أثار تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي الذي أصدره أمس الثلاثاء، منتقدا فيه أساليب جهاز الاستخبارات المركزية CIA في التعذيب خلال استجواب المعتقلين بين عامي بين 2001 وحتى أوائل 2009 في سجون سرية خارج الأراضي الأمريكية، تساؤلات عديدة حول وجود سجون سرية في الدول العربية تابعة لأمريكا.
منظمات لحقوق الإنسان، اتهمت الولايات المتحدة، منذ فترة بإقامة شبكة سجون سرية عبر العالم، إلا أن الإعلان عن تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي، يؤكد ما تناقلته وسائل الإعلام العربية والعالمية عن وجود سجون سرية في بعض الدول العربية، واستخدام أجهزة الاستخبارت الأمريكية لهذه السجون بالتعاون مع حكومات هذه الدول.
صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" الألمانية كشفت في تقرير في مارس/آذار 2010، عن انتشار السجون السرية الأمريكية في 66 دولة على الأقل، والكثير من الدول العربية ذكر اسمها في هذا التقرير، أبرزهم مصر والأردن وسوريا والمغرب.
وفي عام 2013 أعلنت منظمة حقوقية أمريكية جانبا من السرية التي أحاطت برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA الخاص بتسليم المعتقلين وتعذيبهم في السجون السوداء، مؤكدة أن 54 دولة استضافت سجونا سرية أو ساعدت في نقل أو تعذيب أشخاص يشتبه في كونهم "إرهابيين" بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول عام 2001.
المغرب
كشفت وسائل الإعلام الأمريكية في 2005، عن العثور على أشرطة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "CIA" تظهر المتهم في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، رمزي بن الشيبة، وهو يخضع للاستجواب بأحد السجون السرية في المغرب في عام 2002.
وأوضح مسئولون أمريكيون لوكالة "أسوشيتد برس" أن تلك الأشرطة التي تم اكتشافها تحت إحدى طاولات مكتب للمخابرات الأمريكية يمكن أن توفر نظرة غير مسبوقة عن كيفية مساعدة حكومات أجنبية للولايات المتحدة في اعتقال واستجواب "الإرهابيين" المشتبه فيهم، من ضمنهم المغرب.
وفي عام 2006 تحدثت مجلة "صانداي تايمز" البريطانية الأسبوعية، وصحيفة "لو سوار" التي تصدر في العاصمة البلجيكية بروكسل، حول بناء سجن سري لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الأراضي المغربية.
وأضافت الصحيفتان أن المغرب الذي يحظى بمساعدة الولايات المتحدة في هذا الشأن قد يكون بصدد بناء "مركز جديد للاعتقال والاستجواب" قرب مدينة عين عودة الواقعة بالقرب من العاصمة الرباط.
وذكرت صحيفة "لو سوار" أيضا، أن القاعدة العسكرية في بنغرير الواقعة على بعد 60 كلم من مدينة مراكش قد تكون أيضا مركزا لاعتقال الإرهابيين.
ومن جانبها نفت السلطات المغربية هذه الأخبار، وأشارت وزارة الداخلية المغربية في بيان نشر في الرباط في هذا الوقت إلى أن هذه الأنباء "مجرد إدعاءات ولا أساس لها من الصحة".
الأردن
كما كشفت منظمة العفو الدولية في تقرير لها في أغسطس/آب 2005 نقلا عن معتقلين يمنيين اثنين أبلغاها بوجود مراكز اعتقال سرية في الأردن لاحتجاز عناصر المعتقلين على خلفية اتهامهم بالانتماء لتنظيم القاعدة الدولي الذي يتزعمه أسامة بن لادن.
وقال التقرير الصادر عن المنظمة أن رجلين في أحد السجون اليمنية تحدثا إلى منظمة العفو الدولية حول كيفية احتجازهما في معتقل سري في حبس انفرادي لمدة تزيد على سنة ونصف لم يشاهدان خلالها ضوء النهار، وأشار تقرير العفو الدولية إلى أن، صلاح ناصر سالم علي، ومحمد فرج أحمد بشميلة، وهما صديقان يمنيان كانا يعيشان في إندونيسيا، أبلغا المنظمة بأنهما كانا محتجزين في مكانين منفصلين، إذ كان صلاح معتقلاً في إندونيسيا في أغسطس/آب 2003، بينما كان محمد معتقلا في الأردن في أكتوبر/تشرين الأول 2003، ثم نُقل صلاح جواً إلى الأردن.
وأضافت أن الشخصين احتجزا بمعزل عن العالم الخارجي بدون تهم أو محاكمة في أماكن غير معلومة، وكان يتولى احتجازهما واستجوابهما حراس أتوا من الولايات المتحدة، حسب قولهما، ولم يُبلغ أي منهما على الإطلاق سبب الاعتقال.
ومن جانبها، اتهمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأميركية "هيومن رايتس ووتش" الأردن بوضع أحد سجونه رهن إشارة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لكن الحكومة الأردنية نفت أيضا وجود أي سجون سرية في بلادها، ووصفت تقرير المنظمة بأنه "عار عن الصحة".
وأصدرت المنظمة الحقوقية تقريرا في أبريل/نيسان 2008 حمل عنوان "شقاء مزدوج: عمليات الترحيل الاستثنائي إلى الأردن من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية"، وقالت فيه إن الولايات المتحدة نقلت في الفترة من 2001 حتى 2004 العديد من السجناء من أفغانستان وباكستان إلى سجن المخابرات في الأردن، وأضافت أنها تمكنت من التحقق من 14 حالة على الأقل مرت بالاحتجاز في الأردن، لسجناء غير أردنيين وغير مطلوبين من الأردن.
واتهم التقرير السلطات الأردنية بأنها مارست "الإرهاب والتخويف والتعذيب والضرب والإهانات والشتائم للمحتجزين".
وأعلنت المنظمة أن معلوماتها استندت لشهادات معتقلين كانوا محتجزين في سجن جوانتنامو، وشهادات أردنيين احتجزوا في سجن المخابرات في الفترة من 2002 وحتى 2004، والتقوا بالمعتقلين الذين تم حجزهم بشكل سري في السجن نفسه.
وقال الباحث في قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، كريستوف ويلكي، إن الصليب الأحمر الدولي أوقف زياراته الدورية لسجن المخابرات في بعض الفترات التي تم احتجاز المعتقلين فيها بسبب عدم تمكين مندوبيه من مقابلة كافة السجناء وزيارة كافة طوابق المبنى"، معتبرا هذه الأدلة كافية للدلالة على ضلوع الأردن في برنامج الاحتجاز السري.
54 بلدا تورطوا في الفضيحة
وجاء في تقرير لمنظمة "مبادرة عدالة المجتمع المفتوح" التي تتخذ من نيويورك مقرا أن حكومات 54 بلدا أجنبيا شاركت في هذا البرنامج بأساليب مختلفة بما في ذلك فتح سجون سرية على أراضيها والمساهمة في القبض على المشتبه بهم ونقلهم واستجوابهم وتعذيبهم وتقديم المعلومات الاستخباراتية وفتح مجالها الجوي للرحلات السرية.
وأورد تقرير المنظمة الذي نشر اليوم الثلاثاء بالتفصيل حالات 136 ضحية معروفين تم احتجازهم سرا قائلة إن "المسؤولية عن الانتهاكات لا تقع فقط على عاتق الولايات المتحدة ولكن أيضا على عاتق عشرات من الحكومات الأجنبية التي كانت متواطئة معها".
يُشار إلى أن ما يسمى "المواقع السوداء" أقامتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاستجواب مشتبه بهم تم القبض عليهم خارج البلاد مع استخدام التعذيب.
وفي حين تم الكشف عن بعض المواقع منذ بدء البرنامج، إلا أن التقرير بعنوان "عولمة التعذيب.. برنامج وكالة الاستخبارات المركزية للاحتجاز السري والترحيل الاستثنائي" يقدم أول استعراض شامل لهذه القضية. وقد بدأ البرنامج عقب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول بالولايات المتحدة، ووفقا للتقرير، فإنه البرنامج لا يزال مستمرا بشكل أو بآخر حتى اليوم.
ويشير مصطلح "التسليم الاستثنائي" إلى نقل مشتبه به من بلد إلى آخر بعيدا عن أعين نظم العدالة الدولية. وحدد التقرير حكومات 54 دولة كانت إما تستضيف موقعا أسود أو تساعد في نقل مشتبه بهم.
عولمة التعذيب
وجاء في التقرير أن "هذه الحكومات بالمشاركة في هذه العمليات انتهكت أيضا قوانينها والقانون الدولي وضربت عرض الحائط بقواعد مكافحة التعذيب، وهو أمر ليس غير مشروع وغير أخلاقي فقط بل أيضا غير فعال في الحصول على معلومات موثوقة".
والدول المذكورة موزعة على كل القارات وهي أفغانستان، وألبانيا، والجزائر، وأستراليا، والنمسا، وأذربيجان، وبلجيكا، والبوسنة والهرسك، وكندا، وكرواتيا، وقبرص، وجمهورية التشيك، والدانمارك، وجيبوتي، ومصر، وإثيوبيا، وفنلندا، وجامبيا، وجورجيا، وألمانيا، واليونان، وهونغ كونغ، وأيسلندا، وإندونيسيا، وإيران، وايرلندا، وإيطاليا، والأردن، وكينيا، وليبيا، وليتوانيا، ومقدونيا، وملاوي، وماليزيا، وموريتانيا، والمغرب، وباكستان، وبولندا، والبرتغال، ورومانيا، والسعودية، والصومال، وجنوب أفريقيا، وإسبانيا، وسريلانكا، والسويد، وسوريا، وتايلند، وتركيا، والإمارات، وبريطانيا، وأوزبكستان، واليمن، وزيمبابوي.
وكانت إيطاليا البلد الوحيد الذي حكم على مسؤولين لتورطهم في هذه العمليات، وكندا البلد الوحيد الذي قدم اعتذارات لإحدى ضحايا هذا البرنامج، في حين دفعت كل من كندا وأستراليا وبريطانيا تعويضات للضحايا.
وأدان التقرير أيضا الولايات المتحدة التي لم تحقق إلا "بشكل محدود" في سوء معاملة معتقلين ولم تطلق أي ملاحقات قضائية. ووفق التقرير لا يبدو أن إدارة الرئيس باراك أوباما تخلت عن السجون السرية على الأجل القصير وترفض نشر الوثائق المرتبطة بهذا البرنامج.