11 مارس 2019

زهير كمال يكتب: حل مشاكل الأردن الاقتصادية في ثلاث خطوات

ربما يبدو العنوان كوميدياً، فمحترفوا السياسة عاجزون عن ذلك أما المحللون فهم يتناولون الموضوع من جميع النواحي وبعضهم قد أعلن يأسه من أيجاد حل مناسب.

بداية ما هي مشاكل الأردن الاقتصادية باختصار شديد:

1- مديونية تبلغ 40 مليار دولار تلقي بثقلها على كل فرد في الأردن، فالضرائب المفروضة على الشعب تجعله يلهث في تحصيل لقمة عيشه بالكاد. أما كيف تكوّن هذا الدين وما هي المشاريع التي تم إنفاقه عليها، فهذه تحتاج الى لجنة خاصة تتميز بالشفافية، فمجلس النواب والحكومة أو إحدى وزاراتها لا تستطيع تشكيل لجنة كهذه فكلهم يدور حول ساقية لا يستطيعون فكاكاً منها. 

المفترض أن من يشكلها هو رأس النظام الذي عليه أن يعرف لماذا وصل الحال الى ما وصل عليه، ولكن لن نعول كثيراً على كلمات مثل (المفترض ،ويجب) فهي كلمات لا تصلح مع الساسة والحكام، فتشكيل لجنة جادة لم يحدث حتى الآن فلماذا سيحدث مستقبلاً؟

ما يؤسف له أن كثيراً منا ما يزال يعيش بعقلية ( أصلح الله الأمير) ثم يتلو بعدها محاضرة عن الفضيلة والأخلاق قد تدخل عقل الأمير وقد لا تدخل.

2- فساد غير مسبوق يستفيد منه خاصة الخاصة، يأكلون الأخضر واليابس ولا يتركون سوى الفتات لغالبية الشعب الكادح، وكما في كل دول العالم الثالث هناك هيئة لمكافحة الفساد ولكنها ليست سوى موظفين يغدون الى الدوام في الصباح ويروحون في المساء، وقد لا يحضرون ولكن رواتبهم في آخر الشهر مضمونة ، ومن لمس إنتاجاً لهذه الهيئة ، فإن له مكافأة كبرى.

3- توقف عجلة الإنتاج وزيادة نسبة البطالة عن نسبها في الدول المجاورة ثلاثة أضعاف كما ورد مؤخراً.

4- الشعور بالمهانة والضعف عند الشعب الأردني، لسان حالهم يقول نحن نستحق مصيراً أفضل من ذلك. ولعل حادثة مقتل اثنين من المواطنين الأردنيين على يد حارس في السفارة الإسرائيلية في عمان دون أن يتخذ النظام الإجراء المناسب، وعودته واستقباله استقبال الفاتحين، إنما يؤجج مشاعر الغضب المكبوت والكامن، عادة الشعوب على مر العصور أن لها ذاكرة قوية ولا تنسى ثأرها.

ما سبق سرده باختصار شديد إنما هو توليفة لانفجار شعبي عارم بدأت مقدماته في هذه الأيام وسيتدحرج مثل كرة الثلج ليحطم كل شيء في طريقه، فقد زاد الضغط في الوعاء المغلق الموضوع على النار وسينفجر مدمراً كل شيء.

ما أقترحه هنا لن يؤخذ به، فهناك طريق استنه النظام لنفسه ولن يغير من نهجه أبداً، كعادة كل الأنظمة التي تعتقد أن أجهزة الشرطة والأمن والمخابرات تحميها وتتلقى الدعم والنصح من الخارج.

الخطوة الأولى: إعادة العمل بالتجنيد الإجباري في الأردن. ويشبه ذلك دق جرس الإنذار بقوة لهؤلاء المتربعين على مراكز النفوذ والمال في العالم الغربي.

الخطوة الثانية: تقديم طلب الى البنك الدولي والدائنين باعفاء الأردن من الديون الخارجية. فبالنسبة للدائنين فهذا المبلغ يعتبر ( فكة ) لا يسمنهم ولا يغنيهم، أما بالنسبة للأردن فهذا المبلغ يقصم ظهره، فخدمة الدين فقط تبتلع ميزانيته وتقصم ظهر شعبه.

ربما ستؤثر الخطوة الأولى على مراكز النفوذ وسيكون رد فعلهم تشكيل لجنة لبحث الموضوع وقد تخرج بعض الاقتراحات مثل تخفيض الدين أو أعفاء الأردن من السداد لفترة ما. في هذه الحالة على الأردن التوقف عن سداد فوائد الدين فوراً.

الخطوة الثالثة: دعوة وفد من الحرس الثوري الإيراني لزيارة الأردن بشكل سري، وترتيب زيارة الى الحدود الغربية للدولة من اليرموك الى العقبة ، تصويرهم وهم يستعملون المناظير المكبرة ، تسريب هذه الزيارة الى الإعلام .

وسنترك لخيال القارئ معرفة مصير الدين الأردني بعد ذلك.

ما سبق وللوهلة الأولى هو توظيف جيد للسياسة في خدمة الاقتصاد، كما هو متبع في العالم الثالث وبخاصة في العالم العربي. وتبدو فيه وصولية شديدة ولكن في السياسة كل شيء ممكن.

ولكن ، ربما آن الأوان للنظام أن يستمع لشعبه وأن يتبع رغباته ، إذ لا يستطيع أن ينام إنسان في بيته بينما اللصوص يسرحون ويمرحون في داخله. كما أن الدعاء بالشفاء من الغدة السرطانية في الجسم لن يزيلها.

والشعب الأردني قادر على التحمل والصبر والجوع لو وجد نية حقيقية في تغيير المسار الحالي، هذا المسار الذي أثبت فشله فهو يؤدي الى طريق مسدود.

أن الأوان للأردن الانضمام لمحور المقاومة.

محمد سيف الدولة يكتب: من يجرؤ اليوم ـ مواجهة 13 نوفمبر 1918


Seif_eldawla@hotmail.com
من يجرؤ فى مصر اليوم على الذهاب الى القصر الجمهورى لإعلان رفضه للوضع القائم وتقديم مطالب بالحقوق والحريات او بالعزة والكرامة او بالعدل والعدالة الاجتماعية، على غرار ما فعله سعد زغلول ورفاقه فى ذهابهم الى دار الحماية البريطانية فى 13 نوفمبر 1918 ؟
غالبية الناس لن تفعلها، ومن فعلها فانه يقبع الآن فى السجون والمعتقلات.
ليس هذا تقليلا من شأن رجال هذا الجيل، وانما هو حديث عن عمق الجرح والقهر الضارب فى اعماق مصر اليوم.
***
الحكاية:
·       نخبة من قيادات مصر السياسية تتفق مع الحكومة والقصر ومع امراء العائلة المالكة، على مطالبة بريطانيا بالاستقلال بعد نهاية الحرب العالمية الاولى مباشرة، فتختار سعد زغلول وعبد العزيز فهمى وعلى شعراوى، لمقابلة المندوب السامى البريطانى "ريجنالد ونجت"، الذى حدد لهم موعدا 13 نوفمبر 1918 بعد يومين من اعلان الهدنة فى الحرب العالمية الاولى. وهى المقابلة التى تحول تاريخها فيما بعد الى ذكرى "كان" يتم احيائها والاحتفال بها سنويا باسم "عيد الجهاد".
·       انها المقابلة الشهيرة التى كانت هى الخطوة الاولى فى سلسلة متتالية ومتصاعدة من الاحداث شكلت فى مجملها حكاية ثورة 1919. احداث توالت وتصاعدت على امتداد ست سنوات من 13/11/1918 حتى 23/11/1924 تاريخ استقالة سعد زغلول من الوزارة بعد اغتيال السردار الانجليزى "لى ستاك"، وتوظيف الانجليز والقصر ورجالهم هذا الاغتيال لاجهاض الثورة والارتداد على مكتسابتها.
·       ست سنوات فى القلب منها اربعة شهور ونصف من 13/11/1918 الى 7/4/1919 تاريخ الافراج عن سعد زغلول ورفاقه من المنفى بعد تراجع الاحتلال امام حالة الغضب والضغط الشعبى، وقراره بمهادنة الثورة، كانت هى الشهور الاكثر اشتعالا وتوهجا، والتى تعادل لدينا فى ثورة يناير، الثمانية عشر يوما فى ميدان التحرير واخواته من 25 يناير الى 11 فبراير 2011.
***
·       فى هذه المقابلة سنرى المواجهة وجها لوجه بين مصر الضعيفة المحتلة ممثلة فى افراد معدودين يصرون على الاستقلال بدون ان يظهر للرائى لاول وهلة ان فى جعبتهم اى اوراق للضغط والتفاوض او اى من مقومات القوة، وبين دولة الاحتلال، اقوى دولة فى العالم، الدولة المنتصرة فى الحرب العالمية الاولى ممثلة فى شخص "ونجت" المندوب السامى ممثل الاحتلال فى مصر.
·       شخصيات وطنية قليلة العدد والعدة قررت مواجهة الاحتلال بكل سلطته وسطوته وقوته الباطشة، غير مبالية بالمخاطر أو انتقالها من شرائح المجتمع العليا التى تحظى بهامش من الامتيازات والحريات والقدرة على المشاركة السياسية بموجب شرعية ممنوحة لهم من القصر ومن الانجليز، الى قائمة الاحتلال السوداء الذى بدأ منذ هذه اللحظة فى حظرهم وحصارهم والتضييق عليهم ثم اعتقالهم ونفيهم، ليضعون اسماءهم بجوار اسم محمد فريد زعيم الحزب الوطنى الذى كان الانجليز يكرهونه كرها عميقا ويعتبرونه من الغلاة والمتطرفين، والذى نقل كفاحه للاحتلال الى الخارج منذ عام 1912، تحررا من قبضة الاحتلال وسجونه.
***
·       نخبة استطاعت ان تقرأ اللحظة التاريخية، وتدرك ما يكمن فيها من فرصة استثنائية لم تتوفر من قبل وقد لا تتوفر مرة أخرى فى القريب العاجل، للمطالبة بالاستقلال وبامكانية تحقيقه، فلم تتردد ولم تعبأ بالعواقب واخذت المبادرة فاجتمعت بالمندوب السامى البريطانى وطالبته بالاستقلال وبالغاء الاحكام العرفية وبرفع الرقابة على الصحف وبالسفر الى انجلترا للتفاوض مع الحكومة هناك، ثم بعد ذلك الى باريس للمشاركة فى مؤتمر الصلح وعرض المطالب المصرية.
·       ولم تتراجع امام رفض الخواجة الانجليزى ولم تردعها وقاحته، بل قارعته الحجة بالحجة، ودحضت كل افتراءاته وادعاءاته، الى ان عجز عن الرد والايجاب على مطالبهم العادلة ومنطقهم المتماسك، فانهى الاجتماع.
***
·       بدأوا بمطالب متواضعة وبخطاب تغلب عليه لغة المجاملة والدبلوماسية والتحسس والتحسب، فلما وجدوا جموع الشعب تؤيدهم وتثق فيهم وتعتمد عليهم وتقف فى ظهورهم وتوكلهم لتمثيل الامة وقيادتها، قاموا بتطوير خطابهم وتصعيد مطالبهم، وأصبحوا اكثر جذرية وصلابة من الجميع.
***
·       نخبة لم تطلب مقابلة ممثل الاحتلال لابراء ذمتها؛ فلم يكن فى نيتها ان تلملم اوراقها وتنسحب امام اول عقبة، ولم تخشَ التهديدات أو تلتزم بالمحظورات والخطوط الحمراء، وانما اخذت مبادرتها وهى تنتوى ان تكمل المعركة الى آخر مدى، فتحدت الرفض والاستعلاء البريطانى وشرعت فى جمع توكيلات من كل اطياف الامة واخذت فى حشد الناس وتحريضهم وتعبئتهم وتنظيمهم، ونجحت فى ادارة الصراع والمواجهة.    
***
·       وحين جاء الرد بالرفض وقام المعتمد البريطانى بكيل السباب والاتهامات للمصريين؛ ((فوصمهم بأنهم متعجلون لا يقدرون العواقب، ومتطرفون كالأطفال ليس لديهم عقل ولا روية ولا بصيرة، لا يمكنهم حكم أنفسهم، اميون لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، عبيد للأتراك فلماذا لا يكونوا عبيدا لبريطانيا.)) انقلبت مصر فوق رأسه هو والاحتلال، مما اجبر بريطانيا على استدعائه بعد هذه المقابلة بشهرين تقريبا واستبداله بالجنرال اللنبى بعد ذلك بقليل.
***
·       واخيرا من المهم فى تصورى ان يحتفظ كل مصرى بنص هذه المقابلة التاريخية التى كانت هى لحظة البداية لما تلى ذلك من وقائع واحداث كبرى كان لها بالغ الاثر على الحياة فى مصر لعقود طويلة تالية. وفيما يلى ما دار من حديث كما ورد فى كتاب الاستاذ عبد الرحمن الرافعى فى كتابه "ثورة 1919 ـ تاريخ مصر القومى من سنة 1914 الى سنة 1921"
***
حدیث ۱۳ نوفمبر سنة ۱۹۱۸
بدأ السير ونجت الحديث بقوله: إن الصلح اقترب موعده، وإن العالم يفيق بعد غمرات الحرب التي شغلته زمنا طويلا، وإن مصر سينالها خير كثير، وإن الله مع الصابرين، وان المصريين هم أقل الأمم تألما من أضرار الحرب، وإنهم مع ذلك استفادوا منها أموالا طائلة، وإن عليهم أن يشكروا دولة بريطانيا العظمى التي كانت سببا في قلة ضررهم وكثرة فائدتهم
فأجابه سعد باشا: ما تكون إنجلترا فعلته خيرا لمصر فإن المصريين بالبداهة يذكرونه لها مع الشكر، وخرج من ذلك إلى القول بأن الحرب كانت کحريق انطفأ ولم يبق إلا تنظيف آثاره وأنه يظن أن لا محل لدوام الأحكام العرفية ولا لمراقبة الجرائد والمطبوعات، وأن الناس ينتظرون بفروغ صبر زوال هذه المراقبة كى ينفسوا عن أنفسهم ويخففوا عن صدورهم الضيق الذى تولاهم اكثر من اربع سنين.
فقال السير ونجت: حقا أنه میال لإزالة المراقبة المذكورة، وأنه تخابر فعلا مع القائد العام للجيوش البريطانية في هذا الصدد، ولما كانت هذه المسألة عسكرية فإنه بعد تمام المخابرة والاتفاق مع القائد سيكتب للحكومة البريطانية، ويأمل الوصول إلى ما يرضي، ثم استمر قائلا: يجب على المصريين أن يطمئنوا ويصبروا ويعلموا أنه منذ فرغت إنجلترا من مؤتمر الصلح فإنها تلتفت لمصر وما يلزمها ولن يكون الأمر إلا خيرا.
فقال سعد باشا: إن الهدنة قد عقدت، والمصريون لهم الحق أن يكونوا قلقين على مستقبلهم، ولا مانع يمنع الآن من أن يعرفوا ما هو الخير الذي تريده إنجلترا لهم.
فقال وينجت: يجب ألا تتعجلوا وأن تكونوا متبصرين في سلوككم، فإن المصريين في الحقيقة لا ينظرون للعواقب البعيدة.
فقال سعد باشا: إن هذه العبارة مبهمة المعني ولا أفهم المراد منها. فقال: أريد أن أقول إن المصريين ليس لهم رأي عام بعيد النظر.
فقال سعد باشا: لا أستطيع الموافقة على ذلك فإني إن وافقت أنكرت صفتي، فإني منتخب في الجمعية التشريعية عن قسمين من أقسام القاهرة، وكان انتخابی بمحض إرادة الرأي العام مع معارضة الحكومة واللورد كتشنر في انتخابي، وكذلك كان الأمر مع زميلي على شعراوي باشا وعبد العزيز بك فهمی.
فقال السير ونجت: إنه قبل الحرب كثيرا ما حصل من الحركات والكتابات من محمد فريد وأمثاله من الحزب الوطني، وكان ذلك بلا تعقل ولا روية، فأضرت مصر ولم تنفعها فما هي أغراض المصريين؟
فقال على شعراوي باشا: إننا نريد أن نكون أصدقاء للإنجليز صداقة الحر للحر لا العبد للحر.
فقال السير ونجت: إذا أنتم تطلبون الاستقلال؟
فقال سعد باشا: ونحن له أهل، وماذا ينقصنا ليكون لنا الاستقلال كباقی الأمم المستقلة؟
فقال السير ونجت: ولكن الطفل إذا أعطى من الغذاء أزيد مما يلزم تخم (من التخمة).
فقال عبد العزيز بك فهمي: نحن نطلب الاستقلال التام وقد ذكرتم جنابكم إن الحزب الوطني أتي من الحركات والكتابات بما أضر ولم يفد، فأقول لجنابكم إن الحزب الوطني كان يطلب الاستقلال، وكل البلد كانت تطلب الاستقلال، وغاية الأمر إن طريقة الطلب التي سار عليها الحزب الوطني ربما كان فيها ما يؤخذ علينا، وذلك راجع إلى طبيعة الشبان في كل جهة فلأجل إزالة الاعتراض الوارد على طريقة الحزب الوطني في تنفيذ مبدئه الأساسي الذي هو مبدأ كل الأمم، وهو الاستقلال التام، قام جماعة من الشيوخ الذين لا يظن فيهم التطرف في الإجراءات وأسسوا حزب الأمة وأنشأوا صحيفة «الجريدة »، وكان مقصدهم هم أيضا الاستقلال التام، وطريقتهم أخف في الحدة من طريقة الحزب الوطني، وذلك معروف عند الجميع، والغرض منه خدمة نفس المبدأ المشترك بطريقة تمنع الاعتراض، ونحن في طلبنا الاستقلال التام لسنا مبالغين فيه فإن أمتنا أرقى من البلغار والصرب والجبل الأسود وغيرها من نالوا الاستقلال قديما وحديثا.
فقال السير ونجت: ولكن نسبة الأميين في مصر كبيرة لا كما في البلاد التي ذكرتها إلا الجبل الأسود والألبان على ما أظن.
فقال عبد العزيز بك فهمي: إن هذه النسبة مسألة ثانوية فيما يتعلق باستقلال الأمم، فإن لمصر تاريخا قديما باهرا وسوابق في الاستقلال التام وهی قائمة بذاتها وسكانها عنصر واحد ذو لغة واحدة وهم كثيرو العدد وبلادهم غنية، وبالجملة فشروط الاستقلال التام متوفرة في مصر، ومن جهة نسبة الأميين للمتعلمين، فهذه مسألة لا دخل لها في الاستقلال کا قدمت، لأن الذين يقودون الأمم في كل البلاد أفراد قلائل، فإني أعرف أن لإنجلترا وهي بلاد العظمة والحرية عند أهلها ثقة كبرى بحكومتها فأرباب الحكومة وهم أفراد قلائل هم الذين يقودونها وهي تتبعهم بلا مناقشة في كثير من الأحوال لشدة ثقتها بهم وتسليمها لهم، ولذلك فمجلس نوابها ليس كل أفرادهم العاملين، وإنما العامل منهم فئة قليلة، فبلاد مصر يكفي أن يكون فيها ألف متعلم، ليقوموا بإدارتها كما ينبغي وهي مستقلة استقلالا تاما - ونحن عندنا كثير من المتعلمين، بدليل أن أولى الحل والعقد نسمع منهم في كثير من الأحيان أن التعليم زاد في البلد حتى صار فيها طائفة من المتعلمين العاطلين، وأما من جهة تشبيهنا بالطفل يتخم إذا غذي بأزيد من اللازم فاسمحوا لي أن أقول إن حالنا ليست مما ينطبق عليها هذا الشبه، بل الواقع أننا كالمريض مها أتيت له من نطس الأطباء (الأطباء الحذاق) استحال عليهم أن يعرفوا من أنفسهم موقع دائه، بل هو نفسه الذي يحس بألم الداء ويرشد إليه، فالمصرى وحده هو الذي يشعر بما ينقصه من أنواع المعارف وما يفيده في الأشغال العمومية وفي القضاء، وغير ذلك، فالاستقلال التام ضروری لرقينا.
فقال السير ونجت: أتظنون أن بلاد العرب وقد أخذت استقلالها ستعرف كيف تسير بنفسها؟
فقال عبد العزيز بك: إن معرفة ذلك راجع إلى المستقبل، ومع ذلك فإذا كانت بلاد العرب وهي دون مصر بمراحل أخذت استقلالها فمصر أجدر بذلك.
فقال السير ونجت: قد كانت مصر عبدا لتركيا، أفتكون أحط منها لو كانت عبدا لإنجلترا؟ (منتهى والوقاحة)
فقال شعراوي باشا: قد أكون عبدا لرجل من الجعليين وقد أكون عبدا للسير ونجت الذي لا مناسبة بينه وبين الرجل الجعلي، ومع ذلك لا تسرني كلتا الحالتين، لأن العبودية لا أرضاها ولا تحب نفسي أن تبقى تحت ذلها ونحن كما قدمت نريد أن نكون أصدقاء لإنجلترا صداقة الأحرار لا صداقة العبيد.
فقال السير ونجت: ولكن مرکز مصر حربيا وجغرافيا يجعلها عرضة الاستيلاء كل دولة قوية عليها وقد تكون غير إنجلترا.
فقال سعد باشا: متي ساعدتنا إنجلترا على استقلالنا التام، فإننا نعطيها ضمانة معقولة على عدم تمكين أي دولة من استقلالنا والمساس بمصلحة إنجلترا فنعطيها ضمانة في طريقها للهند وهي قناة السويس، بأن نجعل لها دون غيرها حق احتلالها عند الاقتضاء، بل نحالفها على غيرها ونقدم لها عند الاقتضاء ما تستلزمه المحالفة من الجنود.
ثم قال شعراوي باشا: يبقى أمر آخر عند هذا الحد وهو حقوق أرباب الديون من الأجانب، فيمكن بقاء المستشار الإنجليزي بحيث تكون سلطته هي سلطة صندوق الدين العمومی.
فقال سعد باشا: نحن نعترف الآن أن إنجلترا أقوى دولة في العالم وأوسعها حرية وإنا نعترف لها بالأعمال الجليلة التي باشرتها في مصر، فنطلب باسم هذه المبادئ أن تجعلنا أصدقاءها وحلفاءها صداقة الحر للحر، وإننا نتكلم بهذه المطالب هنا معك بصفتك مشخصا لهذه الدولة العظيمة، وعند الاقتضاء نسافر للتكلم في شأنها مع ولاة الأمور في إنجلترا، ولا نلتجئ هنا لسواك ولا في الخارج لغير رجال الدولة الإنجليزية، ونطلب منك بصفتی عارفا لمصر مطلعا على أحوالها أن تساعدنا للحصول على هذه المطالب.
فقال السير ونجت: قد سمعت أقوالكم وإني أعتبر محادثتنا محادثة غير رسمية، بل بصفة حبية فإني لا أعرف شيئا عن أفكار الحكومة البريطانية في هذا الصدد وعلى كل فإنى شاكر زيارتكم وأحب لكم الخير.
فشكره الثلاثة على حسن مقابلته، وانصرفوا.
*****
القاهرة فى 11 مارس 2019
فى رحاب الذكرى المئوية لثورة 1919

27 فبراير 2019

محمد سيف الدولة يكتب: هذه التصريحات الخطيرة المنسوبة لرئيس مصر

اتمنى عودة اليهود الى مصر
فلقد كان لهم دور ايجابى قبل رحيلهم
واذا عادوا سنبنى لهم معابد
وسنقوم من اليوم بتطهير مقابرهم فى البساتين
اذا لم أحصل على دعم الولايات المتحدة، فقد يعود الاخوان الى حكم مصر
***
هذا بعض مما نقلته جريدة جيروزاليم بوست يوم 25/2/2019 عما دار بين الرئيس المصرى ووفد اليهود الامريكان الذى رشح السادات لنيل جائزة الكونجرس الذهبية، ولقد ترأس الوفد "عزرا فريدلاندر" امريكى صهيونى متطرف.
وفيما يلى بعض مما ورد فيها بالنص:
·((تكلم الرئيس السيسي باعتزاز ليس فقط عن المجتمع اليهودي السابق النابض بالحياة في مصر ، لكنه قال أيضاً إنه ينبغي أن يكون هناك عودة للجالية اليهودية في مصر. وإذا كان اليهود مهتمين بتأسيس جماعة يهودية في مصر، فإن الحكومة ستبني لهم معابد يهودية وغيرها من المؤسسات المجتمعية.
·وصرح عزرا فريدلاندر إن السيسي وعد بتنظيف مقبرة البساتين القديمة في القاهرة .. وأعلن أيضا عن مشروع بملايين الدولارات لاستعادة مواقع التراث اليهودي في مصر. 
·وقال إن الاجتماع مع السيسي كان يعني "التأكيد على الأهمية الكبرى التي نضعها نحن أعضاء الجالية اليهودية الأمريكية على تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر ... الرئيس السيسي هو زعيم في العالم العربي يفهم أهمية الاعتدال والشمول، وربما هو الذي يحافظ على استقرار الشرق الأوسط.
·وهو يعتقد بحماس أن دور اليهود الأمريكيين هو أن يتحالفوا علانية مع الرئيس السيسي"
·وأنه ينبغي احتضان السيسي في الغرب، من قبل الإدارة وكل عضو في الكونغرس كحليف استراتيجي للولايات المتحدة. 
·ونقل عن السيسي قوله "إنه إذا لم يحصل على دعم أمريكي، فإن جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن تستعيد السلطة في البلاد." 
·ويعلق فريدلاندر على ذلك بقوله: من الواضح أنه يبحث عن الدعم في الولايات المتحدة، وأعتقد أنه من واجبنا الأخلاقي دعمه إلى أقصى حد ممكن.)) ـ للاطلاع على التحقيق كاملا اضغط هنا
***
هذا بعض مما ورد فى تغطية الجيروزاليم بوست للقاء المذكور، ولذا اتمنى ان يصدر تكذيب رسمى لما نشر، او على أضعف الايمان، توضيح يقدم سياقا مختلفا لما طرحته الجريدة، لعله يكون اكثر قبولا، اما اذا صدقت هذه الرواية بنصها وسياقها فاننا نكون امام تصريحات خطيرة يتوجب ان تثير قلقا عميقا لدى كل المعنيين بشئون الامن القومى فى مصر سواء من داخل مؤسسات الدولة او من خارجها للاسباب التالية:
لنتفق اولا على أن من يلتقى بهم السيسى من وفود امريكية يهودية هم جزء من اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة، ولاءهم الرئيسى للصهيونية ولاسرائيل ولمشروعها فى المنطقة، وبالتالى لا يمكن ولا يجب باى حال من الاحوال ان نتعامل معهم بصفتهم يهودا فحسب، بل هم يهود صهاينة، انهم العدو، فلا تنطبق عليهم أبدا مبادئ التسامح والتعايش والاخاء الواجبة بين انصار كل الديانات فى العالم، فهم يستهدفون فى النهاية القضاء على الوجود العربى فى فلسطين وخارجها، وهو الوجود الذى يعتبرونه بمثابة استعمارا عربيا، يحتفلون فى مايو من كل عام بذكرى تحرير ارضهم منه فى يوم يسمونه عيد الاستقلال.
***
ثانيا ـ اما عن احتفاء السيسى بدور الجالية اليهودية القديمة فى مصر، فهو يتجاهل ويتناسى ما اصاب هذه الجالية من انحرافات خطيرة عشية حرب 1948 وبعدها، نتيجة اختراق الحركة الصهيونية الشديد لها وتمكنها من استقطاب وتجنيد العديد من عناصرها، وتوظيفهم لخدمة المخططات والمشروعات الصهيونية فى مصر وفلسطين، بما فيها تنفيذ التفجيرات والاغتيالات والعمليات الارهابية فى العمق المصرى كعملية "نافون" الفاشلة.
***
ثالثا ـ واما عن الدعوة الخطيرة التى يقال أن السيسى قد وجهها للمهاجرين اليهود للعودة الى مصر:
فعن اى يهود يتحدث؟
·لقد كان فى مصر عام 1948-1950 ما يقرب من 75 الف يهودى، هاجر نصفهم الى (اسرائيل) فى الفترة من (1948-1960)، لم يفعلوا ذلك الا بعد ان اعتنقوا العقيدة الصهيونية وحملوا افكارها، وتبنوا مشروعاتها وشاركوا فى مخططاتها. وحين استقروا فى الارض المحتلة فانهم انخرطوا فى الجيش (الاسرائيلى) وحملوا السلاح ضد مصر واعتدوا عليها واحتلوا ارضها مرتين وقتلوا جنودها واطفالها وعمالها، وتجسسوا عليها واستقووا بالامريكان ولا يزالوا على ردعها واضعافها والتآمر عليها.
·اما الذين غادروا مصر وهاجروا منها الى دول أخرى غير (اسرائيل)، فكم منهم اعتنق الفكر الصهيونى وانضم الى احدى منظماته ودعم (اسرائيل) بالاموال والمواقف والسياسات.
·فاذا عاد هؤلاء او بعضهم الى مصر اليوم، فانها ستكون اكبر عملية اختراق وتجسس وتخريب يمكن ان تتعرض لها مصر عبر العصور.
·اما اليهود المصريون الوطنيون فهم اولئك الذين رفضوا مغادرة مصر، وعاشوا فيها مواطنين مصريين طبيعيين جنبا الى جنب مع اخوتهم من المصريين المسلمين والمسيحيين.
***
رابعاـ واما عن تصريحه بانه على استعداد لبناء معابد لمن يعود منهم، ووعوده والتزامه امام لجنة اليهود الامريكان بانه سيعمل فورا على تطهير مقابرهم فى البساتين، فهو يعطيهم مكانة وحقوقا ونفوذا وصلاحيات لا يستحقونها!
انه تسليم بالادعاءات الصهيونية والاسرائيلية الباطلة، بان لهم حق الولاية على كل يهود العالم فى كل ما يتعلق بأحوالهم وحقوقهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، حق الولاية والحماية والرعاية والتدخل والتفتيش والمساءلة والمحاسبة على كل بلدان العالم.
انها ادعاءات باطلة لم يدعِ بمثلها قبل الصهيونية و(اسرائيل)، سوى الغرب الاستعمارى منذ الحروب الصليبية حتى يومنا حين يتذرع بحماية المقدسات والاقليات المسيحية فى العالم العربى، لتبرير حملاته واطماعه الاستعمارية.
***
خامسا ـ اما عما اسند اليه من قيامه بالاستنجاد صراحة بالامريكان طالبا دعمهم لقطع الطريق امام الاخوان للعودة الى الحكم مرة اخرى، فهو يحمل عديد من المعانى والدلالات الخطيرة:
·فهو اولا يمثل انتهاكا خطيرا لكل القيم والثوابت الوطنية، ويجرده فيما لو صح ما هو منسوب اليه، من اى شرعية وطنية او دستورية.
·وهو ثانيا يهدم الرواية الرسمية المتداولة حتى تاريخه، بان ثورة يناير هى مؤامرة أمريكية، وان كل من قام بها او شارك فيها هم عملاء للامريكان.
·وهو ثالثا يفتح بوابات الجحيم على مصراعيها، لكل من يريد من الفرقاء المصريين، الاستقواء بالخارج فى مواجهة الآخر، وهى لعبة خطيرة نهايتها الهلاك للجميع.
·كما انه قد يثير عديد من الشكوك حول طبيعة الدعم الاضافى الذى يريده السيسى من الامريكان اليوم، وهل المقصود به هو ضوء اخضر امريكى بمباركة ما ينتويه من تمديد حكمه الى ما شاء الله.
·او قد يثير شكوكا اخرى عن رغبته فى احتلال ذات المكانة التى احتلها السادات لدى امريكا و(اسرائيل) فمنحوه جائزتى نوبل والكونجرس الذهبية.
***
لكل هذه الاسباب وغيرها، فاننى ارى ان الحكمة تقتضى ان تسارع الجهات الرسمية المصرية الى تكذيب ما تم نشره من تصريحات منسوبة للسيد رئيس الدولة المصرية، فى لقاءه مع اليهود الامريكان.
*****
القاهرة فى 27 فبراير 2019

24 فبراير 2019

محمد سيف الدولة يكتب: ما شأن اسرائيل بالتعديلات الدستورية!

((ان التمديد للرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى لسنوات أخرى كثيرة، يمثل فرصة ذهبية لاسرائيل، لاعادة تاسيس وجودها فى مصر.))
هذا ما ورد فى مقال كتبه "اسحق ليفانون" السفير الاسرائيلى السابق فى القاهرة، فى مقال بعنوان "فرصة ذهبية فى مصر ـ A window of opportunity in Eygpt"، نشره فى جريدة اسرائيل اليوم بتاريخ 20 فبراير 2019
وفيما يلى ما قاله بالنص فى هذا الصدد:
((النظام المصري الحالي بقيادة السيسي لا يخفي علاقاته الطيبة مع إسرائيل، وهو يخلق أجواءً من النية الطيبة. ويسمح هذا الوضع بمحاولة التقدم في اتجاه العلاقات الطبيعية والسليمة الكاملة. ان قرار البرلمان المصري تمديد ولاية الرئيس السيسي لمزيد من السنوات، سيوسع أفق هذه الفرصة... ان علاقات إسرائيل مع مصر يجب أن تكون على رأس سلم الأولويات السياسية والدبلوماسية. محظور تفويت هذه الفرصة الناشئة، والمناخ السياسي الإقليمي لإعادة الوجود الإسرائيلي في القاهرة إلى صيغته السابقة، بالضبط مثلما كان حتى قبل 2011... ومع وجود السيسي في السلطة لفترة طويلة قادمة، يجب علينا المضي قدما عازمين على تحقيق ذلك))
***
ليست هذه هى المرة الأولى التى تعلن فيها شخصيات اسرائيلية نافذة عن تقديرها العميق للرئيس المصرى، فعلها نتنياهو وعدد من وزرائه وعديد من الخبراء والكتاب الاسرائيليين من قبل، وربما كان اشهرها ذلك البيان الرسمى الذى صدر من نتنياهو ومن مجلس وزرائه لشكر عبد الفتاح السيسى على ما وجهه من دعوة لتوسيع السلام مع (اسرائيل) فى حديثه مع وكالة الاشوسيتد برس فى 27 سبتمبر 2015 على هامش الدورة 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
***
فهو أمرا متوقعا كنتاج للتقارب المصرى الاسرائيلى الحالى غير المسبوق حتى فى سنوات حكم حسنى مبارك. وايضا لان (اسرائيل) التى تتشدق دائما بانها واحة الديمقراطية فى المنطقة، لا يعنيها من قريب او بعيد الدفاع عن اسس ومبادئ النظم الديمقراطية وقواعد تداول السلطة فى بلادنا، بل هى تكره وترفض الحريات بكافة اشكالها لمصر والشعوب العربية، وكيف تفعل وهى تدير حرب ابادة ضد الشعب الفلسطينى منذ ما يزيد عن 70 عاما؟ ناهيك عن موقفها الرافض والمعادى لثورة يناير والمحرض ضدها منذ ايامها الاولى قبل ان يتم اجهاضها.
***
ولكن السؤال هنا هو الى مدى تنتوى الادارة الاسرائيلية تقديم الدعم للسيد عبد الفتاح السيسى لتمرير هذه التعديلات امريكيا ودوليا، وهو ما سبق ان فعلته من قبل حين قامت فى سابقة هى الاولى من نوعها بحث الادارة الامريكية على استئناف المساعدات العسكرية لمصر بعد ان قام اوباما بتعليقها؟
وهى سياسة (اسرائيلية) لا تقتصر على مصر بل تشمل كل اصدقائها وحلفائها فى السر والعلن، على غرار ما قام به نتنياهو من دعوة امريكا واوروبا الى "العفو" عن حكام السعودية المتورطين فى قتل خاشقجى وتخفيف الضغط عليهم، حفاظا على الاستقرار فى المنطقة، الذى لم يكن يعنى فى حقيقته سوى استقرار (اسرائيل) وتوطد علاقتها مؤخرا مع العائلات المالكة فى السعودية والخليج.
والامثلة كثيرة.
***
وهو ما يذكرنا بالمقولة الشهيرة للدكتور مصطفى الفقى فى أواخر سنوات مبارك، حين قال ان رئيس مصر يجب ان يحظى بموافقة الولايات المتحدة وبقبول (اسرائيل).
ولكن اذا كان لامريكا و(اسرائيل) ولمجتمعهما الدولى كل هذا التاثير والنفوذ فى تقرير مصائرنا ورسم مستقبلنا، فماذا تركوا للشعب المصرى ولقواه الوطنية والحرة من خيارات؟
وهل معنى ذلك ان التحدى الرئيسى والعقبة الكؤود امام اى رغبات شعبية مصرية للتغيير والاصلاح هو الفيتو الخارجى؛ امريكيا كان او اسرائيليا.
وما يعنيه ذلك من أنه على المصريين، شاءوا أم أبوا، ان يعتادوا ويتدربوا ويتعايشوا مع حقيقة ان اهدافهم واحلامهم يجب ان تنحصر فيما يتوافق مع امن اسرائيل ومصالح الولايات المتحدة؟
أهى الحقيقة المرة والصادمة التى بُحت اصواتنا للتمرد ضدها والثورة عليها والتحرر منها وهى ان كامب ديفيد هى دستور مصر الفعلى؟
*****
القاهرة فى 24 فبراير 2019

23 فبراير 2019

محمد سيف الدولة يكتب:لماذا يدافع ماكرون عن الصهيونية؟

Seif_eldawla@hotmail.com
قال "ماكرون" خلال كلمة ألقاها يوم الاربعاء 20 فبراير الجارى في باريس، خلال العشاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا ((ان معاداة الصهيونية هى شكل حديث من معاداة السامية.. وإن فرنسا ستعتمد في نصوصها ومراجعها تعريفا جديدا لمعاداة السامية يشمل أيضا معاداة الصهيونية لتصبح بذلك معاداة الصهيونية بمثابة معاداة للسامية))
وقال بأنه قبل اتخاذ قراره بشأن معاداة الصهيونية قد ((اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو وأعلمه بالقرار)).
***
·لماذا يدافع ماكرون عن الصهيونية؟
·هل يحتمى بالمنظمات الصهيونية الفرنسية بعد ان تراجعت شعبيته وانفجرت الانتفاضة الشعبية فى وجهه؟
·ولماذا يستقوي غالبية حكام العالم بالصهيونية العالمية و(باسرائيل)، كلما اهتزت مراكزهم داخل مجتمعاتهم؟
·ولماذا تعجز الجاليات العربية والاسلامية الضخمة فى امريكا واوروبا عن ان تؤسس حركات ومنظمات وجماعات ضغط قوية مماثلة تكون قادرة على التصدى للنفوذ المتصاعد للمنظمات الصهيونية العالمية؟
·لقد كنا نتصور ان الحكام العرب هم وحدهم الذين يستجدون الاعتراف والحماية الدولية عبر بوابة التقرب الى (اسرائيل) والتطبيع والتحالف معها.
·ولكن ها هو ماكرون يفعلها، ومن قبله فعلها ترامب منذ الايام الاولى، فكانت قراراته بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وبنقل السفارة، وبتصفية القضية الفلسطينية فيما يعرف بصفقة القرن، وبقطع المساعدات عن الاونروا ثم عن السلطة الفلسطينية، كانت كلها قرارات تغازل اللويى الصهيونى الامريكى فى مواجهة ازماته الداخلية التى لا تنتهى.
·وها هو "غوايدور" رجل امريكا فى فنزويلا يصرح بانه ينتوى اعادة العلاقات مع (اسرائيل)، فى مواجهة "مادورو" الرئيس الشرعى المعادى للامريكان المناهض لاسرائيل والداعم لفلسطين بلا حدود.
·والقائمة تطول.
***
ولكن فلنراجع معا ماهية الصهيونية التى يتصدى "ماكرون" لحمايتها والدفاع عنها ضد مناهضيها من المواطنين والسياسيين الفرنسيين:
·انها عقيدة ونظرية تنطلق من أن كل يهود العالم يشكلون امة واحدة، شعب واحد، فدينهم هو قوميتهم، وقوميتهم هى دينهم، ومن ثم فهى تجردهم من كل انتماءاتهم الوطنية والقومية الاصلية والطبيعية، وتصطنع لهم انتماءً بديلا باطلا وزائفا، لا يوجد له مثيل فى كل شعوب العالم.
·وهى نظرية غارقة فى عدوانيتها وعنصريتها اذ تنطلق من انه ليس لليهود ارض ووطن سوى ارض فلسطين التى وهبها لهم وخصها بهم إلههم منذ آلاف السنين، بعد ان اصطفاهم وفضلهم على كل خلق الله من الاغيار الاشرار.
·وهى تبنى على ذلك ان السكان الذين كانوا يقيمون علي هذه الارض منذ 14 قرنا واكثر هم احتلال عربى فلسطينى.
·وان الحركة الصهيونية ما هى الا حركة تحرر وطنى نجحت فى تحرير جزء من ارضها المحتلة من الاستعمار العربى، وستظل تكافح الى ان تنجح فى تحرير باقى ارضها المحتلة التى هى كل فلسطين من النهر الى البحر فى احدى الروايات ومن النيل الى الفرات فى روايات صهيونية اخرى.
·ويترجم الكيان الصهيونى المسمى (باسرائيل) يوميا هذه النظريات الباطلة الى اعتداءات وسياسات فى الارض المحتلة منذ ما يزيد عن قرن من الزمان:
·فيحتل الارض، ويفرغها من اصحابها طردا وتهجيرا وقتلا وابادة.
·فلولا العنف والارهاب والقتل والتصفية والتهجير والطرد والمذابح على غرار دير ياسين لما قامت (اسرائيل) على حد المقولة الشهيرة لمناحم بيجين.
·ويمنع عودة المطرودين من اللاجئين الفلسطينيين رغم صدور القرار رقم 194 من الامم المتحدة عام 1948، الذى يلزم (اسرائيل) بذلك كشرط لقبول عضويتها بالامم المتحدة. بينما تفتح باب الهجرة الى فلسطين لكل من هب ودب من اليهود من كل بلاد العالم.
·وتعتدى على الدول العربية المجاورة وتحتل اراضيها وتردعها وتهددها بالضرب والعدوان ان هى قدمت اى دعم للشعب الفلسطينى لاسترداد ارضه.
·حتى المقدسات الدينية لم تنج من اعتداءاتها والتحرش بها والسعى الى الاستيلاء عليها وتهوديها.
·وكله قائم على اكاذيب كبرى وادعاءات باطلة واساطير زائفة عن الشعب اليهودى وارض الميعاد.
***
·كانت هذه بعض من معانى الصهيونية وممارساتها، وبالتالى فان فى أى دفاع عنها، من ماكرون أو من غيره، اعتناق لنظريتهم الاستعمارية العنصرية الاجتثاثية الباطلة، ومباركة لكل جرائم القتل والارهاب التى يرتكبونها فى حق الشعب الفلسطينى، كما أن فيها عداء صريحا للامة العربية بكل شعوبها، حيث ان كل الوجود العربى من المنظور الصهيونى هو وجود استعمارى غير مشروع سواء فى فلسطين او خارجها، كما ان فيه دعم لاحتلال اوطان الشعوب بالقوة بالمخالفة لميثاق الامم المتحدة، ودعم لاعمال العربدة والبلطجة التى ترتكبها (اسرائيل) كل يوم من عدوان أو تهديد لباقى الشعوب العربية من سوريا الى لبنان الى تونس الى العراق الى السودان.
·ناهيك على ان الصهيونية بتلك الرؤية لا تهدد فلسطين والعرب فقط، بل يمتد تهديدها الى فرنسا ذاتها أو الى اى دولة فى العالم يتجه ولاء مواطنيها من اليهود الى كيان خارجها يسمى (باسرائيل). 
***
ان هناك انباء متداولة عن اتجاهات قوية داخل حركة السترات الصفراء، تناهض اسرائيل والصهيونية.
وهو ما يحتم علينا جميعا وفى القلب منا اشقائنا من جاليات دول المغرب العربى هناك، ان يبحثوا عن قنوات تواصل مع هذه الاتجاهات ويدعموها ويمدوها بالمواد والمراجع السياسية والعلمية والفكرية التى تكشف زيف وبطلان النظرية الصهيونية، وتعرض وتشرح الرواية الفلسطينية والعربية. وقد يجدون فى مؤلفات المفكر الراحل "روجيه جارودى" اجتهادات كثيرة فى هذا المجال، مثل كتابه "الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية" التى تعرض للمحاكمة بسببه، والتى يفند ويدحض فيها كل الخرافات الصهيونية التى أغرقوا بها الراى العام الغربى لعقود طويلة.
وعلينا ان نساعد الشعب الفرنسى وكل شعوب العالم على التعرف على الوجه الآخر للشعوب العربية، الوجه الحقيقى لنا، بدلا من تلك الوجوه الرسمية التى لا تمثلنا ولا تعبر عنا، والتى لا يشغلها سوى التواصل مع ماكرون وترامب وامثالهما لشراء شرعيتها وحماية عروشها بعقد صفقات سلاح بعشرات المليارات من دماء شعوبنا.
*****
القاهرة فى 23 فبراير 2019

20 فبراير 2019

محمد سيف الدولة يكتب:هل تدير CIA الجامعة الأمريكية بالقاهرة؟


Seif_eldawla@hotmail.com
جددت الأزمة التى تفجرت فى الجامعة الامريكية بالقاهرة فى شهر فبراير الجارى، كل الشكوك والمخاوف التى ظهرت بعد تعيين سفير أمريكى سابق ورجل استخبارات، مديرا للجامعة الامريكية بالقاهرة منذ عام 2016.
انه فرانسيس ريتشاردونى الذى كان سفيرا للولايات المتحدة فى مصر من عام 2005 حتى 2008، كما شغل منصب نائب السفير الامريكى فى افغانستان (2009-2010) ثم سفيرا فى تركيا. وقد خدم عامى 1989/1990 كرئيس لوحدة المراقبة المدنية التابعة للقوة المتعددة الجنسيات والمراقبين سيناء الموجودة هناك وفقا لملحق الترتيبات الامنية فى اتفاقيات كامب ديفيد. كما قام بإدارة فرقة عمل 9/11 التابعة لوزارة الخارجية حول التحالف ضد الإرهاب، وشغل منصب المنسق الخاص للعراق مع وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت (1999-2001). كما عمل في مكتب الاستخبارات والبحوث، ومكتب شؤون الشرق الأدنى، وفي المناصب الإدارية العليا في إطار المدير العام للخدمة الخارجية والموارد البشرية.
***
أما عن الأزمة المذكورة فقلد بدأت، وفقا لما تناقلته وسائل الاعلام، بعد أن قام ما يقرب من 90% من مجلس شيوخ الجامعة الذى يتكون من اعضاء منتخبين من هيئة التدريس والموظفين، بسحب الثقة من "ريتشاردوني"، لعديد من الاسباب من أهمها قيامه بوضع إحدى قاعات الجامعة الأمريكية، وكل الحرم الجامعي، تحت تصرف السفارة الأمريكية لاستقبال خطاب وزير الخارجية "بومبيو" الذى ألقاه بالجامعة فى 10 يناير 2019 مما يثير، فى تصورهم، الشبهات حول طبيعة العلاقة بين الجامعة من جهة وبين الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية CIA من جهة أخرى، ناهيك عن شخصية "بومبيو" المثيرة للجدل بسبب رئاسته السابقة للمخابرات المركزية الامريكية وكذلك بسبب تصريحاته بتأييد التعذيب ورفضه لغلق معتقل جوانتانامو.
هذا بالإضافة الى ما تم فُرضه من تدابير أمنية مشددة على الحرم الجامعي في يوم الزيارة، فيما يتعلق بالدخول والخروج وحرية الحركة داخل الجامعة، حيث اقتصرت الدعوة على من اختارتهم السفارة الأمريكية من الشخصيات العامة ووسائل الإعلام، وجرى إقصاء أعضاء هيئة التدريس وطلبة الجامعة.
ولقد صدر بيان من طلبة الجامعة يؤيدون فيه قرار سحب الثقة قالوا فيه أنه لا ثقة في رئيس يعطي مساحة لداعمي المؤسسة الصهيونية أمام تقليله من قيمة القضية الفلسطينية، ولا ثقة في رئيس لا يفهم أن هذا المكان للتعليم، وأننا لسنا زبائن لديه ولكننا هنا لنتطور كجزء من هذا المجتمع.
***
ولكن مجلس اوصياء الجامعة الامريكية من ناحية أخرى والذى يتخذ من نيويورك مقرا له، وهو الجهة العليا المنوط بها مسئولية إدارة الجامعة، رفض قرار مجلس الشيوخ، بل أثنى على فرانسيس ريتشاردوني، وجدد الثقة فيه، واشاد بقراراته الجوهرية التى تسببت في النجاح الحالي والمستقبلي للجامعة، على حسب ما ورد فى قراره المذكور!
***
· وبعيدا عن ذلك الخطاب الوقح لوزير الخارجية الامريكى التى تحدث فيه وكأنه يلقيه فى (اسرائيل)، فانه يتوجب علينا جميعا ان نقدم كل الدعم الممكن لهيئة التدريس بالجامعة التى وقفت موقفا شجاعا ووطنيا وشريفا، فى مواجهة صلف الحكومة الامريكية واستخباراتها وأدواتها المتمثلة فى "مجلس الاوصياء"، القابع فى نيويورك.
· كما يتوجب على كل الاسر المصرية التى تدفع المصروفات الدراسية لأبنائها بالجامعة بعشرات الالاف من الجنيهات كل عام ان تعرب عن قلقها ورفضها لأن يتلقى اولادهم العلم فى مؤسسة يديرها اشخاص يتبعون ويخضعون لجهات استخبارية اجنبية غير متخصصة فى التعليم وانما فى أمور مثل الاختراق والتجسس والتجنيد والاستقطاب وغسيل العقول وشراء النفوس وهكذا.
· ان فى هيئة تدريس الجامعة الامريكية بالقاهرة نخبة كبيرة من الشخصيات والرفاق والاصدقاء الوطنيين المتميزين فى مجال تخصصهم، كما كان ولا يزال للحركة الطلابية هناك مشاركات هامة واساسية فى كل القضايا والمعارك الوطنية كثورة يناير وقضية فلسطين ومناهضة الصهيونية وغيرها.
· انهم جميعا اخوة وابناء لنا، لا يجب على أى وجه من الوجوه، ان نتركهم يخوضون معركتهم مع الحكومة الامريكية منفردين. خاصة وأن توظيف منبر تعليمى وحرم جامعى يحتضن كل هذه التجمعات الطلابية من أبنائنا، للترويج للسياسات الخارجية الامريكية فى بلادنا، هو امر لا يمكن السكوت عليه من اى مصرى.
*****
القاهرة فى 20 فبراير 2019

17 فبراير 2019

محمد سيف الدولة يكتب: ردا على وارسو .. (اسرائيل) هى العدو



لو كان هناك ما يسمى بالجنسية العربية لوجب سحبها من كل من شارك من الانظمة العربية حكاما ومسئولين ومبعوثين فى مؤتمر وارسو الامريكى الصهيونى وامثاله من ورش ومطابخ التبعية والتطبيع.
***
نقلت لنا وكالات الانباء ان المجتمعين فى وارسو اعلنوا ان ايران هى الخطر الاكبر فى المنطقة. وهو اعلان زائف ومضلل يخفى الاهداف والنوايا الحقيقية للمؤتمر والمؤتمِرِين، فليست ايران هى المستهدف الرئيسى من هذا الجمع البائس رغم كل الكراهية والعداء الذين تكنهما أمريكا و(اسرائيل) وحكام الخليج لها.
فالهدف والعنوان الحقيقى الذى ارادوا تمريره ولكنهم لم يجرأوا على ذكره صراحة رغم كل وقاحتهم وجبروتهم، هو((ان اسرائيل ليست هى العدو، وان المقولات والثوابت العربية القديمة بشان الصراع العربى الصهيونى، ومركزية قضية فلسطين، ورفض أى علاقات أو تطبيع معها قبل قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 ..الخ، قد سقطت كلها واندثرت واصبحت من الماضى. وانه على العكس تماما أصبحت (اسرائيل) فى المنظور العربى الرسمى اليوم، شريكا وحليفا استراتيجيا للانظمة العربية فى مواجهة المخاطر والتهديدات المشتركة))
***
فى مواجهة هذه الترتيبات والتصريحات الجديدة المعلن منها والمضمور، نقول لكل المطبعين الجدد والقدامى فى وارسوان (اسرائيل) لا تزال وستظل هى العدو الرئيسى لكل شعوب المنطقة عربا وفرسا وتركا. انها العدو الاخطر الذى يهددنا جميعا، لا يفوقها فى ذلك سوى الولايات المتحدة الامريكية التى تمثل العدو الدولى الأكثر خطورة علينا وعلى كافة دول العالم، بما فيهم حلفائها الغربيين.
اما هؤلاء الحكام العرب، فلولا انهم يحكمون شعوبهم بالحديد والنار، لما تجرأوا على ارتكاب جريمة الاجتماع باسرائيل والتطبيع والتحالف معها تحت القيادة والقوادة الامريكية فى وارسو.
***
وليعذرنا القارئ الكريم على اضطرارنا لتكرار ما يلى من بديهيات وثوابت عربية، قد يكون هناك من الشباب العربى من يحتاج الى تذكيره بها أو تثبيتها لديه، وسط هذه الارتماء العربي الرسمي فى الأحضان الصهيونية:
· انها (اسرائيل) التى تحتل كل ارض فلسطين بالاضافة الى الجولان، وتفرض قيودا عسكرية وامنية وتسليحية على اراضى عربية فى سيناء ولبنان والاردن، تبلغ مساحتها اضعاف مضاعفة مساحة ما تحتله من اراضى.
· هى التى قامت بالاعتداء على مصر مرتين واحتلت اراضيها بالقوة ولم تعِدها الا بعد توقيع اتفاقية سلام بالاكراه، تم بموجبها تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح الا باذن اسرائيل.
· ولم تسلم أى دولة عربية من اعتداءاتها او تهديداتها من لبنان الى العراق الى تونس الى السودان.
· وحتى حين توقع معاهدات مع اى أطراف عربية فانها لا تلبس ان تغدر بها وتنتهك بنودها وتتنصل من التزاماتها؛ واسألوا ابو مازن الذين ادان "مؤتمر وارسو" ورفض المشاركة فيه: ماذا تفعل معهم (اسرائيل) وكيف تقوم باحتلال واستيطان اراض جديدة فى الضفة الغربية كل يوم؟
· مثلما لم تلتزم أبدا بتنفيذ باى قرار من قرارات الامم المتحدة، التى صدرت لصالح الشعب الفلسطينى منذ عام 1948.
· انها (اسرائيل) التى لم تتوقف عن ارتكاب مذابح القتل والابادة للفلسطينيين منذ قرن من الزمان.
· وتكتنز ماكينة قتل جهنمية من الاسلحة بكل انواعها واصنافها، بينما تحظر على الفلسطينيين اى حق فى امتلاك اى سلاح للدفاع عن انفسهم.
· وتحرم على اللاجئين الفلسطينيين العودة الى اوطانهم بالمخالفة لمقررات الامم المتحدة، بينما تستبيحها لهجرة كل يهود الارض.
· ويعلم اى تلميذ فى المرحلة الابتدائية سبب انشائها، كقاعدة عسكرية واستراتيجية للغرب الاستعمارى تقوم بدور شرطى التأديب والحيلولة دون وحدة العالم العربى.
· لم تكف عن التدخل فى الشئون الداخلية للشعوب العربية، والعمل على اختراقها والتجسس عليها والسعى لتقسيمها، وعلى التحريض دوليا ضد مصالحها، وعلى التحالف والتآمر ضد استقلالها ونهضتها وثوراتها.
· هى التى تحتكر وحدها حق امتلاك وانتاج وتطوير السلاح النووى فى المنطقة، وتحظره مع الامريكان والاوروبيين على غيرها، حتى على تلك الدول والانظمة والحكام من المطبعين معها.
· ناهيك عن الاصرار الامريكى والاوروبى على الحفاظ على التفوق العسكرى الاسرائيلى على الدول العربية مجتمعة.
· انها الدولة الاكثر عنصرية وارهابا فى العالم، انها تماثل وتزيد بالنسبة الينا ما مثلته المانيا النازية من مخاطر وتهديدات بالنسبة للاوروبيين.
· والقائمة تطول.
***
وأخيرا ألا يعلم هؤلاء الاغبياء المجتمعون فى وارسو من اعداء فلسطين ورعاة ودعاة التطبيع والتحالف العربى الاسرائيلى، ما يمكن ان يترتب على تحالفهم العدوانى الشاذ من ردود فعل فلسطينية وعربية، سيكون على رأسها دفع شعوب المنطقة للاسراع بتجميد صراعاتها وتناقضاتها الثانوية؛ قومية كانت أو عقائدية، وتأسيس أحلاف وتحالفات مضادة من كل من يعادى أمريكا و(اسرائيل)، تضم العربى والايرانى والتركى والافغانى والفنزويلى والكوبى والروسى والصينى والكورى الشمالى ...الخ، تعمل على دعم المقاومة الفلسطينية والتصدى للجبروت الامريكى وللعربدة الاسرائيلية، وتطهير المنطقة من كل اتباعهم وعملائهم فى يوم هو اقرب مما يتصورون.
*****
القاهرة فى 16 فبراير 2019

موضوعات مرتبطة:

12 فبراير 2019

محمد سيف الدولة يكتب:التعديلات الدستورية ومصير المعتقلين السياسيين

Seif_eldawla@hotmail.com
من أخطر العواقب المحتملة التى قد تترتب فيما لو تم التمديد للسيد عبد الفتاح السيسى حتى عام ٢٠٣٤ وما بعدها، هو امكانية اتجاه آلاف مؤلفة من الشباب الى خيارات العنف والارهاب.
وذلك بسبب فقدان عشرات الالاف من المعتقلين السياسيين الأمل فى الافراج عنهم وانقاذ ما تبقى لهم من أعمارهم، بالإضافة الى اليأس المميت الذى سيضرب مئات الآلاف من اسرهم وعائلاتهم وأنصارهم من امكانية خروج ذويهم واسترداد حياتهم الطبيعية وانتهاء سنوات الذل والمعاناة الطويلة على بوابات السجون واسوارها. وتيقنهم جميعا من انهم سيقضون نحبهم فى السجون لا محالة خلال الأربعة عشر عاما القادمة.
***
كانوا قبل الاعلان عن هذه التعديلات، ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء فترة الرئاسة الثانية للسيسى، وتولى رئيسا جديدا، ربما يستهل عهده بالافراج عن المعتقلين السياسيين وتفكيك حالة الاحتقان والتوتر الشديدة القائمة فى المجتمع اليوم، واشاعة أجواء من التهدئة والتفاؤل والطمأنينة بين الناس على حياتها وحرياتها، على غرار ما كان يحدث دائما مع كل رئيس جديد. فعلها السادات مع معتقلى الستينات، وفعلها مبارك مع معتقلى "مراكز القوى" عام 1971، ومعتقلى سبتمبر عام 1981، وفعلتها الثورة مع معتقلى مبارك وهكذا.
***
فالأعراف المستقرة فى عديد من دول وانظمة العالم بما فيهم مصر، عبر تجاربها وعصورها المتعددة، ان غالبا ما يكون اول قرارات القادم الجديد هو الافراج عن معارضي سلفه وتدشين صفحة سياسية جديدة معهم بمساحات اوسع من الديمقراطية والحريات ولو الى حين.
***
الى الدرجة التى دفعت بعض المحللين بعد اغتيال السادات الى تصور ان الامريكان هم الذين كانوا وراء هذه الجريمة، بهدف تخفيف التوتر والاحتقان بين النظام المصرى والمعارضة من ناحية وبينه وبين باقى الانظمة العربية من ناحية اخرى، من اجل تمرير اتفاقيات كامب ديفيد داخليا وعربيا.
وهو الامر الذى تحقق بالفعل على ايدى مبارك بعد توليه منصب الرئيس، بصرف النظر عن مدى صحة تلك الروايات المتداولة حول اغتيال السادات.
***
ولقد مررت شخصيا بتجربة مماثلة حين تم اعتقال والدى عليه رحمة الله الدكتور عصمت سيف الدولة ضمن 1536 معتقل من كافة الاتجاهات عام 1981 مع اعتقالات سبتمبر الشهيرة، والذين خرجوا غالبيتهم بعد مقتل السادات باسابيع قليلة. ولا اعلم ماذا كان سيكون موقفى وسلوكى مع النظام فيما لو كان قد قضى نحبه فى سجون السادات.
***
لكل ذلك وغيره، فانه يتم التعامل عادة مع احكام السجن المؤبد والمشدد واحكام الاعدام التى لم تنفذ على انها احكام سياسية مؤقتة، سيتم تخفيفها أو الغاءها والافراج عن المعتقلين والمسجونين سياسيا، مع أى رئيس الجديد.
***
هذا الأمل الذى اخشى من تبخره، كان له بالغ الأثر فى تمسك آلاف مؤلفة من المعتقلين واهاليهم بالصبر وبالعمل السياسى السلمى واللجوء الى القنوات والادوات القانونية والخضوع الكامل لكل اجراءات القبض والاعتقال والتحقيق والمحاكمة والأحكام ولو كانت بالغة القسوة، بالإضافة الى بذل جهود هائلة لكبح جماح الشباب الغاضب الذى يتملكه شعور عميق بالظلم الشديد، لعل وعسى يأتيهم الخير والفرج والافراج فى يوم قريب.
***
وهو الخضوع الذى لن يستمر فى تصورى فيما لو تم التمديد لاربعة عشر سنة اخرى، لعبد الفتاح السيسى الذى تدهورت علاقته بكافة القوى والتيارات السياسية بدون استثناء الى أن وصلت الى نقطة اللاعودة.
***
كان هذا تخوفا جديدا يضاف الى حزمة التخوفات التى ذكرتها فى مقالين سابقين*، اتمنى من الله مخلصا ان تجد آذانا صاغيا وعقلا رشيدا ليأخذها فى الاعتبار مع مثيلاتها من مئات الاعتراضات والتحذيرات التى أطلقها عديد من المفكرين والقانونيين والسياسيين فى الايام الماضية.
*****
القاهرة فى 12 فبراير 2019

* مقالات سابقة:

08 فبراير 2019

محمد سيف الدولة يكتب: تعديلات دستورية ضد الدولة


ان العملية التى انطلقت للتمديد للسيد عبد الفتاح السيسى ليحكم مصر حتى عام 2034 وما بعدها عبر ما يسمى بالتعديلات الدستورية، هى عملية موجهة ضد مصلحة الدولة المصرية بكافة مؤسساتها.
لن أتحدث هنا عن انتهاك الدستور والعدوان على حقوق الشعب وحرياته، والعصف بأبسط اسس ومبادئ النظم الديمقراطية. وانما سيقتصر حديثى على الدولة التى يكرر السيسى دائما ان مهمته الأولى هى تثبيتها والحفاظ عليها وسط محيط اقليمى غارق فى الفوضى والمؤامرات الخارجية.
***
فما هى مصالح مؤسسات الدولة فى ان يتم التمديد لعبد الفتاح السيسى ليحكم مصر وحده اربعة عشر عاما أخرى أو أكثر؟
ليس لاى منها مصلحة فى ذلك، بل ان فيه اضرارا كبيرا بأوضاعها وتهديدا مباشرا لاستقرارها واضطرابا فى مراكزها واهتزازا لمكانتها وتراجعا فى أدوارها ومخاطر قد تنال من امتيازات اعضائها والقائمين عليها.
فليس لمؤسسة القضاء بطبيعة حال اى مصلحة فى ان تفقد ما تبقى لها من استقلال، بموجب التعديلات المطروحة بشأنها، ناهيك على ان سمعتها ستتعرض الى إساءة بالغة وستفقد كثير من الهيبة والثقة والاحترام الشعبى لها، اذا شاركت فى تمرير هذه التعديلات عبر هذا الاستفتاء المزمع عقده، والذى لا يمكن إجراءه وتمريره بدون العدوان الكامل على قواعد النزاهة والشفافية والمصداقية، حيث سيتم تزويره بالضرورة. فما حاجة مؤسسة القضاء ان يقترن بسمعتها وتاريخها تزوير جديد فى الصناديق يتم تحت إشرافها ورقابتها؟
***
واما البرلمان فلا يوجد انسان عاقل فى العالم لا يعلم ان كل زيادة او تركيز لمزيد من السلطات والصلاحيات فى ايدى رئيس الدولة وسلطته التنفيذية يأتى على حساب صلاحيات البرلمان وسلطاته، ليقلصها ويعتدى عليها.
***
اما بالنسبة للقوات المسلحة، فانه فليس لها اى مصلحة فى تركيز السلطات فى ايدى رجل واحد. فمصلحتها حتى فى ظل الحكم العسكرى الكامل فى ان يستمر حكمها العسكرى اطول فترة ممكنة، وان تظل محتفظة بسطوتها وهيمنتها وبامتيازاتها الى ما لا نهاية. ولكن تمديد حكم السيسى الى الأبد سيعرض هذه المكانة وهذه الامتيازات لخطر شديد، وسيجعلها فى مهب الريح، حيث ان المصريين لن يتوقفوا عن مقاومة هذا الوضع بكافة الطرق والادوات. فاذا نجحوا ولو بعد حين فسيقومون بهدم المعبد على من فيه.
وماذا يضير القوات المسلحة ان تختار من بين صفوفها كل ثمانية سنوات رئيسا جديدا لمصر؟ ما مصلحتها ان يحتل رجلا واحدا كرسى الحكم لعشرات السنين؟
ليس لها ادنى مصلحة.
***
اما الشرطة فانه حتى فى ظل حكم الدولة البوليسية، بكل تجاوزاتها وانتهاكاتها للقانون وللحقوق والحريات وتحولها الى اداة قمع للمواطنين وللمعارضين السياسيين، الا انها اكثر من اى مؤسسة اخرى ليس لها اى مصلحة فى ان تتحمل مخاطر هذا الوضع، وتعيش فى ظل تهديدات ومخاطر امنية طول الوقت، وتتورط فى مواجهات مستمرة مع كافة أشكال المعارضة المصرية السلمى منها والعنيف التى ستسعى بكل السبل والطرق الى اسقاط هذا الحكم الفردى المؤبد.
ان وزارة الداخلية تستطيع هى الاخرى ان تحتفظ بكل امتيازاتها ونفوذها وهيبتها، فى ظل تداول لكرسى الحكم وتغير للرؤساء وتعددهم.
***
وكذلك اجهزة المخابرات والأمن القومى التى ستواجه مزيدا من الصعاب والتحديات والاختراقات نتيجة زيادة أنشطة الاستخبارات الاجنبية التى دائما ما تتعيش وتقتات على الغضب العميق والمكتوم فى ظل انظمة الحكم الديكتاتورية المؤبدة التى لا تترك لشعوبها اى أمل فى المستقبل، مما يدفع بعض حركات المعارضة للدعم الخارجى والاستقواء بالخارج.
***
فاذا أضفنا هذه المؤسسات الى جموع الشعب المصرى بكافة طبقاته وفئاته وطاقاته الفكرية وقواه وحركاته الوطنية والسياسية، فسنجد ان الكل فى مصر خسران، فيما عدا رجل واحد ومن حوله من بطانة قليلة مهما زادت فستكون محدودة العدد.
***
وليقل لنا أى من رجال الدولة أو خبرائها الاستراتيجيون: ما هى الفوائد التى عادت على القوات المسلحة من استمرار مبارك فى الحكم كل هذه المدة؟ او تلك التى نالتها الشرطة التى دفعت أثماناً فادحة من هيبتها وسطوتها نتيجة ثورة يناير التى تفجرت ضد مشروعات التمديد لمبارك او التوريث لجمال؟ او القضاء التى شهد اضطرابا شديدا وتدخلا سافرا فى شئونه ودوائره واحكامه بذريعة فرض النظام وانقاذ مصر من الفوضى؟ او الأمن القومى الذى كان فى مهب الريح؟
وما الذى حدث لكل قادة مؤسسات مبارك بعد الثورة؟
***
اذا كان ذلك كذلك فلماذا يقبل كل هؤلاء المشاركة فى مهزلة دستورية سيكونون هم اول ضحاياها؟
ولماذا يدعمون ترتيبات وسياسات ستعمل ضد مصالحهم وضد استقرارهم على المدي المتوسط والبعيد؟ بل ربما أقرب من ذلك بكثير.
*****
القاهرة فى 8 فبراير 2019

