"الربيع المصري بعيون إسرائيلية" فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة مباشر مصر، وكشف، على لسان محللين صهاينة، أن "عبدالفتاح السيسي" هو من اختارته تل أبيب للتواصل معها في عهد الرئيس "محمد مرسي"، وأن الربيع العربي أصابهم بالرعب، خاصة ثورة مصر، التي لم يتوقعوها. كما وثق الفيلم اختراق الكيان الصهيوني لدول عربية وإشعال فتن الأقليات فيها. وأن مفهوم "مصر ليست تونس" صيغ أولا في تل أبيب قبل أن يتردد في القاهرة، وأخطر ما ورد في الفيلم هو زعم يتسحاق ليفانون، أن الديمقراطية تتناقض مع الإسلام، لأن الله عند المسلمين واحد، بينما الديمقراطية تعني التوافق على التعدد، وهو المفهوم نفسه الذي تبناه إعلام الثورة المضادة، على الأقل فيما يخص تعريفه للتوافق، ورددته قيادات الانقلاب وجبهة الإنقاذ، ما يجعلنا ندرك أن تل أبيب كانت "بيت الخبرة" الذي صاغ مفاهيم الثورة المضادة ومررها للانقلابيين.يتناول فيلم "الربيع المصري بعيون إسرائيلية " وقائع ثورة يناير والأحداث التي أعقبتها حتى الانقلاب العسكري ورد الفعل الإسرائيلي عليها، من خلال شهادات محللين ومسؤولين سابقين في تل أبيب، هم: جاك نيرياح، رئيس الاستخبارات العسكرية، وإيران زنجر، صحفي على صلة بالأزمة المصرية كما عرف نفسه، ويتسحاق ليفانون، سفير الكيان الصهيوني إلى مصر إبان ثورة يناير، وزافي مازيل، سفير سابق إلى مصر.
يبدأ الفيلم برؤية للعلاقة بين القاهرة وتل أبيب في ظل معاهدة السلام، حيث يقول ليفانون: لم أكن سعيدا بالوضع القائم، تم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في العام 1979. كانت لدينا توقعات كبيرة، وأردنا أن نرى علاقة عميقة حقيقية.
ويقول زافي مازيل: العلاقة بين مصر وإسرائيل في عهد مبارك كانت جيدة جدا، ولكن في إطار ما نسميه السلام البارد.
ويعترف جاك نيرياح بدور الكيان الصهيوني في اللعب بورقة الأقليات وتأليبها، وإثارة الفتن في المجتمعات العربية، حيث يقول: عندما نشأت إسرائيل في العام 1948 كانت محاطة بدول عربية تكن لها العداء، وهي نظرت فيما يتعدى تلك الدول (أي اخترقت بنية الدولة وصولا إلى مكوناتها) لكي تمد علاقاتها الاستراتيجية (أي: مع الأقليات).
ويؤكد نيرياح استغلال تل أبيب للنعرات العرقية (والطائفية بعد خلط لأوراق ومعاملة الطوائف معاملة الأعراق) حيث يقول: لم نعتقد أن السلام كان ممكنا مع الدول العربية، لذلك في السبعينيات من القرن الماضي، وبفضل العلاقات مع العرقيات في الشرق الأوسط، كالأكراد في العراق والمسيحيين في لبنان (هنا الخلط واضح فالمسيحية دين وليست عرقا) هذا دفعنا في حقيقة الأمر إلى الحرب، حرب العام 1982 في لبنان.
وعن حقيقة الصدمة التي انتابت دوائر صنع القرار (الإسرائيلي) من اندلاع ثورة 25 من يناير، وهم الذين كانوا يرون في نظام مبارك نظاما قويا يصعب سقوطه، يقول نيرياح: رئيس الاستخبارات كان في الكنيست، وأيضا في لجنة الشؤون الخارجية، وقال إنه لا يعتقد أن ما حصل في تونس ستكون له تداعيات في الدول العربية الأخرى. مصر طبعا مختلفة، فمن السهولة بمكان الإمساك بزمام الأمور في مصر (لاحظ أن هذا هو بالضبط ما رددته دوائر القرار والأمن والإعلام في مصر، ومن هنا نعرف أن عبارة "مصر ليست تونس" صيغت أولا في تل أبيب قبل أن يتم تداولها في القاهرة) ويستدرك نيرياح: لكن ذلك (أي الثورة) شكل صفعة لنا. فهمت أن ما حدث في تونس قد يحدث في مصر، لأن النظام في تلك الفترة كان نظاما ممقوتا، مكروها من قبل الطبقة الوسطى، التي اندفعت إلى الشوارع، وأشعلت فتيل الثورة.
وعن مفاجأة الثورة يقول الصحفي إيران زنجر: أعتقد أنك لن تجد أي شخص في (إسرائيل) لن تجد صحفيا ولا خبيرا في شؤون الشرق الأوسط يقول لك إنه تنبأ بما حصل. وعندما شئل رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، الجنرال جابي أشكينازي، كيف لم تتنبأ بالربيع العربي؟ قال لهم: ماذا عساكم تريدون مني؟ إن رئيس هيئة الأركان المصرية نفسه لم يتنبأ بما حدث (والسؤال: كيف عرف رئيس الأركان الصهيوني أن نظيره المصري لم يتوقع الثورة؟ أليس من الجائز أنه توقع لكن أحدا لم يأخذ بتوقعه؟ ما مصدر ثقة رئيس الأركان الصهيوني الشديدة في دقة معلوماته؟)
ويقول يتسحاق ليفانون: الانطباع الذي كان راسخا لدينا، وهو انطباعي الشخصي، كان كالتالي: نظام صلب، ورئيس قوي، ومصر قوية، وجهاز أمن صلب، لم يعتقد أي منا أن الشعب يمكن أن يسقط النظام.
ويتساءل زافي مازيل2كيف غفلنا عن هذا؟ أكثر الناس في الإعلام اعتقدوا أن الأمور التي حدثت في مصر كانت أكثر ضبابية، ولم يستطع احد أن يتنبأ بما ستؤول إليه الأمور.
ويقول ليفانون: الأمر حدث في 25 من يناير 2011 كما تعرفون، وكان ذلك اليوم يوم الشرطة، وكانت عطلة، والجميع لم يذهب إلى العمل في ذلك اليوم، ولكن ما رأيناه في تلك الأمسية، عندما رأيت الضحايا والجرحى وما شابه ذلك، بدأت أتفهم أننا نواجه، ربما، بعض التطورات الاستثنائية في مصر (لاحظ قوله "أننا" كأنه من مصر أو مرتبط بها ارتباطا عضويا).
وفي السياق نفسه يقول مازيل: عندما بدأت الأمور في يناير 2011 لم يكن أحد مستعدا ولا يتوقع أن الأمر سيستغرق أسابيع لإسقاط مبارك.
يعرج الفيلم بعد ذلك على أحداث السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وهي المظاهرات التي اعتبرتها إسرائيل هزة رمزية عنيفة للعلاقات القائمة على معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب.
ويعترف ضيوف الفيلم بخوف انتاب حكومة (إسرائيل) مع بزوغ نجم الإخوان المسلمين سياسيا، فهم الذين حاربوا اليهود من قبل، ويسعون ضمن مساعيهم لإقامة خلافة إسلامية.
وهي المخاوف التي زادت بعد وصول الرئيس المعزول محمد مرسي إلى السلطة، وتعززت بعد رفض الأخير إجراء أي اتصالات معهم.
على عكس ذلك تنظر ثمة حالة من الارتياح داخل الأوساط الإسرائيلية لوصول السيسي على رأس السلطة، فهو حسب رأي المحللين الصهاينة لا يتخذ من إسرائيل عدوا. ويرى أن مشكلة بلاده والمنطقة تتمثل في وجود في الإخوان المسلمين، باعتبارهم خطرا ينبغي الحرب عليه.
ويقول جاك نرياح: طوال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، كان الاتصال مع الجيش فقط، وكان وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي هو المسؤول عن التواصل مع (إسرائيل)
وينتهي الفيلم الوثائقي الذي يمتد لأكثر من ثلاثين دقيقة، بحديث الصهاينة عن صعوبة وصول مصر، وغيرها من الدول العربية، إلى الديمقراطية وفق المفهوم الغربي للكلمة، وأنها إن تحققت، فلن يكون هذا قريبا.
حيث يقول زافي مازيل: الديمقراطية تريدها الشعوب ولكن في الوقت الحالي تعاق بالسبب الديني والتقليدي. والمدينة الفاضلة لا يمكن أن تتحقق لأنك لا يمكن أن تغير خلال أشهر، ولا أسابيع ولا سنوات، الإسلام ولا التقاليد العربية. الإسلام نفسه مناوئ للديمقراطية.
وبعبارة أكثر وضوحا يقول ليفانون: نحن نريد أن نناقش الأمر بطريقه عميقة: الاسلام على سبيل المثال هو دين التوحيد وحدانية الله , الديمقراطية تؤمن بالتعددية، هذا يعني أنه لا يتعين وجود مصدر وحيد، يجب أن تكون هناك مصادر مختلفة يمكن أن تتواءم وتتوافق.