08 أكتوبر 2015

رحاب أسعد التميمي تكتب: بعض مقاصد الفوضى الخلاقة


عندما انحرفت البوصلة أضاع المسلم الطريق,وذلك عندما عمدت العلمانية المُدارة من قبل الماسونية العالمية،باللعب بمؤشرها لتغيير اتجاهها لكي يفقد المسلم الجهة التي يقصد المسير اليها...
وفعلاً نجحت العلمانية نجاح مُنقطع النظير في ذلك,عندما ألقت بأدواتها على الأرض حتى أصبحت منهاج حياة...البوصلة تم حرفها عن اتجاهها عمداً وقصداً...فبوصلة المسلم التي بُنيت على وِحْدانيةْ الله وعلى اتجاه واحد مُحدد,أصبح مؤشرها يدور في كل فلك وفي أي اتجاه،دون الالتزام بالاتجاه الذي يتطلب أن يكون الولاء خالصاً لله تعالى دون أن يُشرك معه أحد...
بل أصبح اتجاه المؤشر يدور حيث تدور العلمانية,فشعار العلمانية الذي يملأ الساحات والأماكن بالولاء لله ....وللوطن حرف هذه البوصلة عن الاتجاه السليم وزَوَرَ الهوية،وحَرّفَ معانيها حينما جعلها اشتراكية خالية من التوحيد,دون أن يشعر المسلم من خلال ذلك بالتعدي على شرع الله,حتى اصبح المسلم يعتقد أن الولاء للوطن بمنزلة الولاء لله,وأن طاعة الملك أو الرئيس بمنزلة طاعة الله.
ولا يخفى على أحد الرايات المُتعددة التي بِقِطَعْ الألوان التي فيها إنما تُحاكي لون الفُرقة والتعصب،وإعلان الولاء لوطن يُعاني العجز في تحديد هويته,ويعاني البعد عن الدين...
الرايات لا لون لها ولا طعم ولا رائحة،رايات تُروج للعُنصرية وتدعو إلى الفُرقة,تم الاستعاضة بها بدل(راية الله أكبر)التي كانت هي راية الدولة الإسلامية المُمْتدة في عصورها المتعاقبة , حتى يتمكن أتباع الشيطان الرجيم إبعاد الناس عن روح الولاء والانتماء لله لكي يسهل التخريب,حتى أصبح رفع التحية لهذه الرايات مع النشيد الوطني الخاص بكل بلد هو شيء مُقدس لا يجوز اهماله
بعد تغيير اتجاه البوصلة هذا المُتعَمَدْ،واستبدال(راية الله أكبر)برايات الشيطان،سهل بعد ذلك التخريب وهو التطبيع مع أعداء الدين,وسهل استيعاب الدعوة إلى مُوالاة اليهود والنصارى ,بل أصبحت مُوالاتهم حِكمة وتسامح بين شعوب لا تدرك أن الولاء لله والبراء من الشرك والمشركين هو اﻷساس في سلامة عقيدة المسلم..وبين شعوب لا تميز الفرق بين عدوها وصديقها...
شعوب بعد كل ذلك التخريب الذي حصل في أساسها أصبحت ترى الحِكمة متمثلة في أخلاق أعدائها,وليس في العودة إلى حكم الله ,بل وتتمنى العيش في جلبابها خاصة أن الحكومات التي يستظل المسلم في ظلها حكومات لا هي أقامت شرع الله،ولا هي شابهت الحكومات العلمانية الغربية في البحث عن راحة ابنائها,حتى أصبح المرء المسلم يقيس حاله بحال أعدائه،وحكومته بحكومة أعدائه،فيرى الفرق الشاسع الذي يجعل المرء يتمنى العيش في ظل حكومات تحترم أبنائها،حتى وإن عاشت بعيدة عن الدين...
ومن هنا حصل التنازل عن الثوابت,ﻷن نظرة الفرد المسلم,تغيرت مع تغير اتجاه البوصلة,فلم يعد يهمه من الاسلام إلا أداء الشعائر في أحسن الأحوال،لأن الحكومات التي يعيش تحت حكمها عدى عن أنها تُعادي الله ورسوله,وتحرم أبنائها أبسط حقوق الإنسان،تدعي أنها الإسلام المعتدل,لتصرِف المسلمين عن دينهم الحقيقي الذي لا يقبل ان يكون الحكم فيه بغير ما أنزل الله،ولتحاصِر كل من يدعو إلى تطبيق شرع الله في الأرض,وتتهم من يدعو إلى نصرة دينه بالتطرف والإرهاب.
من هنا تصاعدت الفوضى الخلاقة في الأفكار،حتى عمت الفوضى في كل شيء,وأصبح الناس يؤمنون بأن الحل لن يكون بالعودة الى شرع الله , وإقامة حدوده وأحكامه،وإنما باستخدام النموذج العلماني الغربي كنظام حُكم يضمن للفرد حقوقه البشرية،والمحافظة على كرامته وإنسانيته ،ﻷنهالنموذج الأسلم في نظرهم بعد أن تم تشويه الإسلام كنظام حكم،بعد أن تم محاصرة الثورات العربية لكي لا تعود الشعوب إلى دين ربها وطبعاً الشعوب التي لا هي طالت بلح اليمن ولا عنب الشام..سيسهل بعد الانحراف الذي حصل على مؤشر بوصلتها عمداً احتوائها من قبل اعدائها
فأخذ الجلاد يُطرز لنا المصطلحات،وينقشها ليرد دعوة الجهاد التي تظهر على السطح كل حين،ليحاصر بها المجاهدين الذين يدعون لرفع السلاح في وجه المعتدي,أو كل من يحمل في أجندته اخراج اليهود والنصارى من ديار المسلمين ,بعد الخراب الذي أحدثه وجودهم فيها كمحتلين,لضرب الغربة المحكمة من جديد على كل مجاهد,ولكي تلحق التهمة كل من لا يقبل بالتعايش مع المحتل بأنه إنما يدعو إلى الكراهية البغيضة...وبما أن المسلم تنازل عن الثوابت في دينه حتى فقد كل شيء،وحتى أصبح لا يهمه من يعادي دينه،بل يهمه شكله أمام الآخرين،ويحرص على أن لا يُتهم بأنه حاقد يكره البشرية ﻷنه يحرص على شكله أمام الناس وليس أمام الله...وبما أننا قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله,كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قولته الشهيرة
((نحن قوم أعزنا الله بالإسلام))
فهذه كلها نتائج الذلة التي حصلت ثمناً للبعد عن الدين...لأن من الذلة أن تثق بأعدائك وتتحاور معهم في تعايش وتسامح ،هُم من تسبب في حرمانك منه في بلدك الأصل,وهُم من أشعل الأحقاد في نفوسنا تجاههم لتجاوزهم الحد معنا....ولم يكن ذلك ليحصل لولا انه سهل اختراق الثوابت في ديننا حتى سهل الانقلاب على كل المفاهيم,وسهل بعد ذلك توزيع الجريمة بين الضحية والجلاد دون أن يشعر أحد بعظم المصيبة...بل وأصبحنا نستجدي العطف من هذا الجلاد وذاك المجرم...وهذا كان من ضمن نشر الفوضى الخلاقة التي دعت إليها كونداليزا رايس، وزير الخارجية الأمريكي في عهد بوش الابن والتي لم تكن السباقة فيها...بل كانت من دُعاتها المُجددين حتى ضاع وسط هذه المفاهيم والمصطلحات العدو الرئيسي للأمة،فلا يعرف له طريق محدد ولا عنوان بًيِنْ بين شعوب غاب عندها الوعي.
وهذا ما كان فأعداء الأمة وسط التشريد والتنكيل والاعتداء على شرفها ينادون بالتسامح...فينصت الشباب المسلم المُغيب عن حقيقة المعركة لصوت التسامح من الجزار لأنهم لم يرون سيفه الذي يحز به رقاب المسلمين,أو ﻷنهم حينما يرونه يُصدقون أن سيفه مسلط على رقاب من هم إرهابيين كما يدعي بذلك من حَرّفً المصطلحات والمفاهيم...أو لأنهم يظنون أن العداء للأمة حديث عهد بدأ بإدراكهم،ﻷنهم لم يتلقوا المعرفة الكافية عن أعدائهم من قبل ابائهم وأجدادهم,ولم يتم تحميلهم مسؤولية إرث مكبل بالهزائم...
وبالمقابل وسط هذه الفوضى الخلاقة في المفاهيم فإن أي طرف يخرج ليتصدر الدفاع عن دين الأمة وشرفها اﻵن,سيُتهم حتماً بكل انواع الإرهاب والتطرف,لأنه عرف ربه وعلم عدوه جيداً،فلا يقبل المراوغة،ولا يقبل بأن يُمارسْ النفاق السياسي لأن علاقته مع الله،ومع الله فقط فلا يهمه هيئات أممية،ولا مجلس أمن،ولا يهمه كل المجتمع الدولي,لأنه يدرك أن مصيبته الكبرى كانت في التسليم لهذه المنظمات التي تعمل لصالح أعدائه,ويعلم تمام العلم أن هذه منظمات لم تنشأ إلا لحربنا والنيل من مقدراتنا,وتمرير كل دنية في اخلاقنا للحفاظ على استمرار الصهيونية وأطماعها وأطماعهم بيننا...
فهذا الذي تعلم الصدق في مدرسة الإسلام حتى أيقن أن كرامة الأمة لا تسترد إلا بجهاد المحتلين،وأعوانهم حتماً ستُضرب عليه غُربة الفكر وسيُحاط بالعزلة التي أقيمت عليه في دياره،وسيُتهم بكل التهم لأنه لا يهمه أن يرى كل العالم شكل السكين التي يحز به الرقاب,لأنه يدرك أنها نفس السكين التي استخدمت لتقطيع أوصال الأمة حتى وإن كان شكلها مختلف,ويُدرك أن عدوه لا يعرف الرحمة ولا يؤمن بها,حتى وإن نادى بها فهو يُدرك عدوه جيداً...
فلا يُمرر عليه ما يُمرر على اغلب الشعوب التي تعاني العجز في الفهم والإدراك بل أصبحت تعتبر الكذب والنفاق حكمة وتدبير،حتى اصبح منهاج حياة هذه الشعوب يدور في فلك اللف والدوران لذلك تجد الكثير من الشباب لا يُدرك أعداء أمته لأنه ينصت لصوت الكذب والخداع الذي يستخدمه اولئك المجرمون أو أبواقهم عبر وسائل الإعلام,لأن ثقته بهم زادت بعد أن فقد بوصلته التي يتجه اليها فينصت لمن يعتاشون على مصائب الأمة والتي تبيع دينها رخيصاً خدمة لهذا وذاك،لكي يُغرروا بالشباب المغرر به أصلاً لأنه نشأ وسط الدولة العلمانية التي انْقَضَتْ على دينه ومبادئه..ثم بعد ذلك تم إزاحة البوصلة أكثر عن اتجاهها بفصل الدين عن الحياة ,والذي تطلب فصل الدين عن العلم من خلال طرح كتب مدرسية،عدى عن كونها تحمل في طياتها مواد تعاني الضعف والتردي والسطحية في المفاهيم والدجل في تسجيل التاريخ...لا يتجاوز مستواها التعليمي في سنواتها الدراسية الكاملة مستوى محو الأمية...
تُدرس العلوم بعيداً عن مادة التربية الاسلامية,حتى يضمنوا حصول الانفصام الفكري والتربوي في شخصية الفرد المسلم إن ولد من أبوبن ملتزمين دينياً ,أو ينحدر من أسرة تخاف الله رب العالمين,حينما لا تتفق تربية الأسرة مع التربية في الشارع والمدرسة في أغلب الأحيان ,فيضمنوا بذلك الوصول إلى كل بيت للتخريب فيه،فينشأ جيل مهزوز يشعر كأن الأخلاق التي تربى عليها كأنها أشبه ما تكون مثاليات،غير قابلة للتطبيق لا في الشارع ولا في العمل ولا في أي مكان,فيحصل الانفصام الذي قد يجعل البعض يتخلى عن أخلاقه ليُساير عصر الخربطه،أو ينأى بنفسه فيعيش غُربة الفكر والزمان ,فيضمن من هذا التخريب نشوء جيل لا ينتمي لأمته بل ينتمي للتخريب الذي دُبر له،بل ويُصبح المُدافع الاول عنه لأنه اعتاد العيش فيه...ويخاف التجربة الإسلامية التي تم تشويهها والانقضاض عليها قبل حصولها...
في حين حينما أُخضع العلم للدين في فترات الحكم الاسلامي المتعاقبة سواء الاموي وما تبعه من فتوحات في الأندلس،أو حتى فترة الحكم العباسي او العثماني كان التفوق للعالم الإسلامي في كل شيء لأنه كان يتصدر المعرفة حينها ,ولأنه كان يُطبق شرع الله في الشارع وفي كل المؤسسات في ذلك الوقت كان المسلم انساناً حراً واثقاً من نفسه يخافه العالم ,حقق تفوقاً منقطع النظير في كل المجالات وسجل فضلاً على البشرية ..
وفي حين تم فصل الدين عن العلوم في العصور العلمانية اللاحقة،ماتت روح الإبداع في نفس المسلم ,حتى أصبح عبئاً على البشرية يُعاني من الضعف في كل شيء ومن عدم الثقة بالنفس،حتى أصبح يثق بالعلم أكثر من الدين،لأن الدول العلمانية التي فصلت العلم عن الدين هي النموذج الأمثل بالنسبة له فيما يراه فيها من تحقيقها للسبق العلمي في كل المجالات,وفي حرصها على تقديم كل الامكانيات للإنسان لكي يتميز ويتفوق،ونسي أن تلك الدول التي تملك إرادتها حققت تطوراً علمياً كبيراً على حساب نسيجها الأخلاقي والأسري الذي أصبح يُعاني العجز والانحدار نتيجة الانفلات من كل القيم والمبادئ،حتى أصبحت شعوب تعيش البهيمة بكل أشكالها لأنها فصلت العلم والحياة عن الدين,فحققت التقدم في ناحية والانحدار في النواحي الاخرى...
ولم يكتفوا بذلك بل عملوا على نشر الفوضى الفكرية حينما ألقوا بكرة الجدل الملتهبة بين هذه الشعوب التي تسمى اسلامية لكي يُكرسوا الاختلاف الذي يجعل المسلمين دائمين التشكيك بأي فئة تخرج بالسيف لنصرة الله،ونصرة المستضعفين في الارض لكي يضمنوا بقاء التخريب الخفي...بعد ان حصل التخريب العلني في كل شيء...
حتى اصبحت الفئة التي تنادي بفصل الدين عن الحياة هذه هي الفئة الاكثر بين الشعوب,وهي السيف المسلط على كل من يدعو للجهاد,وهي الفئة التي تتصدى ﻷي دعوى تعمل على تفعيل دور الدين في الحياة ،وهذا كان واضحاً وجلياً بعد قيام الثورات،ظهور هؤلاء المندسين الكثر الذين تبين أن أعدادهم تفوق ما كان متوقعاً...هبوا ليقفوا في وجه كل دعوة تدعو إلى عودة الدين إلى الحياة سواء في مصر او في ليبيا او في تونس وغيرها...
لأنهم رضوا بالحياة الدنيا واطمئنوا بها,واعتادوا حياة العلمانية ويرون فيها النموذج اﻷمثل لإعطاء الحرية لأهوائهم وشهواتهم ,فيرون أن يبقى الدين بعيد عن كل شيء ,بل يرون أنه لا دخل للدين في العلوم ظلماً ،وزوراً ﻷنهم اعتادوا حياة الفوضى ويخافون أن يحرموا اللهو الحرام ..
وحتى يُحكموا الغُربة على كل من لا يبتغي غير الإسلام ديناً،ويتمنى حكم الله في الأرض,ومن هنا بدأنا نجني ثمار فصل الحياة والعلوم عن الدين،ونُصر على استمرار ما ثبت فشله وخطره لأننا نخاف أن يقف الدين حائلاً بيننا وبين شهواتنا،أو نخاف أن تقام من خلاله حدود الله التي جاءت من عند الله لاعتقادنا أن القوانين البشرية أرحم لأنها لن تمنع المجاهرة بالمعاصي التي اعتادت المجتمعات ممارستها بدعوى الحرية والديمقراطية, والله المستعان.
((زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ))]البقرة 212 [
الكاتبة والباحثة
رحاب أسعد بيوض التميمي

07 أكتوبر 2015

د. مصطفى يوسف اللداوي يكتب: الشهداء الإسرائيليون والقتلى الفلسطينيون

"سقط اليوم شهيدٌ إسرائيلي، كما سقط قبل يومين شهيدان إسرائيليان آخران، طعناً بسكينٍ على أيدي شابين فلسطينيين، الأمر الذي دفع بالشرطة الإسرائيلية وبعض المواطنين المسلحين بمسدساتٍ، لإطلاق النار على الشابين دفاعاً عن أنفسهم وآخرين، فأردوهما قتلى، مخافة أن يستهدفا المزيد من المواطنين، ومما هو جديرٌ بالذكر أن المناطق الفلسطينية تشهد غلياناً وتصعيداً لافتاً، نظراً لقيام الفلسطينيين بمنع اليهود من ممارسة طقوسهم الدينية في الأماكن التي يعتقدون أنها مقدسة حسب عقيدتهم الدينية، ويصرون على الاستئثار بالأماكن المقدسة وحدهم، ويرفضون التقاسم العادل والتعايش السلمي المشترك".
هذا الخبر ليس منقولاً عن محطةٍ تلفزيونيةٍ إسرائيلية، ولا هو مقتبسٌ من نصٍ إعلامي أو محررٍ صحفي إسرائيلي، ولا هو صياغة مدونٍ أو كاتبٍ هاوٍ ، كما أنه ليس نصاً رسمياً صادراً عن الحكومة الإسرائيلية، ولا هو بيانٌ صادرٌ عن وزارة الخارجية أو بلسان أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش العدوان الإسرائيلي الذي يتقن اللغة العربية، وتستضيفه العديد من القنوات الفضائية، كما أنه ليس مقتبساً عن محطةٍ إعلاميةٍ أجنبيةٍ، غربيةٍ أو أمريكية، مؤيدة للكيان الصهيوني ومناصرةً له.
إنه خبر صادرٌ عن محطةٍ إعلاميةٍ عربيةٍ، تبث من وطننا العربي، وباللغة العربية، وتستهدف القطاع العربي كله، وتلقى احتراماً وتقديراً من السلطات العربية، ولها على الأقمار الاصطناعية العربية مكانٌ محفوظٌ وترددٌ محجوز، وقد تتلقى مساعداتٍ ومعوناتٍ أهليةٍ ورسمية، لتتمكن من أداء مهمتها الإعلامية، والقيام بالواجب الوطني الملقى على عاتقها، وقد سمع نص الخبر مسؤولون ومتابعون، وناقدون ومشرفون، ممن يراقبون الكلمة، ويقفون عند الفكرة، ويراجعون كل نصٍ ويقفون عند كل صورة، وينتقدون كل حركة، لكنهم سكتوا عن النص، وكانوا قد وافقوا على نشر الخبر.
ربما يستغرب البعض أو ينكر أن يكون هذا النص قد صدر فعلاً بلسان مذيعةٍ عربيةٍ شابةٍ، ذلقة اللسان، حسناء الوجه، تهتم بمظهرها، وتحرص على شكلها، ولكنها لا تهتم بما يصدر عنها، أو ينطق به لسانها، فهذا آخر همها، إلا أنها قد لا تكون مسؤولةً عن النص، ولا محاسبةً عن فحوى الخبر، إنما هذا من مسؤولية المشرف عن نشرة الأخبار والمعد لها، إلا أن المسؤولية تتوزع عليهم جميعاً، فلا نبرئ منها المذيعة ولا المعد ولا المشرف ولا المخرج، بل كلهم سواء في هذه الجريمة القيمية، التي تمس عقيدة الأمة الوطنية، التي تربت عليها ونشأت، وضحت في سبيلها وقدمت، والتي ما زالت بها تتمسك وعليها تحرص.
الحقيقة أنها ليست محطة واحدة، بل تعددت القنوات ووسائل الإعلام العربية التي تصف الشهداء الفلسطينيين بالقتلى، وتتجنب أن تطلق عليهم الوصف الذي اختاره الله لهم بأنهم شهداء، و تتعمد أن تسيئ إليهم، ولا تقدرهم حق التقدير، رغم أنهم بشهادة رب العزة مكرمين وأخياراً، وأنهم خيرته من خلقه، وصفوته من عباده، وأنه سبحانه الذي اختارهم واتخذهم شهداء، وقد وعد أن يجمعهم يوم القيامة مع الأنبياء والصديقين، كما شفعهم بسبعين من أهلهم، تقديراً لمكانتهم، وحفظاً لقدرهم، وتعهد سبحانه وتعالى بأن يحفظ ذكرهم عبقاً وسيرتهم حسنةً في الدنيا والآخرة.
عجيب ما آلت إليه بعض سلطاتنا العربية، التي حادت عن الحق، وابتعدت عن الصراط، وجانبت الصواب، وقلبت الموازين وشوهت الحقائق، واستبدلت قيمها السامية بغيرها دونية، ومعانيها النبيلة بغيرها دنيئة، وكانت المعالي غاياتها فأصبحت الدنايا طريقها، عندما انحازت إلى الباطل، ومالأت الظالمين وناصرت المعتدين، وساندت القاتل، وأيدت المحتلين الغاصبين، وقلبت لأمتها ظهر المجن، بعد أن انقلبت على إرث الأجداد، وعطاءات الآباء وتضحيات الأبناء، فبخست في دمائهم، وأهانت أرواحهم، وفرطت في المجد الذي بنوه، وفي سنائم العز التي رفعوها.
لا تستغربوا ما سمعتم ولا تستغربوا ما قد تسمعون في المستقبل، فهذه مطالبٌ إسرائيلية، وهي شروطٌ أمريكية، تمليها على الحكومات العربية التي تسعى للبقاء، وتخشى على نفسها من الرحيل من مواقعها، وتتحسب من الانقلاب عليها، فقالوا لهم إن ضمان بقائهم واستقرار حكمهم يكمن في رضا الكيان الصهيوني عليهم، وفي الاعتراف بشرعية وجودهم، وأحقية ملكيتهم للأرض التي يقيمون عليها، والتي كانت ملكاً لأجدادهم، ومجداً لملوكهم، وإرثاً عن أنبيائهم، ومنحةً من الرب لهم.
يشعر الإسرائيليون أنهم باتوا الأقوى والأقدر على فرض القرار وإملاء السياسات وتحديد المسارات، وباتت الدول الكبرى تسعى لمصالحها، وتؤمن احتياجاتها، وتحمي وجودها، وتصل من وصلهم، وتقطع من قطعهم أو حاربهم، لهذا يظن الحاكمون أن ممالأة الإسرائيليين قوةٌ لهم، واستمرارٌ لحكمهم، واستقرارٌ لبلادهم، وأنهم إن أطاعوهم واتبعوا أمرهم، فإنهم يكفلون لهم المستقبل، ويكفونهم غضب شعوبهم وثورتهم عليهم، ويطلبون من كبريات العواصم الدولية أن ترحب بهم، وأن تمد لهم يد المساعدة، وألا تضيق عليهم أو تحاصر بلادهم، طالما أنهم يؤيدون الحق الإسرائيلي ويؤمنون بشرعيته.
خاب من صدق الإسرائيليين واتبع هواهم، وضل من سار على نهجهم ونفذ تعليماتهم، وتباً لخائفٍ منهم وجبانٍ أمامهم، وتعساً لقتلاهم وموتاهم، وسحقاً لمن طالتهم أيدي المقاومين وخنقتهم، أو نالت منهم بنادقهم ومتفجراتهم فقتلتهم، فما هم إلا غاصبين معتدين، مارقين فاسدين، جيفاً معفنين، يستحقون الموت قتلاً، والفناء حكماً، فلا مقام لهم بيننا، ولا حق لهم عندنا، ولا شرعية لوجودهم معنا.
أيها الأبطال البواسل، والرجال الشجعان، أيها المضحون بأرواحهم، والسابقون بجهادهم، ستبقون أنتم الشهداء، والشموع التي تضيء لنا الطريق، والمثال الذي به نقتدي، والدرب الذي عليه نمشي، وسنرفع بكم الرأس ونفاخر، وسنتيه بتضحياتكم ونزهو، فأنتم من رفع رايتنا، وأعلى كلمتنا، ونصَّعَ صفحتنا، وجعل لنا بين الأمم مكانة مرموقة، وكلمة مسموعة، وهيبةً مخيفة، فلن نفرط فيكم، ولن نسمح لجاهلٍ أن يؤذيكم، ولا لمتخاذلٍ أو يتطاول عليكم، ولا لعدوٍ أن ينال منكم، فأنت العين والشامة، والجبين والرأس العالية الشامخة، طاب محياكم، وخلد الله في الأرض والسماء ذكراكم
بيروت في 8/10/2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة بكتب: نحن وبشائر الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

