مدمرة على نحو كامل. لا تزال القرى التي قيل إنها كانت أرمينية قائمة، بينما كانت القرى المسلمة مدمرة كاملة" أهـ (مكارثي: الطرد والإبادة ص250).
وجاء في تقريرهما أيضاً:
"إن الوضع العرقي في هذه المنطقة [بايزيد-أرضروم] متفاقم بشدة بسبب قرب جبهة أرمينية التي يأتي اللاجئون منها بروايات عن مجازر ووحشية وفظاعات ترتكبها الحكومة الأرمينية والجيش والشعب ضد السكان المسلمين. ومع أن بضع مئات من الأرمن يعيشون فعلاً في إقليم (وان)، إلا أنه من المستحيل أن يستطيع الأرمن العيش في المناطق الريفية لإقليم أرضروم، حيث يبدي الجميع ذروة الكراهية لهم. وهنا أيضاً خرب الأرمن القرى قبل أن ينسحبوا وارتكبوا المجازر وكل أنواع الأعمال الوحشية ضد المسلمين، وأعمال الأرمن هذه على الجانب الآخر من الجبهة تُبقي الكراهية للأرمن حية ومؤثرة، كراهية تبدو أنها على الأقل تُرغي وتُزبد في منطقة (وان). أكّد على وجود فوضى وجرائم في أرمينية لاجئون من جميع مناطق أرمينية وضباط بريطانيون في أرضروم" أهـ (مكارثي: ص251).
وقدم نايلز وسذرلاند في تقريرهما إحصائية؛ تعداد القرى والبيوت المسلمة الناجية من جحيم الحرب حول مدينتي (وان) و (بتليس) فقط وعلى سبيل المثال حيث أثبت أن الأرمن دمروا أكثر بيوت المسلمين ولم يبق أي أثر لجميع المباني والمنشآت الدينية الإسلامية! كما هو موضح في الجدول التالي:
الدمار في مدينتي وان وبتليس
مدينة وان قبل الحرب بعد الحرب 1919
منازل المسلمين 3400 3
منازل الأرمن 3100 1170
مدينة بتليس قبل الحرب بعد الحرب 1919
منازل المسلمين 6500 لا شئ
منازل الأرمن 1500 1000
أما عن القرى في إقليم وان وسنجق وبايزيد قبل الحرب والاحتلال الأرمني وبعدهما فجاء في إحصائية نايلز وسذرلاند: أن تعداد منازل المسلمين قبل الحرب في قرى إقليم وان كان (1373) منزلاً وانخفض بعد الحرب في 1919م إلى 350 منزلاً!! بينما كانت منازل الأرمن 112 منزلاً قبل الحرب فزادت بعد الحرب إلى 200 منزلاً! وفي قرى إقليم بايزيد كان عدد منازل المسلمين قبل الحرب 448 منزلاً صارت بعد الحرب في عام 1919م 243 منزلاً! بينما منازل الأرمن كانت قبل الحرب 33 منزلاً ظلت كما هي بعد الحرب 33 منزلاً!
وقد لخص نايلز وسذرلاند تاريخ مسلمي شرق الأناضول بدقة في ختام تقريرهما:
"ومع أنها لا تقع ضمن مجال تحقيقنا تماماً، إلا أن إحدى أبرز الحقائق التي أثرت فينا في كل بقعة من بتليس إلى طربزون هي أن الأرمن ارتكبوا ضد الأتراك في المنطقة التي اجتزناها كل أنواع الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الأتراك في مناطق أخرى ضد الأرمن. كنا نشك في البداية إلى حد بعيد بالروايات التي أخبرنا بها، لكن إجماع الشهود جميعهم، واللهفة الجلية التي تحدثوا بها عن الأعمال الشريرة التي ارتكبها الأتراك في مناطق أخرى ضد الأرمن. كنا نشك في البداية إلى حد بعيد بالروايات التي أخبرنا بها، لكن إجماع الشهود جميعهم، واللهفة الجلية التي تحدثوا بها عن الأعمال الشريرة التي ارتكبت بحقهم، وكراهيتهم الواضحة للأرمن، والأقوى من ذلك كله الأدلة المادية على الأرض نفسها، جعلنا نقتنع بصحة الحقائق على نحو عام، أولاً إن الأرمن قتلوا مسلمين على نطاق واسع وبتفنن كثير في أسلوب الوحشية، وثانياً إن الأرمن مسؤولون عن أكثر التدمير للمدن والقرى. احتل الروس والأرمن البلاد فترة طويلة في عام 1915م وعام 1916م ويبدو أنه خلال تلك الفترة كانت الفوضى محدودة، مع أن الروس من غير ريب تسببوا بأضرار. في عام 1917م انحل الجيش الروسي تاركاً السلطة في أيدي الأرمن وحدهم. في تلك الفترة طافت على البلاد عصابات من الجيش الأرمني فنهبت وقتلت السكان المدنيين المسلمين. حين زحف الجيش التركي إلى أرزجان وأرضروم ووان، تفكك الجيش الأرمني وارتكب جميع الجنود النظاميين وغير النظاميين على تدمير ممتلكات المسلمين وارتكاب الأعمال الوحشية ضد السكان المسلمين. كانت النتيجة بلداً مدمراً كاملاً يحتوي على ربع عدد سكانه السابقين وثُمن مبانيه السابقة، وكراهية مريرة إلى حد بعيد من المسلمين للأرمن، ما يجعل عيش هذين العنصرين معاً مستحيلاً في الوقت الحاضر. أعلن المسلمون أنهم إذا أجبروا على العيش في ظل حكومة أرمينية فإنهم سيقاتلون، ويبدو لنا أنهم ربما ينفذون هذا التهديد. يشاركنا في هذا الرأي الضباط الأتراك والبريطانيون والأمريكيون الذين قابلناهم" أهـ (مكارثي: ص253، ص254).
هذه مجرد شهادة عن المجازر التي ارتكبها الأرمن ضد المسلمين خلال الحرب العالمية الأولى من 1914م إلى 1918م في إقليمي (وان) و(بتليس) شرق الأناضول فما بالنا لو تكلمنا عن نقصان عدد السكان المسلمين في الأقاليم العثمانية الشرقية مجتمعة مثل أرضروم وبتليس وديار بكر ومعمورة العزيز وسيواس وحلب وأطنة طرابزون من عام 1912م إلى عام 1922م سنجد أن أكثر 62% من مسلمي إقليم (وان) قد فقدوا! وفقد 42% من مسلمي بتليس، وفقد 31% من مسلمي أرضروم!! وأكثر من 60% قد فقدوا من مسلمي القفقاس!! أما في أقاليم غربي الأناضول مثل آيدين، وخداوندكار، وبيغا، وإذميد.. حيث قام الحلفاء بطرد اللاجئين الأتراك من البلقان التي كانوا يقيمون فيها وأعطوا ممتلكاتهم إلى اليونانيين! وتركوهم من دون مأوى! في أكبر سرقة جماعية علانية في التاريخ!! لقد كانت جريمة قتل عمد جماعي مع سبق الإصرار والترصد ضد المسلمين في القفقاس والأناضول والبلقان بمباركة قوى الاستكبار العالمي في تلك الحقبة الكئيبة والنهاية المأساوية للخلافة العثمانية التي ظلت شمسها تشرق في سماء العالم على مدار ستة قرون!!
خامساً: صفوت القول
هكذا استبان لنا بجلاء هشاشة هذه الفرية (إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين)! التي يرددها الأرمن ومن يؤيدهم ويحرضهم !! لقد قتل ملايين المسلمين على أيدي الأرمن والروس واليونان والبلغار والصرب وغيرهم من القوى المعادية للدولة العثمانية المسلمة التي عاش في كنفها مختلف الطوائف في أمن وأمان!! ولم يطالب أحد بمعاقبة الجناة المجرمين الذين ارتكبوا هذه المجازر الجماعية! المسلمون الذين كانوا ولا يزالون ضحايا هذه المجازر البشرية البشعة يقدمون على أنهم جناة متوحشون!
المشكلة الحقيقة في هذه الأنظمة المنتسبة إلى العالم الإسلامي في عدم مطالبتها ولو على استحياء بمعاقبة مرتكبي الجرائم المتكررة في حق المسلمين في القفقاس والشيشان التي انقرض سكانها! والشعوب التي أبيدت في البلقان والمقابر الجماعية في البوسنة والهرسك! وأكثر من ملوني مسلم في العراق لوحدها! واختفاء قرى ومدائن كاملة في أفغانستان خلال العدوان البربري من البريطانيين والروس والأمريكان والحبل على الجرار! هذه الأنظمة الجاثمة على أنفاس أمتنا لم تتخذ قراراً صائباً في حياتها لإنصاف شعوبها والمطالبة الجدية من الفرنسيس والإنجليز والأسبان والطليان والهولنديين والروس والأمريكان بتعويض ملايين الضحايا في الجزائر والمغرب وليبيا وتونس ومصر وإندونيسيا وماليزيا وكشمير وتايلاند والصومال والسودان!!
لقد نكأ الأرمن جراحاً لم تلتئم بعد! وجددوا أحزاناً لم تهدأ بعد! وأثاروا شجوناً لن تهدأ حتى تُعوض أجنة المسلمين في رحم المستقبل! إن العالم الغربي مدين بالاعتذار الصريح للمسلمين والتعويض اللائق جراء الجرائم التي ارتكبها في الحروب الصليبية قديماً وحديثاً ! نعم مطالب بالاعتذار والتعويض عن الإبادات الجماعية للمسلمين خلال عدة قرون!
أما أن نستجديهم ونسترحمهم في كل قضية ملفقة يثيرونها ونظل هكذا ندافع ونقدم قرابين الذل والهوان على عتبات مجلس الأمن والاتحاد الأوربي.. فهذا الهلاك بعينه! وخير لهذه الأمة أن تبتلعها الأرض من أن تعيش في ذل وانكسار!!
العيب في فينا كأمة رضيت بالدنية فصفقت لجلاديها ولم تطالب بمعاقبة قاتليها!