ترجمات محمد احمد حسن
إن إطلاق النار العشوائي الذي قامت به حماس و منظمات المقاومة الفلسطينية الأخرى ضد إسرائيليين وخطف المدنيين و إطلاق وابل من الصواريخ تجاه اسرائيل و هجمات الطائرات المسيرة على أهداف متنوعة يعد اللغة ذاتها التي يتحدث بها المحتل الاسرائيلى . فلطالما تحدثت اسرائيل بهذه اللغة العنيفة الموغلة في الدم منذ قيام الميليشيات الصهيونية بمصادرة 78% من ارض فلسطين التاريخية و قيامها بتدمير
350 مدينة و قرية فلسطينية و قتل 15000 فلسطيني في أكثر من سبعين مجزرة . و قد أقيمت إسرائيل عام 1948 على جثث 750000 فلسطيني مورس التطهير العرقي ضدهم ما بين 1947 حتى عام 1949 .إن رد فعل إسرائيل على هذه التحركات المسلحة سيكون هجوما يقترب من الإبادة الجماعية . سوف تقتل إسرائيل عددا كبيرا من الفلسطينيين مقابل كل اسرائيلى قتل . إن مئات الفلسطينيين قد قتلوا بالفعل من جراء الغارات الجوية الإسرائيلية منذ انطلاق عملية ( طوفان الأقصى ) و التي أدت إلى مقتل عدد كبير من الإسرائيليين
يعد ممارسة الانتقام الجماعي ضد الأبرياء تكتيكا مألوفا و معمولا به لدى الحكام الاستعماريين . نحن قمنا به ( كأمريكيين بيض ) ضد سكان أمريكا الأصليين ( الهنود الحمر ) و في الفلبين و فيتنام فيما بعد . و قام به الألمان ضد قبائل الهيريرو و الناماك في ناميبيا . و قام به البريطانيون في كينيا و جزر الملايو و قام به النازيون في المناطق التي احتلوها في الاتحاد السوفييتي و أوروبا الوسطى و الشرقية . و تتبع إسرائيل نفس النموذج و هو (( القتل من اجل القتل )) و (( الوحشية من اجل الوحشية )) . و لكن المحتل دائما ما يبادر بهذه الرقصة المميتة و يتاجر بأكوام من الجثث من اجل سفك دماء جثث أكثر .
هذا ليس دفاعا عن جرائم الحرب التي ارتكبها اى جانب و ليس إشادة بالهجمات . لقد رأيت ما يكفى من العنف في المناطق التي احتلتها إسرائيل حيث قمت بتغطية الصراع لمدة 7 سنوات لكي أكره العنف . و لكن هذا التعقيد يعد مألوفا في كل المشروعات الاستيطانية الاستعمارية . حيث أن النظم المفروضة بالعنف تواجه عنفا مضادا . لنضرب أمثلة بحرب التحرير في هاييتي و ما فعله الماو ماو في كينيا و المؤتمر الوطني الافريقى في دولة جنوب إفريقيا و هذه الانتفاضات قد لا تنجح بالضرورة و لكنها اتبعت النماذج المألوفة . و الفلسطينيون مثل كل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال لديهم الحق في المقاومة المسلحة وفقا للقانون الدولي .
لم تكن لدى إسرائيل أية مصلحة قط في تسوية عادلة مع الفلسطينيين . فقد أنشأت دولة فصل عنصري ( ابارتهيد ) و استولت على مساحات اكبر و اكبر من الأرض الفلسطينية ضمن حملة تطهير عرقي بطيئة الوتيرة . و قد حولت غزة منذ عام 2007 إلى اكبر سجن مفتوح في العالم .
كيف يمكنك أن تحشر 2 مليون شخص في غزة نصف أولئك يعانون من البطالة في واحدة من أكثر بقاع الكوكب اكتظاظا بالسكان لمدة 16 عاما نصفهم من الأطفال و توصلهم إلى حد الكفاف عبر حرمانهم من الإمدادات الطبية الأساسية و المياه و الكهرباء و الغذاء و تستخدم الغارات الجوية و سلاح المدفعية و الصواريخ و وحدات المشاة في ارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل بشكل عشوائي و لا تتوقع ردا عنيفا ؟ إن إسرائيل تقوم حاليا بسلسلة من الهجمات الجوية على غزة و تعد العدة لاجتياح برى و قطعت الكهرباء عن غزة و التي تعمل عادة لمدة تتراوح بين ساعتين و اربع ساعات فقط في اليوم .
لا شك أن كثيرا من مقاتلي المقاومة الذين تسللوا إلى إسرائيل كانوا يعرفون أنهم سيلاقون حتفهم لا محالة . و لكن مثل مقاتلي المقاومة في حروب التحرير الأخرى قد قرروا أنه إذا لم يستطيعوا اختيار الطريقة التي يحيون بها فإنهم سيختارون الطريقة التي سيموتون بها .
لقد كنت صديقا مقربا للسيدة الينا مارجوليس ايلدمان التى كانت جزءا من المقاومة المسلحة في انتفاضة جيتو وارسو في الحرب العالمية الثانية . و كان زوجها ماريك ايلدمان نائبا لقائد الانتفاضة و القائد الوحيد الذي نجا من أهوال الحرب .حيث حاصر النازيون 400000 يهودي بولندي داخل جيتو وارسو . و قد مات اليهود المحاصرون بالآلاف من الجوع و الأمراض و العنف العشوائي . و حينما بدأ النازيون في نقل اليهود المتبقين إلى معسكرات الابادة واصل مقاتلو المقاومة عملهم و لم يكن احد يتوقع أن ينجو .
بعد الحرب أدان ايلدمان الصهيونية كإيديولوجية مستخدمة لتبرير سرقة الأرض الفلسطينية و وقف إلى جانب الفلسطينيين و كان داعما لمقاومتهم المسلحة و التقى مرارا و تكرارا مع القادة الفلسطينيين . و بينما تتحدث إسرائيل متشدقة بأسطورة انتفاضة الجيتو فإنها عاملت القائد الناجى الوحيد للانتفاضة الذي رفض مغادرة بولندا باعتباره منبوذا . أدرك ايلدمان أن درس الهولوكست و انتفاضة الجيتو هو ان اليهود ليسوا ضحايا أبديين أو متفوقين أخلاقيا حسبما قال . فالتاريخ ملك للجميع حسبما قال ايلدمان . فالشعوب المقموعة بما في ذلك الفلسطينيون لديها الحق في القتال من اجل المساواة و الكرامة و الحرية .
و قد قال ايلدمان (( أن تكون يهوديا يعنى أن تقف دائما مع المظلومين و ألا تقف في صف الظالم أبدا ))
لطالما ألهمت انتفاضة وارسو الفلسطينيين . حيث اعتاد ممثلو منظمة التحرير الفلسطينية وضع إكليل الزهور على النصب التذكاري لجيتو وارسو في الاحتفال السنوي للانتفاضة .
إن العنف المفرط الذي يمارسه المستعمر لإخضاع الشعب الواقع تحت الاحتلال يتحول هو بدوره إلى وحش كاسر . حيث يسيطر على الحكومة الإسرائيلية حاليا المتطرفون اليهود و الصهاينة المتعصبون دينيا الذين يفككون الديمقراطية الإسرائيلية و يدعون إلى الطرد الشامل للفلسطينيين أو قتلهم بما في ذلك الفلسطينيون الذين يعيشون في إسرائيل .
و قد حذر الفيلسوف الاسرائيلى يهوشوا ليبوفيتز الذي اعتبره الفيلسوف ايزيا برلين (( ضمير اسرائيل )) من أنه إذا لم تقم إسرائيل بالفصل بين الدولة و الدين فإن ذلك سيؤدى لقيام مؤسسة دينية حاخامية فاسدة سوف تحول الديانة اليهودية إلى طائفة دينية فاشية .
و قد أدرك أن التمجيد الأعمى للجيش خصوصا بعد حرب 1967 التي أدت لاحتلال سيناء المصرية و قطاع غزة و الضفة الغربية ( بما في ذلك القدس الشرقية ) و مرتفعات الجولان السورية كان أمرا خطيرا و سوف يؤدى إلى الدمار الشامل لإسرائيل و لاى أمل في الديمقراطية .
و واصل تحذيره قائلا (( إن موقفنا سيتدهور إلى يصبح فيتنام ثانية و إلى أن يصبح حربا في تصعيد مستمر دون اى أفق للحل الشامل ))
و تنبأ بالتالي (( سيكون العرب عمالا و سيكون اليهود في مناصب المديرين و المفتشين و المسئولين الرسميين و قادة الشرطة خصوصا الشرطة السرية بشكل رئيسي . إن دولة تحكم شعبا معاديا لها يتراوح ما بين 1.5 و 2 مليون مواطن اجنبى سوف تصبح بالضرورة دولة بوليسية . إن الشخصيات الفاسدة هي التي ستسود في دولة إسرائيل . و سيكون على الإدارة أن تقمع التمرد العربي من ناحية و من ناحية أخرى استقطاب المتعاونين من العرب . و هناك سبب منطقي للتخوف من أن الجيش الذي لا يزال حتى الآن جيشا للشعب لكونه تحول إلى جيش احتلال سيكون جيشا منحطا و أن قادته الذين سيصبحون حكاما عسكريين سيكونون مشابهين لزملائهم في الأمم الأخرى ))
و رأى أن الاحتلال الممارس بحق الفلسطينيين لمدة طويلة سينتج عنه حتما (( معسكرات اعتقال )) . و حينها (( لن تستحق إسرائيل الوجود و لا تستحق الجهد المبذول من اجل الحفاظ على كيانها )) حسبما قال
إن إسرائيل مقتنعة أن ممارسة أعلى مستويات العنف سوف تحطم الطموحات الفلسطينية . إن إسرائيل مخطئة في ذلك . فالإرهاب الذي تمارسه سيرتد عليها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق