الدكتور عادل عامر
أن الفساد ليس جديداً فله جذوره التاريخية في مصر والمنطقة العربية ، وأن المفسدون هم أناس مرضى وذوي نزعة هدامة للمجتمع والأمة ومن الواجب محاسبتهم دينياً وخلقياً وقانونياً حتى يكونوا عبرة لغيرهم ، أن هناك أشكال للفساد وله الكثير من التعريفات لكنه يعني سوء استخدام السلطة لتحقيق غرض خاص أو خصوصي للفاسد ، وقد عمل الكثيرين من مسئولي الحكومة المصرية على إتباع مجموعة من أشكال الفساد منها الاستيلاء على أراضي الدولة بمقابل رمزي أو استخدامها في مقابل رمزي رغم أن هذه الأراضي هي ملك للشعب ، رغم أنه قد بيع الكثير منها بأبخس الأثمان أو استؤجرت لصالح جهات خارجية بأبخس الأثمان أيضاً ، كما عمل الكثير من الفاسدين على تبديد المال العام من خلال الخصخصة وقد قدرت أسعارها بأقل من ثمنها الحقيقي ، بحيث يستفيد من يوقع العقد أو يساهم فيه ، بضرورة الاهتمام بهذا الملف لأنه ملف خطير ويجب إعادة النظر بهذا القانون (قانون الاستثمار) لما فيه من ثغرات تضر بالشعب ، بحيث يؤدي ذلك إلى الاستفادة المثلى من القطاعين الزراعي والصناعي ، ومحاسبة من أضر في هذين المجالين ، مثلما فعل رئيس الوزراء المصري السابق عاطف عبيد الذي عمل على إهدار 6 مليار جنيه مصري بسبب إيقافه لمشروع توشكا الذي بدأه رئيس الوزراء المصري السابق له كمال الجنزوري ، فكان فعله هذا هو انتقام شخصي وإهدارا للمال العام ، كما عمل صاحب شركة إيماك حسين سالم الذي كانت تربطه صداقة بنجل الرئيس المصري المخلوع جمال حسني مبارك ، عمل على تصدير الغاز لإسرائيل وفق عقد جعل سعر المتر المكعب بأقل من السعر العالمي بثلاث أضعاف ، ولذلك يجب إعادة النظر في هذا العقد وأن يعرض على البرلمان الجديد بعد الانتخابات المقبلة لتعديله ، كما يجب أن تعاد الأراضي المستولى عليها أو المباعة بغير ثمنها أو يدفع ثمنها الحقيقي من خلال لجنة حقوقية إدارية تقدرها وتقدر ما قيم عليها من مشاريع سكنية أوسيا حية ، أن المجلس العسكري المصري الذي يحكم مصر حالياً يستطيع إقرار بيانات حول ذلك ، من دون اللجوء للمحاكم لأن القوانين لا تجيز العقود التي تضر بالشعب المصري ،فسحب التراخيص وتغريم الفاسدين والمتاجرين بحقوق الشعب ، والمضرين للبيئة من خلال إقامتهم لمشاريع قريبة من نهر النيل وإلقائهم النفايات فيه مما سبب الكثير من الأذى للسكان ، وكل هذه التراخيص قامت بسبب الفساد الإداري في عهد الرئيس المخلوع مبارك .
أن الفساد السياسي هو أخطر ما واجهه الشعب المصري في عهد مبارك وكان الداء الأكبر الذي ولَّد مجمل الداءآت في المجتمع المصري وفي الإدارات المختلفة ، وأهم صور ذلك الفساد كان:
1- تزوير إرادة الشعب من خلال انتخابات مزورة غير شفافة وفيها الكثير ممن يسمون بالبلطجية رغم أن هذا النظام كان يغطي تلك الانتخابات بإشراف قضائي مزور ، وكان مبارك يعمل كل هذا من أجل أن تستمر الطبقة المستفيدة في ولائها له وبما يستمر بترغيبها بوصول نجله جمال إلى كرسي الرئاسة فيما بعد .
2- الاحتكار السياسي: وذلك بالتحكم بالقرار السياسي دون أي اهتمام برأي جميع فئات الشعب، فتحكم المستفيدين بالقرارات السياسية بما يضمن تحقيق مصالحهم واستمرارهم في الحكم كان له الدور الأكبر في إهمال رأي الشعب والوقوف ضد مصالحه.
3- عدم تنفيذ أحكام القضاء والتحايل عليه وإضعافه وعسر تنفيذه ، وانعدام العدالة ، وتغول جهاز مباحث أمن الدولة في كل القرارات الإدارية والتعيينات في الدولة من أساتذة جامعات ومدرسون والسلك الدبلوماسي وفي الإدارات المختلفة في الدولة ،والتصنت على محاضرات جميع الكليات ، ومتابعة أي آراء تعارض سياسة النظام ، والتصنت على الهاتف والانترنت ، وإبعاد الكفاءات والمؤهلات الجيدة ، في أجهزة الدولة المختلفة بحيث لم يبق سوى المفسدين والمتخلفين من أبناء المسئولين المفسدين أنفسهم وهذا مما أثر على القرارات السياسية والإدارية في مختلف إدارات الدولة .
4- ظهور الفساد الإداري بين ضباط الشرطة والنيابة والقضاء ، بحث أصبح هؤلاء يقومون بعمل كمائن من أجل الحصول على الرشوة ،وظهور مبدأ المجاملة والمحسوبية في التعيينات .
أن أهم أسباب الفساد هي:
1- غياب الديمقراطية مثل وجود برلمان قوي يستطيع مساءلة الحاكم ورئيس الحكومة والوزراء وأي من إداريي الدولة.
2- عدم احترام القانون وسيادة مقولة أن الشاطر هو من يستطيع الالتفاف على القانون، والخاسر هو الذي ينصت للقانون، وبالتالي عدم وجود شفافية ولا ثواب أو عقاب.
3- غياب آلية محاسبة الفاسد والمفسد مما يؤدي إلى الاستبداد ، فالفساد والاستبداد صنوان وهما وجهان لعملة واحدة .
4- عدم الخوف من العقاب ما دام المفسد له علاقات كثيرة مع الكثير من أجهزة الدولة ، حيث المحسوبية لها الدور الأكبر في حمايته من عقاب القانون .
أنه لابد من انتخابات دورية برلمانية أو إدارية أو رئاسة وأن لا تتدخل الحكومة بالترشيحات أو الانتخابات والتعيينات إلا من خلال اللجنة القضائية المكلفة بإدارة هذه الانتخابات بشرط أن تكون السلطة القضائية منفصلة بشكل نهائي عن أي من السلطتين التنفيذية والتشريعية ، كما يجب أن تدار الأحزاب السياسية دون أي تدخل من النظام السياسي حولها وأن تأخذ مطلق الحرية في ممارسة حقوقها المشروعة ، وأن يقام مجتمع مدني من خلال جمعيات أهلية ولا مانع أن تأخذ تلك الجمعيات أمولاً من الخارج شريطة أن تساهم في بناء المجتمع المدني وعدم استيلاء مسئولي هذه الجمعيات على أي جزءاً من تلك الأموال ، كما يجب أن يتحلى مسئولي النظام السياسي بالحضارة الديمقراطية وقيمها من خلال التسامح وتشجيع ذوي الكفاءات والمؤهلات دون النظر إلى الدين أو الطائفة أو الإقليم أو العشيرة أو الجنس وسيادة مبدأ المساواة بين الأفراد ، كما يجب على النظام السياسي المساعدة في نشر القيم الديمقراطية فلا يمكن أن نقيم ديمقراطية من دون ديمقراطيين ، وبالتالي مع الوقت ستشيع القيم الديمقراطية بين الأفراد والجماعات والأحزاب فالممارسة الديمقراطية في المدرسة والكنيسة والمسجد والمؤسسات والأحزاب والجمعيات والأسرة لها دورها في بناء الديمقراطية من خلال انتخاباتهم الجزئية فيها ، ومقاومة مبدأ زواج المال بالسياسة فالمفروض ألا يتدخل المسئول أو الحاكم بالتجارة حتى لا يؤدي ذلك إلى تدمير المجتمع والاقتصاد معاً ، ومحاربة تركز الثروة بيد أقلية مستفيدة معينة لإدارة المشاريع الاقتصادية ، والتأكيد على تغيير الثقافة السلبية في المجتمع مثل مبدأ أمشي جنب الحيط ، أستر الله يستر عليك ، بما يخلق ثقافة عدم فضح المفسدين ، فمن الواجب أن يكشف أي مواطن عن مواطن الفساد لأن مسؤولية الوطن هي مسؤولية كل مواطن ومواطنة في الدولة .
***أن الفساد السياسي هو أكثر أنواع الفساد الذي يهز المجتمع لأنه تجسيد لكل ماهو سلبي ومؤسسة للشرعية وتراجعي لمعدل الانجاز وتبديد وإهدار للموارد وتراجع لقيم العامل المنتج وتحقيق للثروات من دون مجهود ، وتدهور لمعدل الإنتاجية الفردية وكل ذلك سيؤدي إلى الإحباط واليأس والغضب مما يؤدي إلى إضعاف المشاعر الوطنية والقومية وهذا سيؤدي إلى تدمير الاقتصاد والدولة ، وأن جرائم الفساد لا تسقط بالتقادم وسداد جزءا من الأموال المنهوبة لايمنع من المحاسبة .
قد صدقت مصر وجميع الدول العربية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عليها عام 2005، حيث تضمنت تلك الاتفاقية عدة أمور أهمها: الجريمة المنظمة والكسب غير المشروع و كيفية استرداد الأموال المنهوبة
أن هذه الاتفاقية ملزمة لكل من وقع عليها ومن الممكن تعقب السرقات والسارقين وناهبي أموال الشعب أو مهربي أمواله أو مستغلي النفوذ السياسي لإنشاء صفقات مشبوهة أو ممهدي الطرق لتجار المخدرات والمتعاونين معهم في غسيل الأموال ، كما تحتوي هذه الاتفاقية على قوانين تدين هذه الأعمال وتفرض عقوبات على مرتكبيها من مصادرة أموالهم أو التحفظ عليها سواء كانت أموالاً سائلة أم عقارات وشركات وأسهم ، ويستطيع النائب العام في الدولة المنهوبة أن ينسق عمله مع الانتربول الدولي لملاحقة المجرمين الذين نهبوا من أموال شعوبهم ، كما يستطيع النائب العام الأمر بالتحفظ على أموال هؤلاء المجرمين عندما تكون تلك الأموال في أحد البنوك الموجود داخل الدولة حتى ولو لم يكن ذلك البنك يتبع الدولة ، كما يستطيع أن يربط هذا الجرائم بغسيل الأموال لأن المجرم في هذه الحالة لا يستطيع أن ينفقذ من جريمة غسيل الأموال حتى لو أفلت من سرقة أموال الشعب ، وتسترد الأموال منه ويسجن 7 سنوات على الأقل .
أن هناك عدة طرق أخرى لاسترجاع الأموال التي نهبها نظام الرئيس المخلوع مبارك وأعوانه وتنطبق هذه الطرق على كل الناهبين لشعوبهم من حكام ومسئولين وهذه الطرق هي:
الطريقة الأولي : مبادرة اسمها ستار
أطلق البنك الدولي والأمم المتحدة مبادرة في عام 2008 مبادرة تسهل علي الحكومات في الدول النامية استعادة الأموال المسروقة ونقلها زعماء فاسدون إلي دول غنية.وأطلق عليها مبادرة ستار ، وتهدف مبادرة استعادة الأموال المنهوبة إلى تشجيع الدول الغنية علي إعادة هذه الأموال إلي الدول النامية ومساعدة هذه الدول علي استثمارها في برامج اجتماعية وفي مشروعات لمكافحة الفقر ، وتدعو إلي ألا يكون هناك ملاذ آمن لمن يسرقون من الفقراء وحتى الآن تواجه الدول النامية مشكلات قانونية ومشكلات أخري فيما يتعلق باستعادة مثل هذه الأموال من دول غنية.
ويقدر البنك الدولي إن ما بين تريليون دولار و1.6 تريليون دولار يجري تهريبها عبر الحدود سنويا من عائدات أنشطة إجرامية وفساد وتهرب ضريبي.ونحو 25 في المائة من الناتج المحلي المجمل للدول الإفريقية يضيع بسبب الفساد كل عام أو ما تبلغ قيمته نحو 148 مليار دولار.
ووصف وقتها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في مؤتمر صحفي المبادرة بأنها ستكفل إعادة الأموال المنهوبة إلي أصحابها الحقيقيين. وقال "فلنجعل معا هذه المبادرة رادعا قويا لمن تسول لهم أنفسهم سرقة أموال عامة ولنستخدمها في تقوية قدرة الحكومات علي تحسين معيشة ملايين من الناس".
يهدف البنك الدولي، ومكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة من هذه المبادرة، التي تم إطلاقها إلي استعادة الأموال التي يُتهم الحكام المتورطون في الفساد والرشوة بنهبها. كما تهدف إلي استغلال هذه الأموال في إنشاء مشروعات تحتاجها البلدان المنهوبة للاعتماد علي نفسها، وتطوير اقتصادها.وتعتمد المبادرة من أجل نجاحها علي تضييق الخناق علي اللصوص ليس في بلدانهم حيث يمتلكون كل السلطات، وإنما في الأماكن التي يهربون إليها أموالهم. ومن فوائد هذه المبادرة أنها تسقط إي حصانات سياسية أو دبلوماسية يتمتع بها مهرب الأموال حتى لو كان رئيس جمهورية وما زال في موقعهوتعتمد علي طلب من الحكومة المصرية بالتحفظ علي هذه الأموال والممتلكات في بلدان العالم الأعضاء في البنك الدولي حتى يتم إجراء تحقيق في حجم هذه الثروات وكيفية الحصول عليها وهذا لم يتم في الحالة المصرية لان الحكومة المصرية الحالية مازال بها شخصيات متورطة في إعمال فساد وأبرزهم سامح فهمي وزير البترول الذي رفض بشدة في العام الماضي الانضمام إلي التحالف الدولي لمكافحة الفساد في الصناعات الاستخراجيه
أو إن تطلب احدي الدول المصدقة علي اتفاقيه الأمم المتحدة لمكافحه الفساد من الأمم المتحدة والبنك الدولي بالتحفظ علي هذه الأموال لتعرضها لإضرار جراء الفساد التي ارتكبه هولآء الفاسدون خاصة لو إن شركات دولية أجبرت علي دفع أموال غير مشروعة في مصر مقابل منحها امتيازات خاصة أو لحصولها علي موافقات قانونية لبدء العمل.
وهذه الشركات عليها إن تبادر بان تعلن عن هذه المبالغ قبل إن تكتشف فتقع فريسة عقوبات دولية في برنامج حوكمة الشركات التابع للبنك الدولي وهنا دور هام للجاليات المصرية في الدول الغربية للضغط علي هذه الشركات وملاحقتها قضائيا حتى تكشف عن هذه المبالغ.
الطريق الثانية : وهو ما قامت به تونس في الأيام الأخيرة ولعب فيه التونسيون المقيمون في فرنسا وبلجيكا دورا مهما في تجميد ثروة بن علي وسبقوا الحكومة التونسية المؤقتة عندما سارعوا بتقديم بلاغات إلي المدعي العام في كل دولة أوربية وكان المدعي العام في بروكسل قد قام بإجراء تحقيق شامل حول ممتلكات عائلة بن علي في بلجيكا. وفي فرنسا تم وضع اليد فعلا علي الطائرة الخاصة للرئيس التونسي السابق بن علي ، ويعد دانيال لوبي المحاميوعضو من منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة دولية تضع خارطة شاملة للفساد. هذا المحامي الفرنسي يطارد أموال الدكتاتوريين، وقد أقنع بلجيكا وفرنسا مؤخرا للعمل علي مصادرة ممتلكات بن علي المكتسبة بطرق غير مشروعة والتي يتوفر عليها في هذه البلدان. وعلي الجالية المصرية في أوروبا ومنهم الشرفاء الذين يمكنهم الاتصال بهذا المحامي فورا واستخدام القانون الأوروبي في محاكمة مجرمي النظام وعلي رأسهم أسرة مبارك وتقديم بلاغات جنائية ضدهم لارتكابهم أعمال عنف وقمع وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ويتم بمقتضاها مصادره هذه الأموال أولا ثم منعهم من الدخول إلي الدول الأوروبية خاصة وان عدد من هؤلاء المفسدة موجود في دول أوروبية حاليا وكانت عملية استرداد الأموال المنهوبة من سويسرا صعبة حتى عام 2009 قررت المحكمة السويسرية استرداد 6 ملايين دولار من أموال الدكتاتور المتوقي موبوتو سيسي سيكو في زائير (الكونغو حالياً) وأفراد أسرته. وكانت هذه الأموال منذ سقوط نظام موبوتو مجمدة في حساب مصرفي سويسري. كانت الحكومة الكونغولية تريد استرجاعها ولكن القاضي السويسري حكم بأن الطلب جاء متأخرا وأن النظام في الكونغو كان ضعيفا جدا.
واسند القانوني الثاني في سويسرا هو قانون دوفالييه وزير المالية السويسري السابق وبمقتضاه ومن فبراير الماضي لم تعد أموال الطغاة السابقين آمنة في الحسابات البنكية في سويسرا. هناك الآن قانون في سويسرا يسمح بإرجاع الأموال إلي الحكومة الشرعية وليس لعائلات الديكتاتور السابق. هايتي هيالدولة الأولي التي تستفيد من قانون دوفالييه الجديد، وستتلقي الحكومة الهايتية ما يقرب من 4.4 مليون يورو من الأموال المجمدة في المصارف السويسرية العائدة لعائلة "بابا وبيبي دوك" دوفالييه.و في الآونة الأخيرة أصبحت القضية من ضمن مسئولية مجموعة العشرين G20 للعمل علي استرداد الأموال غير المشروعة.
وقد أعلن دانيال لوبيك منذ يومين انه سيقوم بمتابعة ثروة ال مبارك وقام بتقديم بلاغ إلي المدعي العام الألماني للقبض علي مبارك في حاله توجهه إليألمانيا بغرض العلاج بتهمه ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واستخدم مادة في القانون الألماني وكل القوانين الأوروبية وهي امتداد الولاية القضائية للقضاء الأوروبي لجرائم ترتكب خارج الدول الأوروبية وهي المواد التي استخدمتها منظمات حقوق الإنسان الدولية في مطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين في أوربا وعدد من دول العالم وهي الطريقة التي استند إليها المدعي السويسري في تجميد الأموال والأصول المحتملة لمبارك و20 من حاشيته في سويسرا ومنهم أصدقاؤه الذين هربوا إليه هناك وعلي رأسهم حسين سالم.
الطريقة الثالثة:وهي استخدام الآليات الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وهذه الآليات في يد النائب العام المصري وهو سلطه التحقيق في هذه الجرائم وإحالة جميع الفاسدين إلي القضاء المدني الطبيعي لمحاكمتهم ثم يتقدم بطلب رسمي للامين العام للأمم المتحدة لاستعادة الأصول والأموال المهربة والمملوكة للفاسدين في الخارج وهذه إلية طويلة وتحتاج إلي جهد من النيابة العامة المصرية والقضاء المصري بجانب إن النيابة لاتستطيع التحقيق مع أسره مبارك والمقربين منهم بسبب الحصانة السياسية والصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس ومنها تعيين النائب العام نفسه وقيادات السلطة القضائية كلها، وهذه الطريقة لن تجدي حتى لو تنحي الرئيس مبارك وخرج مثل زين العابدين بن علي لأنها تحتاج إلي وقت طويل، لذا فالطريقة الثانية هي الأسرع والأسهل خاصة وان المجتمع المدني المصري مطالب بتحريك المجتمع المدني الدولي لتقديم بلاغات سريعة حول حجم الأموال المهربة وحشد الجاليات المصرية في الخارج للإبلاغ عن هولآء الفاسدين والتقدم بطلبات إلي البنوك للإفصاح عن ثروات هؤلاء والتقدم بطلبات لمعرفة ممتلكاتهم باستخدام قوانين حرية تداول المعلومات المعمول بها في أوروبا.
أن هناك قوانين صارمة ضد هؤلاء الذين سرقوا أو نهبوا أموال الشعب أو استغلوا مناصبهم للحصول على صفقات مشبوهة أو كان لهم دور في تنفيذ وساطات لصفقات مشبوهة ولكن لايوجد قانون اسمه قانون إفساد الحياة السياسية لأن مبارك ألغى قانون المدعي العام الاشتراكي حتى يسهل عليه التحكم في سرقة أموال الشعب دون محاسبة ، ودون أي رادع له ولأي من مواليه وأتباعه ، أن على أبناء الشعب المصري الإبلاغ عن كل انتهاكات أو سرقة أموال أو تهريب أو عقد صفقات مشبوهة للنائب العام ، أو رئيس إدارة المحكمة الإدارية لمحاسبة الفاسدين قبل فوات الأوان ، ومنعهم من التصرف بأموالهم حتى لا يفوتوا على القضاء الفرصة للحيلولة دون تصرف المجرم الفاسد بالممتلكات فمن الممكن أن يحجز عليه لكن يستطيع التصرف بحيث يجعل الشركة أو المصنع لا يساوي سوى قيمة الأرض المقام عليها ، كما يجب على الشعب والنيابة الإدارية وكل أجهزة الدولة التحري على المجرمين ومراقبتهم الإدارية ، ولابد من إعادة النظر في أجهزة الرقابة الإدارية لأنها كانت وفق نظام محدد استطاع المجرمون النفاذ منه ، أن كل جريمة سياسية تستطيع أن تكيفها جنائياً ولكن عندما تتوافر الإرادة الصادقة، فنستطيع محاكمة الرئيس المخلوع مبارك مثلاً بتهمة الفساد أو القتل أو استخدام الغاز الفاسد ضد أبناء الشعب المصري المتظاهر وأي من هذه التهم تؤدي للإعدام .
****إن الصفقات المشبوهة التي قام بها أفراد نظام الرئيس المخلوع مبارك من المفسدين والفاسدين من مشاركات صورية في مشاريع وأخذ أنصبة على القروض وعمولات على الصفقات وتهرب من الضرائب وكل ذلك من خلال إرادة النظام من سياسيين وإداريين متسلطين على مقدرات البلاد أن النظام تعاون مع جهات خارجية لسرقة أموال البلاد واستخدم الرشوة وعمل على نشرها ، وعض الطرف عن المشروعات المضرة بالبيئة أن الحكام العرب كانوا يتوافدون على البنوك الأوربية وخاصة السويسرية لوضع الأموال التي نهبوها من شعوبهم وفق طرق سرية مثل مشفرات الصوت والأرقام السرية والأسماء الصورية الرمزية ، وإذا ما مات أحدهم تصادر هذه الأموال لصالح تلك البنوك بعدما تنقضي مدة محددة تحددها قوانين تلك الدولة ، كما استعمل بعضهم أسلوب وضع أموالهم من خلال أسهم متصورين أن هذا هو نوع من أنواع الإخفاء بحث يستطيع ورثتهم بعدهم الاستفادة منها بعد موتهم ،كما عمل آخرون على وضعها على شكل سبائك ذهبية ، وقد استعانوا بذلك بسماسرة دوليون متخصصون بذلك ، أن من فضائح الغرب أنه قد شجع هؤلاء السارقين على سرقة أموال شعوبهم ، ولتفادي تورط هذه الدول في عمليات النهب اقترحت هذه الدول لتخلي مسؤوليتها من هذه الجرائم باتفاقية وضعتها في الأمم المتحدة لمنع تهريب هذه الأموال عام 2003 وصدقت عليها حوالي 150 دولة منها جميع الدول العربية ، ولكن للأسف لم تلتزم بها كل الأنظمة العربية وظلت هذه الاتفاقية حبراً على الورق ، أن دول الاتحاد الأوربي وسويسرا قررت التحفظ على أموال السارقين لشعوبهم لفترة محددة ريثما تتشكل حكومة مدنية تعمل لاسترجاع هذه الأموال أن هناك اجرءآت فنية إدارية يمكن أن يتدرب عليها المهتمون باسترجاع الأموال المنهوبة وفق اتفاقية جديدة في 2007 ، أن الكثير من الدول استطاعت استرجاع أموالها المنهوبة وإن تأخر الحصول عليها بعض الشيء مثل استرجاع الأموال المنهوبة في الفلبين من قبل الرئيس الفلبيني المخلوع ماركوس حيث استمرت 14 عام ، أن الآثار المنهوبة تعامل معاملة الأموال في الحصول عليها . كنا شأننا شأن جميع الشعوب نأمل أن تبدأ مع الثورة مرحلة تطهر وتطور سياسي واجتماعي وثقافي وسلوكي، فلا نكتفي بخلع حاكم أو إسقاط نظامه، ولكن نبدأ بمراجعة للذات وتنقيب وحرث للتربة المصرية، بحثاً عن تلك العناصر التي سمحت لكافة صنوف الفساد أن تنمو وتترعرع في أرضنا على مدى ستة عقود على الأقل، إن لم يكن على مدى قرون يصعب حصرها.
لم نتصور بالطبع أن تحدث عملية التطهير المرتجى فجأة وبنفس السرعة والزخم الذي اندلعت به الثورة، فالتغيير العميق في حياة الشعوب يخضع للسنن خاصته، رغم أن الثورات تكون نقطة بداية قوية لانطلاق قوى التغيير، مصحوبة باستعداد لدى الجماهير المؤيدة والمساندة للثورة لإعادة حساباتها، وبالقابلية للتخلي عن بعض مما اعتادت عليه كجزء عضوي من حياتها، بل وعن جزء ولو قليل مما اعتبرته في السابق من قبيل البديهيات والمسلمات، وربما أيضاً من المقدسات.
الأمر في مصر الآن ليس أمر استعجال لثمار الثورة على المستوى الشعبي، سواء السلوكي أو الثقافي والقيمي، لكن ما يقلق أو حتى يثير الجزع هو أن نشهد لحظة البداية، والمفترض أن تكون مفعمة بالحماس والتطهر، فنجدها على العكس تماماً، لحظة رواج لشتى أنواع الفساد، فنجد الشعب وصفوته الذي يصرخون ليل نهار مطالبين بمحاكمة مبارك ونظامه على فسادهم السياسي، وليس فقط على جرائم قتل متظاهرين وفساد جنائي أو مالي، نجدهم ضالعين في إنتاج وصناعة فساد سياسي أشد هولاً من ذاك الذي ساد. . نجد المتاجرة والنفاق للمجلس العسكري، ونجد الصفقات المحلية والعالمية المريبة للجماعة صاحبة الشعبية والأغلبية البرلمانية، فيتفاقم التزييف والخداع على جميع المستويات، بدءاً من القمة التي ترفدها القاعدة بفيض لا ينقطع من محترفي النفاق والتدليس.
نجد كافة وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية، وكأنها قد سقطت جميعها فجأة في بركة الفساد، نفاق ومتاجرة وأخبار كاذبة وتقارير مزيفة ومفبركة، مانشيتات تزعق بما يختلف جذرياً عما يحمله متن الخبر، وتحريف لأحاديث يدلي بها البعض، غير البعض إلي يتبرأ مما أدلى به بالفعل من أقوال، ومتاجرة من وسائل الإعلام برموز التحريض على الكراهية، تسولاً للقراءة أو المشاهدة، ومعها تدفق الإعلانات على القنوات الفضائية والجرائد الناعقة بكل ما هو غريب وشاذ، هذا ما تفعله النخبة، فماذا نقول عمن نسميهم عامة يفتقدون الوعي والأهلية؟!!هل نحن بسبيلنا لفترة انكفاء وتدهور، أم فترة استعادة وعي ثوري تؤتي ثمارها ببطء ولكن بإصرار وثبات؟. . ذلك هو السؤال!! مسكين وبائس هو الشعب الذي يقوم بثورة، ليستبدل أولياء أمر فاسدين بمن هم أشد منهم فساداً. . ربما كان الشعب الفاسد لا يستطيع أن يفرز غير الفساد حتى لو كان يضيق به، فهل هذه هي حقيقتنا، أم هي فترة فقد اتزان مؤقت، تعود لنا بعدها الروح أو الوعي؟!!الآن أصبح "النفي" سيد الأخلاق، مواقف وتصريحات وتحركات يعقبها مباشرة "النفي"، بهذا تفعل ما تريد وتنجو من أي حساب، هذا هو الآن تكتيك رجال الله أصحاب الأغلبية الكاسحة بالبرلمان، وهو ذات التكتيك الذي تنسب براءة اختراعه إلى ابن البلد المصري، والذي كفل له أن يعلن للعالم وبكل فخر" "إحنا اللي دهنا الهوا دوكو"!!. . فهل هذه هي السياسة في عهد سيادة وتمكن العسكر وأصحاب الفضيلة؟!أيضاً القنوات الفضائية القبطية تمارس بنجاح باهر رسالتها المقدسة بعملية محو عقول الأقباط وليس تغييبها. . هي مصممة على تحويلهم إلى قطيع من البلهاء، يزغرد ويصفق لطلعة البابا ونكاته المقدسة، التي لم تعد مستساغة حتى للكثيرين من المخدرين بهالة قداسته!!. . في هذا الوقت العصيب الذي تمر به مصر والأقباط، يتمادى الأنبا شنودة وأساقفته وقنواتهم الفضائية في تزييف وعي الأقباط ومسح كل ذرة عقلانية في جماجمهم، وتغييبهم في عوالم أسطورية مفارقة للواقع. .
-- * دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام