الأعور هو أعور ولكن جرت العادة في اللغة العربية وغيرها من اللغات تلطيف المعنى فيقال مثلاً أن (عينه كريمة ) ، ولكن مهما حاول اللغويون فسيظل صاحب العين الكريمة أعور.
ومن الممكن مثلاً أن نقول عن الأعور: يضع على عينه اليسرى عصابة سوداء مطرزة الحواف بلون أزرق. وهكذا يتحول التركيز الى العصابة ومواصفاتها بدل التركيز على أنه أعور.
ومن الممكن أن نقول : أصيب في صغره بمرض أخل بعصب العين اليسرى فأصبح لا يرى بها، وهكذا تحول الذهن تماماً عن عَوَر الرجل
هذا علم قائم بذاته ويطلق عليه اسم ( علم العبارات الملطفة) أو Euphemism
واللغة العربية هي لغة البلاغة من تورية ومجاز وتشبيه وكناية ، ولكن علم العبارات الملطفة هو ما يصاحب التطور الإنساني ذي الوتيرة المتسارعة سواء في التكنولوجيا أو العلوم الإنسانية.
وضمن من برع في تفسير وشرح هذا العلم باللغة الإنجليزية، اللغة الأسرع في التطور، نعوم تشومسكي على المستوى الأكاديمي ، والكوميدي الراحل جورج كارلين الذي توفي في العام 2008 عن عمر يناهز 71 عاماً ، وكان ناقداً اجتماعياً ولغوياً ماهراً قادراً على استخراج معان جديدة ، إضافة الى كونه ممثلاً وكاتباً. ويحفل اليوتيوب بالكثير من تسجيلاته التي شاهدها مئات الألوف، وكان لجورج كارلين موقف إنساني مشرف من القضية الفلسطينية ففي إحدى تسجيلاته قال:
" يصفون القتلة الإسرائيليين بجنود الكوماندو، ويصفون الكوماندو الفلسطينيين بالإرهابيين " ، في إشارة الى نفاق الإعلام الغربي المضلل.
ومن المؤكد أن الإسرائيليين هم من أطلق على تجسس السلطة على شعبها عبارة لطيفة هي التنسيق الأمني.
ما يتبادر الى ذهن السامع أو القاريء للعبارة أن السلطة تتبادل المعلومات مع إسرائيل في مواضيع حفظ الأمن من الجانبين فالسلطة تعطيها معلومات عن الخطرين على أمن إسرائيل وكذلك يفعل الجانب الإسرائيلي إذ يقدم المعلومات عن المستوطنين في الضفة الغربية والذين يعتبرون خطراً على السلطة وشعبها.
ولدى السلطة ملف كامل عن تلك المرأة العجوز التي احتضنت جذع شجرة الزيتون قبل أن يقطعه الجنود الإسرائيليين فهي مشروع مقاوم للاحتلال ، ولديها ملفات عن كل هؤلاء الذين تهدم إسرائيل بيوتهم فهم أيضاً مشاريع مقاومة، أو هؤلاء الذين يصلون في شوارع القدس بعد منع الاحتلال دخولهم المسجد الأقصى.
وعلى وجه العموم فإن لديها ملفات عن كل فلسطيني حي ، فكلهم مشروع مقاومة ما دام هناك احتلال، وبعد أن أفرغت الضفة الغربية من السلاح يلجأ هؤلاء الى ما يتوافر لديهم من سكاكين وعصي ، حتى أنهم يستعملون سياراتهم للدهس ، وأعتقد أن مستوى القهر لدى الشعب الفلسطيني قد وصل أقصى مداه .
تقدم السلطة نسخة عن هذه الملفات الى الجانب الإسرائيلي بموجب التنسيق الأمني بين الطرفين وذلك للحفاظ على السلام والهدوء في الأرض المقدسة.
وكما يُفهم التنسيق، فمن المؤكد أن لدى السلطة ملفاً عن المستوطنين اليهود في الضفة الذين فرضوا أنفسهم على الفلسطينيين بالقوة، لديهم ملف عن كل مستوطن في الخليل ، فهم ينغصون حياة أهلها كل يوم. كذلك لديها ملف عن هؤلاء المستوطنين الذين اختطفوا الطفل محمد خضير وأجبروه على شرب البنزين وأحرقوه بعد التعذيب حياً من الخارج والداخل في جريمة يندى لها جبين الإنسانية.
