26 أبريل 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: بلطاي - مرسي!

للدم الملكيُّ في قصة العالم مساحات رحبة ليس من الصعب أن نلمس هيمنة الطابع الأسطوري علي فصولها، من السهل أيضًا أن نراقب من مكان قريب ذلك الإتفاق المريب علي أنه دمٌ مقدس وهو يتحرك عبر الزمن من أقصي بقعة في العالم القديم إلي أقصي بقعة في الجانب الآخر من العالم القديم، هذا كان سببًا لائقًا لأن يصل إلي الحكم عددٌ لا يحصي من النبلاء المزدحمين بالأمراض تعقيبًا علي زواج الأقارب!
بمرور الوقت، عندما أدركوا أن الشك صِحّيٌّ تجرأ العوام علي التجديف في ملوكهم حتي الخوض في أعراضهم، واكتظت حناجرهم علنًا بالظنون حول ما كان يدور خلف أسوار القصور الملكية المغلقة علي المؤامرات والدسائس والفضائح الأخلاقية، كما تبدد إيمانهم تدريجيًا بقداسة دمائهم أو تميزها؛ آنذاك، صار الدم الملكيُّ رَحِمًا ملائمًا لتربية الأساطير، أسطورة الكأس المقدسة هي الأهم علي الإطلاق! 
لقد عششت في عقول العوام إلي حد أنفق عنده الكثيرون منهم في البحث عن الكأس الضائعة أعمارهم، وإلي حد لا يوجد عنده أوروبي واحد أو أوروبي الجذور واحد لا يعرف أسطورة الكأس التي يقولون أن قطراتٍ من دم المسيح وضعت فيها!
ما من شك في أن الكنيسة لعبت دورًا كبيرًا في حراسة الأسطورة حية في عقول خراف البابا، بل، لسخافة بنائها وعدم احترامها للمنطق أغلب الظن أن الكنيسة هي المصدر الجذريَّ لاختلاقها، فمن يبني كل معرفته علي كتاب واحد ليس من المستبعد أبدًا أن يوكل إلي الكأس مهامًا مثل خدمة الملوك وإعداد الطعام لهم وقتال أعدائهم! 
كل هذه المهام المرهقة وما زلت أتكلم عن كأس يا سادة، ولست أدري ما الذي حال بين هؤلاء السطحيين وبين أن يضيفوا إلي كل هذه المهام مهامًا يحتاجها الملوك أيضًا، كتربية الأطفال وغسل الأسنان عند الاستيقاظ من النوم وإرضاء الملوك في الفراش!
لحسن الحظ، لم يدر آنذاك ببال الكهنة أن طفلاً سيولد في "إنجلترا" ليتخذ من الأسطورة حجرًا يبني عليه روايته الجلل "شيفرة دافنشي" فيطعن بها الظاهرة البابوية في الصميم، "دان براون" طبعًا!
لقد ألحق "براون" بعقول قرائه ظنونًا مستديرة بأن "مريم المجدلية" هي الكأس المقدسة، وبأنها كانت زوجة لـ "يسوع" ووعاءًا لذريته، كما كانت يهودية يجري في أوردتها دمٌ ملكيٌّ احتاجه المسيح ليكون ملكًا شرعيًا لليهود، وسوف لا أستسلم لحذر الحكاية وأؤكد أن في الأناجيل التي اعتمدتها الكنيسة، وبشكل أكثر عمقًا في الأناجيل التي تصنفها كأناجيل منحولة، ما يجعل كل ما ذهب إليه الرجل جديرًا بالاحترام!
لا أعرف حتي الآن شيئًا عن ملابسات استقدامهما للقيام بالمهمة، لقد تجاوز الرجلان رواية "علي أحمد باكثير" بكثير، فما لم يعرف أن مخرج الفيلم "أندرو مارتون" أمريكي ولد في "المجر" وأن سيناريو الفيلم للأوروبي "روبرت أندروز" سوف لا يعرف كل من شاهد أو سوف يشاهد فيلم "وا إسلاماه" من أين يهبُّ ذلك الحضور الذي يتركه تحديدًا في الذاكرة "بلطاي"، أو، "فريد شوقي"، كما "جهاد"، أو، "لبني عبد العزيز"! 
فالفيلم ليس إلا قصة أخري من قصص الدم الملكي والبحث عن الكأس المقدسة، لو لم يكن الأمر هكذا، فمتي كان المغول علي وجه الخصوص، أشرس حضارة عرفتها الإنسانية، يحترمون شرعية غير شرعية المعركة لكي ينسق "بلطاي" كل تلك المكائد ويبذِّر كل ذاك الجهد والسنوات للبحث عن "جهاد"؟
قصة الفيلم مشهورة..
"سلامة" يفر من "خوارزم" بالأميرة "جهاد" وريثة العرش و "محمود" بعد مقتل السلطان، وهو، عندما يتوقع وصول المغول إلي "جهاد" وابن عمها يبيعهما كالرقيق بعد أن ينقش خاتم المُلك علي ذراعيهما! 
وترسلهما الصدفة إلي مصر، فتصير "جهاد" جارية في قصر "شجر الدر" و "محمود" قائدًا لمماليك "عز الدين أيبك"، مع ذلك، يعثر "سلامة" علي "جهاد" قبل "بلطاي" الذي كان يحاول العثور عليها أيضًا! 
يرتبك الأفق المملوكيُّ فجأة، حزمة من الاغتيالات والخيانات والدسائس يصبح بعدها "محمود" سلطانًا ينتصر في النهاية علي المغول في "عين جالوت" ويثأر لعائلته، لم يقل الفيلم بالطبع أن صديقه "بيبرس" قد اغتاله عما قليل من نهاية المعركة!
لم أشاهد "وا إسلاماه" منذ سنين، مع ذلك، طرأ "بلطاي" علي ذاكرتي من كل جانب عند حادثتين كلتاهما تتعلق بـ "د.مرسي":
الأولي، عندما انتشر أيام "د.مرسي" خبر العثور علي حمامة تحمل في رجلها رسالة، تصورت، للحظة، تحت ضغط الخبر، كعادة الأخبار الغريبة المباغتة، أنها الحمامة التي أرسلها "بلطاي" بخبر موت "شجر الدر" ولم تصل!
أمس كانت الثانية.. 
عقب صدور الحكم علي "د.مرسي" ضحكت، ليس فقط لأن الحكم غريبٌ، إنما لأنني كنت أتوقع حكمًا بالإعدام، ولأنني، تذكرت تغريدة ترددت كثيرًا علي تويتر (ليلة الإتحادية) تصلح وحدها دليلاً علي هزلية المحاكمة من الجذور، هذه هي:
(بيان من مدينة الحرفيين : تم رد رفرف سيارة السيد الرئيس ع البارد وجاري شراء زجاج استيراد عشان التوكيل غالي)
أين هو استعرض القوة إذاً؟
تذكرت أيضًا "بلطاي"، صرتُ أتفهم دوافعه للبحث عن الدم الملكي أكثر من أي وقت مضي، تفهمت أيضًا تمسك الإخوان المسلمين بعودة "د.مرسي" إلي هذا الحد، إنه الدم الملكي الذي اكتسب من الشعب المصري قداسته وهو في حوزتهم فعلاً، وهو مصدر قوتهم، كأسهم المقدسة، بل الكأس المقدسة لثورة 25 يناير، علي الآخرين أن يستوعبوا هذه البديهية ونقاط الالتقاء بعد ذلك كثيرة، أو، عليهم أن يشاهدوا فيلم "يا نحب يا نقب" السخيف، وأن يتوقفوا طويلاً عند مقولة "د.عبادة"، أو، الفنان "محمد متولي"، وهو يبرر إكراه رفقاء المدرج الذين ما زالوا طلابًا علي النجاح:
- عاوز أحس إني بقيت دكتور!
لذلك كنت أتوقع حكمًا بإعدام "د.مرسي"، فوجوده علي قيد الحياة يكفي بالقدر الذي يبقي علي ذاكرة الثورة مشتعلة ويضع اللص وجهًا لوجه أمام اللقب الذي ينبغي له!

د. هاني السباعي يكتب: إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين .. الأكذوبة الكبرى.

*مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.
هذا مقال للرد على زعم إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين على النحو التالي:
أولاً: تقدمة.
ثانياً: محاور أساسية لفهم الصراع.
ثالثا: ولاء الأرمن للروس وتمردهم على العثمانيين أمثلة ونماذج.
رابعاً: شهادة مدفونة في أضابير قسم الوثائق الأمريكية.
خامساً:صفوة القول.
أولاً: تقدمة:
لقد تبنى هذه الأكذوبة (إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين) من استخدم الأرمن في تحقيق مطامعه السياسية فهم أنفسهم أعني روسيا القيصرية هي التي صنعت الأرمن ومنحتهم بغير حق معظم الأراضي التي طردت المسلمين منها في خلال حروبها المستمرة لعدة قرون مع الدولة العثمانية! فقد كانت روسيا القيصرية تمارس إرهاباً منظماً ضد رعايا الدولة العثمانية حيث كانت تبيد مدائن وقرى كاملة كانت عامرة بالمسلمين، ومن تبقى على قيد الحياة منهم كانت تجبره على النزوح القسري مستولين على كل ممتلكات هؤلاء المسلمين المظلومين الذين تعرضوا لأبشع عملية استئصال جماعي في تاريخ البشر! وفي نفس الوقت كانت القوات الروسية بزعم الدفاع عن المسيحية! تقوم بعملية إحلال وتجديد من خلال توطين الأرمن الموالين لها في حروبها مع الدولة العثمانية أراضي المسلمين الذي هجروها قسراً أو قتلوا إبادة! وقد كانت روسيا القيصرية تمد المتمردين الأرمن بالمال والسلاح والعتاد بمجرد حدوث أدنى نزاع بين مسلم من رعايا الدولة العثمانية وأرمني موال لروسيا القيصرية فلم يكن مسموحاً للمسلم أن يرد عدوان عصابات الأرمن التي تغير على القرى وتنتهك الأعراض فإذا حاول المسلم أن يدافع عن عرضه وأرضه تقوم هذه العصابات المدعومة روسيا بإبادة القرية وحرق من فيها!
لقد استخدمت روسيا المتمردين الأرمن لتوسيع مناطق نفوذها واحتلال البلاد الخاضعة للدولة العثمانية وهذا ما ساعد فيما بعد على تكوين الاتحاد السوفيتي منذ الثورة البلشفية عام 1917م!
وأكد على ذلك لورانت شابري وآني شابري في كتابهما (سياسة وأقليات في الشرق الأدنى ترجمة د.ذوقان قرقوط ص311) رغم أنهما لم يكونا محايدين على الإطلاق في كتابهما المذكور! لكن على أية حال فقد ذكرا رغم تعصبهما للأرمن: "وقد أبصر الأرمن الباقون في أرمينيا، الخاضعون من جهة للأتراك ومن الجهة الأخرى للفرس، أملاً كبيراً في نهاية القرن الثامن عشر وهم يرون إلى القوة الروسية، القوة المسيحية تظهر على مسرح الشرق الأدنى. وتظهر الرغبة في الامتداد إلى ما وراء القوقاز، نحو الجنوب والجنوب الشرقي. قبل ذلك في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حاولا الأرمن -عبثاً بلا جدوى-العثور على عون في الغرب المسيحي، متوقعين تدخلاً عسكرياً من الدول الغربية ينقذهم من النير التركي. ولم تثبط روسيا هذه الآمال الجديدة، واجدة في جيوش المتطوعين الأرمن التي شنت على الفرس، احتلال الأراضي التي تشكل اليوم صورة تقريبية أرمينيا السوفيتية" أهـ.
لعل متسائلاً يقول متى ظهرت المسألة الأرمنية دولياً؟ ولماذا يصر الأرمن على أنهم قد تعرضوا للإبادة على أيدي العثمانيين؟
للإجابة على هذا نحاول أن نسلط الضوء على المحاور التالية:
ثانياً: محاور أساسية لفهم الصراع:
المحور الأول:
لقد تم تدويل المسألة الأرمينية لأول مرة بموجب معاهدة (سان ستيفانو):فعقب انتهاء الحرب الروسية التركية لعام 1877م – 1878م عقد الطرفان معاهدة سان ستيفانو وبرلين عام 1878م حيث مهد البند رقم 16 والبند رقم 61 بتدويل المسألة الأرمنية التي لا تزال تستخدم فزاعة لابتزاز الأتراك حتى وقتنا الحاضر.
المحور الثاني:
لا بد من دراسة الحقبة التاريخية التي يزعم الأرمن أنهم قد تعرضوا فيها للإبادة وهي تقريباً الفترة من (1821م إلى 1922م).. مع دراسة منطقة جغرافية كبرى كانت خاضعة للدولة العثمانية من قفقاسيا إلى الأناضول والبلقان بما في ذلك بلغاريا واليونان حيث كان معظم سكان هذه الأراضي الشاسعة يدينون بالإسلام!
وهناك بالفعل دراسات جادة حول هذا الموضوع رغم ندرتها مثل الدراسة التي أعدها جستن مكارثي في كتابه (نفي وموت) حيث قامت بدعمه وتمويله (هيئة وقف الولايات المتحدة الأمريكية القومي للدراسات الثقافية للبحث في الحرب العالمية الأولى وآثارها، ومؤسسة الدراسات التركية للبحث في وفيات وهجرات الأتراك بالاشتراك مع بعض الجامعات الأمريكية والبريطانية.. ويعتبر هذا البحث من أفضل ما كتب في هذا الشأن رغم تحفظنا على بعض الملاحظات التي لا تقلل من قيمة البحث وجديته والجهد المبذول فيه وقد ترجم إلى اللغة العربية في الكتاب الموسوم (الطرد والإبادة) نشرته قدمس للنشر والتوزيع بدمشق وهو كتاب جيد في مجاله. وبالطبع فإن دراسة هذه المنقطة جغرافيا وتاريخيا وطبيعة الصراع القائم في تلكم الحقبة يحتاج إلى العديد من الأبحاث والدراسات الوثائقية ليستبين للمنصفين من ذوي العقول عظم الفرية التي يرددها الغرب حول ما يسمى (بإبادة الأرمن)! في الوقت الذي يتجاهل فيه الكتاب الغربيون مصير ملايين المسلمين الذي شردوا من أوطانهم وقتلوا على أيدي الروس والأرمن والبلغار واليونان والصرب في نفس الحقبة المذكورة حتى عام 1922م !
وعلى حد تعبير مكارثي: "كانت هناك مجتمعات مسلمة في منطقة بحجم أوربا الغربية كاملة قُلصت أو أبيدت. تقلصت مجتمعات البلقان التركية العظيمة إلى جزء من أعدادها السابقة. في القفقاس طرد الجركس واللاز والأبخاز والأتراك وآخرون من جماعات مسلمة صغيرة. تغيرت الأناضول، وغربي الأناضول وشرقيها أقرب إلى الخرائب. أنجزت إحدى أكبر مآسي التاريخ" أهـ (مكارثي: ص327 بتصرف).
المحور الثالث:
دور جماعة الاتحاد والترقي في إسقاط الخلافة العثمانية وذلك عام 1908م وإجبار السلطان عبد الحميد الثاني على الاعتزال! وإدخال فقرة في الدستور الجديد تسمح لكل المواطنين العثمانيين بالتسلح مما وفر غطاءً قانونياً للأقليات بالتسلح! واستغل الأرمن هذا التشريع الجديد بجمع وتخزين الأسلحة التي حابوا بها المسلمين وقتلوهم! حيث بدأ العدوان الأرمني على المسلمين في مدينة أطنة Adana قبل منتصف عام 1909م بقيادة أسقف مدينة (أسفين) المدعو موستش!
المحور الرابع:
دور السفراء والقناصل الغربيين والمبشرين البروتستانت الأمريكيين في تضليل الرأي العام ونشر تقارير مبالغ فيها عن قتلى الأرمن وغض الطرف عن قتلى المسلمين بل وتعمد الكذب في أحايين كثيرة وقد كان للقنصل الأمريكي المتهم بالتعصب للأرمن دور في نشر هذه الأضاليل! ولم يكن القنصل الفرنسي أقل افتراءً من القنصل الأمريكي والروسي وغيرهم!
وللأسف الشديد فإن السلطان عبد الحميد كان يثق في أن الحكومة البريطانية تريد الحفاظ على وحدة الممالك العثمانية! لكنه كان قد استفاق بعد فوات الأوان! يقول روبير مانتران في كتابه تاريخ الدولة العثمانية وهو كتاب فيه كثير من الآراء غير السديدة! يقول في الجزء الثاني من الكتاب المذكور: "ومنذ 1878 إلى 1879م يبدأ عبد الحميد في الاشتباه في أن إنجلترا تريد التخلي عن سياستها التقليدية الخاصة بالحفاظ على وحدة الأراضي العثمانية. وهذه الشكوك تغذيها الضغوط التي تمارسها الحكومة البريطانية على السلطان عبد الحميد حتى يضطلع بالإصلاحات الموعودة في الولايات الأرمنية؛ ويزيد من احتدادها تولي(جلادستون) زعيم حزب الأحرار لرئاسة الحكومة البريطانية في مايو عام 1880م، وهو عدو سافر للأتراك منذ مذابح بلغاريا. وتؤكدها بشكل ما هيمنة لندن على مصر عام 1882م. فمنذ ذلك الحين شهدت الديبلوماسية الإنجليزية، على نحو ما ينظر إليها في استنبول، انقلاباً كاملاً"أهـ (روبير مانتران: تاريخ الدولة العثمانية/ترجمة بشير السباعي/دار الفكر للدراسات والتوزيع/القاهرة/ج2 ص165).
المحور الخامس:
الدعاية الغربية المضللة التي كانت تنشرها وسائل الإعلام من قلب للحقائق وتصوير المسلمين على أنهم همج وبرابرة متوحشون! وفي المقابل تصوير الأرمن على أنهم أتقياء بررة وعباقرة أذكياء متسامحون!
المحور السادس:
لقد ظهرت هذه المشاكل والقلاقل التي أثارتها القوى المعادية للدولة العثمانية في مناطق نفوذها في القفقاس والقرم والبلقان والأناضول وأثرت على مصير المسلمين في هذه المساحات الشاسعة بسبب عدة عوامل أساسية:
(أ) ضعف الدولة العثمانية وشيخوختها حتى وصفت بعد ذلك بالرجل المريض.
(ب) التحريض على الوعي القومي المسيحي بين الطوائف التي تعيش في كنف الدولة العثمانية فقد حرصت الدول الكبرى الطامعة في تقسيم أملاك الدولة العثمانية على تحريض الطوائف غير المسلمة على التمرد وإحياء النعرات القومية كما حدث مع الأرمن والبلغار واليونان والصرب!. وهذا ما أشار إليه روبير ما نتران:"والواقع أن الحركة القومية الأرمنية بعد عام 1878 يرتبط إلى حد بعيد بالتحليل الذي أجره المثقفون الأرمن للاستقلال البلغاري: فقد تم الحصول على هذا الاستقلال بفضل أوروبا، فعلاً، لكنه تم أساساً بفضل الأساليب العنيفة التي لجأت إليها (اللجان الثورية البلغارية). وهكذا فإن النموذج البلغاري يهيمن على تفكير المناضلين الأرمن، خاصة أولئك الذين سوف يتجهون إلى إنشاء المنظمات الأولى. والواقع أن الأحزاب الثورية الأولى تبدأ في الظهور في أواسط ثمانينيات القرن التاسع عشر: حزب (أرمينكان) الذي تأسس في (فان) عام 1885م على أيدي عدد من المربين، ثم الحزبان الكبيران اللذان، خلافاً للحزب الأول، سوف يجري تأسيسهما على أيدي أرمن من القوقاز ليس لهم مع أرمينيا التركية غير القليل من الروابط: الهينتشاق(الجرس) الذي تأسس في جنيف عام 1887م، والداشناق (الاتحاد الثوري الأرمني) الذي تأسس في عام 1890م في تفليس" أهـ (روبير مانتران: ج2 ص217).
(ج) التوسع الاستعماري الروسي الذي ظل يبتلع أملاك الدولة العثمانية قطعة قطعة.
هكذا نستطيع من خلال هذه المحاور فهم الملف الأرمني الذي يستخدمه الغرب ضد الدولة التركية الحديثة رغم ابتعادها عن الإسلام ومحاربتها له عن طريق علمنة كافة المناحي الحياتية في تركيا بغية إرضاء الغرب والدخول في جنة الاتحاد الأوروبي الموعودة! ذلك الاتحاد الذي لا ولن يرضي عن دخول تركيا حتى تلج تركيا (سم الخياط)! فقادة الغرب يعلمون جيداً أن كمال أتاتورك قد فعل ما لم يكن الأوروبيون أنفسهم يحلمون به! وفي نفس الوقت يعلمون أن الشعب التركي رغم ابتعاده كثيراً عن الإسلام الحقيقي غير أن روح الإسلام لا تزال تسري في جسده وأن هناك حنيناً لعودة عظمة الإسلام التليد أضحت تنتشر في الآونة الأخيرة رغم محاولات العسكر حصار هذه الروح وخنقها في مهدها! لذلك يتخوف القادة الأوروبيون بدخول تركيا الاتحاد الأوربي لأنهم يعتقدون أن هذا الاتحاد الأوروبي ناد مسيحي! لا يسمح للمسلمين بعضويته!
ورغم تحالف تركيا مع أميركا إلا أن قادة الولايات المتحدة غير مطمئنين على مصالح بلادهم في المستقبل البعيد لذلك فإنهم سيتبنون في نهاية المطاف قراراً بإدانة تركيا في إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين! بغية ابتزاز تركيا واتخاذ هذا القرار تكأة لحصار تركيا اقتصادياً والتدخل عسكرياً إن خرجت تركيا عن علمنتها المتطرفة وغيرت بوصلتها إلى الحكم بالإسلام في المستقبل القريب أو البعيد! لأنه في هذه الحالة ستتحالف أوروبا وأمريكا في حرب ضروس أشبه بحرب عالمية ثالثة أو رابعة أو خامسة ضد تركيا لاستعادة القسطنطينية وضمها إلى الغرب!
ثالثا: ولاء الأرمن للروس وتمردهم على العثمانيين:
لقد كان للولاء الديني الدور الأبرز في الصراع بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية حيث لم يكن مفهوم الجنسية قد ظهر في تلك الحقبة وقد أكد على هذا مبدأ الولاء الديني مكارثي في كتابه المذكور آنفاً: "من الواضح أن الأرمن في ظل الحكم الروسي والعثماني كانوا يرون بعضهم إخوة، مهما كانت جنسياتهم والأمر نفسه صحيح عند المسلمين. من غير المؤكد إذا كان مفهوم الجنسية، بالمقارنة بالانتماء الديني، توطد على نحو كبير في أي من القفقاس أو شرقي الأناضول قبل عشرينيات القرن العشرين. في الشرق شعر المسلم القفقاسي بأنه أقرب إلى مسلم أناضولي منه إلى أرمني قفقاسي تماماً كما نسب الأرمني الأناضولي الشرقي نفسه إلى أرمن القفقاس، وليس إلى المسلمين الأناضوليين. إن انتماءهم الرئيس لجماعاتهم الدينية برهنت عليه حروب القفقاس وشرقي الأناضول المرة تلو الأخرى" (جستن مكارثي: الطرد والإبادة ص49 بتصرف).
أقول إن مبدأ الولاء الديني ليس مستغرباً في تاريخ الأمم، لكن المستغرب أن يتم إقصاء هذا المبدأ في تقويم طبيعة الصراع عبر التاريخ. وللتدليل على أهمية الولاء الديني أن روسيا القيصرية كانت تضطهد الكنيسة الأرمينية ثم غيرت معاملتها لهم في عهد بطرس الأكبر! للاستعانة بهم في حروبهم التوسعية ضد الدولة العثمانية وقد تفهم ذلك الأرمن على أساس أنهم والروس ينتمون في النهاية إلى الديانة النصرانية وأن عدوهم واحد (الدولة الإسلامية العثمانية)! والحقيقة أن الأرمن تعاملوا بنفس المنطق مع الفرنسيين وشكلوا فيلقاً يتبع الجيش الفرنسي في قليقلية عاث في الأرض فساداً على أساس أن الفرنسيين أيضاً إخوانهم في العقيدة وعدوهم مشترك! وكان للمبشرين البروتستانت الأمريكان دور بارز في تأجيج الصراع وكانت الأخوة الدينية هي التي تربطهم مع الأرمن بل وتحجب حقيقة المجازر التي كانت يرتكبها الأرمن في حق المسلمين! وليس هذا تعصباً مني ومغالاة في فهم طبيعة الصراع فجميع الشواهد التاريخية تؤيد ذلك والواقع المعاصر يعضد هذا الرأي! راجع مناطق الصراع في العالم: فلسطين/العراق/ كشمير/أفغانستان/بورما/تايلاند/البوسنة والهرسك/الجبل الأسود/الصومال/دار فور/التضييق على المسلمين في الغرب)!! هل كل ذلك مصادفة وبدون قصد ولا دخل للولاء الديني في هذا الصراع وشن هذه الحروب الظالمة؟!
أمثلة على ولاء الأرمن للروس وتمردهم على الدولة العثمانية:
لقد ذكر مكارثي في دراسته العديد من الشواهد التاريخية على ولاء الأرمن لروسيا ونحن بدورنا نلخص أهم هذه الشواهد عبر النقاط التالية:
الأول: في عهد القيصر بطرس الأكبر بدأ يقوى اتكال الأرمن على روسيا وأملهم في مساعدات من هذا الجانب منذ غارات الروس الأولى على القفقاس منذ حكم بطرس المذكور حين أسسوا قوة عسكرية ليساعدوا غزو القياصرة المنطقة، تعهد الأرمن القفقاس بالولاء والدعم للقياصرة الروس.
الثاني: في خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر دعم الأرمن (رؤساء كنائس/علمانيون/وبقية طوائف الشعب) الغزو الروسي لولايات المسلمين في القفقاس والإطاحة بحكامها المسلمين.
الثالث: علم الأرمن جواسيس للروس ضد حكامهم المسلمين سواء العثمانيين أو الأرمن الذين كانوا رعايا الدولة الفارسية.
الرابع: حين كانت مدينة دربند Derbendتحت الحصار الروسي عام 1796م أرسل سكانها الأرمن إلى الغزاة معلومات عن مصادر الإمداد المائي للمدينة، ما أتاح للروس أن يهزموا أهل (خان دربند).
الخامس: صرح رئيس أساقفة أرمني (أرغوتنسكي - دولغوروكوف) علانية في تسعينات القرن الثامن عشر، بأمله وإيمانه أن الروس سيحررون الأرمن من حكم المسلمين.
السادس: الرعايا الأرمن للإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية، وكذلك الأرمن الذين يعيشون في الإمبراطورية الروسية قاتلوا إلى جانب الروس ضد بلاد فارس والإمبراطورية العثمانية في حروب أعوام (1827م إلى 1829م) وحرب القرم.
السابع: أبدى الأرمن في الأناضول العثمانية ولاءهم للقضية الروسية بعملهم جواسيس بعملهم للروس.
الثامن: كان الأرمن يعبرون من الأناضول الحدود ويقدمون تقارير عن تحركات القوات العثمانية في جميع حروب شرق الأناضول.
التاسع: لقد ساعد الأرمن الأناضوليون الجيوش الروسية الغازية في عام 1827م وعندما غادر الجيش الروسي اتبع آلاف الأرمن هذا الجيش خارج الأناضول.
العاشر: خلال حرب القرم، قدم الأرمن معلومات استخباراتية من مدينة قارص Kars المحاصرة للروس.
الحادي عشر: مهد المرشدون الأرمن من الأناضول العثمانية الطريق للغزاة الروس في عام 1877م.
الثاني عشر: رحب أرمن وادي الشكرد Elsekirt بالجيوش الروسية الغازية في عام 1877م، وعندما انسحب الروس غادر الجميع معهم.
الثالث عشر: كان الأرمن في الأناضول والقفقاس حلفاء للروس في الحرب العالمية الأولى. لقد بدأ اتكال المتمردين الأرمن في الأناضول على الروس واضحاً بحلول منتصف القرن بالثورة في زيتون Zeyton عندما كانت هناك حاجة إلى موارد مالية لتقوية دفاعات زيتون ضد العثمانيين في عام 1854م بينما كان العثمانيون يقاتلون الروس في حرب القرم، حاول الثوار الأرمن الحصول على مساعدات مالية من الروس.
الرابع عشر: في عام 1872م كتب سكان أرمن وان Van كونهم جالية إلى نائب الإمبراطور الروسي للقفقاس يطلبون المساعدة ضد حكومتهم؛ فقد طالبوا أن يصبحوا من الرعايا الروس وعلى نحو محدد بدأوا يجمعون أسلحة!.
الخامس عشر: توالت الاتصالات بين الأرمن العثمانيين والإمبراطورية الروسية ضمن نشاطات الجماعات الثورية الأرمنية الرئيس، خصوصاً الطاشناق. وكانت أرمينية الروسية مركزاً لتجميع الأسلحة والتنظيم الثوري الموجهين ضد العثمانيين.
السادس عشر:حول رئيس دير للراهبات (باغرات فاردابيت تافاكليان أو آكي) دير ديرك Derik على الجانب الفارسي للحدود العثمانية الفارسية، إلى مستودع أسلحة ونقطة تسلل المتمردين الأرمن في الإمبراطورية العثمانية.
السابع عشر: استمر أرمن وجورجيون خصوصاً أولئك الذين كان لهم أقارب في إيران أو كانوا متورطين في أعمال هناك، في أن يكونوا مصادر مهمة للمعلومات عند المسؤولين الروس لذلك، كان لهم تأثير في القرارات السياسية والتكتيكية الروسية. أمر القيصر ألكسندر تسيتسيانوف أن يقصد البطريك دانييال وأتباعه
الثامن عشر: قدم دانييال Daniel المرشح المدعوم من الروس لمنصب بطريرك الكنيسة الأرمنية (بعد وفاة أرغوتنسكي-دولغوروكوف) المعلومات للروس.
التاسع عشر:في عام 1808م كافأ ألكسندر دانييل برهبنة (سان آن) من الدرجة الأولى، لخدماته في تقديم معلومات للروس. على مدى السنوات التالية، بينما كان الروس يقاتلون لتوسيع جبهتهم إلى الكور Kur والآراس Aras استمر الأرمن في إرسال رسائل إلى المسؤولين الروس يشجعونهم فيها على الاستيلاء على المناطق التي يحكمها المسلمون وإنقاذ الأرمن من اضطهاد المسلمين.
العشرون:لقد سهلت علاقة المتمردين بالكنيسة الأرمينية نشاطاتهم إلى حد بعيد، كونها هيئة استطاعت أن تجتاز الحدود بسهولة وفي استنبول نفسها كان لرجال الكنيسة من أساقفة وكهنة حرية التنقل ولم يكن يتعرض لهم الأرمن العثماني رغم أنه قد ثبت أن هؤلاء الأساقفة والكهنة كان يتنقلون الرسائل والتقارير والأموال إلى المتمردين وكانت بعض الأديرة والكنائس مستودعاً للأسلحة التي تسرب وتهرب إلى المتمردين الأرمن نظراً لعدم خضوع هذه الكنائس والأديرة للتفتيش الأمني!!
هكذا قد استعرضنا نماذج وأمثلة لولاء الأرمن للروس في زمن الحرب والسلم مما ينسف مرثيتهم الملفقة (إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين)! ولمزيد من التأكيد على صحة ما ذكرناه نورد هذه الشهادة.
رابعاً: شهادة مدفونة في أضابير قسم الوثائق الأمريكية:
هذه الشهادة عبارة عن تقرير لرجلين لم يكونا متعاطفين مع العثمانيين المسلمين بل كانا متعصبين للأرمن وجاءا إلى المنطقة على خلفية جاهزة سلفاً أن الأرمن شعب مستضعف ارتكب المسلمون مجازر جماعية بحقه حسب المعلومات المستقاة من وسائل الإعلام الغربية المضللة!، ومن المبشرين البروتستانت الأمريكيين الذين لم يكونوا جديرين بالثقة كلياً كشهود على معاناة المسلمين حيث كانوا بارعين في تدوين أعمال ضد الأرمن بتفصيل كبير، ولم يكونوا كذلك في تدوين أعمال عنف ضد المسلمين كما ذكر ذلك بعض المؤرخين! فمن هما هذان الشاهدان اللذان رجع إلى أميركا بغير الوجه الذي ذهبا به إلى شرقي الأناضول؟
إنهما النقيب إموري نيلز Emory Noles، وآرثر سذرلاند Arthur Sutherland حيث أمرتهما حكومة الولايات المتحدة الأمريكية باستقصاء الوضع في شرقي الأناضول. ونزل منطقة الأناضول وتجولا في جميع أنحاء المنطقة وسمعا شهادة الطرفين وفوجئا بحجم التزوير والتلفيق الذي اقترفه الأرمن وصعقا من هول معاناة المسلمين ومن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الأرمن بحق المسلمين! ولما لم يرق التقرير الحكومة الأمريكية تم استبعاده، ولهذا السبب لم يضمن تقريرهما وثائق لجنة التحقيق الأمريكية ومن فضل الله تعالى أنها لم تتلف بل كانت مخبأة ومدفونة في مواضيع لها صلة بملف الحرب العالمية الأولى في شرقي الأناضول! وقد قام كارثي بنشر هذا التقرير عام 1994م ثم نشره في كتابه (المسلمون والأقليات)! وأعاد نشره في كتابه (الطرد والإبادة) ولله الحمد والمنة!
أما عن تقرير (نايلز وسذرلاند):
جاء في تقريرهما: "المنطقة الممتدة من (بتليس) عبر (وان) إلى (بايزيد) أُخبرنا بأن الضرر والتدمير في كل هذه المنطقة كانا من فعل الأرمن الذين استمروا في احتلال البلد بعد أن انسحب الروس، والذين دمروا كل شئ يخص المسلمين مع تقدم الجيش التركي. علاوة على ذلك، اتُهم الأرمن بارتكاب أعمال قتل واغتصاب وإحراق عمد للممتلكات وأعمال وحشية رهيبة من كل وصف ضد السكان الأصليين. كنا في البداية في ريب كبير بشأن تلك الروايات، لكننا توصلنا في النهاية إلى تصديقها، لأن الشهادات كانت بالإجماع بكل ما في الكلمة من معنى وجرى تأييدها بالأدلة المادية. على سبيل المثال كانت الأحياء الوحيدة التي ظلت سليمة في مدينتي بتليس ووان أحياءً أرمينية، كما كان جلياً من الكنائس والكتابات على البيوت، بينما كانت الأحياء المسلمة مدمرة على نحو كامل. لا تزال القرى التي قيل إنها كانت أرمينية قائمة، بينما كانت القرى المسلمة مدمرة كاملة" أهـ (مكارثي: الطرد والإبادة ص250).
وجاء في تقريرهما أيضاً:
"إن الوضع العرقي في هذه المنطقة [بايزيد-أرضروم] متفاقم بشدة بسبب قرب جبهة أرمينية التي يأتي اللاجئون منها بروايات عن مجازر ووحشية وفظاعات ترتكبها الحكومة الأرمينية والجيش والشعب ضد السكان المسلمين. ومع أن بضع مئات من الأرمن يعيشون فعلاً في إقليم (وان)، إلا أنه من المستحيل أن يستطيع الأرمن العيش في المناطق الريفية لإقليم أرضروم، حيث يبدي الجميع ذروة الكراهية لهم. وهنا أيضاً خرب الأرمن القرى قبل أن ينسحبوا وارتكبوا المجازر وكل أنواع الأعمال الوحشية ضد المسلمين، وأعمال الأرمن هذه على الجانب الآخر من الجبهة تُبقي الكراهية للأرمن حية ومؤثرة، كراهية تبدو أنها على الأقل تُرغي وتُزبد في منطقة (وان). أكّد على وجود فوضى وجرائم في أرمينية لاجئون من جميع مناطق أرمينية وضباط بريطانيون في أرضروم" أهـ (مكارثي: ص251).
وقدم نايلز وسذرلاند في تقريرهما إحصائية؛ تعداد القرى والبيوت المسلمة الناجية من جحيم الحرب حول مدينتي (وان) و (بتليس) فقط وعلى سبيل المثال حيث أثبت أن الأرمن دمروا أكثر بيوت المسلمين ولم يبق أي أثر لجميع المباني والمنشآت الدينية الإسلامية! كما هو موضح في الجدول التالي:
الدمار في مدينتي وان وبتليس
مدينة وان قبل الحرب بعد الحرب 1919
منازل المسلمين 3400 3
منازل الأرمن 3100 1170
مدينة بتليس قبل الحرب بعد الحرب 1919
منازل المسلمين 6500 لا شئ
منازل الأرمن 1500 1000
أما عن القرى في إقليم وان وسنجق وبايزيد قبل الحرب والاحتلال الأرمني وبعدهما فجاء في إحصائية نايلز وسذرلاند: أن تعداد منازل المسلمين قبل الحرب في قرى إقليم وان كان (1373) منزلاً وانخفض بعد الحرب في 1919م إلى 350 منزلاً!! بينما كانت منازل الأرمن 112 منزلاً قبل الحرب فزادت بعد الحرب إلى 200 منزلاً! وفي قرى إقليم بايزيد كان عدد منازل المسلمين قبل الحرب 448 منزلاً صارت بعد الحرب في عام 1919م 243 منزلاً! بينما منازل الأرمن كانت قبل الحرب 33 منزلاً ظلت كما هي بعد الحرب 33 منزلاً!
وقد لخص نايلز وسذرلاند تاريخ مسلمي شرق الأناضول بدقة في ختام تقريرهما:
"ومع أنها لا تقع ضمن مجال تحقيقنا تماماً، إلا أن إحدى أبرز الحقائق التي أثرت فينا في كل بقعة من بتليس إلى طربزون هي أن الأرمن ارتكبوا ضد الأتراك في المنطقة التي اجتزناها كل أنواع الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الأتراك في مناطق أخرى ضد الأرمن. كنا نشك في البداية إلى حد بعيد بالروايات التي أخبرنا بها، لكن إجماع الشهود جميعهم، واللهفة الجلية التي تحدثوا بها عن الأعمال الشريرة التي ارتكبها الأتراك في مناطق أخرى ضد الأرمن. كنا نشك في البداية إلى حد بعيد بالروايات التي أخبرنا بها، لكن إجماع الشهود جميعهم، واللهفة الجلية التي تحدثوا بها عن الأعمال الشريرة التي ارتكبت بحقهم، وكراهيتهم الواضحة للأرمن، والأقوى من ذلك كله الأدلة المادية على الأرض نفسها، جعلنا نقتنع بصحة الحقائق على نحو عام، أولاً إن الأرمن قتلوا مسلمين على نطاق واسع وبتفنن كثير في أسلوب الوحشية، وثانياً إن الأرمن مسؤولون عن أكثر التدمير للمدن والقرى. احتل الروس والأرمن البلاد فترة طويلة في عام 1915م وعام 1916م ويبدو أنه خلال تلك الفترة كانت الفوضى محدودة، مع أن الروس من غير ريب تسببوا بأضرار. في عام 1917م انحل الجيش الروسي تاركاً السلطة في أيدي الأرمن وحدهم. في تلك الفترة طافت على البلاد عصابات من الجيش الأرمني فنهبت وقتلت السكان المدنيين المسلمين. حين زحف الجيش التركي إلى أرزجان وأرضروم ووان، تفكك الجيش الأرمني وارتكب جميع الجنود النظاميين وغير النظاميين على تدمير ممتلكات المسلمين وارتكاب الأعمال الوحشية ضد السكان المسلمين. كانت النتيجة بلداً مدمراً كاملاً يحتوي على ربع عدد سكانه السابقين وثُمن مبانيه السابقة، وكراهية مريرة إلى حد بعيد من المسلمين للأرمن، ما يجعل عيش هذين العنصرين معاً مستحيلاً في الوقت الحاضر. أعلن المسلمون أنهم إذا أجبروا على العيش في ظل حكومة أرمينية فإنهم سيقاتلون، ويبدو لنا أنهم ربما ينفذون هذا التهديد. يشاركنا في هذا الرأي الضباط الأتراك والبريطانيون والأمريكيون الذين قابلناهم" أهـ (مكارثي: ص253، ص254).
هذه مجرد شهادة عن المجازر التي ارتكبها الأرمن ضد المسلمين خلال الحرب العالمية الأولى من 1914م إلى 1918م في إقليمي (وان) و(بتليس) شرق الأناضول فما بالنا لو تكلمنا عن نقصان عدد السكان المسلمين في الأقاليم العثمانية الشرقية مجتمعة مثل أرضروم وبتليس وديار بكر ومعمورة العزيز وسيواس وحلب وأطنة طرابزون من عام 1912م إلى عام 1922م سنجد أن أكثر 62% من مسلمي إقليم (وان) قد فقدوا! وفقد 42% من مسلمي بتليس، وفقد 31% من مسلمي أرضروم!! وأكثر من 60% قد فقدوا من مسلمي القفقاس!! أما في أقاليم غربي الأناضول مثل آيدين، وخداوندكار، وبيغا، وإذميد.. حيث قام الحلفاء بطرد اللاجئين الأتراك من البلقان التي كانوا يقيمون فيها وأعطوا ممتلكاتهم إلى اليونانيين! وتركوهم من دون مأوى! في أكبر سرقة جماعية علانية في التاريخ!! لقد كانت جريمة قتل عمد جماعي مع سبق الإصرار والترصد ضد المسلمين في القفقاس والأناضول والبلقان بمباركة قوى الاستكبار العالمي في تلك الحقبة الكئيبة والنهاية المأساوية للخلافة العثمانية التي ظلت شمسها تشرق في سماء العالم على مدار ستة قرون!!
خامساً: صفوت القول
هكذا استبان لنا بجلاء هشاشة هذه الفرية (إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين)! التي يرددها الأرمن ومن يؤيدهم ويحرضهم !! لقد قتل ملايين المسلمين على أيدي الأرمن والروس واليونان والبلغار والصرب وغيرهم من القوى المعادية للدولة العثمانية المسلمة التي عاش في كنفها مختلف الطوائف في أمن وأمان!! ولم يطالب أحد بمعاقبة الجناة المجرمين الذين ارتكبوا هذه المجازر الجماعية! المسلمون الذين كانوا ولا يزالون ضحايا هذه المجازر البشرية البشعة يقدمون على أنهم جناة متوحشون!
المشكلة الحقيقة في هذه الأنظمة المنتسبة إلى العالم الإسلامي في عدم مطالبتها ولو على استحياء بمعاقبة مرتكبي الجرائم المتكررة في حق المسلمين في القفقاس والشيشان التي انقرض سكانها! والشعوب التي أبيدت في البلقان والمقابر الجماعية في البوسنة والهرسك! وأكثر من ملوني مسلم في العراق لوحدها! واختفاء قرى ومدائن كاملة في أفغانستان خلال العدوان البربري من البريطانيين والروس والأمريكان والحبل على الجرار! هذه الأنظمة الجاثمة على أنفاس أمتنا لم تتخذ قراراً صائباً في حياتها لإنصاف شعوبها والمطالبة الجدية من الفرنسيس والإنجليز والأسبان والطليان والهولنديين والروس والأمريكان بتعويض ملايين الضحايا في الجزائر والمغرب وليبيا وتونس ومصر وإندونيسيا وماليزيا وكشمير وتايلاند والصومال والسودان!!
لقد نكأ الأرمن جراحاً لم تلتئم بعد! وجددوا أحزاناً لم تهدأ بعد! وأثاروا شجوناً لن تهدأ حتى تُعوض أجنة المسلمين في رحم المستقبل! إن العالم الغربي مدين بالاعتذار الصريح للمسلمين والتعويض اللائق جراء الجرائم التي ارتكبها في الحروب الصليبية قديماً وحديثاً ! نعم مطالب بالاعتذار والتعويض عن الإبادات الجماعية للمسلمين خلال عدة قرون!
أما أن نستجديهم ونسترحمهم في كل قضية ملفقة يثيرونها ونظل هكذا ندافع ونقدم قرابين الذل والهوان على عتبات مجلس الأمن والاتحاد الأوربي.. فهذا الهلاك بعينه! وخير لهذه الأمة أن تبتلعها الأرض من أن تعيش في ذل وانكسار!!
العيب في فينا كأمة رضيت بالدنية فصفقت لجلاديها ولم تطالب بمعاقبة قاتليها!

25 أبريل 2015

وائل قنديل يكتب: من الذي لم تخدعه فاطمة؟

تذكّرك قصة الفتاة التي استخدمتها قوات الأمن المصرية لاصطياد التيار الرافض للانقلاب إعلاميا، بقصة ما اشتهر بلقب "مسحول أحداث قصر الاتحادية"، وهو مواطن، بثت قنوات التلفزيون المصرية وقائع تعرّيه على الهواء مباشرة، لتستخدم القصة ضد الرئيس محمد مرسي وحكومته، ليتبين، فيما بعد، أنه تعرى، ذاتيا، لصناعة تلك اللقطة، التي استثمرها الذاهبون للانقلاب على مرسي، على أوسع نطاق، حتى أن بعضهم أراد اعتماده "أيقونة ثورية جديدة"، كما كان الشاب خالد سعيد شهيد الشرطة وأيقونة ثورة يناير 2011.
قصة "حمادة" مسحول الاتحادية، تكررت مع "فاطمة" التي مثلت دور "المغتصبة" في أحد أقسام الشرطة، واستغاثتها على شاشات فضائيات مناهضة للانقلاب، ثم فاجأت الجميع بظهورها، على فضائيات الانقلاب، باعتبارها "إخوانية تائبة"، ولم يغتصبها أحد من رجال الشرطة، وأن "الإخوان" كلفوها بادعاء هذه الحكاية.
الفارق بين مدعي السحل ومدعية الاغتصاب أن حكاية الأول شاهدها ملايين على الهواء مباشرة، في كل القنوات تقريبا، وبإخراج تلفزيوني واحد، مع الإلحاح الشديد على تكرار إذاعة المشاهد، حتى نجحت "الحملة" في إثارة مشاعر الغضب ضد سلطة تعري المعارضين وتنكل بهم.
وأذكر أني، في تلك الليلة البائسة، كتبت على موقع "تويتر" أنه لو طلع النهار على وزير الداخلية، وهو في منصبه، فهذا يعني سقوط الشرعية الأخلاقية لهذا النظام. وفيما بعد، اتضح أن "حمادة" ممن يتم استئجارهم في وقفات "أنصار مبارك"، ولاحقا في "حملة عمر سليمان"، ثم في "حملة أحمد شفيق".
وكتبت وقتها "وكأن وزير الداخلية الجديد صعب عليه أن يرى سماسرة الغضب وتجار الدم عرايا من أي منطق سياسي أو أخلاقي، فقرر أن يهديهم قبلة الحياة، ويلقي إليهم بطوق النجاة ليتحولوا، في لحظةٍ، من متهمين بالضلوع في مهزلة سياسية إلى فرسان للحرية وحقوق الإنسان".
إن واقعة تعرية وسحل المواطن حمادة صابر عند قصر الاتحادية، أمس الأول، سترت عورة أولئك المنهزمين سياسياً وقيمياً، وأحيتهم من العدم، وبعد أن كانوا يبحثون عن مكان يتوارون فيه عن الأنظار، بعد أن شاهد العالم كيف جرى ابتذال الثورة والهبوط بمستوى الغضب الشعبي إلى ممارسات مخجلة، تحت قيادتهم ــ وإن زعموا أن لا سيطرة لهم على الشارع ــ ها هم يتلقفون الهدية، ويعودون في مسوح الكهنة والوعاظ والزعماء الكبار، مرة أخرى.
أما في موضوع الفتاة المغتصبة، فكان قصة فقيرة دراميا، لآخر مدى، إذ اعتمدت الرواية على اتصال هاتفي من فتاة تحكي أشياء لا يصدقها عقل عن اغتصاب الضابط ومساعديه لها، وفور إذاعتها، كانت مساحات عدم التصديق تتفوق بالتسليم بما قالته، بل إن كثيرين حذروا من فخ تنصبه السلطة لمعارضيها باستخدام الفتاة، وهو ما ثبت صحته الآن.
وتفتح واقعة هذه الفتاة، من جديد، ملفا شديد الأهمية، يختص بالإعلام المناهض للانقلاب، الذي يبدو لي، في أحيان كثيرة، غير مكترث بالمسألة المهنية، قدر اهتمامه بالحشد والتعبئة والشحن، بأية وسيلة، غير منتبه إلى أنه كثيراً ما ينتج خطابا زاعقا، ومبالغا في الصراخ، بما يبعده عن الموضوعية أحيانا.
وقد حذرت مبكراً من خطورة الاستسلام لمحاولات سلطة الانقلاب وإعلامها، لاستدراج المعارضين للرد على بذاءة الفعل الانقلابي، بأقوال ومفردات فيها شيء من الإسفاف والبذاءة أحيانا.
وأزعم أن الوقوع في كمين "فتاة الاغتصاب" ما كان ليحدث، لو أنه تم الاهتمام بالحد الأدنى من الضوابط والمعايير المهنية، في معالجة القصة الخبرية، بحيث يتم تدقيق الرواية واختبار صدقيتها من وجوه وزوايا مختلفة، قبل عرضها على الجمهور، تلافياً لمصيرٍ كالذي نحن بصدده الآن، وهي طريقة قديمة وتقليدية، تتبعها السلطات القمعية المستبدة، على مر العصور لتوريط معارضيها في أخطاء وخطايا مهنية من هذا النوع.
مرة أخرى: المهنية ثورة، والموضوعية سلاح لا ينبغي التفريط به، مع شديد التقدير لأصحاب النيات الطيبة.

23 أبريل 2015

محمود المختار الشنقيطي يكتب : الغرب .. حين يراقبنا مراقبة من يرى؟

حين أفكر في الفرق بيننا وبين الغرب،والسؤال التقليدي .. متى أو كم تبلغ المسافة – الضوئية – بيننا وبين التقدم الغربي؟
أتذكر قول الدكتور جلال أمين :
(اكتشفنا – أو اكتشف بعضنا على الأقل – أن التقدم ليس حتميا،وأن التاريخ الإنساني ليس كالسلم الذي يقف البعض على درجاته العليا والبعض الآخر على درجاته الدنيا،ولا هو كالطريق الواحد الذي يتقدم فيه البعض خطوات على الآخرين،وإنما كمجموعة من الطرق المتشعبة،لكل طريق مزاياه وعيوبه،واختار الغرب أن يسير في أحدها فكسب أشياء وخسر أشياء،وأن هذا الاختيار كان تحكميا إلى حد كبير،ومحكوم بظروف اجتماعية وبيولوجية ونفسية مختلفة،ومن السخف محاولة إقناعنا بأن هذا هو "الطريق الوحيد"الذي يمكن السير فيه،ويجب السير فيه بسرعة وإلا كنا متخلفين (..) أما التخلف فأنا أعرفه الآن ما هو إنه ليس إلا هذا الشعور بالعار فأنت لست متخلفا إلا بقدر شعورك بالعار إزاء هؤلاء الذين يسمون أنفسهم"متقدمين"وسوف تظل متخلفا مهما زاد متوسط دخلك ومهما ارتفع معدل نموك ومهما زاد ما في حوزتك من سلع وخدمات طالما أنك تشعر بالعار لأنك لا تملك ما يملكونه){ (التنوير الزائف ) / د.جلال أمين / دار المعارف / سلسلة اقرأ}.
القضية التي أكتب عنها لا تتعلق بالطريق الذي اختار الغرب أن يسلكه،والبحث عن طريق آخر يناسب أمتنا حسب ظروفها الدينية والبيولوجية والنفسية .. فتلك قضية أخرى تماما.
الحديث هنا عن دراسة الغرب لنا،لتكون ردة فعلنا متوقعة بالنسبة له،وسعيه الدائب لنظل (مكانك سر) ونحن نظن أننا نعدو!!
قبل أن أنسى العنوان أعلاه يشير إلى قصة تراثية،تقول أن رجلا أكل عند آخر،فنبهه إلى وجود شعرة في لقمته،فرد عليه :
هل تراقبني مراقبة من يرى الشعرة في اللقمة؟ والله لا آكلتك أبدا.
هذه الأسطر متعلقة بالحديث عن كتابين،وعن مراقبة الغرب لنا – إن صح التعبير – مراقبة من يرى (قولبة أجساد النساء) .. ولكن هذه نقطة من الأفضل تأخيرها لوقتها،خصوصا أنها تكشف – ربما كأنموذج – سطحية كاتب هذه الأسطر،في مقابل (تعمق) ذلك الغربي!!
الكتاب الأول يتعلق برحلة قام بها مجموعة من العلماء سنة 1761 م. وأعني كتاب (من كوبنهاجن إلى صنعاء)،لمؤلفه توركيل هانسن،وقد نقله إلى اللغة العربية،الدكتور محمد أحمد الرعدي،ونشرته دار العودة ببيروت،والطبعة التي بحوزتي هي الطبعة الثانية 1983م.
سنلقي نظرة على بعض التوصيات،أو النصائح التي أعطيت للعلماء :
(6 - على كل منكم التعامل مع (المحمديين) في حذر شديد،واحترام دينهم،وعدم التصرف مع نسائهم،بحرية كما يتصرف،مع النساء الأوربيات. (..)وحين تقومون بحساب خطوط الطول والعرض،عليكم أن تجمعوا المعلومات لعمل خرائط للمناطق التي تمرون بها،وعليكم ملاحظة الاختلافات التي يمكن أن تكون بين الفصول الجافة والفصول الممطرة،وعليكم الاهتمام بأي شيء أثري من العصور القديمة،ووجهوا هممكم أيضا إلى حجم السكان وإلى خصوبة الأرض.وأكثر من هذا عليكم أن توجهوا أهمية خاصة لحركة المد والجزر في البحر الأحمر،والعلاقات بين الأحياء والأموات،وإلى تأثير تعدد الزوجات في زيادة ونقصان السكان،وإلى العلاقات بين الرجل والمرأة،وإلى عدد النساء في المدينة والريف.
على الدكتور كرامر أن يولي اهتمامه بالأمراض الخاصة بالمناطق المزارة،وبالقيام بمكافحتها،وستكسبون ثقة العرب بمساعدة مرضاهم.
11- على البروفيسور فون هافن أن يلاحظ تقاليد وعادات أهل البلاد،وخاصة تلك التي ألقى عليها القليل من الضوء الكتاب المقدس والقوانين اليهودية،وعليه أن يعمل ليكتشف بقدر الإمكان كل شيء عن العرب والإسرائيليين والسوريين،وأن يطلع على طقوس وعادت الوثنيين قبل الإسلام،ويسجل أي اختلافات يجدها عما جاء في التوراة المكتوبة باللغة القديمة،وعما جاء في المخطوطات اليونانية. وأية مخطوطات قديمة عربية أو شرقية لا يستطيع تفسيرها،عليه أن ينقلها طبق الأصل.
12- على البروفيسور فورسكال أن يجمع المعلومات عن الحيوانات والنباتات وعلى الأخص تلك التي جاء ذكرها في التوراة.){69 – 71 ( من كوبنهاجن إلى صنعاء)}. 
من اللافت للنظر أنه حتى قبل الوحدة الأوربية،وإبان الصراع – والحروب – بين أوربا،خصوصا على المستعمرات،كان هناك نوع من التعاون العلمي بين الجامعات،وقد كان من مهام البعثة أن تجيب على التساؤلات التي تأتيها من الجامعات،وعند وصول البعثة إلى القسطنطينية : 
(كان البريد في انتظار أعضاء البعثة لدى السفير،وقد حوى رسائل كثيرة من كل الجامعات الأوربية تطلب من أعضاء البعثة أن يقوموا بفحص ودراسة جميع المشاكل التي يمكن إدراكها،صغيرها وكبيرها،ابتداء من موضوع،هل يجد الرجل المختون متعة "جنسية"أكبر من الرجل غير المختون .. وانتهاء بموضوع،إلى أي مدى يمكن اعتبار الصحراء العربية المجدبة بداية توسع الجفاف وزحفه على العالم أجمع.){ص 101 (من كوبنهاجن إلى صنعاء)}.
من سنة 1761 سننتقل إلى العصر الحديث،وإلى سفير فرنسا لدى إيران،وقد عمل هناك بعد 2001م. رغم كل التغيرات،إلا أن هذا السفير لا زال يرسل للغرب رصدا لأحوال دول الشرق الإسلامي!!
هنا أعود إلى الاعتراف السابق بنظرتي السطحية !! نعم. ما أكثر المرات التي أشدت فيها بحجاب مذيعات قناة المنار الشيعية – وقناة السودان السنية – وأن حجابهن يدل على اقتناعهن بالحجاب،عكس بعض مذيعاتنا (المُهَرّبات) .. أي لخصل شعرهن ... إلخ.
يبدو الأمر (أعمق) من تلك الصورة السطحية التي ارتشفتها من نظرة هنا وأخرى هناك .. إن السفير الفرنسي،فرانسوا نيكولو .. يتحدث بـ(عمق) عن حجاب،وما وراء حجاب المرأة الإيرانية،والصراع الدائر هناك في إيران .. يقول السفير .. ( في البداية قاتلت المرأة من أجل التعبير العام عن نسويتها،وسبب هذا أن ما يعتبر في أماكن أخرى من أمور الموضة الصغيرة،يأخذ في إيران بعدا في المراوغة السياسية.
إنها مراوغة سياسية أن قامت الفتيات الشابات بتقصير معطف "الروبوش"إلى خط الركبة،حيث شوهد هذا حتى في الأحياء الشعبية،مع أن معايير النظام أن يصل الطول حتى منتصف ربلة الساق،إنها مراوغة سياسية،أن ترتدي الفتيات"البيمبو الإسلامي"يتجولن به في شوارع شمال طهران : حذاء عالي الكعب يسبب الدوار،بنطال من الجينز مع قميص ذي طيات،ربوش قصير جدا بثلاث قصات مختلفة،وقميص وردي فاتح،أو أخضر بلون النعناع،أو أزرق بلوم الخزامى يضيق في الأسفل كأنه من قماش السترش فيقولب الجسد ويبالغ في إبراز الردفين،وغطاء رأس صغير يسمح بانفلات خُصلات كبير من الشعر الداكن اللون،و"ماكياج"متعدد الألوان مرسوم بشفافية،وأظفار مطلية بعناية في القدمين كما في اليدين،ونظارات شمسية،,قطعى لبان "تطقطق"في الفم توحي بالتحدي.
إنها مراوغة سياسية،أن ترتدي الفتيات الشابات واقيات الوجه الواسعة للاعبات الجولف أو التنس وخاصة في الصيف،وقد استخدمت المتنزهات من مختلف الأعمار وحتى داخل المدينة.){ص 148 – 149 العمامة والوردة ) / فرانسوا نيكولو / ترجمة : مروان حموي / العبيكان / الرياض / الطبعة الأولى 1429هـ = 2008م}.
ونصل إلى "دليل السذاجة"يقول السفير : :
( إنها مراوغة سياسية أيضا،وأخيرا،هذا الانقياد الكاذب للنساء المرتبطات بالحياة العامة واللاتي يتمتعن بثقة شخصية بالنفس. إذ تستخدم الكثير منهن هذا الإشارب أو حتى الحجاب المتدلي على الكتفين،في المكاتب وفي الجامعة لأنه سيبقى في مكانه طول النهار كي يرسم بدقة استدارة الوجه دون أن ينتهك معايير الحشة الإسلامية،ونادرا ما يكشفن طرفا من شعرهن،كما أن الجسد لا يترك مجالا لمعرفة تفاصيله إلا إذا أطلقنا المجال للخيال،أما الأجزاء الظاهرة للعيان،أعني بها الوجه واليدين،ثم القدمين،تمضي هذه النسوة وقتا طويلا في فصل الصيف خاصة،للعناية بها بشكل خاص في جلسات تدليكالأظفار،الحاجبين،الرموش،الجبهة،الأنف،الوجنتين،خط الشفتين،ووضاءة البشرة،كل ذلك يصبح موضوعا يحتل المركز الأول في التفكير،وإذا لزم الأمر لا مانع من إجراء عملية تجميلية،كل ذلك لجعل كل هذه التفاصيل عملا فنيا.
إذا لم يمت تحت الإثارة في إيران،وحتى إنه – كما تقول الفحوصات الدماغية – أصبح يواجه ضغطا أكبر،لقد ظهر من شهادات لشبان جمعها علماء اجتماع – وهذا متوقع – أن الشادور نفسه قد انتهى به الأمر ليصبح أداة إثارة وتغذية للمخيلة،ومثلما يحدث عندنا – في الغرب – حاملات الجوارب النسائية "الجرتيير". إنه مجرد استبدال للأشياء.
وما يدعو للكثير من الاستغراب،أن لعبة القط والفأر والتي تلعبها النساء مع المعايير الإسلامية ما زالت تمارس في عهد الرئيس أحمدي نجاد ..) {ص 150 ( الوردة والعمامة}.
ختاما .. لافتٌ جدا قول السفير :
(إذا لم يمت تحت الإثارة في إيران،وحتى إنه – كما تقول الفحوصات الدماغية – أصبح يواجه ضغطا أكبر،لقد ظهر من شهادات لشبان جمعها علماء اجتماع – وهذا متوقع – أن الشادور نفسه قد انتهى به الأمر ليصبح أداة إثارة وتغذية للمخيلة،ومثلما يحدث عندنا – في الغرب – حاملات الجوارب النسائية "الجرتيير". إنه مجرد استبدال للأشياء.).
إذا .. فالمرأة تحجبت، مثل الإيرانية،أو تعرت،مثل الفرنسية .. فهي فريسة للرجل .. وسيتفرس الرجل في المرأة العارية .. ويعمل"المخيلة"في المرأة المحجبة!!

22 أبريل 2015

الكاتبة الاردنية إحسان الفقيه: لن يعود إيوان كسرى.. لكن عليك أن تعرف

قال أحدهم :
بطولاتنا التاريخية ليست منا، ولا نحن منها، لأننا ثوريون بأخلاق ثورية،وعواطف ثورية، و أفكار ثورية....وهزائم ثورية .و نتنكر لأمجادنا، فنستحي أن نحارب تحت راية محمد، و نفخر أن نحارب تحت راية "جيفارا"..
*تذكّرني هذه الحال بنيرون الذي نصب حصانه حاكما على روما..و بالشاعر الروماني "كاتول"
الذي نظم قصيدة يُهيء فيها نفسه للموت لأن فلانا من بني قومه قد أصبح قنصلاً...
*ترى ماذا كان يصنع الشاعر "كاتول" لو قُدّر له أن يعيش بيننا اليوم؟
حيث يستأسد الأذلة و يتنمّر السفاحون ويتباهى الثيران بمعجبات متطرّفات بإظهار التودّد؟!
والى الماضي - كما العادة - أعود ...
كان نصر بن سيار (آخر ولاة الأمويين) على خراسان في أواخر العقد الثاني وأوائل العقد الأول من القرن الثاني للهجرة، وكان والياً محنكاً حازماً.
استشعر بوادر الانفجار ونذر الخطر وكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة والي العراق في تلك الأيام، يعلمه بأحوال خراسان وما يُشاع من اضطرابات تتكوّر في طور التفقيس ويحذّره من خطورة وضع يتفاقم وفتنة تتعاظم .. ويصارحه أنه إذا استمر في التدهور ولم يعالج معالجة حازمة فسيؤدي ذلك لا محالة إلى عاقبة وخيمة وكارثة عظيمة..
الا أن والي العراق لم يمدّه بأحد لأنه كان مشغولا بمجالدة الخوارج في العراق فاستغاث نصر بن سيار بآخر خلفاء بني أمية في دمشق مروان بن محمد.. وأعلمه حال أبي مسلم، وخروجه، وكثرة من معه، ومن تبعه.
وأخبره بغوائل الفتنة القائمة ودواهي الكارثة القادمة، إن لم ينجده بمدد من عنده..
فكتب ينذره ويحذره شعراً

أرى تحت الرماد وميض جمر
ويوشك أن يكون له ضرام

فإن النار بالعودين تُذكى
وإن الحرب مبدؤها كلام

فإن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام

فقلت من التعجب ليت شعري
أأيقاظ أمية أم نيام

فإن يقظت فذاك بقاءُ مُلكٍ
وإن رقدت فاني لا أُلام

فإن يك أصبحوا وثووا نياماً
فقل قوموا فقد حان القيام

ففرّي عن رحالك ثم قولي
على الإسلام والعرب السلام

وقد وردت بعض أبيات (نصر بن سيار) في مقدمة الشيخ عبد الله الغريب (وهو اسم مستعار لا اسم الكاتب الحقيقي) في كتابه الماتع "وجاء دور المجوس".. لأرثي-كما رثى هو- أمتي في غفلتها وتغافلها عن الخطر الإيراني المجوسي الصفوي فأعود لأحذرها مجددا قبل فوات الأوان:
يا أمتي هلا صحوت على الصواعق والرعود
عجبا كأنك لعبة في قبضة الخصم اللدود

ومن مستنقع الغفلة التي رقدنا فيها عن خطر المشروع الإيراني المجوسي، نعق البعض مندّدا بالربط بين إيران التي تسمي نفسها بالجمهورية الإسلامية وبين الفرس المجوس، وينكر هذه النسبة دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن البعد القومي لإيران ومشروعها.
قَدرُ أمتي أن تلقى الكيد من أبنائها ينالون منها، بينما ينبري هؤلاء للدفاع عن أعدائها..ولكن قبل أن تكال لي الاتهامات كالعادة، وقبل أن تطير أعناق الحقائق في كلماتي بمقصلة التأويل والتحريف التي ينصبها المغرضون، أؤكد على أنني لا أتحدث عن الفرس الذين دخلوا في الإسلام وانصهروا مع إخوانهم في بوتقته..ولا على الأطياف التي تسكن الأراضي الإيرانية من بلوش وأحواز وغيرهما..ولا على أي إيراني بسيط ينتسب للإسلام، لا علاقة له بالقوميات مع ما تلبّس به من عقائد ضالة...إنما أعني في هذا السياق أولئك الإيرانيين الذين لديهم مشروع قومي لإعادة مجد الدولة الفارسية، مرتكزين في مشروعهم هذا على الطائفية المتمثلة في المنهج الإمامي الإثنى عشري، لبسط سيطرتهم وهيمنتهم على العالم الإسلامي، والوصول إلى ذلك على رفات السنة وأهلها.
أحفاد زرادشت:
كانت ولا تزال إيران تستحضر جذورها الفارسية، التي هي أحد الملامح الأساسية للذهنية الإيرانية، بل إن هذه الدولة كانت إلى عهد قريب تحمل اسم "فارس" حتى غيّرها الشاه إلى "إيران" عام 1935م.
ويوم اعترضت إيران عام1822م، على الاتفاقيات التي أبرمتها بريطانيا مع الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين، بدعوى أن البحرين تابعة لإيران، وطالبت إيران بحقوقها المزعومة في البحرين، نفى وزير الخارجية البريطاني أحقية إيران على أي موضع بالخليج.
*أتدرون بم ردّ عليه رئيس وزراء إيران؟
ردّ على الخارجية البريطانية بمذكرة قال فيها:
"إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة، أن الخليج الفارسي من بداية شط العرب إلى مسقط، بجميع جزائره وموانئه بدون استثناء، ينتهي إلى فارس، بدليل أنه خليج فارسي وليس عربيا".
*هل تعلم يا من تناضل لتبرئة إيران عن تلك النسبة الفارسية، أنه في عام 1930 قلّص شاه إيران رضا بهلوي التعليم الديني في المدارس الحكومية، وفرض اللغة الفارسية بدلا من اللغة العربية؟
أتعرف لماذا؟
لأنه يريد إيران فارسية..
*بالطبع ستقول من حقّه .. أكاد أسمع صوتك الانتقائي بتعاطفه المريض ..!!
وعلى نهجه سار نجله الشاه محمد رضا بهلوي، فعمل على إحياء أمجاد فارس، بل كان يرى أن مبادئ المجوسية تكفي لإسعاد البشرية، وليست أقل من المبادئ التي أتى بها الإسلام.
*استمع إلى شهادة الدكتور موسى الموسوي إذ يقول:
"من يزور الشاه في مكتبه الخاص لابد وأن يرى تلك اللوحة الذهبية التي كتبت عليها العبارات الثلاث: الفكر الحسن والعمل الحسن والقول الحسن، وقد وُضعت على جانب مكتبه ليسعد بقراءتها في كل صباح".
أتدري ماذا تعني هذه الكلمات الثلاث؟
إنها مبادئ زرادشت المعروفة يا من تذود عن أحفاد عُبّاد النار أكثر من المجوس أنفسهم ..
الثورة الخمينية والحلم الفارسي:
لئن كان الإيرانيون قبل ثورة الخميني ينشدون عودة المجد الفارسي ويفتخرون بجذورهم، إلا أن الثورة جمعت الإيرانيين على مشروع قومي كبير يختلف عن القومية العربية البائدة في أنه يرتكز على الدين، حيث جعل من المنهج الإمامي الاثنى عشري فكرة مركزية جامعة يستطيع أن يستفيد بمقتضاها من كل الروافض في شتى بقاع الأرض من العرب والعجم، لخدمة مشروعه الفارسي.
وهناك العديد من دلائل الصبغة الفارسية في المشروع الإيراني الذي أفرزته ثورة الخميني:
*فبم تفسر إصرار الخميني وجميع عمائم قُم وقادة الثورة وحتى اليوم على تسمية الخليج العربي بالفارسي؟
حتى أن الحركات الإسلامية دعت الخميني إلى العدول عن ذلك رغبة في إزالة الاحتقان مع الدول العربية السنية، إلا أنه رفض بحزم أن يطلق عليه غير ما ارتضاه "الخليج الفارسي".
*وانظر إلى هذه النعرة القومية الفارسية في خطاب قادة الثورة الخمينية، فها هو هاشمي رافسنجاني يصف العرب الإيرانيين بقوله: "غجر متخلفون".
*ووصفهم مرشد الثورة علي خامنئي بقوله: "متخلفون وجاهليون"..
*وتراهم يتداولون ما تناثر في كتب التراث الرافضي مما يبرهن على نزعتهم الفارسية وبغضهم للعرب، مثل قول الطوسي في كتابه "الغيبة": "اتق العرب فإن لهم خبر سوء، لم يخرج مع القائم منهم واحد".
*وقال المجلسي في كتابه "بحار الأنوار":
"ليس بيننا وبين العرب إلا الذبح".
*اقرأوا المادة (15) من الدستور الايراني الحالي، تنص على أن "اللغة والكتابة الرسمية المشتركة لشعب إيران هي الفارسية، فيجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب الدراسية والكتابة بهذه اللغة".
*وأصدر الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد قرارا في 2006م، يقضي بتفريس (أي: جعْلها فارسية) كل جوانب الحياة الإيرانية: العلمية والثقافية والأدبية ....
*وأما الأحواز فيحظر عليهم التسمية بأسماء عربية أو التحدث باللغة العربية حتى الشيعة منهم.
*وامتدت هذه النزعة القومية الفارسية إلى بلاد العرب أيضا، فقد أورد الدكتور محمد بسام يوسف في كتابه "المشروع الإيراني الصفوي الفارسي" رصدا لجريدة الشرق الأوسط عن الشباب في الجنوب العراقي ، حيث يتعلمون اللغة الفارسية بديلا عن اللغة الإنجليزية، وينخرطون في الثقافة الفارسية إلى درجة أنهم اعتادوا الاستماع إلى الأغاني الفارسية.
*كما انتشرت اللغة الفارسية في الجنوب العراقي حيث تمركز الرافضة، وانتشرت في إدارات الدولة في تلك المناطق بما في ذلك الأوراق الرسمية للمسافرين.
*وذكرت صحيفة الشرق الأوسط في أحد أعدادها في مايو 2007 عن بعض الأهالي من بلدة المدائن العراقية قولهم، إن الهجمات التي استهدفتهم من قبل الميليشيات الطائفية المسلحة العميلة لإيران، كان هدفها إخلاء المنطقة من سكانها أهل السنة، ليتاح للإيرانيين الاستيلاء على المدائن وإعادة ترميم إيوان كسرى باعتباره صرحا فارسيا يذكرهم بأمجادهم التاريخية".
*وفي تأثر واضح بالجذور الفارسية والربط بين الرموز الفارسية قديما وحديثا، وصف المفكر الإيراني داريوش شايغان الخميني بقوله:
"الحقيقة أنه يشبه في صورة مدهشة الصورة الغابرة لإيران القديمة. وكان يجسد كل الدراما العتيقة، الدينية المأساوية.. لم يكن الخميني بطريقة ما يكف عن أن يكرر مع أصحاب الإمام الغائب – كما كان يفعل زرادشت مع ملائكة السماء السبع – هذه العبارة التي تهز كل إيراني من أعماقه: هل نكون من الذين سيغيرون صورة العالم؟"
*وينبغي أن يُعلم أن ترنم إيران بجذورها الفارسية ليس باعتبارها جذورا حضارية انتهت بالذوبان في الإسلام على غرار نظرة كثير من العرب لحضاراتهم السابقة كالفرعونية والبابلية، وإنما ترى إيران في نفسها امتدادا لحضارة الفرس بأبعادها ومكوناتها، إلا أنها جعلت مركزها دين الرافضة بدلا من عبادة النار. ..
فلا تلومونا إن وصفنا المشروع الإيراني بالفارسي المجوسي.
====
لكن ما هي جذور الحقد الإيراني ضد العرب؟
وما هو تأثير التراث الفارسي على النفسية الإيرانية؟
وما هو دور الثقافة الفارسية في الترويج للمشروع الإيراني؟
أسئلة تحتاج إلى إجابات تفصيلية، حتما سيكون لنا معها حديث آخر، لنُميط اللثام عن هذا الارتباط بين المشروع الإيراني والحضارة الفارسية، قبل أن يعود إيوان كسرى.
وللحديث بقية..

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب:كشف حساب الأمن القومى العربى

ما هى حقيقة الامن القومى العربى الذى يتشدقون به هذه الايام و يتقاتلون فى شرق البلاد ومغاربها باسمه زورا و بهتانا، وهو منهم برئ.
اننا نفهم انه الامن الموحد للأمة العربية شعبا وارضا ومصيرا.
والذى يعنى ان استقلال وامن و تقدم الاقطار العربية وإشباع احتياجات شعوبها لا يمكن ان يتحقق الا بوحدتها الشاملة.
وان اى تهديد او خطر او عدوان تتعرض له اى بقعة عربية هو قضية ومشكلة كل العرب، لا يمكن حلها الا بأدوات وامكانيات وقيادة عربية موحدة (دولة عربية واحدة).
ينطبق هذا على مخاطر الهيمنة الخارجية، سواء كانت امريكية او اوروبية او روسية، وعلى وجود الكيان الصهيونى ومشروعه، وعلى قضايا التنافس والنزاعات الاقليمية، وعلى عجز الاقطار العربية الصغيرة عن الدفاع عن نفسها ووجودها، وعلى عجز الاقطار العربية الكبيرة الفقيرة عن سد احتياجاتها الاقتصادية والاجتماعية، وعن عجز مصر وحدها عن مواصلة الحرب و المواجهة العسكرية مع اسرائيل المدعومة امريكيا، وعن عجز سوريا عن تحرير الجولان بدون مصر، وعن عجز المقاومة الفلسطينية عن تحرير ارضها منفردة، وعن عجز المقاومة العراقية وحدها فى مواجهة الاحتلال الامريكى والاختراقات الايرانية، وهكذا.
***
ان فشل وانهيار الامن القومى "المنفرد" هو حقيقة تاريخية وموضوعية ثابتة منذ ما قبل الميلاد، منذ ان عجزت شعوب المنطقة وقبائلها عن الاحتفاظ باستقلالها، وسقطت تحت الاحتلال الاجنبى الاوروبى لما يقرب من 1000 سنة متصلة.
فمصر على سبيل المثال منبع الحضارة واكبر دول المنطقة سقطت تحت الاحتلال اليونانى ثم الرومانى فالبيزنطى منذ 332 ق.م حتى فتحها عمرو بن العاص عام 642 م. وهو ما تكرر مع كافة دول وحضارات المنطقة فى تلك الحقبة بدون استثناء.
ولم ننجح فى التحرر من الاحتلال الا بعد الفتح العربى الاسلامى الذى صهر المنطقة ووحدها وحررها وعرَّبها، وحكمها بدول قوية على امتداد أكثر من 10 قرون.
وهو ما يعنى ان نظرية الامن القومى المصرى ونظيراتها فى كل الاقطار الاخرى، قد سقطت الى غير رجعة منذ ما يقارب 2500 عام. لتحل محلها حقيقة ونظرية الأمن القومى العربى. ولتتأكد هذه الحقيقة مرة أخرى مع الحملات الصليبية.
ولكننا وبسبب عصور التخلف والاستعمار الحديث وتسويات الحربين العالمية الاولى والثانية، عدنا مرة أخرى للرهان على حلول فشلت منذ عشرات القرون، فراهنا على التجزئة والتقسيم والدولة القُطرية والأمن القومى القُطرى، التى أخذتنا من هزيمة الى أخرى.
فلقد اثبتت التجارب على امتداد قرون طويلة، ان الامن القومى العربى الشامل وامن أى من أقطارها لا يمكن ان يتحقق الا بوحدتها الشاملة.
وأثبتت فشل ما دون ذلك من اشكال للتضامن او للتعاون او للدفاع المشترك التى لا تُفَّعَل ولا تدوم، وكذلك أى انخراط جماعى فى أحلاف دولية.
كما اثبتت ان الامن القومى ليس هو الناتج الحسابى لمجموع امن كل دولة عربية على حدا، لأنه فى كثير من الاحيان يتناقض الامن القُطرى مع الامن القومى العربى.
فعلى الرغم من كل الاعتداءات والمخاطر والمخططات الخارجية التى استهدفت ولا تزال الامة العربية واستقلالها وامنها، الا ان الاعتداءات الداخلية على الأمة، من قبل الانظمة العربية الحاكمة لم تقل عنها خطورة، وفيما يلى بعض الامثلة:
هزيمة 1967:
ربما تكون نكسة 1967، هى اقوى ضربة وجهت الى الامن القومى العربى، والتى لا نزال نسدد فواتيرها حتى الآن، بدءا من انسحاب مصر من الصراع مقابل استردادها لسيناء مقيدة القوات والتسليح، أو احتلال اسرائيل لمزيد من الارض العربية فى الجولان والضفة الغربية والقدس وغزة. الى آخر حالة الانقسام السياسى والايديولوجى العميق التى ضربت الامة وتياراتها، على اثر صدمة الهزيمة.
***
كامب ديفيد :
انسحاب مصر بعد حرب 1973 من الصراع ضد الكيان الصهيونى، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد والاعتراف باسرائيل، الذى تمت تحت شعارات الامن القومى المصرى، كان اكبر عدوان وتهديد للامن القومى العربى، من حيث انه مهد لتصفية القضية الفلسطينية، وجرد الامة من قيادتها التاريخية فى مواجهة الاعتداءات الخارجية، وثَبَّت وجود اسرائيل، وادى الى تحولها الى القوة الاقليمية الكبرى فى المنطقة، وانفرادها بباقى الاطراف العربية، والإجهاز على قدراتهم العسكرية واحدا تلو الآخر.
***
الممثل الشرعى الوحيد:
انسحاب الدول العربية من اى مسؤولية تجاه فلسطين، وترك الفلسطينيين يواجهون اسرائيل وامريكا ومجتمعهما الدولى منفردين، تحت شعار "منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى" الذى تبنته الجامعة العربية فى 1974، كان احد الضربات الخبيثة لقضية العرب المركزية، والتى ادت الى انكسار القيادة الفلسطينية وإخضاع ارادتها والاعتراف باسرائيل، بعد أن وقفت بمفردها فى مواجهة العدوان الصهيونى على لبنان 1982 الذى انتهى بطردها من لبنان ونفيها الى تونس بعيدا عن الارض المحتلة.
***
الاستسلام العربى الجماعى لاسرائيل :
وهو ما نتج عنه وتبعه قيام منظمة التحرير الفلسطينية فى اوسلو 1993 والأردن فى وادى 1994 وجامعة الدول العربية فى مبادرة السلام العربية 2002، بالتنازل عن الحق الفلسطينى والعربى فى ارض فلسطين التاريخية، والاعتراف بإسرائيل فعليا او ضمنيا، والتنازل عن الحق فى المقاومة والكفاح المسلح بل وتجريمهما، مما عمق من الضرب فى اسس الامن القومى العربى الذى بدأته مصر كامب ديفيد فى 1979. وهو ما أدى من ناحية أخرى الى عزوف وهروب قطاعات كبيرة من الشباب من الهويات الوطنية والعربية المهزومة والمستسلمة الى انتماءات وهويات طائفية بحثا عن بدائل للكرامة المهدورة، مما كان له دورا كبيرا فى تفشى جرثومة الصراعات والحروب الطائفية والمذهبية التى ضربت الواقع العربى مؤخرا.
***
ايلول الاسود:
استهداف المملكة الاردنية الهاشمية للمقاومة الفلسطينية عام 1970، وطردها من هناك، وجه ضربة كبيرة للامن القومى العربى بتجريده من احد ساحات النضال والمواجهة للعدو الصهيونى.
**
الحرب الاهلية اللبنانية:
تفجير الوضع اللبنانى عام 1975 على أيدى الدول العربية الرجعية والتابعة، بالتحالف مع القوى اللبنانية الطائفية وبرعاية امريكية ودعم اسرائيلى، فى استهداف للوحدة الوليدة بين المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية، والذى انتهى بطرد المقاومة من لبنان عام 1982 بعد ان سبق طردها من الاردن، جرد الامة العربية من ساحة اخرى من ساحات مواجهة العدو الصهيونى.
***
تل الزعتر :
مشاركة النظام السورى فى حصار وضرب المقاومة الفلسطينية فى لبنان فى سنوات الحرب الاهلية اللبنانية، لكى يكون له اليد الطولى فى الملف اللبنانى، كان هو ايضا احد الضربات القوية لجبهة المقاومة ضد اسرائيل.
***
الهيمنة الامريكية على الخليج:
استمرار تبعية المملكة السعودية ودول الخليج للغرب بقيادة الولايات المتحدة، الذى بدأ بإمارات الخليج مع بدايات القرن الثامن عشر، وتم تثبيته بعد الحرب العالمية الاولى وتعمق بعد الحرب العالمية الثانية، مَثَّل خنجرا خطيرا فى الجسد العربى، نجحت الولايات المتحدة من خلاله ان تعيد المنطقة الى عصر الاستعمار العسكرى التقليدى المندثر منذ نصف قرن، واحتلالها للخليج العربى 1991 ثم للعراق حتى الان. مع النهب المستمر والمزمن لمقدرات الامة من النفط وعوائده.
***
الصراع السورى العراقى:
الصراع المرير بين حزبى البعث الحاكمين فى سوريا والعراق، بدلا من سعيهما الى توحيد القطرين العربيين الشقيقيين، ومشاركة السوريين فى حرب الخليج الثانية تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية التى انتهت بحصار العراق ثم بغزوه، كان ضربة قوية هى الاخرى فى جسد الامن القومى العربى.
***
الحرب العراقية الايرانية :
تورط العراق بتحريض من النظام الرسمى العربى ودعم امريكى وغربى، فى حرب طويلة مع ايران 1980- 1988، بدلا من التركيز على مواجهة اسرائيل، خاصة بعد مأساة كامب ديفيد، أدت الى انهاك العراق وإضعافه، وإجهاض مشروع التعاون العربى الايرانى فى مواجهة الولايات المتحدة والمشروع الصهيونى.
***
الاحتلال العراقى للكويت والاستدعاء الخليجى للأمريكان:
الاستدراج الامريكى للعراق لاحتلال الكويت فى اغسطس 1990، واستنجاد العائلات المالكة السعودية والخليجية بالأمريكان لاسترداد عروشهم او حمايتها. والذى انتهى باحتلال الخليج وحصار العراق واحتلاله وتدميره وتقسيمه على امتداد الربع قرن التالى، كان فعلا كارثيا على الامة العربية ووجودها وامنها.
***
التواطؤ العربى:
الصمت والتواطؤ العربى فى مواجهة الاعتداءات والحروب الاسرائيلية على فلسطين ولبنان، وغاراتها على تونس والعراق وسوريا والسودان، والمشاركة العربية فى حصار الشعب الفلسطينى، وادانة المقاومة وحظر تسليحها، فى تماهى كامل مع المشروع الصهيونى وتصفية القضية الفلسطينية.
وكذلك الصمت والتواطؤ والمشاركة فى كل الحملات الامريكية ضد العراق، التى لم تتوقف منذ 1990، وآخرها ما يسمى اليوم بالتحالف الدولى .
***
الاستئثار بالسلطة والثروة:
واقصد بها كل السياسات الرسمية، التى حرمت المواطن العربى من حقه الثابت والعادل فى المشاركة فى ثروات بلاده وفى ادارة شؤونها، والتى يندرج تحتها سياسات القهر والاستبداد والاستغلال والإفقار والتهميش، والتى أضعفت مشاعر الانتماء الوطنى لدى قطاعات كبيرة من الشعوب العربية، فأضعفت الجبهات الداخلية، وجعلتها فريسة سهلة للهزيمة والانكسار والانقسام.
وما ارتبط بذلك مؤخرا من الانقضاض بالقوة والقهر او بالاحتواء و الإفساد، على الثورات العربية وإجهاض أحلام الشعوب فى الحرية والكرامة والعدل والعدالة. وما سينتج عن ذلك من مشاعر هائلة بالظلم قد تسفر عنها موجات غير مسبوقة من العنف، تقضى على البقية الباقية من الامن والاستقرار.
***
كان ما سبق مجرد عينات على سبيل المثال وليس الحصر، وكلها تكشف حجم وعمق الأضرار التى اصابت الامة العربية واستقلالها واستقرارها وأمنها على أيدى النظام الرسمى العربى والأنظمة الحاكمة والحكام العرب، والتى كانت أضعاف مضعفة مما أصابنا على أيدى القوى والأعداء الخارجيين.
ليصبح السؤال الواجب هو: من يمكنه بعد كل ذلك أن يصدقهم أو يؤيدهم او يعطيهم الثقة والأمان ؟
*****
موضوعات سابقة :

21 أبريل 2015

زهير كمال يكتب: حول الموقف من إيران

في مقال هام للأستاذ محمد سيف الدولة بعنوان عرب وإيرانيون وبعض التعليقات الواردة عليه أود إيراد النقاط التالية علها تلقي بعض الضوء على هذه العلاقة المتشابكة بين العرب وإيران والتي تنعكس أو يتم عكسها على المذهبين السني والشيعي.
1. في التاريخ القديم عاشت الدولة الفاطمية لمدة 250 عاماً على معظم أراضي الوطن العربي وكانت عاصمتها القاهرة ، والمعروف أن هذه الدولة كانت دولة شيعية ، مع أسفي الشديد على استعمال هذا الوصف الذي لم يستعمله سوى مثقفينا في العصر الحاضر ، كان يمكن للمجتمع العربي السني أن يتشيع في هذه المدة الطويلة من الزمن ، أليس الناس على دين ملوكهم ؟ ألم يكن الأولى بأهل مصر السنة ومركز صنع القرار في عاصمتهم أن يفعلوها . لم يحدث هذا والدليل أنه في الوقت الحاضر يدين جميع الشعب المصري بالمذهب السني .
ولن نستطيع وصف حكام ذلك الزمن بأنهم ديمقراطيون وأنهم يؤمنون بحرية الرأي والمعتقد. ولكن لأنهم ببساطة شديدة لم يكونوا يشعرون بأي فرق بين المذهبين .
وعلينا أن نسجل هنا أنهم لم يكونوا يدينون بالتبعية للدول الكبرى في ذلك الزمن ، فهم دولة كبرى ويشعرون بالعظمة وليس مثل الفئران المذعورة، كما في يومنا هذا، والتي ترتمي في أحضان الأجنبي وتستمد حمايتها منه.
2. قبل قيام الثورة الإيرانية احتل شاه إيران ( الشيعي) سلطنة عمان وسيطر على مضيق هرمز من الجانبين ، هذا المضيق الذي تمر منه معظم الصادرات النفطية وتقوم أساطيل العالم المختلفة بحمايته وضمان بقائه مفتوحاً، كان هدف الشاه القضاء على ثورة أهل ظفار ( السنة). يومها لم يعترض النظام السعودي وشيوخ الخليج وسلطان عمان على قتل الشيعة للسنة في عمان ، يومها لم يهدد أحد بالويل والثبور وعظائم الأمور لتلك الفعلة الشنيعة ، ولم يتباكَ أحد على المذهب السني الذي يضيع على أيدي الشيعة. فلماذا لم ينظر أحد الى هذه الفروقات المذهبية قبل نصف قرن ؟ أليس واضحاً أن ولي أمر الطرفين كان واحداً وليس من مصلحته إثارة هذه النقطة التي تعصف بعالمنا العربي؟
3. بعد قيام الثورة الإيرانية ظهر في العالم الإسلامي طراز جديد من الحكام ، يجلسون على الأرض في بيوت متواضعة ويتناولون الخبز وبعض حبات التمر مع اللبن ، يعطون مثلاً مغايراً للأبهة والفخامة والبذخ عمن يتناولون طعاماً مثل ألسنة بعض أنواع العصافير القادم من باريس بطائرات خاصة. وكان لابد من القضاء على هذا المثل المنبه للشعوب العربية الغافلة التي تؤمن بأن الله قد قسم لها رزقها وأن طاعة ولي الأمر من طاعة الله. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقف فيها النظام السعودي ضد ثورات الشعوب فمنذ الخمسينات من القرن الماضي وقفوا ضد الثورة المصرية وحاولوا اغتيال قائدها واستمر هذا النهج حتى يومنا هذا، فهي مسألة مبدأ لا يحيدون عنه.
4. تلاقت مصالح صدام حسين الذي وقع اتفاقية مذلة مع شاه إيران في الجزائر مع مصالح النظام السعودي وتم شن حرب ضد الثورة الإيرانية الوليدة مات فيها مليون شاب من الطرفين واستمرت ثماني سنوات وتم ضرب صواريخ على سكان طهران، اضطرت الخميني الى الاعتراف بالهزيمة. في نفس الوقت الذي استقبل فيه السادات شاه إيران السابق واحتضنه بعد أن لفظته كافة دول العالم بما فيها السيد الأمريكي.
5. ما يعنينا من هذا السرد التاريخي هو إبراز الحالة النفسية التي وصل اليها الشعب الإيراني وهو يرى العرب يقومون بكل ما يستطيعون فعله ضده من أعمال تقتيل وتآمر وإذلال ، ألا يشبه هذا حالة الشعب المصري بعد نكسة 1967 وهم يرون دولة صغيرة مثل إسرائيل تهزم دولتهم وهم يعدون عدة أضعاف سكان إسرائيل. يومها عبر الخميني عن حالة شعبه قائلاً إنه تجرع السم ، بينما عبر عبد الناصر عن ذلك بتقديم استقالته الى شعبه. طبعاً مضى زمن طويل على شعوبنا العربية لم تر فيه زعماء يشعرون بشعوبهم ويعبرون عنها.
ومن الجدير بالذكر أن حرب الخليج الأولى كانت بداية الحملة العنصرية ضد شعب إيران ، وصلت الى حد تكفيره بعد أن أطلق صدام اسم القادسية على حربه ضدهم. وهناك صفة تمتاز بها كافة شعوب الأرض وهي التعميم فما يفعله الزعيم ينطبق على شعبه كله حتى ولو كان هذا الزعيم مفروضاً بالقوة .
6. هذه الحالة النفسية التي يصل اليها شعب من الشعوب هي الدافع له لكي ينهض من كبوته وسباته ، وقد استطاع شباب مصر الانتصار في حرب أكتوبر المجيدة ، أما إيران فقد أطلقت أقماراً صناعية الى الفضاء الخارجي ، بينما نجد أن الملك السعودي يذهب الى العلاج في الخارج. وهذا مثل على حالة الأمم التي لا تتقدم الى الأمام.
ويرجع ذلك الى علة واحدة تسري على كل الدول العربية وهي نظام الحكم غير المناسب للعصر الحالي ، إن لم يكن غير مناسب أساساً لأي عصر. فشعوبنا حباها الله الذكاء والفطنة والقدرة على تحمل الصعاب وحل مشاكل عصرها إن منحت الفرصة ، الأمر الذي لم يحدث حتى تاريخنا هذا.
7. من المعروف علمياً أن الطبيعة لا تقبل الفراغ وينطبق هذا على النفوذ والقوة أيضاً وفي الحالة العربية الراهنة ، نجد كلاً من إيران وتركيا تحاول ملء الفراغ الموجود في المنطقة ، فهل نلوم إيران أو تركيا على ما تفعلانه أم نلوم أنفسنا؟ لم يستطع النظام السعودي ملء الفراغ الناتج عن تخلي مصر عن دورها الإقليمي والدولي، فالمال وحده لا يشتري النفوذ ناهيك عن استقلال القرار والتمثيل الحقيقي للشعب ولكافة شعوب المنطقة.
8. كانت المحاولة الأولى للشعوب العربية للخلاص من حالة الجمود التي فرضت عليها لمدة طويلة ما عرف بثورات الربيع العربي التي فشلت في معظمها نتيجة الضعف الشديد الذي أصاب الطبقات الوسطى في معظم البلاد العربية ، ضمن هذه المحاولات الأولى كانت الثورة السورية التي أيدها الجميع في بدايتها. لم يع قادة الثورة ومفكروها ولم يحللوا أوضاع المنطقة والمحاذير الكثيرة التي تصاحب ثورة شعبية في منطقة ملتهبة وكان أولى بهم أن يحافظوا على سلمية الثورة مهما كانت الظروف والتضحيات، كما هي حالة تونس ومصر التي نجح فيها الشعبان في إزاحة رأس السلطة ، ولكن هؤلاء المفكرين استسهلوا الحل فبدأ العنف. واليوم حين نلخص الوضع بسؤال نقول:
ما هذه الثورة التي يمولها النظام السعودي ويقوم بتدريب أفرادها المخابرات الأمريكية والأردنية ويقوم بعلاج جرحاها الكيان الإسرائيلي؟
9. في نقاط الخلاف مع إيران حول الجزر الثلاث المحتلة في الخليج ، علينا أن نعمم المسألة فالجزر الثلاث هي جزء من وضع عام في العالم العربي الذي تطير أطرافه بسبب الضعف العربي، سبتة ومليلة والجزر المغربية، ولواء الاسكندرون الذي تحتله تركيا، والأحواز الذي تحتله إيران .
وقد يحلم ملك المغرب باسترجاع المسروقات الى ملكه السعيد ، غير أن الأمر لا يتعدى الحلم المجرد ، ولكن شيوخ الخليج يستعملون الموضوع للتجارة وكسب المال. فمنذ الحظر الغربي المفروض على إيران كانت دبي متنفس إيران المالي على العالم الخارجي ، وخشية التجار أن تنقل إيران تعاملاتها الى مراكز مالية أخرى في آسيا مثل هونج كونج أو سنغافورة تجعلهم يغضون الطرف عن أمر صغير مثل احتلالها لبعض الجزر الصغيرة. ولكن للأمانة يقوم إعلامهم بتذكيرنا بالواقعة التي مر عليها ردح من الزمن كلما احتاج الأمر.
10. بالنسبة لموضوع إيران وتصدير المذهب الشيعي الذي يخيف مثقفينا، يخطر على البال سؤال افتراضي وهو ما الذي يحدث لو تحول أهل السنة الي المذهب الشيعي أو العكس؟
لن يتغير شيء من واقع هذه الشعوب فالمسألة الخلافية بين المذهبين هي مسألة تاريخية لا علاقة لها بحاضرنا المعاش. كما أن التاريخ نفسه لن يتغير ولعل المذهب الزيدي في اليمن هو الحل الوسط بين السنة والاثنا عشرية فهم يحترمون صحابة رسول الله وزوجاته ولهذا لم نجد أية مشكلة مذهبية عبر العصور في اليمن السعيد والمظلوم. ولم أجد أسخف من اتهام إيران بهذا الموضوع ، إذ لم يستطع الحكام الفاطميون عبر 250 عاماً تحويل السنة فما الذي يستطيع بعض الدعاة إضافته؟
11. إن موقف المثقفين من القضية الفلسطينية ووجود إسرائيل كجسم سرطاني هو المعيار الحقيقي وهو البوصلة، ولن نتطرق الى موقف الدول من هذا الموضوع فهو معروف للجميع. ولكن دعونا نتخيل منطقة الشرق الأوسط بدون حركات المقاومة كما يريدها النظام السعودي وباقي الأنظمة العربية ، فما مبلغ الإحباط والخذلان واليأس التي ستشعر بها شعوبنا ؟ 
يقول أهلنا في الجزائر : لا يبق في الواد إلا الحجارة .
أما مظفر النواب ( الشيعي) فيقول:
يا حامل مشكاة الغيب بظلمة عينيك ترنم بلغة القرآن فروحي عربية

19 أبريل 2015

د. مصطفى النجار يكتب: التنوير بحرق الكتب

يمكنك أن تفعل أى شىء فى مصر الآن مهما كان متجاوزا أو مرفوضا أو مخالفا للقانون والأعراف، طالما أنك ترفع شعارا من ثلاثة شعارات ومبررات (أصلهم إخوان – الحرب ضد الإرهاب – التنوير)، يمكنك أن تقتل شخصا بلا ذنب وحين تتم مساءلتك تقول لقد كان إرهابيا، يمكنك أن تعبث بالمناهج التعليمية دون رؤية تربوية لتنتزع منها ما تشاء وإذا سألوك فقل إننى أحارب الإرهاب، بل يمكنك أن تحرق الكتب مثلما فعل التتار حين احتلوا بغداد وإذا سألوك فقل أنا أنشر التنوير وأحارب التطرف!
شاهد العالم هذه الصور التى ستدخل التاريخ بلا شك لهذه المجموعة التى كانت تحمل أعلام مصر بفرحة وتقوم بحرق مجموعة من الكتب فى فناء إحدى مدارس محافظة الجيزة، قد يصيبك مزيد من التعجب إذا علمت أن من تورطوا فى هذه الجريمة قاموا بإحضار مصورين لتصوير الحدث وعرضه على القنوات الفضائية! وتمت عملية الحرق بالتزامن مع إذاعة بعض الأغانى الوطنية (يا أحلى اسم فى الوجود – بلادى بلادى لك حبى وفؤادى – هتافات تحيا مصر).
من الكتب التى تم حرقها كتب لشيخ الأزهر الأسبق المرحوم الدكتور عبدالحليم محمود والعلامة والحجة القانونية والدستورية الدكتور عبدالرازق السنهورى وكذلك الشيخ على عبدالرازق صاحب كتاب (الإسلام وأصول الحكم)، أحد أبرز من خاضوا معارك فكرية فى بدايات القرن العشرين من أجل مدنية الدولة. وحتى تكتمل الكوميديا تم حرق كتابين لمؤلفين كلاهما كان من أعمدة نظام مبارك الإعلامية وتم تبرير كل ما مضى بأن هذه الكتب تحرض على العنف وتدعو للإرهاب.
•••
يرى البعض أن ما حدث هو محاولة مبتذلة من البعض للتقرب من السلطة التى رفعت شعار التجديد الدينى وحرب الارهاب ولكنها تحولت لمحاولة رخيصة ذات أثر عكسى. لكن الحقيقة بعيدا عن الانغماس فى تفاصيل الواقعة الكارثية فإن ما يحدث فى مصر الآن باسم التجديد الدينى والتنوير جريمة فى حق الدين والإنسانية.
نحن أمام هجمة عشوائية تفيض بالجهل والرعونة والسطحية البالغة، فحين تستضيف إحدى الفضائيات شخصا يقول (إن 99% من العاهرات محجبات) فى إطار دعوته لخلع الحجاب فلا يمكن اعتبار ذلك وجهة نظر ولا رؤية تنويرية بل هو سب وقذف وتشويه لكل امرأة مصرية ترتدى الحجاب!
يتشدق هؤلاء بالليبرالية وهم لا يدرون عنها شيئا، فالليبرالية لا تقول للناس البسوا أو اخلعوا بل تترك الحرية لكل فرد فى عمل ما يريد طالما أنه لن يضر المجتمع أو يتجاوز القانون العام. هؤلاء المهرجون على كل لون وشاكلة يجمع بينهم ضحالة الفكر والخلو من المضمون والتبجح بالجهل، والعجيب هو تمكينهم من منابر الإعلام وخطاب الناس.
تخيل أن التلميذ الصغير الذى يحاول أهله تنشئته على حب القراءة شاهد معلميه وهم يقومون بحرق الكتب ويحتفون بذلك ويعتبرونه ضربا من الوطنية الخالصة! أى تشوه سيصيب هذا الجيل؟ وأى عداء للمعرفة؟ إن فكرة حرق كتاب فى القرن الواحد والعشرين الذى صارت فيه المعرفة متاحة للجميع عبر شبكة الانترنت هى فكرة مختلة تستدعى ماضيا سلبيا لفترات انحطاط إنسانى وفكرى عاشتها الانسانية.
الأفكار ذات أجنحة لا يمكن منعها من التحليق وأيا كان محتوى أى كتاب فحرقه ليس الحل بل تفنيد أفكاره وغرس القيم السليمة والفكر الصحيح وتأصيل ذلك بالإقناع ومواجهة الحجة بالحجة وليس اللجوء لبيئة محاكم التفتيش والعصور الوسطى.
لا يمكن وصف هؤلاء بالتنويريين بل هم دعاة التنوير الظلامى وممارساتهم هذه لا تختلف عن فاشية من ينتقدونهم ولا علاقة لها بالوسطية او الاعتدال بل هم وقود لهوس دينى مضاد وتطرف انتقامى قادم سيجد المبررات للتحول للعنف من أجل حماية الدين الذى يرون أن هؤلاء يحاربونه ويسيئون إليه.
•••
إذا قمنا بعقد مقارنة بين مدعى التنوير من هؤلاء وبين تنويرى حقيقى مثل الإمام الشيخ محمد عبده سندرك كم هو الفرق شاسعا بين فهم هؤلاء لحرية الفكر واستقلال الارادة، يقول الشيخ (إن الإسلام أطلق سلطان العقل من كل ما كان قَيَّده، وخلَّصه من كل تقليد كان استعبده، وردّه إلى مملكته يقضى فيها بحكمه وحكمته، مع الخضوع مع ذلك للَّه وحده، والوقوف عند شريعته، ولا حدَّ للعمل فى منطقة حدودها، ولا نهاية للنظر يمتدّ تحت بنودها، بهذا تمَّ للإنسان بمقتضى دينه، أمران عظيمان طالما حرم منهما، وهما: استقلال الإرادة، واستقلال الرأى والفكر، وبهما كملت له إنسانيتُه، واستعد لأن يبلغ من السعادة ما هيّأه اللَّه له بحكم الفطرة التى فطر عليها).
مصر تمضى إلى مستقبل مظلم إذا استمر هؤلاء فى تصدر منابر الفكر والإعلام وخطاب الجماهير. السلطة التى تبنت خطاب التجديد الدينى لا يمكن أن تغسل يديها من هذه الخطايا التى يمارسها من يحاولون التقرب منها بهذه الترهات والأحاديث الفارغة والأفكار المغلوطة.
لا نطالب بقمع أى فكرة مهما كانت تفاهتها ولكن لابد من توفير البيئة المناسبة لنقاش الأفكار وتصارعها، ولا يمكن حصر منابر الاعلام فى المقربين من السلطة الذين يتبنون هذه الأفكار العبثية دون وجود معادل ومكافئ موضوعى يفند هذه الأوهام.
نريد تنويرا حقيقيا يجدد الأفكار ويحفظ الثوابت والويل لأمة تهدم ثوابتها وتعبث بهويتها وليبقى هدفنا الواضح هو تجديد لا تبديد

محمد رفعت الدومي يكتب: ويحبُّ ناقتها بشيري!

انتهي العرس الديمقراطي في نسخته السودانية، وكعادة كل الأعراس الديمقراطية في هذه البقعة الرديئة من الكون كان مجرد استربتيز سياسي رخيص من الواضح جدًا أن الغرض الوحيد منه هو إضفاء لون من ألوان شرعية الصناديق علي مجرد استفتاء تشتعل ملامحه كفضيحة تدق أجراسها في كل ألاروقة السياسية علي سطح الكوكب، هذا هو النصف الفارغ من الكوب يا سادة، أما النصف الممتلئ فهو أننا كعرب قد ظفرنا بعُرفٍ أصبح الآن دارجًا، وهو تمديد أعراسنا الديمقراطية يومًا إضافيًا أخذ السودانيون فيه "غسطًا" من الراحة بين "ليلة الحنة" و "ليلة الدخلة"! 
كيف يفكر هؤلاء؟ هل يظنون حقَّاً أن الممسكين بخيوط الكوكب الذين تقام أعراسنا الديمقراطية لإرضائهم هم فقط، ولتبديد انزعاجاتهم الكاذبة هم فقط، لا لإرضاء القطيع وتبديد مخاوفه الحقيقية، يحتاجون إلي الاسترخاء فوق معجزة ليكتشفوا ما يدور وراء كواليس السياسة في أي مكان علي سطحه؟
هؤلاء يعرفوننا حتي جذور أعصابنا وحتي تلك الأفكار السوداء التي تلتحق بكوابيسنا، يعرفوننا أكثر مما نعرف أنفسنا، لذلك، ما قد ينطلي علي قطعان العبيد التي صنعتها الأنظمة علي عيونها وعلي عيون جلاديها لا يمكن أن يمرَّ علي أذهان أولئك المنهكين بالحرية دون أن ينبه نظرية أو يرتطم بعوائق النقد والتحليل، ولنفترض جدلاً أن أذهانهم قد تمتص المكيدة لجودة تنسيقها وهذا مستحيل، فلا أقل من أن يتسائلوا:
- في بلد تزداد جراحه عمقًا كل صباح، ويقف علي مشارف الركود وعلي حواف الإشتعال من كل جانب، أي انتخابات تلك التي يكون الفائز فيها معروفًا قبل إجرائها، والأغرب أن الفائز، قولاً واحدًا، هو هو السبب المفصليُّ في أمراض هذا البلد؟
"عمر البشير" طبعًا هو العريس المنتظر، وعما ساعات سوف يفض بكارة السودان مرة أخري، لذلك، فالإنتخابات السودانية أشبه بعملية ترقيع أخري لتزييف عذرية دولة بلغت من النحافة علي كل الأصعدة حدًا لا تستحقه، ولسوف تظل السودان في عصمة "البشير" عقيمًا! 
و"البشير" يذكرني دائمًا، أو لأكون أكثر دقة، تذكرني به دائمًا طرفةٌ بطلها الطبيب الشاعر "إبراهيم ناجي"، ربما، لأنني، لم أعرف وعاءًا يحمل اسم "بشير" أشهر منه، تمامًا، كما تذكرني دائمًا بالعظيم الراحل "نيلسون مانديلا" علي الرغم من ضمور العلاقة بينهما لوحة "أم ويسلر"، لسبب لا أعرف من أين يهب.. 
كان لدي الشاعر الطبيب "إبراهيم ناجي" ممرض، أو "تومرجي" أغلب الظن أنه من بلاد النوبة اسمه "بشير"، وكان من بين المترددات علي عيادته شابة حسناء اعتادت أن تأتي العيادة برفقة جارية لها سوداء، حدث أن أفرط "بشير" ذات يوم في الترحيب بها بالقدر الذي ألهم "ناجي" أن يترك لنا من بين إرثه الشعري طرفةٌ موزونة، لقد عارض بيت "المنخل اليشكري" الأشهر من "المنخل" نفسه:
وأحبُّها وتحبُّني / ويحبُّ ناقتها بعيري
فقال "ناجي":
بالأمس.. طوَّف بالعيادةِ شادنٌ حلو العبير
وأحبُّها وتحبُّني/ ويحبُّ عبدتها (بشيري)
كان إصرار "إبراهيم ناجي" علي الإخلاص لإبداع الهزل من حين لآخر كهذه الطرفة وغيرها هو مصدر نقمة "طه حسين" عليه، ولقد بلغ به الغيظ منه ذات يوم مرتفعًا لم يخجل معه أن يجرده تمامًا من شاعريته ومن معرفته بالطب حتي عندما وصفه قائلاً:
- "إبراهيم ناجي" شاعرٌ بين الأطباء وطبيبٌ بين الشعراء!
لكن.. كيف نصدق هذا الكلام ونصدق في الوقت نفسه أن المعنيَّ به هو القائل:
وَمِنَ ٱلشَّوْقِ رَسُولٌ بَيْنَنَا/ وَنَدِيمٌ قَدَّمَ ٱلْكَاسَ لَنَا
هَل رَأَى ٱلْحُبُّ سُكَارَى مِثْلَنَا/ كَمْ بَنَيْنَا مِنْ خَيَالٍ حَوْلَنَا
ومَشَيْنَا فِي طَرِيقٍ مُقْمِرٍ/ تَثِبُ ٱلْفَرْحَةُ فِيهِ قَبْلَنَا
وضَحِكْنَا ضِحْكَ طِفْلَيْنِ مَعًا/ وَعَدَوْنَا فَسَبَقْنَا ظِلَّنَا..
وبعيدًا عن الهزل وأشياء "إبراهيم ناجي"..
لا شك وأيم الله في أن السودانيين يستحقون أفضل ألف مرة من "عمر البشير" ليدير شئونهم، وليس لدي شك في أن معظمهم يفطن تمامًا إلي هذه البديهية، تمامًا، كما ليس لدي شك في أن غليانًا مريبًا يتحرك في أعماقهم قد يحطم القدر عما شهور من كل جانب!
ليسوا الكسالي والكسالي غيرهم، فلا هم يأخذون عند الاستيقاظ من النوم كما يشاع "غسطًا من الراحة"، ولا هم عندما يكون أحدهم راقدًا علي ظهره ويشعر بالرغبة في البصق يمنعه الكسل من الاعتدال ليبصق، لذلك، هو يبصق إلي أعلي ثم بعد أن يستريح يزيل بصاقه من فوق ثوبه.. 
ولا هم المعنيون بتلك النكتة التي انتشرت عندما كان منحني الثورات العربية في ذروة النقطة:
زعموا أن "البشير" خاطب الشعب السوداني قائلا: 
- يا جماعة، لو ما دايرني ودايرين تطلعوا مظاهرات كلموني..
فأجابه الشعب السوداني:
- آآآآي، لا لا خليك يا ريس نحن ذاتنا ما فينا حيل للمظاهرات!
ولا هم أيضًا ينظِّرون لتبجيل الكسل وإغراء الآخرين به كباحثهم هذا الذي قال:
- لو كان المشي مفيدًا للصحة لكان ساعي البريد أحسن الناس صحة بالعالم!
- لو كانت السباحة وأكل السمك مفيدًا للصحة فلماذا الحوت يسبح طوال اليوم، وأكله كله سمك، ومع هذا يشتكي من السمنة وزيادة الوزن؟
- والأرنب يقفز ويجري ومع هذا لا يعيش أكثر من 15 سنة!
- أما السلحفاة فهي تنام كثيرًا، ولا تجري نهائيًا، ولا تأكل سمك، ولا تقوم بأي عمل شاق، ومع هذا تعيش 450 سنة!
كلام مقنع والله ويحترم المنطق ويحرض فعلاً علي الكسل، أنا أيضًا، لماذا أكتب؟ ولمن؟ ولماذا؟
كثرٌ من كتبوا قبلي وغادر الضوء أسمائهم بعد ساعات من رحيلهم، بينما من لا يعرف الكتابة أو القراءة متي قتل أو خان صار زعيمًا ملهمًا، وإن كان صنمًا صناعياً من غبار أو أقل شأنًا!
كذلك، كان الخائن "أمين عثمان" يسافر للاسترخاء في "سويسرا" مرتين في العام عندما كان العظيم شاعر البؤس "عبد الحميد الديب" ينزف بيته الشهير:
كأنِّي حائطٌ كتبوا عليه/ هنا يا أيها المزنوق طرطرْ!
المجد للكسالي

مصادر عراقية .. الرفيق عزة ابراهيم الدوري بخير

وردنا من مصدر بعثي موثوق به ان المجاهد عزة ابراهيم الدوري بصحة وعافيه يرأس رفاقه المجاهدين بكل ارض العراق ولا صحة بتاتا لما نشر من اكاذيب وتلفيقات من قبل رائد الجبوري محافظ صلاح الدين حول مقتل الدوري في جبال حمرين , اشاعة هذا الخبر الكاذب الملفق المفبرك يراد منه التغطية على خسائر الحشد الشعبي "جحش" والجيش الصفوي بصلاح الدين والانبار وبيجي والصور التى نشرتها الصحف ووكالت الانباء نهائيا ليست لعزة الدوري وتصريح الدكتور المرشدي المرفقة صورة منه ادناه صحيح مئه بالمئه .. اليكم صوره عزة الدوري وصورة الشخص الذي ادعوا انه عزة الدوري
ومن جانبهم قال مراقبون ان آذنى عزت الدوري التى جاءت في الصور متباعدة بمنطقة الصيوان العليا عن جانب الجمجمة بينما الذي عرضوا صورته آذانه لصيقة الصيوان بالجانب، وكانت هناك صورتان : في إحداهن الأسنان الأمامية مفقودة بعدد إثنين وفي الأخرى الأسنان الأمامية موجودة ، هل تعرضت الجثة للضرب كما فعلوا مع جثة صدام حسين وقتها بحيث تحطمت الأسنان قبل تصوير اللقطة التالية؟
من جهة أخرى يبدو تأثير الزمن و فارق العمر أقل بالقياس للفترة التي مضت ( 2003 - 2015)، كل هذا يقف مقابله شبه قوي لا يمكن تجاهله ، لذا يصعب القول هنا بصحة الموضوع، ثم هل ينكر الحزب شيئاً كهذا في حالة حصوله ويسجل موقفاً على ذاته بينما فحص الحمض النووي وشيك ( هذا في حالة توفر قاعدة بيانات أو أقرباء مباشرين يتم مقارنة النتائج بهم )؟ كان عزة الدوري بحمرين بقرية لاحد القبائل العربية هناك حيث كانوا يخفونه لديهم ، اعرف هذا منذ عام 2004 لكن الأمور تتغير!!!