هل يتفاعل المصريون مع بشائر الانتفاضة الفلسطينية الثالثة التى طال انتظارها، كما فعلوا مع انتفاضتى 1987 و 2000، أم أن النظام المصرى سيتمكن بقبضته البوليسية الحديدية وعلاقته الحميمة مع اسرائيل من اجهاض أى محاولات من هذا النوع؟
***
لم يتخلف الشعب المصرى أبدا، عن المشاركة مع اشقائه من الشعوب العربية، عن نصرة فلسطين والتفاعل مع قضاياها، ودعم انتفاضاتها ومقاومتها.
وحتى فى أعتى سنوات كامب ديفيد، لم يتمكن النظام الحاكم فى ظل السادات أو مبارك، من ايقاف الزخم الشعبى المعادى لاسرائيل والمناصر لفلسطين.
***
ومن ناحية أخرى كان للصمود والنضال الفلسطيني فى مواجهة آلات القتل الصهيونية، بالغ الأثر فى تشكيل الحركة الوطنية المصرية بكافة تياراتها، فكان له دورا رئيسيا فى بناء وبلورة الوعى الوطنى المصرى، وترتيب الاولويات فى برامج و اجندات القوى السياسية، وكان له فضل كبير فى ضخ دماء جديدة الى الحركة الوطنية المصرية، فآلاف مؤلفة من الشباب المصرى بدأت الاهتمام بالِشأن العام والولوج الى عالم السياسة لأول مرة، من بوابة فلسطين.
***
لقد أصبح لكل جيل من أجيالنا، نضالاته ومعاركه وفاعلياته التى يعتز بها ولا ينساها ابدا، فى مضمار الصراع ضد المشروع الصهيونى منذ بدايته و ضد اسرائيل و كامب ديفيد ونظامها الحاكم فى مصر.
فلقد شاركنا فى معارك فلسطين وتوحدنا مع قضاياها منذ قرار التقسيم وحرب 1948، مرورا باعتداءات 1956 و1967، وحربى الاستنزاف و 1973. ثم معاركنا ضد قبول وقف اطلاق النار واتفاقيتى فض الاشباك الاول والثانى وزيارة القدس واتفاقيات كامب ديفيد. وكذلك فى اجتياح بيروت ومذابح صبرا وشاتيلا، وقضايا سليمان خاطر وثورة مصر. وانتفاضة الحجارة، وحرق الحرم الابراهيمى وانتفاضة الاقصى والعدوان على لبنان والاعتداءات المتكررة على غزة فى السنوات الاخير، ومعارك كثيرة أخرى.
وعلى امتداد عقود طويلة، شكلت القوى السياسية المصرية بكافة تياراتها، مئات من التجمعات والمؤسسات واللجان لدعم القضية، مثل انصار الثورة الفلسطينية، واللجان الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطينى، ولجنة الدفاع عن الثقافة القومية، ولجان للاغاثة وفك الحصار، ولجان للمقاطعة ومقاومة التطبيع ومناهضة الصهيونية، ولجان لنصرة المسجد الاقصى ....الخ.
وشهدت شوارع مصر وميادينها وساحات جامعاتها ومقرات احزابها وقاعات نقاباتها مئات الفاعليات من قوافل اغاثة ومظاهرات ووقفات وندوات ومؤتمرات دفاعا عن فلسطين وتصديا لاسرائيل وكامب ديفيد والتطبيع.
وكان الموقف من فلسطين ومن العدو الصهيونى ومن اتفاقيات كامب ديفيد ومن التطبيع، هو معيار الفرز الوطنى الأول بلا منازع بين كل القوى والاحزاب والحركات والشخصيات السياسية والعامة.
***
وحين تفجرت الثورة المصرية، أعطى زخمها الثورى دعما اضافيا للقضية الفلسطينية، على الأقل فى عامها الأول، بلغ ذروته بمحاصرة مقر السفارة الصهيونية فى 9 سبتمبر 2011 وإغلاقها لأول مرة منذ توقيع المعاهدة. قبل ان تضربنا جميعا جرثومة الانقسام وكل ما ترتب عليه، وعلى الأخص ما نراه اليوم من علاقات تنسيق وتآلف وتحالف غير مسبوقة بين الادارة المصرية واسرائيل، وصفتها فى مقال سابق بالعصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية.
***
واليوم وتحت وطأة الاجرام والجبروت (الاسرائيلى) غير المسبوق، وفى ظل تجاهل وتهميش دولى وعربى ومصرى للقضية الفلسطينية، يفاجئنا الشعب الفلسطينى مرة أخرى، ببشائر انتفاضة ثالثة، تتصدى للاحتلال وتحاصره وتكسر جبروته وتوحشه، وتفضح التنسيق الفلسطينى والعربى مع اسرائيل، وتحيى الروح الوطنية وتصحح البوصلة العربية وتعيد القضية الى مكانتها الطبيعية على رأس أولويات القضايا العربية.
· فهل نتركه، وحيدا منفردا، فى مواجهة آلة الاحتلال والقتل والتهويد الصهيونية؟
· هل نتواطأ مع اسرائيل والنظام الرسمى العربى، بالصمت على اجهاض انتفاضة طالما انتظرناها وحلمنا بها؟
· هل نصبح مثل كل زبانية العالم الذين يعربدون فى اوطاننا بذريعة مكافحة الارهاب، ولا ينطقون حرفا عن جرائم (اسرائيل) أخطر كيان إرهابى فى التاريخ؟
· هل نترك جماعة كامب ديفيد وأصدقاء اسرائيل فى مصر يواصلون تشويه وجه مصر الوطنى؟
· هل نتذرع بعجزنا أمام الحصار السياسى والقيود الأمنية لتبرير عزوفنا عن دعم الانتفاضة؟
· هل نضيع هذه الفرصة التاريخية، لتصحيح بوصلة الثورة المصرية، بإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ومواجهة العدو الصهيونى والتحرر من اتفاقياتنا معه، لتكون على رأس برامجنا السياسية؟
· وهل نضيع هذه الفرصة لإعادة فرز صفوفنا على أساس الموقف من المشروع الأمريكى الصهيونى: الموقف من التحالف مع الولايات المتحدة، ومن الاعتراف باسرائيل والتنسيق معها، ومن دعم أو حصار الشعب الفلسطينى؟ 
· هل نقبل أن نوصم بأننا الجيل الوحيد فى التاريخ المصرى الذى خذل انتفاضة فلسطينية؟
*****
القاهرة فى 7 أكتوبر 2015
موضوعات مرتبطة :

محمد رفعت الدومي بكتب: شعير

 
إذا كان الشعر هو "ديوان العرب" فإن "العديد" هو السجل الذي تواطأ الجنوبيون دون قصد منهم علي تدوين مغامراتهم في الوجود وتجاربهم وخياراتهم الجماعية من خلاله، عندما حدث ذلك، كانوا يعرفون أنهم إنما يكتبون مراراتهم شعرًا، وهذه امرأة حزينة تطلب امرأة مثلها تقول القصائد لتبكي هي علي ايقاعاتها:
شوفوا لي حزينة متلي.. هي تقصِّد وأنا أبكي!
انه الشعر لولا أنه ركيك ومباشر، ربما لأنه كان يقال ارتجالاً في ذروة اللحظة الحزينة ثم يعلَّب للاستعمال في المآتم القادمة دون محاولة منهم لترقيته أو تهذيبه، من هذه الناحية يمكن القول بأن معظمه خواطر حزينة، مع ذلك، يضاهي بعضه الشعر الراقي رقيًا، كهذه البنت التي تشكو من أن البيت بعد غياب أمها أصبح مسيجًا لا يعرف الزائر كيف يدخله، كأنما يحرسه عبيد يتكلمون لغة مجهولة، تلك الوحشة وذلك السور مع تضارب اللغات يأخذ "العدودة" إلي مرتفعات حسية شاهقة:
يا بيت أمي زرَّبوه (سوَّروه) داير.. تخشُّه منين يا اللي تجيه زاير؟
يا بيتها ياما زربوه قرطم.. حطّوا علي بابه عبيد ترطن!
ومن المؤسف أن الجنوبيين الجدد توقفوا عن التدوين واكتفوا باستخدام تراث أجدادهم، حتي مظاهر الحزن نفسها شحبت جدًا، لا لأن دواعي الحزن قد انخفضت، بل لأنه بات أليفاً، لقد نجح القهر المنظم في أن يدفعهم إلي الإيمان بأن السعادة بعيدة المنال، وبأنها ليست متاحة إلا للأغنياء لا لأمثالهم:
الفرح غالي ماهوش لكل الناس.. جوَّه مدينة,, وقفولها نحاس..
الفرح غالي في صناديقه.. وأش جسّر (جرّأ) الفقري يمد ايده!
ولربما لو لم تنضج جلودهم الداكنة تحت أشعة الألم لما تمكنوا من الصمود حتي الآن في بلدٍ يعمل حكامه المتعاقبين علي نبذهم وتهميشهم وإغراقهم في صراعاتٍ أهلية أسباب بعضها من شأنه أن يُهيِّجَ الضحكات، برغم هذا، وربما بفضله، لم تفارق أعماقهم مفردات الوطن الذي يطمحون إلي الحياة فيه أبدًا! 
من الواضح طبعًا أن مجتمعات الجنوب غير سليمة في تفاعلها كعادة كل المجتمعات القبلية، مثل هذه المجتمعات الراكدة من الصعب أن تصاب بالشيزوفرنيا لأن هذه تستهدف الأصحاء فحسب، مع ذلك، كل من عايش الجنوبي يعرف جيدًا أنه المصري الأكثر انصياعًا للحزن وإخلاصًا له، وكل من تعرف علي شعراء الجنوب، كـ "أمل دنقل"، و"صلاح عبد الصبور"، و "عبد الرحيم منصور"، أو حتي "عبد الرحمن الأبنودي"، اكتشف بالضرورة أن أشعارهم ما هي إلا فصول أضيفت حديثاً إلي "كتاب الموتي" الذي ألَّفه آباء الجنوب الأوائل، مفردات حبلي بأصداءٍ لأحزان قديمة، ونفوس ممزقة يثقلها القهر، وأرواح مرتعشة تبحث عن ملاذ مراوغ، وأعماق مكدسة بمشاعر الإحساس بالغربة، وعناقيد الحنين المؤلم تتدلي من كل حرف!
مثل هذه المجتمعات أيضًا في بلد لا يطال القانون فيه إلا الضعفاء من الضروري أن تمجد القوة، فهي الطريقة الوحيدة للدفاع عن النفس، وليس غريبًا أن يكون الوصف بالطول أشهر الصفات التي يكيلونها للمتوفي:
اتنين والغاسل، دخلوا له.. أبو طول وافي، كيف عملوا له؟
وفي السياق نفسه، لأن معظم معارك الجنوب قديمًا كانت تدور بالعصي، استحوذ طول عصا الميت وغلظها، وقوة ذراعه تحديدًا، علي مساحة لا بأس بهم من مراثيهم، وهذه معددة تطلب من عائلة الميت الذهاب إلي صانع الشوم والزان شمال البلدة ليختاروا أثقلها للميت:
بحري البلد خرَّاط يخرط زان.. نقوا (اختاروا) الرزينة (الثقيلة) لابو دراع عجبان
بحري البلد خراط يخرط شوب.. نقوا الرزينة لابو دراع منصوب
ويصل توقع المهانة بالمرأة بعد موت فقيدها أحيانًا إلي اختزاله في ذراع فحسب:
يا دود كُلْ منُّه وخلِّي لي .. خلي دراع السبع يحميني
للشارب الجهم أيضًا حضوره القوي في مراثيهم لاعتقادهم أنه من أمارات القوة:
دود البلا يلعب علي شنبك.. ما اسرع تراب القبر ما طلبك!
ولا يزاحم الوصف بالقوة في المآتم كالوصف بالكرم، فالميت دائمًا كان كريمًا لم يحاسب زوجته علي مئونة البيت يومًا، ولم يغضبها:
عاش عمره ما كيَّل المونة.. ولا ست بيته جات مغبونة (مظلومة)
من الجدير بالذكر أن الجنوبيين متهمون بالغفلة، ونحن الجنوبيون بوصفنا المعنيون نضحك كثيرًا من الذين يرجموننا بهذه التهمة، ويقول الواحد منا لنفسه: دعهم فإنهم لا يعرفون أننا برغم قسوة الجغرافيا علينا وابتعادنا عن العاصمة نسبقهم وعيًا بمئات السنين، لا يعرفون أن هذا اتهام يروجه المستعمر ويوقظه كلما هدأ لنصدق نحن أننا هكذا، وبالقدر نفسه، ليبقي وشائج التوتر بين المصريين متصلة، ونصيب الجنوب من هذه الوشائج هو النصيب الأكبر، فقلما تنطفئ معركة في الجنوب قبل أن تقطع وعدًا بمعركة قادمة، وربما معارك، وما أكثر الذرائع وأتفهها، وهذه مكيدة كل الأنظمة!
نقول أيضًا لأنفسنا: يكفينا فخرًا أننا نعرف أن شعار "يسقط يسقط حكم العسكر" كان يتردد في مآتم الجنوب قبل أن يتوصل غيرنا إليه بمئات السنين:
يا اولاد الحكومة يا غز يا عسكر .. ولا تمسحوا اسمي من الدفتر
هنا فقط انهارت لأول مرة تلك الحدود الفاصلة بين الغزاة والعسكر!
كما كانوا يملكون من وضوح الرؤية قدرًا جعلهم ينتبهون إلي كل مفردات الدولة العميقة، واعتبروا القضاء أهم أدواتها علي الإطلاق، وفيما بدا أنهم كانوا واثقين من صحة ما توصلوا إليه، لم يجدوا غضاضة في أن يقسموا بالله، وهذا نادر جدًا في يوميات الجنوبيين، أو من عايشتهم علي الأقل:
واللهِ النيابة سورها مخلَّعْ.. وتخشَّها الجدعان تتمنَّعْ
واللهِ النيابة قدَّامها روبة (وحل).. وتخشها الجدعان مغصوبة
لقد سردوا مفردات الدولة العميقة في وعي مدهش، وها هم علي لسان الميت الذي كان في حياته قويًا مهابًا لا يخشي السلطة فهو يخوض بلسانه في جابي الضرائب المسيحي مؤكدًا أنه هو وحده الذي بإمكانه أن يحاسبه، كتبوا هذه الخاطرة:
قال للنصاري يا كلب يا ديري.. دير الحساب لا يحاسبك غيري
وهذا كلام مناسبات، لم يكن يحدث في الحقيقة، لكنه يعكس استغراقهم في الحلم بوطن هذه مفرداته، ما كان يحدث في الواقع هو أن جابي الضرائب كان يدهم صباحاتهم في حراسة تجريدة، وكانوا يضربون بقسوة شديدة، وعندما يذهب الغزاة آخر النهار يصبح مصدر فخر أحدهم الوحيد هو كثرة عدد الجلدات التي تحملها قبل أن تسقط العملة النقدية قيمة الضريبة من فمه، ولعله كان يفتح في المساء داره لاستقبال المهنئين!
ولا تستعجل أرجوك في اتهامهم بالعنصرية والاستهانة بالأقليات قبل أن تعرف أن هذه الكلمات كانت تتردد في مآتم الأقباط أيضًا، ذلك أن الأقباط حتي وقت غير بعيد كانوا شركائهم في العجز حقيقة، وما يبدو الآن من مظاهر التوتر والكراهية بينهم مدبرة ومقصودة وللأسف حقيقية، كما أنهم برأوا أنفسهم ضمنيًا من تهمة العنصرية حين خاطبوا صراف المال بصيغة الجمع وهو مفرد، كأنه يعتقدون أن كل النصاري هو جابي الضرائب، فالميت لا يشتمه لكونه قبطيًا، إنما بوصفه صرافاً فحسب..
بمرور الأيام وعصفها بالأرواح، تسربت إلي خواطرهم أصداء تاريخية لأحداث لم يسمعوا عنها أبدًا، كيف صمدت في ذاكرة المكان؟ لا أحد يدري، فبرغم أن التوتر بين الشمال والجنوب قديم جدًا، ما زالت مراثي الجنوب شاهدةً عليه، ولعلها هي التي أمنت له سهولة الانتقال من جيل إلي جيل بأمانة، وما زالت لعبة التحطيب شاهدة عليه أيضًا، ذلك أن اسم التحطيب في لهجات الجنوبيين حتي الآن هو: (سوَّة)، وهي ليست إلا المفردة الفرعونية: "سوَّت" وتعني "الحلفا البري" وصلت إلينا محرفة قليلاً، لا شك أن هروب هذه المفردة بهذا الشكل من الذوبان مذهل، ولارتباطها بالتحطيب سبب تاريخي، هذا هو: 
كان نبات "الحلفا البري" هو شعار الجنوب في حربه الظافرة علي الشمال الذي اتخذ من النحلة شعارًا، عندما قرأت هذه المعلومة لأول مرة حدثت نفسي لماذا لا تكون لعبة النحلة هي ذكري لتلك الحرب البعيدة أيضًا؟ لماذا لا يكون الشماليون قد ابتكروا لعبة النحلة ليخلدوا ذكري مقاتليهم عندما كان المقاتل الصعيدي يمسك برأس أحدهم بين أصبعيه ويديره فيظل يدور علي الأرض حتي يسقط قتيلاً؟ وأيًا كان الأمر، لقد انتهت المعركة قبل آلاف السنين، مع ذلك، ما زالت رحاها تدور في مآتم الجنوب، ولحسن الحظ، جعلنا موت بعض الجنوبيين في الغربة نحظي بالكثير من الدفقات الشعورية التي تمزق النفس، علي سبيل المثال، هذه أم تعتذر لابنها لأنها يوم موته (عدمه) لبعد المنطقة (الملقة) تناولت عشائها، وهي تلقي باللوم علي نفسها لأنها لم تشعر بموته، وهي تقسم علي ذلك بـ (حرام):
يوم عدمك فتِّيت واتعشيت.. مَلَقَة بعيدة، حرام ما حسيت!
وهي تضغط بقوة علي بعد المسافة والتواءات الطرق لاستدرار الشعور بالوحشة وتنميته:
بلاد بعيدة وطرقها ليَّة (ملتوية).. بعيدة عليَّ في الروحة والجية!
ومن رحم الوهم، بحكم شهرته في مخالطة الشعراء، ولدت أبيات كثيرة من المراثي علي ألسنة الموتي، كهذا البيت الذي يحكي آخر مشهد من حياة الميت:
هاتوا المخدة واسندوا راسي.. أكتب جواب أشيِّعه لناسي
ثم يحدث انتقال سريع من بلد الميت إلي بلد موته ويطلبون من "بنت البحيرة" أن تطلق صرخة مدوية تكريمًا لموت الغريب:
بت البحيرة يا لابسة الطرحة.. أمانة عليكي تعطي الغريب صرخة
تحتد اللهجة فجأة عندما يستدعون من ذاكرة بعيدة ذلك التوتر القديم بين الشمال والجنوب، فيتوهمون أن بنت البحيرة سوف تترك كلبها طليقاً لاعتراض الجنازة وسوف لا تقيم وزناً لحرمة الميت:
يا بت البحيرة دخلي كلابك.. نعش الغريب فايت علي بابك!
السئ، أنهم بمجئ العسكر كانوا جميعًا علي وعدٍ بالمهانة والعيون الكسيرة، والأسوأ، أنهم آمنوا أن هذا الوضع واقعٌ غير قابل للتغيير، فقرروا أن يتعايشوا معه، وصار من مصادر فخر العائلة أن ميتها جلس ذات مرة علي مقعد بجوار موظف حكومي:
داخل لقا المدير وحده.. طلب له كرسي وقعد جنبه!
أو دخل قسمًا من أقسام الشرطة دون أن يترك كرامته عند الباب:
يا رب تيجي يا راكب البيضة (المهرة).. يا داخل المركز بلا هيبة..
أو أن يذهب إليه وكيل النيابة ليستشيره، وهذا ما وكزت السينما ذكراه وهيجهتا كفيلم "الزوجة الثانية" مثلاً، لقد كانت المحاكم تعتمد علي كلام كبار القري وتقضي وفقاً له حتي في وجود أدلة تؤكد بطلانه:
أودة (غرفة) جلوسه شباكها بالياي.. وقاضي النيابة يعيد عليه الراي
الأغرب أننا نجد في مراثي الجنوب صدي كبير لديانة المصريين القدماء، كهذه الأم التي تتخيل أن ملفحة ابنها القديمة قد تآكلت أطرافها في الحياة الأخري وهي تتأسف لأنها لا تجد أحدًا يحمل إليه ملفحة جديدة أعدتها له:
الملفحة دابت حواشيها.. حدانا (عندنا) الجديدة مين يودِّيها؟
باختصار، لا توجد منطقة في الأعماق لم يكتشفها العديد، كل مستويات الموت اهتدي اليها، لم ينسوا حتي تلك المرأة التي مات جنينها، وتخشي أن تنسيها الأيام اسمه فهي تقرر الاستعانة بمعلم يكتبه لها في ورقة تحتفظ بها:
اسمك مليح خايفة يتوه ويروح.. لاجيب خطيب ينزله في اللوح!
حتي اليهود، وذلك القتيل يعاتب قاتله قائلاً بأنه لم يسئ إليه ولم يذنب في حقه:
مالك ومالي يابن اليهودية؟.. لا ليك حدايا ذنب ولا سيِّة (سيئة)!
وهذه نماذج مقتطفة من كتاب "المراثي الشعبية" لـ "د.عبد الحليم حفني"، بعض مفرداتها مهجورة، ومعظمها ما زالت مستعملة:
هنا عالم يحتل السجن فيه مكاناً بارزًا، ويترهل حتي يصير وطناً يحاصر الجميع من كل اتجاه:
سجان وراه وسجان قدامه.. وسجان يحل زرار قفطانه!
وهذا الميت أيضًا كان سجينًا، وكان قبل سجنه عزيزًا في بلده، يأكل اللحم في حموة النهار، وهذا يبدو غريبًا لمن لا يعرف أن الجنوبيين يفضلون تناول اللحم علي العشاء، ولقد أصبح في السجن يستلذ ما كان يعافه خارجه:
عيال المعزة والدبح في الحموة.. صبحوا يقولوا الماسخة حلوة!
تحاوروا أيضًا مع الموت الذي اصطاد امرأة في ذروة توهجها وشرخ شبابها:
غزالك مليح.. منين يا صياد؟.. صدتها وفانوسها منقاد (مشتعل)
وللرجل التقي عديد خاص به:
طريق الجوامع تبكي عليه وتنوح.. فين المُصلِّي اللي يجي ويروح؟
وهذه أم أدركت أن ابنها مات وانتهي الأمر، وهي تطلب من القاتل أن يصوب بعد ذلك إلي أعلي ليمر الشباب من تحت الرصاص سالمين:
يا ضارب أم زناد (البندقية) علِّيها.. خلي الشباب يفوت تحتيها
ومن اللافت جدًا أنهم يجمعون علي موازاة القاتل بـ "ابن الحرام، كهذه الأم التي تتمني لو كانت رأت قاتل ابنها فثأرت له:
ابن الحرام يا ريتني ريته.. لاجْريت وراه بالنار وأديته
ابن الحرام حضر سكاكينه.. لا خاف علي عقله ولا دينه
يا بن الحرام ما زقيتني (سقيتني) كاسه.. والدم نازل من صميم راسه
يا بن الحرام ما زقيتني همه.. والدم نازل من صميم فمُّه..
وما زال الموت قائمًا، وما زالت أحواض الصباح الجنوبي لا ينبت فيها إلا الحنظل، وعند المساء يبتكر الجنوبيون نمائمهم الخاصة، وتتساقط الأعمار أمام أعينهم كحبات شعير تنمو بعد ذلك في موضع جلوسهم داخل السجن الكبير أعواد شعير بشري علي وعد متواصل بالألم والعزلة والهامش، تمامًا، كالشعير الذي ينمو في الموضع الذي كان الميت يضع فيه الحبوب لفرسه:
قدّام باب داره والشعير خضَّر.. مطرح عليق المهرة ما اتبعتر!

05 أكتوبر 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: لماذا تحتفل جماعة كامب ديفيد بنصر أكتوبر!

ان المعادين (لاسرائيل) الذين يرفضون الاعتراف بها والصلح والتطبيع معها، وأنصار فلسطين وداعميها، هم وحدهم اصحاب الحق فى الاحتفال بالنصر على العدو فى حرب اكتوبر.
أما جماعة النظام، جماعة كامب ديفيد التى تحتفل كل عام بذكرى نصر اكتوبر، فانهم لا يفعلون ذلك من أجل التأكيد على المبادئ والأهداف والمعانى التى قاتلنا من اجلها وهى ان كل فلسطين ارض عربية، وان الكيان الصهيونى يستهدف مصر وكل الأمة العربية مثلما يستهدف فلسطين، وانه لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف معه، وان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وانه صراع وجود وليس صراع حدود، وان الامريكان هم العدو الحقيقى وليس (اسرائيل) فقط...الخ
وانما يحتفلون ليضعوا انفسهم فى مراكز سامية فوق باقى جموع الشعب، وليصنعوا لأنفسهم شرعية مقدسة، يبرروا بها احتكارهم للسلطة، وأحقيتهم وحدهم فى حكم مصر. هل تتذكرون مبارك قائد الضربة الجوية الأولى؟
***
· فبالله عليكم، ما قيمة ان نحتفل بحرب تحرير ارضنا التى احتلها العدو لإجبارنا على الاعتراف به وبحقه فى ارض فلسطين، اذا كنا اليوم نعترف بشرعيته المزعومة.
· وما قيمة ان نحتفل بنصر حققناه ونحن ندافع عن عروبة فلسطين ضد الادعاءات الصهيونية الزائفة بأنها ارض الميعاد، اذا كنا اليوم نتبنى ذات الرؤية الصهيونية فى أن هذه ارض (اسرائيل).
· ما قيمة ان نحتفل بحرب مصرية عربية لتحرير كامل الارض المحتلة، ونحن اليوم نحرض الفلسطينيين على التنازل عن 78 % من اراضيهم (لاسرائيل).
· وما قيمة ان نحتفل باسترداد جزء من ارضنا بالقوة و القتال، اذا كنا اليوم نُحَرِّم ونُجَرِّم ذلك على أشقائنا ، ونتحالف مع (اسرائيل) لحصار المقاومة و لحظر السلاح الفلسطينيى.
· ما قيمة ان نحتفل اليوم بانتصارنا فى معركة حاربنا فيها العدو الامريكى راعى (اسرائيل) وحاميها، اذا كنا نتفاخر اليوم بالتحالف معه، ونهرول لاسترضائه والفوز باعترافه بشرعية النظام الجديد.
· ما قيمة ان نحتفل بنصر كنا فيه نقود الأمة لتحرير الارض العربية المحتلة من الكيان الصهيونى ومشروعه، اذا كنا ندعو اليوم الى توسيع السلام معه، رغم استيلائه على مزيد من الأرض، وقيامه باستباحة المسجد الأقصى وتقسيمه أمام أعيننا.
· ما قيمة ان نحتفل بحرب عبرنا فيها بأكثر من ثمانين الف مقاتل وألف دبابة، ثم رضخنا للضغوط، بعد وقف اطلاق النار، وسحبنا قواتنا من سيناء وأعدناها مرة اخرى الى غرب القناة، بحيث لم يتبقى لنا هناك سوى 7000 جندى و 30 دبابة. ليمنوا علينا بعدها بسنوات ويسمحوا لنا، بموجب المعاهدة المشئومة، بنشر 26 الف جندى فقط فى سيناء، بما يعادل ربع عدد القوات التى عبرنا بها بسلاحنا ودمائنا. 
· ما قيمة ان نحتفل بمعركة تحرير سيناء، ونحن لا نزال حتى اليوم نستأذن (اسرائيل) لإدخال قواتنا اليها، بعد ان جردت المعاهدة ثلثيها من القوات والسلاح.
· ما قيمة ان نحتفل بحرب اعلن فيها القادة والحكام ان امريكا هى العدو الأصلى، ثم نقوم بعد الحرب بتسليم مصر تسليم مفتاح الى الامريكان، ونفتح لهم سيناء، ليدخلوها بقواتهم ضمن قوات متعددة الجنسية التى تخضع لهم وليس للأمم المتحدة.
***
ان النصر واحد، ولكن مغزى إحياء ذكراه ليس كذلك، فلهم مغزاهم ولنا مغزانا.
****
القاهرة فى 5 اكتوبر 2015
موضوعات مرتبطة :

04 أكتوبر 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: موكب البابوات

أذعنتُ لـ "اللقطة" التي تحتوي على عشرات الصور الذهنية لكنها مع ذلك تختزل في لحظة خاطفة ما أصبحت عليه الكنيسة من نحافة، دمية تجسد البابا " تلقي من خلال سيارة مكشوفة تحية مجمدة علي حشودٍ تواجدها في المكان مرتب بالتأكيد قبل موعد الزيارة بوقت طويل.. 
للوهلة الأولي وكز حواسي شك أن هذه مؤامرة لإحراج "فرنسيس الأول" والتقليل من شأنه، واشتعل شكي عندما علمت أن موعد الزيارة واكبه تمامًا عرض دمية للبابا في متاجر الألعاب بـنيويورك!
ولقد ذكرني موكب الدمية بكتابٍ لم أقرأه إنما قرأت عنه في كتاب "قصة الحضارة" اسمه "موكب البابوات"، أو "The Pageant of Popes"، ليس سردًا لمواكب البابوات كما قد يتبادر إلي الأذهان، إنما كتاب جدلي شديد الضراوة كتبه في القرن الـ 16 إنجليزي مغمور يدعى "جون بيل" كان المصدر الوحيد لقصة عن البابا "ليو العاشر" إن ثبتت صحتها، فهي كفيلة بتحويل المسيحية إلي أطلال! 
لقد اتهمه بأنه قال لـ "بمبو" يومًا: 
- إن الأجيال جميعها لتعلم حق العلم كيف أفدنا من هذه الخرافة!
يقصد بالضبط، خرافة المسيح، لكن "ديورانت" نفسه شكك في صحة القصة، وأضاف:
- حتى "بايل" الذي لا يؤمن بدين و "رسكو" البروتستانتي يرفضان هذه القصة ويعتقدان أنها هي نفسها خرافة..
ولا أظن أن نفي "ديورانت" ولا "بايل" و "رسكو" القصة يكسر من بهائها، فهي تملك عتادًا أقوي بكثير من موضوعها لملاحقة المؤلف وتضمينه لـ "ليو العاشر" تحديدًا، فهو لم ينل أعلي منصب في العالم القديم لتقواه الخاصة ولا عن طريق ديمقراطية، إنما لعب المال السياسي في وصوله إلي الكرسي البابوي دورًا مفصليًا، إنه من "آل ميديتشي" أشهر العائلات الأوربية وأفحشها ثراءًا إلي الحد الذي يصبح معه تاريخ تلك العائلة ليس سوي صورة مصغرة لتاريخ أوروبا كلها، وكل من قرأ تاريخ أوروبا يعرف جيدًا أن النزعة الزمنية غير الدينية التي حررت عقل أوروبا وحواسها نشأت بسبب أعمال "آل ميديتشي"، كانوا ينصتون للغة المصارف أكثر من إنصاتهم لترانيم القداس، لا مانع عندهم من المواظبة علي أداء الطقوس المسيحية ما دامت فقط معبرًا لأهداف العائلة، ورواية عن "كاترين آل ميديتشي" ملكة فرنسا وحفيدة "ليو العاشر" تكفي لاختزال كل ما يربط عائلتها بالمسيحية، هذه، عندما بلغها نبأ كاذب عن انتصار البروتستانت علي الكاثوليك في "باريس" استقبلت الأمر بهدوء وقالت: 
- حسناً إذن، سنصلي لله بالفرنسية!
من الجدير بالذكر أن شعار المرابين حتي الآن هو شعار عائلة "آل ميديتشي"..
مشهد آخر من موكب "فرنسيس" الحقيقي أثناء زيارته الولايات المتحدة أجدني لكثرة استهلاكه ولكثرة ما رآه الناس في غني عن القول بأنه مدبر من الصفر إلي اكتمال اللقطة، أقصد بالضبط تلك الطفلة التي تنجح دائمًا في الإفلات من مكان ما وسط الحشود في محاولةٍ للوصول إلي الموكب لتحقيق حلمها بمصافحة البابا، وبالطبع، عندما تتجاوز السياج الأمني بملليمترات، حسب السيناريو المعد سلفاً، يطاردها رجال الأمن بهدف الإمساك بها وكبح تقدمها، تلك اللحظة، لابد أن يتدخل البابا - شخصيًا - ويأمرهم بأن يسمحوا لها بالحصول علي هذا التكريم السماوي، وككل نهايات السينما الأبيض وأسود الجميلة تنتهي الحبكة علي الدوام بالبابا وهو يميِّع تعبيرات وجهه بأسلوب مسرحي ويقبل الطفلة ويمنحها البركة، يا رحيم!
لا أنفي أن هناك مؤمنين، لكنهم ليسوا أطفالاً، وعندما وقفت "سوزان بويل" علي المسرح لأول مرة وغنت "I Dreamed a Dream" فأصابت الدنيا بدوار الذهول، 12 مليون مشاهدة علي اليوتيوب في ساعات قليلة، صرحت عما قليل بأنها تحلم بالغناء أمام البابا، لكنها أولاً وأخيرًا وآخرًا فلاحة اسكتلندية بسيطة، وبغض النظر عن ضحالة حظها من التعليم، ماذا ينتظر الناس من امرأة لم تنتبه إلي جمال صوتها الذي تستعمله طوال عمرها إلا في عمر الـ 47؟
كان اللافت هو غلبة ملامح الآسيويين علي الحشود، الفلبينيون تحديدًا، ولأني أعرف أن هؤلاء غالبًا حديثو عهد بالهجرة إلي أمريكا بمساعدة المبشرين، كان انطباعي المبدئي هو أن الغرب تجاوزالخيال وتحرر من خرافات أسلافه، لم يعد الإنجيل مرجعًا معصومًا، والكنائس تدار في كل مكان، وفي "فنلندا" علي وجه الخصوص لا يجد صاحب مطعم أو حانة غضاضة في أن يخبر زبائنه أن مرحاض المطعم أو بهو الحانة يقوم علي أطلال مذبح قديم!
على هذه الخلفية، تذكرت أن المسيحية الكاثوليكية ليست المرجعية الروحية لمعظم الأمريكيين، بل البروتستانتية، هذا يفسر لماذا كل رؤساء الولايات المتحدة من البروتستانت باستثناء "جون كينيدي" ربما، يفسر أيضًا لماذا إن لم تكن القرارات السياسية الأمريكية تتماهي دائمًا مع الاختيارات البروتستانتية فلا أقل من أن لا ترتطم بها، غير أن أبجديات العلم التي هيَّجت فصلاً جديدًا من مجازفة الإنسان في الكون محت الفوراق بين المذهبين في الواقع، وجعلت المسيحيين من الجانبين يقفزون فوق إرث أسلافهم الذين سردوا بعيون بدائية ذلك الماضي الذي لم يكن رحيمًا بهم أبدًا، هذا التسامح تجاوز المسيحية حتي شمل اليهود، فلم يعد اليهودي ذلك الكائن المقزز الذي يجب أن يعاقب علي جريمة أسلافه في حق المسيح، إنما مسيحي أقدم عمرًا فحسب، والعبقرية هنا لليهود لأنهم هم الذين خططوا لانطفاء المعركة علي هذا النحو، كما نجحوا أيضًا في إيهام الجميع بأن المسلم هو العدو المشترك الذي لن يتحقق خلاص العالم قبل التخلص منه، وإن سحقاً..
مع ذلك، لست أدري بأي صفة يذهب البابا إلي أي مكان خارج بيت الآب، مجرد حارس لفرضية الكرمة التي لم يفلحها فلاح، شخص لا يري النموذج إلا في الماضي في زمن تحللت فيه كل الماورائيات إلي عناصرها الأولي إلي الحد الذي تختفي فيه الفروق الدقيقة بين الجزيئات، ما هي أهمية مثله للإنسانية؟
وعلي هذه الخلفية، تذكرت أن مدي تغلغل الفاتيكان في شئون العالم وإداراة صراعاته من خلال منظمات الكنيسة السرية والمعلنة يصعب تصديقه، من هذه الناحية، يمكن اعتبار البابا هو المحور الذي تدور حوله سياسة العالم الخلفية..
تذكرت أيضًا أن كاردينالاً شابًا كان سبب حزنه الوحيد هو أن البابا "ليو العاشر" لا يخلع حذائه لشهور متواصلة فهو يحرم الرعية من تقبيل قدميه، وذلك العاشق لا يشكو من رائحة القدمين إنما من حبسهما في الخباء لمدة طويلة، أشبه بشكوي شاعر حبسوا حبيبته في خدرها، علي ايقاع هذه الحكاية، سأترك لك أن تتسائل كيف يُقدم شخصٌ أياً كان سُمك حاسة الشم لديه علي تقبيل قدمين مقبورتين في حذاءٍ لعدة أشهر؟ 
من الجدير بالذكر أن الأمر يزداد سوءًا عند الحديث عن قدمي بابا بشكل خاص، فحتي عصر "ليو" وبعده بقليل كان المسيحيون يعتقدون أن النظافة إثم، وكان الكاثوليكي الأكثر إيماناً هو من يتجاهل الماء ويكتفي بحك جسده ودهنه بالزيت فقط، ولقد تأثر "مايكل أنجلو" بالرهبان لطول معايشته لهم في الأديرة والكنائس فاكتسب هذه العادة وأخلص لها حتي الموت فكان لا يستحم!
سأترك لك أيضًا أن تتخيل، علي ايقاع هذه الحكاية، كيف كانت قداسة البابا وكيف صارت..

01 أكتوبر 2015

قفا "الحسيني" و"موسى" وإهانات "الإبراشي" و"أمين" ..من يحمي أذرع السيسي الإعلامية من غضب المصريين؟

كلمتى
بقلم شيرين عرفة
داخل عربات مؤمنة ،ووسط عدد ضخم من رجال حراسة مدججين بالأسلحة ، يسير أذرع السيسي الإعلامية في شوارع القاهرة ، بينما يعيش بعضهم داخل فنادق خمس نجوم بالقرب من مدينة الإنتاج الإعلامي ، حماية مشددة لمن يعتبرهم السيسي أهم أعمدة نظامه السياسي ، وسجلت الكاميرات عددا ضخما من لقاءات جمعته بهم تفوق حتى عدد اجتماعاته بوزراء حكومته ومستشاريه!
يعتمد السيسي بشكل رئيسي على عدد من مقدمي برامج "التوك شو" من أجل تسويق أوهامه وفناكيشه للمصريين ، ويسير بهم أينما سافر وارتحل ، وفي زيارات السيسي الخارجية ، لابد من حملهم على طائرته الخاصة ، يسافرون في نزهة يتحمل تكلفتها الضخمة من فنادق فاخرة ووجبات ومشتروات ، ذلك المواطن المطالب من هؤلاء الإعلاميين بالتقشف والمخير بين تحمل الفقر والجوع والفساد أو الرحيل عن الوطن ، من أجل أن يتمتع إعلاميو السيسي والمسئولون ورجال الجيش والشرطة والقضاء بكافة الامتيازات ويتقاضون رواتب خيالية ويعيشون في مدن خاصة ومعسكرات بعيدا عن أفراد الشعب ومشاكلهم وحياتهم.
وفي زيارات السيسي الخارجية ، لا توجد قوانينه الفاسدة ولا قوات أمنه ولا عرباته المصفحة ، ولا المعسكرات المغلقة التي يعيش فيها هؤلاء ، فتختفي الحراسات المشددة على الإعلاميين ، ويتقابلون وجها لوجه مع الملايين من المصريين الغاضبين ،المقيمين خارج البلاد ، والذين يتوقون لدولة محترمة يعودون إليها بعد ان جربوا العيش في بلاد القانون وحرية الإنسان.
مواقف عدة سجلتها كاميرات هواتفهم المحمولة وهم يكيلون الشتائم ويحاولون الإعتداء على من يعتبرونهم أدوات السيسي الإجرامية للسيطرة على عقول المغيبين من الشعب ، وأكبر المحرضين على القتل وسفك الدماء من قبل السلطة تجاه المعارضين.
إنهم مقدموا برامج "التوك الشو" ،ونجوم المراحيض الإعلامية في مصر : "أحمد موسى" والواد "يوسف الحسيني" و"وائل الإبراشي" و"تامر أمين" و"محمد شردي" ،
البداية كانت مع المذيع الأمني ، صاحب النداء الشهير للداخلية "أنا عايز جثث" والذي يعتبره الكثيرون فوق القانون الإعلامي "أحمد موسى" ، حينما كان فى أحد شوارع العاصمة الفرنسية باريس، حيث نظم وقفة لمؤيدي السيسي بفرنسا خلال زيارة الأخير لباريس ضمن جولته الأوربية، فقام أحد المصريين الغاضبين بضرب الإعلامي على قفاه.
أما هذا العام، وتحديدا في ألمانيا، فإن الحافلة التي تقل وفدا من الفنانين والإعلاميين الذين رافقوا السيسي خلال زيارته لألمانيا ، تعرضت إلى اعتداء من جانب شابين مصريين، قاما بسب وشتم كافة أعضاء الوفد، ووجه أحدهما الشتائم والسباب للفنان "فتوح أحمد" والفنان "احمد بدر".
أما الإعلامي الموالي للإنقلاب " تامر أمين" صاحب شعار : "اللي مش عاجبه البلد في عهد السيسي يغور ويرحل عنها" فقد تعرض لهجوم وسب بألفاظ نابية، من قبل أحد الأشخاص في لندن ، أثناء جلوسه على سلالم أحد المحال بها.
وفي آخر زيارة للسيسي حيث يتواجد الآن في مدينة نيويورك الأمريكية للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعرض الإعلامي "وائل الإبراشي" وهو أحد اكبر المحرضين على سفك دماء كل معارضي السيسي وإنقلابه العسكري ، إلى اعتداء لفظي أثناء سيره في ميدان "تايمز سكوير" خلال تواجده في الولايات المتحدة لتغطية زيارة قائد الإنقلاب.
وفي نفس الزيارة ، قام عدد من المصريين المقيمين في الولايات المتحدة الرافضين للحكم العسكري ، بالإعتداء 
على الإعلاميين "يوسف الحسيني" و"مصطفى شردي" أثناء سيرهم بالشارع.
وأظهر مقطع فيديو نشره نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي ، ضرب أحد الشباب لـ «يوسف الحسينى» من الخلف على «قفاه»، أثناء سيره ، مع توجيه السباب والشتائم بألفاظ نابية له وللإعلامي "مصطفى شردي" مع ركل الأخير ولطمه على وجهه.
ويبقى السؤال : إذا كانت تلك الأبواق والأدوات الإعلامية المشاركة بقوة في جرائم السلطة ، تتمتع بالحماية والأمان من قبل أسيادهم وكفلائهم في الإنقلاب
فمن يحميهم بعد زوال السلطة الإنقلابية من تطبيق القانون عليهم كمحرضين ومشجعين على القتل وسفك الدماء ، أو يمنع عنهم فتك وبطش المصريين الغاضبين؟!

30 سبتمبر 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: هل اصبح الامريكان هم خير اجناد الارض؟

"لا يوجد جيش على وجه الارض يستطيع ان يواجه الجيش الامريكى".
هكذا قالها فى سلاسة شديدة وبدون خجل، السيد عبد الفتاح السيسى فى حديثه مع قناة CNN . قالها فى سياق اجابته على سؤال المذيع حول مدى كفاية الدور الامريكى فى مواجهة داعش.
فاختار الرجل أن يجيبه بأنه "على الرغم من ان الجيش الامريكى اقوى جيوش العالم، لا يقدر عليه اى جيش نظامى آخر، ولكن الأمر مختلف فى مواجهة الجماعات الارهابية."
قال ذلك، رغم أنه كان هناك أكثر من صيغة أخرى يستطيع ان يعبر بها عن ذات المعنى، بدون أن يكيل المديح لأمريكا وجيشها.
***
وربما سأل سائل، أليس هذه هى الحقيقة، فلماذا نغالط أنفسنا؟
حتى لو كانت هذه هى الحقيقة، فانه لا يليق أبدا أن تصدر مثل هذه التصريحات من اى مسئول، خاصة من رئيس دولة كمصر، ورجل ذو خلفية عسكرية ووزير الدفاع السابق. لا يصح أن نخاطب أى دولة فى العالم، بان جيوشنا لا تستطيع ان تواجه جيوشكم، حتى لو لم نكن معها فى حالة حرب.
خاصة وأن الولايات المتحدة كانت ولا تزال هى "العدو الاول" لكل شعوب العالم الثالث، وفى القلب منها الأمة العربية، وفى القلب منهما مصر. ولا أود هنا اعادة وتكرار تفاصيل حكايتنا معها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، التى يعلمها الجميع.
ولكن الأهم من ذلك هو ان القوة والقدرة والنصر فى تجاربنا التاريخية وفى حضارتنا وثقافتنا العربية والاسلامية دائما ما تكون من نصيب أصحاب الحق وأصحاب الارض، مهما بلغت قوة المعتدى أو المحتل. كما أن من الثوابت فى معتقداتنا ومعاركنا الوطنية وتراثنا القديم والقريب أن "الله أكبر فوق كيد المعتدى".
كما أن مثل هذه الاحاديث الودودة والوديعة عن الامريكان والغرب واسرائيل التى يكررها السيسى كثيرا، تضرب فى العمق كل الشعارات الوطنية الزائفة التى تطنطن بها اجهزته الاعلامية والسياسية ليل نهار. ناهيك على انها اصبحت تسبب حرجا بالغا لقطاع كبير من مفوضيه وأنصاره، خاصة أولئك الذين روجوا له على أنه خليفة عبد الناصر.
***
ورغم كل ذلك، فاننى أصدقكم القول ان فى كلامه جانب من الحقيقة، على الأقل فى وطننا العربى. فالجيوش العربية لم تنجح أبدا فى التصدى للمشروع الأمريكى فى المنطقة، ولم تنجح فى تحقيق أهداف الأمة وأحلامها فى تحرير فلسطين والحفاظ على الاستقلال العربى الذى تحقق جزئيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وعلى العكس منها، نجحت كل حركات التحرير التى أشركت شعوبها فى المعركة، فى تحقيق انتصارات حاسمة على مستعمريها، وأكبر مثال على ذلك هى الحرب الفيتنامية التى أذاقت الأمريكان الأمرين وطردتهم شر طردة من بلادها.
ولذا طُرِحَت فكرة حرب التحرير الشعبية بقوة بعد نكسة 1967، ولكن لم يتم تبنيها وتفعيلها من قبل الانظمة العربية، التى اختارت ان تتصدى بنفسها لإعادة بناء جيوشها والإعداد للمعركة، لازالة آثار العدوان.
وكانت النتائج بائسة:
· ففى حرب 1973 التى تعتبر المثال الذى يحتذى به للانتصارات العربية، قبلت مصر وقف اطلاق النار بعد الاختراق الاسرائيلى للجبهة الغربية فى ثغرة الدفرسوار، وأعلن السادات فى خطابه بعد الحرب بأيام معدودة، انه اكتشف انه يحارب امريكا منذ 10 ايام، وانه يعلن بصراحة انه لا يستطيع ان يقاتل امريكا، وهو ما كرره مبارك لقادة المعارضة بعد توليه الحكم مباشرة لتبرير تمسكه باتفاقيات كامب ديفيد. وهو موقف يتناقض تماما مع روح المقاومة الشعبية المصرية التى تجلى فى معارك كثيرة اشهرها معركة السويس 1973 وبورسعيد 1956 وغيرها. بالإضافة الى معارك مقاومة كامب ديفيد والتطبيع التى كانت القوى الوطنية المصرية تخوضها الى وقت قريب.
اذن سرقوا منا النصر العسكرى المحدود الذى حققناه فى حرب اكتوبر، وانتهى بهم الامر الى تسليم مصر تسليم مفتاح للأمريكان، والصلح والتطبيع والتنسيق مع العدو والاعتراف بشرعية اسرائيل والتنازل لها عن فلسطين 1948، بل والتحالف معها اليوم فى مواجهة العدو الارهابى المشترك.
· وفى الاردن طرد النظام الملكى هناك المقاومة الفلسطينية من اراضيه خوفا من تورط جيشه فى حرب لا يريدها مع اسرائيل، رغم انها اغتصبت منه الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية فى 1967.
· وفى سوريا قام النظام بتجميد حربه مع اسرائيل بعد انسحاب مصر من المعركة، بذريعة اختلال موازين القوى، وانه لا حرب بدون مصر. بل وشارك فى حصار واضعاف المقاومة الفلسطينية فى لبنان فى السبعينات، مما ساهم فى هزيمتها ونفيها من لبنان عام 1982.
· وفى العراق سقطت الدولة والجيش فى بضعة ايام امام الغزو الامريكى فى 2003، لتبقى المقاومة الشعبية العراقية وحدها فى الميدان، قبل ان يتم اغراق العراق فى حروب اهلية وطائفية.
· وفى ليبيا، قام القذافى بعد ايام من الغزو الامريكى، وخوفا من ذات المصير، بالاعتراف والاعلان عن اسلحته الكيميائية وتدميرها.
· وفى لبنان نجحت المقاومة وليس الجيش فى تحرير الجنوب من الاحتلال الصهيونى، وحققت صمودا باسلا فى حرب تموز 2006.
· وفى فلسطين صمدت المقاومة الفلسطينية امام حروب الابادة وأعمال القتل والاغتيال والحصار والتجويع التى لم تتوقف منذ سنوات طويلة، بل استطاعت فى معركتها الاخيرة فى صيف 2014، ان توجه ضربات موجعة للعدو.
هذه هى بعض القشور من قصتنا فى الاربعين عاما الماضية، قصة عجز أنظمتنا بكل مؤسساتها العسكرية والمدنية عن تحقيق اى انتصار حاسم فى مواجهة العدو. فسرعان ما يتوقفون فى منتصف المعركة ويستسلمون ويخضعون للضغوط، ويتراجعون وينسحبون ويقدمون التنازلات .
***
ان فشل وهزيمة واستسلام الانظمة العربية امام الكيان الصهيونى ومشروعه، هى حقيقة ثابتة تجسد مأساتنا العربية فى أجلى صورها: "انتصار 6 ملايين صهيونى على 350 مليون عربى، وسرقة جزء عزيز من الارض العربية امام اعيننا وطرد شعبها، والابتلاع اليومى لما تبقى منها وسرقة مقدساتها، وتحول اسرائيل الى القوة الاقليمية العسكرية العظمى فى المنطقة، التى يخشى الجميع بأسها ويتسابقون سرا وعلانية لاسترضائها والتحالف معها."
لم يستطع النظام العربى الرسمى بكل جيوشه وأسلحته المكدسة، وبكل هيبته وجبروته وهيلمانه ومؤسساته وحكامه، ان يمنع الغزو الامريكى للعراق، أو يحاصر المشروع الصهيونى ويهزمه، أو يطرد الامريكان من المنطقة. بل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هى قاهرة الجيوش العالم وخير أجناد الأرض، و قائدة الأمة، وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة. وهى المتبوع الاكبر، والحليف الرئيسى، والراعى الرسمى لأمن وعروش الانظمة العربية، ومالكة صكوك الغفران والشرعية والاعتراف الدولى للحكام، والقادرة الوحيدة على حشد الجيوش العربية فى حملاتها الاستعمارية المتجددة ضد الشعوب العربية.
*****
القاهرة فى 30 سبتمبر 2015
موضوعات مرتبطة:

28 سبتمبر 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب : هذه الدعوة السيساوية لدمج اسرائيل فى المنطقة

دعى عبد الفتاح السيسى فى حديثه مع وكالة أسوشيتدبرس على هامش الدورة 70 للجمعية العامة للامم المتحدة، الى توسيع عملية السلام مع اسرائيل لتشمل دولا عربية أخرى، فى سياق حديثه عن ضرورة تعاون كل دول "الشرق الأوسط" لمكافحة الارهاب الذى يهدد الجميع.
ليؤكد بشكل علنى ولأول مرة ما سبق وردده نتنياهو كثيرا، من ان هناك دولا عربيا كبرى، فى اشارة الى مصر والسعودية والخليج، ترغب فى التحالف الاستراتيجى مع اسرائيل ضد العدو المشترك المتمثل فى الإرهاب.
وبالفعل التقط نتنياهو الخيط منه فورا وأصدر بيان رحب فيه بدعوة السيسى. ونشرت صفحة "إسرائيل بالعربية" عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر النص التالى "ترحب الحكومة الإسرائيلية بدعوة رئيس مصر السيسي لتوسيع دائرة السلام مع إسرائيل لتشمل دولاً عربية أخرى ونتنياهو بانتظار أبو مازن لدفع السلام".
وهو ما يذكرنا بمسرحية زيارة السادات الى القدس، ومقولته الشهيرة، باستعداده الى الذهاب الى اقصى مكان فى الارض، بل الى القدس ذاتها من اجل السلام. وهى الكلمات التى انتهت بكارثة اتفاقيات كامب ديفيد.
وفى حقيقة الأمر أن السيسى ليس بعيدا ابدا عن السادات، فهو يحرص بشكل ملفت بل ومبالغ فيه، كلما أتيحت له الفرصة، على تقديم نفسه الى الغرب على انه خليفة السادات والراعى العربى الاول للسلام مع اسرائيل.
فلقد وصف السلام بين مصر واسرائيل فى ذات الحديث "بالهائل و العظيم". وان لا احد منذ 40 عاما كان يتوقعه هكذا. وهو المعنى الذى كرره كثيرا فى مناسبات متعددة، مثل حديثه فى مؤتمر دافوس فى يناير 2015عن عبقرية السادات فى مبادرته للسلام. و أيضا ما قاله من قبل من ان السلام اصبح فى وجدان المصريين، وانه لا عبث فى هذا الموضوع، الى آخر عشرات التصريحات والمواقف المماثلة التى صدرت منه على امتداد العامين الماضيين.
***
ما هو وجه الخطورة فى هذه الدعوة التى وجهها السيسى؟ وما الجديد فيها؟
خطورتها تتمثل فيما تطرحه من "رؤية عربية غير مسبوقة ومختلفة" لاسرائيل، ليست بصفتها دولة احتلال وفصل عنصرى وكيان ارهابى دأب على ارتكاب جرائم حرب وإبادة فى حق الفلسطينيين والشعوب العربية، وليست بصفتها دولة مزروعة ومعادية وشاذة وغريبة ومصيرها الى زوال. بل بصفتها دولة طبيعية فى المنطقة تتعرض لذات التهديدات الارهابية التى نعانى منها جميعا، وهو ما يخلق فيما بيننا روابط أمنية و مصالح مشتركة فى مواجهة هذه المخاطر.
ويزيد من خطورتها صدورها من مسئول عربى، وليس اى مسئول فهو رئيس اكبر دولة عربية.
لقد ضرب السيسى بهذه الدعوة رقما قياسيا جديدا فى التنازلات العربية التى بدأت بكامب ديفيد مرورا باتفاقيات اوسلو ووادى عربة ثم مبادرة السلام العربية عام 2002.
أما اليوم فمرحبا بإسرائيل جارة و"شقيقة" فى مواجهة العدو المشترك الذى يهددنا جميعا. مرحبا بها ولو لم تقبل باقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. مرحبا بها رغم ابتلاعها لمزيد من ارض الضفة الغربية كل يوم. ورغم كل جرائم الحرب التى ارتكبتها فى غزة فى صيف 2014 وما قبلها. ورغم كل ما ترتكبه اليوم من تقسيم زمانى للمسجد الاقصى كمقدمة لتهويده تهويدا كاملا.
لنكون امام مشهدا غريبا ومزريا، يقوم الصهاينة باقتحام المسجد الاقصى، فنكافئهم بالدعوة الى توسيع السلام معهم، بدلا من أن نسحب السفراء، ونقطع العلاقات، او حتى نلوح بقطعها.
***
وليحتل الموقف العربى الرسمى مرتبة دنيا جديدة فى عصر الانحطاط العربى:
فالموقف الذى بدأ بلا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف. وحتمية تحرير فلسطين العربية من النهر الى البحر. والكيان الصهيونى ومشروعه يهددان مصر و الامة العربية كلها وليس فلسطين وحدها.
ثم تراجع الى مبدأ "خذوا ارض 1948 وأعطونا ارض 1967" الذى اسموه كذبا وتضليلا مبدأ "الارض مقابل السلام".
اصبح اليوم هو " السلام مقابل المشاركة فى مكافحة الارهاب".
مع العلم بطبيعة الحال ان الارهاب فى المفهوم الصهيونى هو "المقاومة الفلسطينية للاحتلال"
***
لقد رفضنا التنازلات التى قدمها السادات ومبارك من اجل استرداد سيناء؛ رفضنا مقايضة سيناء بفلسطين، رفضنا الاعتراف باسرائيل والصلح والتطبيع معها، وسحب مصر من الصراع العربى الصهيونى، رفضنا نزع وتقييد سلاح سيناء وقواتها، رفضنا تسليم مصر للأمريكان.
فهل يُعقل أن نقبل اليوم تنازلات عبد الفتاح السيسى الجديدة لاسرائيل، والتى لم تتوقف لحظة منذ توليه المسئولية، مقابل تدعيم شرعيته الشخصية وشرعية النظام الذى يؤسسه.
هَزُلت
*****
القاهرة فى 28 سبتمبر 2015
موضوعات مرتبطة :

26 سبتمبر 2015

سيد أمين يكتب : في مصر.. معركة حول الكتلة


آخر تحديث : السبت 26 سبتمبر 2015 17:20 مكة المكرمة
يُخطئ من يتصور ان المعركة الدائرة في مصر الأن هى فقط بين العسكر ودوائر انتفاعهم من جانب, والاخوان المسلمين أو حتى تيار الإسلام السياسي ومؤيديهم من القوى المختلفة من جانب آخر, فالمعركة تشغل حيزا أكبر بكثير من هذا التصور المتواضع سواء في ميادينها أو أسبابها أو أدواتها, فهى ميدانيا لا تستهدف مصر فقط, ولكنها تستهدف العالم بأسره, ولا تقصد تدمير الاسلام فقط, ولكنها تستهدف "الكتلة" أية كتلة في أي زمان أو مكان، وأسبابها ليس رفض الحكم الديني ولا العلماني ولا حتى العسكري، ولكن رفض حكم الشعب حينما يصبح "كتلة" واحدة ذات تأثير تمنع الاخرين من توجيهه وقيادته.
أما الأدوات فهي كل ما هو مزيف, من: دستور مزيف, مؤسسات مزيفة, نخب مزيفة, أحزاب مزيفة, مقدسات مزيفة, ولاءات مزيفة, بطولات مزيفة, أو بصيغة أخري هي الاعتماد على كل شيء يبدو أنه يقوم بمهمته وفي الواقع يقوم بعكسها, كالشرطة التي تروع الناس برغم أن مهمتها حفظ الأم , ومجلس شعب لم ينتخبه الشعب, بل اختير لمصادرة رأى هذا الشعب, وقضاء يفترض انه مؤسسة عدل لكنه جاء ليقنن الظلم, وصحافة تقوم بتسطيح وخداع الناس بدلا من إعلامهم بالحقيقة, وجمعيات خيرية أصل مهمتها مساعدة الفقراء لكنها تسرق ما يقدم لهم من الأخيار, ورجال دين من المفترض ترفعهم عن الدنايا وانشغالهم بالروحانية وتلمسهم الرحمة وحديثهم الحكمة والموعظة, فنراهم مجرمين سفهاء جهلاء حمقي لا يبغون إلا متاع الدنيا, وهكذا.

وما هى الكتلة؟
المقصود بالكتلة هنا: كل كيان بشري صلب أيما كانت هويته أو اعتقاده، لا سيما لو كان إسلاميا أو قوميا أو اشتراكيا, بالترتيب, وهي القوى الثلاثة الممنوعة من الحكم والسيطرة في أي بلد من بلدان العالم،لاسيما الإسلامي بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية سيدة هذا الكون
فما سمحت أمريكا بنجاح تجربة الإسلاميين في الجزائر ومن قبلها باكستان بل والصومال, وما سمحت بنجاح تجربة صدام حسين القومية في العراق ولا عبد الناصر في مصر, وما سمحت بنجاح تجربة المنصف المرزوقي الاشتراكي في تونس ولا حتى في الاتحاد السوفيتي وأمريكا اللاتينية في العقود الماضية, وذلك لأن ما يربط بين الثلاثة نماذج أنهم يملكون "الكتلة" التي تؤيدهم, ويتحدثون عن أيديولوجية فكرية متكاملة لها وجاهتها المنطقية ونسقها الفكري الرصين.
فأمريكا وهى في سبيلها لإخضاع العالم, لا يمكنها أن تنفذ ذلك إلا إذا فتتت جميع الروابط التي تجمع بين الخصوم وحتى الاصدقاء سواء أكانوا أفراداً أم جماعات أم دول , وجردت كل كيان وحدوي او "كتلوي" من أسباب تماسكه مهما صغر, لأنه من طبيعة الاشياء ان كل صغير سيكبر, ما يسهل لها جر الجميع في قاطرة واحدة هى تقودها ويستقلون هم "السبنسة".

لماذا تحارب الكتلة؟ 
الحقيقة أن الأمريكان يريدوننا عالما يتعايش في حالة سيولة, الإنسان فيه لا يمثل إلا نفسه, ولا يدافع إلا عن وجوده الشخصي فحسب. يريدوننا عالما خاليا من مطبات كتل الاتفاق التي تعترض طريق هيمنتها, ولذلك فالتيارات الإسلامية وفي القلب منها حركة الإخوان المسلمين تمثل كتلة اعتراض كبرى, والحركات القومية هى كتل اعتراض ولكنها أقل حجما, والحركات الاشتراكية هى أيضا كتلة اعتراض وإن صغرت نسبيا لكن صدى صوتها يرتفع عنهما.
يريدون عالمنا, عالماَ يقف على النقيض من عالمهم. عالما يتكيف مع الاستبداد ويبرره, ويتعايش مع الجهل ويتقن صناعته , ويجيد اختلاق الاختلاف فيما ينفع وايجاد عناصر الاتفاق حول ما يضر . عالما يقلد ولا يبدع, يعلى من شأن الحقراء ويسفه العلماء , تهان فيه الحرائر وتكرم فيه الراقصات.
هم يريدوننا مجتمعا بلا كتل , حتى لو كانت كتلة فاعلة للمثليين أو مشجعي الشطرنج, ولو كان الامر غير ذلك لوجدنا شيئا مختلفا في نوعية الصراع في امريكا اللاتينية أو العالم الشيوعي السابق المعروف بالكتلة الشرقية أو حتى حقبة العصر النازي والفاشي القومية.

الحرب المزدوجة 
الحرب العالمية ضد الكتلة, إن جاز التعبير, هى في حد ذاتها حرب ضد التفكير, وذلك لأن الكتلة كثيرا ما ترافقها الفكرة, والفكرة تمثل تمردا على عقل آخر يريد أن يفكر لنا ويجعل من نفسه بديلا لنا عن عقلنا.
وفي مصر, تبدو صورة الحرب ضد التفكير أكثر وضوحا, فكل متفوق مهان فى عمله, لا سيما لو كان هذا المتفوق يشعر بأنه مواطن له حقوق كما عليه واجبات, أو يمتهن مهنة رأى كالصحفي الصادق الممنوع من الكتابة والمحامي الجريء المهدد بالحبس والفنان الذى يقدم فنا تنويريا ولكن لا يشاهده احد لأن أعماله لا تعرضها أية وسيلة نشر


لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا انقر هنا

اقرأ ايضا من سلسلة مقالات "الجزيرة":