22 أغسطس 2012

عادل صبرى يكتب : لن يقتلني البدوي أو أموت موتة عادل القاض



اتصل بي عدد من الزملاء في اجازة العيد للاطمئنان علىّ وفوجئت باحداهما تسألني لماذا وافقت على ترك منصبك في رئاسة تحرير بوابة الوفد بهذه السهولة، فهذا حقك ونحن نقف وراءك، فأنت بذلت جهدا نشهد به، وعلينا أن نرفض أي قرار يمس من عملوا باجتهاد....

في الحقيقة لم يكن هذا المطلب الأول من نوعه فالزملاء في البوابة رفضوا هذ القرار لأنه تجاهل دورهم وجهدهم الكبير الذي بذلوه بلا مقابل سوى قليل من الأجور ومستقبل غامض قد ينته بهم إلى التعيين أو الإلقاء بهم في الشارع، ولكن عجبي أن يأتي الطلب من زميلة في الجريدة، مشاركة أقوال زملاء آخرين كنت أحسبهم يكتفون بمشاهدة الموقف كالمتفرجين على مسرحية مملة ، وهم في كل الأحوال لا يملكون إلا التشجيع عن بعد...

نظرت للزميلة وقلت يا سيدتي رغم أحقيتي في البقاء في العمل بهذا المنصب لأني والحمد لله أدرته بكل ما أملك من طاقة، لتخطي حاجز الامكانات الضئيلة، التي لا تتوافر إلا لقسم واحد في أي موقع ننافسه، على الساحة، إلا أنني لا أستطيع أن أظل في موقع " غصبا" عن الإدارة مهما كان القرار ظالما، وأنت تعلمين أني " صنايعي" وعادة المهني أن يأكل قوته بعرق جبينه، ويبيع مجهوده لصحاب العمل، فإذا ما كان صاحب العمل يقدر هذا المجهود فأهلا به وسهلا أما إذا رأى أن يأخذ حصيلة المجهود ليمنحه لشخص آخر، فهذا نوع من سرقة للعرق والجهد، وبالتأكيد لن يكون في نهاية المطاف لصالح الجميع.

فقالت ألن تحزن على ضياع هذا الجهد قلت بالتأكيد سأحزن ولكن ما العمل، إذ أراد ناظر المكان ذلك وبمنطق الصنايعي أقول لك في نهاية الأمر لن يكون هذا العمل نهاية المطاف، فميزة الصنايعي أن لديه الحرية أيضا فيمن يختار العمل عنده، فيكفي أن المكان الذي اتركه منح السلطة لرئيس مجلس إدارة الجديد وقد قدمت له في اليوم الأول خطة لتطوير الموقع وتكامله مع الجريدة لتحقيق أرباح تجارية واستغلال كفاءة جميع العاملين في الوفد، ولم ينظر فيها منذ 4 أشهر، وعندما صرح بأن لديه خطة تطوير سأله الزملاء كيف ستطور العمل قال لا نريد غرفة أخبار ألكترونية ولا برامج ولا كمبيوترات يمكننا أن نعمل "النيوز رووم" على الورق ! فما كان من الزملاء صغار السن إلا أن ضحكوا من مقولة رجل يحترف العمل في الميديا ويتكلم بفصاحة غريبة عن أشياء لا يخبرها ويدعي أن لديه خطة للتطوير وإعادة الهيكلة , ولو اطلع على الورق الذي بين يديه لعلم أن الخطة يمكن تنفيذها اليوم قبل الغد لتوفير النفقات وزيادة عائد بيع الجريدة الورقية عبر الهواتف والأنترنت والإعلانات التي توقف العمل بها في المكان منذ عامين ومنعنا أكثر من مرة من حل مشكلتها في البوابة والجريدة،

ولو راجع الملفات مع رئيس الحزب وحكومة الوفد وأعضاء بالمكتب التنفيذي، لشاهد كم الدراسات التي قدمناها لتطوير الجريدة والموقع والحلول الاقتصادية للمشكلة المالية الي يدعون وجودها ويعتبرون أن الحل الأمثل منها حاليا بتخفيض عدد العاملين في الجريدة والبوابة، ثم الاكتفاء بالجريدة الأسبوعية وموقع الكتروني يساعدها في نشر رسالة الحرب.

قالت الزميلة ولكن خروجك بهذه البساطة يعني هروبك من مواجهة أزمة اعتدنا منك القدرة على مواجهتها، فقلت لها يا أستاذة لم أعتد الهروب من مواجهة القضايا الكبرى، فأنت تعلمين أنني دفعت دمي وحصلت على رصاصتين عندما احتل نعمان جمعة مقر الوفد، وقال لن يدخل المكان إلا من سأحدده وساعتها قلت الموت أفضل من حياة بلا كرامة، والحمد لله الموقف الذي يحدث في الوفد مس وظيفتي وأناضل الآن من أجل ضمان حقوق الزملاء الذين طلبنا منهم ترك أعمالهم من أجل العمل في البوابة وحقوق كافة الزملاء في المكان في التعيين وفقا للوعود المتكررة من رئيس الحزب على مدار العامين الماضيين>

وعلى فكرة إذا كانوا يتحججون بالأمور المالية فأعلم من محمود بك أباظه نفسه أنه ترك 92 مليون جنيه ودائع في البنك و3 ملايين جنيه كاش في حسابات الجريدة والحزب، فإذا كنا أنفقنا كما يقولون 30 مليون جنيه خلال عامين فأين باقي الأموال، وأين أموال الجريدة لدى ميديا لاين وخاصة أن رئيس الوفد تعهد لكم عندما أرسلت له رسالة في بداية العام حول ضرورة رده لهذه الأموال بأن يردها ولو من جيبه الخاص، فأين الأزمة التي يتحاكون بها إذا كان رئيس الحزب قال أكثر من مرة أنه تحمل نفقات الدعاية للحزب فأين الأزمة المالية بل أين أموال الجريدة التي هي من عرقنا ..

. ولا يغرنكم قولهم أن زيادة الرواتب التهمت جزء كبير من الميزانية لأن الزيادة في رواتب الدولة التي تمت على مدار العامين الماضيين بلغت 120% في الرواتب والأجور وتحصل عليها كافة العاملين في الدولة القطاعين العام والخاص، يعني نحن تنازلنا عن 20% مراعاة للأزمة المالية وسكتنا على خصم المنح السنوية وقد وقعت معكم على مذكرة أول رمضان بعدم قانونية الخصم الذي تم في المنحة، ورفضت نظام التقييم المعمول به لأنه ظالم وغير جائز في جريدة، يصلح في مصنع أو شركة طيران وقدمت للإدارة عدة مرات نظام التقييم العشري ووزعته عليكم وهو مطبق في جرائد الخليج والأماكن المحترمة في مصر.

قالت أليس ذلك بكاف لأن تستمر في مواجهة الظلم الذي وقع عليك وسيقع بالتأكيد على باقي زملائك في البوابة؟. قلت لها يا أستاذة سنقاتل من أجل مصلحة الزملاء وحقوقهم حتى يحصلوا عليها أما الاستمرار فلن يأتي كما قلت بالعافية وإن ضد رغبتي وبصراحة لن أظل في المكان كي أموت مثلما مات عادل القاضي!! قالت بدهشة وما حكاية موتة عادل القاضي؟. قلت هذه حكاية طويلها يمكن أن ترويها لكم الزميلة غادة الترساوي أو الزميل فتوح الشاذلي أو أنور الهواري أو غيرهم من الزملاء الذين اطلعوا على القضية عن قرب ولكن ببساطة لم يمت عادل القاضي موتة عادية ولكنه مات كمدا وحسرة على ما فعله به الدكتور السيد البدوي رئيس مجلس الإدارة.

أصرت الزميلة أن تعرف الموضوع ولكي أضمن أن الحكاية ستنقل لكم صحيحة وليست كما فعل البعض في قضية فيديو التلفزيون المضروب الذي عرض على ّ منذ 7 أشهر ورفضته بينما حاول زميل بيعه لموقع الدستور، لابتزاز الدكتور البدوي، فقد فضلت الكتابة عما دار تفصيليا.

قلت ياسيدتي الحكاية باختصار أنني كنت أرفض العمل في بوابة الوفد منذ اليوم الأول للتفكير فيها، فقد حرص رفيقي عادل القاضي أن أكون بجواره في هذا المشروع، وكان يعلم أننى في حالة نفسية مستقرة بالعمل صباحا في الوفد وفي برنامج الحياة اليوم مساء وكان الأمور تجري على وتيرة جيدة. وعندما استدعاه الدكتور البدوي لتنفيذ الفكرة اصر عادل القاضي أن أكون بجواره وأكون رئيسا للتحرير معه ولي كافة الصلاحيات ومكتوب ذلك بخط يده في مستندات مع الزميل أحمد حسن المدير الإداري، فوجئ القاضي بأن الدكتور البدوي يرفض وجودي أصلا في المشروع، فأبدى القاضي استغرابه من ذلك فكيف أكون معه في قناة الحياة ويرفض وجودي في مشروع داخل الجريدة!. فقال لي القاضي على استحياء هل هناك مشكلة بينك وبين الدكتور البدوي. قلت له نعم. قال ما هي. قلت أنني لم أنتخبه رئيسا للوفد قال لماذا؟. قلت لأنني عندما طلب البعض ترشحه من قبل للمنصب تهرب منا وآثر خشيته على مسار أعماله وعلاقاته المتشعبة مع النظام والأجهزة المختلفة،

لذلك طلبنا من فؤاد بدراي أن يخوض الانتخابات على منصب الرئيس وقلت أن الدكتور البدوي إذا ما أراد أن يكون رئيسا للوفد عليه أن يترك العمل في شركاته والقناة التي كانت مقيدة بضوابط الأمن والنظام، ليصبح زعيما حقيقيا للمعارضة. قال صديقي الراحل.. لهذا لم ينس لك هذا الموقف فكيف تعمل معه وتعارضه لهذا الحد؟. قلت يا عزيزي هذا موقف سسياسي أحاسب عليه في الحزب إذا أراد ومع ذلك لم أقف في وجهه وهنأته بالفوز داعيا له بأن ينجيه الله من الغرور وبطانة السوء وطالبته بألايمنعني من حرية نقده ومصارحته بأي سوء، هو يعلم شعاري أني " صنايعي" فلم يأخذني في الحياة إلابترشيح من زميل في المصري اليوم، واصراره على ذلك، ويعلم أني كنت أقل الناس أجرا فيمن حولي من صغار السن والخبرة، ولم ألجأ إلى العمل في برامج التلفزيون إلا لتركنا العمل في موقع محيط والمشاكل المالية في " إسلام أون لاين" ولو وجدت أي مكان أعمل فيه حاليا لفعلت بعيدا عن الحياة أو الوفد،

لكنها الضرورة الحاكمة. قال صديقي عليك أن تهدأ الأوضاع مع الدكتور البدوي فلديه خطة طموحه لإنشاء قناة للوفد والانفاق على الموقع ومنحنا برامج في الحياة يعني الأمور ستكون ممتازة، قلت يا صديقي أنا لا أريد العمل معه فالرجل تغير لم يعد هو الرجل الذي خبرناه منذ سنوات طويلة، يدير " بيزنس " ومن يدير الدنيا بنظام الشركة لا ينظر إلى الصداقة أو علاقاته القديمة وقد خبرته في قناة الحياة وعرفت مدى التغيرات التي حدثت به فلا تُأمل نفسك كثيرا وإلا سيكون مصيرك" ركوب العجلة" كما يقول أخونا فتوح الشاذلي.

قال القاضي وكان طيب القلب على سجيته حتى الرمق الأخير ما حكاية ركوب العجل هذه قلت هي احدى الألاعيب المشهورة في الوفد أن يغرقك الرئيس في الأماني والعطايا فتجري وراءها وتكشف في نهاية المطاف أنك لففت في المكان وبذلت جهدا ولم تحصل على شئ ولاتشعر إلا بأنك تخرج خالي الوفاض من كل شئ تماما فإما تموت حسرة أو ترضى بحياة الذل التي تفرض عليك، تماما كمن يمنحك دراجة جديدة لتركبها لفة فما أن تشتهي ركوبها حتى يأخذها منك على حين غرة.

قال القاضي واضح ان المشاكل التي مررت بها في الوفد جعلتك سئ الظنون، قلت يا صديقي لا أتمنى لك إلا كل توفيق ولكن أتركني وشأني. زادالقاضي اصرارا، في طلبي فأحببت أن أجعل الأمر مستحيلا أمام الدكتور البدوي، فما أن طلب أن يكون موقع البوابة في 6 أكتوبر إلا ورفضت وقلت لابد أن يكون داخل الجريدة كي ننشأ غرفة أخبار محترمة لتطوير المكان ويستفيد الزملاء من التطوير وأن نستعين بامكاناتهم الصحفية وسيارات وهواتف ومكان وامكانات الجريدة، وأمام الدراسة الاقتصادية الرشيدة وافق الدكتور البدوي مضطرا على ذلك. أسسنا المكان وسط الظروف الصعبة والغاضبة التي تعلمونها، وحالة الشك المتبادل بيني وبين الدكتور البدوي، قلت لعادل القاضي أنت مفوض في كل شئ مع الإدارة حتى لا أحتك بالدكتور البدوي أو أي مسئول واترك لي تجهيزات ورشة العمل وإدارة العمل مع الزملاء وكان لي ذلك أملا في أن ينجح المشروع من أجل خاطر صديقي فقط، وخاصة أنه بمجرد بدء تأثيث الموقع قطع عني الدكتور البدوي هاتف وراتب قناة الحياة ولم نكن تحصلنا على أي قرش اضافي من الوفد ولم يذل العائد من رئاسة التحرير حتى الآن أقل كثيرا عما كنت أتقاضيه هناك وكأنه " ما صدق أني ها أمشي من مكان يديره". في منتصف أبريل 2010 أي قبل وفاة عادل القاضي بأسبوع واحد وجدته قادما من مشوار في 6 أكتوبر بدون سيارته فقلت له هل كنت في إسلام أون لاين لتنهي اجراءاتك قال لا ولكن كنت هناك بالفعل.. لا حظت كآبة على وجه وحزنا عظيما .. قال لا تنظر لي فأنا متعب الآن وأشعر بضرورة الراحة فطرحت عليه أن يقوم بأجازة لمدة أسبوع وبدأنا التخطيط لها بأن تكون في الأسكندرية كي ينعم بجوها مع الأولاد خاصة أن موعد احتفالات 25 أبريل مع شم النسيم ستناسب الأولاد .. وبعد أن تركته في المكتب يهدأ .. فوجئت بطرحه سؤالا لي : لو عرض عليك أن ترأس قناة " المصري" فكم تطلب.. قلت ضاحكا.. سأطلب كثيرا جداا كما يطلب غيرنا ممن حول الدكتور البدوي فلسنا أقل منهم مهنية ولا شأنا بل نحن والحمد لله وهو يعلم كنا أول من أحضرنا له الوزراء في برامجه والسبق الصحفي كذلك .. ولكن يا سيدي لو عرض علي لن أقبل وأنت تعلم ذلك ..

فقال لو أصبحت رئيسا للقناة فهل تعمل معي قلت له لقد أوحلتني بالعمل معك في بوابة الوفد، ألا يكفيك فقد نقص دخلي ودخلت في معارك حسبت خطأ عليها، فأرجو ألا تطلب مني ذلك . فقال ولو رئيسا لتحرير برنامج " توك شو" قلت له أرفض أن أكون رئيسا لقناة فكيف تطلب مني أن أكون رئيسا لبرنامج يا عمنا ..أنه موقف .. أنا فقري صحيح بس عندي كرامة ومبادئ تتصادم مع هذا العمل وعلى كل حال أقول لك أخبار السوق ..فمن عنده يتقاضون في رئاسة تحرير توك شو كبير أكثر من 30 ألف جنيه. فلاحظت استغرابا على وجهه وصمت وسكتة الخجول من شئ لا يريد أن يقصه على، فقلت له على كل حال أنا مستعد لإعانتك من بعد ولكن بدون أجر أو عمل رسمي من أجل أن تنجح وعلى فكرة أنت كنت تشك في لقاءاتي السرية مع فتوح الشاذلي وعلشان تعرف أني لن أعمل معه بالفعل خروجنا كان من أجلك أنت كنا نبحث عن مكان للقناة ووجدناه هنا بالدقي ( نفس المكان الذي حصل عليه السيد عمرو موسى لحملته الانتخابية خلف مسجد أسد بن الفرات بالدقي) وهو مكان يصلح للادارة والقناة وكل ما تريد فعله. فضحك وقال أريد الذهاب إلى المنزل اطلب لي سيارة تنقلني للبيت فأنا متعب.

ذهب القاضي إلى البيت ومن هناك عرفت أن الدكتور البدوي عندما فاتحه في حقيقة أوضاع القناة المزعومة بأن رئيسها سيكون الأستاذ إبراهيم غلي مدير مكتبه بشركة سيجما وأن القاضي سيكون رئيسا لتحرير البرامج فقط بمبلغ 5 آلاف جنيه شهريا وهو مبلغ يمنح لأي متدرب في برامج القناه عنده .. أسقط عادل القاضي في يده وعلم أن المجهود الذي بذله بدون أجر في البوابة وغيرها لم يحصل على مقابل له بينما كان يمر بأزمة مالية طاحنة...

قد تكون هذه أسرار خاصة بفقيدنا الغالي أحببت أن أقولها لأن الدكتور البدوي الذي أصاب صديق العمر في مقتل لم يرحمه ميتا فما وعد بأن يمنحه لأسرة الزميل وهو مبلغ 50 ألف جنيه لم يحدث حتى الآن وقد طلبتها منه مرارا علنا وجهرا وكتابة في رسائل رسمية، وأومأ لي بأن المشكلة في السيولة المالية وكأن ما لديه من أموال غير كافية لسداد أقل حق من حقوق الزميل عليه، وهو ما هو عادل القاضي الذي منح الوفد شبابه منذ وجودنا بالجامعة وكان أول من عرفني بالدكتور السيد البدوي لأخلفه في إدارة جريدة وفد الدلتا بعد سفره للسعودية لمدة 15 عاما، وهو الذي كان يوصيني به ويطلب منى ألا أعصى له أمرا ولا أرفع صوتا في حضوره..

مات عادل القاضي محروما من تقدير يستحقه، وكنت على شفا خروجي من المكان بعد وفاته لولا وقفة الزملاء في البوابة الذين منحوني التأييد والعون والحب والعمل المتواصل أملا في ألا يموت مشروعا بدأناه مع صديقي الراحل بجد واجتهاد وتطبيقا لمقولة صديقي الراحل : لن يقوم هذا المكان إلا على الإخلاص". ولكن الاخلاص لا يكون أبدا من جانب واحد .. العمال المطحونين والصنايعية أمثالي.. فالاخلاص يجب أن يكون من الإدارة لمن يتعاملون معهم، حتى يقام العدل بينهم ويعرفون أنه يؤدون رسالة لا مجرد وظيفة يتكسبون منها لقمة مغموسة في التراب. فنحن في نهاية الأمر لدينا كرامة سنقاتل من يحاول المساس بها مهما كان الثمن غاليا، ولدينا الكثير من الأسلحة التي تجعلنا أفضل من خصومنا، ولن يأخذ الريح من البلاط شيئا. ضاع حلم القاضي في وظيفة محترمة بأجر يغنيه، وهو الإنسان التقي الورع، وسيكون خروج من جاء بهم للعمل نهاية المكان الذي مات من أجله. ضاع حلم الوفديين في قناة لهم، بعد أن أصبحت قناة المصري" الحياة الآن" لأنهم تركوا الصحفيين للضباع، ومن هم الصحفيون،هم الذين ساعدوا كثيرين من قادة الوفد في الثراء الفاحش، حينما كان أصغر محرر يساعد مسئولي الوفد في الحصول على موعد مع وكيل وزارة أو مقابلة وزير، ومن هؤلاء من يتفاخر اليوم بأنه يريد غلق الجريدة لأنها تخسر ويفصل الصحفيين لأنهم مشاغبون أو أصبحوا كثر على المكان، وأنه لا يحتاج لجريدة غير واسعة الانتشار، بينما لديه عشرات الصحفيين ممن يعملون لحسابه وعلى استعداد لنشر ما يريده في كافة وسائل الإعلام. ضاع حلمنا في انشاء قناة محترمة على البوابة وبيع الجريدة عبر الانترنت وعمل غرفة أخبار عصرية وقيادة موحدة للجريدة لأن هناك من يسعى دائما لتفريق وحدة الصحفيين وألقاء الفشل الذي يرتكبونه في إدارة الحزب وخلله العمل الإداري داخل المكان، على العاملين بالوفد، أملا في كسر شكوتهم أو تشغليهم بنظام السخرة.

أطلت عليكم كلامي نأسف لذلك ولكنها فرصة لتنشيط الذاكرة التي سأتي ثمارها بالكتابة المتواصلة في هذا الأمر وللتأكيد على أنه إذا ما أرادت الإدارة أن تنفذ قراراتها فهي محقة في ذلك وإن كانت تعلم أنها ظالمة، والناس أيضا يعلمون. فالعمل يأتي بالاتفاق وليس " الخناق" ولكن من أدب المعاملة أن يعرف الناس أننا لم نجرم عندما ندافع عن أنفسنا وحقوقنا وكرامتنا .. وليس من الحكمة ألا تتراجع الإدارة عن قرار ظالم" لا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا" ، فما يطلبه حزب عريق مثل الوفد من الرئيس بالعودة عن قرارات يرون أنها غير قانونية، ويراها هو ومن حوله كذلك أفضل أم أن يتراجعوا هم عن قرار يعلمون ويقولون أنه ظلمني .. أيهما أسهل.

على كل حال يا زميلتي وزملائي الأعزاء لا نستجدي الحق من أحد فحسبنا الله ونعم الوكيل وقد كنت دوما أسأل الله الشهادة في سبيله لعل دفاعنا عن لقمة عيشنا هي نوع من أنواع الجهاد الأسمى والشهادى العظمي " فمن مات دون ماله فهو شهيد ومن مات دون عرضه فهو شهيد" وقد مس الدكتور البدوي أرزاقنا وكرامتنا فنسأل الله أن يكون وقوفنا له وقفة الشهداء

نص مقال مجدى احمد حسين الذى صودرت بسببه جريدة الشعب



اعادت البديل نشره

نطالب مدير المخابرات الجديد بإعادة النظر في سياسات الجهاز التي أفسدت الحياة السياسية

مجدى احمد حسين
لا يزال المرء لا يصدق أحيانا الإنجاز الكبير الذى حدث يوم 12 أغسطس الماضى حين اتخذ الرئيس مرسى قراراته التاريخية بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، وإنهاء قصة المجلس العسكرى الذى تحول إلى كابوس على صدر الأمة. وقد كنت على يقين، وكتبت فى هذا المكان، أن محاولات العسكر فى الاستيلاء على الحكم ستفشل حتما باستقراء السنن الاجتماعية والتاريخية، وقلت لهم مرارا لا تضيعوا وقت الأمة بلا طائل. ومع ذلك فقد كنت قلقا من احتمال استمرار التنازع على السلطة بين الجهة الشرعية المدنية المنتخبة والمجلس العسكرى لشهور طويلة أو عام أو عامين، ولذلك نقول بكل الثقة والأمانة إن الرئيس مرسى وصحبه قد اختصروا على الأمة وقتا ثمينا بإنهاء هذه الازدواجية فى السلطة بأسرع ما يمكن، فى حوالى أربعين يوما، وما أقصرها من مدة فى حياة الأمم. ولأن مصر دولة مركزية عتيدة فمن المرجح أن تستقر الأمور وأن تبرهن المؤسسة العسكرية –بل أعتقد أنها برهنت بالفعل– على أنها مؤسسة وطنية نظامية احترافية، وأنها تدرك بعمق أنه لا دور مباشر لها فى العمل السياسى. وإن كان لها دور كبير غير مباشر فى السياسة من خلال مسئوليتها العسكرية عن حماية البلاد من الأخطار الخارجية، والاهتمام بالتسليح، وبكافة قضايا الأمن القومى، ولكن من خلال المؤسسات الدستورية ومن خلال احترام القيادة السياسية الشرعية المنتخبة. ونقطة التحول هذه فرصة تاريخية لإعادة تقييم دور المخابرات العامة، ووقف نشاطها فى الأحزاب السياسية والإعلام، ليس فى مجال مدّ الوطنيين بالمعلومات الصحيحة فهذا مطلوب أن يستمر، ولكن أقصد وقف تدخلها فى العمل السياسى الداخلى للترويج لحكم العسكر ونشر هذه الأفكار من خلال أحزاب الأنابيب أو من خلال بعض الشخصيات المرتبطة بالجهاز، والقيام بالاختراق والتجنيد داخل هذه الأحزاب. أنتهز فرصة تسلم مدير جديد للمخابرات العامة كى أقول له لا بد من طوى هذه الصفحة التى أضرت بهذا الجهاز، وهو جهاز مرشح دائما ليكون نقطة التقاء وطنى للجميع طالما اهتم بمواجهة الاختراقات الصهيونية والأمريكية لمجتمعنا. ولاشك أن قناة الفراعين كانت النموذج الصارخ على ذلك، ففى حين تصور البعض أن ظاهرة عكاشة ظاهرة كوميدية، لم تكن كذلك أبدا، بل كانت ظاهرة فى منتهى الجدية، والمخابرات التى تستعين عادة بكبار الخبراء النفسيين، تستخدم أنواع مختلفة من البشر فى سبيل تحقيق أهدافها، ومن بين ذلك استخدام شخصيات تبدو فكاهية أو عبيطة أو "بتستهبل"، وليس عكاشة هو النموذج الوحيد فى هذا المضمار. تستخدم هذه الشخصيات لتمرير معلومات معينة ومفاهيم معينة، ويمكن التبرؤ منها بسهولة باعتبارها شخصيات غير متزنة، وأيضا بعض الناس يرتبط بهذه الشخصيات كما يرتبط بالممثلين الكوميدى ويحبهم رغم بلاهتهم فى أدوارهم. والحقيقة أن المخابرات العامة كانت صاحبة فكرة حكم العسكر، وممثلوها فى الاعلام أكدوا دائما على أنها فكرة دائمة وليست انتقالية. ولا بد أن نتأكد من أن الجهاز فى عهده الجديد سيكف عن الترويج لهذه الفكرة. لا خوفا من هذه الفكرة الفاشلة، ولكن لأن استمرار تبنّيها سيظل يشغل جهازا أساسيا له صلة عضوية بالمؤسسة العسكرية بالتدخل الدائم فى السياسة الداخلية، ومحاولة اختراق الأحزاب وإفسادها. والانشغال عن المهام الأساسية للجهاز فى التصدى للاختراقات الخارجية. والشهادة لله فقد لاحظت أن الرموز المحسوبة على جهاز المخابرات قد خفت وتيرة ظهورها فى الاعلام المرئى، بعد أن كادت تسد الأفق. ونرجو أن تكون هذه سياسة جديدة، وليس مجرد لحظة إحباط بمناسبة عزل طنطاوى وعنان وإنهاء حكم المجلس العسكرى. ولقد كان موقف الفريق الاعلامى للمخابرات يركز على فكرة أن الإخوان هم الوجه الآخر للحزب الوطنى، وأن الثورة لم تحقق شيئا، بل يروجون أن حكم الإخوان أسوا من حكم مبارك. وقد ظهر التحالف مع الفلول فى هذا الموقف خلال حملة شفيق، واستمر بعد نجاح مرسى. وظهر خلال الإعداد لتمرد 24 أغسطس الذى تم إجهاضه بإذن الله. ظهر التحالف الوثيق بين اعلام المخابرات وإعلام الفلول ضد مرسى والمستمر حتى الآن فى الصحف الورقية المرتبطة بالمخابرات، وفى المحطات الفضائية المتهمة بأنها من تمويل جمال مبارك وصفوت وباقى جماعة طره. ومن العار أن يتحدث من يحسب نفسه على الثورة دفاعا عن قناة الفراعين لصاحبها مقبّل أيادى صفوت الشريف، فبغض النظر عن التهريج وقلة الحياء فإن جوهر ما روجت له هذه القناة هو: ضرورة حكم العسكر، وتحديدا حكم المخابرات، مطالبة طنطاوى أو عمر سليمان بالترشح؛ باعتبار أن ذلك هو الحل الوحيد لمشكلات مصر! ثم تبنّى شفيق اتهام الثورة بأنها صنيعة أمريكا والصهيونية، وهذا نفس رأى عمر سليمان. واتهام الإخوان بأنهم عملاء لبريطانيا وأمريكا. بدون أى حياء من العلاقات الوثيقة بين العسكر وأمريكا!وكانت رموز المخابرات العامة تظهر على القناة ومن بينهم من يعرف نفسه بأنه من العاملين السابقين بالمخابرات، ويتحدثون فى نفس خط عكاشة مع تقديم وافر الاحترام له، بل قام محافظون حاليون بالاتصال على الهواء وأعربوا عن كامل احترامهم للرمز الوطنى عكاشة (أذكر الآن محافظ أسوان). وقد بثت الفراعين إعلانات مدفوعة الأجر لمؤسسة التصنيع الحربى، وهذا دليل على تمويل جهة عسكرية للقناة. وقد علمنا من إخوتنا فى القوات المسلحة أن هناك أمرا داخل وحدات الجيش بالاستماع لقناة الفراعين باعتبارها القناة الوطنية الوحيدة. وأخيرا اطلعت على منشور بهذا المعنى صادر من رئيس أركان القوات الجوية، وجاء فيه بالنص:
عاجل جداً
بناء على تعليمات رئيس أركان القوات الجوية:
برجاء التكرم باتخاذ اللازم نحو قيام القادة على كافة المستويات بالتنبيه على السادة الضباط –صف الضباط– الجنود بضرورة مشاهدة قناة الفراعين؛ حيث تتصف برامجها بالحيادية والموضوعية وتفضيل مصلحة الوطن على أى مصالح أخرى.
مع وافر الاحترام
التوقيع
لواء طيار أركان حرب يونس السيد المصرى
رئيس شعبة العمليات الجوية
27 – 11 – 2011
لا أريد أن أنكأ جراحا، بل أريد أن ننظر إلى الأمام، وتصريحات وزير الدفاع الجديد مطمئنة وجيدة، وأرجو أن تكون قد فتحت صفحة جديدة فى هذا المجال: مجال علاقة القوات المسلحة بالسياسة الداخلية. نحن الآن لدينا رئيس منتخب وسيكون لنا دائما مؤسسات منتخبة من الشعب، والشعب سيحكم نفسه بنفسه من خلال هذه الدورات الانتخابية التى ستحدد المشروعية التى لا خلاف عليها فى تمثيل الأمة. والمؤسسة العسكرية تتبع المؤسسات المنتخبة، ولكن لها دورا مقدرا ومحترما فى صناعة القرار السياسى والعسكرى والاقتصادى، من خلال مجلس الأمن الوطنى وغيره من الآليات.
ولكن لا تزال حتى هذه اللحظة بعض الأقلام المحسوبة على جهاز المخابرات تبشر بإمكانية حدوث انقلاب عسكرى بعد حين، وهناك من يتحدث عن أن المؤسسة العسكرية لم تهزم فى تاريخها أمام أى تيار مدنى، ولكنها تهزم فحسب أمام قوات الاحتلال!!! وهذا الكلام لا يشرف أى مؤسسة عسكرية فى الدنيا، ولكنه يقال على سبيل التخويف والتهديد وإثارة القلق. هذه النغمات تظل تشدنا للخلف بلا طائل، وتشيع أجواء من عدم الاستقرار، رغم أن كل الظروف مهيأة تماما للاستقرار.
نحسب أن الخطة الانقلابية للمجلس العسكرى ولبعض أجهزة الأمن وربما أطراف فيها قد اندحرت وأجهضت بقرارات عزل طنطاوى وعنان وتفكيك المجلس العسكرى، وتجديد دم القوات المسلحة وقيادتها. خاصة إذا كان وزير الداخلية الجديد متعاونا مع العهد الجديد، وهذا ما يبدو حتى الآن.
إن ما نسمعه من صراخ حول نصرة عكاشة وجريدة الدستور التى تحولت لنسخة مطبوعة لقناة الفراعين، إنما هو من قبيل حشرجة الموت لفلول النظام المحتضر، ونهيب بالوطنيين من التيارات الليبرالية والقومية واليسارية الانتباه لعدم الاصطفاف مع الفلول الإعلامية لعهد مبارك تحت عنوان كاذب اسمه حرية الصحافة والإعلام. ونقول لم يكن من أهداف الحركة الوطنية تحويل الصحف القومية إلى صحف معارضة، فهى صحف حكومية حتى نعيد النظر فى وضع هذه المؤسسات من خلال الدستور الجديد، وبالتالى ليس من وظيفة المؤسسات الصحفية أن تكون ضد الحزب الفائز فى الانتخابات، وعندما ينتقد بعض الكتاب فيها السياسات الرسمية يكون ذلك فى إطار التسليم بمشروعية الانتخابات ونتائجها، ولكن بعض الكتاب يريدون أن يرفضوا نتائج الانتخابات ويدعون لثورة على الحزب الفائز فيها فى الصحف الحكومية، فإذا منعت مقالاتهم بكوا على حرية الصحافة. إن حرية الصحافة تتبدى فى حق الصحفى فى الكتابة فى صحف المعارضة أو الصحف المستقلة. مثلا فى (BBC) لا يمكن تنظيم حملة لإسقاط النظام الحاكم فى بريطانيا.ولكن بعض الكارهين للخيار الاسلامى يريدون استغلال الأهرام والأخبار والجمهورية للدعوة لثورة على حكم الرئيس مرسى، وهذا لا مثيل له فى أى نظام ديمقراطى!
إثارة هذه القضايا أشبه بالعمل التعرضى الذى يحول بين الأمة وبين انطلاقها للأمام. إذا كان هناك من يخشى بإخلاص على ضمانات الديمقراطية فليركز المناقشات ولفت الانتباه لعملية صياغة الدستور فى المضمون (بدلا من المماحكات المستمرة حول معايير وتشكيل الجمعية التأسيسية). وسيكون جميع المخلصين الوطنيين من مختلف الاتجاهات مع أقصى ضمانات لنظام الحكم الديمقراطى. سنكون جميعا يدا واحدة ولن تمر أى مادة تهدد الحريات أو تداول السلطة إلا على جثثنا جميعا، وكل الأطراف العلمانية فى الجمعية التأسيسية لا يشعرون بأى حالة من حالات الإكراه فى اتجاه معين، فدعونا نركز على هذا العمل الإستراتيجى بدلا من التفتيش فى النوايا. وخلال شهر أو شهرين سيكتمل مشروع هذا الدستور إن شاء الله، وسيكون أمام الجميع قبل الدخول فى مرحلة الإقرار والاستفتاء.
فى تقديرى أن نشاط الفلول من قبيل حشرجة الموت، أما المسار الرئيسى للثورة فلا بد أن يستكمل بكل قوة. على الرئيس مرسى بعد أن فرغ من مناكفات المجلس العسكرى وازدواجية السلطة المعطلة، أن ينطلق فى العمل الرئيسى التالى؛ وهو حركة المحافظين ثم حركة رؤساء الأحياء والمدن. تطهير الحكم المحلى له أولوية. وتطهير الوزارات من عناصر الفساد والتسلق والمستشارين الذين يحصلون على قرابة 20 مليار جنيه. وأن ينسى تماما برنامج الـ 100 يوم، فقد قام بأكبر وأجلّ عمل فى 40 يوما وهو الخلاص من المجلس العسكرى. الآن نريد الخطوة السليمة الأولى فى كل مجال: نريد المشروع الأول فى تعمير سيناء، نريد المشروع الصناعى الأول.. إلخ، علينا أن نتقدم على محاور التنمية الأساسية جميعا، بشكل مترابط ومتكامل. ولا بد من ملاحظة أن بعض الأفكار التى يطرحها رئيس الوزراء قنديل قد تثير القلق والخلاف، فهو ما يزال يتحدث عن أهمية الاقتراض من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، لا تزال بعض مشروعات القريبين من الإخوان المسلمين تركز على التجارة (الجملة والتجزئة) والاستيراد. لا بد أن نرى أفق العمل الصناعى الإنتاجى باعتباره قاطرة التقدم وتوفير فرص العمل والتنمية المستقلة الواعدة والناجزة. وفى هذا الإطار أرى زيارة الرئيس مرسى للصين فى منتهى الأهمية إذا كانت بأفق التعاون الاستثمارى والعلمى والتكنولوجى، وليس من أجل المزيد من الاستيراد الاستهلاكى. لقد سافر مبارك للصين عدة مرات وعاد بخفى حنين لأنه كان مرتبطا عضويا بالولايات المتحدة، كذلك لم يهتم بزيارة الهند. والصين على وشك أن تحتل اقتصاديا المركز الأول فى العالم وتهبط أمريكا للمركز الثانى، أما الهند فقد وصلت للمركز الرابع. والاقتصادان الهندى والصينى هما أكثر الاقتصادات سرعة فى النمو، ولولاهما لكان النمو العالمى بالسالب. وفى المقابل لاحظ الأزمات المتصاعدة فى الاقتصاد الأمريكى والأوروبى.
وسأعود لهذا الموضوع مرارا وتكرارا: هبوط الولايات المتحدة وصعود الهند والصين والعديد من دول أسيا وأمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا.
ولكن أكتفى الآن بالإشارة إلى أن أمريكا قوة آفلة، وأن الاهتمام الزائد بربط عجلة اقتصادنا بها فكرة حمقاء، فضلا عن أنها فكرة غير وطنية وغير مفيدة لاقتصاد البلاد ورفاهيته، ولنا فى ثلاثين عاما فى العهد البائد مثل واضح. فأرجو من السيد رئيس الوزراء ألا يردد على مسامعنا البشرى بأنه على وشك الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى أو القول بأن القرض شهادة حسن سير وسلوك للاقتصاد المصرى، وهو نفس التعبير الذى قاله لى عصام شرف فى المرة الوحيدة التى التقيته فيها. وأذكر أننى نصحت شرف بالسفر إلى الصين واقترحت عليه من باب تخصصه أن يعقد اتفاقا مع الصين لبناء خط قطار سريع سرعته بين 300 و500 كيلومتر فى الساعة. ولكنه استخفّ بالفكرة وطالب منّى القيام بذلك!!
زيارة الرئيس مرسى للصين فرصة للحديث عن أهمية العلاقات الخارجية فى حل مشكلات مصر الداخلية، وسنعود لهذا الحديث. وكل عام وأنتم بخير بعيد الفطر، أول عيد فطر بدون مبارك وطنطاوى!

قائد الجيش البريطاني في العراق : السيستانى خير من خدم وجودنا في العراق؟



صدر عن دار النشر (كانونجيت) في بريطانيا الكتاب الأول للسير الجنرال البريطاني ريتشارد دانات يتحدث في بعض فصوله عن مرجعية السيستاني حيث يقول ريتشارد دانات: (اغلب جنودي انهزموا نفسيا بعد أسابيع من احتلال العراق وان واشنطن سببت العنف في العراق ولم تستطع التعامل معه ايجابيا بل كانت تزيد الوضع سوءاً) .
 ويضيف بمذكراته (إن بريطانيا أصبحت مهزوزة داخليا بسبب دخولها حرب العراق الأخيرة وبات أمنها الداخلي محط تخوف دائم بالنسبة للقيادة الأمنية).. وعن علاقته بالشخصيات العراقية تكلم في الفصل الثاني من المذكرات: (كنت أتمتع بعلاقات وطيدة مع العديد من السياسيين العراقيين الذين كنا نلتقي بهم في لندن قبل الحرب الأخيرة، وكذلك مع بعض رجال الدين الذين كان لحكومتي تعاون مسبق معهم حول تسهيل عملية الدخول والتنقل في مناطق العراق خصوصا الجنوبية منها)..
 ويواصل حديثه قائلا : (فقد ذكر لي المسؤولين في بريطانيا أن هناك مرجعا اسمه السيستاني سيصدر فتوى تعطل العمليات القتالية ضد قواتنا والقوات الأمريكية، وان المسؤولين في بريطانيا عقدوا مع السيستاني صفقات مختلفة حول مصلحة الطرفين وذلك حينما كان السيستاني ضيفا على لندن عام 2004، فقد تواصل معي ممثلون من مكتب السيستاني وكانوا ينقلون لي تحايا السيستاني مراراً وكنت اخبرهم امتناني لشخصه لأنه اصدر ما يسمى في اصطلاحهم ( فتوى) لإيقاف أي عمليات تفجير أو مجابهة لقواتنا العسكرية)..!
 وأيضا ذكر ريتشارد دانات في الفصل الأخير من مذكراته : (أثناء وجودي بالعراق علمت ان هناك ميلشيات قتالية يقودها رجالات الدولة العراقية وبعضها بقيادة رجالات دين أمثال مقتدى الصدر ومهمة هذه الميلشيات هي القيام بتصفية كل من يعارض فكرهم وتوجههم السياسي وان هذه الميلشيات غالبا ما تدرب في إيران ويصرف عليها ملايين الدولارات وان غالبية أفراد الميلشيات هم لا يجيدون القراءة والكتابة)..
 ويقول أيضا: (أرى ان خير من خدم وجودنا في العراق هو السيستاني الذي ساعدنا بشتى الطرق واذكر كلمات من كان يمثله كان في كل لقاء يكرر علي جملة لأنه قال لي في أول لقاء (اعرف ان تصريحاتك نارية في الإعلام) فكان يكرر علي جملة بعد انتهاء كل لقاء: (هذا ليس للتصريح بل الأمر بيننا وبينك!)، كنت ابتسم له وأشير براسي دلالة على قبول ما يقول.. فقد كنت اعرف ان لديهم في العراق رجل الدين يجب أن تكون صورته ملمعة ومقدسة في كل وقت واعرف تماما أن أبناء الشعب العراقي كانوا يعتبروننا رجسا وأحفاد الشياطين !)
 ويقول في صفحة 193 : (اعرف أن للسيستاني مؤسسة هنا في لندن كما اعرف ارتباطه الوثيق برجالات حكومتي لذلك كنت غالبا متعاون معهم فيما يطلبون منا ولكن هذا التعاون كان أشبه بالسري حسب ما يريدون هم فعند انتشار مقاطع فديو إباحية لاحد اتباع مكتب السيستاني في جنوب العراق طلبوا مني عبر رسالة وصلتني الى لندن ان اتصل بـتشاد هيرلي وبستيف تشين مؤسسي موقع اليوتيوب وقالوا لي في رسالتهم بالحرف : سندفع أي مبلغ يطلبوه من اجل رفع تلك المقاطع التي اتضح أنها منتشرة بصورة كبيرة وتم الاتفاق ودفع مكتب السيستاني من اجل إزالة تلك المقاطع 500 مليون دولار)..!
 وفي الكتاب الكثير من الحقائق التي يطرحها ريتشارد دانات عن ما جرى في العراق خصوصا عن الحروب الطائفية التي جرت في بغداد وعن الصفقات السياسية التي تدار خلف الكواليس وفي الغرف المظلمة. وقد أرفق مذكراته بمصورات عديدة له ولجنوده في مناطق العراق المختلفة

العالم والمشكلة الأخلاقية المعاصرة



صادق جواد سليمان

منشأ المشكلة وتفاقهما

منذ القرن السادس عشر، القرن الذي عُرّف لاحقا بعصر الاكتشاف جراء ما حصل خلاله في العالم الغربي المسيحي من اكتشاف جازم للحقيقة الفلكية لوضع الأرض: أنها ليست مركز الكون، بل كوكباً من مجموعة كواكبَ دائرةٍ حول محاورها وسابحةٍ بانتظام في أفلاكَ متفاوتةٍ مدار الشمس...منذ ذاك، بدأ عالمنا الأرضي يرتسم في مُدرك أهل الغرب على نحو أدق وأوضح كجسم كروي سابح في فضاء شاسع، تتشاركه سكَنا - شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، - أمم بشرية مختلفة الأعراق والديانات والثقافات واللغات.

اكتشاف هذا الشق من التشكل الكوني على وجه محقق سرعان ما استتبع حراكا بحثيا نشطا في الذهن الغربي حول منشأ الكون ككل، فتشكله تباعا في مجرات متباعدة عن بعضها باطراد، حول نشوء الحياة على الأرض، فتفرعها مع الزمن في أجناس مختلفة، وحول ظهور الإنسان لاحقا وتطور حاله جنساً حياتيا راقيا، مقتدرا على الاستهداء الصحيح في تنظيم شأنه، تحسين وضعه، والتكفل بتوفير متطلبات معيشيته بقدرات ذاتية، عقلية وعضوية.

لكن، عِوض أن يؤدي تبلور هذا المدرك العلمي الصميم، وما استتبع عبر القرون اللاحقة من معارفَ علميةٍ جديدة عرّضت فهم الإنسان لنفسه ولمحيطه الكوني ... عوضَ أن يؤدي إلى إطلاق سياق تضامني وتعاوني بين الأمم البشرية جميعها، في نسق يثري الخبرة الإنسانية عامة بما هو سليم ونافع ودافع مستقبل الإنسانية في اتجاه حضاري...عوضَ ذلك، أدى هذا التبلور العلمي لدى أهل الغرب إلى نزعة سلطوية سرعان ما تجسدت في ظاهرة الاستعمار.

بدل توجه  إنساني حضاري، انبرى العالم الغربي المسيحي، ممكَنا بتفوق قدراته العلمية والعملية المستجدة، إلى بسط سيطرته على سائر أمم الأرض.  توازيا مع ذلك، شرع أهل الغرب في الابتعاد تدريجيا عن معطيات ديانتهم المسيحية، متبنين في المقابل إيديولوجيات علمانية قليلة الاكتراث بالشأن الإنساني ككل: إيديولوجيات متنافسة، بل ومتناقضة، ما بين بعضها، من وجه، ومتعارضة مع الديانة المسيحية، بل ومعاديةٍ الأديانَ عامة، من الوجه الآخر.

استطرادا هكذا مع سياق تعاظم إمكاناته وتعزز ثقته بمكنته العلمية واقتدراه العملي،  ازداد الغرب، أكان في طابعه القومي الثقافي الموروث، أو في توجهه العلماني المستجد ... ازداد ازدراء بالديانات والثقافات الأخرى عبر العالم، فأقبل على محاولات لطمسها حينا، وتطويعها لمنظومته الإيدولوجية العلمانية، أو احتوائها ضمن أنساق طابعه القومي الثقافي، حينا آخر.

تلك المحاولات لم تفلح.  على النقيض، التمادي فيها، باللجوء لوسائل الترغيب حينا، ووسائل الترهيب حينا آخر، ولّد صلابة فيما أريد طمسه أو أضعافه.  أما الأثر الضخم الذي نتج عن التقدم الحداثي العظيم الذي حققه الغرب ونشره عبر العالم (العولمة)، فغير به عمقا وعرضا الأوضاع الحياتية للبشر عامة،  فهو بدوره ولّد بواعث قلق جديد لدى الإنسان في جميع مواطنه على هذا الكوكب.

بالنتيجة، مع نهاية القرن العشرين، مع أنها اقتبست من علوم الغرب وتطبيقاته التكنولوجية كل ما أمكنها اقتباسه والاستفادة منه، دونما تحفظ يذكر، بل وبكثير من حماس ... رغم ذلك، بدت شعوب الشرق أكثر تمسكا بدياناتها وخصائص ثقافاتها عن ذي قبل.  فوق ذلك، هي بدأت تكتشف في دياناتها وثقافاتها، رغم كل ما اعتراها من نقص معرفي جراء ركود مديد، قابلياتٍ ذاتيةَ تمكينيةً لا تعوقها بالضرورة عن إحراز ما أحرزه أهل العالم الغربي من تقدم معرفي واقتدار تكنولوجي، إذا هي – شعوب الشرق - بدورها اجتهدت في أمرها كما اجتهدت شعوب الغرب... وإذن، لا ضير من أن تحتفظ بدياناتها وثقافاتها، بل الأجدر أن تصطحبها معززة،  بل ومعينة لمسعاها، على المسار التقدمي

في المقابل، استفاق الغرب على صدمة ذاتية بإدراك أنه بتغييبه التعالق بين التقدم العلمي والالتزام الخلقي كأمر أساس،  تسبب تقدمُهُ العلمي والعملي المتواصل على مدى عدة قرون، في سياق إحرازه وتفعيله، دونما تقصد من أهله، في كوارث غير مسبوقة هولاً: إنه جر إلى اقتتال مهول وتدمير كاسح ما بين أمم العالم الغربي ذاتها، إنه جلب مخاطر جسيمة على سلامة البيئة الطبيعية عالميا، وإنه ولد  اضطرابا مرهقا شديد النزوع لاستعمال العنف في عموم الحراك الإنساني.

استفاق الغرب على إدراك فظاعة الدمار الذي أحدثته الحربان العالميتان اللتان خاضتهما مجتمعاته الممكّنة بالعلم الحديث واقتداراته العملية.  بطواحينهما الفاتكة، في غضون 12 عاما (1914-1918 ثم 1939-1945)، أزهقت الحربان أرواح سبعين مليونا من الناس، وألحقتا دمارا واسعا ومنهكا بكافة مرافق الحياة، في أوروبا نفسها واليابان خاصة، وعامة عبر العالم.  هذا إلى جانب حروب طاحنة أخرى لاحقا، كالحرب الكورية (1950-1953)، حرب فيتنام (1959-1975) والحرب ضد نضال التحرر الوطني في الجزائر (1954-1958)،  تسببت في إشعالها دول الغرب، ممكَنة بالعلم الحديث ومبتكراته الحربية.  في كل ذلك، غياب الالتزام الخلقي أطلق العنان لأطماع  امبريالية ولدت سياسات تسلطية تجسدت في فروض قسرية أملتها دول الغرب على الشعوب المستضعفة مدار الأرض.

ثم مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، أوصل الغرب البشرية إلى حافة احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة بأسلحة ذات دمار شامل: نووية وأخرى كيماوية وأخرى بيولوجية، هي اليوم مكدسة بكميات مهولة في ترسانات محصنة، جاهزة للاستعمال بضغط أنامل على أزرار من داخل سرية غرف إلكترونية ... أسلحة إن أطلقت، أو أطلق بعضها يوما جراء خطأ أو حماقة من قبل فرد أو فريق، فإنها لن تبقى على كثير من أخضر أو يابس على هذا الكوكب الذي تتشاركه أمم الأرض من البشر وسائر الحيوان.

من وجه آخر، جراء تصنيع متهافت بدأته أمم الغرب، وقلدته في ذلك، واستوردت منتجاته بشراهة، سائر الأمم عبر العالم، الكبرى منها بالأخص، كالصين والهند واليابان، والبرازيل، دون تحفظ، حدث إضرار خطير بالبيئة الطبيعية، إضرار بدأت آثاره الوخيمة تتكشف لنا فيما نشهد من تزايد التلوث على الأرض وفي الفضاء، وتباعا فيما بدأت تداهمنا مدار الأرض من اضطرابات مناخية متلفة ومكلفة.

ما العمل؟

إزاء سياق الانزلاق هكذا  إلى رمي النفس إلى تهلكة جماعية، إن كان باحتراب مدمر متكرر ما بين دول، أو بعمليات إرهابية من قبل جماعات تحدوها ردود فعل شديدة ضد ما هي تشعر من تعرضها لظلم أو غبن، ويمكّنها في عملياتها الإرهابية تلك انتشار أسلحة فتاكة أنتجها الغرب، أو إزاء اختناق بيئي مستشر لا يمايز بين الحدود الجغرافية للدول، ولا بين ديانات وثقافات الشعوب ... إزاء كل ذلك ألا يحق أن نتساءل: ترى ماذا بقي لنا أمم الأرض ما نلجأ له للحد من تفاقم هذا الانزلاق الوخيم؟

أيضا، إزاء ما نشهد من تزايد الاضطراب في الوضع البشري، سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا وثقافيا، لدرجة بدأ يصعب معه الحفاظ على الوئام الوطني ضمن عدد متكاثر من الدول، كما  بدأ يتصعب الحفاظ على السلم العالمي جراء التفاعل المتزايد المتسم بالسلبية في العلاقات ما بين الأمم ,,, ترى ألا يحق أن نتسائل: ماذا يتوجب علينا أمم الأرض جماعيا أن نعمل للحد من هذا وذاك؟

بتعبير آخر: في مجمل الحال، ما هو سبيلنا تضامنيا إلى منع تراجع مسالك الوئام في الأوطان، ومنع انهيار مسالك التعاون ما بين الدول، كي لا يستمر الوضع الإنساني في الانحدار للأدني والأردأ باطراد، بل أن يُستدرك الخطأ والشطط، ويُتدارك ما ينتج عنهما من مخاطر تتهدد الحال والمآل، وبذلك تقوّم مسالكنا بالتصحيح والإصلاح، وتُولّى وجهة تطورنا، وطنيا وعالميا،  لما هو أسلم وأصح وأصلح؟

نحن نعلم أن القوام المشترك لسلامتنا وصلاحنا ويسرنا المعيشي جميعا أهل الأرض هو السلم والوئام والتعاون، وأن لا غنى لنا، بل لا بديل، عن تعزيز كل ذلك من منطلق الاعتماد المتبادل على أساس نفع مشترك.  إذن – نعود لنتساءل:  ترى ماذا يترتب علينا، كمجتمع إنساني واحد، وإن تعددنا أوطانا، وتباينا أعراقا وثقافاتٍ وأديانا ومذاهب فكرية ... ماذا يترتب علينا أن نعمل لدرء احتمالات تلك المخاطر الكارثية، الماثلة أمامنا، والمهددة سلامة حالنا، تلك التي تسببنا في خلقها بما كسبت أيدينا في غياب وعي رشيد، وبتهافت حداثي بدأنا ندرك أنه إذ جلب لنا منافع جمة في توفير وتيسير شتى أسباب الحياة، فقد ساق لنا في المقابل، على غفلة منا أو تغافل، وضعا خطرا وسياقا إن ترك حبله على غاربه أدى إلى عواقب مهلكة ... إلا ما رحم ربي.

من التاريخ نستخلص أنه قلما يخلو سجل أمة من إسهامات إيجابية وأخرى سلبية في الشأن البشري.  إذن، حيث نحن اليوم، لا يجدي كثيرا أن نقف طويلا عند تقاض أو تلاوم حول معاملات تاريخية خلت عانت منها أممنا بعضها من بعض، أو أن نتخاصم جراء تصرفات عانينا منها  بحماقات مشتركة في ماض قريب أو بعيد.  اليوم، أنى شئنا وضع الملامة التاريخية على ما صدر من مختلف أممنا من تفريط بحق الإنسانية، أو على العكس، أنى شئنا تسجيل الثناء على ما صدر منها من عطاء جدير، فإن ذلك لا يغنينا من أن نعي بعمق أننا، أممَ الأرض جميعا، في واقع الأمر، عبَرَة في سفينة واحدة، هي اليوم عرضة لمخاطر بيئية مشتركة، هي اليوم أمام احتمالات احترابية مهلكة، وهي اليوم رهن ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية عالمية تتأثر بها جميع الأمم سلبيا جراء تخاصم مزمن متفاقم بين بعضها من بعض.

بنظري، من صميم هذا الوعي بالحال والمآل يجدر بنا، بل يتوجب علينا جميع أمم الأرض، عقلانيا، وبمنهاج  مشترك، أن نفرز فكرا ونتلمس طرقا، على الصعيدين الوطني والعالمي معا في آن، لتجنب التخاصم والاحتراب. في المقابل، لتعزيز السلم والوئام والتعاون، وبكل ذلك، لتحسين الوضع الإنساني معيشيا، وإعلاء الشأن الإنساني حضاريا، يتوجب علينا انتهاج ثقافة التعايش السلمي، مردفة بتفعيل التنمية الإنسانية مدار العالم: ثقافة مثرية  متوسعة، وتنمية مستدامة متراقية، تسري عبر تعاقب الأجيال.   

في عهود خلت كانت كل أمة، وهي محدودة التواصل مع الأمم الأخرى، تحسب أن كل الحق معها، كل الصواب فيما تعتقد، كل الرشد فيما أوتيت، كل الخير للإنسانية فيما هي تدعو له، لذا كان خطابها ينحصر في تأكيد ما هي لديها ذاتيا من موروث وحاضر، دون التفات يذكر إلى ما لدى الآخرين من موروث ومستجد.  لذا، كان خطاب كل أمة في جله حديثا يؤكد الذات أكثر منه تحاورا مع الآخر: مونولوجاً أكثر منه ديالوج.

من الوجه الآخر، ضمن الوطن، كان صاحب السلطة المعضدة بالعسكر يعزف عن التحاور مع سواد الشعب، وعبر العالم، كان القوي من الأمم يرفض  التحاور مع الضعيف منها: بدل التحاور، كان المهيمن، في الحالتين، هو من يملي ويسيطر دون رادع أو وازع.  وكان الضعيف، في غياب فرصة للاعتراض بوسيلة الحوار، يُرغم إما على الرضوخ لوطأ العنف، أو على اللجوء لعنف مضاد.

طبيعة المشكلة

المشكلة العالمية المعاصرة بواقعها الراهن، بمخاطرها المصاحبة، وبخلفياتها التارخية الحديثة، على نحو ما عرضت، هي، بنظري، مشكلة أخلاقية في الصميم.  إنها تكمن في تغافلنا المشين، بل والغشيم، عن منظومة المبادئ والقيم التي نعيها نظريا كأساس لازم لسلامة الوضع الإنساني ونتجاهلها عمليا في التطبيق.  آية ذلك، مع أننا ثبتنا هذه المبادئ جليا في دساتيرنا الوطنية ومواثيقنا الدولية، فإننا  لا نزال نتراجع عن الالتزام بها عند ظهور أدنى تعارض لها مع ما نعتبرها، بتشخيص خاطئ،  "مصالحَ " وطنية أو شخصية

أقول "بتشخيص خاطئ" لأن في واقع الأمر، في التحليل الأخير، لا توجد مصلحة شخصية حقيقية بمعزل عن المصلحة الوطنية، ولا توجد مصلحة وطنية حقيقية بمعزل عن الصالح الإنساني العام. العلة الرئيسة لمشكلة تراجع الحال الإنساني هي، في فهمي، غياب التركيز على محورية "اللازم الخلقي" (The Categorical Imperative) في استمرار بناء التقدم، مقرونا بقصور الاعتناء بتوسيع وترسيخ الوعي حول الالتزام الخلقي باعتباره المرجعية العليا المشتركة إنسانيا، فوق مرجعيات الانتماءات الوطنية والدينية والإيديوليجية المتعددة للأمم عبر العالم.

ما أعنيه هو أننا على صعيد المجتمعات الوطنية على انفراد، وعلى صعيد المجتمع الأممي كحال إنساني مشترك،   بحاجة لوضع منهاج خلقي نقره ونلتزم به في كافة ما نسن من قوانين ونبرم من اتفاقيات وعهود ومواثيق.  بتنظيم وتهذيب كافة مسالك التعامل والتفاعل الإنساني هكذا على أساس موحد وفي إطار مشترك نضمن ما أمكن سيادة اللازم الخلقي في كل ما نستنبط ونبدع في سبيل خدمة مصالح الأفراد بتناسق مع رعاية الصالح الوطني المشترك والصالح الإنساني العام. لا أنفي، بل أعترف بإشادة، أن سياقا حضاريا كهذا آخذ مجراه في اجتهادات عديد من الدول، وعموما في نشاطات المنظمات الدولية المعاصرة.  لكنه، بتقديري، سياق متباطئ، بل ومتعثر، لا أراه ناجعا تماما في استبعاد ما ذكرت من السلبيات المفسدة للحياة المعاصرة، والمستجلبة للأخطارعلى الصعيدين الوطني والعالمي بسواء.

وحدة المبادئ والقيم

لا يحدث تغيير - فيما هو مُتاح للإنسان أن يغير فيه للأصلح  - إلا أن يكون مسبقا بتفكير قويم.  ولا يستقيم فكر إلا أن يكون ملتزما بمبادئ وقيم تؤدي إلى اتساق الأمور وفق استحقاقات سعادة الأفراد وسلامة الصالح العام.  ولأن عوامل الصلاح والفساد والرفع والخفض والقوة والضعف في الحال الإنساني واحدة وثابتة، فإن المبادئ والقيم التي بها يتقدم حال الناس وبغيابها يتراجع، واحدة وثابتة أيضا:  بتعبير آخر، النفس الواحدة التي انبثق منها زوجها، وانبثت منهما نفوس كثيرة، ذكور وإناث، خُلقت لتحيا أو تهلك، تتقدم أو ترتكس، بذات الأسباب.  بفعل هذه السنة الجامعة لحال الإنسان، المهيمنة على مسيره ومصيره، سادت أمم حين عملت بالمبادئ والقيم الإنسانية فأوجدت بذلك معطيات حياة طيبة، وبادت حين تجاهلتها أو تنكرت لها من بعد علم، فنقضت غزلها وورث ما أنجزت قوم آخرون

المبدأ، تعريفا، هو الفكرة الأولى التي منها يبدأ النظر العقلي في أيما أمر.  هو أيضا الفكرة التي يلتزم بها ويسعى لتحقيق مقصدها العقل في جميع الأمور.  بتعبير مرادف: المبدأ هو الفكرة الأم التي تستتبع أفكارا ثانوية متعددة تقاس جدارة أي منها بمدى اتساقها مع الفكرة الأم.  في أدبياتنا الإسلامية سمي المبدأ  أصلا،  باعتباره المنطلق الأول والمآل الأخير في التنظير:  لا شيئ يسبقه في النظر، كل  شيئ يلحقه، به يوجه مسار البحث، منه تستمد الحجة،  وإليه يُركن الحكم في أيما قضية آخر الأمر.

المبادئ إنسانية في ماهيتها، مداها، ومؤداها، بمعنى أنها تتصل  أصلا وفرعا، مسلكا ومضمونا، جملة وتفصيلا، بالشأن الإنساني.  إنها أصول فكرية أفرزتها خبرة البشر وذكّرت بها النبوآت في مختلف الثقافات والحضارات عبر العصور.  إنها أفكار جوهرية ميزها الإنسان من حيث لزومها الحيوي لصلاحه ونمائه، كفرد ومجتمع، بل كجنس حيواني متميز بوعي متفوق ومتطور.  هي أفكار يرتبط بها رقي الأفراد والأمم في كل عصر: أفكار تشكل قاسما مشتركا وكلمة سواء بين الناس كافة، لكونها مؤصلة في حال إنساني واحد يصلح ويفسد، يتقدم ويتخلف، يسمو ويتدني، عقلا وجسما، بذات العلل والأسباب.  

المبادئ والقيم هي ذاتها في وعي الناس كافة.  آية ذلك أننا، عالميا،  نشخص تحديدا:  العدل،  المساواة،  حرمة الإنسان وكرامته،  والشورى (الديمقراطية)  مبادئَ انسانيةً أصيلة وعامة.  لا نتصور شأنا من شؤون البشر إلا أنه يركن في سلامة مضمونه ومنهاجه إلى واحد أو أكثر من هذه المبادئ الأربعة.  لا نتصور معاملة ذات نفع مشترك بين اثنين أو أكثر من الأفراد أو المجتمعات إلا أن تتصف بعدالة المحتوى، بالتكافؤ أمام القانون، بصون حرمة وكرامة الجميع، وبالقيام على أساس الاختيار والمشاركة، لا الإكراه والإقصاء.  يستتبع هذا أنه بقدر ما يكون التزام أمة ما بهذه المبادئ الإنسانية كأمر أول وأساس، التزاما مثبتا في الدستور، مشرعا في القانون، ومحققا بحرص دائب في سائر فاعليات الحياة، الخاصة والعامة، يكون صلاح تلك الأمة على الصعيد الفردي والجماعي.  بذلك أيضا يكون إطلاق إمكاناتها وتفعيل قدراتها على مسار التقدم والازدهار.  على مرجعية المبادئ تتفق الناس كافة، أو على الأقل تجاهر بالاتفاق، حتى حيث تختلف في اجتهاداتها وتفسيراتها، أو حتى حيث  تتنكر للمبادئ في التطبيق.  بتعبير آخر، إلى مرجعية المبادئ يحتكم الأفراد والأمم مهما تعارضت ما بينهم النزوعات  أو تباينت الرؤى والرغبات، ويحتكمون إليها بإخلاص مرارا، وبنفاق أحيانا، لكنهم قلما يتنكرون لها جهارا أو يقابلونها برفض صريح.

مع المبادئ تأتي القيم، وكما للمبادئ كذا للقيم عمومية التأثير على أحوال الناس في أيما أمة.  القيمة حصيلة إنسانية تدر نفعا لحاصلها ومجتمعه، ومن بعد ذلك يعم نفعها الناس أجمعين.  هنا أيضا لا نختلف على أن العلم، مثلا، قيمة إنسانية، مع أننا قد نختلف حول مناهجه، أو مدى صحة بعض ما يُعرض علميا حتى نتأكد منه بمزيد تحقيق.  من القيم ما هي، كما المبادئ، مطلقة في مردودها الإيجابي، ومنها ما هي دون المبادئ لكونها نسبية المردود.  العلم، الصحة، الإيمان، التعاون، اليسر المعيشي قيم مطلقة النفع كما المبادئ، إذ لا يوجد سقف يحد ما تدر:  كلما زاد تحصيلها على صعيد فرد أو مجتمع ازداد وعم عطاؤها من الخير.  القيم النسبية، على الوجه الآخر، من بعد إدرار نفع لحد معين، قد ترتد فتضر:  الكرم، الشجاعة، الطموح  قيم نسبية من حيث أنها بتجاوز حد معقول  قد تنقلب إلى تبذير وتهور وطمع.

تشخيص المبادئ والقيم في المنظومة الخلقية المنشودة


لتشخيص أيما مبدأ أو قيمة مطلقة، بالأحرى لاستبيان ما إذا كانت فكرة ما نتناظرها ترقى لمبدأ أو قيمة مطلقة، لا بد من أن نشخص فيها أربعة عناصر تحديدا  تكون بها مجتمعة كذلك، وتكون في غياب أي منها دون ذلك.

أولا:  أن تكون الفكرة إنسانية أصيلة وعامة، بحيث تسري على الحال البشري إلحافا، بصرف النظر عن فوارق من أي نوع:  مثلا، العدل كمبدأ، والعلم كقيمة، يدران نفعا لأيما فرد أو مجتمع يمارس العدل ويقتنى العلم.

ثانيا: أن تكون الفكرة مطلقة النفع، فلا ترتد بضرر من بعد حين أو حد:  مثلا، المساواة كمبدأ، والتعاون كقيمة،  مطلقان في تطوير الخبرة الإنسانية للأفضل دون حد أو سقف.