لن نخدع أنفسنا، فهم ليسوا من الرجولة بحيث يحتفظون بملف عن إسرائيلي واحد، فمهمتهم الحقيقية هي حفظ ملفات المقاومين أو مشاريع المقاومين من شعبهم، ويقدمون ما لديهم الى أسيادهم الإسرائيليين.
ويخطر على البال سؤال : ما الفرق بين رجل خائن لشعبه، وجهاز خائن لشعبه ؟ فالفرد الذي يقدم معلومات للعدو يعتبر خائناً وجاسوساً وينظر الناس اليه باحتقار وقد يقومون بإعدامه غير آسفين عليه. وأمثال هؤلاء كثير في العالم العربي بعامة والفلسطيني بخاصة ، أما الجهاز الخائن ، فالمسؤولية فيه تقع على الرؤوس الكبيرة التي تدير هذا الجهاز، وكمثال على ذلك حركة مصالي الحاج التي تعاونت مع الاحتلال الفرنسي ضد جبهة التحرير في الجزائر ، وعند الاستقلال هرب الحركيون جميعاً الى فرنسا، فلم يعد في استطاعتهم البقاء في بلدهم .
أما أشهر خائن في التاريخ فهو كويسلنغ النرويجي (1887- 1945) الذي كان زعيماً لحزب التجمع الوطني النرويجي وتعاون مع النازية وشكل حكومة تدعم ألمانيا أثناء الفترة الهتلرية من تاريخها ، وبعد الحرب حوكم وأعدم بتهمة الخيانة العظمى.
وينطبق الأمر على محمود عباس ، فهو من مؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني ويتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ، ويقوم بتسليمهم المقاومين من أبناء جلدته، ويوماً ما سيحاكمه الشعب الفلسطيني على ما تقترف يداه كل يوم.
كلام كهذا يضع الأمور في نصابها دون تلطيف ولا خداع ولا عبارات منسقة مثل عبارة التنسيق الأمني.
ما يزيد الطين بلة أن السلطة الفلسطينية لها وزارة لشؤون الأسرى ، ويعتبر هذا قمة الانفصام في الشخصية، فنصف الموجودين في السجون الإسرائيلية وضعتهم السلطة في تلك السجون.
ولا شك أن فضيحة اختطاف المناضل أحمد سعدات من سجون السلطة وسكوت قادتها على هذه المهانة تظهر نوعية الرجال الذين يتولون مسؤولية الشعب الفلسطيني.
وتقوم هذه الوزارة – ضمن مهامها – بالدعاية لهؤلاء الأسرى الذين لم يجدوا سوى وسيلة واحدة للفت أنظار العالم الى قضيتهم وهي الإضراب عن الطعام .
كان الرأي العالمي يقف على قدم وساق عندما يضرب غاندي أو مانديلا أو غيرهما من المناضلين الشرفاء عن الطعام ، وكانوا يعدون الأيام التي قضوها مضربين، ولكن أحداً لا يبالي بإضراب الأسرى الفلسطينيين الذين تخطت مدة صيام بعضهم مدد صيام كل السجناء في هذا العالم.
مشكلة الدعاية التي تقوم بها السلطة في هذا الموضوع وفي جو الإحباط واليأس الذي تنشره أنها تعزز الفردية عند الناس العاديين ، فليس هناك من أحد يدافع عن المقاوم أو يحاول إخراجه من الاعتقال ، وليس أمامه سوى المزيد من التضحية، فوجود داعم أو ظهير يطالب بالأسير ويحاول إخراجه من المعتقل هو ما يحفز الجماهير على المقاومة.
والأمر المثير للسخرية حقاً أن بعض أعضاء السلطة أو رئيسها يهددون من حين لآخر بوقف التنسيق الأمني وكأنهم يملكون زمام أمورهم، وهذه محاولة بائسة للمزيد من الخداع لشعبهم.
صدق المتنبي حين قال:
ذلَّ مَن يغبطُ الحَياةَ بعيش ٍ رب عيش أخف منه الحِمامُ
مَن يَهُنْ يسهُلُ الهوانُ عليهِ ما لجُرْح ٍ بميّتٍ إيـــــــلامُ
الحِمام : الموت