22 أكتوبر 2023

المجازر التطبيق العملي لأوامر التوراة (1)

غدر يهودي .. مؤامرة عربية وبريطانية .. بطولة فلسطينية

بقلم :مصطفى إنشاصي

عندما تذكر المجازر والمذابح الصهيونية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين عامي 1947-1948 ضد القرى والمدن الفلسطينية، والتي أدت إلى تهجير وتشريد الجماهير الفلسطينية من وطنها، لا يذكر منها إلا المشاهد الفظيعة والبشعة المختلفة التي قام بها الصهاينة ومثلوا فيها بالقتلى والناجين أيضا، ما يصور للقارئ أن الفلسطينيين قد ذبحوا على يد الغدر اليهودي ذبح النعاج، وكأنهم لم يدافعوا عن أنفسهم قبل أن يتمكن الصهاينة

من ارتكاب جرائمهم البشعة بحقهم، ويتخيل القارئ أنهم تركوا وطنهم دون مقاومة أو قتال، ولم يحاولوا الدفاع عن بيوتهم وأرضهم، وأن مجرد ذكر اسم اليهودي كان كفيلا بأن يهجر السكان من قراهم ومدنهم.

إن هذا الفهم الذي يتخيله البعض عند ذكر المجازر الصهيونية غير صحيح، لأن الحقائق التاريخية وشهادات الشهود تؤكد على الحقائق الآتية:

الباحث مصطفى انشاصي

* غدر اليهود: ما من مجزرة قام بها اليهود ضد قرية أو مدينة فلسطينية إلا وكان الغدر شيمتها وعنوانها، وغالبا ما كانت تلك القرى تكون في حالة سلم مع المغتصبات اليهودية المجاورة لها، وعلى رأسها قرية دير ياسين، ولكن اليهود طبعهم نقض العهود والمواثيق، والغدر بالمسالمين.

* مؤامرة عربية وبريطانية: لقد أثبتت وقائع وأحداث النكبة ومعاركها، أن الجيوش العربية ما دخلت إلى فلسطين كي تحررها ولكن دخلت كي تسلمها لأعداء الأمة، وذلك بتواطؤ مع المحتل البريطاني وإن اختلف أسلوب كل منهما. فإن كان المحتل البريطاني الذي تولى مهمة زرع كيان العدو الصهيوني في قلب الأمة والوطن ـ فلسطين ـ نيابة عن الغرب الصليبي، فلا عجب أن يقوم بالتنسيق بينه وبين العصابات الصهيونية قبل الانسحاب من أي مدينة أو قرية فلسطينية، وتسليمهم المراكز التي كانت بأيديهم، ويمكنهم من أخذ أهلها على حين غرة، فترتكب ضدهم العصابات الصهيونية أبشع الجرائم وحشية، لتكرههم على ترك بيوتهم وأرضهم، ولكن العجب هو موقف الجيوش العربية في كل تلك المجازر، وهي التي جاءت من أجل إنقاذ فلسطين وحماية أهلها، الذي تمثل في عدم تلبية نداءات الاستغاثة التي كانت تطلقها كل مدينة أو قرية فلسطينية ارتكبت فيها مجزرة صهيونية بشعة. أضف إلى ذلك أنه بعد مجزرة دير ياسين، التي خلعت قلوب الكثير من أهالي القرى التي لم يكن يتوفر فيها من يدافع عنها، رفع تقرير إلى الجامعة العربية عن حالة السلاح وعدد المقاتلين في المدن والقرى الفلسطينية، وطلب فيه تقوية المقاتلين وتزويدهم بالسلاح الكافي ليتمكنوا من الدفاع والحفاظ على ما تبقى من فلسطين، ولكن الجامعة العربية لم تستجب لهذا المطلب. 

* بطولات فلسطينية: في الوقت نفسه إن الحقائق الثابتة عن تلك المجازر الصهيونية، وموقف أهل فلسطين من تلك المؤامرة على وطنهم، أنهم لم يستسلموا، وكانوا يرفضون الخروج من بيوتهم وأراضيهم في معظم الأوقات خوفا من الذبح أو القتل، وهم يعلمون بمصيرهم هذا، وأنهم قاوموا حتى آخر طلقة بأيديهم، وأنه لم تسقط مدينة أو قرية فلسطينية من تلك المدن والقرى التي ارتكبت فيها العصابات الصهيونية أبشع المجازر، إلا بعد مقاومة مستميتة من شباب ورجال تلك المدن والقرى المدافع عنها، وبمشاركة بطولية من الأهالي في تحميس المقاتلين ومساعدتهم، وبعد ضرب أروع الأمثلة في البطولة والفداء والتضحية والصمود، وتكبيد تلك العصابات الصهيونية عشرات القتلى، ولم تتمكن تلك العصابات من دخولها إلا بعد أن تنفذ ذخيرة المقاتلين.

هذا ما أحببت أن أؤكد عليه من البداية توضيحا للحقيقة، لأنه عندما يكتب البعض عن المذابح والمجازر الصهيونية التي ترتكب في فلسطين، يركز فقط على البشاعة اليهودية التي مورست ضد أهلنا في فلسطين، ولا يتطرق كثيراً إلى الدور العربي في ضياع فلسطين وذبح أهلها، ولا ترفع عن أولئك الشهداء، والضحايا من الأحياء الذين تم تهجيرهم وتشريدهم، بعضا من الغبن والتشويه الذي ألحقته بهم الحكومات العربية ووسائل إعلامها، للتغطية على التقصير والمؤامرة التي ارتكبتها في حق فلسطين وأهلها، ولم تحاول أن تحفظ لهم بعضا من قدرهم، ما يصورهم للقارئ وكأنهم ذبحوا ذبح النعاج ولم يدافعوا عن أنفسهم، أو أنهم لم يصمدوا في وطنهم ما وسعهم ذلك. ولدينا مثال حي، فلنتأمل التعاطي العربي سياسيا وإعلاميا مع ثورة الأقصى/ انتفاضة الأقصى التي مر عليها خمس سنوات، التي قلما يتم الحديث فيها بتفاصيل عن الموقف العربي المتآمر، أو عن البطولات التي تقدمها يوميا الجماهير الفلسطينية، دفاعا عن كل بيت، وعرض عربي ومسلم، في كل عاصمته وقرية عربية وإسلامية، ولكن نسمع هنا أو هناك عن بشاعة الجرائم الصهيونية التي ترتكب ضد الجماهير في فلسطين، ويا ليتها تحرك الضمائر الميتة!

ليست هناك تعليقات: