مقالات في العروبة (3)
(محاضرة ألقيت في "دار الندوة" الشمالية في طرابلس في 26/9/2004)
لقد علمتنا دروس التاريخ، ان الخطأ الاكبر الذي يمكن ان تقع به حركات او افكار او تحليلات هو ان تتصرف وكأن اللحظة التاريخية الراهنة، سواء كانت لحظة سقوط او انتصار، هي لحظة دائمة، وان يبنى على هذا التقدير مواقف او تنظيرات، فكيف اذا كانت لحظة السقوط الراهنة هذه هي بالاساس بنت جهود خطيرة ومتراكمة، بعضها داخلي وبعضها خارجي، لإيصال الامة الى ما هي عليه...
الفكر القومي العربي هو الفكر الذي يسعى إلى تحقيق وحدة الأمة العربية، وصون هويتها وصوغ مشروعها النهضوي الحضاري المؤهل لاطلاق طاقات الإنسان العربي وحمل رسالة الامة الانسانية التي تمكنها من المشاركة في بناء عالم خال من كل استعباد أو استبداد أو استغلال أو فقر أو تخلف أو هيمنة. وبهذا المعنى فالفكر القومي العربي هو الفكر القادر على اكتشاف قوانين الصراع الكبرى التي تتحكم بحركة التاريخ في هذه المنطقة، وهو صراع قديم ومستمر بين قوى ومصالح وعصبيات حول مشاريع وحدة الامة او مخططات تفتيتها.
بهذا المعنى أيضاً فالحديث المتكرر عن سقوط الفكر القومي العربي بسبب أخطاء او خطايا شابت ممارسة بعض الانظمة او التنظيمات او الافراد الذين انتسبوا الى مدارس هذا الفكر، وهي متعددة ومتنوعة، هو حديث يندرج في إطار حركة الصراع تلك، ويهدف الى اسقاط آخر الحصون التي تمتلكها الأمّة في مواجهة مخططات التفتيت والتفكيك.
بل ان هذا الحديث يتجاهل ان الافكار قد تتراجع وقد تنحسر ولكنها لا تسقط ابدا، فكيف اذا كانت متصلة بهوية الأمة وبنزوعها النهضوي وبإرادة التحرر والاستقلال فيها وبكرامة الانسان وحقوقه الاساسية، سياسية كانت ام اقتصادية ام اجتماعية.
لعلها من المفارقات اللافتة ان مثل هذا الحديث يتعاظم عن سقوط الفكر القومي العربي فيما يشهد العالم كله نزوعا نحو بناء تكتلات كبرى تشير الى استحالة بقاء كيانات صغيرة في عالم اليوم، وفيما يشهد الوطن العربي ذاته تفاقم مأزق الكيانات القطرية، التي لم تنجح في ان توفر لاقطارها امنها الوطني، وتنميتها المستقلة، والمشاركة الشعبية المطلوبة.
ولعلها من المفارقات اللافتة ايضا والمتصلة بحديث اعداء الوحدة العربية عن سقوط الفكر الداعي الى تحقيقها، ان هؤلاء او معظمهم، يروج لمشاريع شرق اوسطية، جديدة او كبيرة، تتعامل مع المنطقة كوحدة استراتيجية واقتصادية وسياسية ولكنها تسعى الى طمس هويتها القومية، والقفز فوق حقيقتها التاريخية، لصالح مفاهيم جغرافية مبسطة يمكن من خلالها ادماج الكيان الصهيوني في نسيجها، فيما يصل هذا الكيان الى ذروة انغلاقه واقفاله على نفسه عبر ما يسمى بجدار الفصل العنصري الذي بات عنوانا لا لانتهاك الصهاينة لحقوق شعب فلسطين وللشرعية الدولية فحسب، بل بات عنوانا ايضا لسقوط العقيدة الصهيونية التي رفعت لنفسها شعار "اسرائيل الكبرى" والتي قدمت للمنطقة قبل عقد ونيف من الزمن مشروع الشرق الاوسط الجديد.
لكن التركيز على مفارقات ومغالطات ينطوي عليها الحديث الرائج عن سقوط الفكر القومي العربي لا يعني بالتأكيد القفز فوق الحاجة الماسة الى القيام بمراجعة فكرية نقدية لمدارس هذا الفكر لتحريره من جملة التباسات احاطت به، ومن شوائب علقت بممارسات محسوبة عليه، بل حتى لتحريره من نزعات ايديولوجية حولت هذا الفكر، الذي ينبغي ان يكون جامعا، الى متراس وخندق وعصبية اخرى من متاريس الصراع الاهلي العربي وخنادقه وعصبياته، بل سعت الى تحويل العروبة الى شكل من اشكال العقيدة، وتحويل القومية العربية الى نظريات فلسفية تحاول محاكاة نظريات فلسفية عالمية، فظُلمت العروبة كهوية كما ظُلمت العقيدة، وشوّهت القومية كرابطة انتماء كما قللت من شأن الفلسفات الكبرى التي عرفتها البشرية.
وهكذا فآفاق الفكر القومي العربي محددة الى حد كبير بالقدرة على اجراء هذه المراجعة الفكرية، وهي مراجعة مطلوبة على جملة محاور:
المحور الاول: من الايديولوجية الى المشروع
اذا كان الفكر القومي العربي هو فكر التوحيد بالدرجة الاولى، فانه مطالب ان يكون قادرا على الاتساع لكي يستوعب في اطره ورؤاه كل تيارات الامة ومشاربها العقائدية والسياسية والفكرية، بل كل تنوعاتها الاجتماعية والدينية والثقافية، كما كل الخصوصيات الكامنة في مكوناتها السياسية والاثنية.
واذا كان الفكر القومي العربي في بداياته الاولى في اواخر القرن التاسع عشر قد اختار لنفسه مهمة ابراز عناصر الوحدة والتماثل في الامة، من لغة وثقافة وحضارة وتاريخ ومصير، فان مهمته اليوم ان يكمل تلك المهمة التأسيسية بمهمة بالغة الضرورة والخطورة، وهي مهمة الادراك الدقيق ايضا لما في تلابيب الامة من تباينات وتمايزات وحساسيات وخصوصيات بهدف استيعابها في المشروع القومي الجامع على قاعدة التكامل لا الاقصاء، والتشارك لا الابعاد، والتحاور لا الالغاء، فيصبح احترام التنوع في الامة اثراءا لنسيجها، وتجسيدا لرسالتها، وتحصينا لها في وجه كل اعدائها.
ومن هنا، فالفكر القومي العربي مدعو اليوم الى بلورة مشروعه الحضاري النهضوي، لا كمجرد حاجة ملحة لاستنهاض طاقات الامة بعد تحديد معالم الطريق، بل ايضا كاطار تتلاقى حوله كل التيارات والمشارب والاطياف التي تتوزع عليها الامة بل التي وتقيم بين ظهرانيها.
ومما لا شك فيه ان الامة العربية عبر القرنين الماضيين قد شهدت مجموعة مشاريع للنهوض، وقدّم مفكروها مجموعة مداخل ومقاربات للنهضة، الا ان كل تلك المشاريع واجهت تحديات خارجية كبرى، وثغرات داخلية حقيقية، حالت دون نجاحها، تماماً كما عانت مجمل المقاربات والمداخل النهضوية من نقص في الشمولية حال دون ان تتحول الى مشاريع نهوض شاملة.
غير ان عدم نجاح تلك المشاريع، او عدم تكامل تلك المقاربات النهضوية، لا يجوز على الاطلاق ان يحرمنا الاستفادة من التراث النهضوي الضخم الذي قدمته تلك المشاريع، كما من التجارب النهضوية الهامة التي مّرت بها، وذلك لدى صوغ أي مشروع نهضوي حضاري للامة.
وليس من الصدفة ابدا، ان يتوصل مشروع "استشراف مستقبل الوطن العربي" الذي قام به مركز دراسات الوحدة العربية قبل اكثر من عشرين عاما، وعلى مدى خمس سنوات، وشارك فيه اكثر من خمسين باحثا واكاديميا، الى حاجة الامة لمواجهة التحديات المستقبلية الى "مشروع حضاري نهضوي" كما الى "كتلة تاريخية" تنهض باعباء تجسيد هذا المشروع.
واذا كانت تلك الدراسة قد حددت عناصر ذلك المشروع بستة: الوحدة العربية، الديموقراطية، الاستقلال الوطني والقومي، العدالة الاجتماعية، التنمية المستقلة، والتجدد الحضاري، فان الكتلة التاريخية التي دعت الى تشكيلها فكانت تضم القوى القومية الكلاسيكية والاسلامية المستنيرة واليسارية العروبية والليبرالية الوطنية.
واستمر هذا الجهد الفكري لبلورة مشروع النهضة للامة عبر مشاركة مفكرين وباحثين من كل تيارات الامة هذه، فانعقدت لهذه الغاية ندوة علمية كبرى في مدينة فاس في نيسان ابريل عام 2001، وكلفت لجنة لصياغة مسودة هذا المشروع الذي تمّ عرضه على كل القيادات والمرجعيات والشخصيات الفكرية والثقافية والقوى الحية في الامة لمناقشته وتطويره قبل ان يصار الى بلورته وإعلانه كصيغة قابلة للتعديل والتطور.
نحن هنا اذن امام تطور حاسم، تلاقي جملة ايديولوجيات متعددة حول مشروع نهضوي حضاري محدد يبرز ما هو مشترك بين كل قوى النهوض في الامة، ويترك جانبا موضوعات الخلاف، ضمن منهجية علمية وحدوية راقية: فلندخل مناطق الاختلاف وفي جعبتنا كل نقاط اللقاء، فنعالج الاختلافات بروحية اللقاء، بدلا من ان نسير بالاتجاه المعاكس فتعصف خلافاتنا بالكثير من المشتركات بيننا.
وهكذا يتحول الفكر القومي الى فكر جامع لمدارس فكرية وايديولوجية متعددة، ويتحول المشروع الحضاري النهضوي الى ساحة تلاقي وحوار بين قوى تفرز معا برامجها المرحلية، وادوات عملها واساليب نضالها المشتركة.
وهكذا بدأنا نشهد في الساحة العربية ولادة هيئات ومنتديات ومؤتمرات تضم بين صفوفها مفكرون ومناضلون وناشطون من كل التيارات الرئيسية في الامة يجمعهم همّ مواجهة المخاطر المشتركة، ويبلورون معا مشروعهم الحضاري للنهوض.
ولم يعد غريباً مثلاً ان نرى في صفوف "المؤتمر القومي العربي" وفي عضوية امانته اسلاميين وماركسيين وليبراليين جنبا الى جنب مع ابناء المدارس القومية المعروفة.
المحور الثاني: بلورة العلاقة التكاملية بين العروبة والاسلام
بين مدرسة يحلو للبعض ان يسميها "الشامية"، سعت في ظروف مواجهة سياسة التتريك في اواخر ايام الدولة العثمانية الى فصل كامل بين القومية والدين، خصوصا ان مثل هذا الفصل يطمئن من جهة مجموعات دينية غير مسلمة مقيمة في المشرق العربي، ويواكب من جهة اخرى المفاهيم الاوروبية في التحرر من سيطرة الكنيسة، وبين مدرسة اخرى، بل مدارس، قامت في مناطق اخرى من الوطن العربي لم تر اصلا أي تناقض بين العروبة والاسلام، بل لم تكن تعتقد بوجود عرب غير مسلمين، فيما تنبهت مدارس فكرية وسياسية قومية نشأت في الاربعينات والخمسينات، خصوصا البعث وعبد الناصر، الى ضرورة اخراج العلاقة بين العروبة والاسلام من تلك الثنائية المضللة: اما فصل كامل او تماه خالص، لتؤكد ان "علاقة العروبة بالاسلام ليس كعلاقة أي دين باي قومية، وان العروبة جسد روحه الاسلام" (ميشيل عفلق في "ذكرى الرسول العربي/ نيسان 1943) ولتشير الى "دائرة عربية ودائرة اسلامية" ينبغي ان تتحرك من خلالهما مصر (جمال عبد الناصر ، فلسفة الثورة 1954).
ولقد عزز من الرؤية الفكرية الجديدة التي حملتها هذه المدارس انها ولدت كحركات سياسية في رحم النضال ضد الاستعمارين الفرنسي والبريطاني وضدّ المشروع الصهيوني، حيث لا التباس بل تكامل بين المفهوم القومي والمفهوم الديني في مواجهة الانتداب والاستعمار والصهيونية.
ولقد تواصل الاهتمام بفكرة التلاقي بين العروبة والاسلام، وبين التيارين القومي والاسلامي عبر مقالات ومبادرات وندوات منذ اواخر السبعينات حيث اقام مركز دراسات الوحدة العربية ندوة حول "القومية العربية والاسلامية" في اواخر الثمانينات حول "الحوار القومي الديني" التي مهدت الاجواء لقيام المؤتمر القومي – الاسلامي وقد بادر إلى الدعوة اليه المؤتمر القومي العربي .
الا ان هذه النظرة الصائبة الدقيقة للعلاقة بين العروبة والاسلام والتي ساهمت في تعميق المد الشعبي للحركة القومية العربية في اواسط القرن العشرين، ما لبثت ان تراجعت لاسباب عدة لا مجال لذكرها الان، ولعل ابرزها انغماس الجميع في لعبة الصراع على السلطة وما تعززه من تجاذبات وتناحرات وانشقاقات تحرص احيانا على ان تضفي على نفسها رداء عقائدياً او نظرياً، فقامت حروب وصراعات حمل بعض اطرافها راية العروبة والبعض الاخر راية الاسلام، واندفعنا جميعا في مغالاة وغلو اعتبر فيها البعض العروبة نتاجا صهيونيا، فيما اعتبر البعض الاخر التدين الاسلامي ظلامية وتخلفا.
وكان اعداء الامة دون شك مبتهجين بهذا النوع من الصراعات الذي وضع خصميهما الرئيسيين العروبة والاسلام في مواجهة اختزالية لقواهما وطاقاتهما، بل سعى الى نقل هذه الصراعات الى داخل كل تيار بل كل حزب وحركة، فاختلط حابل الفكر بنابل السلطة حتى استفقنا الى يوم وجدنا فيه جيوش الاحتلال تطل على المنطقة باسرها من برج بابل.
ان اعادة صوغ العلاقة التكاملية بين العروبة كهوية قومية لكل عربي، مسلما كان ام غير مسلم، وبين الاسلام كرسالة انسانية موجهة الى كل البشر عربا كانوا ام غير عرب، تشكل اليوم احد ابرز مهمات الفكر القومي العربي في محاولته لولوج افاق المستقبل.
وابراز هذه العلاقة بين العروبة والاسلام لا يقلل ابدا من دور العرب غير المسلمين، لاسيّما النصارى منهم، الذين يعتز تاريخ الامة بالكثير من مساهماتهم على كل صعيد نضالي ام ثقافي ام اقتصادي ام اداري ام نهضوي، بل مشاركتهم بشكل فعال في بلورة الحضارة العربية الاسلامية التي تشارك في بنائها ابناء اديان متعددة، واعراق متنوعة ، وقوميات مختلفة، بل كانت جسرا بين الحضارات القديمة التي استفادت منها، وبين الحضارات الجديدة التي اسهمت في اطلاقها.
واذا كان البعض يركز على البعد الحضاري والثقافي في العلاقة بين العروبة والاسلام، فان لهذه العلاقة ايضا ثلاثة ابعاد ينبغي عدم تجاهلها.
البعد الاول هو توحيدي، بمعنى اننا في منطقة متعددة الاديان والاعراق فما لا تجمعه العروبة كهوية قومية، يجمعه الاسلام كعقيدة وهوية حضارية، ومن لم يعتنق الاسلام كدين من ابناء الامة قاده انتماؤه القومي الى اعتبار الاسلام ثقافة له وحضارة، فتكامل العروبة والاسلام هو عنصر التوحيد الرئيسي في المنطقة، بل هو الذي يحرر القومية العربية من أي نزوع شوفيني او عنصري لانها ذات علاقة وثيقة برسالة انسانية خالدة، وهو الذي يمنح الاسلام فضاء يبرز من خلاله وجهه السمح، وقدرته على التواصل والتفاعل مع حملة الرسالات الاخرى.
والبعد الثاني هو استراتيجي حيث يوفر العمق الاسلامي الكبير للامة العربية عمقا استراتيجيا هاما في اطار مواجهتها للمخططات الاستعمارية والصهيونية التي تستهدف امتنا في استقلالها ووجودها وهويتها ومواردها وفي مقدساتها ايضا.
فمن يستطيع اليوم ان يعزل معركة الامة العربية في فلسطين والعراق عن بعدها الاسلامي وصولا الى البعد الانساني الاشمل، ومن يستطيع اليوم ايضا ان ينكر اهمية الاسلام كعنصر تعبئة وحشد في هذه المعركة.
البعد الثالث وهو البعد الإنساني ذلك انه بقدر ما تسهم بلورة هذه العلاقة في تعميق المضمون الانساني للفكر القومي العربي وتحرره من شوائب العنصرية والشوفينية، فان هذه الصلة ايضا تسهم في تحرير بعض الخطاب الحركي الاسلامي، بل من بعض الممارسات المرتبطة بهذا الخطاب،من شطط وغلو في التعبير، وانغلاق في الممارسة، ومغالاة في السلو ومذهبية في الإداء.
ان العروبة بتذكيرها لبعض المدارس الحركية الاسلامية بوجود عرب غير مسلمين معهم يشاركونهم المصير والآمال والآلام، وبوجود عرب ينتمون الى مذاهب اسلامية اخرى يواجهون معهم الاعداء والمخططات ذاتها، انما تسهم في اطلاق حوار عميق في صفوف هذه المدارس ينبه في النهاية الى وجود الاخر في الخندق ذاته، وبالتالي الى ضرورة تطوير الخطاب والممارسة بما يضمن توسيع جبهة الحلفاء وانفتاحها بالتالي على شعوب وامم اخرى تشاركهم هّم مواجهة قوى الهيمنة في العالم.
ومن هنا فالفكر القومي العربي بصيغته الواسعة الشاملة لعقائد وايديولوجيات متعددة، يستطيع ان يلعب دورا تاريخيا في احتواء ظاهرة التطرف، وتحويل ما تنطوي عليه من طاقات باتجاهات اكثر ايجابية ونفعا لصالح الامة والانسانية.
أما المحور الثالث الذي يستوجب أيضا مراجعة عميقة وجريئة فهو صلة (العروبة بالديمقراطية) التي تشكل اليوم احد ابرز الآفاق التي تنتظر الفكر القومي العربي في مواجهة التحديات الراهنة.
وعلى الرغم من المحاولات الضخمة التي تحاول ربط العروبة بالاستبداد، انطلاقا من تجارب وممارسات محددة، الا ان هذه المحاولات تتجاهل ان سمة الاستبداد، كانت وما تزال، تطبع منطقتنا العربية والاسلامية باسرها بغض النظر عن طبيعة الانظمة ومدى قربها او بعدها عن القومية العربية، ولا يتسع المجال هنا لامثلة.
وبالمقابل فان هذه المحاولات تتجاهل ايضا كيف ان انظمة استبدادية قامت في كل ارجاء العالم باسم شتى الافكار والعقائد والاتجاهات، بما في ذلك "الليبرالية" ذاتها التي ازدهرت في الغرب كظاهرة مرافقة للبرجوازية والحرية المطلقة لتنتج ظاهرة "الاستعمار والعنصرية" التي قهرت أمماً وشعوبا كثيرة وسلبتها ارادتها ومواردها وسيادتها، "اذ كيف يكون حرا من يستعبد شعبا أخرا"، بل ان "النيو الليبرالية" التي تحكم اليوم واشنطن ولندن وسيدني وروما وغيرهما من بعض عواصم الغرب تحمل في ثناياها اليوم بذور الانقضاض على الحريات الشخصية والعامة في مجتمعاتها ذاتها عبر قوانين وتشريعات وممارسات باتت تشكل اليوم مادة رئيسية لنضال كل حركات "الحريات المدنية" و "حقوق الانسان" و"مناهضة التمييز العنصري" الناشطة في هذه الدول.
ان رفض هذا الانطباع الخاطئ والمروج له عن "علاقة حتمية بين القومية العربية والاستبداد" لا يجوز ان يقودنا الى التقليل من خطورة الشوائب التي لحقت بممارسات العديد من الانظمة والتنظيمات حاملة لواء القومية العربية، تماما كما لا يجوز ان تقودنا الحماسة المشبوهة لمقاومة مشاريع الاصلاح والديمقراطية المفروضة من قبل الادارة الاميركية الى ان نتراجع عن مطلب تاريخي معروف حملته على مدى عقود قوى التغيير والاصلاح في المنطقة ودفعت ثمنه تضحيات باهظة.
ان تطوير المضمون الديمقراطي للفكر القومي العربي، ورفض مقايضة الديمقراطية والحرية باية أهداف قومية اخرى كالوحدة والتحرر والاشتراكية، هو الضمانة الرئيسية لفتح اوسع الافاق امام هذا الفكر، ليس فقط لاتصال مسألة الحريات العامة والخاصة وحقوق الانسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية بابراز جوانب معاناة الانسان العربي، وليس لان الديمقراطية بما توفره من مشاركة شعبية واحترام لكرامة الانسان هي الصيغة الاسلم للعلاقة بين الحاكم والشعب فحسب، بل لان الديمقراطية ايضا هي ضمانة الوحدة الوطنية المهددة داخل العديد من اقطارنا، كما هي الطريق الى تحقيق الوحدة القومية باعتبارها تفسح المجال امام ارادة غالبية ابناء الامة المغلوب على امرها في ظل واقع الاستبداد الراهن.
وكلنا يذكر كيف ان الاجواء الديمقراطية السائدة في سوريا في اواسط الخمسينات مكنت هذا البلد المحدود في امكاناته وقدراته، والكبير بشعبه ودوره، من ان يصمد بوجه كل الاحلاف والمشاريع الاستعمارية والحشود العسكرية وان يبادر، في الوقت ذاته، الى اطلاق اول مشروع وحدودي عربي مع مصر عبد الناصر في القرن العشرين وهو المشروع الذي تآمرت عليه القوى المعادية للامة مستفيدة دون شك من تراجع المشاركة الديمقراطية ابان عهد الوحدة.
فمستقبل الفكر القومي العربي اذن، بل مستقبل العمل القومي العربي برمته، مرهون بقدرته على صوغ تلك العلاقة بين الديمقراطية والاهداف الاخرى للمشروع القومي العربي، علاقة تدرك ايضا ان للديمقراطية في كل مجتمع طريق خاص يصل اليها، ولكن تعدد الطرق لا يكون أبدا على حساب أساسيات باتت معروفة في كل مجتمع ديمقراطي.
في هذا المجال، لا بد ان نسجلّ للقيمين على عدد من مؤسسات البحث والعمل القومي العربي ريادتهم في طرح قضية الديمقراطية وحقوق الانسان منذ اواخر السبعينات، ودورهم في تشكيل المنظمات القومية المعنية بهذا الامر، كالمنظمة العربية لحقوق الانسان، ونجاحهم في ان تصبح فكرة التعددية وتداول السلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في مقدمة برامج العديد من الاحزاب والحركات القومية والإسلامية .
المحور الرابع: مواجهة العولمة وعالمية المواجهة
اذا كان البعض يدعو باسم التعامل مع المتغيرات إلى تغيير الأفكار والقناعات والهويات وصولا الى ان نغير جلودنا بأنفسنا، فان هذا لا يجوز أن يقود البعض الاخر الى رفض الاعتراف بهذه المتغيرات ورفض التعامل مع تداعياتها ونتائجها.
ومن هنا فالفكر القومي العربي مدعو إلى أن يتعامل مع هذه المتغيرات وفق قاعدة الجذور الثابتة والأغصان الممتدة بكل اتجاه.
أهم هذه المتغيرات وأبرزها وأكثرها إطلاقا للتداعيات هي "العولمة" التي رغم انه لا يوجد إجماع واحد على تعريفها ، أو حتى على تسميتها، فهناك إجماع على مجموعة سمات ملازمة لها.
أنها ظاهرة مرتبطة بتطور علمي وتقني عال، وبثورة اتصال ومعلومات أنتجت وسائل إنتاج وأدوات إنتاج أدت بدورها إلى تغيير هائل في علاقات الإنتاج.
انها ظاهرة لا تنحصر تداعياتها في المجال الاقتصادي بل تتعداها لكل جوانب الحياة السياسية والثقافية والتربوية والاجتماعية.
انها ظاهرة لا تنحصر نتائجها في منطقة معينة او قارة معينة، بل لها نتائج في كل جهة من جهات الارض، ولا يستطيع احد ان يتجنبها.
ان العولمة بما تقود اليه من سهولة في تدفق المعلومات، ومن تعظيم في الانتاج البشري تنطوي على جانب ايجابي يسجل لمصلحتها في رصيد تقدم البشرية، رغم ما تنطوي عليه من جوانب سلبية متعددة ينبغي مواجهتها.
فكيف يواجه الفكر القومي سلبيات العولمة؟
ان الفكر القومي العربي مدعو اليوم إلى دراسة هذه الظاهرة وفهمها بكل مكوناتها، كما بكل تداعياتها، بل إلى فهم قوانين حركتها بكل ما تنطوي عليه من تناقضات، ذلك أن المطلوب ليس فقط فهم العولمة بل أيضا تغيير مسارها الراهن بكل ما ينجم عنه من سلبيات.
في هذا الإطار الفكري لا ينبغي الاكتفاء بتعداد الكثير من الجوانب السلبية الكامنة فيها، والفضح الإيديولوجي والسياسي لها كشكل من أشكال السيطرة الإمبراطورية التي تقوم على أرخبيل من المراكز الاقتصادية المتقدمة وسط بحار من الجوع والفقر، والتي تعتمد إيديولوجية السادة بكل ما تنطوي عليه من عنصرية وقدرية وتعال، مرتكزة على مجموعة من النهابين (كما يسميهم جان زيغلر) او ليغارك رأس المال المعولم حيث يربح مثلا المدير المالي لشركة والت ديزني 2783 دولارا في الساعة فيما تكسب العاملة في مصانع الشركة في هايتي 28 سنتيما في اليوم. ويسعى هؤلاء النهابون الى موت الدولة لحساب الشركات المتعددة الجنسية، وحيث يجري تدمير البشر عبر فقر يزداد كل سنة، بحيث بات عدد الوفيات في مطلع هذا القرن في 122 بلدا بسبب الفقر المدقع 58 مليونا في عام واحد، أي ما يوازي عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية من عسكريين ومدنيين، وحيث يتحول الفساد إلى طريقة حياة يتحول فيها الفاسد إلى مفسد والعكس بالعكس، فيما تتحول فيها أموال الشعوب الفقيرة المغلوبة على أمرها إلى حسابات سرية في مصارف سويسرا والبهاماس، وليشنشتاين التي يطلق عليها اسم "فراديس الضرائب"، وحيث تجزّ رقاب الأمم منظمات دولية متعددة بعضها يعمل برقابة الأمم المتحدة الصورية، وبعضها كالمنظمة العالمية للتجارة التي لا تحتاج حتى إلى هذه الرقابة الصورية وتستخدم كآلة حرب ضد دول تفكر بالتمرد على قرارات جائرة أو بحماية الحد الأدنى من مصالحها.
بل ينبغي على الجهد الفكري أن يحاول اكتشاف قوانين حركة العولمة، وبذور تناقضانها، من اجل توجيه النضال باتجاهها.
هنا تطرح جملة أسئلة نفسها:
إذا كانت الإمبريالية أخر مراحل الرأسمالية، فهل باتت العولمة اليوم أخر مراحل الإمبريالية؟
هل يؤدي تعظيم الإنتاج، كما هو هدف التطور التكنولوجي، إلى زيادة إشباع حاجات البشر، أم أن الفقر الناجم عن التمركز المريع في الثروة والدخل الناجم عن العولمة يؤدي إلى إطلاق دورات متسارعة من الكساد في المراكز الصناعية بل الى اختناقات كبرى فيها، والى بطالة متزايدة (كما نرى اليوم في واقع الاقتصاد الأمريكي واقتصادات الدول الصناعية الثماني)، بل إلى تحويل الاقتصاد نفسه من اقتصاد الانتاج إلى اقتصاد الريع...
هل العولمة تستهدف هوية ثقافية بعينها، او تستهدف عقيدة دينية دون غيرها، أو انتماء قوميا بذاته، أم أنها بإطلاقها لنمط ثقافي معين قائم على التسلط والتسطيح إنما تضرب كل الثقافات والأديان والقوميات كما يقول المفكر الكبير جلال أمين.
هل تستطيع قوى العولمة ان تتحمل نتائج إلغاء السيادات والدول لصالح شركاتها، بكل ما يعنيه هذا الإلغاء من إلغاء مرافق لأجهزة القمع والسيطرة والتوجيه التي تخضع الشعوب؟ وإذا أبقت من الدول الأجهزة دون الخدمات الأخرى لا سيما الاجتماعية منها، الن يحول هذا الأجراء الدول ذاتها إلى ساحات مضطربة على الدوام وعلى نحو يهدد مصالح تلك الشركات ذاتها (النموذج العراقي)، الم تتحول العولمة الاقتصادية والإعلامية، كما أرادها الكندي مارشال ماكلوهان صاحب تعبير "القرية الكونية" إلى عولمة امنية بطاشة تنتج دورات متزايدة من العنف في عالم وعدته العولمة بالهناء والاستقرار.
هل تستطيع العولمة ان تبقي على التناقض الصارخ بين شعارات عالمية أطلقتها لإخفاء أهدافها الحقيقية كالإصلاح وحقوق الإنسان والديمقراطية وحماية البيئة وحقوق المرأة والطفل، وككاسحات ألغام أيديولوجية وسياسية أمام مصالحها، وبين الممارسات التي تقوم بها ، وهل تستطيع ان تروج لشعار سقوط الايديولوجيات فيما تتحكم بالدولة العظمى في العالم جماعة ايديولوجية بامتياز باسم "المحافظين الجدد"الذي كان بعضهم يساريا متطرفا إلى سنوات قليلة.
الى متى تستمر العولمة الساعية إلى الإطاحة بكل الدول والقوميات، والداعية إلى قيام ليبرالية عالمية ،قادرة على التعايش مع الكيان الصهيوني الذي يعتبر ذروة نتاج الفكر الفاشي العنصري التوسعي الانغلاقي، بل ألن يكون احتضان القوى العالمية لهذا الكيان هو الصاعق الذي سيفجر العديد من المعادلات والتوازنات التي يحتاجها نظام العولمة.
أن طرح هذه الأسئلة والسعي للإجابة الدقيقة عليها لا يهدف فقط إلى محاولة تفكيك إيديولوجي لظاهرة العولمة، كما يبدو للوهلة الأولى، بقدر ما يطمح الى تحديد مساحات الحركة السياسية والاقتصادية والنضالية في مواجهتها.
بل إن الإجابة على هذه الأسئلة، تقود الفكر القومي العربي بالضرورة إلى تلمس أبعاده العالمية كجزء من حركة عالمية إنسانية مناهضة للعولمة المتوحشة وللهيمنة والتمييز العنصري وتدمير البيئة وتهميش مجتمعات ودول وقارات بأسرها.
إن ظاهرة العولمة تتطلب من الفكر القومي العربي أن يدرك الطبيعة العالمية للمواجهة، وان يحدد القوى والمصالح والفئات الجادة في مناهضتها لهذا المشروع الإمبريالي ويسعى إلى التعرف على طبيعتها الأصلية، وعلى تعدد مشاربها، وتنوع تخصصاتها، وغنى تجاربها، وتمييز الأصيل منها عن المخترق استعماريا وصهيونيا بواسطة شبكات تمويل عالمية تتعاون مع أجهزة مخابرات دولية في التقاط ضعاف النفوس والقلوب والعقول لاستخدامهم كواجهات لاستراتيجياتها، وكأدوات في تكتيكاتها.
كما أن الطبيعة العالمية للمواجهة تفترض أيضا ان نطور في خطابنا وأدائنا بحيث يكون اقل تنفيرا للقوى العالمية، واقل إحراجا لأصدقائنا في القارات الخمس، وأكثر قدرة على نسج تحالفات دولية مع كل الدول والقوى المتضرّرة من الهيمنة، وبناء علاقات في المعركة الكبرى التي تواجهها الإنسانية.
المحور الخامس: في التربية والثقافة والعلوم
ان مراجعة عميقة لتجربة العمل القومي تبرز بوضوح ان الفكر، كما العمل القومي العربي، قد ركز على الأبعاد السياسية والنضالية على حساب الاهتمام بقضايا التربية والثقافة والعلوم، فبدا في أحيان كثيرة وكأنه بعيد عن الأجيال الجديدة التي تتلقى تربيتها في المدارس أو بيوت العبادة أو أمام شاشات التلفزة، فيما بدا أيضا وكأن هذا الفكر لا يعطي الثقافة بكل جوانبها البحثية والإبداعية ما تستحقه من مكانة في المشروع القومي، كما بدا كذلك وكأن هناك جفاء بين الفكر القومي والتطور العلمي على نحو عزز من الانطباع الشائع بماضوية هذا الفكر أو غرقه في غياهب التخلف والضبابية.
واهتمام مؤسسات الفكر القومي العربي، كما العمل القومي، بهذه الجوانب المهمة من حياة الأمة والعالم، لا يعيد الفكر القومي الى قلب العصر والى عقول الناس ووجدانهم فحسب، بل انه يستمد من هذه الجوانب مزيدا من القدرات والطاقات والرؤى والمعارف التي تؤهله لكي يتحول إلى قوة فاعلة في حياة الأمة في عالم باتت المعرفة فيه قوة وسلطة في آن معا.
ومن قبيل الانصاف والموضوعية لابد ان نسجّل لعدد من المفكرين القوميين، والمؤسسات القومية، جهدا استثنائيا في بلورة استراتيجيات خاصة بالثقافة والتربية والعلوم واقامة ندوات خاصة بهذه الامور، ناهيك عن تضمين مسألة " العلوم والتقانة " جدول اعمال اكثر من دورة من دورات المؤتمر القومي العربي.
المحور السادس: فكر الوسائل والأدوات والأساليب
لا بد من تحرير الكثير من مدارس الفكر القومي العربي من تلك النظرة المتعالية إلى التفاصيل، سواء كانت تتصل بوسائل العمل او بأدواته وأساليبه، في حين أن الفكر الطليعي التقدمي الفاعل ليس فقط الفكر القادر على فهم مجتمعه وقوانين حركته وتفسيرها، بل أيضا الفكر القادر على تغيير هذا المجتمع والارتقاء به نحو الأحسن.
فان يكون التنظيم الحزبي قوميا في تكوينه وقيادته أم قطريا ليس مسألة تفصيلية او تنظيمية بحت، بل هي مسألة فكرية في امتياز تسعى لإيجاد الصيغة الملائمة بين قوة الواقع القطري ومتطلبات الرؤية القومية.
وكذلك العلاقات الجبهوية بين أحزاب وقوى، والعلاقة بين الحزب السياسي والنقابات والجمعيات، وظواهر تتعلق بمؤسسات المجتمع المدني على اختلافها، وجمعيات الدفاع عن البيئة وحقوق الإنسان ودور المرأة، كلها قضايا تحتاج إلى جهد فكري، كما إلى عمل تنظيمي، بحيث يمكن فهم ظروف نشأتها وتكوينها وبناها وعلاقاتها لكي تسهل عملية انخراطها جميعا في الاضطلاع بأعباء المشروع القومي.
في فكر الوسائل والأدوات والأساليب أيضا تبرز المقاومة بكل مستوياتها واشكالها، كنهج وكثقافة وكأسلوب في المواجهة، كظاهرة ينبغي على الفكر القومي، أن يسعى إلى تأصيلها فكريا باعتبارها احد ابرز أسلحة الأمة في مواجهة التحديات الكبرى المفروضة عليها، سواء التحديات المرتبطة بالاحتلال الخارجي الآخذ في التوسع، أو تلك المرتبطة بالاختلال الداخلي الآخذ في التعمق على مستوى بنانا الداخلية كافة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية.
فهل المقاومة ظاهرة مؤقتة في حياة امتنا أم هي ظاهرة مستديمة إلى زمن طويل، وهل ثقافة المقاومة هي تلك الثقافة الموجهة نحو تحصين مجتمعاتنا بوجه غزو أعدائها فقط، أم انها ايضا تلك الثقافة التي تحرص على فهم الطبيعة المعقدة لمراحل التحرر، وعلى ادراك الحاجة إلى إنتاج خطاب جامع، وممارسات توفيقية، وأسلوب انفتاحي على قوى المجتمع باسرها، انطلاقا من الوعي بعمق الصلة بين المقاومة والوحدة، حيث المقاومة توحد المجتمعات، وحيث المجتمعات الموحدة قادرة على الانتصار بالمقاومة.
كل هذه التساؤلات والإشكاليات تقدم نفسها إلى الفكر القومي العربي من اجل إطلاق حوارات واسعة حولها تسعى إلى إيجاد الإجابات الدقيقة والصعبة لها، وليس الأجوبة السهلة والمبسطة والمخلة لها.
خاتمة:قد لا تكون هذه المحاور هي وحدها التي تحتاج إلى مراجعة فكرية عميقة لتوسيع آفاق الفكر القومي العربي، بل ربما هناك محاور عديدة، لكنني اعتقد أن مهمة كل دور الثقافة والإعلام الفاعلة والحية في امتنا مدعوة إلى الانكباب على دراستها، محوراً، للخروج بالاستنتاجات النظرية والعلمية التي تسهم في تطوير الفكر القومي العربي وتجديده في ضوء ثوابته الكبرى وليس على حسابها.