29 أغسطس 2012

المرأة وضريبة التحرش..!!



بقلم/ منال الكندي -اليمن

لكل عمل رد فعل مساوٍ ومعاكس له، هذه نظرية" نيوتن" شكلت نقطة تحول في تاريخ حضارة البشرية.. وبناء عليها فالإنسان العاقل المدرك يتلقى النتائج في مطلق الأحوال، يعالج الأسباب ويتحمل المسؤولية في السلب والإيجاب.

حزمت المرأة أمرها وقررت أن تركب الأمواج، وأن تقتلع أشواكها بيديها ما دامت تتساوى بالرجل، كيف لا وهي لا تختلف عنه في شيء.. والرجل هو الآخر كان يبحث عن المغامرة والإثارة فأعدَّ نفسه لها، وهو يدرك حجم التحديات المقبلة والضريبة المترتبة أو الفائدة المتوقعة.

لكن المرأة وهي تعيش المغامرة والإثارة والمساواة.. غاب عن إدراكها ووعيها أن المحيط مليء بالأقراش والحيتان والتماسيح وكلها ضارية لا تتورع عن افتراس ما عداها من الأسماك.. ولو أن هناك كائنات قليلة وديعة كالدلافين.

خرجت المرأة تبحث عن حق لها كما الرجل، فانخرطت معه في المظاهرات جنباً إلى جنب، تواكب  الثورة للإطاحة بالأنظمة الرجعية الفاسدة وتصحيح الأمور. كان الرجل يدرك ما يواجه من عنف، ويتوقع ما يترتب على مشاركته في التظاهر، من سكين تغرس الصدر أو الظهر وربما في القلب، أو رصاصة تطلق على الرأس أو تحرشات جنسية.. فهل فكرت المرأة أنها أيضاً ستكون عرضة للقمع والقتل وسط مظاهرات يختلط فيها الحابل بالنابل.. أم أنها كانت تتوقع نزهة يؤدون لها فيها التحية والسلام.

 ألمرأة المناضلة تعالى صراخها وبح صوتها وسط الزحام، فلم تسلم من التحرش والمضايقات، فهل كانت تعي وتدرك معنى الضريبة المطلوبة لتتأهل مع الرجل في الندية والمساواة..؟ أم كانت تكتفي بالمشاركة والحضور، وتريد أن تنتصر بلا أثمان..؟

بعيداً عن التنظير للدين.. فلا أسببُ حساسية الارتكاريا للمناضلات المتحررات..أو أولئك الماديون ممن لا يرون حضارة البشرية بغير التعري، تحت مسمى الحرية وحقوق الإنسان.

 فذلكة..

 دعت مذيعة إحدى الفضائيات، التي تنادي بالتحرر والدفاع عن حقوق المرأة المغتصبة أن تتمرد  المرأة ولو بالخروج عارية كما خلقها الله.. والله وحده من يحاسبها..!! ما يشجع أو يعزي أننا ما زلنا نعترف بالله وحقه في الحساب، في الثواب والعقاب.

امتعضت مشاركات من التحرش بهن في المظاهرات، من المبرر والأعذار من أن الشباب ليس لديه ما يكفي من الإمكانات لتكوين أسر يستقرون وسطها.. وكأن المتزوجين من الرجال أبرياء لا تشملهم  مسألة التحرش بالنساء.. إحداهن تعالى صراخها من على شاشة إحدى الفضائيات الثورية، وهي تنادي أن أحوالها لا تختلف عن الشباب في القدرة والمساواة..؟ ومع هذا فإنها لم تلجأ إلى التحرش بالرجال.. طالما كانت مساواة المرأة بالرجل قائمة في كل شيء، في الحاجات وفي الحسنات والسيئات، وما دامت المرأة تعتقد أن الرجل معفى من الحساب.. أليست هي دعوة صريحة أن تتحرش المرأة بالرجال..؟

بناء على ما تقدم، قررت المشاركاتُ في المظاهرات ممن تعرضن للتحرش، رفع قضية بهذا المعنى، أمام منظمات دولية تشمل الأمم المتحدة، لإجراء ما يلزم وسن القوانين التي تكفل حماية المرأة من التحرش والاغتصاب، مع الإشارة التي لا يجهلها الجميع، أن مثل هذه القوانين لا تزيد عن كونها حبراً على ورق، لن يستفيد من مفاعيلها إلا المعتدين المدانين، فهناك ملفات لا تعد ولا تحصى نائمة في أدراج الأمم المتحدة منذ نشأتها.. انطلاقاً من القضايا العربية وفي مقدمها قضية القدس والحق الفلسطيني المغتصب. ألأمم المتحدة في واقع الأمر لا تعدو كونها شاهد زور على ما يجري على الأرض. أما قضايا المرأة فتتصدر اهتمامات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات، بينما سياسات الدول ونهب الثروات الاقتصادية للبلدان الفقيرة في الأصل، لا تبدو أنها من أولويات الاهتمام، لذلك نرى أن الأمم  المتحدة تولي اهتمام بملفات المرأة وحقوقها حتى في انتهاك سياسات دول وسرقة ثرواتها وتحويل البلاد إلى بلدان تعيش على السياحة الجنسية، تحت مسمى حرية المرأة...وعليه ربما تقرر سن قانون بقتل الشباب المتحرش، لتستطيع المرأة أن تعيش وتعمل في كل المجالات والساحات حرة، طليقة، آمنة، تتعرى من أجل وصول صوتها واستعادة حقوقها المغتصبة.....

سؤال هام؟؟؟

هل المتظاهرون الشباب واجهوا مثل هذه التحرشات من النساء المتظاهرات..؟ بالتأكيد حدث كثيراً مثل هذا التحرش، لكن بعض الرجال يرحب ويرغب به فلا يسوؤه الأمر أبدا.. بل سيطلق العنان لمخيلته الخصبة في حديث مستفيض عن دنجوانيته ورجولته وأنه محط أنظار النساء، وآخرين غالبا ما يخجل عن الإبلاغ عن تلك الوقائع التي تمس رجولته....وإن أطلق له العنان سيحكي قصصا وحكايات....ولكن لن يصدقه أحداً .. لأن السمة الغالبة أن يتحرش الرجل بالمرأة لا العكس.

الرقص الشرقي لصيق بالمرأة، يعتبره البعض رسالة ثقافية ووطنية ومصدراً حيويا في إنعاش اقتصاد البلاد، ناهيك عن التعري لإيصال صوت الحق.. حتى الزواج المثلي بات مشروعا وجزءاً من الحق، وانتقاده يعني نيلا من الإنسانية وحقوق الجماعة والفرد.. فمن يمنع ومن باب التساوي أن يتحرش الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة في ممارسة حقوقهم وتحقيق ذواتهم وإنسانيتهم..؟

حقيقة وشاهد.....

ذكرت الدكتورة منى السيد حافظ، أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة عين شمس، أن انتشار التحرش الجنسي بأشكاله بين الطرفين، داخل البيوت والمعامل ووسائل النقل والمؤسسات والمقاولات الخاصة، من الأسباب التي ساعدت على التحرش الجنسي كظاهرة شذوذ وكبت سيكولوجي بسبب الوحدة والعزلة والإحساس بالنقص والدونية، فالإنسان الذي يعاني من الاضطراب النفسي، ويعيش داخل عزلة حادة وغربة ذاتية، ويعاني من النقص العضوي كالقبح والذمامة، يكون مستعدا تماماً لممارسة التحرش الجنسي مع الحيوانات، والأطفال، والعجزة، والقاصرات،  أو مع جنسه المثيل، لافتة إلي أن ما ساهم في انتشار الإباحية في عالمنا المعاصر هو اختلاط الذكور بالإناث، وتراجع الوازع الديني والأخلاقي، وانتشار القنوات التليفزيونية والفضائيات و الفيديو والأشرطة السينمائية، في نشر الأفلام الجنسية والأشرطة التي تحرك الغرائز، وتساعد علي التحرش الجنسي الشعوري واللاشعوري لدى الإنسان، لينغمس في ممارسات خليعة حتى مع أقربائه، فكم من أب اغتصب إبنته! وكم من أخ تحرش بزوجة أخيه، أو تحرش بأخته التي تنام بجواره في غرفة واحدة دون أن يفصل الوالدان بينهما منذ الصغر!
 والنساء تتحرش بالرجال من خلال الملابس المثيرة ترتديها المرأة وتكشف من مفاتن جسمها أكثر مما تخفي.. فهناك مثلا نساء يرتدين الحجاب، يسترن رؤوسهن فحسب، ويبرزن مفاتن أجسادهن من خلال ما يرتدينه من ثياب ضيقة كأنهن يرتدينها تحت جلودهن، فلو أردن السترة والحجاب حقاً لارتدين ملابس فضفاضة تستر أجسادهن. وهكذا فإن ألثياب أيضاً من الأسباب الملحوظة في انتشار التحرش.
 لست في معرض الدفاع عن الرجل.. ولكن بقليل من العدل والعقلانية بعيدا عن العولمة المستوردة التي تغزونا، ينبغي أن ننصف أنفسنا ونضع الأمور حيثما ينبغي أن تكون، فنشارك في الواجب ونسدد ما يترتب علينا من حقوق، وننظر إلى الواقع بعين المسؤول.. أو، نرضى بالعولمة في النظام والمبدأ والممارسة، وبالتالي نرضى بالإباحية والتحرش والشذوذ والمثلية، ونسدد الضريبة المستحقة.
موقع الحقيقة ـ الأردن

فى نعى " الوطن " والثورة (تأملات فى أحوال مصر المحروسة تحت حكم الإخوان)



بقلم د. رفعت سيد أحمد
* ما الذى يجرى فى مصر المحروسة ؟ وإلى أين يأخذنا هذا الذى يجرى ؟ وهل بدأ بالفعل زمن الإخوان السياسى وهل سيطول أمده إلى عقدين أو ثلاثة – كما يذهب البعض - وليس مجرد شهور كما يراهن الثوار والخصوم ؟! .
***
* أسئلة تطرح نفسها بعد أكثر من خمسين يوماً على تولى الإخوانى العتيد د. محمد مرسى رئاسة مصر إثر انتخابات حصل فيها على ما يعادل 25% من تعداد القوة الانتخابية المصرية المقدرة بـ 50 مليون ناخب ، وتزداد أهميتها بعد التطورات المتلاحقة التى أصابت الثورة والوطن ، داخلياً وخارجياً ، فكادت أن تحوله إلى (جثة) بلا دور أو قيمة ، (جثة) إكرامها فقط وفقاً للبعض من الغاضبين هو فى (الدفن) ؛ جثة يتراقص حولها الطامعون فى جزء من التورتة ، رغم أنهم يعلمون جيداً أنها قد تحولت إلى رفات ، لا روح فيه ولا أمل ولسنوات طويلة مقبلة ؛ بفضل أطماعهم وأدوارهم المشبوهة .. والآن دعونا نجيب على الأسئلة :
أولاً : نحسب أن القوة السياسية للإخوان والتيارات السلفية (الوهابية أدق لفظاً ومعنى ومقاما!!) ، ليست كامنة فى داخلها، ولكنها آتية – كما سبق وقلنا مراراً – من ضعف وتشرذم القوى الوطنية والثورية الأخرى ، وتهافت بعضها على الفتات الذى يلقى إليها من فوق المائدة الإخوانية (انظر المشهد الجديد شديد البؤس لاختيار من سموا بالمستشارين السياسيين للرئيس ومن قبله مشهد تشكيل الحكومة .. وراقب الفتات الملقى ومن الذى تلقاه وكيف بلعه من غير هضم !!) . إن هذه القوة السياسية والتنظيمية للإخوان ، فى تقديرنا ، ستستمر لفترة طويلة ، وسيتميز حكمها بالاستبداد والاستحواذ فى إدارة اللعبة السياسية إلى الحد الذى سيكون فيه الإخوان هم وحدهم الحاكمون لمجمل العملية السياسية ، وستكون باقى القوى مجرد (كومبارس) سياسى ليس إلا ، وسيرقص هذا (الكومبارس) فرحاً بالدور ، وسيحاول أن يثبت أنه أكثر إخوانية من الإخوان ، ولكنهم لن يصدقونه ، ولن يأمنوا فى كل سنوات حكمهم القادم إلا لمن هو إخوانى قلباً وقالباً ، تاريخاً وحاضراً ؛ إننا باختصار مقبلون على (زمن الإخوان) وعلى الجميع أن يستعد له وألا يبنى أوهاماً أو خيالات عن (ثورة قادمة) قادرة على الإطاحة بهم كما كان المشهد يوم 25 يناير 2011 مع نظام مبارك ، لأن الفارق كبير فى القدرة على الإطاحة وإن كان التشابه كبيرا فى طبيعة النظامين (الإخوانى) و(المباركى) حيث فقط القشرة الإسلامية هى الفارق ، أما العلاقات مع واشنطن وتل أبيب وصندوق النقد الدولى، والاستبداد المقنع وتوظيف الدين ، فإنها سمات واحدة حتى لو تبجح البعض أو انخدع بالزائف من الشعارات .
إذن لنستعد لزمن الإخوان الأمريكى ، زمن مبارك الجديد ذو اللحية ، إنه زمن سيكون سلاح التكفير والقهر باسم الله – جلا وعلا وتنزه – هو الديدبان الحاكم .. إنه زمن سينعى فيه الوطن والثورة ، وربما – وهنا المفارقة الكبرى – سيكون الإخوان فيه مجرد أداة طيعة وإن كابروا أو كذبوا فى أيدى واشنطن وتل أبيب ، سيكونون ضحايا ، ولكن بإرادتهم ، وسيكون لهم دور فى المنطقة ولكن لخدمة واشنطن وتل أبيب من خلال دعم ثورات الـ C.I.A الأخرى المنتشرة من ليبيا إلى سوريا لخدمة إسرائيل بالأساس ، سيكونون ضحايا وأدوات ولكن بالمزاج .
***
ثانياً : ولكن .. ألا يوجد مخرج لهذه الحال البائسة التى سيكون فيها الوطن مجرد (جثة) يتصارع حولها القتلة ؟ الإجابة نعم ثمة مخرج واحد أنه وبإختصار لابد وأن يكون بتقديم البديل الشعبى ، لا الإستناد – كما جرى – على إنقاذ يأتى من السماء .. أو من العسكر ، أولئك الذين خذلوا من راهن عليهم وأثبت مجلسهم العسكرى السابق أنه كان مجرد (نمر من ورق) وأنه كان شريكاً فى المؤامرة الأمريكية – الإخوانية لخطف الثورة وإعادة إنتاج نظام حسنى مبارك ولكن بلحية ، المخرج هو فى الشعب وحده ، المخرج هو فى إعادة الروح وبأداء ومنهج جديد لميدان التحرير ، المخرج هو فى الاعتصام مجدداً بخيار المقاومة ضد الاستبداد والتطبيع مع العدو الصهيونى ، المخرج هو فى حصار السفارتين الأمريكية والإسرائيلية وطرد سفرائهم وجواسيسهم ومشاريعهم وصندوقهم وبنكهم الدوليين الذين يعيدون مع الإخوان – الآن- زمن حسنى مبارك ولكن بلحية جديدة شابة ؛ مطلوب منها – أى هذه اللحية الشابة - أن تخدع الناس على الأقل لمدة عقدين من الزمن باسم الثورة الزائفة والتدين المغشوش ، الحل فى ضرب هذه الأوكار وبقوة ولكن من خلال الشعب ، وإعادة توحيد صفوف الوطنيين بكل ألوان طيفهم بشرط إنكار الذات من خلال تواضع قياداتهم ، ولتكن بداية هذه الرؤية الاستراتيجية هى انتخابات مجلس الشعب القادم ، مصحوبة بحصار أسبوعى للسفارتين الإسرائيلية والأمريكية لطرد سفرائهم من مصر ثأراً لدماء الشهداء ، وإفشالاً لمخطط سرقة الثورة الذى يديرونه مع القوى الحاكمة الجديدة فى المنطقة من داخل سفاراتهم؛ حصار أسبوعى جاد ورمزى (كما يفعل المناضل إبراهيم علوش وصحبه الشرفاء فى عمان بالأردن منذ عدة سنوات) .
* إن مواجهة الاستبداد والانفراد السياسى بالحكم وإحباط مخطط سرقة الوطن والثورة الذى يجرى أمام أعيينا من أصحاب التدين المغشوش ، أصحاب الإسلام الأمريكى – الخليجى ، لا يمكن له أن ينجح دون الضرب على رأس الأفعى ، والتى فى تقديرنا ، تتمثل فى واشنطن وتل أبيب ؛ إذا لم ندرك جميعاً (يساريون وليبراليون وقوميون وإسلاميون وثوار) أهمية هذا الربط الآن ، وأهمية العمل على إشعاله مجدداً ، فأنا – للأسف – أنعى لكم هذا الوطن الجميل وتلك الثورة التى كانت وطنية جامعة ، فأضحت يتيمة الأب والابن ، وأضحى سُراقها أكثر عدداً من شهدائها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
 E – mail : yafafr @ hotmail . com

الثروة المعدنية بحاجة إلى قرار يصحح أوضاعها المقلوبة



د.يحيى القزاز

للتذكرة هيئة الثروة المعدنية هى التى حلت محل الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية بقرار جمهورى عام 2004، بناء على توصية من وزير البترول السابق سامح فهمى، وكانت تتبع وزارة الصناعة وتم ضمها إلى وزوارة البترول لصالح شركة الراجحى التى تعمل الآن فى استخراج الذهب بمنجم السكرى إثر خلافات وتحكيم ذكرناه فى كتابات سابقة. وحول هذه الشركة شبهات وكلام كثير.. وما دعانا لإعادة فتح ملف هيئة الثروة المعدنية حاليا هو إعادة هيكلتها على يد رئيسها وهو رجل فاضل خبرته فى مجال البترول وليس فى مجال التعدين.
وكتبنا وذكرنا عن دور عديمى الخبرة فى إدارة المؤسسات الحيوية الهامة، ويجرى هيكلة  هيئة الثروة المعدنية وتحويلها إلى شركة قابضة وتفكيكها إلى قطاعات مناجم ومحاجر ومسح جيولوجى بدون استشارة مع أهل الرأى والخبرة من أبناء المساحة الذين يعملون بها، وكأنهم عندما يمنحونها اسم الشركة القابضة ستمطر خامات ومعادن كالسماء عندما تمطر ماء. نفس الأسلوب الذى ضحكوا به على وزارة 2004 وادعوا أنهم بتغيير اسم هيئة المساحة الجيولوجية إلى هيئة الثروة المعدنية سينتجون ثروات معدنية كثيرة، وللأسف نفس اسلوب الضحك على الذقون يتكرر حتى بعد ثورة 25 يناير. إنها محاولة للتخريب وطمس الحقائق باسم إعادة الهيكلة حتى لاينكشف المغدور، ويفضح المستور.
لن أكتب كثيرا عن أهمية هيئة المساحة الجيولوجية ودورها فهو معروف، وفى قانونها الحالى الحق فى تملك شركات التعدين والمشاركة فيها والإشراف عليها وإنشاء كيانات وسن زيادة مالية دون التقيد بلوائح الحكومة طبقا للقنون 45 لسنة1986. وأنشأت الهيئة وشاركت فى شركات الذهب والطفلة والفوسفات طبعا لصالح رجال البترول.
الهيئة مرشحة لأن تلعب دورا هاما فى التنمية الاقتصادية فى المستقبل، وبشكل علمى وبعيدا عن المبالغات والترغيب فى عوائد الخامات اقتصاديا فإنها واعدة بالمليارات إذا ما أحسنت إدارتها ويصعب تحديد عائدها بدقة نظرا لعدم وجود دراسات جدوى حقيقية لكل الخامات، وهيئة المساحة الجيولوجية بتشكيلها القديم قبل اغتيالها عام 2004 هى القادرة على البحث والتقيب وتقدير الاحتياطى بدقة، كما فعلت فى مشروع الحديد جنوب شرق أسوان بأيدى أكفأ أبناء الهيئة وأخلصهم.
نعلم أن وزارة البترول تقاتل كى تستبقى هيئة الثروة المعدنية فى معيتها حتى لا تعود هيئة المساحة الجيولوجية، وحتى تجامل المحظوظين من رجالها الذين لامكان لترقيتهم فى شركات البترول، وكل شركات التعدين يرأسها رجال من قطاع البترول، ونشير إلى أن وزير البترول الجديد فى حكومة هشام قنديل قام بتعيين صديقه المحاسب رئيسا لمجلس إدارة شركة فوسفات!! ونحن لا نمانع من استبقائها تابعة لوزارة البترول بشرط أن يتولى أمرها أبناؤها وليس رجال البترول.
قد تكون هذه هى المرة الأخيرة التى نكتب ونطالب بعودة هيئة المساحة الجيولوجية والتأكيد على دورها فى التنمية التعدينية، لإدراكنا باننا لسنا وحدنا الحريصين على مستقبل هذا الوطن، وأن للآخرين أعين وأذن ومعرفة أفضل منا، وأن لديهم القدرة على اتخاذ القرار ونحن ليست لدينا هذه القدرة، وشعارنا ولسان حالنا ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
ونطالب أولا بوقف هيكلة الثروة المعدنية على أيدى رجال لاخبرة لهم فى مجال التعدين، ولم يحدثوا أى تقدم يذكر منذ تقلدوا رئاسة الهيئة. ثانيا استعادة اسم الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية إسوة بكل دول العالم حيث أن هيئة المساحة الجيولوجية المصرية هى ثانى هيئة جيولوجية على مستوى العالم بعد المساحة الجيولوجية البريطانية وقبل الأمريكية والكندية والروسية والفرنسية، وهى المساحة التى خططت وأنشأت كل المساحات الجيولوجية على مستوى العالم العربى وبعض من دول أفريقيا. ثالثا أن هيئة الثروة المعدنية (المساحة الجيولوجية سابقا) بها من ذوى الخبرات الأمينة والمخلصة التى مازالت تعمل بها، ويجب استثمارهم فى إدارة وتطوير الهيئة، فهم القائمون عليها والأدرى بشئونها من الوافدين عليها، ومن الذين ابتعدوا عنها.
إن للمساحة الجيولوجية أدوارا هامة فى خدمة الاقتصاد المصرى، وهى تلعب دورا هاما فى العمق الأفريقى من خلال التكامل، فدول حوض النيل جميعها تقع فى تركيب وتكوين جيولوجى واحد، وهناك مشتركات فى تطور الدرع الجيولوجى العربى الأفريقى مع بقية القارة.
أظن أنه حان الوقت للاهتمام بالثروة المعدنية من خلال هيئة المساحة الجيولوجية، وأنا أرى أن هناك أقلاما مغرضة من عديمى الخبرة تلعب دورا فى الخفاء لصالح شركات خاصة، ونشير إلى أن شركة الذهب للسكرى تابعة لهيئة لهيئة الثروة المعدنية لكنها للأسف تتحكم فى الهيئة وتجعل الهيئة تابعة لها، ويكفى أن نذكر أن عقد الشراكة بين المساحة الجيولوجية (وقت ابرام العقد عام 1994) وبين شركة السكرى نص على أن يكون المقر الرئيسى لشركة السكرى بالقاهرة، وللأسف منذ بدأ العمل والمقر فى الاسكندرية فى شقة إيجارها 4500 جنيه استرلينى شهريا، وهى شقة مؤجرة فى عمارة ملك "الراجحى" صاحب الشركة، وكل هذه المصروفات تخصم من حصة الهيئة، أظن أن الإيجار الكلى لمقر الشركة يكفى لشراء عمارة فى حى "ميى فير بلندن"، ناهيك عن الإسراف فى أجور المحاسيب العاملين بالشركة، والعمالة لاتخضع للهيئة حتى تاريخه، للأسف أنها الشركة الرئيسة والهيئة تابعة لها!!
فى ظل محنتنا الاقتصادية نحن بحاجة إلى قرار يعيد اسم الهيئة المغتال (هيئة المساحة الجيولوجية)، ويدعها فى أيادى أبنائها القائمين عليها،  فهم الأدرى بها، والذى اتخذ قرارا بتعديل الانقلاب الدستورى أظن أنه قادر أن يتخذ قرارا يعيد به الهيئة المغتصبة، ويعدل أوضاعا مقلوبة لما يقرب من عقد من الزمان. أشياء خطيرة تجرى فى تخريب ونهب ثروات مصر المعدنية فانتبهوا. مرة أخرى ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
29/8/2012

أزمة في جامعة حلوان بسبب خصم 8% من مرتبات الأساتذة .. ورفع حوافز العاملين من 175% لـ 200%


أساتذة "حلوان": خصم 8% من المرتبات وإن لم يطلعنا رئيس الجامعة على الميزانية سنتهمة بإهدار المال العام.. وصقر: ده اللي جه من المالية


 د.يحيي قزاز "عضو بـ 9مارس" لـ"البديـل": إن لم يطلعنا رئيس الجامعة علي الميزانية سنقاضيه بإهدار المال العام وسنمنعه من دخول الجامعة


رئيس الجامعة لـ"البديل": ما ارسلته المالية يمثل 92% من مرتباتهم وليس من حقهم الاطلاع علي الميزانية


البديل:عمرو شوقي ومحمود عبد المنعم
تشهد جامعة حلوان أزمة بين أعضاء هيئة التدريس ورئاسة الجامعة بسبب خصم 8% من مرتبات الأساتذة، وزيادة حوافز العاملين بالجامعة من 175% إلي 200%، بالاإضافة إلي منحهم مكافآت بحد أدني 200 جنيه وأقصي 300 جنيه، وفق قرار رسمي لرئيس الجامعة أمس.
  واتهم أعضاء هيئة تدريس بالجامعة الدكتور ياسر صقر رئيس الجامعة بمحاولة ترضية العاملين بالجامعة ومجاملتهم علي حساب الأساتذة، حيث قال الدكتور وائل كامل الأستاذ بكلية التربية الموسيقية لـ"البديـل" إن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة فوجئوا اليوم بخصم 8% من مستحقاتهم من الجودة، مشيراً أن رئيس الجامعة أبلغهم بأن ميزانية الجامعة لا تسمح بإعطائهم أموالهم كاملةً.
  ومن جانبه، قال الدكتور يحيي قزاز ، عضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات لـ"البديـل"، إنهم طالبوا رئيس الجامعة مرات عديدة بإعلان ميزانية الجامعة بشفافية، وجوانب صرفها، ولكنه لم يفعل.
  وأضاف قزاز أن أساتذة الجامعة لا مانع لديهم من زيادة أجور العاملين بالجامعة، ولكن المانع الوحيد بالنسبة لهم، هو أن يأخذ رئيس الجامعة من مرتباتهم ليعطيها للعاملين، دون أن يعلن عن ذلك، مؤكداً أن رئيس الجامعة كان رده علي الخصم من مرتباتهم "وانا أعمل إيه المالية هي اللي بتبعت الفلوس" وعقب قزار علي كلام رئيس الجامعة قائلاً " لو مش عارف يعمل ايه يبقي يستقيل ويسيب المنصب لمن يعرف ماذا يفعل ".

 وتابع: " لو رئيس الجامعة استمر في رفضه أن يطلعنا علي ميزانية الصناديق الخاصة بالجامعة وميزانية مركزي التنمية المستدامة والتنمية التكنولوجية، بالإضافة إلي دخل الجامعة الخارجي، سنقاضيه بتهمة إهدار المال العام وسنتظاهر ضده ونمنعه من دخول الجامعة ".
  وفى المقابل، رد الدكتور ياسر صقر رئيس الجامعة علي اتهامات وتهديدات أعضاء هيئة التدريس، قائلاً فى تصريحات لـ "البديـل" أنه لم يأخذ من مرتبات الأساتذة ليكافئ العاملين، وأن ما أرسلته وزارة المالية للجامعة يمثل 92% فقط من مرتباتهم، مؤكداً أن الجامعة أرسلت مذكرة للمالية لتطالب بالفرق.
  وعن مطالبتهم بالإطلاع علي الميزانية، علق صقر " الأساتذة مش فاهمين حاجة "، وليس من حقهم الإطلاع علي الميزانية، مشيراً أن وزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات هم من حقهم يطلعون علي الميزانية فقط.
  يذكر أن د. ياسر صقر أصدر قراراً رسمياً اليوم برفع الحوافز للعاملين المثبتين والمتعاقدين بالجامعة من 175 % الى 200%، وذلك اعتبارا من شهر سبتمبر القادم .  كما أصدر رئيس الجامعة قراراً بصرف مكافأة تعادل نصف شهر من المرتب الأساسي لجميع العاملين بالجامعة بحد أدنى 200 جنيه وحد أقصى 300 جنيه، وذلك بمناسبة انتهاء العام الجامعى 2011 /2012 وبداية عام جامعى جديد 2012 /2013 وتقديرا لجهودهم بالجامعة فى المساهمة فى تطوير العملية التعليمية ولبذل مزيد من الجهد.

28 أغسطس 2012

كيف نحتج على السلوك السعودى؟



عماد الدين حسين

فى منتصف التسعينيات انتقدت صحيفة العربى الناصرية السلطات السعودية بسبب الانتهاكات التى تعرض لها بعض المصريين هناك.
بعد النشر حضر إلينا فى الجريدة ــ التى تشرفت بالعمل فيها وقتها ــ الدكتور أسامة الباز ــ شفاه الله ــ وكان يعمل مديرا لمكتب الرئيس السابق حسنى مبارك للشئون السياسية.
الدكتور الباز رجا رئيس التحرير الأستاذ محمود المراغى ــ رحمه الله ــ تهدئة حملة انتقاد السعودية لأن تفكير بعض مسئوليها لا يتصور ان هناك صحفا مصرية يمكنها انتقاد الرياض إلاإذا تلقت موافقة الحكومة.
الباز قال أيضا: «جئت لكم راجيا وليس ضاغطا، وعليكم أن تتخيلوا ان بعض المسئولين السعوديين يمكن ان «يضايقوا» العمالة المصرية هناك»، ثم ان السعودية وقتها تعهدت بتمويل شحنة قمح كانت موجودة على السفن فى البحر.
هل القصة السابقة هدفها ان نتوقف عن انتقاد الحكومة السعودية أو أى حكومة أخرى يثبت انها تنتهك حقوق عمالتنا، خوفا على قيام هذه الدولة أو تلك بطرد عمالتنا؟!.
العكس هو الصحيح تماما، بل ربما لو أن الدول العربية كانت تدرك ان حكومات مبارك كانت جادة فى الدفاع عن مصالح رعاياها، ما تجرأت على الإساءة لأى مواطن مصرى.
و كانت لدينا حكومات تحترم مواطنيها كنا سنضمن على الأقل ان البلدان العربية الشقيقة ستتعامل معهم مثلما تتعامل مع العمالة الآسيوية.
إذا كنا نتظاهر ضد حكومتنا والمجلس الأعلى من أجل الحرية والكرامة، فمن باب أولى أن نحتج ضد أى حكومة أخرى تنتهك كرامة أى مصرى.
لكن ــ وفى المقابل ــ وإذا كنا نطالب المتظاهرين ضد حكومتنا بالتحضر فى احتجاجهم، فمن باب أولى نطالبهم بذلك إذا تعلق الأمر بالاشقاء العرب.
فى اللحظة التى يثبت لنا فيها ان مصريا واحدا تعرض للإهانة أو انتهاك الحقوق فى أى مكان بالعالم، علينا أن نلجأ إلى كل وسيلة احتجاجية سلمية ممكنة حتى نعيد له حقه.
الخطأ كل الخطأ ان ينزلق بعضنا إلى المراهقة السياسية ويسىء إلى كل المصريين من حيث لا يدرى.
من أمثلة ذلك ما حدث صباح الثلاثاء الماضى أمام السفارة السعودية حينما تظاهر مصريون احتجاجا على احتجاز سلطات المملكة للمحامى المصرى احمد الجيزاوى بتهم متنوعة تبدأ بحيازة مخدرات وتنتهى بالعيب فى الذات الملكية.
ان نتظاهر ونحتج أمام سفارة السعودية فهو سلوك حضارى، لكن ان يزيل البعض اسم سفارة السعودية ويضع نجمة داود الإسرائيلية مكانها أو يحرق علمها أو يرسم عبارات مسيئة على جدران سفارتها فهو سلوك صبيانى ضرره أكبر من نفعه، خصوصا أن التفكير الحكومى السعودى الذى كان سائدا عام 1994 لم يتغير كثيرا هذه الأيام.
من قبيل النضج السياسى ألا نسىء لشعب بأكمله هو الشعب السعودى أو أى شعب عربى آخر، أو حتى شعب أجنبى، فلا يمكن مثلا ان نقول ان كل الشعب الأمريكى بلطجى أو كل الشعب السودانى كسول، أو كل الشعب العراقى دموى.
من حقنا ان نختلف مع بعض ممارسات الحكومة السعودية لكن ليس من مصلحتنا أن نخسر كل الشعب السعودى.. ليس فقط لان لدينا حوالى مليون مصرى يعملون هناك ويدعمون الاقتصاد بقوة، ولكن ــ وهذا هو المهم ــ لانه شعب عربى شقيق وبعضهم ضد سياسات المملكة نفسها ويتوقون مثلنا للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
علينا ان نقنع الحكومة السعودية وكل الحكومات العربية ان زمن التعامل معنا بطريقة مبارك قد انتهت إلى غير رجعة، وان الكرامة مسألة لا يمكن مقايضتها بكل كنوز الدنيا.. لكن علينا ان نفعل ذلك بطريقة محترمة ومتحضرة.
هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

اخر نكته ..عكاشة : الرئيس مرسي صديقى واؤيد قراراته فى عزل المشير طنطاوي!!

بهذه الكلمات يصف الشاعر الكبير مظفر النواب دمشق




كما يصفها الشاعر والأديب العراقي مظفر النواب

شقيقة بغداد اللدود، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمّان، ضمير مكة، غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.‏‏‏‏‏
إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي ومدرسة عشرين نبيا، وفكرة خمسة عشر إلهاً خرافياً لحضارات شنقت نفسها على أبوابها.

إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.‏‏‏‏‏
من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة،"أنى تهطلي فخيرك لي!" بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت بلاطة في جبال البرينيه.‏‏‏‏‏

إنها دمشق التي تحملت الجميع، متقاعسين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مدمني عضها، مقلمي أظفارها، وخائبين وملوثين، طهرانين وشهوانيين....

رَضَّعت حتى جفَّ بردى، فسارعت بدمها بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة، أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه يتسلقونه، يطلون منه على جسدها، ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها ومن لا يقوى على ذلك، لكنها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.‏‏‏‏‏

إنها دمشق، أيها العرب العاربة والمستعربة، قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة ولا تعترف إلا بشيخها محي الدين بن عربي‏‏‏، هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها وألبسته حياً من أحيائها فغنى لها "كل ما لا يؤنث لا يعول عليه!"

إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي منمنماتٍ تزين بها جدرانها، أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ ابن عساكر قليلا، يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها.

دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه.‏‏‏‏‏

دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرر صلاح الدين القدس وطاب موتاً في دمشق، قدم لها الحسين بن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ ودفلى على طريقة دمشق.

إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة، تركت عشاقها خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.‏‏‏‏‏

لديها من الغبار ما يكفي لتقصَّ أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.‏‏‏‏‏ لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم.‏‏‏‏‏ من الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس.
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحدوها عبق الملائكة، ومن المداخن ما يكفي "لتشحير" وجه الكون.‏‏‏‏‏
لديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.‏‏‏‏‏
لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و"الشحاحيط" المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين مستبدا.‏‏‏‏‏
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.‏‏‏‏‏
لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما‏‏‏‏‏.
لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل الحروب القادمة.
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.‏‏‏‏‏
لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز، الكل يلهثُ، يرمحُ، يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.‏‏‏‏‏
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين؛ في أرقى أحيائها تسمع وجع "الطبالة"، وفي ظلمة "حجرها الأسود" يتسلق كشاشو الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من "المهاجرين".‏‏‏‏‏
دمشق لا تُقسَم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة أهلي وزملكاوي، ولا كما باريس ديغول وفيشي، ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز، ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين، ولن تكون كعمّان فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم ....‏‏‏‏‏
دمشق مكان واحد: فإذا طرقتَ باب توما انفتحت لك نافذة من باب الجابية، وإذا أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة‏‏‏‏‏، وإن أضعت طريق الجامع الأموي، دلّتك عليه "كنيسة السيدة".
لا تتعب نفسك مع دمشق، ولا تتملَّكَّ الحيرة، فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها، أو من يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيء دفعة واحدة.‏‏‏‏‏ فتخرج سيجارة حمراء طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة "الفرس"، وتقول جملة واحدة للجميع: "إنها دمشق"!

شاهدوا كيف احرجت سيدة مصرية بسيطة محمد ابو حامد

27 أغسطس 2012

صحفيون مصريون ينظمون وقفة احتجاجية لدعم ممدوح الولي

ينظم فى الثالثة من عصر غد الثلاثاء 28 اغسطس عدد من الصحفيين من كافة الصحف والتيارات وقفة احتجاجية امام نقابة الصحفيين تأييدا للنقيب ممدوح الولى نقيب الصحفيين , الذى يتعرض لموجه عاتيه من الهجوم من قبل بعض اعضاء مجلس النقابة وانصارهم تنفيذا لمصالح انتخابية.
وكان  ممدوح الولي وهشام يونس عضو المجلس ، قد تبادلا الشتائم والسباب، فى سابقة هى الاولى من نوعها فى نقابة الصحفيين منذ تأسيسها.
يذكر ان الحملة الموجهة ضد نقيب الصحفيين تأتى فى اطار الهجمة التشهيرية ضد جماعة الاخوان المسلمين ككل رغم ان "الولى" نفى مرارا وتكرارا انتمائه لتلك الجماعة.
الولى نجح فى مضاعفة بدل الصحفيين ليصل الى 770 جنيه بدلا من 530 وسيرتفع فى اكتوبر القادم الى 1200 جنيه , ولدية خطة انقاذ وتنمية شاملة لثروات النقابة العقارية.

دعوة إلى المفكرين والكتاب


عزيز الخزرجي

الأخوة ألمثقفين و المفكريين ألأعزاء .. سلام من الله عليكم و رحمة الله و بركاته :ـ
تحية آلأيمان و المحبة و العشق بمناسبة العيد السعيد و بعد:
 لقد تيقنتُ بأنّ عالم القمع المنظم منه و العشوائي، الذي يعيشه إنسان هذا العصر و الحيف ألذي وقع عليه بسبب سياسة آلأستغلال بإسم الله و آلدين؛ هو عالمٌ لا يصلح للإنسان و لا لنموّ إنسانيّته و بآلتالي تحقيق سعادته، بلْ هو عالم يعمل على "حيونة" الإنسان - أي تحويله إلى حيوان - لذا طرحنا مشروعنا الكبير ألذي أخذ مداه مع إطلالة الألفية الثالثة وسط المثقفين من أمثالكم و الحمد لله.
 يُركز ألمنتدى على ثلاث محاور أساسيّة:
أولاً: ألمعرفة و الفلسفة؛
ثانياُ: نظرية المعرفة؛
ثالثاً: ألمعرفة و آلأيبستمولوجيا؛
ومن هنا إمتزج عنوانه مع هدفه و فلسفته بآلذات فكان؛[ألمعرفة و فلسفة ألعلم و آلأيبستمولوجيا].

و من آلمباحث ألأساسية هي:
- مبحث الوجود – ألأنطلوجيا.
- مبحث المعرفة – و به نُميّز بين نظرية المعرفة كفرع فلسفي يهتم بآلمعرفة عموماً و آلأيبستمولوجيا أو ما يسمى بفلسفة العلوم, و تهتم بقضايا و إشكالات تتعلق بآلمعرفة العلمية ألدّقيقة بوجه خاص وعلى كل حال فأن نجاحنا يتوقف على مدى ألألتزام بمبادئ و فلسفة الموضوع المطروح من خلال تفعيل مبادئ (ألمنتدى الفكري).
- مبحث القيم أو ما يسمى بآلأكسيولوجيا و تهتم هي الأخرى بثلاثة قيم عليا هي:
-الحق.
- الخير.
- الجمال.
إن تصورنا للإنسان الذي يجب أن تكوّنه أيّها المثقف ألمفكر .. أمر ليس مستحيل التحقيق، حتى و إنْ كان صادراً عن تصوّر أدبي أو فني أو منطلق فلسفي معرفي أو ديني،ألمهم هو إنقاذه من وحل ألمأساة التي أحاط  به!
  و هذا الأمر يضعنا أمام مسؤولية كبرى خصوصاً حين نرى واقعنا الذي نعيشه و نتلمس حجم خسائرنا في مسيرتنا الإنسانية، و هي خسائر متراكمة و مستمرة طالما أن عالم القمع والإذلال والاستغلال قائم و مستمر من قبل المتسلطين ألطفليين، و سينتهي بنا – في حالة آلنكوص - إلى أن نصبح مخلوقات من نوع آخر كان اسمه "الإنسان"، أو كان يطمح إلى أن يكون إنساناً، و من دون أن يعني هذان بالضرورة، تغيراً في شكله و مظهره.
 إن التّغير الأكثر خطراً على الأنسان هو الذي يجرى في بنيته الداخلية العقلية و النفسية, و لو كان الفلاسفة و المتصوفون والفنانون و المصلحون يسعون، كلٌّ على طريقته و وسعه، للسّمو بالإنسان نحو الكمال الذي خسره، أو اليوتوبيا (أو المدينة الفاضلة) التي يرسمونها، أو يتخيلونها له، فإننا لم نكن لنواجه اليوم ما نواجهه من المحن و الحروب و الظلم و الفساد!
 و في الوقت الذي نطرح البديل ألأمثل بكل تواضع و محبة؛ نعرض بآلضمن عملية ألأنحطاط و آلتقزيم و آلتشويه ألذي تعرّض لها هذا الإنسان كحجة و دليل, هذا مع بحث مدى إمكانية المعرفة .. و حدوده .. و آلأولى بمعرفته من المعارف في هذا الوجود بحسب الأهمية وسيتضمّن برنامجنا أربعة عشر مبحثاً آخر في المعرفة و فلسفة العلم و آلأيبستيمولوجيا .
  نتمنى منكم التعاون الجاد لتفعيل ذلك خصوصاً منك أيها ألمثقف آلعزيز الذي تريد إحقاق آلحق, و الله من وراء القصد إنه نعم المولى و نعم النصير.

من هو ناجي علوش؟



د. إبراهيم ناجي علوش

نشرت الصحف ومواقع الإنترنت، في الأيام والأسابيع التي تلت وفاة المفكر والمناضل القومي ناجي علوش،  عشرات المقالات التي تناولت جوانب مختلفة من حياته ونضاله وشعره وفكره، كانت أغلبيتها الساحقة منصفة، وحاولت بإخلاصٍ أن تقترب من حقيقة ذلك الرجل وكنهه، وأن تفيه حقه.   لكن ما يذهل في تلك المقالات، لمن يستعرضها بالجملة وبالتتالي، أكثر مما حملته في الحديث عنه، هو الخلفيات المتنوعة، لا بل المتناقضة أحياناً، لمن كتبوها، وبالتالي للزوايا التي تناولوا الفقيد من خلالها.  فكأنهم اختلفوا على كل شيء وأجمعوا على تقدير ناجي علوش واحترامه، وهو المنظار الذي لا غنى عنه لرؤية ذلك الشفاف الغامض كضوء القمر.

وها قد مضت سبعُ عشرة دقيقة وستُ عشرة ساعة وأربعة أيامٍ وثلاثةُ أسابيع، عند الشروع بكتابة هذه السطور، منذ توفي ناجي إبراهيم سالم علوش قبيل فجر نهار الأحد الموافق في 29/7/2012...  ولا زلت أتأمل كرسيه المتحرك وفراشه الفارغ الذين تحيط بهما رفوف الكتب إلى السقوف كجدران حصنٍ منيع لا تزال ترفرف في فضائها روح الجاحظ والمتنبي القومية العربية أبداً ودوماً ولسان حالها يقول: "خيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ"...

ولا يزال هنالك من يرسل فيه شعراً أو نثراً أو سطراً من الذكرى... بعضهم أحبه كإنسان دمثٍ رقيق، وبعضهم عرفه كمناضل شرس، وبعضهم عرفه كقائد أو كمقاتل مقدام، وبعضهم ارتبط به كبعثي أو كفتحاوي سابق، وبعضهم تلقح بفكره القومي اليساري، أو بنزعته الثورية الرافضة أبداً للمهادنة مع أعداء الأمة، وبعضهم رافقه في سنوات "حركة التحرير الشعبية العربية" وعرف معه المطاردة والعمل السري واستهداف الرفاق بالقتل والسجن والاضطهاد، وبعضهم قدره كرمز ثقافي أو كمجدد شعري، أو كرئيس لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، أو كمدافعٍ حقيقي عن الديموقراطية والحريات لدى الأنظمة الوطنية والقومية والممانعة، وعند نقيضها، وداخل التنظيمات الثورية نفسها، وبعضهم احترمه وزامله كرمز قومي جذري، أو كأحد رعاة التحالف القومي-الإسلامي المدافعين عن المقاومة في التسعينات، وبعضهم لم يعرفه، إنما أحس به، أو سمع عنه أو قرأه، فتلهف له قلبه، وحزن عليه، أما كاتب هذه السطور، فقد أدرك شيئاً من ذلك كله، لذا رأى أن من واجبه أن يحاول للتاريخ أن يرسم ملامح هذا الهرم الثوري الذي نبت من رحم تربة بلادنا كسنبلة القمح وشجرة الزيتون، والذي تصاعد وعلا حجراً حجراً من خلال قدرته على إدارة الخلاقة متلازمات جدلية ما برح يوصلنا فهمها بشكل مبتسر وأحادي إلى الانحراف ذات اليمين أو ذات اليسار.

وما كان من الممكن لناجي علوش أن يحيط بكل تلك المتلازمات، وبحلولها الجدلية، وأن يحافظ على ثباته وتوازنه في المستنقعات الضحلة والرمال المتحركة لو لم يكن هرماً عملاقاً متماسكاً بكل ما للكلمة من معنى، لا كالصنم، فقد كان يحتقر الأصنام،  بل كان هرماً من إنسان، لم تحوله كل الخطوب والخيانات والممارسات الانتهازية التي تعرض لها إلى حجر، ولم يحوله حلمه القومي أو إنجازاته إلى متعالي، وقد كان إحساسه بالآخرين أصيلاً لا مفتعلاً، وكان وظل متواضعاً، لأنه نبت من أعماق الأرض، وعجن بزيت الزيتون، وعرف معاناة الفقراء حتى شبابه، فتقمصتها روحه، وحولته إلى هرمٍ من إيثار.

كلنا يجتذب من هم مثله، وإن الطيور على أشكالها تقع... أما ناجي علوش فقد كان يسرق قلب الخصم حتى والخصم يعاديه... فيكرهه خصمه أكثر بسبب تلك "السرقة"، وهو يتمنى لو لم يعرفه، أما من احبه فقد كان يتمنى لو أنه انسل إلى أعماق قلبه فنُسي هناك.   

ولد ناجي علوش لعائلة فلاحية بسيطة في قرية بئرزيت في فلسطين المحتلة، وبقي يحتفظ بطيبة الفلاح وببساطته في التعامل مع الناس، لكنه اختلف عن غيره ممن ولدوا وعاشوا في نفس الظروف أو أحسن منها، بقدرته على تجاوز الصغائر، عادة بالعفو عن حقه الشخصي، وبقدرته على التطور والارتقاء، لا على صعيد الفكر فحسب، بل على صعيد نمو الشخصية وتطورها، وكأنه مثال آخر على ما جاء في القرآن الكريم في سورة إبراهيم: "كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ".

كانت تلك إحدى الثنائيات الفذة التي تميز شخصية ناجي علوش.  فقد كان بسيطاً مركباً، بسيطاً في التعامل مع الناس، مركباً في تفهمه العميق للحالات الإنسانية والاجتماعية والعاطفية، وفي استيعابه للشخصيات الصعبة، وفي قدرته على لمس الأوتار الحساسة في شغاف القلب، أو في سبر كنه أكثر النوازع المظلمة استتاراً في شخصيات السياسيين أو المثقفين غير الثوريين.

وسنمر هنا لماماً على بعض تلك الثنائيات في شخصية ناجي علوش، دون أن نتمكن من تغطيتها كلها، إنما تأتي هذه السطور للتعريف بشخصية الرجل وبأساس خطه السياسي.  أما فكره السياسي، فيحتاج لكتابٍ منفصل، وكذلك سيرته الذاتية، التي تحتاج لكتابٍ بدورها، ونعد بإعداد كلا الكتابين إن اسعف العمر، أما تجربته الشعرية ودراساته الأدبية، فنأمل أن نتعاون فيهما مع من يجد في نفسه القدرة والرغبة والاستعداد للإخلاص لسيرة الرجل وموقفه وتجربته.

قلنا أن ناجي علوش نشأ في بيئة فلاحية فقيرة، وكان جدي إبراهيم، بسبب قلة حجم أرضه، يعمل في أرضٍ الفلاحين الموسرين في بناء "السناسل" الحجرية وتطعيم الأشجار المثمرة، وسنمر على هذا الجانب بتفصيلٍ أكبر في الكتاب الذي يتناول سيرة ناجي علوش.  إذن بقي بسيطاً في تعامله مع الناس العاديين، لكن عقله المتعطش أبداً للمعرفة، والذي اصطدم مع عالمٍ متغير في أوائل الخمسينات، جعله في سنوات المراهقة، بالإضافة لتعلم عشق اللغة العربية في تلك الفترة مع عمي المرحوم جميل، يسارياً، مبهوراً بخطاب اليسار الذي يتبنى قضايا الكادحين.  وكانت علاقته السياسية الأولى مع أحد الشيوعيين في القرية، حتى بدأ الأخير يهاجم من يتحدثون عن الوحدة العربية ويدعون لها، وهي الفكرة التي اجتذبت الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، كما اجتذبت أبي أيضاً.  فلما زجره صديقه الشيوعي عن هذا قائلاً أن تلك "أفكار أيتام هتلر"، سأله أبي: "ومن هؤلاء؟"، فأجاب: "البعثيون!"، فقرر أبي أن يبحث عن البعثيين وانضم إليهم على خلفية حسه القومي المرهف الذي كان قد نماه فيه جدي الفلاح الذي لم يكن قد دخل المدرسة في حياته إلا ثلاثة أشهر، وعلم نفسه القراءة، بالرغم من ذلك، وكان يقرأ الشعر القديم والقرآن الكريم، كما أخبرني أبي، في تسجيل بصوته أعددناه خلال فترة مرضه لكتابة سيرته.

المهم أن الانضمام لحزب البعث العربي الاشتراكي، بقوة الحس القومي، لم ينسه حسه الاشتراكي، وبقي أبي اشتراكياً حتى وفاته، وهي الثنائية الأخرى التي أود الإشارة إليها.  فقد كان قومياً عروبياً حتى النخاع، وكان قومياً أولاً، قبل أن يكون أي شيء أخر، لكنه لم يكن قومياً تقليدياً، فقد كان عقله الباحث عن العلم والمعرفة لا يفتأ يبحث عن القوانين التي تحكم حركة التاريخ والسياسة والمجتمع، وكان حسه الكادح لا يدفعه للتقشف فقط في حياته (ولم يكن يستعرض تقشفه بالمناسبة بالأسمال أو قلة الذوق في التصرف، بل كان أنيقاً على تواضع... أناقة من يتسرب الحس الجمالي من سلوكه وذوقه المرهف لا من ماله)، بل كان حسه الكادح حساً جمعياً، يجعله يفكر بالفلاح والعامل والموظف والطالب والجندي، ويجعله يشعر بالسليقة بتأثير أي سياسة أو بنية اقتصادية-اجتماعية على عامة الناس، وكان ذلك الحس العفوي أساس اشتراكيته، قبل النظريات الاشتراكية التي أفنى سنواتٍ طوال في دراستها وفي الكتابة فيها، ومن هنا بعض عناوين كتبه مثل "الماركسية والمسألة اليهودية" أو "الطبقات والصراع الطبقي في الوطن العربي" وغيرها.  

المهم أن ناجي علوش كان ينفر من "الفذكلة" النظرية لبعض الاشتراكيين والماركسيين، ومن استعراض المفردات الأجنبية والسلوك الغريب عن مجتمعنا باسم "الاشتراكية"، ولذلك كان يحب ماوتسي تونغ من كل قلبه، كما أحب هوشي منه، وكما أحب تشافيز خلال سنوات مرضه.  فقد كانت الاشتراكية بالنسبة له إحساساً  وموقفاً قبل أن تكون نظرية، مع أنه بلور توليفة قومية يسارية متماسكة، بعد خروجه من حزب البعث، الذي اصبح فيه الأمين القطري للحزب في الكويت عام 1959، قبل أن يتركه على خلفية الصراع بين ميشيل عفلق وعبدالله الريماوي (مع أن الوالد لم يكن ريماوياً).   وقد نمت التوليفة القومية اليسارية التي أصبحت أساساً لفكر ناجي علوش من خلال التفاعل مع نفس المدرسة التي اشترك فيها ياسين الحافظ والياس مرقص الذين فتح لهما ناجي علوش أبواب نشر فكرها عبر "دار الطليعة" التي كان يديرها في بيروت خلال الستينات.   وقد وجهت تلك المدرسة نقداً نظرياً وسياسياً حاداً للشيوعيين العرب بسبب موقفهم آنذاك من الوحدة العربية وتحرير فلسطين، سوى أنها تمسكت، بالرغم من ذلك، بالمنهج العلمي في التحليل، وبطرح برنامج قومي يستند إلى الطبقات الشعبية العربية، أي يستند لرؤية طبقية.

وبالنسبة لناجي علوش بالذات، اقترن ذلك بممارسة العمل المسلح في صفوف الثورة الفلسطينية، وقد نتج عن ذلك دراسات وكتب مهمة نظرت لتجربة الثورة الفلسطينية ونقدتها، وشكلت لفترة من الزمان حصناً فكرياً منيعاً في مواجهة التيار التسووي في حركة فتح خاصة وفي منظمة التحرير الفلسطينية عامة.  وكانت الثنائية هنا مزج النظرية بالممارسة، وهو الأمر الذي أشار له أكثر من كاتب تناول ناجي علوش بعد وفاته، ولذلك لن نتوسع فيه هنا.

لكن النقطة الأخرى التي ميزت فكر ناجي علوش هنا كانت علاقته الوجدانية بالشعب والناس، لا السياسية فحسب، ولذلك فقد احترم ثقافة الشعب وتشربها غريزياً، وعندما كان يتحدث عن معارك العرب ضد الغزاة، خاصة معارك سيف الدولة الحمداني ضد الروم وكيف وحد العرب حوله، أو عن الثقافة العربية والإسلامية، عن إنجازات العرب الحضارية في الإندلس مثلاً، فقد كان يتحدث بشغف، قومي أساساً، ينبثق من حس الناس، كان يؤاخذه عليه كثيرٌ من المنظرين القوميين واليساريين.  ولم يجد إبي وأمي غضاضة في إرسالنا، عندما أغلقت المدارس في بيروت بسبب الحرب الأهلية، لمدرسة المقاصد الإسلامية في صيدا في جنوب لبنان لنقيم فيها، ونحن لا نزال صغاراً.

كان أبي لا يشرب الخمر ولا يدخن ولا يسمع الموسيقى ولا يشاهد الأفلام أو المسلسلات أو المباريات الرياضية، وكان قد قال لي مرة، فيما بيننا، أن الرجل الذي لا يستطيع أن يمر يومه دون احتساء القهوة أو الشاي مدمنٌ يقلل إدمانه على المنبهات منه.  ولكن ناجي علوش، على الرغم من زهده بالحياة، كان رقيقاً دمث الخلق واجتماعي الطبع، وهنا الثنائية الأخرى الجذابة في شخصيته، فلم يكن قاسياً أبداً في الحكم على الناس، بل كان ديموقراطياً متفهماً إلى أبعد الحدود، ومتقبلاً لمن لا يوافقه، ولم يكن ليؤذي الناس بكلامٍ جارح أو سلوكٍ متشدد، ولم يكن ليقاطع من لا تروق له عاداتهم، بل لم يكن ليشعرهم برأيه فيما يفعلونه، إلا عندما تسنح له الفرصة، وبرفقٍ شديد.  والكلام يدور بالطبع، حول السلوك الشخصي، لا حول الموقف السياسي الذي لم يهادن فيه ولم يساير ولو على قطع رأسه، حتى لا يؤول الرجل بشكل ليبرالي رث، فذلك رجلٌ كان يعرف أين تكمن أولوياته في الحياة.

ولعل أكثر ما كان يجتذب الناس لناجي علوش هو حرصه الشديد على كرامة الإنسان، حتى أعدائه، فلم أسمعه يوماً يشتم أحداً بكلمة نابية حتى عندما كان يسيل الدم وينطلق الرصاص والقذائف وتحل حجة القوة محل قوة الحجة وتذر الحرب قرنها، فتلك هي القوة التي لا أدعيها والتي لم أرها في غيره أبداً.  لم يضربني مرة، بل كان يعتمد وسيلة الحوار والإقناع، والهيبة، وعندما ألقت الوالدة القبض عليّ مرة وأنا أدخن في سنوات المراهقة، وشكتني للوالد، وكان آنذاك يعيش متخفياً متشرداً بين البلدان بعد أن حكم عليه ياسر عرفات بالإعدام وطارده وأعدم عدداً من رفاقه، تم الترتيب للقائي به في العراق، وحدثني عن مساوئ التدخين طويلاً، ثم قال لي: "لن أمنعك إذا قررت التدخين، ولا تكن جباناً فتخفي الأمر كاللص، بل دخن أمامي"، ولم اصدقه، فأمسكت بسيجارة واشعلتها، ولم يفعل شيئاً سوى أنه أشاح بوجهه عني، وكان شعوري أنني قطعت حبل الود كافياً لكي اطفئها...

ذلك هو الرجل الذي كان يعود من خطوط القتال ببدلته العسكرية ليضع بندقيته ومسدسه جانباً ("إبراهيم لا تلعب بالكلشن بالبيت")، وليساعد المرحومة الوالدة سميرة عسل (أم إبراهيم) بجلي الصحون أو تنظيف المنزل، ليعود بعدها إلى قراءة المتنبي ليرتاح قليلاً قبل أن يأخذ قسطاً من النوم ليعود لمواقع القتال، وهذا وهو يحتل موقعه كرئيس لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين!  أي مثقفٍ عربيٍ كبيرٍ هذا!  ومن مثله؟!  لقد كان نسيج وحده.  كان فلاحاً من بيرزيت قرر أن الرجولة لا تمارس على الزوجة والابنة والأخت، بل على من يحتلون الوطن ويضطهدون الشعب...  وهي ثنائية أخرى وددت لفت النظر إليها.

أما بعد، فقد كان  خمر ابي هو دواوين الشعر، وكنت أتعجب كيف "يرتاح" من جلسة متواصلة تمتد ما بين اثنتي عشرة  وثماني عشرة ساعة من القراءة والكتابة، بقراءة دواوين الشعر القديم، خاصة المتنبي الذي عشقه وكتب عنه دراسة متميزة.   وكان ذلك المقاتل الشرس... مرهف الحس، وكان يتأثر بشدة في حضرة الشهداء، ولكنه لم يكن شاعراً وطنياً فحسب، أو ملتزماً، بل كان قبل كل ذلك إنساناً، وقد كتب مرة:
غيري يمنّي من يحب بالنجوم
أما أنا، فليس عنديَ غيرُ بعض الشعر
حصادُ رحلتي وغربتي
عزيزتي، هذا الذي لدي...
فهل تراه يستحق الذكر؟!

ولم يسعى ناجي علوش يوماً لمالٍ أو أملاكٍ أو رفاهية، وعندما أصيب بالجلطة الدماغية بعد عودته من الحدود الأردنية-السورية صبيحة يوم 25/11/1997، عدت من الولايات المتحدة لأجد في حسابه ستمئة دينار أردني فقط، وكان منذ ترك بيرزيت في أواسط الخمسينات يسكن بالإيجار، ومات وهو لا يملك باسمه قرشاً واحداً، ولا شقة ولا أصول، إلا ما ورثة وأخوته عن جدهم في أرض بيرزيت، وهو بضع دونمات، وقد عمل في الكويت تسع سنوات في بداية شبابه، كان يرسل خلالها معظم ما يجنيه لأهله.  وقد ترك لنا الوالد سمعةً طيبةً وتراثاً نفتخر فيه وعلماً نافعاً وسيرةً عطرة... وآلاف الكتب.  اما مكتبته في بغداد، فقد تبرع بها لبيت الحكمة، وتم إحراقها يوم احتلال بغداد في 9 نيسان 2003 من قبل الرعاع الذي جاؤوا مع الاحتلال مع بقية مكتبة بيت الحكمة، وهو ما حز في نفسه كثيراً.  أما مكتبته الكبيرة في دمشق، فقد تبرع بها لمكتبة جامعة بيرزيت، في فلسطين المحتلة، وهذا غير مئات الكتب التي توزعها الاصدقاء في لبنان،  أما مكتبته في عمان، فهي ما تبقى منه... وقد بقي الرجل مصراً على التعاطي مع الورق، صحفاً وكتباً، ورفض التعاطي مع الإنترنت بشكل مطلق، وكان يطلب مني أن أقرأ له أي خبر أو موضوع مهم أجده، أو أن اطبعه على الورق... فناجي علوش كان يعشق الورق.

قلت أنني أصف شخصية ناجي علوش البسيطة المركبة من خلال توليفة الثنائيات الجميلة التي تكونت منها، فليس المقصود هنا هو السرد فحسب، ولذلك فإن ما يتمم خاصية التقشف عند ناجي علوش، ما عدا في اقتناء الكتب، هو الفرص الكبيرة للفساد التي أتيحت له، حتى دون أن يساوم على مبادئه.  وأذكر هنا ما جرى عندما كان مديراً لدار الطليعة في بيروت، يتلقى راتباً من بضع مئات الليرات اللبنانية، أنه أشرف على عملية ترجمة الأعمال الكاملة للزعيم الكوري الراحل كيم إيل سونغ، وبعد تهيئة فريق المترجمين والقيام بالتدقيق والطباعة الخ... كان والدي سعيداً بالإنجاز، وجاء إلى المنزل بعد الدوام ليتناول الغداء، وهناك أخبر والدتي بالإنجاز، ومن ثم عبر لها عن استغرابه لأن الكوريين أحضروا له شيكاً بخمسين ألف دولار مكافأة له على جهوده في إدارة المشروع، وكان ذلك في بداية السبعينات، فسألته ماذا فعل بالشيك، فأجابها أنه رفضه وأعاده إليهم طبعاً... واعتقد أن والدتي، ضمن وضعنا آنذاك، لم تكن سعيدة جداً بقراره، لكنها عادت ودعمته وأيدته وافتخرت بما قام به وظلت تسوقه مثالاً على نزاهة زوجها.  وهذا مجرد مثال صغير، ولن أخوض في الأمثلة الأخرى المستقاة من الثورة الفلسطينية أو غيرها، وفرص الفساد الكبيرة التي كانت متاحة له فيها لو خالطه فساد.

وبالعودة لتجربة المطاردة والعيش تحت الأرض، أذكر أنه اضطر للاختفاء بعد مداهمة قوات فتح للقواعد التي أقامها هو وأبو داوود في الجنوب اللبناني بعد احتلال الشريط الحدود من قبل الكيان الصهيوني في 15/3/1978.   وكان ياسر عرفات قد اعتبر أن توصل فيليب حبيب، المبعوث الأمريكي آنذاك، لاتفاق معه حول وقف إطلاق النار وإدخال القوات الدولية، والشريط الحدودي محتل، يمثل اعترافاً أمريكياً ودولياً بمنظمة التحرير مما يمهد لدخولها في التسوية!!! وقد رفض ناجي علوش وأبو داوود هذا المنطق وأصروا ومن معهم على ممارسة العمل المسلح ضد العدو الصهيوني ما دام الشريط الحدودي محتلاً، مما استتبع هجوماً ضارياً من قبل القيادة على التيار الذي يقودانه في فتح.

وكان في الدامور، على الساحل الذي يصل بيروت بالجنوب قاعدة من أهل مخيم تل الزعتر المهجر يقودها أبو أحمد وأبو عماد بطلا الصمود في مخيم تل الزعتر، وكان أبو أحمد وأبو عماد يرتبطان تنظيمياً بالوالد وبأبي داوود، فتمت دعوتهما لاجتماع، كان في الواقع كميناً، وتم اختطافهما وإعدامهما من قبل محكمة صورية أسسها ياسر عرفات في منطقة الفاكهاني، وكان 120 مقاتلاً فتحاوياً من القواعد المداهمة في الجنوب لا يزالون في سجون أمن فتح بتهمة تهديد أمن العدو الصهيوني، والسعي للإخلال بقرار وقف إطلاق النار، وقد تم الإفراج عن معظمهم بعد حوالي شهرين، وبقي 16 من قادتهم أكثر من سنة ونيف في السجن، وخلال ذلك انطلقت في فتح حملة اجتثاث لتيارها المعارض أو تركيعه، ممن ارتبطوا بعلاقة تنظيمية مع ناجي علوش بالأخص، كانت حملة اجتثاث وتنكيل في الواقع... وهكذا صدر الحكم بإعدام الوالد وبالبحث عنه لاعتقاله وتنفيذ ذلك الحكم.

وكانت تلك لحظة فاصلة، فقد انفض قادة التيار المعارض في فتح عن مشروعهم، وتراجعوا عن مواجهة ياسر عرفات، إلا الوالد، الذي رفض أن يخضع للترهيب أو أن يعلن الولاء، أو أن ينحني أمام الموجة، وثمة الكثير من التفاصيل المرتبطة بتلك المرحلة التي سأتجاوز عنها هنا... بل سنتركها للسيرة.  ما يهمنا هنا هو انتهاء علاقته بحركة فتح فعلياً، وللأبد، مع أنه كان عضواً في مجلسها الثوري. وقد انتهت علاقته حتى مع حلفائه السابقين فيها، على خلفية تلك الحملة الاجتثاثية بالذات، وانفضاضهم عنه، بسبب تمسكه بالأمر حتى النهاية، والمقصود هنا بالطبع أمر مواجهة العدو الصهيوني، ومن ثم مواجهة ياسر عرفات بعد حملة التصفية والتنكيل التي أطلقها، وهي حملة طالت حتى عام 1979، ولم تكن بلا سوابق، ومنها اعتقال الوالد عام 1974، وتضمنت فيما تضمنته محاولة اغتيال فاشلة لمؤسس إعلام فتح حنا مقبل (أبو ثائر) في بيروت من قبل ياسر عرفات أمام مكتب القدس برس، الذي عاد ليستشهد عام 1984 في قبرص على يد أبو نضال...

ما يهمني شخصياً هنا هو الفرصة التي أتيحت لي لاحتكار الوالد بعيداً عن كل شيء أخر، وأنا لا أزال في الرابعة عشرة من عمري وقتها، وكان قبلها لا يأتي للبيت إلا للزيارة، منذ اغتيال الكيان الصهيوني للقادة الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في 10 نيسان 1973.  وهنالك كثيرٌ من الناس لا يفهمون أن المناضل لا يملك نفسه، ولا تملكه عائلته، فيصبح الأب عندها كنزاً مفقوداً.  ولكن في نيسان 1978، وبعد اشتداد حملة التصفية والاعتقالات، تم اتخاذ قرار بنزول عدد من الرفاق تحت الأرض، وتم اتخاذ قرار بإخفائي مع الوالد.

وقد تنقلنا بين أماكن متعددة في تلك الفترة، وحملات المداهمة والتفتيش على أشدها، ولكن أجمل ما في تلك المرحلة بالنسبة لي كان الفترة التي سكنا فيها وحدنا في منزل معروض للإيجار في أحد أحياء بيروت الغربية، لم يكن يفترض بسكان العمارة أن يعرفوا أن هنالك من يقطنه، فكنا لا نشعل النور عندما يحل المساء، ونبقي دفتي خشب النوافذ مغلقتين، ولا نشغل تلفزيوناً، ولا نفتح مياه الحمامات في الليل، ولا نحدث صوتاً ولا جلبة لأي سبب، خاصة في الليل. 

وكان المنزل لمغتربين أقرباؤهم مع تيار الوالد في فتح، وقد وضعوا إعلاناً لتأجير البيت، وكانوا يأتون مرة أو مرتين في الأسبوع، وهم يحملون لنا أكياساً  فيها صحف وطعام ورسائل، ويخرجون بنفس الأكياس وهي فارغة، وكانو يأتون أحياناً ببعض الزوار "الراغبين باستئجار البيت"... وقد كانت تلك المرة الأولى، بعد بدء إدراكي السياسي للعالم، التي سنحت لي للعيش مع الوالد بشكل متواصل، طبيعي، هو في الواقع غير طبيعي على الإطلاق.  وكانت فرصتي لكي اتعلم منه وأفهم بالضبط كل ما أريد أن أعرفه.  كانت ذئاب الأمن تبحث عنه على مدار الساعة، وكان ينام ويصحو وسلاحه (الشتاير) بجواره، لكنني كنت سعيداً به جداً وكان كعادته مستغرقا بالقراءة والكتابة، ولم استطع ان أجاريه، فقد كانت المدة القصوى التي استطعت القراءة فيها بشكل متواصل وقتها لا تتجاوز أربع إلى ثماني ساعات، كنت بعدها أزعجه وأتحرش به لمناقشة أي موضوع، من الصراع الصيني-السوفييتي إلى جذور خلافه السياسي مع خالي منير شفيق إلى تقييم الدور السوري في لبنان الذي تحول في تلك الفترة إلى صراعٍ حادٍ مع الكتائب اللبنانية... وكانت فرصة ذهبية لا تعوض لكي أغرف من ذلك البحر وحدي دون بقية الرفاق، لمدة تجاوزت الشهر ونصف الشهر.

ولكنه كان، في أقسى حالات الوحدة والمطاردة الدموية، ينشغل في الليل بشيءٍ لا يملكه إلا من كان في حالة سلام تام مع ذاته.  فقد كنا نذهب في الليل إلى الغرفة الوحيدة في المنزل التي لا يطل عليها أي مبنى مجاور، وكان يشعل شمعة، ويجلس على الأرض، وخشب النافذة مغلق، وينشغل بكتابة قصيدة... وهناك ولدت قصيدته "حوار مع أبي الطيب المتنبي" (المهداة لوالدتي "الرفيقة سميرة") والتي أكملها لاحقاً في فيتنام، ومطلعها:

لليل رهبتهُ
وبي شوقٌ إلى سفرٍ طويل
امتد فيه حيث لا تصل
العيون الزئبقية
لأحط في حدق الرفاق المولعين
بطلعة النجم البهية
والساهرين على السبيل
لليل رهبتهُ
وبي شوقٌ إلى سفرٍ طويل.

وأذكر يوماً بعدها أن مرافق والدي جاء ليبلغه على عجل في جوف الليل بأن أحد زواره من الأيام السابقة ثمة شكوك ومؤشرات، حسب رأي بعض الرفاق في الخارج، بأنه "تساقط" أو تم اختراقه أمنيا.  في تلك اللحظة اتخذ القرار بتغيير مكان إقامتنا فوراً.  وبعد أن لملمنا بعض الحاجيات على عجل، نزلنا بالمصعد، وعلى مدخل العمارة مباشرة فوجئنا، ونحن نغادر مدخل المبنى، بدورية لأحد أجهزة أمن فتح تقابلنا وجهاً لوجه، وكادت تحدث مجزرة: السلاح ملقماً بمواجهة السلاح، والمسافة لا تزيد عن مترين إلى أربعة أمتار.

في مثل تلك اللحظات تعرف معادن الرجال، لا من حيث الشجاعة والجبن بالضرورة، ولكن من حيث رجاحة العقل والقدرة على التصرف ورباطة الجأش، و"الرأي قبل شجاعة الشجعان"...  كانت أقل من لحظة صمت قد مرت، بفعل المفاجأة الرهيبة على الجهتين، فقد جاؤوا ليكسروا الباب ومفاجأتنا... عندما سمعنا والدي يأمر الجميع: الكل ينزل سلاحه! مشيراً بيده اليسرى إلى أسفل... مخفضاً سلاحه باليد اليمنى.  لم أصدق كيف يقول ذلك... ولم أصدق أكثر عندما رأيت عناصر الدورية التي أتت لمداهمته يخفضون سلاحهم... ثم اندفع الملازم قائد الدورية فجأة لمعانقة والدي وتقبيله... وأنا ومرافقه، وعناصر الدورية المقابلة، جميعاً، كالمشدوهين.  وهمس الرجل شيئاً في أذن والدي، ثم انصرفنا بسرعة.  لقد أخطأ من أرسل ذلك الملازم الفتحاوي الأصيل لاعتقال ناجي علوش لأن الرجل كان قد خاض أكثر من معركة إلى جانبه، وكان يدين له بالولاء، وكان ما همسه في أذنه: لا تذكر أنك قابلتنا.  سنقول أننا لم نجدك...

أين سنذهب الآن؟!!  لم يكن الرفاق قد أعدوا مكاناً آمناً بعد... وكانت ثمة آلية محددة للاتصال لتفعيل المكان البديل، وكان الوقت يتجاوز منتصف الليل، ونحن ندور بالسيارة بعيداً عن الطرق الرئيسية.   كان الوضع خطراً جداً، خاصة ونحن غير متأكدين مما سيرشح عن عناصر الدورية التي كدنا نشتبك معها لقيادة الأمن، وهنا جاء القرار الأخر الذي أذهلني وأذهل مرافق والدي: اذهب إلى منزلنا (المعروف للقاصي والداني) في حي زريق في المزرعة، وهو أحد أحياء بيروت الغربية المعروفة.  المرافق: أبو إبراهيم...  إبي: اذهب هناك، فهو أخر مكان سيتوقعوننا فيه..  وهكذا ذهبنا، ونمنا هناك حتى الصباح، وكنا قد تركناه قبل أشهر... وكانت المرحومة والدتي مصرة أن تبقي منزل ناجي علوش مفتوحاً متحدية قيادة فتح أن يأتوا لاعتقالها، فبقيت فيه وحدها مع رفيقة، ووضع الأمن سيارة تراقبه على مدار الساعة حوالي شهر ونصف، ثم تعبوا، فصاروا يأتون لماماً، ومن هنا نشأت الثغرة التي تسللنا عبرها، وفي اليوم التالي انتقلنا إلى مكان آمنٍ في منطقة الشوف في جبل لبنان بقينا فيه فترة مع عائلة صديقة.

استمرت هذه الحال، ونحن نتنقل من مخبأ آمن إلى آخر كل أسبوعين أو ثلاثة، حتى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1978، أي حوالي ستة أشهر، قرر والدي بعدها التسلل إلى العراق، وهكذا كان... ومن المهم أن نذكر هنا تلك الخلفية التي أدت لانتقاله للعراق وبدء صفحة جديدة بالعلاقة مع إبي نضال.. وكانت الخلافات تستعر داخل التنظيم في العراق، وهو ما جعل شراكة الوالد المباشرة مع أبي نضال لا تستمر أكثر من عام، انتهت بالانفصال، وبإعلان تنظيم جديد هو "حركة التحرير الشعبية العربية" عام 1979، وهو التنظيم الذي تم حله رسمياً عام 1992.  وقد شارك عناصر ذلك التنظيم مع جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في إطلاق المقاومة ضد العدو الصهيوني بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، وقدموا الشهداء والكثير من التضحيات التي تبقى صفحاتها مطويةً حتى الآن إلا على قلة، كما شاركوا بمجموعتين في بيروت في مواجهة الاجتياح الصهيوني للبنان في صيف عام 1982 من خلال مواقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان كاتب هذه السطور أحد عناصر تينك المجموعتين اللتين بقيتا على خطوط التماس مع العدو الصهيوني من 6 حزيران حتى 11 آب 1982.

وهي قصة أخرى سنتركها للسيرة أيضاً، سيرة ذلك التنظيم، لا سيرة الوالد فحسب.   لكن الثنائية الجدلية هنا التي تضيف لجاذبية أبي إبراهيم هي أنه كإنسان ثوري آمن بالعمل المسلح، كان يراه منبثقاً من خط سياسي والتزام أخلاقي، وكان يراه موجهاً ضد أعداء الأمة من قبل تنظيم شعبي ثوري، ولم يكن ليرضى، بالرغم من تصفية عرفات لكثيرٍ من رفاقه، ومحاولة قتله شخصياً، أن يتحول العنف المسلح إلى عنف إرهابي يقوم على الاغتيالات الفردية ضد عناصر فتح التابعين لياسر عرفات أو لأبي نضال نفسه، وقد مارس أبو نضال القتل ضد الفئتين، على أساس الشك في معظم الأحيان، ومن ثم ضد عناصر حركة التحرير الشعبية العربية نفسها، وهي المعادلة التي لم يفهمها الأحمق باتريك سيل في تناوله السطحي للوالد في كتاب "بندقية للإيجار" عن تنظيم أبي نضال...

وكان من الذين اغتالهم أبو نضال من حركة التحرير الشعبية العربية مسؤول إقليم أوروبا في التنظيم نبيل عرنكي، الذي اغتاله أبو نضال في مدريد في أسبانيا... وكانت الكثير من خلايا أبي نضال مخترقة للموساد ولأجهزة مخابرات عربية مختلفة، كما اكتشف أبو نضال بنفسه لاحقاً، وعرف الوالد بعدها من قيادات الصمود الفلسطيني في السجون الصهيونية أن من اغتال نبيل عرنكي من خلية أبي نضال في إسبانيا أدين بالتعامل مع العدو الصهيوني... وقد رثا الوالد نبيل عرنكي، الذي كان يحبه كثيراً، ورأيته يبكي بكاءً مريراً على فراقه في قصيدة "عن الدم الذي يزهر في كل المواسم" من ديوان "الزهر والنار":

قلت للمهرة هذا البرق لاحْ
من ثنايا الغيم في الأندلسِ
فالمسي صدري الذي
ناشته آلاف الرماحْ
وانظري:
هذا دمي المنذور من
وجهي يسيلْ
واعرفي القاتل
إن الومض أعطاني
تقاسيم القتيلْ
ها هو النجم على الأفق
يميلْ
ها هو النجم على الدرب هوى
هل رأيت الوجه والقامة
والرمح الطويلْ؟

آه عفواً يا نبيلْ
إن أصابتنا سهام العسسِ
والميادين تنادينا إلى عرسٍ جليلْ
آه عفواً
إن تلهى بالسيوف القتلة
وانتشى الأوباش من خمر الجراح
يسرح الخفاش في عتمته
عفو الجناح
وتباهي في العراء الحجلة.

نصل هنا إلى الثنائية الأخيرة في هذه المعالجة في شخصية ناجي علوش وخطه السياسي.  فقد اختار البعض أن يركزوا بشكل أحادي على اهتمامه بالحريات الديموقراطية، وحقوق الإنسان، في داخل الأنظمة القومية والممانعة عندما لم يكن أحد يجرؤ أن يثيرها، وله في ذلك مواقف مشهودة، وليس فقط ضمن تنظيم أبي نضال.

وسأقتبس هنا فقرة أو فقرتين من مذكرات ناجي علوش غير المنشورة:  "لم أقم علاقة مع نظام عبر جهاز أمني، وكانت علاقتي تمر دائماً عبر الرئيس... ولم أقم بالترويج لنظام معين، كتابةً أو شفوياً، ولم أدافع عن الإجراءات التعسفية، وكنت على علاقات دائماً بالمعارضات للأنظمة، وكانت علاقاتي هنا علنية ومكشوفة.  حتى أنني كنت مرة في بغداد، وسمعت أن الحزب الشيوعي العراقي أخذ قراراً بالعودة إلى الاختفاء، فقررت زيارة مقر الحزب، فاتصلت وأخذت موعداً، وذهبت في الليل، وكان مكتب الحزب وسط بستان... كان الصمت رهيباً... دخلت فوجدت ماجد عبد الرضا، وجلسنا وتحدثنا...".

الحديث طبعاً عن زيارة مقر الحزب الشيوعي العراقي في بغداد... ولكن، عام 1979، تم طرد الجبهة الشعبية والديموقراطية ... وحركة التحرير الشعبية العربية (تنظيم الوالد) من العراق، وتم إبلاغ قيادة التنظيم بمنع نشاط حركة التحرير الشعبية العربية في العراق إلا على الصعيد الفلسطيني.  فهل كان موقفه، من جراء ذلك،  انتقامياً؟  لا طبعاً، تشرد الوالد في أوروبا الشرقية حتى عام 1981، ورأسه مطلوبٌ لياسر عرفات وأبي نضال في آنٍ معاً، ولم تكن العلاقة مع القيادة السورية جيدة بعد.  وبالرغم من ذلك، عندما اندلعت الحرب العراقية-الإيرانية، لم يتردد لحظة في الاصطفاف مع العراق، فالموقف الديموقراطي عنده محكومٌ بسقف السيادة الوطنية، وهذا ما علمنا إياه.  وقد جن جنونه عندما اقتربت القوات الإيرانية من البصرة عام 1986.   ولنلاحظ جيداً أنه عبر عن ذلك الموقف علناً وهو يقيم في دمشق منذ عام 1981، وقد استدعاه الرئيس حافظ الأسد للحوار مراراً، وهو ما لم يكشفه لي إلا قبل عام...

وعلى كل حال، إليكم هذه الفقرة من مذكراته غير المنشورة: "غادرت في اليوم التالي إلى براغ، بدعوة من منظمة الصحفيين العالميين I.O.J، فوجدت اثنين من كوادر الحزب الشيوعي العراقي ينتظران الطائرة، فسلما علي، وتناقشنا ونحن وقوفٌ بشأن الحرب مع إيران... وكان الرفيقان يعتقدان أن الحرب مع إيران ستسقط النظام.. فقلت لهما: لا اعتقد أنكم تعرفون النظام.  النظام قوي ومستعد.  على كل حال، ومهما كانت الظروف، فأنتم في مأزق... اقترح أن تعودوا إلى بلادكم وأن تقاتلوا مع النظام، لأنكم إذا انتصر النظام ستعاقبكم جماهيركم، وإن هزم ستعاقبكم.  فسأل أحدهما: هل تعتقد أن النظام سينتصر في الحرب مع إيران؟  فقلت: هنالك إمكانية كبيرة، ولكن أي شرف ستكسبون إذا انهزم وديس شعبكم وبددت ثرواتكم؟".

ويضيف لاحقاً: "لكن الذين لم تحقق لهم إيران مناهم عادوا وطلبوا النجدة من الولايات المتحدة الأمريكية.. وسقط النظام، فدفع شعبهم ثمناً باهظاً... وليس هناك دلائل على وجود مستقبل مطمئن وكرامة واستقلال.  الوضع يتشظى ويتفتت، والحرب الأهلية تأخذ أشكالاً متعددة، وكل شيء في العراق يتآكل".

ونرجو أن لا يبتسر أحدٌ هذه الملاحظات خارج سياقها، فالسياق هنا هو الحرب العراقية-الإيرانية، (لا الدعم الإيراني لسورية اليوم مثلاً!)، وقد زار والدي إيران بعد مرضه، في نيسان عام 2001، للمشاركة في مؤتمر هناك، وزار العراق في عام 2002، ولا تزال الأختام موجودة على جواز سفره القديم.
وفي صفحةٍ أخرى من مذكراته غير المنشورة بعد: "كنت معارضاً دائماً لأسباب جوهرية منها: 1) أن النظام العربي قطري وأنا وحدوي، 2) النظام العربي استبدادي، وأنا ديموقراطي مع الديموقراطية وحقوق الإنسان، 3) النظام العربي يتواءم أو يسعى إلى التطابق مع الإمبريالية وأنا معادٍ للإمبريالية، 4) النظام العربي مع الاستسلام للعدو الصهيوني، وأنا معادٍ للكيان الصهيوني، مع المقاومة المعادية له، ومع محاصرته ومقاطعته، ومع الإعداد للمقاومة.  ولذلك كنت اقترب من الأنظمة بمقدار اقترابها من هذه الاعتبارات، وابتعد عنها بمقدار ابتعادها عنها.  ولكنني كنت أحرص دائماً على عدم اعتبار الدول الكبرى مساندة للحرية والديموقراطية، وأرفض دعوتها أو قبول تدخلها بحجة حماية الحرية أو تمويل النشاطات من أجلها.  وكنت أؤكد دائماً أن حريتنا وديموقراطيتنا يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حاجات الشعب الأساسية، وأن تأخذ باعتبارها حاجة الأمة لقيام الوحدة العربية، وإلى تحقيق التحرر من الاستعمار والنفوذ الإمبريالي ورفض استخدام دعوات الحرية والديموقراطية لتفكيك مجتمعاتنا كما يجري الآن".

العبرة من مثال العراق أعلاه أن الدعوة الديموقراطية محكومة بالضرورة بالسيادة الوطنية وبالمصلحة القومية، وهي الثنائية المركزية في فكر ناجي علوش القومي الديموقراطي، التي يسعى البعض لتشويهها ولما يبرد التراب على قبر الوالد بعد.  والعبرة من الفقرات الأخيرة واضحة لا تحتاج إلى تفسير، فالمعيار الأول لتقييم الأنظمة العربية هو موقفها من الوحدة العربية، والمعيار الثاني هو موضوعة الحريات، والثالث هو موقفها من الإمبريالية، والرابع هو موقفها من الصهيونية، ولا يجوز أن نأخذ المعيار الثاني وحده، وبشكل يتعارض مع المعايير الأخرى، لمن يريد أن يستشهد بناجي علوش.  وقد كان هذا أساس موقفه ضد التدخل الأجنبي مؤخراً في سورية وليبيا، ودعمه بالاسم لقيادتيهما، كما جاء في التسجيل المصور الذي قام به في 7/9/2011 والموجود على اليوتيوب تحت عنوان "طلقة تنوير".

يا أيها الفذ الفريد في كل المواضع، لقد مضت خمسٌ وأربعون دقيقة وخمسة أيامٍ وثلاثة أسابيع منذ غادرتنا، وهيهات أن نجد مثلك، أو أن يملأ فراغ عقلنا وقلبنا بعدك أمرؤٌ بحجمك.