12 يوليو 2015

بلال فضل يكتب: لعنة توريط الجيش

هل قصرت سائر أجهزة وزارة الداخلية وعموم المحاكم والنيابات مع عبد الفتاح السيسي، في إنفاذ الظلم والقمع، ليلجأ إلى وزارة الدفاع، ويقوم بتوريطها في فيديو يعلن القبض على شبكة إرهابية مزعومة، تضم شباناً اختفوا في ظروف غامضة أخيراً، ثم ظهروا فجأة مُدلين باعترافات لا يعلم إلا الله كيف أُجبروا على الإدلاء بها، لتحرمهم إذاعة تلك الاعترافات المزعومة عن طريق وزارة الدفاع تحديداً من أبسط الحقوق التي قد ينالها تاجر مخدرات أو حتى مغتصب أطفال، حيث سيكون من حقه، كمتهم، خوض مسار قانوني طبيعي للدفاع عن نفسه، على عكس أولئك الشباب المساكين الذين تم اتهامهم عن طريق سلطة محصنة من النقد، لأن الكل يعتبرها حامية البلاد من الانهيار، وهو ما سيهدر كافة حقوق أولئك المتهمين، ويجعلهم هم وأسرهم ومن يتشدد لهم، عرضة للبطش، من دون رقيب ولا حسيب.
لكن، لماذا اختار السيسي إعلان القبض على هذا التنظيم المزعوم عن طريق وزارة الدفاع أصلاً؟ هل لأنه يعلم أن كثيرين لن يصدقوا ذلك الفيديو، لو أعلنته وزارة الداخلية المشهورة بالفبركة وتلفيق التهم؟ أم أنه أراد إعلان مرحلة جديدة، لا تنفرد فيها الداخلية بملف الأمن الداخلي، بل يشترك معها الجيش في ذلك؟ أم أراد توجيه رسائل إقليمية ودولية، للتذكير بارتباطه الوثيق بالجيش المصري، وأنه لم يكن مرشحا خرج من الجيش، بل كان مرشح الجيش؟ أم أنه قرر إعلان نفاد صبره كعسكري من مناقشة المدنيين لمشاريع قوانينه، مثل قانون الإرهاب الكارثي الذي تجرأ بعضهم، وأعلنوا اعتراضهم عليه؟ ربما كانت كل هذه الأسباب، مجتمعة أو منفردة، وراء قرار إذاعة ذلك الفيديو المفزع عن طريق وزارة الدفاع. لكن، المؤكد أن الأرعن الذي اتخذ قراراً كهذا لم يدرك خطورة دلالات ذلك القرار الذي يواصل تكريس الحكم العسكري للبلاد، وهو ما قد يحقق إحساساً مؤقتاً بالرضا لبعض الحمقى وقصار النظر، مع أن ذلك يعمق جذور الإرهاب، ويساهم في صناعته وانتشاره على المدى الطويل، ولكم في سورية والعراق عظة وعبرة، إن كان ثمة من يخاف من مصيرهما حقاً وصدقا.
للأسف، ذكّرني ذلك الفيديو الكارثي بأيام مقبضة من صيف سنة 2006، حين كنت أزور واحدة من أجمل المناطق السورية في ريف اللاذقية. يومها، ترددت أنباء هامسة بين بعض المواطنين، عن اختراق قامت به طائرات إسرائيلية للأجواء السورية، تحدثت عنه مواقع أجنبية محجوبة في سورية، وبعد يومين أذاع التلفزيون السوري الحكومي فيديو لاعترافات خلية وصفت بأنها إرهابية، أقر أعضاؤها بأنهم ممولون من جهات أجنبية لاختراق أمن البلاد. وبالطبع، لم يجرؤ أحد على تكذيب الفيديو، ولا السؤال عن مصير من ظهروا فيه، خصوصاً أن ظهور فيديوهات مماثلة في الإعلام السوري كان أمرا مألوفا لكل من عاش في سورية. وبعد أن مرت فترة على تلك الواقعة، اكتشفت، أنا وغيري، أن تلك الغارات الإسرائيلية، كانت تدريبا على عملية تمت في العام التالي، حين تم تدمير مفاعل نووي سوري كان قيد الإنشاء، من دون أن يعلم المواطنون السوريون بذلك، ومن دون أن يتصور أحد أن الجيش الذي كان يسيطر على البلاد، بشكل كان يبدو دائما ومحكما، سيقود سورية، في نهاية المطاف، إلى كارثة دموية، كالتي تحدث منذ أعوام، بدأت بالتأكيد، حين ذابت الفواصل بين الجيش والدولة، ليصبح مجيشا لخدمة نظام قمعي، تتحكم فيه حفنة من أصحاب المصالح.
لا يبدو، للأسف، أن في مصر من يعي خطورة تكرار ما جرى في سورية والعراق؟ لأن من يسمح بإذاعة ذلك الفيديو الذي تلعب فيه وزارة الدفاع دور القاضي والجلاد لا يدرك أنه لا يحافظ على أمن مصر، حين يساهم في توريط الجيش المصري أكثر، في سياسات ظالمة، ويواصل الإجهاز على قيمة العدالة التي تمثل الفرق الأهم بين الدولة والتشكيل العصابي، وهو ما كان يجب أن يتنبه إليه كل عاقل، إن لم يكن خوفاً على مستقبل البلاد، فحرصا على مصالحه وامتيازاته، لأن الانفجار الذي سيحدثه الظلم المتواصل حتماً لن يستثني أحدا من عواقبه، وإذا كان هناك من يخاف على مصر وجيشها من المصيرين، العراقي والسوري، فلن يكون ذلك إلا بفعل عكس ما فعله قادة العراق وسورية وغيرهما من الدول الفاشلة التي ورطت الجيش في لعبة السياسة، واستخدمته لمساندة الدولة القمعية، تحت شعارات الحفاظ على أمن الوطن، وفرض هيبة الدولة، مع أن الوقائع أثبتت، مرارا وتكرارا، أن الظلم لا يطيل عمر دولة، إلا كما تطيل المسكنات عمر المصاب بالمرض العُضال. ليس لها من دون الله كاشفة.

11 يوليو 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: أم كوزكين علي عبد الناصر!

أضاء الشيخ الشعراوي ملمحًا من صباه يومًا وحكي عن رجلٍ كان يتعمد إحراجه علي الدوام في مجالس القرية بأسئلة غريبة، ذهب الشيخ إلي بيته يومًا، وهناك، عثر علي كتيبٍ مغلقٍ علي الكثير من تلك الأسئلة وأجوبتها التي كانت تكفي لإحراجه مئات المرات لولا الصدفة، وهو لم ينج فقط إنما استخدم الكتيب بعد ذلك كسلاح لصالحه، لقد حفظ كل الأسئلة وأجوبتها، وكان كلما
حاصره الرجل بسؤال مثل:
- ما هو القبر الذي مشي بصاحبه يا شيخ أمين؟
تظاهر الشعراوي قليلاً بالاستغراق في التفكير قبل أن يجيب:
- حوت سيدنا يونس عليه السلام!
ويهلل المجلس!
لقد اختطف المعركة برمتها إلي ميدانه هو ولم يترك للرجل إلا الهامش الذيلا يسمح بالمناورة، إنما استقبال اللكمات فقط، عندما عرف الشيخ المصدر!
وفي واحدة من عنترياته الفارغة قال "عبد الناصر" يومًا:- إن لم نجد سلاحا فسوف نحارب اسرائيل ومن ورائها بالنبابيت!
آنذاك، أفرطت أبواقه ومخابراته في إيهام القطيع بأن الذعر قد اندلع فيعواصم العالم لاعتقادهم بتوصل المصريين إلي سلاح سري اسمه النبابيت،ولأنهم يتوقعون الغفلة، لم يبحثوا أصلاً احتمالية أن يسأل المصريونأنفسهم سؤالاً بسيطاً:
- لماذا لا يسأل الأمريكيون أحد المهاجرين المصريين عن الترجمة الإنجليزية لمفردة "النبابيت" في لغته الأم!
وفي سياق شديد الشبه، عندما قال عبد الناصر ردًا علي سؤال خبيث وجهه صحفي إنجليزي عن تأثير هزيمة 67 علي صحته:
- أنا مش (خرع) زي "إيدن" بتاعكم!
لم تفلت الشئون المعنوية الفرصة دون الدعاية لفشل ممثلي الإعلام العالميفي العثور علي مرادف ملائم لمفردة (خرع)، كما أسرفت كل الإذاعات المصرية في الضغط علي الحدث طويلاً، لقد كان العسكر في أضعف حالاتهم، لذلك، تجاوز السفه المبالغة إلي الإحالة عندما جعلوا بأساليبهم المطروقة الفنان "محمد طه" يتغني بتلك (الحكمة الناصرية) التي كانت تذاع علي كل الشبكات عشرات
المرات يومياً:
(أنا مش خرع زي إيدن قالها ريسنا)
وطبعًا لازمة "محمد طه" الشهيرة:
- أووي أووي أووي يا عيني..
عنقود طويل من أغاني القاع التي تنتصب كعلامات طريق معتم لا يعني أكثر من دلالة هزيلة علي محنة الوعي حين يغيب، البطل ده من بلادي، أدب ومسامحة يا كفر مصيلحة، هو دا البطل اللي ضحي بالحياة!!
ولا أجد وصفاً لـ "عبد الناصر" ولا لمصر التي في خاطر كل العسكر أكثرعدالة من وصف الحاج "إبراهيم كروم" فتوة حي بولاق!
عندما علم "كروم" بموعد عودة "عبد الناصر" من مؤتمر بالهند ذهب إلي سيرك "إبراهيم الحلو" وطلب استعارة أسدٍ يركبه أثناء استقباله وقوبل طلبه بالرفض خوفاً علي حياة الناس، فاكتفي بأن يركب حصانه ويستقبله بموكب حاشد من أهالي بولاق وكتب علي أكبر لافتة في ميدان عابدين:
(إبراهيم كروم فتوة مصر يحيي جمال عبد الناصر فتوة العالم)
ما أصدق هذا التعبير العفوي علي ضخامته، فتوة الحارة ومنطقه، أنت آمن إذا تواريت في ظله الكبير وأنفقت عمرك في تبجيله والإشادة بكل حماقاته أوتموت، فتوة، لا يستمد شرعيته من الشعب أو الإنجازات إنما من الخداع والأوهام وقوة السلاح!
إنها اللا دولة بكل تجلياتها!
غابةٌ عقيدة إقطاعييها عارية جدًا لخصها "السيسي" في لحظة انسجام يتيمة مع أعماقه في جملة:
- حرية إيه وأنا مش لاقي آكل؟
ليس الفساد في مصر اعتباطيًا يا سادة إنما منظم، وما من شك أن هناك حكومة ظل وظيفتها حراسة بقاء الحياة الشاقة التي تخنق القطيع، وحراسة التعاسة في وجوههم حتي لا يجدوا وقتاً للتفكير في الخروج من ظلال السيد!
والآن، ما هو مصدر حكاية النبوت؟
كان "نيكيتا خورتشوف" متناقضًا، فهو لا يتورع عن التنكيل بقسوة بالذين كانوا يسمونهم أعداء الشعب، وهو أيضًا لا يخجل من أن يرتدي قميصًا أوكرانيًا مزركشاً ويرقص رقصة "جاباك" إرضاءًا لـ "ستالين" خلال حفلات الكرملين!
كان يهلل لكل خطوة يقدم عليها عندما كان حياً، وعندما مات وورث عنه مقعده اشتبكت معه مرحلة عصبية وهزلية من تاريخ الإتحاد كان من أبرز ملامحها تشويه صورة "ستالين"، وإهانة الفنانين التجريديين، وضرب "نيكيتا" منبرالأمم المتحدة بحذائه أثناء مناقشة الأزمة المجرية، كما وصفه "ماو تسي تونج" عند أول احتقان سياسي بين الحليفين بـ "الجزمة القديمة"!
قال ذات مرة لـ "نيكسون" نائب الرئيس الأمريكي آنذاك:
- سوف نريكم أم كوزكين!
عبارة من العامية الروسية تنبض بالسخرية والوعيد، وهي تشبه إلي حد بعيد في العامية المصرية: "فسحوه" أو "آخدك ورا مصنع الكراسي"، وهذا تقليد روسي شائع، يقولون أيضًا " قالت إذاعة أرمينيا" قبل رواية نكتة، ذلك أن الإذاعة الأرمنية في الخمسينيات كانت تطرح سؤالاً بسيطاً ثم تجيب عليه بطريقة غريبة، ولعلها تشبه عبارة "إسماعيل ياسين" في فيلم "ابن حميدو":
- إنتَ ما بتعرفش سويسي؟!
ولقد استغل الحزب الحكاية في الدعاية المضللة لمدي الذعر الذي انتاب الأمريكيين لأنهم لم يفهموا مَن هي "أم كوزكين"، وبمن يُهدِّدهم!
إنها المصدر الجذري لنبوت عبد الناصر المقلد!
كذلك..
كان "ماو تسي تونج" يتجول دائمًا في حقول الصين في زي بسيط، ولعل المصريين ما زالوا يتذكرون "حسني مبارك" في بداياته وهو يرتدي زي (قوي الشعب العاملة) ويتجول في زراعات "المنيب" ربما أو ضواحي القاهرة دون أن ينسي أن يضع منديلاً بائسًا بين رقبته وياقة القميص النص كم!
نفس الأدوات، نفس الأساليب، نفس الوجوه الباردة التي لا تتفاعل، ونفس الكتيب الذي نحفظ الآن جيدًا كل فصوله!
المضحك، أن بعض الموظفين لا يخجلون من ارتداء ذلك الزي حتي الآن، المدرسين خاصة!
وبعد كل فوضي الكلام العارمة هذه أجدني الآن أميل أكثر من أي وقت مضي إلي تصديق عبارة "عمر سليمان" الشهيرة:
- المصريون غير مستعدين للديمقراطية!
مع ذلك، هم جميعًا غرف انتظار للديمقراطية لكن كهدية من الإخوان المسلمين، لقد ارتفعت أسوار الخوف ارتفاعًا صادمًا!

سليم عزوز يكتب: بثت «سكاي نيوز»… فتعرضت «الجزيرة» للهجوم!

ورد في الأمثال: «حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط». فالبث لـ «سكاي نيوز عربية»، والهجوم على «الجزيرة» القطرية!
ينام الانقلاب العسكري في مصر ويستيقظ على «الجزيرة»، يتم وقف بث «الجزيرة مباشر»، فيكون الهجوم على «الجزيرة الأم» ولو توقفت لكان الهجوم على «الجزيرة أطفال»!
يفشل عبد الفتاح السيسي فيعلق فشله على «الجزيرة»، وتتوقف «الجزيرة» عن إطلاق وصف قائد الانقلاب عليه، وتسبق اسمه بـ «الرئيس المصري»، فيستمر عبر أذرعه الإعلامية في الهجوم عليها، ثم يدفع بمشروع قانون لـ «الإرهاب» يلغي به مهنة الصحافة، ويعيدنا إلى زمن كان المصري فيه يضع أذنه حتى يلتقط إرسال راديو الـ «بي بي سي»، أو «صوت أمريكا» لمعرفة ما يجري في بلاده. لكن هذه المرة فإن أبصار المصريين ستنصرف تلقاء شاشة «الجزيرة»!
كأن «الجزيرة» مولودة فوق رأس السيسي، والقاعدة أن المولود يكره في طفولته أخاه الذي نزل من بطن أمه بعده، وقد يغافل أمه ويضربه مسكوناً بالغيرة، لذا ينصح علماء النفس الأبوين بعدم الاهتمام بالمولود حديثاً حتى لا يكون هذا سبباً في إثارة حقد الطفل السابق له.
«الجزيرة» تحولت إلى شماعة يعلق عليها السيسي فشله، وهكذا عشنا حتى رأينا كيف لدولة في حجم مصر، تتضاءل حتى تصبح في حجم قناة «فضائية»، بل في قامة مذيع، عندما تحتشد «دولة السيسي» من اجل النيل من الإعلامي أحمد منصور بعد هزيمة قائد الانقلاب في موقعة ألمانيا. ويرى المرء هذا الاحتشاد، فيظن أن «منصور» أصبح دولة عظمى، أو أن مصر جرى اختزالها في عهد حكم العسكر لتصبح مذيعة، في حجم «حياة الدرديري»، ولا تثريب على مذيعة إن هاجمت مذيعاً!
مقدم برامج في واحدة من قنوات الانقلاب يهاجم «الجزيرة» قبل الأكل وبعده، وتسأل فتعرف أنه كان قد سعى للالتحاق بها مذيعاً، وسقط في الاختبارات، فتحرك مأزوماً. لكن بحسب معلوماتي أن السيسي لم يكن ضمن أحلامه أن يكون مذيعاً بالجزيرة أو بغيرها، وليته تمنى فعلى الأقل كان تدرب صغيراً، فأنقذنا من الهم والغم عندما نستمع له، فلا نستطيع أن نضبطه متلبساً بجملة مستقيمة، فكلامه عائم وهائم، وجملته غير مكتملة، ليصبح من الطبيعي أن نطلب بتدريس مادة في كليات الإعلام تمكن الإعلاميين في المستقبل من اصطياد، الكلمات السابحة في المجال الجوي، أو التي يجري تخزينها في «بطن السيسي» بعد الفشل في دفعها لتتجاوز عتبة فمه!
بيانات المتحدث العسكري
عندما وقعت أحداث سيناء مؤخراً، كانت «سكاي نيوز»، هي التي بثت أخباراً مثيرة، عن عدد الضحايا في جانب الجيش، وجاء في أحد أخبارها أن تنظيم «ولاية سيناء» قام بأسر عدد من الجنود، وهو ما لم تبثه «الجزيرة»، لكن الهجوم كان عليها، ولا ذكر لـ «سكاى نيوز»؛ فحبيبك يبلع لك الزلط!
غضب سلطة الانقلاب يرجع إلى أن الإعلام نشر أخباراً حول ما جرى، ولم ينتظر بيانات المتحدث العسكري، والنشر أوحى كما لو كانت سيناء وقعت في قبضة «أبو بكر البغدادي»، والمشكلة أن البيانات الرسمية تأخرت، وهنا يصبح من الطبيعي أن يبحث الصحافي عن مصادر أخرى، وهي مصادر ينبغي أن تكون حاضرة حتى مع بيانات الجهات الرسمية التي لا يجوز مهنياً تجاوزها.
كل وسائل الإعلام أذاعت بيانات المتحدث العسكري، ولم تكن تبعث على الطمأنينة تماماً، فقد ذكرت أن تبادلاً لإطلاق النار جرى لساعات، على غير طبيعية الجماعات المسلحة التي تضرب وتختفي.
وفي عز المواجهة كان قرار قائد الانقلاب هو الانتقام من الإعلام بدلاً من أن يحاسب نفسه وقد أخبرنا من قبل أن العلميات الإرهابية اندحرت، وأنه وضع خطة لتنمية سيناء كان من المفترض أن يعلنها هذا الشهر!
اللافت، أن الحديث عن تجاوزات الإعلام من خلال نشر أعداد أكبر للضحايا من تلك التي أعلنها المتحدث العسكري، مهد بها السيسي لقانون الإرهاب مع أن هذا القانون كان قد أعلن هو أنه جاهز للإقرار وهو يشارك في جنازة النائب العام في اليوم السابق لأحداث سيناء، وعندما طالعنا مشروع القانون بعد ساعات من هذه التصريحات وقفنا على أنه كان جاهزاً في انتظار الفرصة والتي جاءت بحادث اغتيال النائب العام واكتملت بأحداث سيناء، ولا أعتقد أن هذا القانون كان يمكنه منع وقوع الحادثين، فالجناة الذين يقومون بعلميات انتحارية، لن تخيفهم قوانين تقر عقوبة الإعدام لهم.
حادث النائب العام في جانب منه يرجع إلى الإهمال في حمايته، وقد قال أحدهم في قناة «صدى البلد» أن الرجل أخبره أنه على قوائم الاغتيالات، فضلاً عن أن السيسي نفسه قال ما نقله التلفزيون المصري، من أنهم كان يعلمون ذلك. ليبقى السؤال وماذا فعلت سلطات الانقلاب في شأن حراسة النائب العام ورأس السلطة في مصر يعلم أن رأس الرجل مطلوب؟!
إلغاء مهنة الصحافة
مشروع قانون الإرهاب جاء في المادة (33) مدفوعاً بقصة أن وسائل الإعلام لم تلتزم في النشر ببيانات المتحدث العسكري عن حجم الضحايا، مع أنه وضع قبل هذه الأحداث. وهي المادة التي جاء نصها يلغي مهنة الصحافة، ويحولها إلى منشورات تصدرها الشؤون المعنوية بالجيش!
وما دام محمد حسنين هيكل بجانب عبد الفتاح السيسي، وهو كائن لا تختزن ذاكرته سوى تجربة عبد الناصر، فلا نستبعد أن يوسوس له بفرض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، تمهيداً لخطوة تأميمها.. يقولون إن الكاهن الباحث عن فرعون نصحه بفكرة التنحي، لتخرج الجماهير لتحمله على العودة، كما فعلت مع عبد الناصر، لكن السيسي ليس مقامراً، ويخشي إن فعلها أن تخرج الجماهير لتحتفل بقراره!
السيسي ليس بحاجة لفرض الرقابة، فقد تحول رؤساء تحرير الصحف، وأصحاب القنوات التلفزيونية إلى رقباء. فتم وقف كثير من مقدمي البرامج مع أنهم كانوا مع 30 يونيو ومن «ريم ماجد»، إلى «يسري فودة»، مروراً بنائلة عمارة، و«دينا عبد الرحمن»، وغيرهن.. فضلاً عن «باسم يوسف»!
وفي الصحافة، تم وقف كثير من الكتاب الذين وقفوا أيضاً مع الانقلاب العسكري، ومثلوا غطاء مدنياً له، ومن بلال فضل، إلى علاء الأسواني، وأخيراً حازم عبد العظيم، الذي فاجأنا بتغريدة يبكت فيها رئيس تحرير «اليوم السابع» وهو يدافع عن حرية الصحافة الآن مع أنه منع نشر مقال له كان عنوانه: «نعم نحن في حكم العسكر» في أبريل/نيسان الماضي. الآن وقد عصيت قبل؟!
ظل المذكور كاتماً في قلبه هذا الخبر ولم يبح به إلا بعد ثلاثة شهور، والغريب أنه لم يجرؤ وينشر المقال عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وإنما أعلن أنه اتخذ قراراً بالابتعاد عن السياسة بسبب ما أسماه المناخ السياسي!
كما تذكرون أن الأسواني هو صاحب مقولة: «إن السيسي هو أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور»، تذكرون كذلك أن «عبد العظيم» كان من الذين يهاجمون الرئيس مرسي، وصورته وهو يحمل بيده حجراً في يوم الاعتداء على مقر جماعة الإخوان المسلمين مختزنة في الذاكرة. كنا نعتقد أن مرد هذا إلى الشجاعة الشخصية لحضرته، وتبين أنه لم يكن سوى بحاجة إلى منع نشر مقال له في عهد الرئيس محمد مرسي ليبتعد عن السياسة!
شهر العسل
ما علينا، فالمسموح لهم بممارسة مهنة الصحافة في مصر الآن هم الأذرع الإعلامية لعبد الفتاح السيسي ومع هذا وضع لهم المادة (33) من قانون الإرهاب، حتى يعلموا أن العين لا تعلو على الحاجب، وأن ولاءهم لحكمه ليس لأنهم شركاء، ويشكرون على مواقفهم، ولكن لأنهم ليسوا أكثر من خدم في بلاطه وبالقانون فلا فضل لهم إن خضعوا له بالقول.
رسائل كثيرة وصلت لبعض القائمين على وسائل الإعلام في مصر، تفيد أن شهر العسل قد ولى، فاكتشف بعضهم بعد الرسائل أنه ليس أكثر من «صرصار»، لكن حتى هذا البوح لم يُقبل منهم لأنه جري تأسيس الاكتشاف بأنهم في وطن لا يحترم كرامتهم، فكان التراجع عن ذلك إلى أن كونهم كذلك مرده إلى الإرهاب وإلى جماعة الإخوان، وفي حالة التوتر قال قائلهم إنه رأي الرسول في المنام فحذره من الجماعة الإرهابية ومن حسن البنا، لنكتشف أننا أمام حلاج جديد رأى الله، وقديماً قال الحلاج القديم:
رأيت ربي بعين قلبي/ فقلت من أنت قال أنت
فليس للأين منك أين/ وليس أين بحيث أنت!
المادة (33) تعاقب بالحبس كل من يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية في الحوادث الإرهابية. وهي تلغي مبدأ تعدد المصادر، وتلزم بمصدر واحد لا يقول الحقيقة، وهو أمر يعيدنا إلى زمن صحافة التأملات، ويجعل من كلام الجنرال إياه في برنامج «وائل الإبرشي» تفسيراً للأمر عن أنهم «سيقعدون الصحفايين في بيوتهم» في معرض دفاعه عن هذا القانون، والرسالة هنا موجهة إلى من يسمح لهم بممارسة المهنة في مصر، وهم الأذرع الإعلامية، فحتى هؤلاء ضاق بهم السيسي، والسبب هو أنه اكتشف أنهم متعددو الولاءات، وكلما وجدوا مركبه معرضه للغرق استعدوا للقفز منها، وقد ضبطهم بذلك أكثر من مرة.
السيسي كأس وداير.

10 يوليو 2015

محمد سيف الدولة يكتب : ماذا لو كان المسيرى بيننا ؟

كثيرا ما كنت أتساءل، عن موقف ومصير الدكتور عبد الوهاب المسيرى لو كان قد امتد به العمر حتى يومنا هذا ؟
واليوم أعيد طرح ذات السؤال، بمناسبة حلول الذكرى السادسة لرحيله فى 3 يوليو 2008
***
لقد كان المفكر الوطنى العروبى الاسلامى الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيرى، واحدا من أهم المناضلين المصريين والعرب فى مواجهة الصهيونية ومشروعها وكيانها وأفكارها وعنصريتها وإرهابها، وفى مواجهة الاستعمار الغربى الذى أفرزها و أسسها ودعمها ورعاها.
فهو صاحب السفر العظيم؛ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية بالإضافة الى عشرات الكتب والمؤلفات فى قضية الصراع العربى الصهيونى منها على سبيل المثال وليس الحصر:
· الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذجٌ تفسيريٌّ جديد
· الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية
· الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية
· العنصرية الصهيونية
· هجرة اليهود السوفييت
· الإدراك الصهيوني للعرب والحوار المسلح
· من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية
· انهيار إسرائيل من الداخل
· الصَّهيونية والعنف من بداية الاستيطان إلى انتفاضة الأقصى
· الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى
· اليَدُ الخفية: دراسةٌ في الحركات اليهودية الهدَّامة والسرية
· الصهيونية والحضارة الغربية الحديثة
· في الخطاب والمصطلح الصهيوني 
· مقدمةٌ لدراسة الصراع العربي- الإسرائيلي: جذورُه ومسارُه ومستقبُله
· الأيديولوجية الصهيونية
· أرض الميعاد
· نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفـكر الصهيوني
· أسرار العقل الصهيوني
· من هو اليهودي؟
· التجانس اليهودي والشخصية اليهودية
· البروتوكولات واليهودية والصهيونية
***
وكان له أيضا اجتهاداته وابداعته الهامة فى مواجهة الفكر الاستعمارى والتغريب والنظرة العنصرية الاستعلائية فى الفكر الغربى، ومن أهم مؤلفاته فى ذلك هو كتاب "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" بالإضافة الى كتب أخرى منها :
· العالم من منظور غربي
· العَلمانية تحت المِجْهر
· دفاع عن الإنسان
· الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
· إشكالية التحيز: رؤيةٌ معرفيةٌ ودعوةٌ للاجتهاد.
· رحلتي الفكرية ـ في البذور والجذور والثمار
· دراسات معرفية في الحداثة الغربية
· الحداثة وما بعد الحداثة
· الإنسان والحضارة والنماذج المركَّبة
· قضية المرأة بين التحرُّر والتمركز حول الأنثى *فكر حركة الاستنارة وتناقضاته
***
لكن أهم ما كان يميز عبد الوهاب المسيرى عن كثير من المفكرين، هو انخراطه المباشر فى ميدان العمل السياسي والنضال الميدانى، فلقد كان المنسق العام لحركة كفاية، فى أوج اصطدامها مع نظام مبارك، وقبل رحيله ببضعة شهور تم اختطافه هو وزوجته وآخرينأثناء وجودهم في مظاهرة بميدان السيدة زينب الخميس 17-1-2008 في ذكرى مرور 21 عاما على الانتفاضة الشعبية التي اجتاحت مصر في 17 و18 يناير 1977 احتجاجا على رفع الأسعار واتجاه الدولة في ذلك الوقت لالغاء دعم السلع الاستهلاكية الرئيسية مثل رغيف الخبز(ما أشبه اليوم بالبارحة)،
والتى قال عنها المسيرى انه (( أثناء المظاهرة قاموا بإلقاء القبض علينا، ووضعوا كل مجموعة في سيارة تحمل لوحة مدنية، وتوجهوا بنا إلى الصحراء برفقة رجال أمن يرتدون ملابس مدنية، كنت مع زوجتي، وتم وضعنا في سيارة انطلقت بنا إلى الصحراء. وعندما حاولنا أن نستفسر منهم عن الجهة الذاهبين إليها رفضوا الادلاء بأي أقوال. سارت بنا السيارة زهاء الساعتين في طريق الاوتوستراد خارج القاهرة، لست متأكدا ما إذا كان مؤديا إلى السويس أو الاسماعيلية. وفي العراء بمنطقة صحراوية خالية تماما على الطريق السريع تركونا. سألنا الضابط وعرفنا أنه برتبة "مقدم": أين نحن وكيف سنعود، ضحك ولم يجب ثم انطلقوا بسيارتهم عائدين))
***
ولذلك لا اشك لحظة فى أنه لو كان قد امتد العمر بالمسيرى لكان فى طليعة الثوار فى يناير 2011، ولوجدناه مفترشا أرض التحرير على امتداد أيام الاعتصام الثمانية عشر، وربما كان سينجح فى سد ثغرة هامة بين أطياف القوى السياسية، حيث كان محل تقدير واحترام من الجميع على اختلاف مرجعياتهم وتياراتهم، وكان شخصية جامعة، تجد فى صالونه الثقافى الذى كان يعقده فى منزله، خليط متنوع من الشخصيات العامة من اليسار والقوميين والاسلاميين والليبراليين. وكان يجيب مازحا عن من يسأله عن هويته الفكرية بمقولته الشهيرة(( أنا ماركسى على سنة الله ورسوله))
وربما كان سيلعب دورا محوريا، فى تصحيح كثير من الأخطاء والانحرافات المبدئية والسياسية والأخلاقية التى ارتكبها الجميع بدون استثناء.
***
وحين يتساءل المرء ماذا كان من الممكن أن يكون موقعه اليوم بعد مرور اكثر من ثلاثة سنوات على الثورة، فيما لو كان قد كُـتِبَ له أن يظل بيننا حتى اليوم ؟
فأظن انه كان على الأغلب سيكون معتقلا أو مسجونا مع قيادات حزب الوسط الذى اختار المسيرى أن ينضم اليه فى سنواته الأخيرة.
وان لم يكن لذلك، فلأسباب أخرى متعددة؛ فالمسيرى ومن واقع مواقفه ومؤلفاته وأفكاره، لم يكن من الممكن أن يصمت على مبدأ اجتثاث اى من تيارات الأمة، ومنها التيار الاسلامى الذى كان يعتبر أحد مفكريه.
ولم يكن من الممكن أن يصمت على أعمال القتل والاعتقال والتعذيب وأحكام الاعدام والمؤبد ومصادرة الحريات والحق فى التظاهر،
والمسيرى الذى طالما تصدى للزيف والضلال والمراوغة فى الخطاب الغربى الاستعلائى والصهيونى العنصرى، لم يكن ليصمت أبدا على حملات التزييف و التضليل و التشويه و الاعلامى لكل خصوم السلطة السياسيين، بل كان على الاغلب سيكون فى مقدمة ضحياها،
والمسيرى الذى كتب مقال بعنوان "الفيديو كليب والجسد والعولمة" ينتقد فيه ما وصلنا اليه من ابتذال ، لم يكن ليتحمل السكوت عن "فرة" الابتذال و النفاق والانتهازية والرقص السياسى التى ضربت مصر فى الشهور الأخيرة.
فمن المستحيل أن يقبل من هم مثل المسيرى وفى مكانته، أن يكونوا جزءا من منظومة الاستبداد، أو من خدامه وحوارييه، أو جزءا من إعادة انتاج نظام مبارك بعد تحديثه.
كما لم يكن من الممكن أن يساير أو يصمت على ما يدور الآن من شيطنة الفلسطينيين وحصارهم واتهامهم بالإرهاب.
أو أن يقف فى صف النظام الذى ينسق على قدم وساق مع اسرائيل لمواجهة المخاطر المشتركة وتحقيق الأمن المصرى الاسرائيلى الامريكى المشترك.
***
ولن يكن عمره سيشفع له، فها هو الشيخ المسن المستشار الجليل محمود الخضيرى معتقلا، وهو واحد من أهم رموز ثورة يناير، ورموز حركة استقلال القضاء فى مواجهة نظام مبارك.
ولم يكن مرضه العضال أو حالته الصحية لتشفع له أيضا، فلدينا مئات من المعتقلين اليوم، يعانون من أخطر أنواع الأمراض، وها هو محمد سلطان على شفا الموت بسبب إضرابه عن الطعام رفضا للظلم الذى تعرض له، ولا حياة لمن تنادى.
ولم يكن من الممكن للمسيرى الذى انتصر فى آخر كتاباته للانسان والانسانية أن يقف صامتا فى معارك تستهدف اجتثاث الانسان والانسانية.
***
وربما من رحمة الله عليه، انه لم يعش ليرى هذا الانشقاق الهائل الذى ضرب الحركة الوطنية المصرية، ضربها الى حد التفويض بالقتل.
*****
القاهرة فى 6 يوليو 2014

02 يوليو 2015

سيد أمين يكتب: حديث في الميتافيزيقا

آخر تحديث : السبت 27 يونيو 2015 10:42 مكة المكرمة
في بلد لا يعمل فيه بكفاءة سوى السجن والمقصلة, ويدخل غالبية شبابه صفحات مواقع التواصل الاجتماعى بأسماء مستعارة, ويعتبر نصف شعبه النصف الآخر شعباً إرهابياً لمجرد أنه طالب بحقه في المشاركة في تقرير مصير بلادهم.
ويصبح سحب الجنسية والحرمان من الانتماء إلى البلاد التى تفاخر بالانتساب إليها الآباء والأجداد أسهل من نفاذ رصيد شحن الهاتف المحمول, ولا يٌسمح أن تعلو فيها سوى الأصوات النشاز.
في بلد فيها كل هذا -وهو قليل للغاية من كثير للغاية- يصبح حديث أى صاحب قلم بموضوعية في أى شأن لاسيما السياسة هو مهمة انتحارية في المقام الأول.
وللحقيقة أن أجواء كتلك تجعل الكثيرين يفكرون ألف مرة قبل أن يكتبوا, لأن الكاتب هنا ليس مجرد فرد فتعود مخاطر كتاباته على نفسه فقط بالضرر, ولكنه شأنه شأن كل المجتمع, هو كائن حى له أسرته الصغيرة المسئول عنها, وهم لهم متطلباتهم وأحلامهم وأمانيهم التى قد تكون ليست هي ذاتها اهتمامات الكاتب نفسه في الدفاع عن أسرته الكبيرة التى هى الوطن, وهم ليسوا على استعداد للمساهمة في دفع الفاتورة التى يستعد هو لدفعها والتى ستعود عليهم أيضا بالضرر, الأمر الذى يجعله يتعامل فقط في الجزء اليسير المسموح به من الحقيقة.

ليس كل ما يعرف يقال
ويبدو أن سقراط الحكيم حينما قال قديما انه "ليس كل ما يعرف يقال"، كان هو أيضا يعيش ذات الأجواء التى يعيشها كتاب الداخل من المصريين الآن بدليل أن الأمر انتهى بحبسه ثم إعدامه.
كما أنه في أوقات انطلاق جمرة اللهب في ذيل الثور الهائج, لا يكون أبدا من الحكمة الوقوف في وجهه , بل أن الحكمة تصبح في أن يتحدث الكاتب الذى لا حول له ولا قوة في أى شئ كان يؤجل الحديث فيه لاوقات الراحة والدعة.
ومن الأمور التى لطالما شدت انتباهى، وانتباه كل الناس في هذا العالم الذى نعيش فيه, وهى التى يبدو أن الحديث فيها هو الأنسب في مثل هذه المرحلة, تلك المتعلقة بـ"الميتافيزيقا" أو العلم الذى يتناول مواد "ما وراء الطبيعة", أو بالمعنى الأكثر شيوعا, السحر والفلك والطالع, وغيرها من أمور تتحدث في الغيبيات، ويثار حولها جدل كبير بين التشكيك والتأكيد.
فمن بين من يشككون دوما فيه, رجال الدين -أي دين- ورجال المنهج العلمي، وذلك بدوافع دينية أو منطقية بحتة, وهو تشكيك ينفي وجود هذا العلم أساسا ويلقي نتائجه دائما إلى حالة الصدفة والهرتلة وما إلى ذلك, إلا أن رجال الحكم في معظم دول العالم يحرمون هذا العلم –إن جازت التسمية- ليس لكونه هرتلة، وصدفة كسابقهم بل لأنهم يعتبرون تداوله بين العامة يقوض سلطتهم، ويفشى أسرار دولتهم وهو منع يؤكد وجود هذا العلم لا ينفيه.
ويقول متابعون إن الكثير من أجهزة الاستخبارات في العالم عامة, وفي عالمنا العربي خاصة, تعتمد بشكل جزئى او كلى في معلوماتها على استخدام الميتافيزيقا كأساس معرفي, بل يتردد أن تقرير الميتافيزيقا هو واحد من أهم التقارير التى تعرض كل صباح على الرئيس الامريكى ذاته.


رؤساء مصر والمنجمون
ويدلل مؤيدو وجود مثل هذا العلم عليه بأن التجريم وأحكام الإعدام التى كانت تصدرها كل نظم الحكم الغربية في القرون الوسطى على من يثبت استخدامه لـ"السحر الاسود" هو في حد ذاته اعتراف بتأثير هذا النهج على الأمن العام، أو بالأحري أمن النظام الحاكم, لدرجة جعلتهم لا يفصلون بين نتائج هذا النهج غير العلمى وبين نتائج العلم ذاته, فراحوا يحكمون على "جاليليو" مخترع التليسكوب بالسحر والهرطقة فأعدموه.
وبعد ثورة يناير الموءودة في مصر راح كتاب كثر منهم "بلال فضل" يكتب مقالا موثقا أثار صدمة آنذاك حول قيام الرئيس الأسبق حسنى مبارك بالاستعانة بعدد من السحرة لدعم نظام حكمه, وأن سفره للسنغال خصيصاً للقاء عدد من السحرة "الجبارين" هناك.
فيما أشار آخرون إلى أن مثل هذا السلوك يتبعه كل حكام مصر منذ بدء الخليقة، وأن الرئيس المصري الوحيد الذى رفض الاستماع إلى صوت "السحرة" و"قارئى الطالع" هو الرئيس الإسلامى محمد مرسي بناء على خلفيته الدينية, ما تسبب في سقوطه سريعاً, وأنه لو استشار أياً من "المنجمين" لكانوا أكدوا له ان المكائد من كل أجهزة الدولة لم تتوقف ضده منذ أن أعلن اسمه كفائز في رئاسة الجمهورية لحظة واحدة.
سحقاً أجدني قد تحدثت في السياسة مجدداً.
لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا

أحمد جمال زيادة يكتب :المرمغة فى حُب السيسى


مصر العربية
أثناء تشييع جنازة النائب العام يضع بعض المواطنين الشرفاء ممن اعتدنا على رؤيتهم فى كل التظاهرات "المؤيدة للسيسى أو لمبارك أو لمرتضى منصور" صورة السيسى على الأرض.
يسجد أحدهم ويقبّل الصورة بحب شديد، ثم يتمسح بوجهه على صورة السيسى تبركًا بها، فيشعر أنه لم يعبر عن حبه بما فيه الكفاية فيقرر بكل شجاعة أن يرقد ويتمرمغ فى حب السيسى.
أثناء اندماجه فى المرمغة يصيح أحدهم "الله أكبر"، ثم يسجد ويقبل الصورة تضامنًا مع رفيقه الذى يتمرمغ، فيظهر أحد العقلاء منفعلًا بشدة ليسحب الشاب الذى يتمرمغ على صورة السيسى "عشان يتمرمغ بداله شوية".
انتشر هذا الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى حتى وصل إلى السويد! سألتنى زميلة سويدية عن سبب كل هذا "البوس والمرمغة" لصورة السيسي مع أن مقتل شخصية عامة يجب أن يحاسب عليها الرئيس شخصيًا؟!
كيف أرد عليها بعدما كنت أردد لها دائمًا مقولة عبدالرحمن الكواكبى "المستبدون يتولاهم المستبد والأحرار يتولاهم الأحرار"؟!
حاولت أن أشرح الموقف ولكن "الموقف مبيشتغلش بعد الساعه 11 بالليل".. أجّلت حديثى معها للصباح كى أفكر فى أى وسيلة للدفاع عن هؤلاء المتمرغين فى حب السيسى رغم مقتل النائب العام حتى لا تفهم زميلتى السويدية الموقف بشكل صحيح!
ولكن فى الصباح انتشرت أخبار عن مقتل ثلاثة أشخاص فى تفجير بمدينة السادس من أكتوبر فأجلت الحديث معها للصباح "اللى بعده" حتى لا تسألنى عن كيفية التفجير ومن سيحاسب على إزهاق الأرواح؟!
لكن فى الصباح " اللى بعده" استيقظت مصر على استشهاد 17 جنديًا مصريًا فى الشيخ زويد، حسب رواية المتحدث العسكرى، و70 حسب رواية القناة الفرنسية، فقررت الانتظار قليلًا، ولكن بماذا يفيد الانتظار بعد تلك الكارثة الجديدة التى حدثت فى نفس اليوم.. "قوات الأمن تعلن تصفية 9 أشخاص فى شقة بالسادس من أكتوبر دون محاكمة!" فماذا أقول لزميلتى السويدية؟!.
فكرت فى وسيلة ماكرة أبرر بها هذه المرمغة، وبحثت عن إنجازات تستحق المرمغة والبوس الجماعى - "اللى حصل فى الجنازة" - فبحثت عن حرية الصحافة ولكنى وجدت أن حرية الصحافة قد حصلت على المركز الـ 159 من بين 180 دولة حسب تقرير "مراسلون بلا حدود".
بلاها صحافة. بحثت عن التعليم "ويا هناه ياهناه اللى يتعلم عندنا".. لكن التعليم المصرى قد حصل على المركز الأخير وفقًا للمنتدى الاقتصادى العالمى.
والصحة فى النازل، فقد حصلنا على المركز الأول فى الإصابة بفيرس سى والمركز الأول فى تلوث الهواء، والمركز الأول فى حوداث الطرق، وفقا لمنظمة الصحة العالمية! وأعتقد أن حصولنا على ثلاثة مراكز أولى شيئًا مشرفًا، ولكن زميلتى السويدية لن تقتنع.
أما الأسعار فقد ارتفعت حتى وصلت إلى السماء!
بحثت عن العدل فوجدت أن ضابط شرطة قد خُصم من راتبه شهرًا لأنه وضع عصا كهربائية فى مؤخرة أحد المساجين. وأن نفس الضابط قد خصم من راتبه شهرين قبل تلك الواقعة لتلفيقة قضية آداب لإحدى السيدات.
بحثت عن مطالب الثورة فوجدت أحمد دومة وعلاء عبدالفتاح وأحمد ماهر وسناء سيف وآلاف الشباب والبنات فى السجون بينما نظام مبارك يتمتع بالحرية.
بحثت عن مصر فلم أجد سوى قتل وسفك دماء واعتفالات عشوائية وأحكام إعدام وإرهاب وتحرش.
فتحت بريدى الإليكترونى فوجدت رسالة من زميلتى السويدية محتواها:
"عزيزى: أحمد.. فى 2004 تقدم رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى "ميشال جوتوديا" باستقالته لاتهامه من المجتمع الدولي بعدم التصدي لأعمال العنف.
في 2010 أعلن رئيس الوزراء الياباني "يوكيو هاتوياما" استقالته من منصبه بعد 9 أشهر من الحكم لفشله في الوفاء ببعض التعهدات التى قطعها للناخبين خلال حملته الانتخابية.
فى 2014 قدم رئيس وزراء كوريا الجنوبية شونغ هونغ استقالته على خلفية غرق عبارة واعتذر لشعبه عن عدم استطاعته منع الحادثة.
في مايو 2015 فى الأردن الشقيقة لمصر أقال العاهل الأردنى وزير الداخلية "حسين المجالي" بسبب تقارير حقوقية عن انتهاكات حدثت في السجون.
فلماذا يا عزيزى لم نسمع عن إقالة أى مسؤل مصرى فى ظل تلك الكوارث؟! ولماذا كانوا يقبلون صورة السيسى فى جنازة النائب العام؟".. فقررت أعمل لها بلوك وأريح دماغى.

01 يوليو 2015

زهير كمال يكتب: نقد فلم محو ذاكرة 2013

محو ذاكرة فلم آخر عن غزو فضائي للأرض .
أتحفتنا هوليوود بأفلام كثيرة حول هذا الحدث الخيالي، ولكن يختلف الأمر مع هذا الفلم حيث كانت الحبكة السينمائية أقوى بكثير من أفلام كثيرة وأقرب الى المنطق الى حد ما .
مثلاً في فلم يوم الاستقلال Independence day عام 1996 من تمثيل ويل سميث ، بيل بولمان وجيف جولدبلوم، كان للغزاة سفينة فضائية عملاقة تتبعها عدة سفن بقطر 500 كيلومتر للسفينة الواحدة، والغزاة مخلوقات بشعة جداً ولكن لها عقل جماعي، أما في فلم محو ذاكرة فهي سفينة واحدة بنفس ضخامة السفينة الأم ولكنها هرمية مستدقة ولا وجود لأي مخلوق فضائي داخلها، ولكنها تتمتع بقوة تدميرية أكبر بكثير مقارنة مع الفلم السابق.
ولو افترضنا جدلاً وجود غزو للأرض في المستقبل فلن يكون إلا بالسيناريو الذي طرحه الفلم. أي سفينة عملاقة تنتقل في الكون بطرق غير تقليدية تمتلك طاقة تدميرية هائلة وتتمتع بتفوق تكنولوجي رفيع.
فيلم محو ذاكرة من الأفلام الصعبة التي تحتاج تركيزاً عالياً لفهمها ولا يستطيع المشاهد معرفة القصة الكاملة للفلم إلا في نهايته، فالقصة تروى بطريقتين وكثير من المشاهد فيها عودة الى الخلف flashback وأحيانا يسير الحدث الحالي وحدث الماضي جنباً الى جنب ويختلط الأمر على المشاهد بين الحدثين.
ولهذا لم يصادف الفلم النجاح المقصود رغم جمال القصة والمناظر الخلابة والتمثيل البارع لتوم كروز ومورجان فريمان وباقي الممثلين.
أتقنت هوليوود صناعة السينما وتوضع ميزانيات ضخمة لإنتاج أفلام كهذه ولهذا فالحديث عن الموسيقى التصويرية او إختيار المشاهد او الديكور إنما تكرار لزوم له. 
فيما يلي مختصر يوضح القصة ويضعها في سياق الأحداث الطبيعي:
في عام 2017 انطلقت مركبة الفضاء اوديسا وهي تقل سبعة رواد من جنسيات مختلفة ، أبرزهم الأمريكي جاك هاربر ( توم كروز) والبريطانية فكتوريا والروسية جوليا متوجهة من كوكب الأرض في رحلة استكشاف الى القمر تيتان، أحد أقمار زحل، الذي يبعد عن كوكبنا مسافة مليار ونصف المليار كيلومتر تقريباً.
يفترض الفلم أننا وصلنا الى تقنية ( التنويم الصناعي - وقف النمو) لقطع المسافات الفلكية فالسرعة المحدودة التي وصلنا اليها حتى هذا التاريخ، تعني أن زمن الرحلة يمتد الى عشرات السنين. 
بعد أن قطعت المركبة مسافة كبيرة في الفضاء باتجاه الهدف وكان جميع الرواد في مرحلة التنويم الصناعي، ظهر على شاشات وكالة ناسا جسم فضائي على شكل هرم.
أيقظت سالي مسؤولة الاتصال في وكالة ناسا القائد جاك هاربر ومسؤولة الاتصال في المركبة اوديسا البريطانية فكتوريا للتحقق من هذا الجسم الغريب. 
حوّل جاك مسار اوديسا نحو الجسم ، ولكن بعد فترة وجد نفسه لا يستطيع السيطرة والتحكم في مركبته التي أخذت تتسارع نحو الهرم، خاف جاك على حمولته البشرية المكونة من خمسة أفراد من بينهم زوجته جوليا، ففصل قسم المركبة المحتوي على الحمولة النائمة وكان هذا القسم مبرمجاً ليعود للأرض بدون تدخل بشري.
انقطع اتصال اوديسا مع ناسا وأجبرت على الدخول الى الهرم بحمولتها البشرية المكونة من جاك هاربر وفكتوريا فقط.
وصلت سفينة الغزو الهرم (تيت) الى مسافة كافية من قمر الأرض وقامت بتدميره الأمر الذي أثر على توازن الأرض فثارت البراكين والزلازل في أماكن عديدة من الكوكب وصاحب ذلك موجات تسونامي هائلة بلغ ارتفاعها مئات الأمتار طمرت كل الأرض المنخفضة وغيرت معالم الكوكب، وكمثل على ذلك فقد غمرت الرمال والأتربة معظم ناطحات سحاب نيويورك فأصبحت تحت سطح الأرض.
لم تكن الأرض مهيأة لكوارث طبيعية بهذا الحجم الهائل، وقد تركت لتفعل فعلها في الأرض لمدة سنتين، انتشرت المجاعات خلالها ومات العدد الأكبر من سكانها، بعدها أنزل الغزاة آلاف الطائرات بدون طيار (درونات) مع آلاف الرجال مستنسخين من جاك هاربر (كلون) يقودون طائرات فضائية صغيرة عملوا تقتيلاً في من تبقى من البشر. فقد كان الرجال المستنسخون مبرمجين على أن سكان الأرض الحقيقيين هم الغزاة الذين يجب القضاء عليهم.
ولم يشر الفلم الى مصير هؤلاء الرجال المستنسخين بعد انتهاء مهمتهم ومن المؤكد أنه تم التخلص منهم، فهناك مصنع في السفينة تيت لعمل الآلاف. 
بدأت المرحلة الثانية بعد خلو الأرض من سكانها تقريباً حيث تم بناء أجهزة عملاقة تقوم باستخلاص طاقة أندماجية من ماء الكوكب.
في هذه المرحلة كان هناك مستنسخ من جاك يعيش مع مستنسخ من فكتوريا في بيت حديث راق شاهق الارتفاع تكاد تظن أنه معلق في السماء، كانت المهمة إصلاح طائرات الدرون والأجهزة العملاقة التي تتعطل بفعل التخريب ممن تبقى من ( الغزاة ).
هكذا تمت البرمجة الثانية والتي تتضمن كذلك أن جاك وفيكا سيقضيان خمس سنوات في هذه المهمة وهي المدة اللازمة لتجميع الطاقة اللازمة من أجل حياتهم على القمر تيتان، وأن سكان الأرض قد انتقلوا الى داخل الهرم تيت وينتظرون انتهاء مهمة جاك وفيكا.
ضمن البرمجة أيضاً أنه لنجاح المهمة كان جاك وفيكا مجبرين على محو ذاكرتيهما حتى لا يستفيد (الغزاة) الذين يعيشون مختبئين تحت الأرض من المعلومات الموجودة لديهما فيما لو وقعا أسيرين في أيديهم.
وحتى تكتمل مشاهد البرمجة تشير الخرائط المقدمة لجاك وفيكا والتي يعملان بموجبها الى مناطق حمراء هي مناطق الإشعاعات النووية الخطرة والتي لا يستطيع جاك تخطيها فيموت.
وهذه البرمجة تعني أنهما يعيشان وحيدين على الأرض. أما الحقيقة فهي أن هناك عدة نسخ من جاك وفيكا وصلت في الفلم الى 52 ، وبهذا تمت تغطية الكرة الأرضية ، ولكل فريق منطقة يعمل بها ولا يستطيع تخطيها خوفاً من الإشعاعات النووية كما توضح خرائط كل فريق. ويعني هذا أن أجهزة الاتصالات التي يمتلكها كل فريق محدودة وتقتصر فقط على الاتصال مع الهرم. 
يبدأ الفلم في العام 2077 مع الفني جاك وفيكا رقم 49 قبل أسبوعين من انتهاء مهمتهما تمهيداً لانتقالهما الى الهرم. يبدوان كفريق كفؤ وسعيدين لقرب انتهاء مهمتهما.
تنتاب جاك بعض الأحلام أو الرؤى ولكنها لا تؤثر على مهمته، ويبدو أن جاك غير متحمس كثيراً للانتقال الى تيتان فهو يحب الأرض وقد وجد لنفسه منتجعاً صغيراً بين الجبال لا تصله فيه اتصالات فيكا وسالي من الهرم.
جمع جاك في منتجعه السري كتباً واسطوانات قديمة ويتسلى بلعبته الرياضية المفضلة ويغفو أحياناً بجانب البحيرة على صوت الموسيقى، وجاك نفسه لا يعرف لماذا تهفو نفسه الى القديم. كان المستنسخ جاك بدون أن يدري يصارع من أجل استرجاع ذاكرة ليست له ولكنها ركن أساس من أركان شخصيته. 
فيما بعد سنكتشف ان هناك خلل ( Flow ) في صناعة التقني رقم 49 ، فالإنسان لن يكون سلعة مصنعة مثل باقي السلع وسيظل مخ الإنسان هو ذلك المجهول الكبير الذي لا يمكن فك طلاسمه.
في هذا الوقت تصل الى الأرض جزء السفينة أوديسا الذي فصله جاك الأصلي قبل ستين عاماً. تقوم أجهزة الدرون بقتل طاقمها النائم ولكن جاك رقم 49 استطاع النجاح في إنقاذ جوليا التي يراها في أحلامه ثم تتكشف الحقيقة شيئاً فشيئاً عندما يكتشف أن الغزاة المختبئين تحت السطح ما هم إلا من تبقى من سكان الأرض الأصليين ويقودهم مالكولم بيتش الذي شهد الغزو من بدايته ويمثل دوره بكفاءة مورجان فريمان.
وفي نهاية الفلم ينجح جاك رقم 49 ومالكولم بيتش في تدمير الهرم تيت بنفس القنابل الاندماجية التي يجمعها الغزاة، ويقومان بتخليص كوكب الأرض منهم.
قصة الفلم مشوقة ولو تم إخراجها بطريقة بسيطة لنجح نجاحاً ساحقاً مثل الفلم الأول للمخرج جوزيف كوسنسكي (اسطورة ترون)، ولكن تعقيد الفلم جعله صعباً على الفهم ومن ثم على الاستمتاع.
فكل أفلام الخيال العلمي والتي تلقى رواجاً ضخماً عند محبي الأفلام السينمائية تبدأ من النقطة ألف وتنتهي بالنقطة ياء.
تكمن أهمية الفلم وتتمحور قصته حول معضلات مستقبلية سنشاهدها في المدى المنظور ، فالفلم يطرح موضوع الطائرات بدون طيار ويمكننا القول إنها كانت أحد أبطال الفلم غير البشر.
في أيامنا هذه نستطيع معرفة ما يفعله الجيل الأول منها والتي تدار من قواعد بعيدة عن مكان عملياتها آلاف الكيلومترات إذ تقوم باصطياد وقتل الأفراد غير المرغوب فيهم.
أما الأجيال التالية من هذه الطائرات فستكون روبوتات طائرة وقاتلة بدون توجيه تتوجه الى منطقة ما، تصدر لها الأوامر فتقوم بالقضاء على كل ما يتحرك فيها.
أما الموضوع الثاني فهو موضوع الاستنساخ والبرمجة.
رغم أن كثير من حكومات الأرض في وقتنا هذا قد وضعت قوانين ضد استنساخ البشر وذلك لاعتبارات دينية وأخلاقية إلا أن الاستنساخ قادم لا محالة ، ففي صراع الإنسان مع قدره النهائي وهو الموت يحاول بشتى السبل التحايل والخلاص من المصير المحتم، والاستنساخ هو إحدى هذه الوسائل، فقد يستطيع غني من الأغنياء البداية من جديد بجسم شاب خال من أمراض الشيخوخة أو الحصول على قطع غيار لأعضائه القديمة بأخرى جديدة، كما تم طرح الفكرة باقتدار شديد في فلم من أفلام هوليوود باسم (الجزيرة عام 2005) The Island ( إخراج ميشيل بيه وتمثيل ايوان مكريجور وسكارلت جوهانسن).
وهذا يقودنا الى موضوع البرمجة لهذه المستنسخات ، ففي فلم الجزيرة أبقوهم أطفالاً وأسماؤهم مجرد أرقام وسيذهبون الى جزيرة رائعة في حالة وقوع القرعة عليهم، أي عندما تتم الحاجة الى أعضائهم.
أما في الفلم الحالي فهم مقاتلون أكفاء لا قدرة لأحد على مواجهتهم. أو كما قال مالكولم بيتش (مورجان فريمان) قائد المقاومة، واجهونا بأحسن ما عندنا في إشارته الى عملية تصفية البشرية في المرحلة الأولى.
ومن يعلم ماذا يخطط عسكر العالم المتقدم لحروب المستقبل سواء مستنسخين على طراز جاك هاربر أو روبوتات آلية ذكية مبرمجة لخوض المعارك ولا يؤخذ اعتبار لخسائرها.
لا يخلو الفلم من بعض الأخطاء العلمية الهامة قد لا يعرفها المشاهد العادي.
من ذلك فالقمر تيتان وقد تم وصفه بالجنة الموعودة ، هو أبعد ما يكون عن ذلك، فدرجة الحرارة على سطح القمر هي 273 - مئوية ، أي درجة الصفر المطلق للكون ، كما أن القمر هو أكبر مخزن في المجموعة الشمسية للفحم والنفط. وهذا القمر لا يحتاج الى طاقة إضافية مستوردة من مكان آخر.
وكان عليهم إختيار كوكب مجهول الاسم لهذه الجنة الموعودة.
كذلك فإن تحديد التواريخ سواء انطلاق السفينة اوديسا عام 2017 وعودة طاقمها النائم عام 2077 هو اختيار غير موفق واستعمال التنويم الصناعي - وقف النمو للطاقم هو أمر لم يتحقق بعد وربما تحتاج البشرية خمسين عاماً لإتقان هذه التقنية الهامة لغزو الفضاء. وكان على المؤلف أن لا يتقيد بالتواريخ.
في نفس الوقت صادفت المؤلف مشكلة أخرى جعلته يحدد مواعيد قريبة من زمننا هذا، وهي عدم قدرة دول الأرض على التصدي للغزو. فقد توقف الهرم تيت على بعد 500000 كيلومتر من قمر الأرض وهي مسافة الأمان الكافية حتى لا يصاب بالشظايا المتطايرة من القمر عند تدميره. وهذه المسافة تعني بعد تيت عن الأرض مسافة 800000 كيلومتر وهي مسافة فلكية بالنسبة لدول الأرض التي لن تستطيع إيصال صواريخها وقنابلها النووية اليه وإن استطاعت فمن السهل التصدي لها وتدميرها قبل وصولها. ولهذا لم يتطرق الفلم لموضوع مواجهة الغزو، فما حدث أكبر من قدراتنا الحالية في الوقت الحاضر وفي المدى المنظور.
أما بالنسبة لاستغلال مياه الأرض لعمل قنابل اندماجية، فهذه أيضاً إحدى الهفوات التي تدل على عدم دقة البحث العلمي عند المؤلف، فمن المعروف أن الاندماج الحادث في جزيئات الماء ينتج عنه الماء الثقيل الذي يستعمل في القنابل الانشطارية. وقوانين الكيمياء لا تتغير.
وهذا يقود الى الهدف من الغزو، فليس هناك ما يستدل على استفادة الغازي من هذه الطاقة التي ينتجها، يقول بيتش لجاك إنهم يتنقلون في الفضاء يمتصون طاقة كل كوكب يمرون به.
ولكن من أين لبيتش أن يعرف هذا ، فهو لم يجر أي اتصال بين الغزاة وأهل الأرض، فالغازي لم يهتم ولا يعنيه ذلك ، ما حدث أن العقل الذكي الذي يقود الغزاة تقمص شخصية سالي مندوبة الاتصالات السابقة في ناسا وذلك بغرض التفاهم مع مستنسخي جاك وفيكا المبرمجين لخدمة أغراضه. هذا كل ما احتاجه لتنفيذ غزو ناجح.
إذاً فالهدف في هذا الفلم عبثي. فلم يكن تمهيداً لوصول سكان كوكب الغزاة للحياة على الأرض أو نقل ثروات الأرض الى كوكبهم.
وهذا يقودنا الى الثروة الوحيدة التي يتميز بها كوكبنا عن غيره. فلو وضعنا الأرض في مركز كرة ومددنا نصف قطرها عدة سنوات ضوئية أو مليارات الكيلومترات لما وجدنا كوكباً يحتوي على هذه الكمية الضخمة من المياه، قد نجد بعض أقمار المشتري وزحل أو نبتون تحتوي على الثلوج ولكن لا شيء يماثل كوكبنا، ولهذا نسميه الكوكب الأزرق ولا وجود لكواكب أخرى بهذا اللون المميز.
وكان يمكن لمؤلف قصة الفلم أن يجد طريقة تجعل هدف الغزاة سرقة مياه الأرض ونقلها الى كوكبهم ، وبهذا يصبح الغزو أكثر منطقية
من المؤسف حقاً أن لا يلقى فلم ( محو ذاكرة ) رغم عدم دقة البحث العلمي النجاح الذي يستحقه.

25 يونيو 2015

د. عبدالوهاب الأفندي يكتب: تهافت الإستئصاليين: إسقاط مصر نموذجا

وفر علينا الأحبة في مصر العزيزة أطناناً من الحبر عندما أثبتوا عبر «البيان بالعمل» صحة ما ذهبنا إليه في مقال الأسبوع الماضي بأن أهم سبب لفشل مشاريع استئصال الإسلاميين، خلافاً لاستحالة أي مشروع من هذا النوع من ناحية المبدأ، هو أن القائمين على هذه المشاريع هم أعداء أنفسهم. فما أن ينجح هؤلاء في تنحية الإسلاميين من الساحة السياسية ـ علماً بأن الإسلاميين ظلوا أصلاً أقلية معارضة في كل هذه الدول- حتى يتوغلوا في مجاهل الانحطاط السياسي والأخلاقي، ويبنوا نماذج سياسية-اقتصادية تصبح تجسيداً للفساد والظلم والفشل والهزائم. ولأن هؤلاء أصلاً قدموا أنفسهم على أنهم الترياق ضد الإسلاميين، فإنهم يتحولون بالضرورة إلى أفضل دعاية للإسلاميين.
وقد تصدق علينا قراقوش القضاء المصري بعد ساعات من نشر المقال بأنصع الحجج على صحة ما ورد فيه، ليس فقط حين أصدر أحكاماً جماعية بالإعدام على قادة البلاد المنتخبين ديمقراطياً، بل بما ساقه من حجج هي أقبح من الذنب لمثل هذه «الأحكام» المأساوية-الهزلية. فبحسب قاضي العدالة، فإن المعتقلين الإخوانيين لم يهربوا فقط من السجن، ولكنهم نجحوا، وهم داخل زنازينهم، في استنفار جيوش غازية من غزة المحتلة ولبنان النائية، احتلت مصر، وشردت جيشها، وهزمت شرطتها، واجتاحت سجونها وأسقطت نظامها. ولو صح هذا الاتهام، فإن الواجب هو دعوة هذا الثلاثي من حماس-الإخوان-حزب الله إلى حكم مصر. فإذا كانت حماس قادرة، وهي محاصرة في غزة، على هزيمة أكبر جيش عربي وإسقاط النظام في أكبر دولة عربية، فأي إنجازات يمكن أن تحققها لو تملكت موارد مصر وإمكاناتها التي يحتكرها الجيش المصري الذي هزمته حماس وأذلته، بعد أن أذلته وهزمته إسرائيل، وحولته إلى شركة حماية خاصة لحدودها تحت إمرة نتنياهو، وبأجر مدفوع من دول عربية؟
وحتى نوضح حجم هذه المعجزة التي اجترحها تحالف حماس-الإخوان، والعهدة على القضاء المصري الشامخ، لا بد أن نذكر بالحقائق المعروفة حول هذه القضية، بداية باعتقال أربعة وثلاثين من قيادات الإخوان عشية «جمعة الغضب» التي دعي لها في 28 كانون الثاني/يناير 2011. وبحسب روايات تواترت، فإن احتجاز قيادات الإخوان بغرض تعويق الاحتجاجات التي اعتقد النظام المصري أنها لن تنجح بدون مشاركة الإخوان تم في مركز اعتقال بمنطقة 6 أكتوبر في القاهرة ابتداءً من فجر الجمعة 28 يناير. وبعد اعتصام المعتقلين احتجاجاً على اعتقالهم بدون إجراءات قانونية، أبلغوا يوم السبت 29 يناير بأنهم سيعرضون على النائب العام. ولكنهم فوجئوا بأن السيارة أخذتهم إلى سجن وادي النطرون الصحراوي، حيث أودعوا إحدى زنازينه. وفي أثناء الليل سمعوا أصوات صدام وإطلاق نار في السجن، وفي الصباح علموا ممن بقي من المعتقلين أن قيادة السجن وجميع حراسه فروا.
بقي معتقلو الإخوان وحدهم في زنزانتهم، عاجزين عن فتح الباب من الداخل، حتى أعانهم مساجين محررين وبعض أهالي المنطقة الذين حضروا لمشاهدة الحادث بكسر الباب.
ولدى خروجهم، حصلوا على هاتف نقال استخدمه محمد مرسي للاتصال بقناة الجزيرة، وتأكيد أنهم لم يهربوا، ولكنهم لم يجدوا سلطة لا في السجن ولا في خارجه حتى يستفسروا منها عن «موقفهم»!
أذكر هنا ـ سامحني الله- أنني سخرت من مرسي في مقالة كتبت بعد أشهر من الحادث، ونشرت في مجلة أكاديمية بريطانية في مطلع 2012، قائلاً أن الرجل كان يشبه أصحاب الكهف، لأن اليومين اللذين قضاهما في المعتقل شهدا انهيار السلطة وتغيير المشهد، بينما ظل هو يتوهم أن النظام الباطش الذي خبره ما يزال موجوداً. وقلت أن عرضه تسليم نفسه لنظام أطاحت به الثورة فعلياً يعكس الرعب الذي بثته تلك الدولة في نفوس ضحاياها، حتى أن الرجل لم يصدق أنه حر، وظل يبحث عن من يسلم نفسه له!
وبحسب مدير سجن وادي النطرون فإن مرسي ورفاقه عندما سلموا للسجن لم يتم إيداعهم بأوراق رسمية. وبحسب شهادة أحد حراس السجن، فإن جهات مجهولة بدأت إطلاق النار على السجن، مما دفع حراسه وكل طاقمه للهرب بعد أن نفدت ذخيرتهم. 
وإذا جمعنا خلاصة هذه المعلومات والشهادات، نصل إلى النتائج الحالية.
إن مرسي وصحبه أودعوا سجن وادي النطرون مساء السبت 29 يناير، بدون أوراق رسمية، وأنهم لم يكونوا يعلمون وجهتهم مسبقاً. وهذا يعني أن أي جهة بخلاف الأجهزة الأمنية لم تكن تعلم عن مكان اعتقالهم، خاصة وأنه لم تكن لديهم أجهزة اتصال. ومع ذلك فإن حماس علمت بهذا السر، وقامت خلال سويعات من استنفار جيش عرمرم من المغاوير، واستنجدت بأنصارها من حزب الله الذين تمكنوا بنفس السرعة من استنفار جند سليمان، وعبور الأراضي والأجواء والبحار وإسرائيل المسكينة غافلة، واجتياح مصر واستباحة أراضيها وسجونها، قبل أن يرتد للأمن المصري طرفه. 
وإذا أضفنا إلى هذا شهادة حراس السجن، فإن قوات حماس الباسلة أرعبت الحراس بإطلاق طلقات قليلة، ففروا تاركين السجن ومن فيه. ولا يخبرنا الشهود كيف يكون الحل لسجن محصن يتعرض لهجوم من بالخروج لمواجهة المهاجمين في الخارج، بدلاً من التحصن داخل السجن (كما يفعل حراس سجن حلب المركزي المحاصرون منذ قرابة أربع سنوات) وطلب النجدة من جيش مصر الهمام؟ وكيف سمح لهم المهاجمون بالفرار؟ ولماذا نسي مغاوير حماس إطلاق سراح مرسي وصحبه، إذا كان هذا هو ما قطعوا كل هذه الفيافي لأجله في طرفة عين؟
ولعل اهم سؤال هو: لماذا تنسج المخابرات المصرية ودولتها (فمصر دولة مختطفة حالياً من قبل جهاز المخابرات) كل هذه الترهات للتغطية على انهيار وتداعي آلتها القمعية غداة ثورة الشعب الكاسحة؟ وأليس هذا دليلاً عن غباء مزدوج لهذه المخابرات المتهافتة، حيث أنه لو صحت رواياتها المضحكة فإنه حقاً عذر أقبح من الذنب، وإعلان فشل وعجز أفدح مما لو تقبلت الحقيقة، وهي أن مؤسسات القمع انهارت، لأنها حقاً أجبن من أن تواجه شعباً أراد الحياة؟ وفوق ذلك، فإن الانهيار تمثل كذلك في تصادم هذه المؤسسات المتباغضة المتنافسة، ومساهمة بعضها عمداً أو جهلاً في تسريع الانهيار عبر استراتيجيات إجرامية مثل فتح السجون ثم الادعاء بأن حماس هي التي فتحتها!!
مهما يكن، فإن هذه الادعاءات بأن الإخوان وأنصارهم من الخارج، يعلمون الغيب، ويتحركون بسرعة الضوء، ويجترحون المعجزات، ويهزمون أجناد مصر ويمرغون أنفهم في التراب، كل ذلك في الفترة بين صلاة العشاء ووقت السحر، هي دعاية مجانية للإخوان وقدراتهم. وقبل ذلك ذهب بن علي ومبارك والقذافي والأسد وعلي عبدالله صالح إلى مزابل الخزي وكلهم يصرخ: أكلوني الإخوان! فالإخوان هم من يحاصرون دمشق، ويزلزلون القاهرة، وينتقلون بين بنغازي وعدن بأسرع من هدهد سليمان.
وقد زاد أجناد مصر الذين انتقلوا من إمرة كتشنر إلى إمرة نتنياهو فأصبحوا يتهمون كل شريف ومناصر للحرية وداعية للحق بأنه إخواني. فأوباما إخواني لأنه لم يتحمس بما يكفي لتأييد الانقلاب، ورئيس البرلمان الألماني إخواني لأنه يتعفف من تلويث يديه بمصافحة قتلة المصريين، وأمنستي وهيومان رايتس ووتش إخوانيتان لأنهما تنكران تعذيب وقتل المصريين (وليس الهنود الحمر!). فكل غيور على كرامة شعب مصر ورافض لإذلاله وتحويل مصر إلى مزرعة يملكها الطاغية، هو «إخواني».
وبعد هذا يستغرب هؤلاء أن يسارع الشباب إلى الانضمام إلى كل منظمة يذمونها بسبب هذا الذم، وليس رغماً عنه؟ فكل مذمة من ناقص فاسد عاجز هي مدح بدون الحاجة إلى الاستشهاد بأبي الطيب. فحماس لم تهاجم أو تسقط مصر، ولكن من أسقط مصر معروف وماثل أمامنا.

21 يونيو 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: إلا أن يكون معه نبيّ!

 
نجح "محمد بن عبد الله بن طاهر" في اصطياد هذه المقولة في لحظة مجردة فأرسلها مثلاً:
"ليس يفلح أحدٌ من العرب إلا أن يكون معه نبيٌّ ينصره الله به"! 
كانت هذه العبارة هي النغمة الأولي في هزيم الرعد الذي اندلع بعد قرون تحت اسم "الدولة العثمانية"، ذلك أنه قالها عندما بلغة انتصار الأتراك علي قائد عربي، ولا أتكلم عن أشخاص إنما المكان، "تركيا" لا العثمانيين فالغموض يحيط بأصولهم..
آنذاك، كان تنامي وطأة الأتراك يبدأ من جرّاء رؤية سياسية خاطئة استراتيجياً تبناها "المعتصم" وأخلص لها دائمًا دون أن يدور بباله أنه بذلك كان يزرع ألغامًا سوف تفجر الدولة العباسية من الأمام ومن الخلف ومن الجانب الآخر! 
لقد استبعد "المعتصم" العرب من إدارة الدولة واستعان بغير العرب، لكن، لدهائه وفروسيته ظل خطرهم نائمًا حتي رحل وورث " الواثق بالله" مقعده وأكبر أخطائه، فبدأ ترهلهم الذي اكتمل في خلافة "المتوكل" إلي حد تخلو معه سجلات تلك المرحلة من الأسماء العربية أو تكاد، إنما، "وصيف"، "بغا"، "باغر"، وغابة من الأسماء المستوردة!
لقد هيمنوا علي مفاصل الدولة وأعصابها حتي أصبح الخليفة مجرد لقب مطليٍّ بظلٍّ باهتٍ من اللاشئ، وحتي قتلوا "المتوكل" ووضعوا ابنه "المنتصر بالله" مكانه، حينئذٍ، وحتي سقوطها الصريح، صارت الدولة العباسية دولة فاشلة أو تكاد! 
ليس الأتراك وحدهم، الديلم أيضًا، والفرس، وصاحب المقولة "محمد بن عبد الله بن طاهر" ينحدر من عائلة فارسية لتحولاتها التي لا تصدق قصة تعكس جسامة ما يمكن أن يحدثه الصراع بين الأجنحة السياسية من انقلابات طبقية تصب دائمًا في صالح المفردات البشرية الأكثر انحطاطاً..
كان جده "زريق بن ماهان" من موالي "طلحة الطلحات"، الأمويُّ الهوي، وأجود أهل البصرة في زمانه، وابن "عبد الله بن خلف" كاتب "عمر بن الخطاب"، وأمير "سجستان" الذي قال الشاعر في رثائه:
رحم الله أعظُماً دفنوها / بسجسْتان طلحة الطلحات
عندما تغير قانون الحياة بتغير النظام الذي يحكم تمكن أبناء "زريق"، بمباركة العباسيين، من تأسيس الدولة الطاهرية في "خراسان"، أول شكل للحكم المستقل في الإسلام، أو هكذا أظن، وأصبحوا ملوكاً يفد إليهم العرب للتسول!
لا أعرف لماذا فرض الكلام عليَّ بدايته بهذا الشكل، لعله ذلك الالتحام الحميم الآن بين ما هو ديني وما هو سياسي، وبين الماضي والحاضر وما يغرِّد لي به البومُ عن بشاعة وجه القادم!
وكما أن نشأة الدولة العثمانية ملتبسة كذلك سقوطها، لقد كان سقوطها في عشرينيات القرن الماضي خبرًا لمبتدأ يعرف في أدبيات أوروبا بمعركة "ليبنتو" البحرية في القرن 16، عندما عقد العثمانيون العزم علي احتلال "قبرص" فكان هذا سبباً كافيًا لاندلاع مخاوف البابا "بيوس" الذي أرسل كتابًا إلي ملك "إسبانيا"، الكاثوليكيِّ الأكثر تزمتاً، قال فيه:
"لا توجد دولة في العالم المسيحي يمكنها أن تقف بمفردها في مواجهة الدولة العثمانية، فمن الواجب على كافة الدول المسيحية أن تتحد لكسر الغرور التركي"!
وكسروه! 
من الجدير بالذكر أن "سرڤانتس" مؤلف رواية "دون كيشوت" كان أحد الأسرى المسيحيين في "ليبنتو"!
لكن الأتراك رمَّموا جراحهم سريعًا، مع ذلك، كان الأوربيون قد كسروا حاجز الخوف ولمسوا عمق الدولة التي ليس من الصعب أن تهزم كما كانوا يعتقدون، كما ظل الائتلاف الذي شكَّله "بيوس" قائمًا حتي أجهزوا علي "رجل آسيا المريض"، وما زال قائمًا!
لقد انسحبت الدولة العثمانية إلي ركنها بعد أن نحتت في ذاكرة "أوروبا" أفكارًا سوداء، ولقد لعب العرب في سقوطها دورًا كبيرًا، وكل العائلات التي تحكم الآن الخليج ما هي إلا صديً لتلك المؤامرة، وما أشبه الليلة بالبارحة، ذلك أنهم، عندما استفحل أمر الرجل الذي أعطت إنجازاته "تركيا" وعدًا بدولةٍ محوريةٍ في العالم الكبير، يتآمرون الآن أيضًا للإجهاز علي هذا الوعد!
لا شك أن طعنة في الصميم وجهت إلي الظاهرة الأردوغانية في الانتخابات الأخيرة، لا شك أيضًا أن "أردوغان" ينحسر وتسيجه المتاعب التي سوف تتفاقم بمتوالية هندسية، النقطة الدالة في هذا الاتجاه هي شماتة دول لا تعرف الديمقراطية فيه لمجرد أنه فشل في إحراز أغلبية تمكنه من استئناف مشروعه وتصميم جسور "تركيا" الجديدة! 
إنها محنة الدهاء حين يضيع، فلا شك أن "أردوغان" كان يتعاطي مؤخرًا بخشونة أخرجته من السياسي إلي الديني في وقتٍ بلغ عنده حرج المشهد ذروته، مقارباته المتعلقة بسوريا تحديدًا، لا شك أيضًا أن لشيوخ الإمارات نبض في كل ما حدث وكل ما سوف يحدث! 
عندما تتأمل كيف يتصرف أولاد "زايد" سوف تتعب كثيرًا في التمييز بين البشر والشياطين، بل يصبح جوهر الإنسان نفسه محلاً للشك، تخيل، عائلة أفرادها لا يتجاوزون العشرات هم دائمًا كالأوتار المشدودة لتصميم الخطط التي يرسمونها لحماية عرشهم بدماء الملايين وحرياتهم وثرواتهم، وكلما ازدادت مشاعر الكراهية تجاههم من المحيط إلي الخليج سمكًا يزدادون تهورًا! 
فهل تمكن الغرور من زند "إسرائيل" الأكثر إخلاصًا وانصياعًا وغباءًا إلي هذا الحد؟
أياً كان عمق الكابوس، لقد انحسر "أردوغان" وهذا ليس كل شئ، فانحساره أول خطوة في الممر نحو عرقلة "تركيا" وانحسارها، كيف؟
الا أظن مسلمًا لم يسمع بـ "خيبر"، و لـ "تركيا" عند المسيحيين رمزية تتحد تمامًا بتلك الرمزية التي لـ "خيبر" عند اليهود، لكن الدول المعبأة بالحقد علي "تركيا" أكثر من غيرها، وتحرس أكثر من غيرها أوجاع الماضي هي دول البلقان، هذه الدول - بشكل أكثر عمقاً "صربيا" التي أضاءت للعالم بالمجازر التي ارتكبتها في حق مسلمي "البوسنة" ما يمكن أن تصنعه إسقاطات الماضي من الشر- هي العدو الذي تباشر "الإمارات" الآن برعاية إسرائيلية تربيته والعمل علي بدانته وادخاره لعرقلة "تركيا" عند الحاجة! 
وفي سياق متصل، "صربيا" هي الدولة التي منحت "محمد دحلان" وعائلته جنسيتها!
لماذا؟

17 يونيو 2015

فايز ابو شمالة يكتب: هل فشل حزب العدالة والتنمية؟


الحزب الذي حصل على نسبة 41% من أصوات الشعب التركي لم يفشل، بل فاز حزب العدالة والتنمية بثقة الشعب التركي الذي أدرك أن خياره الوحيد لمواصلة الازدهار والاستقرار هو تعزيز الثقة بحزب العدالة والتنمية، والشعب التركي ليس غيبيا، وليس غيبيا، وقد جرب عبر مساره الديمقراطي الأحزاب السياسية كلها، وجرب الحكومات الائتلافية على اختلافها، واستنتج أن خلاصه وتطوره كان قرين حزب العدالة والتنمية.
ومع ذلك، فلم يعط الشعب التركي حزب العدالة والتنمية أكثر من نسبة 41%، لم يعط الشعب التركي الحزب الذي يثق فيه النسبة التي تؤهله لتشكيل الحكومة وحيدًا، وفي الوقت نفسه لم ينكص الشعب التركي على عقبيه، إذ لم يعط ثقته لبقية الأحزاب التي توحدت ضد حزب العدالة والتنمية، ووظفت كل طاقتها لتشويه صورته، مستثمرة في ذلك الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها أكثر من قوة عالمية ضد الدولة والشعب التركي، لأنه يصر على استرجاع شخصيته الإسلامية، وبناء شخصيته الحضارية والإنسانية.
ومن الغبن أن نتجاهل تأثير الأحداث في البلاد العربية على موقف عموم الشعب التركي من الحزب الحاكم؛ حزب العدالة والتنمية، فما جرى في مصر قد أثر بشكل خطير على شعبية الحزب، وما يجري في ليبيا يجد ارتداده على حياة الناس في تركيا، ولاسيما أن حزب العدالة والتنمية لم يغب عن الساحة العربية، وظل موجودًا في قلب الحدث، مدركًا أن حدود تركيا السياسية لا ترسمها الجغرافيا، وإنما توثقها كتب التاريخ، لذلك، فإن ما يجري من أحداث عنيفة في كل من سوريا والعراق أثر بلا أدنى شكل على مزاج الشعب التركي، ولاسيما أن طول أمد الاقتتال الداخلي، قد أثر على اقتصاد تركيا بشكل مباشر، وأثر اجتماعيًّا وسياسيًّا على قسم كبير من الشعب التركي؛ الذي ينتظر نتائج الحرب الدائرة على حدوده التاريخية والجغرافية.
إضافة لما سبق، فقد تعرضت تركيا ممثلة بحكومة حزب العدالة والتنمية إلى حملة تشكيك خطيرة في السنوات الماضية، وتكفي الإشارة هنا إلى المؤامرة التي نسجت خيوطها من داخل أمريكا جماعة فتح الله كولن، حيث عمدوا إلى طعن تركيا من الداخل، ولا يمكن أن نغفل في هذا المقام دور أولئك العلمانيين المتضررين من نجاح التجربة الإسلامية، وهي تنهض مع تركيا على حساب أفكارهم، زد على ذلك ما للإعلام الصهيوني من تأثير سلبي على حياة الشعب التركي، وقد أفصحوا عن ذلك بلسان عبري، وأعربوا عن قلقهم الواسع من مستوى النجاح الباهر الذي حققه الحكم الإسلامي في تركيا، والذي اتسع مداه حتى وصل إلى حد الاشتباك اللفظي، حين اتهم اردوغان رئيسهم الإسرائيلي شمعون بيرس بالإرهاب أثناء انعقاد مؤتمر دافوس، وما تلى ذلك من محاولات شعبية تركية لفك الحصار عن غزة، وما نجم عنها من اشتباكات عنيفة، وارتقاء شهداء أتراك فوق ظهر سفينة مافي مرمرة.
كان تعليق اليهودي شمعون بيرس على نتائج الانتخابات التركية خير دليل على كراهية اليهود لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي هو خير دليل على مدى عشق الشعب الفلسطيني للسياسة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية إزاء قضايا الأمة العربية والإسلامية، لقد فرح شمعون بيرس لعدم حصول حزب العدالة والتنمية على النسبة المطلوبة لتشكيل الحكومة بشكل منفرد، وقال بمفهومه العنصري: كانت تركيا في طريقها لأن تصير إيران أخرى في المنطقة، وأن يكون لها زعيم روحي آخر مثل إيران، ولكن ذلك انتهى مع ظهور نتائج الانتخابات التركية.