20 يناير 2018

المفكر القومي محمد سيف الدولة يكتب: #المصرى_الغريق


مساكين المصريين، مثلهم مثل الغريق الذى يبحث عن اى قشايةً يتعلق بها، ربما تنقذه من مصيره المحتوم بالموت غرقا.
ما ان سمع البعض بنية #سامى_عنان الترشح فى انتخابات رئاسة الجمهورية، حتى عاد لهم الأمل الذى كان قد مات وشبع موت فى السنوات والشهور الاخيرة، لعله ينقذهم من الثقل الكابس على انفاسهم المتمثل فى #عبد_الفتاح_السيسى الذى لا يعلم احد اين كانت تخبؤه لنا الاقدار، رجل متوسط الذكاء، قليل الخبرة، كثير الغرور، دموى مستبد يكره الشعب ويتفنن فى إفقاره وايذائه بكل ما أوتى من سلطة ونفوذ، جاء بعد سنوات قليلة من ثورة يناير اكبر حدث انسانى عاشه المصريين منذ عقود وقرون طويلة، ثورة أعادت اليهم الثقة فى آدميتهم وردت لهم كرامتهم، وأفاضت عليهم من الحريات ما لم يكن يخطر لهم على بال، فاذا به يعصف بها وبكل مكتسباتها ويطارد كل من شارك فيها وينتقم منه كل حسب قوته وخطورته عليه وعلى عرشه، فأعادنا قرونا الى الوراء، حتى اصبحت الناس تترحم على حسنى مبارك وأيامه وهوامش الحريات الضئيلة التى كانت موجودة فى سنوات حكمه.
…………….
جعل الناس تكره حياتها وتهجر بلادها، فأصبح حلم غالبية الشباب هو الهرب من البلد والهجرة الى اى بقعة من بقاع الارض، يأمن فيها على نفسه وآدميته، بعدما رآه من مذابح جماعية واعتقالات لعشرات الالاف واحكام بالإعدام بالجملة، وحظر وتحريم وتجريم الانفاس على اى شخص او جهة معارضة، وبعد ان ضرب الناس فى معايشها، وتسبب فى افقار الغالبية العظمى من الشعب، وزاد الفقراء فقرا وعوزا، وبعد ان باع الارض وتدفأ باسرائيل وبايع ترامب على الملأ ولم يترك قيمة وطنية او إنسانية الا وتحداها واعتدى عليها وأهدرها، وبعد ان انتقى أردأ خلق الله من صبيان الفرز الثالث والرابع من رجال مبارك، فأصبحوا هم أهله وعشيرته، فى الاعلام والبرلمان وفى المشهد العام بأكمله.
………………….
فلما جاء موعد #الانتخابات_الرئاسية قررت غالبية الناس المقاطعة، الا نَفَر قليل قرر دعم #خالد_على تكريما له على شجاعته وإقدامه و دوره فى قضية #تيران_وصنافير ، مع قناعة داخلية راسخة بانه لا أمل له البتة فى النجاح فى ظل انعدام كامل للمنافسة واستحواذ تام للسيسى واجهزته وجماعات المصالح المرتبطة به على كل مؤسسات الدولة وإمكانياتها.
………………….. 
فلما أذاع سامى عنان بيانه الذى أعلن فيه ترشحه للانتخابات الرئاسية، اذا باليأس العميق يتراجع خطوة لدى البعض، ويظهر لهم بصيص من الأمل فى ازاحة هذا الكابوس، فالرجل من بطن الدولة العميقة وكان منذ سنوات قليلة من اهم صناع القرار فيها، وهو على دراية بكل اسرارها وكواليسها وتوازناتها وصراعاتها الداخلية وحيلها ومؤامراتها وأساليبها وألاعيبها القذرة فى تصفية الخصوم والمعارضين والمنافسين، وكان على علاقة وثيقة بالدوائر الاقليمية والدولية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية، مثله فى ذلك مثل السيسى وربما أكثر، ولا يمكن ان يقدم على خطوة مماثلة دون ان يكون قد اجرى اتصالاته وضبّط ضماناته وعمل حساباته جيدا ورأى انه قادر على التعامل مع كل هذه الملفات والجهات والمؤسسات والالاعيب، وبالتالى فقد يكون له فرصة حقيقية فى النجاح.
فلماذا لا يدعموه، حتى وان كانوا يعلمون انه من نفس الصنف، وان التوجهات العامة والأساسية لن تختلف كثيرا، ولكنه على الأقل يمكن اذا نجح ان يمارس بعض الرشد بدلا من الجنون السائد اليوم، وان يضخ ولو "سرسوب" من الأكسجين لكى تستطيع الناس ان تواصل التنفس بعد ان شارفت على الاختناق.
يريدون استراحة ولو مؤقتة من ماكينة الاستبداد والإفقار الرهيبة التى نعيش فيها اليوم.
……………..
اما احلامهم الأصلية، احلام ثورة يناير، بحرياتها وثوارها وشعاراتها ورموزها، فهى تبدو اليوم من رابع المستحيلات، وليس فى المستقبل المنظور اى أمل فى اى تغيير ثورى حقيقى فى مصر.
انهم بالفعل كالغريق الذى يبحث عن قشاية تنجيه من الموت المحقق، او كمن يلتف حبل المشنقة حول رقبته، ويجيئه فى لحظاته الاخيرة من يعده بالنجاة من الإعدام، فيرتمى فى احضانه بدون تفكير ولا تدبير. مسكينة يا مصر، كنت فين وبقيت فين؟

زهير كمال يكتب : المتخاذلون

"إذا شفتوا واحد حامل صاروخ طخوه"
 أي إذا  رأيتم مقاوماً يحمل صاروخاً اقتلوه! 
هذه العبارة التي قيلت باللهجة الفلسطينية قالها محمود عباس لقواته الأمنية في وقت ما من التاريخ عندما كان يشعر بالقوة وكانت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تجري على قدم وساق وكان يشعر أن الدولة قاب قوسين أو أدنى. أما آخر عبارة قالها بخصوص رأيه في المقاومة فقد كانت أثناء محادثات إنهاء الانقسام،  فقد قال إنه لا يريد تجربة حزب الله أن تتكرر في غزة.
غريبة هذه العبارة (تجربة حزب الله) المرفوضة والتي يكررها عرب (الاعتدال)  فقد قالها محمد سلمان ولي العهد السعودي وهو يتحدث عن أنصار الله في اليمن.
استمرت مفاوضات الحل النهائي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل منذ اتفاق أوسلو عام 1993 وحتى شهر إبريل 2014 حيث قامت إسرائيل بإيقافها من طرف واحد ، وخلال إحدى وعشرين سنة كانت السلطة تقدم التنازلات تلو التنازلات وعندما أدركت إسرائيل أن الأمر استتب لها وأن السلطة قد استنفدت أغراضها ولم يعد لها ما تقدمه حسمت الأمر رغم همهمات المجتمع الدولي.
وكانت هذه هي النقطة الفاصلة بين موقفين وخيارين.
تلك اللحظة من التاريخ،  كانت السلطة على مفترق طرق حقيقي .
إغلاق إسرائيل مفاوضات الحل النهائي يعني بوضوح أن على الجانب الفلسطيني اتخاذ مسار آخر، فرفضها لليد الفلسطينية الممدودة بغصن الزيتون والتنازل الطوعي عن 78% من أرض فلسطين التاريخية من أجل إنهاء النزاع  يحل السلطة من التزاماتها ويعيدها الى المربع الأول أي مرحلة الصراع المسلح لتحصيل حقوق شعبها.
أما الطريق الثاني وهو ما اتخذته السلطة في الصراخ والبكاء والشكوى الى الدول الكبرى والتوسل لإعادة إسرائيل الى طاولة المفاوضات.
وسبب اتخاذ السلطة لهذا الطريق معروف فمعظم القائمين عليها قدم من خارج الضفة الغربية وقد تشكل خلال هذه الفترة الطويلة طبقة مستفيدة من الوضع القائم وليس من مصلحتها أو باستطاعتها أن تقلب الطاولة وأن تقول لا للاحتلال، كيف لا وهي غارقة في الفساد حتى أذنيها وتعمل كوسيط أو ممثل للشركات الإسرائيلية لغزو الأسواق العربية.
وزيادة في التوضيح ففي مسار الثورات الشعبية مثل الثورة الفلسطينية يستشهد المخلصون المؤمنون بالثورة ،  يتشردون أو يعتقلون ولا يبقى فيها إلا الجبناء والمتخاذلون والضعفاء والانتهازيون.
ومسيرة الثورة الفلسطينية كانت طويلة فعلاً ولكنها ثورة لم تستطع تحقيق أهدافها فورثها هؤلاء الذين يتغنون بأمجاد الماضي وهو ماضٍ لم يشاركوا فيه فعلاً، مهما علا صراخهم دفاعاً عن مسيرتهم الفاشلة فمصلحتهم مبنية على بقائهم في مناصبهم باستمرار خداعهم  لشعبهم أنهم سيحققون له شيئاً ما.
هو نفسه الشعب الذي يشاركون في تضييق الحصار عليه ويقومون بتجويعه في قطاع غزة ويقطعون الكهرباء عنه من أجل إخضاع منافسيهم في الفصائل الأخرى.
وربما تكون هذه النقطة هي الفيصل في الحكم عليهم ، فهم لا يبالون أو يفكرون أو يحسبون حساباً لهذا الشعب المبتلى بالحصار والتضييق والتجويع فيساهمون في زيادة شقائه بسبب المماحكات سياسية ومن أجل فرض السيطرة بأية وسيلة.
وليس مستغرباً أن لا نسمع صوتاً واحداً يعترض على هذه السياسة الحمقاء من رموز السلطة هؤلاء الذين تمتلئ بهم الفضائيات يتغنون بحبهم لشعبهم وتفانيهم في العمل لمصلحته.
ولكن تزداد الغرابة عندما لا نسمع من محمود عباس تصريحاً واحداً أو إشارة في خطبه الطويلة والمملة الى موضوع إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني وأنه صانع هذا الحدث العظيم عدا تصريحه بأنه لا يريد تكرار تجربة حزب الله.
وفي نفس الوقت لم نسمع من إسرائيل ما يفيد باعتراضها على مباحثات إنهاء الانقسام وإعادة السلطة الى غزة.
فبالنسبة لها فإن عودة السلطة لممارسة مهامها في غزة يعني استطاعتها إدخال جواسيسها الى القطاع الذي أصبح حصناً منيعاً بعد أن كان يمتلئ بهم قبل خروجها وربما نتذكر كيف كان بعضهم يضع الإحداثيات الدقيقة لاصطياد قادة المقاومة واغتيالهم، وبعد تطهير القطاع  من هؤلاء استطاعت المقاومة الاحتفاظ بالأسير جلعاد شاليط لسنوات دون مشاكل كما أنها تحتفظ اليوم ببعض أسرى حرب عام 2014 ، وإسرائيل تحتاج لعيون يساعدونها في الحروب القادمة.
أما عباس ذو النزعة النرجسية فهو يريد الانتقام ممن انقلبوا عليه في غزة قديماً ، هذا إذا أحسنا الظن به. وهكذا تتلاقى مصلحة الطرفين في دخول غزة ثانية.
وللأسف لا نستطيع أن نحسن الظن بالسلطة وهي تتجسس على شعبها في الضفة الغربية على ما يعرف باسم التنسيق الأمني وتريد تطبيق ذلك على القطاع.
وربما كانت محاولة اغتيال مدير أمن غزة هي أولى ثمرات دخول السلطة الى القطاع.
والعجيب أن فصائل المقاومة ستستمر في مد طوق النجاة لهؤلاء المتخاذلين بعد ثبوت أنهم لا يريدون تخفيف الحصار على غزة.
كان قرار ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة الأخيرة على السلطة الفلسطينية .
إذ لم يعد لهم أهمية أو اعتبار بعد أن قدموا كل شيء باسم السلام المزعوم وهو في الحقيقة ليس سوى استسلام كامل منتظرين رحمة عدوهم أن يمنحهم ما وعدوا به على ما عرف بحل الدولتين، وهكذا انكشفوا أمام جماهيرهم بعد أن خلع ترامب ورقة التوت الاخيرة التي تغطي نهجاً خاطئاً استمر لفترة طويلة.
كان أفضل رد لمحمود عباس على قرار ترامب هو الاستقالة من جميع مناصبه وكان هذا ليحدث هزة كبيرة في كل الأوساط ويعطي ثقلاً للرد الفلسطيني على قرار ترامب.
ولكن خطوة كهذه لا يستطيعها سوى رجل يحب فعلاً وطنه ويحس بوطأة المسؤولية الملقاة على عاتقه ، لو اتخذ خطوة كهذه كنا سنقول إن الرجل مخلص ولكنه جاهل أخطأ في تحليل الواقع وتحليل العدو.
ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وقد أضر بقضية شعبه أيما ضرر.
ولكن ستظل شعلة الكفاح متقدة، وستظل القضية الفلسطينية حاضرة لا تنطفئ مهما أساء لها بعض أهلها ، كيف لا ونحن نرى شجاعة الجيل الرابع من الفلسطينيين ، إذ لا يقل عمن سبقهم ونرى تضحياتهم كل يوم، ونراهم أشد غضباً وأشد توهجاً في مقارعة العدو الإسرائيلي والنصر دائماً حليف الشعوب مهما طال الزمن.    

19 يناير 2018

حـسـن الشامي يكتب : "كسب السلام : أمريكا والنظام العالمي الجديد"

يستهل جون جيرارد روجي كتابه "كسب السلام : أمريكا والنظام العالمي الجديد" مفسرا عنوانه فيشير إلى عبارة فرانكلين روزفلت عقب ضرب الأسطول الأمريكي في بيرل هاربور في ديسمبر  1941 : "في هذه المرة سنكسب الحرب وسنكسب السلام الذي يتلوها". وكسب السلام في رأي فرانكلين روزفلت يقتضي قيام الولايات المتحدة بممارسة دور نشط على الصعيد الدولي والتدخل لإقامة نظام عالمي وحفظ استقراره تجنبا لعدم اندلاع حرب عالمية جديدة. ولكن بانتهاء الحرب العالمية الثانية اندلعت حرب جديدة من نوع آخر هي الحرب الباردة وأيضا انتصرت فيها الولايات المتحدة وذلك في رأي روجي كان على الولايات المتحدة كسب السلام الذي يليها. ومن هنا برز تساؤل جديد حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة على الصعيد الدولي؟ 
فخلال القرن العشرين يمكن رصد علاقة الولايات المتحدة بالنظام العالمي من خلال ثلاثة مواقف :
ما بعد الحرب العالمية الأولى.
ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ما بعد الحرب الباردة.  
في الفصل الأول: تناول المؤلف الاتجاهات الحاكمة لعلاقة الولايات المتحدة بالنظام الدولي وتتمثل في ثلاثة اتجاهات رئيسية: 
الاتجاه الأول : تيار الدولية والذي يؤيد قيام الولايات المتحدة بدور نشط على الصعيد الدولي ويرجع هذا الاتجاه إلى أوائل القرن العشرين وعبر عته الرئيس ماكينلي في 5 سبتمبر 1901م حيث أشار "إن الله والناس قد ربطوا الدول بعضها ببعض الآخر ولا يمكن لدولة أن تظل غير مكترثة بغيرها". 
وفي اليوم التالي اغتيل ماكينلي ليصبح تيودور روزفلت رئيسا للولايات المتحدة, والذي تبنى نفس الفكرة وأعطاها دفعة جديدة. حيث أشار إلي "الزيادة في درجة الاعتماد المتبادل والتعقيد في العلاقات الدولية والعلاقات الاقتصادية. بحيث أصبح من الصعب على أية دولة أن تعيش بمعزل عن غيرها من الدول. 
ثم جاء الرئيس ويلسون ليبلور هذه الأفكار ويدخلها حيز التنفيذ حيث رأى أن سياسات الحياد والعزلة التي تتبعها الولايات المتحدة لن تكفل لها الأمن وحماية مصالحها وأن نظام توازن القوى أثبت فشله وان هناك حاجة لإنشاء عصبة للأمم وإقامة جماعة قوى وليس توازنا للقوى. ثم جاءت النقاط الأربعون التي طرحها عام 1918 ومثلت جدول أعمال السلام ما بعد الحرب العالمية الأولى. 
والاتجاه الثاني: تيار الانعزالية والذي انتصر بعد الحرب العالمية الأولى ولكن تيار الدولية عاد وطرح نفسه بقوة مرة أخرى عقب الحرب العالمية الثانية على يد روزفلت في الإعداد لنظام ما بعد الحرب فاقترح إنشاء الأمم المتحدة يكون للقوى الكبرى دور متميز فيها, كما رأى ضرورة إتباع سياسة الباب المفتوح على المستوى الاقتصادي والتي تتضمن إنهاء مختلف أشكال التمايز بين الدول بما فيها تخفيض التعريفة الجمركية. ومع بروز التهديد السوفيتي طيلة الحرب الباردة ظل اتجاه الدولية حاكما لتفاعل الولايات المتحدة مع النظام الدولي. 
واستمر هذا الاتجاه سائدا بعد انتهاء الحرب الباردة حيث تحدث الرئيس جورج بوش عن نظام دولي جديد سمته الأساسية التعاون لمواجهة أي عدوان, وأعطى للأمم المتحدة دورا أساسيا في عملية تحرير الكويت كما اشترك في عملية حفظ السلام في الصومال وكذلك عبر الرئيس بيل كلينتون عن توسيع عائلة الديمقراطيات ذات السوق الحرة ومساندة السلام الديمقراطي وأكد على الجماعية من خلال عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام وصنع السلام وعلى الصعيد الاقتصادي أتم بيل كلينتون المسيرة التي كان قد بدأها سلفه جورج بوش لتحرير التجارة بين الأمريكتين وأتم تأسيس مجموعة النافتا. 
وهذا الاتجاه يرى ضرورة تحجيم الدور الأمريكي وعدم التدخل في الأزمات الدولية إلا في حالة الضرورة وعند المساس بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة حيث وجهت الانتقادات من جانب الكونجرس الأمريكي للمشاركة في عمليات حفظ السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد الجنود الأمريكيين 3300 جنديا من أجمالي 64000 جنديا في 16 عملية حفظ سلام في العالم كان منهم 2400 جنديا يعملون تحت قيادة أمريكية في هاييتي. 
كذلك أجرى الكونجرس الأمريكي خفضا على الميزانية أدى لتقليص البعثات الخارجية كما تراجعت نسبة مساهمة الولايات المتحدة  في المساهمات الخارجية بين الدول الصناعية بالنسبة للناتج القومي. كذلك قللت الولايات المتحدة من الدور الذي تقوم به في بعض القضايا الدولية كالبيئة. 
وتيار الانعزالية ليس جديدا ولكنه قديم وكان متلازما مع تيار الدولية وتمثل ذلك في رفض الكونجرس الأمريكي لانضمام الولايات المتحدة لعصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى أو التدخل في الشئون الأوربية وفضل الانسحاب من الساحة الدولية والاهتمام بالشئون الداخلية وتيار الانعزالية لا يتمثل في جماعة اجتماعية أو ثقافية معينة ولا ينحصر في منطقة جغرافية بعينها فله مؤيدوه في مختلف الجماعات الاجتماعية والثقافية وله انتشاره الجغرافي.  
والخلاف بين التيارين قد يكون خلافا بين الأحادية والجماعية. فالأحادية ترفض أي روابط مؤسسية بينما الجماعية تعني لغويا علاقة بين ثلاثة أطراف أو أكثر كما تعنى في إطار العلاقات الدولية ملائمة القواعد الحاكمة للنظام الدولي لكل الأعضاء فيه وعدم التمييز بينها مع درجة عالية من التوافق والانسجام في مصالحها وإقامة العلاقات من منظور جماعي وليس ثنائيا. والأمن الجماعي يعنى توفير حماية متساوية لكل الأعضاء تحت مظلة أمنية مشتركة. 
ورغم ذلك فإن الجماعية المثالية لم تتحقق بعد والدليل أن الولايات المتحدة تتمتع بحق الفيتو في الأمم المتحدة وتسيطر القيادة الأمريكية على حلف شمال الأطلنطي (الناتو) ولها الحصة الأكبر (ومن ثم الثقل ألتصويتي) في كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.  
والاتجاه الثالث فهو تيار مثالي يقوم على ضرورة الحفاظ على وضع  عسكري متفوق للولايات المتحدة ويرجع بجذوره إلى تيودور روزفلت (الذي عمل على أن تكون الولايات المتحدة قوة عظمى) وجورج كينان (مهندس سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي) وتمثلت كذلك في السياسة الخارجية لهنري كيسنجر. 
وفي الفصول الثاني والثالث والخامس تناول المؤلف هيكل النظام الدولي في الفترة التي شهدت بدايات الدور الأمريكي النشط والفعال على المستوى الدولي بعد الحرب العالمية الثانية حيث كانت الجماعية هي السمة الغالبة. حيث بدأ فرانكلين روزفلت الاستعداد لإنشاء المؤسسات واتخاذ الترتيبات الدولية لإقرار السلام من خلال آلية دولية للتعاون مع الاتحاد السوفيتي لتتجنب فشل عصبة الأمم ولا تقتصر عضويتها على دول أوربا وتمثل ذلك في منظمة الأمم المتحدة وإن أحتفظ بوضع متميز في مجلس الأمن للحلفاء الأربعة المنتصرين للقيام بدور البوليس الدولي مع وجود أداة عسكرية من مختلف الدول (خاصة الكبرى) تكون تحت إمرة مجلس الأمن إلى جانب ضم الصين كقوة موازية للاتحاد السوفيتي. 
كما حظي التعاون الاقتصادي الدولي وحرية التجارة وتخفيض التعريفة الجمركية اهتماما متزايدا بدلا من الصراع وأسفر ذلك عن مجموعة من الاتفاقيات والهياكل المؤسسية منها اتفاقية بريتون وودز المالية التي نصت على الحرية والاستقرار في تبادل العملة وإلغاء كافة أشكال التحكم والسيطرة. كما تم إنشاء صندوق النقد الدولي للمحافظة على سعر صرف ثابت ومستقر. أما الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة (الجات) فدعت إلى تخفيض التعريفة وغيرها من الحواجز الجمركية وإنشاء مناطق التجارة الحرة. 
وتبنت الولايات المتحدة مفهوم الأمن الاقتصادي لأوربا وإعادة الإعمار من خلال مشروع مارشال وتم إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي الأوربي وتشجيع فكرة الوحدة الأوربية وتوقيع معاهدة حلف شمال الأطلنطي عام 1949 في مواجهة الاتحاد السوفيتي. إلى جانب مبادرة ايزنهاور في ديسمبر 1953 بتنشيط دور الأمم المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية ومطالبته بإنشاء هيئة الطاقة الذرية الدولية (والتي أنشأت في يوليو 1957) وزيادة دور الأمم المتحدة في عمليات حفظ السلام بعد الأزمة الكورية في يونيو 1950, وفي مراقبة وقف اطلاق النار وانسحاب القوات المعتدية على مصر عام 1956.   
وفي الفصلين الرابع والسادس تناول المؤلف تقييم الميراث المؤسسي الدولي ومدى فعاليته حاليا, لأن الهياكل الدولية وجدت لمواجهة الاتحاد السوفيتي في ظل القطبية الثنائية. وهنا يثور التساؤل عن مدى ملائمة هذه التنظيمات الآن؟ وما قدرتها على أداء مهامها؟ بل ما أهمية هذه المهام في ظل الواقع الدولي الجديد؟ وأول هذه التنظيمات حلف شمال الأطلنطي الذي يبدو أنه فقد أهميته ولكن رؤية الولايات المتحدة لهيكل الحلف ودوره تكسبه أهمية وفعالية كبيرة خاصة أن قضية توسيع عضوية الحلف ليشمل دول شرق ووسط أوربا هدفها القضاء علي البقية الباقية من احتمالات التهديد الروسي لشرق ووسط أوربا, وشغل الفراغ الأمني بين روسيا وألمانيا وما قد يؤدي إليه ذلك من مواجهة بين البلدين في حال سعي أيهما لبسط نفوذه على المنطقة, وتهدئة النزاعات الأثنية والقومية في المنطقة والتي قد تدفع إلى اندلاع  الصراعات والحروب الإقليمية وتورط أطراف دولية فيها. 
وأضاف بيل كلينتون هدفا جديدا للحلف ليكون أداة لتوفير الأمن والاستقرار للمنطقة ككل. وتقوية الديمقراطيات الوليدة ومساندة الإصلاح الاقتصادي. وتقوية علاقة الحلف مع الجماعة الأوربية والاتحاد الأوربي الغربي الذي انشيء بموجب معاهدة ماسترخت عام 1991 ليكون الآلية الدفاعية للجماعة الأوربية. وبالنسبة للأمم المتحدة فمن المتصور بانتهاء الحرب الباردة أن تزيد فعاليتها على ممارسة دورها في ظل انتهاء الاستقطاب الدولي والدليل على ذلك زيادة عدد عمليات حفظ السلام بين عامي 1988 و1994 إلى 21 عملية أى لأكثر مما قامت به الأمم المتحدة على مدى تاريخها (كان العدد 18 عملية فقط), إلى جانب الاتجاه نحو العولمة وما يتبعها من سوق عالمية أكثر انفتاحا.
وفي الفصل السابع والأخير تناول المؤلف مستقبل الدور الأمريكي في النظام الدولي حيث رأى البعض أن العالم أصبح أحادي القطبية حيث إن الولايات المتحدة أصبحت القوة المهيمنة الوحيدة. كما رأى البعض أن العالم سيعود للقطبية الثنائية وأن كانت بشكل مختلف أى بين الإسلام والغرب وهو ما عرف باسم صراع الحضارات. والرأي الثالث يرى أن النظام الدولي يتجه إلى التعددية القطبية مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حيث ستصبح اليابان وألمانيا قوى كبرى وتستعيد روسيا مكانتها. 
وأيا كان النظام الدولي الجديد فإن السياسة الخارجية الأمريكية ستسعى لتقوية حلف الأطلنطي وتوثيق الصلة بينه وبين الجماعة الأوربية والجهاز الدفاعي لها. إلى جانب مواجهة المنافسة الاقتصادية من دول شرق آسيا وتوسيع دور منظمة التجارة العالمية (الجات) مع التوفيق بين حرية التجارة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المستوى الدولي من ناحية واستقرار الاقتصاد الداخلي من ناحية أخرى والاهتمام ببعض القضايا الدولية وعلى رأسها قضايا البيئة. 

John Gerard Ruggie
Winning the peace : America and World Order in the New Era (New York : Columbia University Press, 1996). xxiv, 2337 p.

15 يناير 2018

المفكر القومي محمد سيف الدولة يكتب: ترامب ورهانات السيسى

https://youtu.be/05rwLLglNNw

((منذ ان التقيت بك فى سبتمبر الماضى ولقد راهنت عليك .... و اعجابى الشديد بشخصيتك المتفردة خاصة فيما يتعلق بمكافحة الارهاب....
بكل قوة وكل وضوح .. ستجدنى انا ومصر بجانبك فى تنفيذ هذه الاستراتيجية لمواجهة الارهاب والقضاء عليه....
ستجدنى وبقوة داعم وبشدة كل الجهود التى ستبذل لإيجاد حل لقضية القرن فى صفقة القرن، ال أنا متأكد ان فخامة الرئيس سيستطيع أن ينجزها)) ـ السيسى لترامب فى البيت الابيض ـ ابريل 2017(1)
***
((فخامة الرئيس .. نحن نحترمكم ونقدركم..ولكم شخصية متفردة قادرة على فعل المستحيل)) ـ السيسى لترامب على هامش مؤتمر الامم المتحدة ـ سبتمبر 2017 (2)
***
((انا أوجه ندائى للرئيس الامريكى .. الرئيس ترامب .. أقول له فخامة الرئيس.. انى اثق بك وفى كلامك وفى قدرتك على انك ستكون مهمتك الاولى هى مواجهة الارهاب فى العالم .. انا متاكد يا فخامة الرئيس انك قادر على تنفيذ هذا الأمر)) مناشدة السيسى لترامب بعد مذبحة المنيا ـ مايو 2017 (3)
***
احتفى السيسى ومؤسساته وأركان نظامه وخبراؤه الاستراتيجيون والعسكريون وأذرعهم الاعلامية بنجاح دونالد ترامب، احتفالا منقطع النظير، الى الدرجة التى شبهه احد كتاب الاهرام "النافذين" بالمهدي المنتظر(4). وكتب المدير الاسبق للشئون المعنوية للقوات المسلحة، سلسلة مقالات فى هذا الشأن يقول فى احداهن بعنوان "صعبان عليهم أن تفرح مصر": (( كيف لا تتفاءلون برؤية مصر وهى تستعيد مكانتها الدولية، وثقلها السياسي؟ وكيف لا تتفاءلون لرؤية الرئيس المصرى يحرك المياه الراكدة، ويتفق مع الرئيس الأمريكى على حلٍ عادل للقضية الفلسطينية ... قضية القرن؟)) (5).
والأمثلة كثيرة.
· ولم يكتفِ السيسى بالاحتفاء، بل اصدر من التصريحات واتخذ من المواقف والقرارات ما خرج عن حدود ما تستدعيه العزة والكرامة الوطنية والتقاليد الرئاسية والدبلوماسية، فقال له على سبيل المثال لا الحصر، فى لقائهما الاول فى البيت الابيض، لقد راهنت عليك، وانت شخصية فريدة، وستجدنى بجانبك فى مكافحة الارهاب و فى صفقة القرن.
· بل انه ارتكب احد الكبائر الوطنية والدبلوماسية حين امر البعثة المصرية فى الامم المتحدة بسحب قرارها بإدانة المستوطنات الاسرائيلية بعد مكالمة تليفونية من ترامب طلب فيها منه ذلك.
·  وحين وقع العدوان الارهابى على حافلات الاقباط بالمنيا فى مايو 2017، استنجد السيسى بالرئيس الامريكى علانية وعلى الملأ فى كلمة مسجلة أذيعت على شاشة التليفزيون المصرى، فى سابقة هى الاولى من نوعها.
·ناهيك عن قبوله المشاركة فى لقاء السعودية المهين، الذى تم حشد فيه الملوك والرؤساء العرب والمسلمين لمقابلة الرئيس الامريكى، على طريقة عمال التراحيل حين يقوم بجمعهم مقاولو الأنفار او على طريقة تلاميذ المدارس حين تحشدهم اجهزة الامن فى الشوارع والميادين للهتاف لمواكب الملوك والرؤساء.
· والأهم من كل ما سبق، هو قبوله الزج بمصر فى تحالف عربى اسرائيلى تحت القيادة الأمريكية لمواجهة ما يسمونه بالمخاطر المشتركة التى تهدد المنطقة.(6)
***
ورغم كل هذا الترحيب والاحتفاء والاحتفال والرهان والمبايعة، جاءت النتائج كارثية!
فلم يستجب ترامب لمناشدات السيسى وَعَبَد الله وسلمان وغيرهم من القادة العرب الذين ناشدوه بالتراجع عن اعلان قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، لما سيسببه لهم من حرج بالغ امام شعوبهم. ولكنه استخف بهم جميعا وأصدر القرار.
ولم يكن من الممكن ان يفعلها بالطبع بدون ان يكلف اجهزته قبلها ببحث واستطلاع ردود الأفعال المتوقعة من الدول العربية الرئيسية فى المنطقة ومدى اضرارها بالعلاقات والمصالح الامريكية فى المنطقة.
وواضح ان تقارير الاجهزة والمؤسسات الامريكية جاءت كلها لتطمئنه من ان اتباعه وحلفائه من القادة العرب لن يفعلوا شيئا يمكن ان يضر الولايات المتحدة. وَمصر الرسمية تحت قيادة عَبَد الفتاح السيسى كانت واحدة من هؤلاء.
***
وكيف لا وهو لم يكف عن ارسال الرسالة تلو الأخرى لترامب ونتنياهو والمجتمع الدولى عن السلام الرائع بين مصر واسرائيل وعن العلاقات العميقة والثقة والطمأنينة بينهما، بالإضافة الى اشاداته المتعددة بنتنياهو وتشويهه للفلسطينيين التى كان ابرزها خطابه الأخير فى الامم المتحدة، الذى ناشد فيه "الشعب الاسرائيلى" للوقوف خلف نتنياهو كرجل سلام، بينما طلب من الفلسطينيين ان يثبتوا للعالم انهم يريدون السلام وكأنهم هم الجناة وليسوا الضحايا(7) . الأمر الذى اعطى مصداقية لأكاذيب نتنياهو حول الارهاب الفلسطينى، وحول ان الدول العربية الكبرى أصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو، وان فلسطين لم تعد تمثل بالنسبة اليهم قضية اساسية او مركزية، وهى المواقف والتصريحات التى لاشك انها مهدت لقرار ترامب حول القدس.
***
لم يكن هذا هو الرهان الخاسر الوحيد الذى اتخذه السيسى، فقضايا وملفات الفشل متعددة، منها :
·  ملف سد النهضة التى عجز حتى تاريخه عن تأمين مصر من مخاطره.
· وملف الاصلاح الاقتصادى الذى طبقه وفقا لروشتات وتعليمات صندوق النقد الدولى التى عصفت بمدخرات المصريين وبقدراتهم الشرائية وزجت بمزيد من طبقات الشعب المصرى فى دائرة الفقر والعوز.
·  وملف الارهاب فى سيناء وخارجها الذى اسقط مئات من الشهداء.
· وملف ما تبقى من السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية الذى تلقى ضربة غادرة وصاعقة بعد تنازله عن جزيرتى تيران وصنافير مما ادى الى صناعة شرخ جديد فى الضمير الوطنى المصرى اضيف الى الشروخ القديمة المزمنة بين الشعب والسلطة.
· وملف العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات والصراع الطبقى الذى يزداد حدة يوما بعد آخر بعد سلسلة السياسات الاقتصادية المنحازة الى شريحة  الـ 10 % الاغنى فى مصر مثل مشروع  العاصمة الجديدة وأمثاله.
· ومثل ملف القروض والديون التى اغرقت مصر بأجيالها الحالية والقادمة، لبناء مشروعات مشكوك فى جدواها الاقتصادية مثل مشروع تفريعة قناة السويس.
·وملف النظام الدستورى والحياة السياسية والديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة والمشاركة فيها، الذى تم القضاء عليها تماما بعد أن دمج عمليا كل السلطات تحت يده وهيمنته هو والسلطة التنفيذية، وبعد ان أغلق الحياة السياسية وأمم البرلمان و الاعلام وحاصر وحظر كل معارض او رأى آخر من كافة التيارات.
· ناهيك عن ملف الحريات وحقوق الانسان الذى وصل به السيسى الى وضع لم يرَه المصريون فى احلك عصورهم .
***
فى الدول الطبيعية و"شبه الطبيعية"، يتم محاسبة والحكام والحكومات والرؤساء والسلطات على فشلهم وهزائمهم ورهاناتهم الخاسرة.
ولكن من يجرؤ على محاسبة السيسى وكل من حذا حذوه فى الدول العربية فى مبايعة ترامب والتوقيع له على بياض؟
***
ولكن وإحقاقا للحق وقبل ان ننهى هذه السطور، يجب الاعتراف بان رهان السيسى على ترامب لم يكن كله خاسرا، فلقد نجح بامتياز فى تحقيق أهم أهدافه ودوافعه، وهو الفوز بالرضا والقبول والدعم الأمريكى له ولنظامه، وكما قال ترامب للسيسى فى لقائهم الأول فى البيت الأبيض: " لديك حليف وصديق فى الولايات المتحدة الامريكية" (8)
*****
القاهرة فى 15 يناير 2018