قال أستاذ العلوم السياسية الأمريكي جوش ستاتشر في مقاله الأخير بمجلة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي CFRأنه بعد رحيل مبارك لم يعد لدى أي جهة في مصر سيطرة كاملة على مقاليد الحكم، ويشمل ذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وسوف يرى المصريون قريبا أن المؤسسة التي يعتبرونها الأقوى في مصر ما هي إلا “سراب.”
ويقول ستاتشر إن ترشح السيسي لرئاسة الجمهورية سيكون الخطوة الأخيرة فيما اسماه “الغزو العسكري لمصر” وعودة مصر إلى ما يشبه نظام مبارك.
ويقول ستاتشر إن السيسي حاول تثبيت دعائم حكمة من خلال إطلاق حملة لمواجهة الإرهاب بدءا من شهر يوليو الماضي، ومنذ ذلك الحين قامت أجهزة الدولة القمعية باستهداف التظاهرات والاعتصامات المناهضة للحكومة مما أودى بحياة الآلاف من المتظاهرين.
ويصف ستاتشر هذه الحملة بأنها “اكبر من كونها مجرد حملة ضد الإخوان”، فقد قتلت الحكومة المؤقتة وجرحت الكثير من المتظاهرين غير المنتمين إلى الإخوان، واعتقلت النشطاء الثوريين والصحفيين، وقامت بالتشهير بالأكاديميين المعارضين لها. وقد تزامن ذلك مع تزايد في وتيرة التفجيرات والاغتيالات والعمليات المسلحة التي تقوم بها جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء..
ويضيف ستاتشر: “أصبح من الواضح للعيان أن الدولة المصرية قد ضعفت على مدار الثلاثة أعوام الأخيرة؛وأصبحت سياسية اللجوء للعنف من قبل الدولة ضد المعارضين بمثابة محاولة أخيرة لإصلاح قارب أوشك على الغرق؛ ولكن في الواقع فان مصر الآن على أعتاب ثورة أخرى.
ويقول إن ما حدث وقت تنحي مبارك لم يكن سوى أن الجيش قام بالتدخل لحماية المصالح والمؤسسات الخاصة به ثم قام بتوزيع غنائم نظام مبارك في حين ركز الجميع على استقالة مبارك. وقام الجيش بنفي أو سجن أصحاب رؤوس الأموال والفريق الاقتصادي الإصلاحي بالحكومة لأنه لم يكن يسيطر عليهم. كما قام بالتخلص من منافسيه في وزارة الداخلية ووضعهم تحت سلطته. فعلى سبيل المثال قام المجلس العسكري بإعادة تسمية جهاز أمن الدولة وأطلق عليه الأمن الوطني وأعاد تشكيل قيادته في مارس 2011
ولم يستثنى من ذلك الأجهزة الاستخباراتية الأخرى؛ فعلى سبيل المثال، كما يقول ستاتشر، تعرض عمر سليمان (جهاز المخابرات العامة) لمحاولة اغتيال في القاهرة أثناء الثورة ولم يصدر أي تفسير رسمي لها، في حين تشير معظم الروايات أن الجيش كان وراء المؤامرة حيث لم يتم توجيه الاتهام لأي أحد في ذلك الوقت. ويبرهن ستاتشر على ذلك باستقالة عمر سليمان السريعة بعد رحيل مبارك
ويقول الكاتب أن تعيين محمد فريد التهامي (الضابط السابق في المخابرات العسكرية) يؤكد أن الجيش قد قام بتفكيك شبكة عمر سليمان بشكل كامل
ويضيف الكاتب أنه بعد انتهاء الثورة أصبح النظام السياسي بالكامل في قبضة المجلس العسكري، وقد كان أمامه العديد من الخيارات، ولكنه فضل حماية مصالحه والتستر خلف غطاء من الحكم المدني الذي لا يمكنه منافسة المجلس العسكري فعليا. وقد قام المجلس العسكري بتفكيك نظام مبارك (الذي كان مصمما لدعم مصالح شبكات وفئات متعددة)وتحويله إلى نظام يحمي مصالح المؤسسة العسكرية وحدها.
ولخدمة أهدافه في السيطرة على الدولة قام الجيش بالتواصل مع عدو سابق (الإخوان المسلمين) حيث اعتقد أنه بمساعدة الإخوان سيكون باستطاعته وقف الحشد الثوري في المجتمع المصري فيما بعد الثورة. ولكن الإخوان لم يستطيعوا تنفيذ أهداف الجيش بوقف التظاهرات أو تحقيق الاستقرار. بل على العكس أدى حكم مرسي إلى زيادة الفعاليات الاحتجاجية مما دفع الجيش إلى دعم حركة تمرد لمواجهة مرسي وأدت تظاهراتهم في يونيو الماضي إلى إعادة الجيش إلى الواجهة مرة أخرى
ويرى ستاتشر أن العسكر (بتحركهم ضد مرسي) أثبتوا عكس ما كان يعتقده المراقبون من تنحية مرسي للجيش بعد إقالته لقياداته في أغسطس 2012. ولكنهم في نفس الوقت قد دمروا أسس النظام الذي ورثوه من مبارك. “فبعزلهم لرئيس منتخب قام العسكر بالإطاحة بنموذج الانتخابات كوسيلة لتداول السلطة بين المدنيين، ولم يعد هناك أي بصيص أمل في وقوف العسكر بشكل محايد من خلال السماح للفائزين بالانتخابات بالصعود للسلطة وعدم التدخل في العملية الانتخابية.”
والآن لم يتبقى للجيش أي جماعة مدنية منظمة كي يعمل معها وأصبحت خياراته محدودة مما دفعه لوضع السيسي في الواجهة وبدأ خلق أساطير حوله تصوره وكأنه ساحر يسيطر على مقاليد الدولة. ويعلق ستاتشر قائلا أن هذه الإستراتيجية قد “أعطت الجنرالات فسحة من الوقت ولكن التحديات التي تواجههم أكبر من ذلك بكثير. فكلما طالت مدة الفترة الانتقالية كلما وجد المجلس العسكري نفسه محصور في مأزق يصعب الخروج منه
ويعتقد الكاتب أن تزكية الجيش للسيسي كي يخوض الانتخابات هي دليل على ضعفه وشعوره بالخوف والشك. فالسيسي كان بإمكانه دفع مرشح آخر وكان يستطيع أي مرشح حائز على دعم السيسي باكتساح الانتخابات، وكان هذا الخيار سيحافظ على مكانة العملية الديمقراطية ويعطي المجلس العسكري القدرة على التدخل مرة أخرى. “ولكن بدفعهم للسيسي للترشح للرئاسة أراد الجنرالات أن يقضوا على ما تبقى من الثورة وعلى مشاركة الإخوان في الانتخابات.
ويرى شتاتشر أن “العسكر لا يملكون ما يمكنهم من بناء نظام حقيقي. فالسيسي ليس لديه برنامج اقتصادي ولا سياسي يمكن الحديث عنه، والقاعدة الشعبية المؤيدة لحكومة العسكر محدودة، ولن تستطيع احتواء المعارضين وستلجأ إلى المزيد من العنف.”
ويضيف أن الشعب المصري متقلب ولن يستمر في دعمه للسيسي مدة طويلة وقد تهب رياح التغيير في أي وقت. فالعسكر الآن بترشيح السيسي قد وضع نفسه في الواجهة وأصبح معرضا للنقد، ولم يعد هناك شريك مدني يمكن إلقاء اللوم عليه، كما انه يخسر حليفه الشعبي “تمرد” ويتبني سياسة العنف مما سيفاقم من أزمة مصر السياسية مستقبلا.
ويختم الكاتب بقوله أن “العنف وعدم الاستقرار سوف يقضون على أسطورة المشير القوي، وحين يحدث ذلك فسوف ينتقل النضال المجتمعي إلى المرحلة التالية.