ثالثا: أن تكون الفكرة مدركة في وعي الناس كافة بحيث لا تكون محل جدل:  مثلا، صون حرمة الإنسان وكرامته كمبدأ، وخلق اليسر في معايش الناس كقيمة، مستقران في خبرة البشر فلا ينكرهما أحد، ولا ينكرهما جهارا حتى من يتتكر لهما في السر.

رابعا: أن تكون الفكرة قابلة للتطبيق في الخبرة الإنسانية مطلقا، فلا يُعذر أحد على تجاهل أو تقصير:  مثلا، الشورى (بمعناها الديمقراطي) كمبدأ، والاعتناء بالصحة كقيمة، قابلان للتطبيق في سلوك أيما فرد أو مجتمع، ولا يكون الإعراض عن أيهما أو التقصير فيه إلا عن جهالة، أو عن جاهلية تؤثر الاستبداد والاستهتار.

بهذا التشخيص للمبادئ والقيم المطلقة نستبين أنها متواصلة متكاملة، أنها واحدة في الخبرة البشرية، وأنها هكذا شُخصت في الفكر الحضاري قديمه وحديثه، دينيه وفلسفيه.  آية ذلك  أن الناس لدى أي اختصام بين أفراد أو أمم يحتكمون إلى مبدأ العدل،  لدى أي تفاوت مجحف في الحقوق والواجبات يحتكمون إلى مبدأ المساواة،  في درء أو رفع أية إساءة أو إهانة يحتكمون إلى مبدأ حرمة الإنسان وكرامته.  ولأجل اتقاء مفاسد الاستبداد وشرورالتسلط تلجأ الأمم إلى مبدأ الشورى (الديمقراطية) الموجب للمشاركة العامة في صنع القرار العام، والموجب المساءلة العامة في تصريف المورد العام.  بالمنطق نفسه يقر الناس عامة بلزوم التمسك بالمبادئ والقيم، حتى حين يتجاهلونها أو يقصرون  إزاءها في الالتزام والتطبيق.

أعود لأستدرك أن الخبرة الإنسانية، مع أنني أراها قد استقرت مدار الكوكب على إدراك وحدة المبادئ والقيم ومركزية دورها في الحال البشري على نحو ما عرضت، إلا أنني أراها قد استقرت نظريا، ولا يزال الالتزام العملي بها مشوبا بقصور سافر ومشين.  لا زلنا أفرادا وأمما ندرك وعيا ونزعم قولا أكثر جدا مما نطبق عملا في ترجمة المبادئ والقيم إلى سلوك شخصي واجتماعي: إخفاقٌ لا يفتأ يرهق نفوسا تطمح أن ترى تطورا نوعيا مطردا في الخبرة الإنسانية على الإطلاق.  قديما أشار أفلاطون في "جمهوريته" إلى هذا القصور المزمن لدى الإنسان  بقوله: إن صوت البشرية أبدا  يمجد العدالة والفضيلة، مع ذلك كثير من الناس يوقرون أشرارا لأجل ما يمتلك هؤلاء من  نفوذ ومال،  ويزدرون بالضعفاء مع علمهم بأن هؤلاء أحسن خُلقا من الأشرار.  وشجب القرآن الكريم الفجوة بين القول والفعل بإخباره:  كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (61:3).

مسار التطور الحضاري

على مسار التطور الحضاري لا يُغني النفوذ والمال عن الفضيلة، لا تغني الشطارة عن الاستقامة، ولا الراحة البدنية والعيش الرغيد عن الرقي العقلي وسلامة الضمير.  إن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده:  كلمة أوجز بها المسيح الإشارة إلى لزوم تأصيل البعد الخلقي في الحياة.  وقال نبي الإسلام ملخصا مهمته: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وخوطب في القرآن المجيد: وإنك لعلى خلق عظيم.  أما في الفلسفة، فقد وازى إيمانيوءل كانط، أكثرُ فلاسفة الغرب تأثيرا في الفكر الحديث، بين القانون الطبيعي وآخر سماه ب " اللازم الخُلقي "  the categorical imperative: إذ بفهم الأول نهتدي إلى حقائق الوجود، وبفهم الآخر نستبين أسباب السلامة والصلاح في خبرة الإنسان.

من كل ما جاءنا من الرشد في الوحي الموحى إلى الأنبياء، وفي الفكر الملهم للحكماء، نستخلص درسا أصيلا في فهم سنة التغيير في الحال البشري: أن إحداث تغيير في الخارج لا يؤدي تلقائيا إلى حدوث تغيير في الداخل، لكن العكس صحيح.  بمعنى آخر:  أن نروم تغيير محيطنا الخارجي من دون أن نحاول تغيير مستقرنا الداخلي عمل عقيم، فحتى حيث يتحسن الظرف الخارجي، بجهد منا أو بصدفة، أو بفضل جهود من آخرين، قد يبقى الحال الداخلي الآسن عاجزا عن الاستفادة من تحسن الظرف الخارجي.  أما حيث يتحسن الحال الداخلي فإنه تلقائيا، كنتيجة منطقية، ينضح بأداء مماثل  في الخارج.
     
أن ندرك ما يفيد ولا نستفيد منه، أن نعي ما يُقدّم ولا نَقدم عليه، أن نبصر ما يُصلح  ولا نعمل به:  ذلك هو البرزخ المعيق لرقي الأفراد والأمم عبر العصور.  في هذا البرزخ تعثرت خطى حضارات سبقت، ولمن لم تقم من عثارها ظل البرزخ دار قرار.  أن يؤثر امرؤ البقاء على خطأ من بعد علم، أو أن تستمر أمة على شطط من بعد أن يتبين لها الصواب، أشنع جدا من أن يظلا على خطأ أو شطط بجهالة:  في الأول خطورة وفي الآخر فرصة: في الأول دلالة على عوج في التفكير، على انفلات في المسلك، على عزوف متعمد عن الإصلاح، في الآخر مدعاة لإزالة الجهل المتسبب في الخطأ، وأمل لا يزال في التصحيح عندما بالعلم يظهر الصواب.  كما الأفراد كذا الأمم:  إذا ما تنكر فرد أو أمة للإصلاح من بعد ما تبينت الحاجة للإصلاح،  تنكرت له ولها الطبيعة العاملة بمشيئة الله النافذة صدقا وعدلا  في كل أمر.  من هنا ضرورة التأكيد دأبا على ترسيخ سيادة اللازم الخلقي في عموم الشأن الإنساني، مقوماً لكل ما نشرع ونطبق، دافعاً نحو كل ما يصلح ويفيد، ورادعاً عن كل ما يضر ويعوق ... تأكيدا نتواصاه ونمارسه أفرادا وأمما ومجتمعا إنسانيا مشترك الحال والمآل.***
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
*أعد المقال أصلا للعرض في ندوة المبادئ والقيم: دورها في رشاد الحكم والحياة التي كانت مزمعة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية (مسقط – عُمان) في أبريل 2012.  ألغيت الندوة، لكن نشر المقال في مجلة التفاهم الفصلية الصادرة عن الوزارة، عدد 36 - أغسطس 2012

مجلة ألمانية: حضارة الغرب مدينة للمسلمين



خالد شمت-برلين
أفردت مجلة دي تسايت الألمانية عددها الأخير لملف واحد حمل عنوان "الإسلام في أوروبا- 1300 عام من التاريخ المشترك" تناولت فيه سلسلة متنوعة من القضايا المرتبطة بتاريخ وواقع الوجود الإسلامي في أوربا قديما وحديثا، وكذا التأثيرات المتبادلة بين هذا الوجود ومحيطه الأوروبي على امتداد دول القارة العجوز عبر العصور.

ومن بين المواضيع المتعددة لهذا الملف، خصصت دي تسايت -المصنفة دورية ثقافية موجهة للنخبة الألمانية- ما يشبه استراحات أسمتها "ألف فكرة وفكرة"، تناولت فيها عددا من أهم الاختراعات والابتكارات التي قالت إن الحضارة الغربية المعاصرة مدينة للعلماء العرب والمسلمين.

الجبر والصفر
وتقول المجلة إنه لو كانت التقنية ممكنة قبل ألف عام لجاء اختراع الحاسوب من بيت الحكمة في بغداد "وليس من أي مكان آخر"، مذكرة بأنه "في القرن التاسع الميلادي ضم بيت الحكمة نخبة من أنبغ العقول العربية من العلماء الذين أسهموا في الارتقاء بالعلوم والمعارف الإنسانية إلى آفاق سامقة".

وتشير إلى أنه كان لهؤلاء العلماء دورهم الرائد في تأسيس علم الجبر المنظم لإجراء العمليات الحسابية عبر رموز كبيرة لم تكن معروفة قبلهم، وكذلك فإن أوروبا "مدينة لهؤلاء العلماء المسلمين بالفضل في اكتشاف الصفر كوحدة حسابية قادت لاختصار كتابة الأرقام وتسهيل العمليات الحسابية، وكان الأوروبيون وقتذاك يحسبون باستخدام أعداد هائلة من الدوائر".

وتقول المجلة إن اكتشاف الصفر كان ثورة كبيرة في علوم الرياضيات انتقلت آثارها إلى أوروبا من خلال طرق عديدة، جاءت إحداها نهاية القرن العاشر على يد بابا الفاتيكان سلفستر الأول الذي تعرف على الصفر وعلوم الحساب العربية أثناء دراسته بمدينة قرطبة الأندلسية، وبعد هذا بنحو قرنين ترجم عالم الرياضيات الإنجليزي روبرت فون شيستر كل نظريات ومؤلفات مؤسس الجبر العالم المسلم الخوارزمي إلى اللاتينية لتدرس في الجامعات الأوروبية.

21 أغسطس 2012

أسرار الإطاحة بطنطاوي وعنان !




شريف عبد العزيز 
القرارات الثورية التي اتخذها الرئيس مرسي تمثل الموجة الثانية من الثورة المصرية، ولا تقل خطورة وأهمية عن الثورة الأولى، فالإطاحة بطنطاوي وعنان وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل وفكّ المجلس العسكري وتفريغه من قادته - تعدُّ واحدة من أقوى الإجراءات السياسية التي اتخذت في ربيع الثورات العربية، بعد أن رَثَى المراقبون والمحللون الثورة المصرية ونَعَوْها، ولقوَّة وفجائيَّة هذه القرارات تساءل الناس عن أسرارها، وما الذي دفع الرئيس مرسي لاتخاذها بهذه الصورة المفاجئة؟..

ولماذا لم يعترض أحد من قادة المجلس على الأمر؟ وكيف مرَّ بسلاسة دون أن يتناطح في طنطاوي وعنان عنزتان؟ وهل لمهارة الإخوان السياسية وكفاءتهم التفاوضية دور في ذلك؟ أم للخطة الذكية التي وضعها مرسي في اختراق الجيش وشقّ صفه لصالح الثورة دور في تسهيل هذه القرارات الكبرى؟ أم أن كلمة السر كانت في صراع المصالح والمناصب بين رجال مبارك؟

بالنظر لسير الأحداث في مصر خلال الأسبوع الماضي نستطيع أن نقول: إن كلمة السر في الإطاحة بطنطاوي وعنان هي "كرم أبو سالم"، فالمجزرة التي وقعت منذ أسبوع على الحدود المصرية والتي راح ضحيتها شباب مصر الأطهار من حراس الحدود وفي ساعة الإفطار وفي شهر رمضان المبارك، هي التي فتحت الطريق أمام مرسي ليتخذ هذه القرارات الثورية، وكان لها تداعيات حاسمة وخطيرة أنهت الصراع السلطوي لصالح الرئيس المنتخب محمد مرسي، وذلك كله بتدبير وتوفيق من الله وحده سبحانه.

إذ اتضح أن القيادة العسكرية ممثلة في طنطاوي وعنان كانت على علم بالهجوم مسبقًا، وأن أجهزة الاستخبارات قد رفعت تقريرًا بذلك قبل الحادث بيومين؛ مما كشف عن نية طنطاوي وعنان في توريط مرسي على الحدود وإظهاره بمظهر غير الحريص على مصلحة بلاده، إذ تواكبت مع المجزرة حملة إعلامية شرسة يقودها أزلام العسكر تتهم فيها الرئيس مرسي بالتسبب في الحادثة بسبب فتحه للمعابر وإطلاقه لسراح المعتقلين السياسيين، ولكن الله عز وجل لطيف بالمصريين وبعبده مرسي؛ إذ وقع صراع عنيف بين طنطاوي ومراد موافي رئيس المخابرات العامة على خلفية اتهام مرسي للمخابرات بالتقاعس عن أداء دورها، وشعر موافي أن النية مبيتة لعزله وتحميله المسئولية وحده، فدخل في مشادة عنيفة مع طنطاوي في اجتماع الأمن القومي يوم الاثنين الماضي..!

ورغم أن اختيار مراد موافي لهذا المنصب كان من طنطاوي، إلا أن طنطاوي لم ينس لموافي ما قام به منذ شهر من تسريب أخبار صفقات السلاح التي كان يعقدها مبارك وحقق بها ثروة مهولة، وهو الأمر الذي سيورط طنطاوي في المسألة؛ مما سبَّب له حرجًا بالغًا، ودفع مرسي لطلب الاطلاع على خطط التسليح ومصادره وتمويلاته في اجتماع مع المجلس العسكري في 20 يوليو الماضي، بحسب تصريحات حزب الحرية والعدالة؛ مما جعل طنطاوي يشتد على موافي في الاجتماع، ويعلو صوتهما على بعضهما البعض فيه، ثم خرج موافي على وسائل الإعلام الأجنبية، وهي وكالة الأناضول التركية، بتصريح خطير ألقى فيه باللائمة في المجزرة على طنطاوي وعنان، وهو التصريح الذي أنهى حياته المهنية على أسوأ ما يتمناه قائد عسكري كبير وهو الإقالة المهنية، وهو ما دفعه للانتقام من طنطاوي وعنان بصورة لم يتخيلها أحد.

مراد موافي شخصية بالغة الخطورة، وكان الذراع اليمنى للهالك عمر سليمان، وعلى يديه تربَّى وتعلم منه كيف يحتفظ بصناديق سوداء عن الساسة والمسئولين، وجهاز المخابرات من أهم وأخطر الأجهزة السيادية في أي بلد، وهو خزانة الأسرار لكل ما يجري في البلاد، ومن ثَمّ فإن اللعب مع هذا الجهاز ورئيسه يتطلب قدرًا كبيرًا من المهارة والدهاء وهو ما غاب عن طنطاوي وعنان. مراد موافي بعد الإطاحة به فتح صناديقه السوداء، وكان فيها من الأسرار الخطيرة والكافية ليس بالإطاحة بطنطاوي وحده بل بالمجلس كله.

وموافي لم ينتظر حتى يخرج قرار إقالته لينتقم، إذ قرر هدم المعبد على رأس من فيه، وكانت أولى خطواته رفع تقرير عاجل للرئاسة أن ثمة مؤامرة كبرى تستهدف إهانة الرئيس والنيل منه في جنازة شهداء كرم أبو سالم، وأن هذه المؤامرة متورط فيها حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية ونجيب عبد السلام قائد الحرس الجمهوري بالتعاون مع أزلام عكاشة ومدير الأمن العام، وهو المخطط الذي أدى للإطاحة ببدين وعبد السلام، وكلهما من أعضاء المجلس العسكري ومن المقربين لطنطاوي خاصة بدين..

ثم كانت الضربة الثانية بعد صدور قرار الإطاحة بموافي ومن معه، إذ تم حرق الرويبضة توفيق عكاشة صنيعة العسكر والذي تم استغلاله بقوة في تشويه الإخوان ومحاربة الرئيس مرسي، إذ تم تسريب مقطع الفيديو الخطير لعكاشة وهو يدافع عن "إسرائيل" ويهاجم العرب، ويفتخر بصلاته مع الصهاينة وكيف أنه زار الكيان الصهيوني 4 مرات!!

ثم كانت الضربة الثالثة وهي ضربة من العيار الثقيل لم تعرها وسائل الإعلام كثير اهتمام لوقوعها في أتون الأحداث الملتهبة إلا أنها كانت كلمة الفصل في مسيرة وطموحات وخطط طنطاوي، وهي حادثة ضبط كمبيوتر شخصي "آي باد" مزوَّد بشرائح دولية مع السجين مبارك، بعد تسريب المخابرات خبر هذا الكومبيوتر لمؤسسة الرئاسة التي كلفت أحد المقربين منها بضبط هذا الكومبيوتر وتسليمه لها قبل العبث بمحتوياته، وبفحص الجهاز تكشفت الكثير من الأسرار والاتصالات الخطيرة بين مبارك وشخصيات سيادية ونافذة في الداخل والخارج، وإن كانت التقارير لم تفصح عن فحوى هذه الاتصالات، إلا أن من المرجح أن يكون السجين مبارك قد أجرى اتصالات مع طنطاوي وعنان وغيرهما من قادة العسكر وكذا في الخارج، ويبدو أن الأسرار التي كانت موجودة على الجهاز من الخطورة بمكان، جعل باقي قادة العسكر لا يعترضون على هذه الإطاحة المهينة لطنطاوي وعنان.

أما الذي سرَّع من قرار مرسي الإطاحة بطنطاوي وليس إجباره على الاستقالة، فكانت المعلومات الاستخباراتية الخطيرة التي تكشفت في اليومين الأخيرين عن وجود مخطط تدميري يهدف للإطاحة بمرسي والإخوان يوم 24 أغسطس بالتظاهرات التي سيقودها صنيعة ساويرس المدعو أبو حامد، والتي سيحاصر بها القصر الجمهوري وحرق بعض مؤسسات البلاد ومقرات الإخوان، وستشترك فيها منظمة قبطية متطرفة بقيادة القس المتطرف "ماتياس نصر"، على أن يدخل العسكر على غرار ما حدث مع مبارك ويجبر مرسي على التنحي.

ومهما يكن من أسرار الإطاحة بطنطاوي ومن معه، فلولا فضل الله عز وجل وتدبيره لعباده الصالحين لما جرت كل هذه الأحداث العظام في القليل من الأيام، ولولا أن محمد مرسي لم يسع للرئاسة بل هي التي سعت إليه فأعانه الله عليها، ثم لولا مهارة مرسي والإخوان السياسية وخبرتهم الطويلة في التعامل مع أمثال هذه المؤامرات والأجهزة المخابراتية، ولولا صبرهم وخططهم ورؤيتهم الإستراتيجية في اختراق المؤسسة العسكرية الذي يمثل قلب الدولة العميقة، وعزل القيادة الفاسدة عن العناصر الصالحة وتفكيك هذا المجلس الخطير.

أيها السادة، إن يوم 12 أغسطس لا يقل أهمية عن يوم 25 يناير و11 فبراير، بل يفوقهما من الناحية الإستراتيجية، فـ 12 أغسطس هو اليوم الحقيقي لتخلص مصر من حكم العسكر الذي ظن كثير من الناس أنه قدر مصر المحتوم، وأنه لا فكاك منهم، وأن العسكر قادرون على مصر ومن فيها، ونستطيع أن نقول بكل ثقة: إن مصر اليوم قد أصبحت دولة مدنيَّة.

تحية من القاهرة الى المجاهد البطل عزة ابراهيم الدوري



سيد أمين
اننا اذ نحيي عيد الفطر المبارك الذى جاء بعد جهاد ومغالبة لشهوات النفس ونوازعها ..  نتقدم باسمى التهاني والتبريكات الى الشعب العربي فى كل شبر على ارضه الطاهرة التى اخرجت للعالم خير رسالة سلام ومحبة وعدالة عرفتها البشرية متمثلة فى الاسلام العظيم والرسول الكريم سيدنا ومولانا محمد عليه افضل الصلوات.
واننا ونحن نحيي هذه الذكري الروحية والاخلاقية العطرة ننظر الى فلسطين السليبة ونأمل فى ان نحقق بسواعدنا ما عجز السالفين منا تحقيقه فى طرد الجرذان اللصوص سالبى حرية الشعوب من فوق تلك الارض الطاهرة انتهاءا بتحرير واسترداد ثالث الحرمين وقدس اقداس المسلمين فى العالم.
وبما اننا ننظر الى تحرير الاقصى السليب فاننا نأخذ فى حسابنا ان تحريره لا يمر ابدا بدون المرور بالقاهرة وبغداد .. وبما ان حاضرة الرشيد  تقبع تحت الاحتلال فان تحرير العراق العظيم الذى رذح تسعة سنوات عجاف تحت نير الاحتلال الصهيو صليبى – الفارسي وحكوماته الطائفية الرعناء التى نهبت البلاد وقتلت العباد وافسدت الاخلاق وعاثت فى الارض فسادا وتجبرا وتكبرا هو اولى خطوات المقاومة العربية الياسلة.
ولان البعث العظيم سباق فى تقديم الامثلة والتضحيات من اجل نهضة امته العربية وتحرير كل شبر من اراضيها فاننا لا يمكن ابدا ان نمر دون تقديم تحية الفخر والاعزاز الى المقاومة العراقية الباسلة والى قائدها القائد المهيب الركن عزة ابراهيم الدوري – اعزه الله - وهو يقود المقاومة العراقية بابناء البعث العربي البطل الميامين سنة وشيعة عربا وكردا دون توقف حتى تحقيق النصر النهائى المؤزر الذى يستحقه العراق .. مستلهما روح الفداء والتضحية من الرقائد الرمز البطل الشهيد صدام حسين ورفاقه الذين سقطوا شهداء فى ساح الوغى وهم يدافعون عن العراق ارضا وشعبا تاريخا وحضارة .
ان امتنا العربية اذ تمد يدها بكل التبريكات الى القائد القوى بالله المجاهد البطل عزة ابراهيم الدوري وجميع رفاقه المجاهدين فهى تثمن دورهم فى دحر الاحتلال عن بلاد الرافدين فى اعتى الظروف واكثرها بسالة واستبسالا واستمراره فى دحر كل مخلفات هذا الاحتلال البغيض من حكومات عميلة جاهلة استنزفت موارد البلاد وقتلت العباد.
واننا يا سيدى الفاضل فى انتظار ان نصلى العيد القادم خلفكم فى بغداد المحررة  بسواعدكم وسواعد البعث العظيم.
ونهاية نختم بتحية اجلال من القاهرة الى بغداد الى كل رموز المقاومة فى عالمنا العربي ولنهتف سويا : امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة