09 مارس 2025

ما الذي يضير ساويرس من “مصر العربية”؟- سيد أمين



منذ عدة سنوات حذرت في مقال لي بعنوان “ليتها معركة حول هوية كليوباترا فقط” على تلك المنصة القيمة، من أنه قد تكون هناك توجهات أو قل “أمنيات” لدى البعض لإلغاء وصف “العربية” من المسمى الرسمي لجمهورية مصر العربية، وهو ما دعا إليه رجل الأعمال نجيب ساويرس في تغريدات له مؤخرا على أكس.

قلت نصا في المقال “أظن أن هناك من ينبش لأن يتم نزع توصيف “العربية” من المسمى الرسمي لـ”جمهورية مصر العربية”، والألاعيب التي تمارس لنفي عروبة مصر كثيرة ولا تتوقف، وإذا أغمضنا أعيننا فلا يُستبعَد أن نكون أمام أندلس جديدة”. انتهى الاقتباس.

ولو تتبعنا الخط المستقيم لتغريب التعليم والدراما، وإهمال اللغة العربية في مكاتبات وإعلانات ولوحات الشركات والمحال ولوحات الشوارع، وما ترافق مع ذلك طوال العقود الماضية من هدم وتهاون وإهدار للعديد من الآثار العربية والإسلامية في طول البلاد وعرضها، مقارنة بما يقابلها من تمجيد للآثار الفرعونية والبيزنطية واليونانية والبطلمية والمسيحية كبرت أو صغرت؛ لكان ذلك كفيلا وحده بتعميق هذا الاعتقاد.


واقعة ساويرس

حاولت أن أجد مبررا واحدا لما قاله ملياردير كالمهندس نجيب ساويرس يدرك جيدا خطورة ما يقول ومغزاه ومردوده، واعتقدت لبرهة أنه الفراغ، لكني مع ذلك لا أعتقد أن شخصا مثله تمتد شركاته في العديد من دول العالم لاسيما تلك الدول وقعت تحت نير الغزو الأمريكي كالعراق وأفغانستان، لديه وقت فراغ إلى هذا الحد.

ما الذي يضير رجل الأعمال الكبير؟

بحثت عن أي مبرر يعود على مصر وشعبها بأي نفع من هذه المطلب الغريب الذي استهل به قدوم شهر رمضان الكريم فلم أجده، فالمواطن المصري الآن لا يتطلع إلى تغيير مسمى دولته ولا يخالجه هذا المطلب في أكثر أوقاته فراغا، ولكنه يتطلع إلى الحرية والديمقراطية والكرامة، ويتطلع إلى مجابهة غول الغلاء والفقر والمرض وانهيار الخدمات، وهذا ما كان يجب على المهندس ساويرس أن يتحدث عنه إن كان يتحدث عن مطلب المجتمع، ليكون بذلك قد اقترب بشدة من معاناة الشعب وطموحاته بدلا من التحليق في الفضاء منفردا.

ليتها كانت مجرد تغريدة واحدة ولكنه شغل وقته الثمين للبحث داخل المنصة عن وجهات نظر توافق مطلبه وراح يعيد نشرها، وسط انقسام كبير في التعليقات وكان معظمها رافض للمقترح، وقليل متحمس له جدا معظمه من نفس الطيف الذي ينتمي له، وشبه مقيم في صفحته للتعليق على منشوراته ومدحها والثناء عليها.


دعوات الفرعنة

دعاة التغريب لم يضيعوا من قبل أي فرصة للطعن في عروبة مصر، وسعيهم لحرفها إلى أي هوية أخرى غير هويتها العربية المستقرة منذ 14 قرنا، تارة بدعوات الفرعنة التي أطلقها السادات بعد مقاطعة العرب له عقب مؤامرة كامب ديفيد التي وقعها منفردا مع الكيان الصهيوني، وما سبقها من قيام جمال عبد الناصر عام 1955 من نقل تمثال رمسيس الثاني من بيت رهينة بالجيزة إلى ميدان باب الحديد الميدان الأهم لمصر في هذا الوقت، وتسميته باسمه الحالي ليكون تذكيرا دائما بالهوية القديمة للبلاد، وما تلا ذلك مؤخرا من تدريس الهيروغليفية في رياض الأطفال.


بل إن الضجة المفتعلة التي أثيرت قبل عامين حول لون بشرة كليوباترا السمراء التي ظهرت بها في عمل وثائقي أنتجته منصة نتفليكس، واحتجت مؤسسات رسمية في الدولة عليه كالمجلس الأعلى للآثار ومجلس الوزراء بأنها بشرة لا تتناسب مع بشرة الفراعنة واعتبرت أن ذلك تشويه لتاريخ مصر والفراعنة، مع أن كليوباترا ليست فرعونية ولا مصرية أصلا، كان الهدف منها مجرد إثارة لغط الهوية.

وقد سبقها لغط مفتعل يتكرر من حين لأخر حول الوجود العربي في مصر أهو فتح أم غزو؟ حيث وجدنا الدكتور وسيم السيسي في مقال له بجريدة “المصري اليوم” بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 2021 يصفه بأنه احتلال، ويدعو إلى إحياء اللغة الهيروغليفية وفرعنة مصر.

والحقيقة أن دعوات اعتبار العودة إلى ما قبل الفتح العربي لمصر عودة إلى لأصل هي التدليس ذاته، فالرومان الذين كانوا يحكمون مصر قبل الفتح ليسوا هم الفراعنة، وكذلك أجناس عديدة حكمت مصر لآلاف السنين كالبطالمة واليونانيين والبيزنطيين والهكسوس والفرس والأحباش، وبالتالي فدعوات فرعنة مصر تشبه تماما دعوات تسليم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا للهنود الحمر، فضلا عن سؤال مهم هو أين نجد الهنود الحمر في هذه البلدان؟ وأين نجد الفراعنة في مصر؟


دعوات الحداثة

حينما تعذرت محاولات الفرعنة لأسباب كثيرة، تحول دعاتها مباشرة إلى تجريح اللغة العربية بوصفها لغة متخلفة لا تناسب علوم اليوم، وطالبوا بالتوسع في تعليم اللغات الأجنبية، وهو ما يؤكد أن همهم ليس الفرعنة ولكن محو عروبة مصر، وأهم مظاهرها اللغة العربية ثم المسمى الرسمي للدولة.

هم بهذه الدعوات كمن لم يعجبه شكل باب منزله فباع المنزل كله بدلا من أن يغير فقط بابه، حيث كان يمكنهم بدلا من تغيير لغة البلاد لتناسب العلوم الجديدة أن يقوموا بتعريب العلوم الجديدة ونتطور بها بلغتنا القومية، تماما كما فعل العراق وسوريا، وكما فعلت الصين واليابان وجميع دول العالم الصاعدة في عالم اليوم.

هذا فضلا عن أنه ليس شرطا أبدا أن نكون دولة متطورة حينما نتحدث الإنجليزية أو الفرنسية، فمعظم دول العالم التي تتحدث اللغة الإنجليزية أو الفرنسية في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية هي بلدان متخلفة أو لا تقل حالا عن حالنا.
…………..

نأمل ألا يكون الاهتمام المفاجئ من المهندس ساويرس بهذا الأمر له ما بعده.

مع اليقين بأنه حتما سيكون.

https://bit.ly/3DleE1F

ليست هناك تعليقات: