23 أكتوبر 2023

كريس هيدجز يكتب: الفلسطينيون يتحدثون لغة العنف التي علمتهم إسرائيل إياها

 

ترجمات محمد احمد حسن

إن إطلاق النار العشوائي الذي قامت به حماس و منظمات المقاومة الفلسطينية الأخرى ضد إسرائيليين وخطف المدنيين و إطلاق وابل من الصواريخ تجاه اسرائيل و هجمات الطائرات المسيرة على أهداف متنوعة يعد اللغة ذاتها التي يتحدث بها المحتل الاسرائيلى . فلطالما تحدثت اسرائيل بهذه اللغة العنيفة الموغلة في الدم منذ قيام الميليشيات الصهيونية بمصادرة 78% من ارض فلسطين التاريخية و قيامها بتدمير

350 مدينة و قرية فلسطينية و قتل 15000 فلسطيني في أكثر من سبعين مجزرة . و قد أقيمت إسرائيل عام 1948 على جثث 750000 فلسطيني مورس التطهير العرقي ضدهم ما بين 1947 حتى عام 1949 . 

إن رد فعل إسرائيل على هذه التحركات المسلحة سيكون هجوما يقترب من الإبادة الجماعية . سوف تقتل إسرائيل عددا كبيرا من الفلسطينيين مقابل كل اسرائيلى قتل . إن مئات الفلسطينيين قد قتلوا بالفعل من جراء الغارات الجوية الإسرائيلية منذ انطلاق عملية ( طوفان الأقصى ) و التي أدت إلى مقتل عدد كبير من الإسرائيليين 

 يعد ممارسة الانتقام الجماعي ضد الأبرياء تكتيكا مألوفا و معمولا به لدى الحكام الاستعماريين . نحن قمنا به ( كأمريكيين بيض ) ضد سكان أمريكا الأصليين ( الهنود الحمر ) و في الفلبين و فيتنام فيما بعد . و قام به الألمان ضد قبائل الهيريرو و الناماك في ناميبيا . و قام به البريطانيون في كينيا و جزر الملايو و قام به النازيون في المناطق التي احتلوها في الاتحاد السوفييتي و أوروبا الوسطى و الشرقية . و تتبع إسرائيل نفس النموذج و هو (( القتل من اجل القتل )) و (( الوحشية من اجل الوحشية )) . و لكن المحتل دائما ما يبادر بهذه الرقصة المميتة و يتاجر بأكوام من الجثث من اجل سفك دماء جثث أكثر . 

هذا ليس دفاعا عن جرائم الحرب التي ارتكبها اى جانب و ليس إشادة بالهجمات . لقد رأيت ما يكفى من العنف في المناطق التي احتلتها إسرائيل حيث قمت بتغطية الصراع لمدة 7 سنوات لكي أكره العنف . و لكن هذا التعقيد يعد مألوفا في كل المشروعات الاستيطانية الاستعمارية . حيث أن النظم المفروضة بالعنف تواجه عنفا مضادا . لنضرب أمثلة بحرب التحرير في هاييتي و ما فعله الماو ماو في كينيا و المؤتمر الوطني الافريقى في دولة جنوب إفريقيا و هذه الانتفاضات قد لا تنجح بالضرورة و لكنها اتبعت النماذج المألوفة . و الفلسطينيون مثل كل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال  لديهم الحق في المقاومة المسلحة وفقا للقانون الدولي .  

لم تكن لدى إسرائيل أية مصلحة قط في تسوية عادلة مع الفلسطينيين . فقد أنشأت دولة فصل عنصري ( ابارتهيد ) و استولت على مساحات اكبر و اكبر من الأرض الفلسطينية ضمن حملة تطهير عرقي بطيئة الوتيرة . و قد حولت غزة منذ عام 2007 إلى اكبر سجن مفتوح في العالم . 

 كيف يمكنك أن تحشر 2 مليون شخص في غزة نصف أولئك يعانون من البطالة في واحدة من أكثر بقاع الكوكب اكتظاظا بالسكان لمدة 16 عاما نصفهم من الأطفال و توصلهم إلى حد الكفاف عبر حرمانهم من الإمدادات الطبية الأساسية و المياه و الكهرباء و الغذاء و تستخدم الغارات الجوية و سلاح المدفعية و الصواريخ و وحدات المشاة في ارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل بشكل عشوائي و لا تتوقع ردا عنيفا ؟ إن  إسرائيل تقوم حاليا بسلسلة من الهجمات الجوية على غزة و تعد العدة لاجتياح برى و قطعت الكهرباء عن غزة و التي تعمل عادة لمدة تتراوح بين ساعتين و اربع ساعات فقط في اليوم . 

لا شك أن كثيرا من مقاتلي المقاومة الذين تسللوا إلى إسرائيل كانوا يعرفون أنهم سيلاقون حتفهم لا محالة . و لكن مثل مقاتلي المقاومة في حروب التحرير الأخرى قد قرروا أنه إذا  لم يستطيعوا اختيار الطريقة التي يحيون بها فإنهم سيختارون الطريقة التي سيموتون بها . 

لقد كنت صديقا مقربا للسيدة الينا مارجوليس ايلدمان التى كانت جزءا من المقاومة المسلحة في انتفاضة جيتو وارسو في الحرب العالمية الثانية . و كان زوجها ماريك ايلدمان نائبا لقائد الانتفاضة و القائد الوحيد الذي نجا من أهوال الحرب .حيث حاصر النازيون 400000 يهودي بولندي داخل جيتو وارسو . و قد مات اليهود المحاصرون بالآلاف من الجوع و الأمراض و العنف العشوائي . و حينما بدأ النازيون في نقل اليهود المتبقين إلى معسكرات الابادة واصل مقاتلو المقاومة عملهم و لم يكن احد يتوقع أن ينجو . 

بعد الحرب أدان ايلدمان الصهيونية كإيديولوجية مستخدمة لتبرير سرقة الأرض الفلسطينية و وقف إلى جانب الفلسطينيين و كان داعما لمقاومتهم المسلحة و التقى مرارا و تكرارا مع القادة الفلسطينيين . و بينما تتحدث إسرائيل متشدقة بأسطورة انتفاضة الجيتو فإنها عاملت القائد الناجى الوحيد للانتفاضة الذي رفض مغادرة بولندا باعتباره منبوذا . أدرك ايلدمان أن درس الهولوكست و انتفاضة الجيتو هو ان اليهود ليسوا ضحايا أبديين أو متفوقين أخلاقيا حسبما قال . فالتاريخ ملك للجميع حسبما قال ايلدمان . فالشعوب المقموعة بما في ذلك الفلسطينيون لديها الحق في القتال من اجل المساواة و الكرامة و الحرية . 

و قد قال ايلدمان (( أن تكون يهوديا يعنى أن تقف دائما مع المظلومين و ألا تقف في صف الظالم  أبدا )) 

لطالما ألهمت انتفاضة وارسو الفلسطينيين . حيث اعتاد ممثلو منظمة التحرير الفلسطينية وضع إكليل الزهور على النصب التذكاري لجيتو وارسو في الاحتفال السنوي للانتفاضة . 

إن العنف المفرط الذي يمارسه المستعمر لإخضاع الشعب الواقع تحت الاحتلال يتحول هو بدوره إلى وحش كاسر . حيث يسيطر على الحكومة الإسرائيلية حاليا  المتطرفون اليهود و الصهاينة المتعصبون دينيا الذين يفككون الديمقراطية الإسرائيلية و يدعون إلى الطرد الشامل للفلسطينيين أو قتلهم بما في ذلك الفلسطينيون الذين يعيشون في إسرائيل . 

و قد حذر الفيلسوف الاسرائيلى يهوشوا ليبوفيتز الذي اعتبره الفيلسوف ايزيا برلين (( ضمير اسرائيل )) من أنه إذا لم تقم إسرائيل بالفصل بين الدولة و الدين فإن ذلك سيؤدى لقيام مؤسسة دينية حاخامية فاسدة سوف تحول الديانة اليهودية إلى طائفة دينية فاشية . 

و قد أدرك أن التمجيد الأعمى للجيش خصوصا بعد حرب 1967 التي أدت لاحتلال سيناء المصرية و قطاع غزة و الضفة الغربية ( بما في ذلك القدس الشرقية ) و مرتفعات الجولان السورية كان أمرا خطيرا و سوف يؤدى إلى الدمار الشامل لإسرائيل و لاى أمل في الديمقراطية . 

و واصل تحذيره قائلا (( إن موقفنا سيتدهور إلى يصبح فيتنام ثانية و إلى أن يصبح حربا في تصعيد مستمر دون اى أفق للحل الشامل )) 

و تنبأ بالتالي (( سيكون العرب عمالا و سيكون اليهود في مناصب المديرين و المفتشين و المسئولين الرسميين و قادة الشرطة خصوصا الشرطة السرية بشكل رئيسي . إن دولة تحكم شعبا معاديا لها يتراوح ما بين 1.5 و 2 مليون مواطن اجنبى سوف تصبح بالضرورة دولة بوليسية  . إن الشخصيات الفاسدة هي التي ستسود في دولة إسرائيل . و سيكون على الإدارة أن تقمع التمرد العربي من ناحية و من ناحية أخرى استقطاب المتعاونين من العرب . و هناك سبب منطقي للتخوف من أن الجيش الذي لا يزال حتى الآن جيشا للشعب لكونه تحول إلى جيش احتلال سيكون جيشا منحطا و أن قادته الذين سيصبحون حكاما عسكريين سيكونون مشابهين لزملائهم في الأمم الأخرى )) 

و رأى أن الاحتلال الممارس بحق الفلسطينيين لمدة طويلة سينتج عنه حتما (( معسكرات اعتقال )) . و حينها (( لن تستحق إسرائيل الوجود و لا تستحق الجهد المبذول من اجل الحفاظ على كيانها )) حسبما قال 

إن إسرائيل مقتنعة أن ممارسة أعلى مستويات العنف سوف تحطم الطموحات الفلسطينية . إن إسرائيل مخطئة في  ذلك . فالإرهاب الذي تمارسه سيرتد عليها .

ليست هناك تعليقات: