22 فبراير 2014

تقرير رويترز الذي لم تنشره الصحف : شبكات مصالح نظام مبارك تعود للرجل العسكري الجديد في مصر

عندما أطاحت الثورة بالمستبد حسني مبارك، رجال مثل أحمد سيف الذين ساعدوا في تشغيل شبكة المحسوبية الواسعة اختفوا.
بعد ثلاث سنوات، سيف وأعضاء آخرين في حزب مبارك (الحزب الوطني) عادوا للعمل في الريف حيث الكثافة السكانية يقدمون كل شيء من الثلاجة للمقبلين على الزواج لرواتب مثل الرعاية الاجتماعية للفقراء في مقابل أصواتهم في الانتخابات.
هذه المرة، الماكينة السياسية الماهرة تحشد التأييد لقائد الجيش المشير عبدالفتاح السيسي الذي أطاح بأول رئيس جاء بانتخابات حرة محمد مرسي، وتوقع أن يصبح رئيسا.
عودتهم تثير شكوكا جديدة عن التحول السياسي المتعثر في أكبر دولة عربية.
على الرغم من المتوقع أن السيسي سيفوز بأغلبية ساحقة، دعم زعماء العصابات المحلية المؤيدين له يقدم إشارة انه يمكنه ترسيخ حكمه بنفس طريقة حكم نظام مبارك.
كان من المفترض ان ثورة يناير معنية بتطهير المشهد السياسي من المتحكمين مثل أحمد سيف الذي كان عضو في البرلمان في عصر مبارك، أمواله واتصالاته تعطيه هيمنه هائله في الريف المصري حيث ما يعطي الناس عادة أصواتهم لمن يوفر وظائف و اعانات مالية.
بيت أحمد سيف مفتوح دائما لأي شخص في شبين الكوم، مجموعة من المباني السكنية المسقوفة على احد روافد النيل المار حول الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجا في البلاد.
“تفضل بالجلوس” قائلا وهو يدير مسبحته وهو يرتشف الشاي في الصالون اعلى شركة السياحة التي يمتلكها التي تغطي انحاء البلاد، بينما يستقبل مرحبا رجلين يريدان أموال لإصلاح المسجد الذي يرتادونه.
“اذا كان من أحد يعد العدة لخوض الانتخابات ، يجب عليه توفير خدمات للناس”
في الغرب، السياسيون يتحولون الى شركة علاقات عامة معقدة أثناء الحملات الانتخابية، أما هنا فيظهرون كلاعبين مثل أحمد سيف الذين يجلسون في مكاتبهم يستمعون الناخبين ويقدمون حلولا من شخللة جيوبهم.
ويقول محللون ان طبيعة السياسة في مصر تعني أن نفوذ الأعيان (الوجهاء) المحليين يفوق عادات التصويت خصوصا في البلدات والقرى الريفيه، حيث تتركز الكثافة السكانية، ومن المرجح أن تظل على نطاق واسع لسنوات قادمة.
مع وجود العديد من أنصار مرسي في المعتقلات او مدفوعين للاختفاء من الملاحقه، وأحزاب ليبرالية غير قادرة على منافسة السيسي، هناك عدد قليل من القوى في وضع يمكنهم استعادة والحفاظ على النظام.
حزب مبارك (الحزب الوطني) المنحل عقب ثورة يناير لم يكن أبدا مؤدلج مثل الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية . بدلا من ذلك، الحزب كان مطيه فعالة لتوزيع المحسوبية.
السيسي الذي بوسترات صورته معلقة في شبين الكوم قد يضطر الى الاعتماد على المدى الطويل على السياسيين المحليين الذين يستطيعون تأمين مستوى من الموافقة من الناس التي لا يمكن تحقيقها بالقوة وحدها.
لكي يحفاظ السيسي على شعبيته عليه ان يعمل على استراتيجية سكان الريف ، كما فعل مبارك.
“من دون المناطق الريفيه والكثافة السكانية خارج المدن الكبرى لا يمكن لحكومة أن تأمل في اقامة كتلة سياسية من الدعم” حسب قول هـ.أ.هيللير الخبير بشؤون مصر وباحث في معهد بروكينغز.
“اذا كنت تسيطر على القاهرة فقط ، لا تأمل في احكام قبضتك للأبد”
عودة الى موضوعنا
حسنا، قبل انتخاب أحمد سيف في برلمان 2005 ، كان يوزع المال السياسي على ابناء بلدته، خدمة المجتمع ساعدت أحمد سيف إقامة مركزه السياسي كما قال طارق مسعود الأستاذ في جامعة هارفارد التي يسميها “احد الوجهاء البارزين”.
المصطلح يصف “شخص يملك ماكينة تصويتية جاهزه : شخص يملك عدد لا يستهان به من الناس الذين يعطونه صوتهم في الانتخابات مهما يكون” ، كما يقول طارق مسعود.
بعد الإطاحة بمبارك، اتخذ أحمد سيف المقعد الخلفي سياسيا يرقب مرسي وجماعة الإخوان يهمنوا على الانتخابات.
رأى سيف فرصته للعودة إلى اللعبة السياسية في الربيع الماضي، في ظل تصاعد الغضب على حكم جماعة الإخوان المسلمين
أولا، مول طبع استمارات محليا لحملة توقيعات التي تطالب بانتخابات مبكرة.
النشطاء المعارضين لحكم الإخوان المسلمين أخبروا رويترز أن أحمد سيف بدأ التبرع بالدعم لهم للتظاهرات التي بدأت في الثلاثين من يونيو، الموعد الذي حدد لتظاهرات في انحاء البلد. كان أحمد سيف لديه منصة نصبت، ساوند سيستم، وعشرات ينظمون توزيع وجبات مجانية (إعاشه ) ليتم تسليمها يوميا.
بعد أيام، أطاح السيسي بمرسي وكشف النقاب عن خارطة طريق سياسية وعد انها ستجرى انتخابات حره ونزيهه.
كما بدأت الدولة حملة أمنية على جماعة الإخوان المسلمين، اقتص أحمد سيف دورا كان قد شحذ خلال حكم مبارك.
قدم أحمد سيف عشرة آلاف وجبة خلال هر رمضان الى المواطنين المعارضين لحكم الاخوان المسلمين واشترى لعبا للأطفال. كما بقي على اتصال وثيق مع الحكومة الجديدة المؤقتة المدعومة من الجيش.
بعد حضور اجتماع في ديسمبر كانون الاول مع الرئيس المؤقت عدلى منصور بخصوص الدستور الجديد، عقد أحمد سيف ما أسماه “المؤتمرات” حيث صدحت الأغاني القومية، و زود الأشخاص الذين حضروا بالمشروبات والمواد الغذائية
الموافقة على الدستور بنسبة 98 في المئة من الناخبين هذا الشهر مهدت الطريق للسيسي ليعلن ترشحه للرئاسة و أحمد سيف على استعداد للمساعدة
“السيسي رجل وطني. أنقذ البلاد”، كما قال أحمد سيف.
الحكومة في القاهرة حريصة على التصريح بأن كل من الموالين لجماعة الإخوان و مبارك أعداء الأمة .
” لن تكون هناك عودة إلى ممارسات ما قبل 25 يناير لأن المصريين لن يسمحوا بعودة أولئك الذين كان لهم دور في وصول الأمور التي أدت إلى الثورة “، مصطفى حجازى، مستشار الرئيس المؤقت عدلي منصور .
ما يزال النقاد يقولون أن عودة شبكات المصالح هذه في الظهور مجددا للدعم خلف السيسي يمكن أن تحد من احتمال فصل السياسية الإقتصادية و تمويل الدولة من النخبة السياسية الحاكمة – سمات حكم مبارك الذي يقول النقاد انها خنقت الاقتصاد المصري
تقول الادارة المدعومة من الجيش أن الدعم الالي للدستور سيقدم فرصة للقطيعة مع الماضي.
ولكن عودة ظهور الناس المرفوضين من قبل الأقلية الليبرالية (فلول وبقايا نظام مبارك ) ، يشير المحللين إلى أن السيسي يمكنه الاعتماد على حكم طويل محتمل مدعوم من قبل العديد من الناس الذين دعموا مبارك.
في محافظة المنوفية ، موطن أحمد سيف و مسقط رأس مبارك ، كان بعض السكان الذين قابلتهم رويترز يشعرون بعدم الارتياح إزاء عودة سياسيين عهد مبارك
امرأة تبلغ من العمر 28 عاما التي سمت نفسها مروة قالت أنها فقدت الأمل في السياسة منذ ثورة يناير و لا تخطط للتصويت في الانتخابات المقبلة . وقالت ” لا أعتقد أنه سيكون أمرا جيدا إذا عادوا الى المشهد السياسي ” .

لا يزال كثير غيرها ينجذب مرة أخرى إلى ” الفلول ” مثل أحمد سيف – الذين يضمنوا شريان الحياة الاقتصادية للحكومة المركزية في القاهرة ، أو على أقل تقدير المساعدة في الدعم والمساندة
اسما مألوفا
في جميع أنحاء المدينة ، هناك دليل آخر على أن أركان نظام المحسوبية استعادوا الهيمنة مرة أخرى على السياسة المحلية
عودة لعام 2010، سامر التلاوي ، الذي ورث أحد المصانع التي تنتج أحد العلامات التجارية للتبغ المستخدمة في البايب في جميع أنحاء مصر ، فاز بمقعد في البرلمان في انتخابات اعتبرت انها زورت بشكل فج وعلى نطاق واسع وأحد أسباب ثورة يناير
انخرط مبكرا كقيادة شبابية في الفرع المحلي لحزب مبارك الحاكم، وضع التلاوي كـ سليل ثري لعائلة لها نفوذ و علاقات واسعة صنعت منه المرشح الطبيعي للمنصب.
مزرعة الماشية التي يمتلكها، والخيول العربية التي يمتلكها أخوه في اسطبلات بالقرب من أهرامات الجيزة تتحدث عن حجم الثروة التي جمعها أنصار مبارك .
مصنع التلاوي يعمل به نحو 2600 نسمة، وهو واقع يجعل له شعبية في الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر.
أغلقت آلاف المصانع منذ ثورة يناير 2011، انضم مئات الآلاف إلى صفوف العاطلين عن العمل في البلاد حيث يعيش خمسي الشعب على أو حول خط الفقر .
عندما جاء الإخوان المسلمين إلى الحكم، عضو من التيار الاسلامي فاز بمقعد التلاوي في انتخابات 2011.
“استهدفوني، هاجموني ، ” التلاوي ، 36 “كان لديهم مشكلة مع شعبيتي”.
بعد نجوميته السياسية التي أخذت في الارتفاع مرة أخرى . مثل أحمد سيف ، قال انه يرى في السيسي الحل لمواجهة عدد ضخم من مشاكل مصر.
“30 يونيو كانت ثورة شعبية والناس جعلت السيسي قائدا لها، لهذا السبب كانت ناجحة” عقب التلاوي ، في اشارة الى المظاهرات التي حثت قائد الجيش للاطاحة بمرسي .
رجل الأعمال حسن الهندام يقدم الخدمات للمواطنين الفقراء عبر المؤسسة الخيرية التي تديرها عائلته التي تعطي اعانات مالية شهرية ل حوالي 350 عائلة ، تساعد المكفوفين ، و تزود المقبلين على الزواج بأجهزه مثل الغسالات.
بالرغم من أن التلاوي لم يكشف عن خططه السياسية، الكثيرون يتوقعون له الترشح للمنصب .
“لديه فرصة كبيرة للفوز ” قالها طالب في مدرسة ثانوية مصطفى أشرف عن التلاوي ، مما يعكس المزاج المحلي.
ربما يكون حساسا من وصمة العار ضد أعضاء حزبه السابق، التلاوي أمضى الثلاث سنوات الماضية مركزا في تشغيل وادارة مصنعه والأنشطة الخيرية التي يقوم بها التي تزيد مخزونه المحلي بين الناخبين .
وقال مسعود البروفيسور في جامعة هارفارد أن عودة ” زعماء العصابات المحلية ” local kingpins إلى المناصب المنتخبة يثير تساؤلات عن الديمقراطية المصرية ، مضيفا أن نظام المحسوبية “ليس مثاليا”.
الآن في مصر لديك طريقا طويلا حتى تصل الى المثالية على أي حال ، فما تريده هو بعض العملية الانتخابية العادية التي تسمح للناس الذين يريدون الحصول على السلطة ان تقبل بشرعية الانتخابات كوسيلة للحصول السلطة” قال مسعود .
إذا نحن فقط أمكننا أن يكون هناك قليل من انتخابات حرة ونزيهة التي لم يتم إلغاؤها … ربما هذا هو أفضل ما يمكن أن نأمله في مصر في الوقت الحالي. ”
(شارك في التقرير مروة فاضل ؛ التحرير من قبل مايكل جورجي و آنا ويلارد )

الروائي عبد النبي فرج يكتب : ضد الانقلاب العسكري في مصر

 
ضد الانقلاب العسكري لأنني ببساطة انتمى لبلدة اسمها مصر، ذات أرث حضاري عظيم يمتد في التاريخ لمدة 3150 عام قبل الميلاد وقدمت للإنسانية انجازات مبهرة في الرياضيات والمسح والبناء وصل ذروته في بناء الأهرامات والمعابد والمسلات الضخمة، والخزف والتكنولوجيا، وعمليات فعالة لنظام الطب، وأشكال جديدة من الأدب، أمثلة الأدب الدنيوي حكايات وحواديت بديعة زى قصة خوفووالسحارين، والبحار الغريق، والفلاح الفصيح، وسنوهى، ونصائح الوزير بتاح حوتب، والملكين مرى كارع وامنمحتب الأول، والحكيم امنمؤبى، و” تحذيرات العراف ايبوود، و” الملل من الحياه ” والأغاني والتمثليات الشيقة زى تمثيلية حياة أوزوريس، وصراع حورس وست ونظم الري وأساليب الإنتاج الزراعي، وأقدم معاهدة سلام ,كما كان كتاب الموتى دليل لرحلة المتوفي في العالم الآخر. كانت المعتقدات في الذات الإلهية وفي الآخرة متأصلة في الحضارة المصرية القديمة منذ بدايتها واعتقد أن كل هذا الإرث العظيم يثقل على المصري عموماً وعلى الكاتب خصوصا الذي قرأ تاريخ مصر العظيم، مما يجعله يتساءل كيف تصل مصر هذه الأمة صاحبت التاريخ العظيم لهذا الانحدار، مصر الآن غارقة في وحل الدكتاتورية والعنف، والإقصاء وفي نفس الوقت هناك بلاد ذات تاريخ محدود نشأت في العصر الحديث قاموا ببناء دولتهم على الحرية والديمقراطية، والعدل، واحترام القانون؟ أن شعوب العالم جميعها تستحق الحرية وشعب مصر يستحق أن يكون حرا.
لأنني رأيت واري الرغبة العارمة في عيون شعب يثور توقاً للحرية والديمقراطية ويدفع حياته ثمناً رخيصا لها ,كما دفعها قبل ذلك في ثورة العارمة في 25 يناير وأنا منحازا لهذا الشعب الأبي. الذي أبهر العالم بثورة سلمية اقتلعت الدكتاتور حسنى مبارك ,والتى تلاعبت بها الدولة العميقة ممثلة في المجلس العسكري بأدوات الإعلام الفاسد والقضاء لنظل طوال ثلاث سنوات ننهك في قضايا مثيرة للسخرية، الدستور أولا أم الانتخابات أولاً، البيضة أم الدجاجة، مع تحالفات قذرة مع كل فصيل على حده والانفراد بالتيارات الثورية الشابة في محمد محمود، والأقباط وفصائل من الحركات الثورية في ماسبيرو, وتدميرها، ثم أتباع حازمون، ثم الانقلاب العسكري والانفراد بالإخوان المسلمون وارتكاب جرائم مفزعة، جرائم ضد الإنسانية، بدأتها في ميدان النهضة ثم أمام الحرس الجمهوري، ثم رابعة، ثم التحرير، جزار يمسك سطور ليذبح في الشعب، هذه الجرائم المهولة تمت تحت تحريض عنيف، من الأعلام، الذي لا يجرؤ أبدا أن يوجه كلمة واحدة ضد الكيان الصهيوني الذي أستباح سيناء عدة مراتوبالعكس، أخذ يزيف الحقائق العارية، ويجد الأعذار لهذا الاختراقات بالكذب .
لأنني أري أعداء هذه البلد العظيم منذ مئات السنيين، متربصون بها يمتصون خيراتها، ويستغلون مواردها، ويستعبدون ناسها، سواء بالاستعمار، أوبالاستغفال، أوبالمؤامرات ويساعدهم في تنفيذ أجندتهم عملاء محليين، والمؤامرة الأخيرة على الرئيس الشرعى المنتخب محمد مرسي ليست وليد الخيال ولكنها تكشفت بالصوت والصورة من خلال الميديا
1 – أن هذه المؤامرة شارك فيها بجوار القوات المسلحة، الدول العربية بتدخلها السافر في شئون مصر” السعودية – الإمارات _ وضخ أموالاً مرعبة لصالح فئة مرتزقة من الساسة، كما شكل المثقفين المصريين والصحفيين العملاء مع الأجهزة الأمنية غطاء سياسي سافر بنشر الأكاذيب والتخويف والإرهاب وتزييف الوعى
2 كشف الدكتور محمد البرادعي المدير السابق لوكالة الطاقة النووية والحاصل على جائزة نوبل العلاقة الخفية بين الانقلابيين والمخابرات الأمريكية من خلال حواره مع جريدة النيويورك تايمز، على أنه كان الوسيط بين الإدارة الأمريكية والانقلابيين، وهذا ليس غريبا على الإدارة الأمريكية لسلسة طويلة من العمليات السياسية والعسكرية في العديد من دول العالم، وخاصة في أمريكا الوسطى والجنوبية وغرب إفريقيا والشرق الأوسط والأدنى، حيث جرى العديد من الانقلابات العسكرية والتصفيات الفردية والجماعية.كما تلعب الوكالة دورا كبيرا في التنظيمات النقابية والثقافية, وهناك نمازج يمكن الرجوع إليها مثل تجربة مصدق في إيران وتجربة الليندي في شيلى .
لأنني كاتبا مؤمناً بإن دور الكاتب هوالدفاع عن الحرية، حد الموت حتى لأعدائه من أي تيار. أنا ادافع عن الحرية حتى لواستفاد منها ونازي، ليست عراف وليس مطلوباً أن أكون عرافا لأعرف من سينقلب على الديمقراطية ومن لن ينقلب، هناك نظام ومعروف ومجرب، في العالم كله، لسنا استثناء ولن نخترع، من ينقلب على الديمقراطية فليتحمل المسؤولية أمام شعبه
, لأنني في النهاية مؤمن بأن دور العسكر هو: تطوير الجيش لحماية الحدود فقط، خاصة أنها مهمة صعبة في ظل واقع صعب وجغرافيا قلقة، ومؤامرات لايختلقها الخيال ولكن تؤكدها الوقائع على الأرض، ولا أحد في هذه البلد مهما رفع شأنه له الحق على الوصاية على هذا الشعب, والوحيد الذي له حق عقاب وإقصاء أي فصيل سياسى : هوالشعب.
لأنني اعرف أن هذه البلد سقطت في جب الفساد, وان كل ما تم نشره في وسائل الميديا، خاص بدور محمد مرسي السلبي تزييف للوعي وأكاذيب . لايقبلها منطق أوعقل، كيف لرئيس دولة في بداية حكمه، يوافق على بيع سيناء ووتأجير قناة السويس وبيع محور قناة السويس لقطر وتأجير الهرم، والتنازل عن حلايب وشلاتين الخ إلخ، حتى اننى أخترعت خبر على الفيس بوك حول طلب الامير تميم، الفلوس الذي دفعها للرئيس محمد مرسي وقلت أن الراجل تنازل مشكورا عن الفلوس الذي دفعها لتأجير الهرب، فوجئت بعدها بإيام بالخبر على موقع سياسي على الانترنت، هذه كارثة الأعلام يمارس دور جنونى ويزيد من انقسام المجتمع، ويساهم في نشؤ حرب أهلية والأحتقان في الشارع لا يحتج إلا لحظة لينطلق مارثون تخريب مصر .
لأنني مؤمن بان أي إقصاء لتيار سياسي هوتشويه للديمقراطية لن يستفيد منه سوي أعداء هذه البلاد، لأنني في النهاية وبتواضع شديد وعلى قدر جهدي الفردي البسيط حاربت نظام مبارك وفسدت الثقافة لمدة 20 سنة، فليس من الطبيعي الآن أن أمد يدي لمن أوصلنا لهذا الحال المزري، لمن قمعنا وقهرنا واستنزفنا واستبعدنا وأفقرنا، ولا أري آي خلاص لهذا الشعب، سوي العودة للمسار السياسي, وإسقاط حكم العسكر، الذي استخدم القوة القاهرة في إزاحة رئيس منتخب، ومجلس شعب منتخب ومجلس شوري منتخب وأرتكب مجازر مرعبة ضد شعب اعزل، واغرق البلاد في الديون والخراب، العودة للشعب ليس كسرا للجيش ولكن عودة لحق الشعب الأصيل في اختيار حكامه حتى لوكان اختياره خطأ، الشعب يتحمل مسئولية اختياره .. بالنسبة للمثقفين فالعموم، كانوا خدم ومرتزقة في حظيرة فاروق حسنى وحصلوا على هبات وأموال حرام، في مقابل صمت الخرفان ,وكانوا من ضمن أدوات العسكر في تزييف الوعي ودورهم مزري وفضيحتهم مشاع حتى مفكري الغرب ينظرون إليهم بازدراء, أنهم صدموا من كم الأكاذيب, والتحريض وبث الكراهية المرعب الذي يمارسه المثقفين وكأنهم أكلى لحوم البشر وليسوا ضمن مهنة ترعى الإنسان وحقه في الحياة والحب، تناسوا أن الكاتب في النهاية ضمير.
لأننا في النهاية نعمنا بدرجة حرية وديمقراطية لم ننعم بها أبدا قبل ذلك ,رغم أن هذه الحرية استغلت في ارتكاب جرائم، جرائم فعلية لم تجد أحدا يقف أويحاسب أويعاقب ، جرائم البلاك بلوك والذي أغلقت مؤسسات وحرقت وقتلت اكتشفنا إنها ممولة من المخابرات، استباحة شبكة البلطجية المصريين ، تحت راية المخابرات والذي كشف عنها الرئيس محمد مرسي، في حديث لأبوالعلاء ماضي الذي قال أن المخابرات ترعى 350 ألف بلطجية على مستوي الجمهورية، ورغم كل ذلك وأكثر كانت هذه التجربة العظيمة ستنجح بالتأكيد وتنخرط في الديمقراطية والحرية والتنمية لولا هذا الانقلاب الغاشم
* روائي مصري

بالفيديو قصر ثقافة يرسخ للأطفال الحاكم المدني خائن والعسكري وطنى

المناضل اليساري كارم يحيي يكتب : رأيت الفاشية بعيني


(1) على محطة المعادى 

كنت متوجها إلى محطة مترو المعادي ظهر السبت 25 يناير الماضي قاصدا وسط البلد، في الطريق رأيت لافتات معلقة تهنئ الشرطة بعيدها في 25 يناير وعليها صور السيسي ومحمد إبراهيم، لا كلمة واحدة عن الثورة، وحتى صور الشهداء على جدران أحد المنازل في ميدان الحرية جرى محوها بعناية. 
عندما وصلت إلى المحطة من ناحية شارع 7 كانت الساعة الواحدة ظهرا، لاحظت فور الدخول إلى الرصيف المؤدي إلى “المرج” طليعة تجمُّع للشباب على مدخل المحطة في الجانب الآخر (شارع 9)، وتبين لي بالكاد أعلاما بيضاء مرفوعة وعلى اثنين منها اثنان من البورتريهات للشهيدين الشيخ عماد عفت ومينا دانيال، بدا لي أن الهتافات كانت ضد العسكر والإخوان معا، دقيقة أو دقيقتان وشاهدت مجموعة من الشباب بملامح بلطجية تأتي مسرعة من خلفي لتعتلي الكوبري باتجاه الرصيف المقابل، وكان أحدهم يعلق في رقبته رباطا تتدلى منه صورة السيسي في ملابسه العسكرية، وعندما بلغوا الرصيف أخرجوا خراطيش وبدأوا في استهداف المتظاهرين. 

وسرعان ما تبيّن لي أن الهجوم على المتظاهرين المعارضين كان على هيئة “كماشة “، فرغم الهجوم من الأمام فقد اندفعت أعداد منهم إلى داخل المحطة على الرصيف، فيما ظهر مطاردون لهم من شرطة بملابس رسمية وملابس غير رسمية وهم يحملون المسدسات والسلاح الآلي وبعضهم ملثم في ملابس سوداء. كان المشهد مرعبا، وأصوات طلقات الخرطوش والنار تتردد في جنبات محطة المترو، والبلطجية من حاملي الخرطوش وضاربيه يعملون في حماية الشرطة، بل ورعايتها، والناس حتى في الجانب الآخر من المحطة تبحث عما تحتمي به. 

انطلق المطاردون وراء المتظاهرين الفارين على قضبان المترو باتجاه محطة ثكنات المعادي، وساد الرصيف المتجه إلى حلوان نفسه مشهد مخيف من رجال الأمن الشاهرين سلاحهم. يقينا كان الشباب المتظاهر لا يحمل أي سلاح ولا حتى الحجارة، لم يكن معهم سوى أعلامهم وحناجرهم وصور شهداء ثورة يناير. 

جاءت رحلتان من المترو في اتجاه “المرج”، ولكنهما لم تتوقفا في محطة المعادي، والركاب متسمرون في أماكنهم رعبا لا يعرفون كيف يتحركون، لقد أربكتهم المفاجأة، فقط احتموا بالأعمدة والحوائط. وسنحت الفرصة لي لتبين ملامح وجوه البلطجية العائدين مظفرين من غزوة الرصيف المقابل، كانوا شبابا تحت العشرين في وجوههم آثار معارك ربما جرت بالسكاكين والمطاوي وشفرات الحلاقة، وبدت على الوجوه ملامح نشوة الانتصار، بينما صاح شرطي من الرصيف المقابل: “قبضوا على ولاد الكلب”. 

فكرت في أن ألتقط بكاميرا صغيرة كانت معي أو بعدسة الهاتف المحمول، صورة للبلطجية أو أحدهم ممن عادوا للتجمع خارج المحطة باتجاه شارع 7، أو لرجال الشرطة بملثميهم على الرصيف الموازي لشارع 9، لكنني شعرت بالخوف وتحسبت للعواقب، وتذكرت زميلي “أحمد محمود” الذي قتله ضابط شرطة في ملابسه الرسمية وهو يلتقط الصور من شرفة مكتبه في شارع محمد محمود يوم 29 يناير 2011، وقمنا بتعليق صورة قاتله، التي التقطها بكاميرا هاتفه، في بهو مدخل نقابة الصحفيين لمدة نحو شهر كامل أثناء حكم المجلس العسكري الأول. 

لكن عبثا لا الداخلية ولا النائب العام ولا القضاء تفضل أي منهم بالبحث عن صاحب صورة قاتل الشهيد، وتذكرت أن أيا من رجال الشرطة والجيش من قاتلي الشهداء لم يحاسب أبدا. 

الرحلة الثالثة للمترو بعد مشهد الفزع هذا توقفت، ودخلْتُ إلى عربة نصف فارغة، ولفنا صمت لم يقطعه إلا نداء إثنين من الباعة الجائلين من الشباب الأقل من العشرين عاما ركبوا من المحطة التالية “حدائق المعادي”، وأخذوا في الصياح على بضاعتهم من صور السيسي وعلَّاقات في الرقبة تحمل صوره، كسروا صمت العربة وهم يجوبونها جيئة وذهابا يستحثون الركاب على شراء بضاعة “البطل” بجنيه وبجنيهين، لكن أحدا لم يشترِ، بل كان بإمكاني أن ألاحظ أن عيون الركاب الزائغة أصلا حرصت على ألا تلتقي بعيون البائعين أبدا. 

هبط الشابان في المحطة التالية “دار السلام”، وحمدت الله لأن أحدا منهما لم يُخرج من ملابسه مسدسا ويفرغه في زبائن غير متجاوبين وغير متحمسين، وأكمل المترو رحلته فيما تأبد صمت العربة مختلطا بنظرات توجس بين راكبيها. 

عندما عدت إلى البيت في نحو الرابعة عصرا، بعدما أخذت جرعة كافية من مظاهر “عبادة الفرد” ومعها مزيدا من الشواهد بالعين واليقين أن الشرطة تتصدى بأقسى درجات القمع والوحشية لأي صوت آخر يرتفع يخالف “مارش تسلم الأيادي”، وجدت زوجتي وقبل أن أنطق بكلمة واحدة تلح أمام إبني أن نغادر هذا البلد. 

كانت هي الأخرى مرعوبة، رغم أنها لم تكن قد غادرت المنزل في هذا اليوم قط، ولم أكن قد أخبرتها بشيء مما رأيت بعيني مما جرى في محطة المعادي الواحدة ظهر يوم السبت 25 يناير 2014. 

ملحوظة: الآن وأنا أكتب هذه الشهادة، تذكرت أنه كان ينبغي أن أكون متوجسا من التفجيرات، وخشية أن يكون أحدهم يستهدف المترو بالمزيد من الانفجارات، لكن ما جرى أنساني حتى هذه اللحظة الخوف الأول المفترض. 


(2) صورة للمشير أمام دار القضاء 

اليوم إجازة .. صباح الجمعة .. و كان على ان أتوجه مبكرا الى فندق " كوزموبوليتان " لمقابلة الصديق الناشر والمثقف التونسي " النوري عبيد " في التاسعة . لم يصادفني عمال نظافة في الطريق . فقط عندما صعدت من محطة أنفاق الإسعاف " جمال عبد الناصر " و أخذت في عبور شارع 26 يوليو " فؤاد" باتجاه "دار القضاء العالي" لفتت نظرى للمرة الأولى خلفية صورة عملاقة في إطار خشبي تتمدد أسفل الرصيف والى نهر الطريق ذي الإتجاه الواحد بنحو أربعة أمتار . كانت الصورة عملاقة الى حد انني من موقعي رأيتها تعلو من مستوى النظر للقادم من اتجاه شارع رمسيس مبنى دار القضاء العالي نفسه . ولأن الصورة استهدفت القادمين في سياراتهم من ناحية ميدان الأوبرا فقد كانت خلفيتها المواجهة لي بيضاء . إلا أنني وقبل أن أتمكن من النظر اليها من الجانب الآخر خمنت بحدس لم يخطئ أنها للجنرال الذي أنقلب على أول رئيس مدني للبلاد في 3 يوليو 2013 ، مستغلا كراهية شعبية للإخوان تجلت في مظاهرات 30 يونيو من العام ذاته. وأصبح هو مرشح " الإجماع الوطني " و" المفوض " من الجيش بالترشح للرئاسة . 

وهكذا حلت الصورة العملاقة محل أربع مدرعات صفراء كانت راسية أمام مدخل دار القضاء العالي تماما عند تقاطع شارعي " رمسيس " و " فؤاد" .وقد التصقت بجدران المدرعات "بوسترات" للشئون المعنوية للقوات المسلحة تتصدرها صورة الجنرال السيسي، وخلفه تتضاءل صورتان للرئيسين "جمال عبد الناصر" و"أنور السادات" . وهي بوسترات مهدت لاحقا لأن يردد الجنرال على الملأ ـ ومبكرا جدا ـ كلمتي "جيشي" و "شعبي " . 
وعندما أصبحت في وضع يسمح بتأمل وجه الصورة العملاقة المزركشة بالألوان الصارخة. ألوان القوة . بدا الرجل في ملابسه العسكرية كائنا أسطوريا لا يجاريه في فتوته أبطال السينما الأمريكية القديمة ،من أمثال "طرزان ". وقد أطل صدره نافرا الى الأمام يهجم على المارة.و الى جواره عضلات ذراعيه المفتولتين .لكنني لم أتبين إذا ماكانت الصورة على هذا النحو قد بلغت الحذاء العسكري . أم أنها توقفت الى مادون الركبتين . كما لم أتوقف لأحصى عدد النسور والسيوف و النجوم المكدسة فوق كتفيه . إذ كانت صحيفة صباحية قد انفردت بنشر صورة للجنرال في زيه العسكري محملا بما لذ وطاب من علامات وأمارات رتبة "المشير" . وقبيل سريان قرار ترقيته من رتبة الفريق أول الى الرتبة التي لا تعلوها رتبة بحلول الأول من فبراير 2014 ، و من دون إنجاز عسكري أو سنوات أقدمية. 

لم أتمكن لا من هذا ولا ذاك . فقد عاجلني صوت جاء من خلفي بعبارة بدا وكأنها تحاول التفتيش في السرائر :" إمتى بقي يقلع البدلة الميري .. ويلبس الملكي .. كلنا عايزينه ريس ..مش كده ياأستاذ؟". لكن الرجل الذي أصبح في محاذاتي تماما بدا فقيرا على باب الله . هكذا هي هيئة ملابسه وحذائه المهترئ . وإن سرت في أوصالي قشعريرة من وقع اقتحامه لي بعبارته تلك .و ظننت أن الرجل ثمل بخمر متواضع الصنف لا يبيعه محل المشروبات الكحولية على الجانب الآخر من الرصيف مقابل الصورة العملاقة . خمر لا يعاقره حتى مرتادو البارات من صغار مثقفي الدولة الآكلين من فتات الدكتاتوريات المتعاقبة الملوثة بدماء وآهات شعبهم وفقرائه . وهكذا تظاهرت بالصمم . وقاومت رغبة عارمة في أن أحث الخطى . فتعمدت أن أواصل السير على نفس الوتيرة ، حريصا على كبح أي مظهر للانفعال أو الاضطراب في مشيتي . وما إن تخلصت من مرافقة الرجل واسترسال كلمات لم أعد أعيها ومعها سطوة الصورة التي لم أر مثيلا لضخامتها وإرتفاعها عندما زرت دمشق في عنفوان الرئيس الأسد الأب وعبادة الزعيم السوري قبيل وفاته في عام 2000 بشهور قليلة حتى بلغت بائع الصحف أمام مقهي " الأمريكين ". 
بعد نظرة لم تستغرق دقيقة اختصرت عناوين الصفحات الأولى في عنوان واحد طلبت صحيفة الأهرام التي أعمل بها مع صحيفتين اعتدت شراءهما. لم اتوقف عند الصفحة الأولى للأهرام بأكملها أو الصحيفة كاملة .بل تناولت "ملحق الجمعة" لأطالع حديثا أجريته مع المفكر اللبناني " كريم مروة ".وكتبت عنوانه الرئيسي من كلمات الرجل :" المرحلة القادمة من الثورات العربية طويلة وحافلة بالصراعات". ولم أندهش عندما وجدت العنوان قد جرى استبداله وتحوير كلمات الرجل لتبشر بالتفاؤل إزاء مستقبل البلد، فيما الناس يقتلون يوميا في الشوراع وقد ديست كرامة أهلهم . كما صدق حدسي هذه المرة أيضا وأنا أطالع سؤالا وجهته عما إذا كنا قد استوعبنا دروس وأخطاء انكسار حركة التحرر الوطني بما في ذلك ظاهرة الزعامة الكارزمية . فوجدت ان مايتعلق بالكاريزما جرى حذفه من السؤال ، مع أن الحوار الصحفي لم يتطرق بالاسم أو الإشارة الى "السيد الفريق أول " الذي أصبح هكذا "سيادة المشير ". 
ومع ذلك فقد شعرت بغصة .ولمت نفسي لأنني لم أصر على سحب الحوار عندما شعرت بسوء نوايا وكلاء " التوجيه المعنوي".وحنقت على شاعر أصبح يمتدح العسكر ليل نهار وينصب من نفسه مدافعا عن "جيشنا" كل يوم في صحيفة أخرى، فتولى الاشراف على " ملحق الأهرام" قبل أيام وأعمل سيفا صدئا في الحوار التعس . و لم أملك إلا ان القي بالصحف التي في يدي الى أقرب سلة مهملات في الطريق . 
وحين بلغت باب الفندق كان على ان اتجرد من كل ماهو " معدني " حتى أعبر الى الداخل . ومع أن رجل الأمن على الباب كان يقاوم غفوة مبكرة . إلا أنه تأسف من تعليمات بالتشدد في مثل هذه الأيام التي وصفها بـ " الصعبة " . وعلى أية حال ، فقد شعرت بأن بهو الفندق أكثر عتامة عما كان في السابق . ولا حظت للمرة الأولى ان جانبا من الحوائط الداخلية مكسوة بخشب داكن اللون فيما صرير المصعد صعودا وهبوطا يكسر الصمت .و يضفي أجواء من الأسي بلا حدود . وحين نزل صديقي استقبلته بأحضان فيما كان على أيضا ان أتجرد من كل ماهو " هموم" صباحية . وعندما اصطحبني الى مطعم الفندق ليتناول إفطاره . لا حظت انه خال من أي رواد . بل وشعرت بمزيد من العتمة وبسطوة الصمت . 

حاذرت وربما حاذرنا كلينا أن نتحدث في أوضاع البلد السياسية في مكان مغلق . ولذا انطلقنا بعدما تناول الصديق افطاره الى مقاه مجاورة مفتوحة على شوارع وسط البلد خلف " بورصة الأوراق المالية " . لكن رفيقي كان لديه حساسية زائدة ومبالغ فيها إزاء هواء نهاية يناير البارد ، مع ان كراهيته العمياء كيساري تقليدي لا تضع حاجزا بينه وبين كل من يقمع " الإخوان " حتى ولو كان ديكتاتورا في لباس رجال الأمن والعسكر. فاقترح ان نذهب الى " جروبي " ميدان طلعت حرب . وفي الطريق كان بامكاننا أن نتحدث قليلا في السياسة . لكن عندما دخلنا الى المقهى وأصبحنا خلف زجاجه لاحظت أننا أصبحنا أكثر حرصا في الحديث . وذلك مع أن أحدا لم يكن هناك . باسثناء النادل الذي انشغل في الصالة المجاورة بمتابعة شاشة التليفزيون وهي تعيد أغنية " تسلم الأيادي ". 

(3) ذكرى الجمل 

استيقظت صباح يوم 2 فبراير على أخبار في صفحات " الفيس بوك " عن انفجار أمام دار القضاء العالي قرب موقع عملي و حيث الصورة العملاقة للجنرال . كما طالعت أخبارا عن انفجارين آخرين في القاهرة . في العادة ما أصحو حول السادسة صباحا . لكن لا أعرف ما الذي ايقظني مبكرا عن ذلك بنحو الساعة . ربما هو القلق أو سبب لا أدركه . 

حاولت التيقن من صحة أخبار الإنفجارات على المواقع الألكترونية لعدد من الصحف . لكنني وجدت أكثر من تصريح ينفي هنا وهناك . فتحت التلفزيون لكنني لم أصل الى جديد . وكان على في النهاية ان أترك الأمر كله لأن أخبار الإنفجارات ونفيها أصبحت معتادة هذه الأيام . فقط يتعين عليك ان تشعر بالخوف وبالحاجة لمن يحميك ويحمي البلد . والأهم أن تظهر هذا الشعور بلا تحفظ عندما يتحدث زملاء العمل عن المعركة مع الإرهاب . ويكيلوا أوصاف الإرهابيين المجرمين للإخوان . حينها عليك ان تتظاهر بأنك تصدق بلا تحفظ أو شك أو أية نية في طرح سؤال عن دليل غائب أو تعميم ساذج. فقط انخرط في حملة الكراهية وسباب العدو وتوكل على الله . 

نهضت فجأة من أمام جهاز الكومبيوتر تدفعني رغبة ملحة في التبول . فرغت. و توجهت الى صنبور المياه فطالعت وجهي في المرآة. وتنبهت الى ان الذقن تحتاج الى حلاقة . لكنني تذكرت أن اليوم هو الذكرى الثالثة لموقعة الجمل . فصرفت النظر . لكننى عدت للتفكير في أخبار انفجارات الصباح الباكر . ثم قلت لنفسي ربما كان من الأفضل ان تحلق ذقنك قبل ان تذهب الى العمل . لكنني في النهاية ترددت . ببساطة تملكني رعب غير مبرر أن تجرحنى شفرة الحلاقة فلا أتمكن من إيقاف نزيف الدم أبدا. 
عندما اقتربت من الوصول الى مقر عملي بجريدة " الأهرام " أطلت على من أعلى صورة ضخمة للمشير في زيه العسكري . كانت الصورة قد جرى زراعتها أمام سنترال الإسعاف وبعد مدخل شارع " التوفيقية " العامر بالخضار والفاكهة وقطع غيار السيارات المستعملة . والصورة تستقبل السيارات القادمة في اتجاه واحد بشارع رمسيس الوسيع . ولما حاولت مقارنة ملامح صاحبها مع صورة دار القضاء العالي عجزت . ببساطة لم أتذكر أبدا ملامح الصورة الأخرى . لكن عندما وصلت الى مدخل "الأهرام " كان على أن أمسح نعلي حذائي جيدا قبل أن أدلف الى البهو . وهكذا أضطررت الى أنظر الى أسفل كي أتبين أن مقدمة الحذاء في القدم اليسري قد غطتها طبقة من الأتربة. 
مر الوقت ثقيلا . وتجنبت الحضور بين مكاتب مزدحمة للزملاء . إلا أنني عندما هممت بالخروج اصطحبت معي زميلي " محمود"بعدما دعوته للذهاب الى معرض الكتاب بمدينة نصر . وعندما بلغنا شارع رمسيس إقترحت عليه ان نذهب أولا سيرا على الأقدام الى ميدان التحرير . فاليوم ذكرى موقعة الجمل الثالثة وجريدة الأهرام التي نعمل بها لم تشر ولو بكلمة إليها . تحمس . وتبادلنا في الطريق ذكريات كلانا حول هذا اليوم الدموي الرهيب . وبالمقارنة لا حظت أن ماعلق بذاكرتي في هذا اليوم كان خاليا من المبالغة أو الإختلاق . سيارات الأجرة ومجموعات المتظاهرين المشبوهين ترفع صور "مبارك " وصولا الى ميدان الإحتجاج في التحرير . ثم النجاة من هجوم قاس شنه انصار الرئيس المتشبث بالسلطة من ناحية ميدان عبد المنعم رياض . والدور البطولي للشباب بما في ذلك الإخوان وصبية الأحياء الشعبية والورش. فذكريات ليلة مابين 2 و 3 فبراير 2011 حيث كان يجرى نقل جثث القتلي والمصابين من تلك الناحية و أصوات طلقات النار من فوق العمارات الكائنة بطرف الميدان .وكذا من أعلى الكوبري هناك . وكان على الذاكرة أن تستحضر جثة أحدهم وقد شاركت بيدي هاتين في حملها فيما غطت الدماء صدره . وتذكرت أيضا مع الصباح الباكر يوم 3 فبراير أولئك المصريون العائدون الى الميدان عبر مدخل شارع طلعت حرب يحملون الأطعمة للمعتصمين ومعها دمهم استعدادا لمزيد من الصمود و التضحيات . حقا بالنسبة لي ولمحمود لم تكن موقعة الجمل مجرد مشهد الجمال المهاجمة لمعارضي مبارك وحسب وكأنك تطالع كارت معلم سياحي التقطته عدسة مستشرق. 

بلغنا الميدان من ناحية " عبد المنعم رياض " فعاينا حركة مرور طبيعية . إزدحام منتصف النهار . هممنا بالتقدم الى قلب الميدان . فصدتنا أعمال حفر في الرصيف . لكن كل شئ كان كفيلا باقناعنا بلا جدوى الاستمرار في السير . فالميدان بدا وكأنه قد تغير عما كان يوم الجمل . ولا علامة واحدة تفيد باحياء الذكرى من أي كان . أما نصب الشهداء الذي اقامته حكومة قتلت المزيد بدم بارد فقد لاح لي كحجر أصفر ملقي بلا عناية في منتصف الميدان . حجر غريب عن المكان . وأحسست وكأن قوة طاردة تدفعني بعيدا . واسرعت و"محمود" الى شارع شامبليون الجانبي كي نعود أدراجنا لنستقل حافلة الى معرض الكتاب . 

ولا أدرى لماذا راودني خيال غريب بأننا عندما سنبلغة ستستقبلنا مظاهرة ضمير من شخصيات خرجت لتوها من بين دفوف الكتب تصرخ مطالبة بالحرية وبحق الشهداء وتسخط على من غدروا بالثورة وبالتضحيات والدماء الطاهرة. لكن كل شئ كان هادئا على أبواب المعرض وداخله . وقد تناهت الى السمع اصداء غمغمات غير مفهومة قادمة من ناحية سرادق " المقهى الثقافي " .كانت لمثقفين يثرثرون أمام ميكروفون وفرته لهم الهيئة العامة للكتاب. 

اشتريت بعد تردد كتابا يحمل عنوان " الجنرال المنقذ " وعليه سؤال استفهام :" من يقيل مصر من كبوتها ؟" . وقد شغلت صورة الجنرال غلافه وخلفها أسد يفتح فاه عن آخره .وقد برزت أنيابه الوحشية المخيفة. وعندما أخذت في تصفحه علي مقربة من بوابة الخروج طالعت في الصفحة الحادية عشر العبارة التالية : 

" أما الفصل الخامس والأخير فهو الهدف الحقيقي من هذا الكتاب .وأتحدث فيه الى الجنرال الذي انقذ مصر ،الفريق أول عبد المنعم السيسي ، آملا أن يتقبل كلماتي والتي اعلم جيدا ان حكمته وحكمة مستشاريه تجعله في غنى عنها وعني ". 

وقلت لنفسي متسرعا في الحكم على الكتاب بأن المؤلف لا يريد منه إلا مخاطبة الفريق أول الذي أصبح "مشيرا " . لكنه هاهو يتواضع ليقول بأن " المشير" ليس في حاجة الى كلماته . إذن فلماذا الكتاب ولماذا اشتريته ؟. أليس هذا كله جنون في جنون ! . 

أمام التليفزيون في منزلي كادت الرأس أن تسقط على الصدر وأنا أنظر بعيون متعبة نصف نائمة الى برنامج استضاف ابطالا صغار لموقعة " الجمل " . قالوا انهم من العاملين بالسياحة بمنطقة "نزلة السمان" في " الهرم " . وأضافوا مع تصنع البراءة انهم ما نزلوا "التحرير" إلا لأنهم يحبون الرئيس "مبارك" . ولم يرضوا باهانته . فحملوا صوره وفقط وذهبوا الى هناك. 

وببساطة قالت المذيعة في لغة حماسية لكنها غير سليمة ان موقعة الجمل وهم ولم تحدث أصلا . و أكدت : "برأ قضاؤنا العادل النزيه كل المتهمين من محبي سيادة الرئيس ورجاله بما في ذلك المستشار الجليل مرتضي منصور ". 

هذا الرجل الذي رأيته يطير من الفرح وهو يرد ممتنا تحية المارة أمام سور نقابة المحامين بشارع عبد الخالق ثروت ظهيرة يوم 30 يونيو 2013 .وقد بدا وكأنه هو الآخر يقصد "التحرير" محركا ذراعيه المفتولتين بقوة وتفاخر باتجاه الميدان كي يتظاهر هو الآخر ضد حكم الإخوان وطلبا لرحيل الرئيس " محمد مرسي " . 

وأضافت المذيعة وقد لا حظت حينها أنها وضعت أحمر شفاه بلون الدم القاني : 

ـ "كفانا مزايدات ". 


(4) المجد للمجهولين 


ماإن بلغت الساعة تمام الخامسة مساء الثلاثاء 11 فبراير 2014 حتى توقفت الحركة في ميدان التحرير .وعلى الأسفلت شاهدت مدرعات الجيش الصفراء المسرعة من ناحية كوبري قصر النيل تنتشر في أنحاء الميدان ملتفة حول الكعكة الحجرية الفارغة لتأخذ أماكنها على مداخل كافة الشوراع المؤدية إليه . كان غزو المدرعات للميدان على هذا النحو مباغتا . و بدا بلامبرر . وقد أخذت في التمايل والاهتزاز حتى كادت ان تنخلع وهي تسرع في مناوراتها . اما الاصوات المنبعثة منها فقد جلجلت في جنبات الميدان كأجهزة خربة متهالكة أصابتها حشرجات ماقبل العطب . تكركر وهي تهتز في سعيها المسرع فوق اسفلت الميدان الأسود وكأنها تكبت أشواق العودة الى موطنها الأصلي في الصحراء ورمالها الناعمة. 

انقطعت السيارات من الميدان .وتباطأ مارة متناثرون يعدون على أصابع اليد هنا وهناك. وران الصمت . وكان قد لفت نظرى منذ أن دخلت الى الميدان قادما من شارع "طلعت حرب" هذا الكم غير معهود من المخبرين المتفحصين للمارة في وسط البلد بعيون مقتحمة وقحة . بعضهم يحمل أجهزة إتصال .والآخر لا حاجة له بها . كما لا حظت عددا لا بأس به من "باشوات " و " باكوات" الأمن يجلسون في تحفز على مقاعد فوق النواصي والأرصفة. بينما كانت المحال التجارية التي جردوها من مقاعدها و سخروا امكاناتها في صنع الشاي الأسود شبه خاوية بلا زبائن . 

كان قد لفت نظرى فور أن بلغت ميدان التحرير علم البلاد يرتفع بوضوح فوق صاري يتوسط مجموعة من المواطنين .هناك فوق رصيف يقابل الكعكة الحجرية باتجاه " المجمع " الذي طليت جدرانه بلون ابيض لاخفاء أي شعارات أو خربشات معارضة . لكنني قصدت على الفور مدخل شارع "محمد محمود"، فطالعت جدار الجامعة الأمريكية .وقد تحول اليوم الى جدارية سريالية تسودها خلفية بلون أحمر خفيف " بمبي" مرقطة ببقع غير منتظمة من أحمر قان . وباللون نفسه تصدرت عبارة ممتدة :" اسحل وعري وطري مجهزنهولك مغري" .لكن كلمة "اسحل" جرى اخفاء معظم حروفها تحت الخلفية "البمبي" على نحو يتطلب من القارئ قدرا من الجهد والفطنة كي يتبينها . والى جوار العبارة البطل وباتجاه المدخل المؤدي الى مكتبة البيع بالجامعة نقش مبدعو الجدارية كلمتين هما :" المجد للمجهولين". وباستثناء ذلك كان مجهولون بالفعل قد أضافواعبارات بخط مرتجل وباللون الأسود من قبيل :" آيات مش إخوان " و " يسقط حكم العسكر "و "الداخلية بلطجية ". 

وباستثناء ذلك لم يكن مفيدا التوغل في الشارع الذي شهد أكثر من مجزرة منذ زمن "مبارك" .وقد تحولت صحف الدولة في الأيام الأخيرة عن وصفه بـ" الرئيس المخلوع"الى منحة بتوقير يناسب اقتراب الذكرى الثالثة للتنحي لقب " الرئيس الأسبق".وهو ما يتماشى تماما مع ترويج هذه الصحف لأن 25 يناير لم يكن سوى "مؤامرة" أو "أحداث" .وهكذا اتخذت طريقي عائدا الى قلب الميدان باتجاه العلم المرفوع عاليا. وحين اقتربت تبينت مجموعة من المواطنين "الشرفاء " يترقبون في وضع الانتظار وقد نصبوا المصيدة.لا يرفعون صور "مبارك" أو "السيسي" . لكن ملامحهم لاتغيب عمن خبر جيدا بلطجة رجالات ونساء الحزب الوطني في يوم الأربعاء الأسود ( 25 مايو 2005).وعلى الرصيف المقابل كانت الشرطة بملابسها الرسمية و السرية أضعاف أعدادهم . تنتظر هي الأخرى .وقد تبادل الجمعان نظرات الترقب والرعاية . وهكذا كان على أن أمر بهدوء وسلام بين الجمعين دون ان أمعن النظر فاثير الارتياب أو أبادرهم بحديث فأقع في شباكهم اللعينة .لكنني لحظتها تذكرت جيدا كم قمت مرة تلو أخرى بتوزيع "مقالات الثورة وميدان التحرير" بحرية في هذا الميدان دون ان يمسني أحد كان.و لما يزيد عن عام كامل منذ 29 يناير 2011 . وإن عجزت بعدها على نشر المقالات المجمعة في كتاب بعنوان "ورق أيه فور" بسبب حسابات الناشرين بما في ذلك المحسوبين على اليسار والثورة . 

بحسابات السياسة الباردة كان من غير المتوقع ان يحاول الشباب الوصول الى ميدان التحرير بعد قمع السبت الدامي 25 يناير 2014 . لكن وأنا في طريقي الى الميدان خال لي بين حين وآخر انني استمع الى هتافات قادمة من بعيد . أحيانا ما كانت أتبين كلماتها في عبارتي :" يسقط حسني مبارك " و " يسقط حكم العسكر ". لكني يقينا وبحسابات السياسة أيضا كنت ادرك ان هناك الآلاف بل قل عشرات او مئات الآلاف يتظاهرون بعيدا عن أضواء وسط العاصمة . هناك في الأحياء الشعبية والمدن والقرى . تلك المظاهرات النائية التي تطالب في معظمها بـ"عودة الشرعية" رافعة بالأصابع الأربع علامة مجزرة " رابعة العدوية ". وربما ترفع أيضا صور رئيسهم "مرسي". وربما لهذه المظاهر فإنها لا تثير الكثير من الاهتمام او التعاطف هنا وهناك . ولا يتوقف المثقفون كثيرا عند ضحايا القمع البوليسي لها من شهداء وجرحى بالمئات كل يوم مع انهم يدركون في قرارة النفس انها الاكثر تجذرا واستمرارية ومقاومة في وجه صعود الفاشية العسكرية الأمنية . بل ومع الأيام الأخيرة انتشرت همسا أنباء غير منشورة في وسائل الإعلام التقليدية عن انتقال قطاعات من الشباب الى تنظيم مقاومة مسلحة تضرب الضباط وممتلكاتهم وأسرهم هنا وهناك على امتداد البلاد .ولكن بعيدا عن ميدان التحرير ووسط العاصمة . كما انتشرت كالنار في الهشيم في وسائل الإعلام غير التقليدية وبخاصة صفحات الفيس بوك شهادات نشطاء سياسيين من غير الإسلاميين أو الإخوان على المدي الذي بلغته وحشية التعذيب بايدي الشرطة العائدة الى سيرتها الأولى سنوات "مبارك" أو الى الأكثر بشاعة . وإذ كانت آلة القمع الجهنمية الدائرة بأقصي سرعة قد امتدت الى شباب ثورة 25 يناير من ليبراليين ويساريين بعدما بدأت دورانها بالإسلاميين . 

والى جانب كل ذلك ،بدأت المساحات المنسية الأقل أهمية في عدد من الصحف تنشر أنباء متفرقة منزوية خجول عن الإضرابات في العديد من المصانع وأماكن العمل بما في ذلك شركات القطن الكبرى بالمحلة. تلك التي حملت في 6 إبريل 2008 بشائر الثورة القادمة . هذا فيما تتسيد تحت الأضواء في المساحات الممتازة تصريحات المسئولين ومقالات رأي السادة الكتاب المعتمدين تندد بأي محاولة لإثارة " المطالب الفئوية " في وقت يجب ان "نكرس فيه كل الجهد والطاقة من أجل معركة مكافحة الإرهاب " وحيث لا يعلو صوت فوق صوت المعركة ( ضد الإخوان ). 

شعرت بتعب قدمي .وفكرت بالنزول لركوب مترو الأنفاق عائدا الى البيت . لكنني عندما بلغت منزل المترو من ناحية شارع "طلعت حرب" وجدته مغلقا وقد تراكمت أمام الباب الأتربة والقمامة . وحينها تذكرت أن محطة التحرير مغلقة منذ 14 أغسطس 2013 ومع مجزرة "رابعة " والتي لا نعرف بالضبط كم هو عدد ضحاياها .وإن قال "روبرت فيسك" في صحيفة " الاندبندنت "حينها بأنها " أكبر قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث ". هكذا الجملة محفورة في رأسي منذ أن قرأتها على موقع الصحيفة البريطانية بشبكة الإنترنت . لا تنمحي ولاتريد. 

غادرت " التحرير " عبر " طلعت حرب " فانتبهت من شرودي الى حركة جنود الجيش بهمة لنشر أسلاك شائكة بعرض الشارع . أفلت مرة اخرى مما بدا لي مصيدة . لكنني لا حظت والجنود على مقربة أن ملابسهم متسخة ووجودهم شاحبة . ابتعدت .لكنني التفت بعد خطوات فبدا الميدان بعيدا نائيا وكئيبا من خلف تموجات الأسلاك الشائكة ومدرعتين واشباح جنود . 

وكانت الشمس حينها بسبيلها الى الغروب . 


(5)بسكويت بالعجوة 


لا يحب إبني البسكويت بالعجوة مع انني كنت اعشقه وأنا في عمره ( 9 سنوات). حاولت اغراءه اكثر من مرة .وأكثرت من شراء نوع شهير تصنعه إحدى شركات القطاع العام منذ طفولتي لكن عبثا هو لا يريد. 

لكنني قررت أن أصرف النظر كليا عندما طالعت مقال رئيس مجلس إدارة دار الهلال العريقة في عدد مجلتها الأسبوعية " المصور" .قال الرئيس مفاخرا ـ وليس المقصود رئيس مجلس ادارة شركة البسكويت بالعجوة ـ في مقاله الافتتاحي الذي يتصدر صفحات المجلة مع صورة معتبرة لشخصه الكريم مرسخا تقليد "النشر بالمناصب" في "صحافتهم" المصرية : 

ـ "حرصنا بالاتفاق مع الدكتورة رئيسة تحرير مجلة سمير ان يحمل غلاف هذا العدد رسما للمشير السيسي احتفاءا بإبن مصر الأصيل الذي واجه طغيان الإخوان وحمى اطفال مصر الذين يمثلون مستقبلها الزاهر من جبروت الإرهاب و ظلام الفاشية الدينية". 

وقال أيضا الى جوار صورة عملاقة لغلاف مجلة الأطفال التي تصدر عن الدار منذ نحو ستين عاما حتى صادف طالعها الميمون أن تبدأ عهدا جديدا من "الطباعة المتطورة والورق الكوشيه الفاخر" مع بورتريه عظيم للمشير الى جوار "سمير" نفسه : 

" إختيار السيسي لغلاف سمير رسالة للطفل المصري والعربي بان الجيش المصري بقيادة السيسي انقذ مصر من الضياع وشر الفتن الاخوانية وانتقام الجبابرة الإرهابيين الذين يخططون للانقضاض على الوطن بالتآمر مع أمريكا .ولأنه هو البطل الشعبي لدي الطفل المصري والعربي فمن حق المشير السيسي علينا ان يكون بطل غلاف مجلة سمير في أول عدد من التطوير". 

غلاف مجلة "المصور " في عددها هذا رقم 4661 بتاريخ 5 فبراير 2014 لا غلاف مجلة " سمير " في عددها " السيسي " رقم 3005 بتاريخ 2 فبراير 2014 يحمل الى جانب عنوان مقال السيد رئيس مجلس إدارة " الهلال" عنوانا لا يقل أهمية هو : 

ـ " تأديب حماس .. أصبحت خطرا على أمننا القومي". 

ومع أنني كنت دائما أفضل " ميكي " الامبريالية على "سمير" الوطنية .إلا انني لم أجد منذ طفولتي بين عقدي الستينيات والسبعينيات أي خيانة في هذا المزاج النزق الذي يشدني الى "بطوط" و"دهب" و"بندق"و"عبقرينو" ، ويجعلني لا أطيق ثقل دم وتكلف " تهته"و " سميرة "بل كان بامكاني فيما بعد ومع سنوات الجامعة ومابعدها أن أختبر "قوميتي وعروبتي .. إيماني"وكذاعدائي للصهيونية والاستعمار. فأطمئن . 

وحسنا فعلت مجلة "سمير" في عددها " السيسي" حين وضعت إعلان زبادي غنى بالكالسيوم والفيتامين يطل منه نمر برتقالي فاغرا فاه بعبارة " جواك بطل " تماما أمام افتتاحية " الدكتورة" وقد جاء فيها : 

ـ " عودناكم دائما ان نحتفي بكل مناسباتنا القومية والدينية ". 

وحينها فقط عدت الى الغلاف فلاحظت شارة " المشير" تطل من فوق كتفي "البطل المصري الأصيل " .هكذا بعد يوم واحد من خلع " البطل " لبدلة " الفريق أول". كما كان بامكاني أن ألاحظ الى اسفل الصورة التي يطل من خلفها " سمير " علم مصر ملقي الى الأسفل . 

وباستثناء ذلك اكتشفت انني ربما خسرت كثيرا عندما لم أتابع " سمير " في طفولتي البائسة مع "ميكي". فقد لفت نظري عبارة "هيا الى الفطير المشلتت" مع أخرى تقول :" الدستور الجديد أنصف الفلاح المصري ياأستاذ سمير وأعاد له كرامته ..وأعتني بأحوال الفلاح المصري الأصيل ". ولقد كانت تلك " الخلطة الممتازة" في " سيناريو "نورت البيت ياسمير " للدكتورة نفسها رئيسة التحرير . وقد أحيت هي الأخرى تقليد رئيس مجلس ادارتها في " النشر بالمناصب " ، فاحتلت بنفسها ولنفسها الصفحات الثلاث الأولى من عدد المجلة . 

لكنني وجدت ماهو أكثر جذبا وإثارة في باب "كلام بنات " .جاء تحت عنوان " كيف تعالجين بقعة الصلصة ": 

ـ لأن لونها الأحمر القاني يتخلل الأقمشة بسرعة وتثبت عليها خصوصا إذا كانت هذه الأقمشة مصنوعة من القطن. 

ومع ذلك ظلت " الدكتورة " رئيسة التحرير تطاردني في صفحات داخلية . فكتبت في تمام ظهورها الثالث .ولكن الأكثر تواضعا في الصفحتين الثامنة والتاسعة " حكاية أكبر متحف إسلامي في العالم ".قالت : 

ـ أصدقائي .. في الأسبوع الماضي تعرض متحف الفن الإسلامي بمنطقة باب الخلق للتدمير الكامل إثر انفجار استهدف مديرية أمن القاهرة ..". 

ولأنني أعرف ان " التدمير الكامل " معلومة غير صحيحة مطلقا . فقد انتقلت الى خبر بعنوان " نعم للدستور " عن ورشة فنية اقامتها "سمير " كي يعبر " الأصدقاء عن تاييدهم للدستور بريشاتهم والوانهم ". لكن ما شد اهتمامي هو الألوان مع سوء الإخراج في القصة المصورة " سر غموض اليد اليسري ".ويقول ملخص الحلقات السابقة :" يحاول أشرف الشريف في هذه القصة الكشف عن أكبر محترف سرقات وشهرته الأشول خاصة بعد سرقته للمليونير عادل المغازي . فهل يستطيع أشرف الشريف القبض عليه ؟" . 

ومع ذلك فإن قصة " السر " انتهت بدون الكشف عن " السر" . فقط قال "أشرف الشريف " في الختام: 

ـ أشعر أن هذه اللعبة ستنتهي نهاية سيئة ". 

لكن هل هذه هي النهاية حقا . كلا . فمع باب " المراسل الصحفي " تسأل الطفلة نقيب الجيش المبتسم "بهاء الدين :" كيف سيتم القضاء على الإرهاب ؟" فيجيب : 

ـ بتكاتف الجميع يدا واحدة جيش وشرطة وشعب . 

وتطلب الطفلة مراسلة " سمير " التي لم يرد اسمها قط النقيب "بهاء الدين " أن يوجه كلمة لرجال الشرطة ، فيقول : 

ـ نشكركم على عودة الأمن والأمان للبلاد والعباد . وشكرا على جهدكم الرائع . 

إلا ان الطفلة " إيمان شندي محروس "من القاهرة كانت أكثر حظا من " المراسلة المجهولة " فقد نسبت اليها مجلة " سمير " كلمات منظومة جاء فيها : 

ـ يامصر ياأم الدنيا 

وقد الدنيا وكل الدنيا 

بجد بجد وحشتينا 

ورجعت تاني ونورتينا وآنستينا . 

ولم يكن بالامكان التوقف كثيرا عند " قد الدنيا " .ولعل "تامر حسين " مؤلف قصيدة " إبن الشهيد " كان محظوظا هو الآخر عندما جاء اسمه في باب " أغنية" الى جانب كلمات منسوبة اليه مع صورة تجمع "السيسي " بشخص ما . وقد ورد بالقصيدة : 

ـ عرض حياته ألف مرة للضياع 

ومايستاهلش كره أبدا أو شماتة . 

لكنني ما ان فرغت من قراءة الأغنية حتى تبينت مع سوء الطباعة والألوان أن الشخص الآخر لم يكن إلا "الرئيس المؤقت". وأسمه "عادلي منصور ". كما تذكرت أنني منذ نحو تسع سنوات عندما نظمنا في حركة " صحفيون من أجل التغيير " يوما للمعتقلين خصصنا فيه وقتا لرسوم أطفالهم قد لاحظت ان العديد منهم رسم شموسا وراء غمام . وقد تكررت تلك الشموس في غالبية اللوحات لأطفال يطل البؤس والقهر من عيونهم . 

وهنا أعترف بأنني في هذا السن لم استطع مقاومة إغراء غلاف " ميكي " حين أطل منه " عم دهب " منزعجا ينظر من شباك يضئ خزانة نقوده .ينظر من خلال عدسات نظارته الشفافة بتجاه الساحرة الشريرة "سونيا " .وتحملها بدورها مقشتها العجيبة . وفي قصة " قيمة القروش " قال لـ " بطوط": 

ـ إنني أبحث عن قرش .. فلا تزعجني . 

ولقد اتضح في النهاية لي أن "دهب " يملك جميع عربات المثلجات في "مدينة البط" . أما "بطوط" فيعشق عصير الطماطم بالعسل . 

ولم يكن بامكاني إلا ان اتوقف عند عبارة " علمان " الى " عبقرينو " في قصة " مهمة المخترعين ". قال : 

ـ هيا نخرج من هنا ونذهب الى معملي لنرى اختراعي الجديد .. أنه طفرة في عالم التكنولوجيا الايديولوجية الميتافيزيقية المتحولة . 

إلا ان بيت القصيد الذي أبحث عنه جاء في "المواجهة السحرية " حين تنكرت " سونيا " في صورة عاشق معجب كي تذهب الى الساحرة الأخرى " شمعة " في المطعم لتحصل منها على خصلة شعر .قالت لها : 

ـ شمعة .. انت دائما فتاة احلامي .. أحتاج الى تذكار منك . 

فتجيب و هي تضع المعلقة في طبق الحساء : 

ـ إصنع "لايك " لصفحتي على "الفيس بوك" . 

وفي نهاية القصة يتضح ان شعر " شمعة " الأصفر الطويل الجميل تحت قبعتها العالية ما هو إلا مستعار من ذيول أجمل الخيول في العالم . 

وما كان لي ان أفرغ من محبوبتي " ميكي " إلا مع صفحة "معلومات غريبة " . فطالعت : 

ـ جميع الثعابين تتمتع بحصانة طبيعية ضد السموم التي تفرزها . 

لكنني لم اصدق . وقلبت المجلة فوجدت إعلانا لاصدار جديد للأطفال باسم : 

ـ دراكولا . 

وأخذت أبحث عن " باكو" بسكويت بالعجوة كي التهمه كطفل أكلت اسنانه الحلوي . لكن عاجلني زميل في العمل يشكو ضيق الحال .ويسخط على استقطاع عشرة في المائة من رواتبنا فيما إرتفع قسط " الترم الثاني" لتعليم الأولاد ،والمؤجل أصلا مرة "للم الشمل" ومرة للبحث عن " تأمين مدني للمدارس ".وقال أيضا : 

"أنظر رفعوا رواتب الشرطة 30 في المائة ..وفي الإجمال تضاعفت اجورهم مع رجال الجيش لنحو ثلاثة مرات منذ ثورة 25 يناير ". 

ضقت به أنا الآخر ،فقلت له : 

إسأل " سونيا " عن " دراكولا ".. أو إسأل رئيسك في العمل عن " الجبابرة الإرهابيين في ظلام الفاشية الدينية ". 

وقتها تذكرت بأن رئيس مجلس إدارة " الهلال " العريق لم يكن خالص النية تماما حين أنهى افتتاحيته الغراء برفع " طلب خاص " الى " سيادة المشير " . وهو ان تتلقي مجلة " سمير " والدار كلها من " سيادتكم " دعما ماليا . 

لكنني قررت ألا أعبأ بكل هذا .وعدت لتصفح مجلة " ميكي " يقودني شوق الى " بسكويت بالعجوة ". 



(6) دواجن "وطنية" 

دخلت زوجتى " السوبر ماركت" وخرجت تحكي . قالت أنها توجهت لشراء زوج من الدجاج . سألت عن " البرازيلية ". فقدموا لها " الوطنية ". فألحت على السؤال . فصرخت فيها سيدات كن على مقربة : 

ـ " دي بتاعة القوات المسلحة .. ما ينفعش نقول لأ". 

وما حدث ان زوجتى خضعت للأمر رغم انها لم تكن مقتنعة لأسباب مطبخية فنية غير سياسية وعصية على إدراك العبد لله . وهكذا حملت دجاج " الوطنية "عائدة الى بيتنا . لكن صراخ السيدات المتحمسات لإنتاج القوات المسلحة من اللحم الأبيض ظل يفزعها حتى بعد ان استقر الدجاج في برد الثلاجة . وقالت لي بصراحة إنها اضطرت للشراء تحت ضغط الحرج أن تتهمها إحداهن بمعاداة الجيش ومعه " السيسي "وبأنها من " الإخوان الخرفان " أو " بالعمالة للأمريكان " والعياذ بالله. وببساطة كان عليها ان تتجنب مشاكل هذه الأيام. 

أما بالنسبة لي فقد كان أمر "دجاج وطنية " له وقع خاص في هذا اليوم .كنت قد انتهيت من قراءة الصحيفة عندما حكت زوجتى . وعلى الرغم من انه من العسير في هذه الأيام ان يعلق بالذهن شئ مما تقرأه في الصحف. إلا ان خبرا في مكان بارز مميز في جريدة "الأهرام" بعدد 19 فبراير 2014 ظل يلح على خاطري . كان عنوانه هو :" حصاد مرسي زيادة النسل .. إهمال المعزول أدي لأكبر زيادة سكانية في تاريخ مصر ". ولا أدرى لماذا احتفظت بعدد الصحيفة وعدت الى قراءة الخبر بعدها بأيام ولأكثر من مرة . وكأنني وددت لو اثبت لنفسي أن الخبر موجود بالفعل وليس أضغاث أحلام. وكلما قرأت تأكدت أنه لا يستند الى أي معلومة معتبرة موثقة أو مصدر مختص . ناهيك أصلا عن غياب المنطق في أن " المعزول" لم يحكم إلا عاما واحدا .نصفه الأول في 2012 ونصفه الثاني في 2013 .والمعروف ان التغييرات الديموغرافية الكبرى لاتحدث بسرعة هكذا.اللهم إلا في حالات الهجرات الكثيفة المفاجئة . 

وعلى اي حال ، فإن المصدر الوحيد في الخبر هو الدكتور" ماجد عثمان " مدير مركز "بصيرة " لاستطلاعات الرأي وعضو لجنة سياسات "جمال مبارك " المشبوهة . وإذا تغاضينا عن الشبهات حول الرجل والمركز . فإن إستطلاعات الرأي شئ ومؤشرات الزيادة السكانية شئ آخر . لكن بفضل مثل هذا الخبر العبقري عاد الى الخاطر بقوة سيل من فضائح اللاعقل و اللامنطق في قنوات الفضائيات الدينية الإسلامية خلال عهد الرئيس " مرسي "نفسه وعن كرامات الرجل . ولقد استرحنا والحمد لله منها . لكن بحملة عسكرية أمنية على هذه القنوات مساء يوم 3 يوليو 2014 كي توقف سلطة الإنقلاب منافذ توزيع البلاهة والخرافات والتحريض الطائفي ، وبعدما قامت القنوات الدينية بما يجب عليها من تفزيع المجتمع بأسره والأقباط على نحو خاص. ولقد اتضح لاحقا ان اجراء الإغلاق والمنع ـ غير الديموقراطي بالقطع ـ لم يكن إلا لكي تحتكر هذه السلطة ترويج نفس السلع : البلاهة و الخرافات والتحريض الطائفي العنصري .. ضد الإسلاميين والإخوان هذه المرة و" الكأس دوار". 

في يوم "دجاج الوطنية " هذا. ما إن فتحت التليفزيون على القناة الأولى الرسمية إلا وطالعني لواءات جيش في حضور الرئيس المؤقت المعين " عادلي منصور " و وزير الدفاع " الدائم المنتخب" عبد الفتاح السيسي يعلنون دخول مصر "أم الدنيا وقد الدنيا " عصر الإكتشافات العلمية العظمى بجهاز عبقري يشفي مرضي الكبد الوبائي ( فيروس سي) و الأيدز ( فيروس إتش . أي . في ). ولقد اتضح لاحقا في مقابلات ملأت الصحف مع فريق الاكتشاف تحت اشراف الإدارة الهندسية للقوات المسلحة أن الجهاز نفسه متعدد المواهب والخوارق . فهو من شأنه أيضا شفاء مرضي انفلونزا الخنازير و السكر والضغط والصدفية . لكن الفريق توقف قبل ان يصرح بطرد الجن والعفاريت ،مع أن رئيسه اللواء " إبراهيم عبد العاطي " كان من نجوم قناة "الناس" الدينية المغلقة الآن بعد التجريدة العسكرية الأمنية .كان يظهر على هذه القناة معالجا ببركة القرآن و الأعشاب .وتتقدم هامته "ذبيبة "التقوى . 

ولأنني لست ممن يصدقون كل ما يقال بسهولة . فقد صرفت النظر عن الاتصال بصديقي "الحسيني البجلاتي" المصاب بفيروس " سي " كي يترك عمله في الكويت وينزل الى المحروسة لتلقي العلاج الشافي المعافي . لكن كان بالامكان التنبه الى الأمل المراوغ الذي تعلق به ملايين المصريين ضحايا المرض وذووهم .إلا ان حجم الاستغلال السياسي سرعان ما افتضح أمره أمام الكافة .فالجهاز الذي يمنح الامل و الحياة للملايين المعذبة اسمه بالمختصر المفيد " سي سي". وهو أبلغ رد على عودة حملات الكتابة على الجدران :" سي سي قاتل ".أما تعميم العلاج بالجهاز فسيبدأ لاحقا بعد انتخابات الرئاسة . وتحديدا مع يوم 30 يونيو "المجيد". ولما كان مستشار رئيس الجمهورية للشئون العلمية الدكتور " عصام حجي" قد تجرأ و شذ على الإجماع القومي فانتقد الإعلان عن الجهاز العبقري على هذا النحو مشككا في علميته واصفا المسألة كلها بأنها " فضيحة علمية لمصر " فقد استجلب لنفسه اللعنات . وعلى الأقل فإن أحد قادة جبهة الإنقاذ الميمونة واستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الدكتور "جمال زهران" وصف تصريحات "حجي " بأنها " خيانة عظمي " . وببساطة لأن الرجل يشكك في جيشنا الوطني العظيم .تماما مثلما فكرت السيدة حرمنا المصون في التشكيك في "دجاج وطنية " عند "السوبر ماركت" . وفي كل الحالات فإن الدكتور "أحمد على مؤنس" المشرف على الفريق البحثي لـ " سي . سي " قال للمشككين على صفحات جريدة " الوطن " في عدد 27 فبراير 2014 : 

ـ " أتركونا نقود العالم .. ولو لمرة واحدة ". 

وعلى اية حال فان عبارة الدكتور "المؤنس " كانت ملهمة الى حد انها ذكرتني دون عناء باطمئنان وتفاؤل صديقي الكاتب الصحفي الفرنسي "ألان جريش " . قال لي في آخر زيارة للقاهرة ـ وقد تباعدت زياراته بعد 3 يوليو ـ بأنه لا يخشى على مصر كثيرا لأن النازية والفاشية في أوروبا ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي كانت تقوم على فلسفات وأفكار كبرى وجاذبة للجماهير. ولديها مشروعها . و أيضا ما تقدمه لهم. 

فاستفسرت منه متسائلا : 

ـ يعنى أنت شايف إنها " فاشية هفق "؟ 

فلم يجب . وربما صعبت الكلمة العامية "هفق" عليه . مع انه عاش في القاهرة حتى صباه . إلا انه قال بعد برهة : 

ـ لن تستمر طويلا . 

لكن عبارة الدكتور " المؤنس " ظلت تقرع أذني بقوة وهي تداعب نوازعي الوطنية : 

ـ " أتركونا نقود العالم .. ولو لمرة واحدة ". 

ومع ذلك ، لا يفهم الناس جدوى استقالة او اقالة حكومة "الببلاوي " عضو جبهة الانقاذ الميمونة و تغييرها بحكومة "محلب" عضو لجنة سياسات المحروس نجل مبارك. وهو الرجل الذي شمله العزل السياسي وفق دستور 2012 . و لعل الأمر لا يدعوهم للتوقف كثيرا على وقع الانبهار باكتشاف علاج (سي .سي). أو لعل الناس أصبحت ترى ان " أحمد "مثل "الحاج أحمد ". ولو أن استبدال رئيس حكومة إقتصادي عتيق برئيس آخر مقاول مهندس في ظل أزمة اقتصادية خانقة فأل حسن .وعلى طريقة مواجهة الجيش لاضراب عمال النقل العام بالدفع بأتوبيساته المكيفة الى شوراع القاهرة بدلا من الدفع الى تطبيق وعد الحدين الأدني والأعلى للأجور. 

و كان بامكاني شخصيا ان أتبين نجاعة هذا الفأل الحسن عندما توجهت الى جراج النقل العام في "إمبابة " فرأيت أحد العمال المضربين فوق أتوبيس 750 ( عبد المنعم رياض ـ الشيخ زايد) يرفع لافتة مكتوبة بخط اليد :" النقل العام في ذمة الله .. وتشييع الجنازة من مجلس الوزراء والقصر الجمهوري ..ولا عزاء للفقراء". وعندما أخذ أتوبيس آخر في تعديل أوضاعه داخل الجراج لاحظت "بوستر " عسكري الجيش العملاق الذي يحمل بين ذراعيه الشعب طفلا .وقد امتدت يد كي تكشط عبارتي " مصر فوق الجميع "و " الجيش والشعب أيد واحدة " ،وتمحوهما من أعلى وأسفل الصورة . ومع ان هذا "البوستر " الشهير مطروح في الشوارع منذ المجلس العسكري الأولى بقيادة المشير "طنطاوي" فقد تأملت الوجوه . وأدركت للتو أن العسكري ذي الخوذة مبتسم فيما بدا الطفل رضيعا ذاهلا .وعندما التفت الى جدار بالجراج أبصرت لافتة ملونة مكتوبة بيد خطاط محترف .وقد لخصت موقف العمال في عبارة :" حد أدني للأجور .. إحترسوا من ثورة الجياع ". 

ومع كل ذلك فإن رئيس الوزراء "المقاول" الجديد صرح للصحفيين قبل ان يعلن عن الغاء استهلاك زجاجات المياة المعدنية في إجتماعات مجلس الوزراء بأن مفهومه للعدالة الإجتماعية يتلخص في "الدعم " ..والدعم ليس إلا . هكذا وسط اضرابات عمالية تنتشر وتتسع يوما بعد يوم بعدما اخلفت الحكومة ـ التي كان فيها "محلب " وزيرا ـ في تنفيذ وعدها تطبيق الحدين الأدني والأعلى للأجور مع رواتب شهر يناير 2014. 

لكن عندما قابلت جاري المسيحي القبطي في السكن .ونظرت الى عينيه أدركت كيف تتسع هي الأخرى دوائر الخوف . تبادلنا حديثا مقتضبا عن مذبحة " بني غازي" بليبيا التي راح ضحيتها سبعة من الأقباط .وقد قيل ان بعضهم اضطر الى إزالة وشم الصليب من اليد قبل ان يجرى قتلهم بدم بارد . الرجل عاشق للسيسي حتى النخاع . وطفله يراه " سبيدر سيسي " المصريين والعرب مصداقا لقول دكتورة الطب النفسي "هبة العيسوي" لجريدة "الوطن " في 27 فبراير أيضا . قالت :" الطفل بعد (سوبر بابا) يرى السيسي هو مصدر قوته . وبالتالي يحبه ويحاول ان ينطق باسمه ويراه (سبايدر مان) الذي يحمي الضعيف من القوى ". ولم يكن أمام الأب إلا ان يصدق ما تقوله صحف رجال أعمال مبارك بأن قتلة " إخوتنا في ليبيا " مدعومون من الإخوان والتنظيم الدولي . 

حقا هؤلاء " الخرفان "مصدر كل الشرور من المذابح الى القنوات التحريضية الى زيادة النسل. 

هذا منطق رائج لا يمكن انكاره . لكنني عندما عدت الى المنزل قادني فضولي الى ان أفتح " فريجيدير "الثلاجة واخرج "دجاجة وطنية ". وبدأت أقرأ البيانات فوق غلاف هذا الاختراع العبقري وعلى النحو التالي : 

ـ الوزن من 900 ـ 950 جرام تقريبا 

ـ دجاج مجمد فاخر 

ـ إنتاج الشركة الوطنية لمجازر الدجاج (دواجن وطنية ) 

ـ سجل تجاري 1090 / 2005 تحت اشراف الهيئة العامة للخدمات البيطرية . 

ـ الصلاحية 12 شهرا 

ـ تحفظ مجمدة عند درجة حرارة – 18 م 

ـ الشركة غير مسئولة عن سوء الحفظ والتداول 

ـ لا يعاد تجميدها بعد إذابتها 

وعندما سرى الشك بأن القوات المسلحة ليست مسئولة مطلقا عن انتاج هذه الدواجن وعن اختراع جهاز الـ ( سي .سي ) طالعت عبارة : 

ـ غذاؤكم ترعاه يد أمينة . 



(7) تنصيب الأخ الكبير 


لا حظت انتشار رواية "1984" لـ "جورج أورويل " بين يدي الشباب. في الأسابيع الأخيرة شاهدت أكثر من نسخة لطبعة عربية مصورة يتصدر غلافها شارب "ستالين" وخلفه وجهه الريفي الغشوم.. أو الطيب.. لاأدري . صباح يوم إعلان السيسي ترشحه للرئاسة وهو يلبس ذي المشير العسكري وعلى صدره كلمة " الجيش المصري " مررت بالصدفة الى جوار سور الجامعة الأمريكية عند مدخل شارع "محمد محمود" . لفت نظري سيارة شرطة كحلية اللون مرابطة متيقظة عند بداية السور من ناحية ميدان التحرير، فيما سدت الأسلاك الشائكة الطريق بين الحاجز الحديدي والحائط الجرافيتي الشهير . 

وعلى أية حال ، فقد استهزأ الفنانون بكل هذه الاحتياطات الأمنية . وأضافوا على نحو عبقري رسما لشامبانزي يرفع صورة ضابط . وقد حاكت طريقة طباعة الصورة باللون الأسود الفاحم تماما "ستالين " على غلاف رواية " 1984". وعندما بلغت شارع "الشيخ ريحان" من مدخل القصر العيني شدني الى الحائط الحجري الذي يغلق الشارع عبارة مكتوبة بخط عفوي :" عندما يكون الظلم قانونا يصبح التمرد واجبا". 

في ليل الأربعاء 27 مارس 2014 توالت اخبار إجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة على شاشة التليفزيون . ثم ظهر المشير " السيسي" على شاشات التلفزيون في زيه العسكري متزينا برتبه الجديدة وبنياشينه .و قال وخلفه علم مصر :" أنا بكل تواضع أتقدم لكم معلنا اعتزامي الترشح لرئاسة جمهورية مصر العربية ". وأضاف:" إنني امتثل لنداء جماهير واسعة من الشعب المصري طلبت مني التقدم لنيل هذا الشرف". و تكرر في بيان " السيسي " كلمة :" الأمن " .. "الأمن". 

وكان وجه صاحب البيان واضحا على الشاشات . أوضح من العلم الذي أطل ساكنا منكسرا من خلف كتفه الأيمن . وعلى نحو كشف عن "زبيبة" تتوسط هامة المشير المرشح . وحينها تذكرت نقل القناة الأولى للتليفزيون الرسمي لصلاة جمعة قريبة لقادة القوات المسلحة يتقدمهم المشير نفسه .وتتقدم الجميع الزبيبة نفسها التي لمعت تحت أضواء بيان الترشح للرئاسة. 

وهكذا فإن الأمر لا يقتصر على دور حزب "النور" السلفي و مشايخ الدعوة السلفية في تأييد 3 يوليو 2013 . ثم رئاسة قائد 3 يوليو للبلاد بعد ان انقلب على رئيسه "محمد مرسي" وجالبه الى موقع وزير الدفاع . لكن كان على ذهني الذي لم يعد يحتمل كل هذه الحمولات الدينية في عالم السياسة شديد البؤس والدموية والغدر ان يطرد بصعوبة ما سمعته من صديق حين قال :" سيجمع الرجل أسوأ ما في عبد الناصر والسادات ومبارك . وسيضيف الى كل السوءات خزعبلات حسن التهامي ". وكان الصديق يشير على نحو خاص الى ظهور " السيسي " الفريق أول حينها في تسريب وهو يتحدث عن كرامات رؤياه في المنام ، وأنه حلم بالسادات ـ وليس عبد الناصر ـ يأتيه في المنام ويبشره بملك مصر . هذا فضلا عن الساعة " الأومجا" . أما إشارة الصديق الى " حسن التهامي " فهي تتعلق بأشهر ضباط ثورة يوليو " الأحرار" اقترابا من عالم الجن والعفاريت وادعاءا برؤية ومناجاة سيدنا " الخضر". 

وعلى أي حال ، فقد أعادني لمعان زبيبة "المرشح مشيرا" الى غلاف مجلة " النيوزويك " الأمريكية بعددها 16 أغسطس 2013 تحت عنوان :"الجنرال الهادئ ". وقد كتب الصحفيان " مايك جيجليو" و" كريستوفر ديكي" العائدان من زيارة "محل السيسي" للأنتيكات في "خان الخليلي" بجوار مسجد " سيدنا الحسين " عن الأسرة المتدينة وعن آية " لا إله إلا الله" التي تتصدر محل أسرة الجنرال التي قالت عنه المجلة أنه " أصبح رجل مصر القوي". وقتها كان "الجنرال الهادئ" ومن حوله يملأون باللغة العربية وسائل الإعلام بتصريحات بأن الرجل لا يطمح في الرئاسة وانه لن يترشح لمنصب رئيس البلاد أبدا . لكن "النيوزيوك" وباللغة الإنجليزية نقلت عن شقيقه الأكبر"أحمد السيسي" عبارة إتخذت منها لازمة أو تيمة أساسية لموضوع غلافها . قال: 

ـ " نحن من أسرة تقود ولاتقاد". 

ومع ان المجلة الأمريكية انتبهت الى ان " الفريق أول " أي " المشير " لاحقا وبعد اقل من عام واحد لم يخض في حياته حربا واحدة إلا انها نقلت عن العاملين في محل " السيسي " قولهم : 

ـ " إعتدنا ان نناديه بالجنرال عبد الفتاح منذ كان صغيرا ". 

و لأن "الجنرال السيسي " أصبح " مرشح الضرورة " وفق ما قاله الصحفي العجوز قرين السادة الحكام الأستاذ " محمد حسنين هيكل " ( 90عاما ) ولأن المرشح نفسه وبطانته يعزفون بكثافة على نغمة " الأمن"، فقد لاحظت ان يوم الجمعة التالي مباشرة كان الأكثر دموية منذ أسابيع . ولعل من مقتضايات "الضرورة " أن تسقط الصحفية الشهيدة "ميادة أشرف" ( 22 عاما ) .وأيضا المواطنة الشهيدة " ماري "( 26 عاما ) .ومضرجتان في دمائهما البريئة بضاحية عين شمس بالقاهرة . لكن بحلول مساء اليوم التالي (السبت) كان بامكاني ان أعثر أمام مدخل نقابة الصحفيين في نحو الساعة الخامسة على رد فعل مختلف وإن كان هامشيا بالنسبة لما تضخه ماكينات الإعلام والصحافة الموجهة بضراوة لخدمة مرشح وزمن " الضرورة ". هنا وفي تلك اللحظة تجمع مئات من الشباب يهتفون بسقوط حكم العسكر والإخوان معا ومعهم نقيب الصحفيين " الضرورة " هو الآخر . وكان غضب لا يستثي " الداخلية البلطجية " وصحفها وقنواتها ورصاصها وزنازينها . وبين الوجوه الشابة قابلت زميلنا اليساري"كريم البحيري" الخارج للتو من الزنازين ومعه حكايته عن التعذيب في زمن " جنرال الضرورة" .وقد لفت نظرى انه يخبئ وللمرة الأولى منذ تعارفنا في إضراب عمال المحلة عام 2006 رأسه الحليق " على الزيرو" بغطاء رأس " كاسكيت" محايدة اللون . لا هو أصفر . ولا هو بني اللون .و شرعت في سؤاله عن شعره الناعم المرسل الذي كان يتيه به . لكنني إمتنعت حرجا . وربما لأنها "الضرورة ". 

وبدلا من ذلك اعتزمت ان أسأل " كريم " عن احوال عمال غزل المحلة . لكن زحام الشباب الغاضب حال بيني وبينه . وللأسف كنت أريد ان استفهم عما إذا كانت حكومة "المقاول محلب"المكلفة بالإعداد لتنصيب " المشير " رئيسا قد اقالت رئيس الشركة القابضة الذي يتهمه العمال بالفساد أم أنه باق كما كان عليه الحال قبل ثورة 25 يناير 2011. وبالطبع أيضا قبل " ثورة" 30 يونيو 2013. وحقيقة لم أجد إجابة في يقين ما ابلغني به عامل من شركة " طنطا للكتان " قبلها بأيام . قال لي في اتصال على الهاتف المحمول ان العمال ذهبوا صباح يوم الأربعاء 19 مارس 2014 لتشغيل مصانع الشركة العائدة الى أملاك الدولة بحكم قضائي نهائي وبات .لكن :" الحكومة قطعت الكهرباء عن المصانع ". وهكذا لم يجد استنجاد العمال . لا بالقضاء . ولا بالحكومة . ولا بالسيسي .ولا بالله. 

مساء الخميس اليوم التالي لخطاب الترشح " الميري" وقبل إغتيال " ميادة " و "ميري" بيوم واحد جرى الإعلان عن تولي اللواء " محمود حجازي" رئاسة أركان الجيش خلفا للواء "صبحي صالح " الذي اصبح " فريقا أول" وزيرا للدفاع . وهكذا كان يجرى استكمال ترتيب الأوضاع داخل القوات المسلحة كما قالت القنوات الفضائية في الليل. لكن بحلول الصباح وعندما طالعت " الفيس بوك " كانت صورة دعوة زفاف نجلي "المشير السيسي " و" الفريق حجازي " في 15 يوليو 2010 بدار الدفاع الجوي من الصعب تجاهلها . ولأنني كنت استكمل قراءة كتاب " البعث السوري : تاريخ موجز" للكاتب اللبناني " حازم صاغية " فقد توقفت لأقرأ مرتين فصل "طاقم بشار " مستمتعا بشبكة علاقات القرابة والسلطة ورأسمالية المحاسيب . كما لم يكن من مفر أمامي إلا العودة الى ترتيب سابق مع تعيين الجنرال " محمد فؤاد التهامي " رئيسا للجهاز المخابرات العامة في أعقاب 3 يوليو 2013 . ووجدت عونا في تقرير "ديفيد كيركباترك" مراسل صحيفة " النيويورك الأمريكية " بالقاهرة بتاريخ 30 أكتوبر 2013 .وبدلا من ان يشير " كيرباترك " الى استدعاء جنراله " التهامي " من بطاقة دعوة لحفل زفاف ميمون ،تحدث عن الاستدعاء هذه المرة من تقاعد وسط إتهامات بالفساد وحماية الفساد .وبعد ان أشار أيضا الى صلات قوية بفساد نظام مبارك، قال المراسل الصحفي ببساطة أن "السيسي " هو " صديقه وراعيه وحاميه " . كما أشار بالأصل الى ان " التهامي " كان بدوره قبل سنوات مديرا للمخابرات الحربية وهو الذي رشح " السيسي" لمنصبه هذا عند الرئيس "مبارك " ووزير الدفاع "طنطاوي". 

وبصرف النظر عن صحة ما نشره " كيركباتريك " دون ان يعلق عليه أحد في القاهرة . فإن " مبارك " من موقع ووصف " الرئيس الأسبق" كما نطقت جريدة "المصري اليوم" في 3 إبريل 2014 قال عن " المشير المرشح " عندما سئل :هل تؤيد السيسي ؟": 

ـ" الشعب قال كلمته . وتم اختياره بالفعل ولذلك ليس امام الشعب على الساحة السياسية إلا هو ". 

لكنني في مساء يوم السبت 29 مارس 2014 وبعدما حضرت وقفه مئات الشباب غضبا على اغتيال الزميلة "ميادة " أخذت طريقي الى محطة مترو الإسعاف " جمال عبد الناصر " . ولاحظت حينها للمرة الأولى كيف زاد ارتفاع صوت مكبر الآذان داخل المحطة .وكيف اتسعت حدود المصلاة التي ظهرت فجأة داخل حرمها العامر بالمارة . كما كان بامكاني أن ألاحظ أيضا كيف زادت اصوات باعة سلع الأرصفة والمتطوعين بالوعظ وبالتهديد بجهنم علوا وصخبا داخل عربات المترو. 

إلا ان شيئا واحدا ظل يأخذني بعيدا عن هذه الضوضاء .ثم يعيدني متوترا منهكا الي كل هذا الصخب والعدوان العنيف على الأذن والروح .إذ أنني تذكرت الكلمات المنقوشة على لوحة بمدخل الجامع الأموي بدمشق تعود الى مطلع عقد السبعينات وهي تسبق "حافظ الأسد " بلقب "الرئيس المؤمن " هو الآخر . تماما كالرئيس " السادات " .وهنا أيضا من دون "حزب " ولا " أيديولوجيا". 

وكنت قد لاحظت اللوحة عندما زرت الجامع في عام 2000 . لكنني لم أخمن بأي حال وقتها أنه سيكون لمصر بعد 14 عاما "جنرالا مؤمنا " .ولديه من الأصهار والأصدقاء ما ينبئ عن "طاقمه الخاص" هو الآخر .لكن شابا كان يهدد الركاب بعذاب الجحيم لتاركي الصلاة أعادني الى القاهرة والى عربة المترو .وحيث كان شاب آخر يجلس مطالعا رواية "1984" . وهكذا تذكرت عبارة "مبارك " للمصري اليوم . وأدركت اننا نعيش أحلى أيام تنصيب " الأخ الأكبر" . لكن على الطريقة الإسلامية . بل وعلى الطريقة المصرية 


صباح السبت 12 إبريل 2014 


8 لو فاز السيسي 


التفكير فى المستقبل ليس رفاهية . وعلى الأقل لدينا علم معتبر يطلق عليه «المستقبليات» ويستهدف فى حالة المجتمعات وضع سيناريوهات لتطور الظواهر لعقود مقبلة ولا يخلو الأمر من وضع أكثر من سيناريو وعلى فترات زمنية طويلة ومتوسطة وقصيرة . 

ولسنا فى وارد وضع هذه السيناريوهات المتعددة فى هذه العجالة الزمنية ومحدودية المساحة. فهذه الأمور تقوم عليها فرق بحثية تأخذ وقتها من العمل لشهور وربما لسنوات. ومع ذلك، فان التفكير فى المستقبل بشأن مصر مع مرشح رئاسى كالسيد“عبد الفتاح السيسي” يبدو أكثر جدوى من استطلاعات رأى مشكوك فى مصداقيتها نظرا لتحيزات من يقومون بها وانتماءاتهم وولاءاتهم الحالية والسابقة . كما لا يعنى اختيار مرشح بعينة للتفكير فى مستقبل البلاد فى حال فوزه أن هذا الفوز محسوم . فنتائج الانتخابات ـ أى انتخابات لو توافرت لها السلامة والنزاهة وحيدة أجهزةالدولة ـ لا يحسمها كثرة منافقى السلطة حول هذا المرشح وتصدرهم وسائل الإعلام . 

ولعل الاعتبار الأول المتعلق بهذا التفكير فى المستقبل هو هذا التعويل المبالغ فيه على دور الحاكم الفرد ممثلا فى منصب “الرئيس” . ولقد كان من المفترض مع شعبثار على حاكمين وطغيانهما وخلعهما ان يلحق بعصر المؤسسية والنظم الجمهورية البرلمانية . لكن ما زلنا نراوح المكان ذاته . ولايملك “السيسي” ولاغيره عصا سحرية لحل مشكلات غياب العدالة الإجتماعية وسيطرة الإقتصاد الريعى على حساب الانتاج و تدهور الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وإسكان . وفى ظل حساسية عامل الوقت ونفاد صبر الجماهير بعد عقود طويلة من الركود والاستقرار على الظلم والفساد ، سرعان ما سيزداد السخط على المرشح الفائز . وسيكون السخط أشد تجاه هذا المرشح الذى جرى تقديمه للرأى العام بوصفه “ البطل المنقذ”. وسيكون السخط عاجلا وحادا إذا ماوضعنا فى الحسبان ما بينه الدكتور “نادر فرجاني” فى مقاله المهم بجريدة الأهرام “المشير وتوجهات الثورة “ من خلال تحليل خطاب “ السيسى “ وعن غياب العدالة الإجتماعية و إعادة انتاج نظام مبارك فى الإقتصاد . 

وبالضرورة يقودنا الاعتبار الأول الى الاعتبار الثانى المتعلق بسطوة هاجس الأمن والتأمين لحياة “السيسي” ونظامه . ففى ظل غياب الحلول للمشكلات لا مفر من الإعتماد أكثر فأكثر على الأمن . ويصبح هاجس الرئيس والنظام هو الأمن والتأمين ولشخصه أيضا . هذا بصرف النظر عن فرص النجاح فى إشاعة الأمن بالمجتمع . فقد علمت التجارب المصريين انه كلما ساد هوس الاهتمام بالأمن السياسى وبأمن الحاكم ورجاله انخفض منسوب الاهتمام بأمن المجتمع والمواطنين . وفى حالة المرشح “ السيسى “ تحديدا يضاف الى ماسبق كون الرجل طرفا أصيلا فى استقطاب سياسى حاد . وهو على هذا النحو أقل المرشحين فرصا فى الوصول الى مصالحة وطنية تخرج البلاد من هذه الدائرة الشريرة . وتفتح الباب أمام سلم أهلى يدفع بأجندة وهاجس الأمن الى الخلف، حيث موضعها الطبيعى فى المجتمعات الساعية الى التنمية والديموقراطية . 

والإعتبار الثالث يتعلق بدور العسكريين فى السياسة . والأمر هنا يتجاوز ما قد يذهب اليه البعض عن ترسيخ الانطباع بأن ما جرى فى 3 يوليو انقلاب قاده وزير دفاع على رئيسه ليحل محله فى السلطة . فالترشح لمنصب سياسى ومنصب سياسى رفيع بمقام رئيس الجمهورية ـ دون فاصل زمنى معتبر مع إرتداء البدلة العسكرية بل وتقلد أعلى المناصب فى الجيش يكسر الحاجز بين عالمى العسكرية والسياسة على نحو قد يفتح صندوق شرور يغرى المزيد من الضباط بالانخراط فى السياسة . بل وربما فى معارضة النظام الحاكم. وهو أمر لا يمكن حصار عواقبه فى المستقبل . ناهيك عما يعنيه الاستمرار فى كسر الحاجز بين عالمى العسكرية والسياسة من طعن وإهدار لمدنية الدولة فى القرن الحادى والعشرين. 

ويتصل الاعتبار الرابع بالتحسب لسداد “السيسي” لفواتير جميل رجال مبارك وحزبه الوطنى الذين يساندونه فى حملته الرئاسية . وقراءة المشهد الانتخابى الراهن تفيد بأنها نفس الوجوه ونفس الأساليب . وهو ما قد يفتح الباب فى حال فوز السيسى أمام مطالبات “ رد جميل “ ، بما فى ذلك رجال رأسمالية المحاسيب الذين ينفقون ببذخ على أعمال الدعاية ورجال الولاءات التقليدية ورجال بيروقراطية الدولة من محترفى الانتخابات والاستفتاءات غير الديمقراطية على مدى عقود . ورد الجميل هنا يعنى حتما المزيد من الإضرار بحقوق العمال والفلاحين والطبقات الوسطى المهدرة أصلا.وقد يعنى أيضا المزيد من المحسوبية . 

وآخيرا وليس آخرا، فإن فوز مرشح لم يمارس السياسة ولم يخض أى انتخابات فى حياته من قبل ولم يدخل فى جدل عام مفتوح يتحمل فيه النقد ربما تعنى “ جفاف السياسة “ فى مصر . ولأن الفوز هنا هو جزء من المشكلة وليس حلا لها. 

وعلى اية حال ، فقد يكون فيما سبق السيناريو الأسوأ فى احتمالات فوز السيسي. أو قد لا يكون الأكثر سوءا .وسواء اختلفت أو إتفقت مع بعض أو كل ما جاء من اعتبارات سابقة فإن التفكير فى المستقبل فضيلة و فريضة . يتعين ألا نتركها. 



(9) سيل أسوان 

عصر يوم السبت 5إبريل 2014 طالعت ـ وأنا مروع ـ الصورة القادمة من منطقة " السيل الريفي" بأسوان لعربة الكارو التي ضاقت بجثث قتلي الصراع الدموي بين " النوبيين " و " الهلايلة ". وقد تناثرت جثث ضحايا في عمر الصبا والشباب الى جوارها. 

كان المشهد صادما الى حد أنني أخذت مفزوعا مستفهما في الاتصال باصدقاء من أهل النوبة والصعيد .ولقد لفت نظري بداية ما أشيع عن أن الصراع الدموي اندلع على خلفية خلاف سياسي بين مناصري " السيسي " و" مرسي". وقيل ان هناك من الهلالية من كتب عبارات تهاجم " المشير" فأستفز المحتمسين له من أهل النوبة . خصوصا وأن المرشح المشيري كان قد التقي قبلها بايام معدودة بقيادات نوبية . لكنني فيما بعد استمعت الى روايات اخرى ـ وعلى عكس المنطق السابق السائد في وسائل الإعلام ـ تذهب الى ان "الهلالية " ينتشر بينهم بالأصل بلطجية الحزب الوطني من مناهضي الإخوان والإسلاميين ومؤيدي كل سلطة . نهاية بسلطة " السيسي". ولقد انتهيت الى نتيجة مفادها أن الصراع لم يبدأ ( سيسي ـ مرسي). لكن الأرجح ان أطرافا هنا وهناك سعت الى تسيسه على هذا النحو عبر وضع الخصم في مواجهة دولة "السيسي" والى جانب الاخوان وحلفائهم .وكي تستجلب للخصم عداء سلطات الدولة بكاملها و سخط إعلامها من فضائيات وصحف . 

وعلى هامش هذه المكائد الرخيصة . سارع المتحدث العسكري العقيد " أحمد علي" باتهام الإخوان بالمسئولية عن اشعال نيران الفتنة بين النوبيين والهلاليين . لكن بعد ساعات قدم بيان لوزارة الداخلية رواية تنسف هذا الاتهام . وتفيد هذه الرواية ان الاحداث بدأت بحادثة معاكسة فتاة وكتابة شعارات قبيلة مسيئة على سور مدرسة .لكن تورط المؤسسة العسكرية في السياسة الى هذا الحد وفي كيل الاتهامات على خلفيات سياسية لم يجد من يتوقف عنده . 

أدركت في مساء يوم هذا السبت بأن غالبية ضحايا الصراع الدموي وقعوا بين الهلاليين و أن التصور الذهني عن وداعة أهل النوبة رغم ماتعرضوا له من ظلم ومحن وتهجير منذ عهد عبد الناصر يستحق الآن المراجعة . ومعه هذا التصور عن طيبة أهل أسوان ووداعة المنطقة . وزاد من صدمتي تصريح نشرته صحيفة " المصري اليوم " يوم الإثنين 7 إبريل 2014 للأديب النوبي "حجاج أدول " .تحدث فيه عن هجوم "الغير" على بيوت النوبيين وسرقتها علنا .وتبريره للمذبحة التي اارتكبها نوبيون مع الاغارة على بيوت الهلاليين :" أضطر الشباب للرد على الشراسة بالشراسة ". وأضاف :" القضية ليست قضية معركة . بل قضية شعب يتعرض لمؤامرة التذويب . ويتعرض للاهانة طوال قرن ". ولم تكن صدمتي في مثل هذه التصريحات العنصرية التي ح التى تقارب تعبيرات الصهيونية في الحديث عن " الأغيار" لأن "أدول" أديب . بل والأهم لأن صاحب هذه التصريحات الصادمة عضو لجنة الخمسين التي وضعت دستور 2014 والمفترض انه أفضل دستور في رعاية حقوق أهل النوبة . 

غياب التنمية وضعف الأمن الذي تسبب في انتشار الجهل والقبلية و السلاح في أسوان وكافة مناطق وجهات الحدود المصرية هو الأمر الأكثر إيلاما .وقد ظل يشغلني ومازال وأنا أتابع قلقا سيل الدم القادم من أسوان . لكن لا الحل الأمني وحده هو طوق النجاة . تماما مثل محاولات التسيسس عبر المكائد الرخيصة والتحريض المبتذل ضد الإخوان والإسلامييين. ولا حل في مغازلة النوازع القبلية والعصبيات . 

لكنني عندما كنت اقلب صفحات صحف القاهرة في هذا الاسبوع الحزين لفت نظري خبر أعتنى به القائمون على شئون الأخبار . هو تأييد مؤتمر القبائل العربية المنعقد في مطروح على حدود مصر الغربية هذه المرة لترشيح المشير السيسي للرئاسة . وفقط تذكرت ان السيسي وبعد كل هذه الأيام لم يذهب جنوبا حيث سيل الدم في أسوان . وكذلك لم يفعل منافسه الأهم المرشح الرئاسي "حمدين صباحي ". 

وبصرف النظر عن الذهاب الى الجنوب .ظل يلح على الذهن هذا السؤال : أليست هناك صلة بين كل هذا العنف والقسوة في أسوان الطيبة الوادعة وبين كل مايشاهده المصريون من دماء منذ 3 يوليو 2013؟. وهل مولد فاشية جديدة مبتذلة رثة " وهفق" وشيج القربى بتغذية كل هذه النزاعات الطائفية العنصرية في انحاء البلد ؟.

د.تامر العقاد يكتب : الانجازات بعد 30 يونية واستعاد حازم ابواسماعيل

ثمان أشهر منذ غياب قصرى لمرسى عن كرسى الرئاسة ومحاكمته بأتهامات اقتحام والهروب وسرقة السجون والقتل والتحريض عليه والتخابر والخيانة وقطع الطرق ... الخ ولوصح اى اتهام تكون عقوبته الاعدام ( بالرغم من اعتقدنا الرسخ من طهارة يدية ونبل مقصده وشرف انتماءه للتيار الاسلامى واخلاصة للاسلام والوطن) ، وقد رأينا مبارك يحاكم منذ 3 سنوات ولم يصدر فى حقه أى حكم بات ونهائى هو واولاده ولم نجد فى محاكماته الان اى تشديد للحراسة والامن ، فهل هناك أمل. 
كانوا يحاسبون مرسى من اول يوم وليس بعد 30سنة او 30 شهر او 12 شهر وكأن هناك عداد بالساعة على احدى القنوات " فاضل 99 يوم من المائة " ولم يخلصنا من الزبالة واختناقات المرور وتوفير الخبز بالمخابز واعادة الامن والامان وتوفير الوقود ( الذى تم حجبه مع انقطاعات محسوبة ومتوالية للكهرباء )وحاسبوه حسابا عسيرا بالرغم من تهاونه الذى نراه مهينا مع فلول اتخذوا دوامة قطع الطرق والمواصلات والقطارات والكبارى لدرجة انه لو مات حمار فى قرية اعتصم الاهالى وقطعوا الطريق الزراعى او الصحراوى او السكك الحديدية بل واشعال النار لقطع الطريق مثلما كان يحدث يوميا على كوبرى 6 اكتوبر وميدانى التحرير وعبد المنعم رياض والشونة بالمحلة غير مجموعات البلاك بلوك الساويرسى ، ومعتصمى التحرير من البلطجية واصحاب السابق والمتحرشين جنسيا والمغتصبين للفتيات والاطفال . 
وجدنا محاصرة لمجلس الوزراء ومجلسى الشعب والشورى وقصر الاتحادية ومحاصرة النائب العام ( المستشار طلعت) وتوقف المحاكم والنيابات والاعتداء على مبانى شرطية وغلق كل الطرق المؤدية لوزارة الداخلية ومحمد محمود والقصر العينى وحرق مبانى ومفرات فى اسكندرية ودمنهور والمحلة وطنطا والمنصورة واضرابات هنا وهناك واعتصامات فئوية وبالرغم من ان كل القنوات الحكومية والفضائية الخاصة المصرية التى يمتلكها اهل نظام مبارك (بالرغم من وزير اعلام اخوانى لا يهش ولا ينش تركهم وخبرائهم الامنيين ينهشون فى مرسى وحكومته )، وكانوا يقولون عن كل من يفعل ذلك ثوار او محتجين ويشجعوهم على ماهم فيه حتى وصل الامر الى انتهاك الحرمات والاعراض والقتل للهوية فى غياب الامن او مشاركته ، وكل ذلك كان يحدث من اول يوم من المائة وكانت القافلة تسير ( معدلات تنمية والدراسة بالجامعات والمدارس منتظمة على عكس ما يحدث الان). 
ونحن الان على اعتاب الشهر التاسع منذ 30 يونية هل تغيرت الامور وتحسنت وشعرنا بالامان وهل الشرطة اصبحت فى خدمة الشعب وهل هناك انضباط مرورى وسهولة المواصلات فى شوارعنا هل تجدونها نظيفة وهل تم توفير الخبز والوقود ، يكفى ان اهم الميادين والشوارع أحتلها البائعة الجائلين من ميدان التحرير لطلعت حرب ل 26 يوليو حتى وكالة البلح لميدان العتبة وشارع الجيش والازهر وميدان رمسيس وشارع الجلاء وشوارع وميادين اخرى بالقاهرة وعواصم والمدن الكبرى بالمحافظات ونجد الشرطة خاصا شرطة المرافق بالاحياء والمدن لاحيلة لها. 
انا لا اقول ان ايام حكم مرسى كانت مثالية او تحوز رضانا بل العكس ما احسسنا بالهوان وقلة الحيلة الا فى حكمه حيث كانوا يتقولون عليه ببيع قناة السويس لقطر وسيناء لحماس وتهريب السولار والبنزين لهم والتفريط فى حلايب وشلاتين للسودان ولم نجد توضيحا او تكذيبا ، حتى شهدائنا من الجنود والضباط فى سيناء وعلى الحدود لم نجد تحقيقات حقيقية والاسراع فى توجيه الاتهام للمتهمين او القبض عليهم ، ولم يتولد لدينا الاحساس بتحقيق اهداف ثورة 25 يناير والمحاكمات الثورية ومحاربة الفساد والافساد بطريقة علانية بل ابقى على هؤلاء المفسدين على رؤوس الهيئات والسلطات بأنواعها فى مناصبهم يناصبونه العداء وأطمأن لبعضهم ، ولم تكن هناك شفافية ووضوح ووجدنا انه لا فارق بين قنوات التليفزيون الحكومى وقنوات اهل نظام مبارك فى تناولهم للاحداث والاشاعات وبث الكراهية والاحباط من حكم مرسى وقنديل . 
لقد خسر التيار الاسلامى بسبب حكم مرسى (كان محسوبا عليه دون مشاركة حقيقة لهم معه ) مالم يخسره فى تاريخة فى اى عهد سابق من كثرة الدماء والقتل للهوية والشكل ( الاباحة بالقتل على ألسنة علماء السلطان دون دية او عقاب) وانتهاك الاعراض والاعتقال ومصادرة الاموال بالرغم من انهم الان هم يشكلون الاغلبية مع الثوار الحقيقيين المتواجدين بالشوارع والميادين والقرى وما الاخوان الا قلة قليلة منهم ، حتى من اختارهم مرسى مساعدين او مستشارين لم يحظوا بقبول التيار الاسلامى وتحمل هذا التيار كل تلك المصائب والكوارث لفكرة انجاح وصول اسلامى للحكم بطريقة ديموقراطية مع حقيقة ان استبعاد الاستاذ حازم صلاح ابو اسماعيل عن الانتخابات الرئاسية كان مقصودا لعدم نجاح التيار الاسلامى فى شخص قوى ذو عزيمة واصرار دون تهاون او تلون له رؤية ثاقبة وواضحة ويمتلك مهارة الحوار المتسم بالصراحة ويمتلك حب من يسمعه او يشاهدة . وسنحيا كراما

21 فبراير 2014

رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات : القضاء المصري انتقامى و"بعافيتين" وانا حزين للانتماء اليه

رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات : القضاء المصري انتقامى وبعافيتين وانا حزين للانتماء اليه
رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات يكشف عن فساد بـ 44 مليار في الداخلية والقضاء
الزند يهدد رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ويقول له هتتشال قريبا

20 فبراير 2014

الاعلامية أيات عرابي تكتب : دم الشهدا بدم جمال !

في فيلم تأثير الفراشة الأمريكي يصطدم البطل بواقع مسدود فيسرع للاختباء تحت مائدة أو في ركن الحجرة ويخرج كراسته من مخبأها ليقرأ منها على عجل بعض ما خطه من أحداث حياته فيعود إلى نقطة البداية ليبدأ مساراً مختلفاً يفضي به إلى مصير مغاير تماماً للأحداث السابقة, فماذا لو كنا نحن الآن نمتلك آلة الزمن وعدنا إلى شهر فبراير سنة 1954 وغيرنا خياراتنا فهل كانت الأمور ستفضي بنا إلى غير ما نحن عليه ؟
سؤال شغلني منذ الأمس بعد أن قرأت تعليق الصديق العزيز الثائر أ. صلاح بديوي ذلك الضمير الثوري النقي الذي يمشي على قدمين على مقال كتبته عن عبد الناصر بعنوان " الزعيم الحنجوري " محاولاً إثنائي عن الإتجاه للكتابة عن عهد عبد الناصر بدعوى أن هذا لا يفيد أحداً محاولاً سرد بعض محاسن الرجل من وجهة نظره, فرددت عليه بتعليق على موقع الجورنال موضحة أسباب اتجاهي للكتابة عنه وأن العلم بالتاريخ هو أمر لا غني عنه لبناء المستقبل, كنت بالأمس أنوي أن يكون مقالي عن تلك الوقفة الذليلة التي وقفها قائد الانقلاب في موسكو أمام بوتين وانحناءة رأسه أمامه وتلك الحالة العجيبة من المسكنة والخضوع التي بدا عليها أمام بوتين, لولا تعليق الصديق العزيز أ. صلاح بديوي, وها أنذا أكتب من جديد عن الزعيم الحنجوري أبين فصلاً آخراً من فصول التاريخ الذي يتكرر الآن كما لو كانت مصر تعيش فيلم تأثير الفراشة الشهير, فعبد الناصر هو الحاضر الغائب حتى بعد وفاته سنة 1970, بل عاد عبد الناصر ليطل برأسه من جديد بعد الإنقلاب بصورة فرضت نفسها بشكل أكبر على المشهد وبدا على الرغم من غيابه عن المشهد حاضراً بقوة, فوزير الدفاع لا يترك فرصة الا ويحاول فيها التشبه بجمال عبد الناصر حتى في زيارة موسكو واللعب على نغمة الاتجاه إلى الشرق وتغيير موازين القوى في المنطقة وصفقة السلاح الروسي إلى أخر تلك الهلاوس المضحكة التي لابد أنها من ابداعات عقل كاهن الهزيمة هيكل والتي عرتها و كشفتها تماماً صورة وزير الدفاع وهو يقف منحنيا مطأطأ الرأس كسيراً أمام بوتين
بالإضافة إلى تصريحات السفير الروسي التي قال فيها أن الحديث عن صفقة سلاح بهذه التفاصيل هو (( اجتهاد )) من الإعلام المصري, وربما راقت تلك الصورة الزائفة التي حاول الإعلام رسمها لمؤيدي الانقلاب, في حين دفع هذا كثيرين كانوا مخدوعين في الصورة النمطية التي تقدمها وسائل الإعلام المصرية منذ ستين عاماً, للبحث في حقيقة عبد الناصر وهل كان فعلاً ذلك المناضل الذي كافح من أجل قضايا أمته وحارب الإستعمار أم أنه كان مجرد صنم صنعته آلة الدعاية الناصرية ليخدم أهدافاً بعينها ؟
ما دفعني منذ البداية لفتح هذه الملفات التي كانت تصنف في خانة المحرمات في الإعلام المصري هو ذلك الشبه الشديد في الأحداث ووجود هيكل فيلسوف الهزيمة خلف الستار والذي برز كلاعب أساسي يحرك الأحداث بلا ابتكار ولا رؤية متناسياً ربما بسبب سنه التي تخطت التسعين أننا الآن في عام 2014.
كلما تعمقت في سيرة عبد الناصر مؤسس دولة العسكر, كلما ازددت قناعة أن علاج الكوارث التي جرها الانقلاب على مصر يقتضي أولاً فتح الجرح المغلق منذ 60 عاماً, وبالأمس نشرت على صفحتي مقتطفاً صغيراً من كتاب " أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين " حكى فيه كاتبه حسين محمد حمودة وهو أحد الضباط الأحرار وزميل عبد الناصر في التنظيم كيف روى له عبد الناصر دور الإخوان المسلمين في حماية السفارات الأجنبية وتأمين طريق السويس للإبلاغ عن أي تحركات للقوات البريطانية, وحكى كيف نكل بهم عبد الناصر حتى قال بالحرف في صفحة 153 من نفس الكتاب "
الحقيقة للتاريخ كما ثبت من تسلسل الحوادث بعد الثورة أن عبد الناصر لم يؤمن قط بالفكر الإسلامي وإلا لما بطش هذا البطش بالإخوان المسلمين, ذلك البطش الذي لا يصدر إلا من عدو للفكر الإسلامي وعدو لله ورسوله.", كانت هذه الشهادة الصادمة هي ما دفعني لمعاودة البحث في تاريخ الصدام بين عبد الناصر والإخوان المسلمين, كيف تحول الرجل الذي بايع الإخوان على السمع والطاعة سنة 1946 وأقسم على المصحف والمسدس في شقة صغيرة بحي السيدة زينب بل وكان مسؤولاً عن تدريب عناصر الإخوان التي كانت تهاجم معسكرات الإحتلال الإنجليزي في منطقة القناة كما روى بالتفصيل صديقه وزميله في تنظيم الضباط الأحرار خالد محيي الدين في كتابه " الآن أتكلم ", إلى أعدى أعداء الإخوان المسلمين بل وأقدم على إعدام رموزها الذين كانوا قادة له في السابق ؟
كيف أقدم الرجل الذي وقف على قبر حسن البنا ليقول " نحن على الدرب سائرون " على إصدار الأوامر بتنفيذ مذبحة سجن طرة سنة 1957, ففي سنة 1954 قام مجلس قيادة الثورة بعزل الرئيس محمد نجيب الذي كان ينادي بعودة العسكر إلى ثكناتهم فخرجت مظاهرات عملاقة في انحاء القاهرة أثارت الذعر في قلوب العسكر, عبرت المظاهرات التي خرج أغلبها من جامعة القاهرة ومدارس الجيزة طريقها إلى ميدان التحرير ففتح الجيش عليها النار فسقط عدد من الشهداء, فازدادت المظاهرات مما اجبر عبد الناصر وزملاءه على إعادة الرئيس محمد نجيب إلى الحكم ولكن المظاهرات لم تنقطع, فانطلق طوفان هادر من البشر إلى ساحة قصر عابدين يحملون ملابس الشهداء المضرجة بدماءهم, وهم يهتفون " دم الشهدا بدم جمال " كان المتظاهرون يريدون القصاص من جمال عبد الناصر على مقتل إخوتهم الطلبة حتى شقت الطريق بينهم سيارة مكشوفة وبها القاضي عبد القادر عودة والذي شاركهم الهتاف " دم الشهدا بدم جمال " ثم صعد إلى القصر لتهنئة الرئيس محمد نجيب بعودته, كان محمد نجيب يخطب من شرفة القصر أمام جموع من المتظاهرين الغاضبين لدماء إخوتهم الشهداء ويعدهم بالديموقراطية وبالحكم النيابي ويطلب منهم الانصراف, فلم يطعه أحد, فطلب الرئيس محمد نجيب من المستشار عبد القادر عودة أن يستخدم تأثيره ليصرف المتظاهرين من الميدان, ويبدو ان المستشار عبد القادر عودة كان مفرطاً في حسن ظنه بالناس فدعى المتظاهرين للانصراف, على الرغم من موقفه السابق مع عبد الناصر حينما حثه على التراجع عن قرار حل جماعة الإخوان المسلمين خوفاً من تهور أحد الشباب فسأله جمال عبد الناصر مستهيناً " كم عدد الإخوان؟ مليونان، ثلاثة ملايين... إنني مستغنٍ عن ثلث الأمة، ومستعد للتضحية بسبعة ملايين إذا كان الإخوان سبعة ملايين"، وهنا غلب الذهول الشهيد "عودة"، وقال في ثورة: "سبعة ملايين ثمنًا لحياة فرد... ما أغناك عن هذا يا جمال!" وهو الموقف الذي ذكرته بالحرف موسوعة الويكيبيديا والتي سيتهمها البعض الآن أنها عضو بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين, على الرغم من هذا الموقف خطب المستشار عبد القادر عودة في المتظاهرين ثم قال لهم " انصرفوا في آمان " فخلي الميدان عن بكرة أبيه في دقائق معدودة ....
دفع الشهيد عبد القادر عودة حياته ثمناً لخطأه هذا حين تم اعتقاله بعد ذلك بخمسة أيام ثم اعدم شنقاً, الآن عدنا لسنة 1954 ولكن لم يخرج علينا أي من قيادات التحالف الوطني ليطلب من المتظاهرين في الشوارع الانصراف إلى بيوتهم, وما نراه الآن من قتل ومواجهة تأخر 57 عاماً, كان مقرراً لهذه المواجهات أن تجري سنة 1954 ولم تتعفف قوات الجيش وقتها عن فتح النار على المتظاهرين ولم يكن عبد الناصر الذي نقل عنه بعدها قائد سلاح الطيران في مجلة روز اليوسف أمره بضرب مظاهرات الطلبة سنة 1967 بالطيران, ليتعفف عن فتح النار مجدداً على الطلبة والمتظاهرين حتى لو أفنى في سبيل الكرسي 7 ملايين مصري كما قال, ثبات المصريين في الشوراع الآن هو ما يدفع وزير الدفاع المنقلب إلى التمسك أكثر بالعنف, بل أن حتى تمسكه بمنصب الرئاسة وإن كان رغبة دفينة لديه ربما لتعويض نقص, فإنه أساساً لتجنب المسائلة على الدماء التي سفكت منذ أن قام بانقلابه, مصر الآن تعيش تأثير الفراشة, فقد عدنا إلى سنة 1954, ولكن الزخم الثوري في شوارع مصر لا يخفت بل أن الأعداد تزيد والمصريين أكثر وعياً وإدراكاً الآن, ووسائل الإعلام متاحة الآن عن ذي قبل والرغبة في إزالة حكم العسكر من مصر وتحريرها تزداد اشتعالاً مع الوقت ولا تخبو شعلتها وكأن الله أراد أن يسدل الستار على تلك المرحلة الكئيبة البائسة من تاريخ مصر بثورة يتصرف فيها العسكر كعسكر 54 بينما يواجههم ثوار يفكرون بعقلية 2014, بل حتى اختلاف الصفات الشخصية بين مؤسس حكم العسكر وبين من سينتهي في عهده حكمهم, فالأول كان يتمتع بذكاء فطري وقوة شخصية وثقافة ربما كانت من مكتسبات التعليم وقتها, أم هذا الأخير فكما رأينا ضعيف الشخصية يحني رأسه وينكسر لمن فوقه كما فعل أمام بوتين, ضحل الثقافة, تكشف تصرفاته وردود أفعاله عن مستوى ذكاء ضعيف إذا ما قورن بذكاء عبد الناصر, الشبه الوحيد بينهما هو أن عبد الناصر كان يعيش سنة 1954, بينما وزير دفاع الإنقلاب يعيش في 2014 بعقل ينتمي إلى 1954.