زهير كمال يكتب: التطبيق العملي لصفقة القرن

في تصريح لافت للانتباه قال محمود عباس إنه لا يريد أن ينهي حياته خائناً إذا وافق على صفقة القرن. وتصريح كهذا يثير الدهشة فعلاً ويطرح تساؤلاً عن تعريف الخيانة.
لا نعرف ماذا نسمي قتل واعتقال وتسليم المقاومين الى الاحتلال الإسرائيلي.
وهذا غيض من فيض من ممارسات غير مفهومة مارسها الرجل منذ اتفاق أوسلو وأدت الى السماح للمستوطنين بزيادة أعدادهم أضعافاً مضاعفة في الضفة الغربية بحيث أصبحت مثل قطعة الجبنة الفرنسية المليئة بالفقاقيع.
ولكن لن نلوم محمود عباس على تخاذل بعض الأنظمة العربية التي تسارع الى إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني تحت مظلة أن الفلسطينيين يقيمون هذه العلاقة وينسقون معها.
كثير من المحللين حلل صفقة القرن ونظّر لمحتوياتها.
علمياً عندما تصادف مشكلة معقدة فان أفضل عمل تقوم به هو تقسيم المشكلة الى عدة أقسام ومحاولة إيجاد حل لكل قسم على حدة، ويبدو أن ترامب وإدارته اهتدوا الى هذا الموضوع ويريدون تطبيقه على القضية الفلسطينية خدمة لإسرائيل.
يندرج تبسيط وتفكيك القضية الفلسطينية على النحو التالي:
1. اللاجئين : ينبغي توطينهم في بلاد اللجوء الموجودين فيها، هناك مشكلة وجود الأونروا وهي هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين المنبثقة عن الأمم المتحدة، وهذه الهيئة تشكل عامل توحيد لفلسطينيي الشتات، فهي تضعهم تحت مظلة واحدة، وأفضل حل هو إنهاء وجودها، وقد قامت أمريكا بسحب التمويل السنوي لها ولم يتبرع أحد من العرب الأثرياء لتعويض النقص رغم أنه مبلغ ضئيل ولكن من الذي يهتم بحياة عدة ملايين من البشر.
2. الدولة الفلسطينية المقترحة في اتفاقات أوسلو: وهذه الدولة مكونة من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عاصمة لها، وبما أنه ليس هناك أعطيات مجانية في السياسة الدولية فمن الأفضل تفكيك وإنهاء هذا الوضع عن طريق:
أولاً: حل مشكلة العاصمة المقترحة باعتراف الولايات المتحدة بقدس موحدة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وقد تم تنفيذ هذا الجزء بنجاح والاعتراضات التي قام بها الفلسطينيون والعرب مقبولة وتحت السيطرة الأمريكية.
ثانياً: فصل الضفة الغربية عن غزة، وتصبح عندنا هنا مشكلتان صغيرتان، مشكلة اسمها الضفة الغربية ومشكلة أخرى اسمها غزة وينبغي حل كل مشكلة على انفراد، ففي الضفة الغربية ينبغي على الفلسطينين المتواجدين فيها القبول بالاستيطان الإسرائيلي فيها ولا بأس من إعطائهم بعض الكانتونات الصغيرة في الأماكن ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وعملياً فليس هناك من سلطة للفلسطينيين على الموارد الطبيعية أو الحدود أو غير ذلك من مقومات السيادة، وعليهم القبول بما يعرض عليهم. ( رئيس السلطة نفسه يأخذ تصريحاً من الحاكم الإسرائيلي للسفر الى خارج الضفة)، أما غزة فهناك مشكلة تواجد حركات مقاومة فيها في منطقة مكتظة بالسكان، وتقوم حركات المقاومة بالمشاغبة على إسرائيل ولكن يبقى موضوعها تحت السيطرة ولا تستطيع إحداث قفزة نوعية في توازن القوى، والزمن كفيل بإنهاء وجودها باستمرار الحصار والتجويع الذي سيتسبب بانفجار الوضع الداخلي هناك.
ورغم أن هذه العملية تحتاج الى وقت طويل في التنفيذ إلا أن الخطوات الحثيثة تسير بشكل منظم ومتواصل، وهنا يلعب محمود عباس الدور الأكبر في تنفيذ هذه المهمة، وسأترك للقارئ الحكم إذا كان ما يقوم به الرجل هو بحسن نية أو بسوء نية.
بداية يوهمنا محمود عباس بأنه يعترض على صفقة القرن ويصفها بأنها صفعة القرن ولكن ماذا يفيد الاعتراض الكلامي؟ هل يستطيع تغيير الواقع على الأرض؟
كانت البداية في حل المجلس التشريعي وهي علاقة قانونية وشعبية هامة كانت تربط الضفة بغزة، وصحيح أن محمود عباس قد عطل عمل المجلس منذ عام 2010 ليحكم منفرداً أسوة بنظرائه الحكام العرب، ولكن المجلس كان رمزاً هاماً من رموز الوحدة بين غزة والضفة.
قام ثلاثة أعضاء من حركة محمود عباس بالطلب من المحكمة الدستورية حل المجلس نظراً لانتهاء مدته، فنظرت المحكمة الى الموضوع من ناحية قانونية خالصة وقامت بتلبية الطلب، ولم تنظر المحكمة الى توقيت الطلب مثلاً والى العواقب السياسية لما تنوي عمله، ولم تعلن المحكمة عن قرارها بل أعلنه محمود عباس بنفسه ضمن جملة قرارات من بينها تقديم طلب لإلغاء اتفاق باريس التجاري مع إسرائيل، كان يريد تمرير الموضوع على أنه روتين عادي، ثم وعد بانتخابات خلال ستة أشهر ولكن هذه الانتخابات لن تأتي أبداً. يشبه ذلك اللجان التي يشكلها لامتصاص الغضب الشعبي، لجان لن تقدم تقريرها أبداً، وأصدق مثل هو لجنة التحقيق في اغتيال عرفات.
في خطوة لافتة أيضاً أقال محمود عباس ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني والمفترض أنها تمثل الضفة وغزة، وسيقوم بتاليف حكومة الفصيل الواحد، وهذا يعني الفصل النهائي بين الضفة الغربية وغزة.
وهذه هي أهم نقطة في صفقة القرن، فستشهد الأشهر والسنوات القادمة انفراد إسرائيل بالضفة الغربية، ومن بين ذلك إنهاء السلطة الفلسطينية فلم تعد بحاجة الى الدور الذي تقوم به وسيتم معاملة السكان مثل معاملة فلسطينيي الجليل الذين يطلق عليهم اسم ( عرب 1948 ) .
المشاهد الدراماتيكية المؤلمة لما يحاك للمصير الفلسطيني سببه تراخي حركة المقاومة بمختلف فصائلها عن اتخاذ موقف حاسم من محمود عباس فهي تمسك بالعصا من الوسط، فهي تشاهد الواقع الفلسطيني يسير من سيء الى أسوأ على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ثم لا تفعل شيئاً سوى همهمات بسيطة أن ما تفعله السلطة ومحمود عباس خطأ ويحثونه على التراجع عن قراراته التي يتخذها. سمعوه وهو يطلب من قواته اطلاق الرصاص وقتل من يحمل صاروخاً فسمعناهم يطلبون وقف التنسيق الأمني الذي يعتبره عباس مقدساً .
ألم يؤدّ التنسيق الأمني الى وضع المقاومين في السجون أو تسليمهم الى إسرائيل أو قتلهم بدم بارد؟ أليست أرواح زهرة شباب فلسطين غالية على فصائل المقاومة؟ وهل يكفي أن نصفهم بالشهداء على طريق المقاومة والتحرير ولا يؤخذ ثأرهم من المتسببين في استشهادهم؟
لعل الشهيد أشرف نعالوة خير مثل على مدى خطورة ما يفعله عباس والشرذمة التي تحيط به. فقد قام الشهيد بعملية فدائية ضد العدو الصهيوني، واختفى بين الجماهير مثلما تختفي السمكة في الماء، وقد كان من الممكن لأشرف الزواج وإنجاب أطفال مقاومين دون أن تستطيع أية قوة على الأرض كشف هويته أو مكانه. ولكن بهمة عملاء عباس تم اكتشاف مكان الشاب بعد أكثر من شهرين من اختفائه.
لم يأخذ أحد عبرة من الثورة الجزائرية وكيف انتصرت، فهي كانت تصفي الخونة والمتعاونين أولاً بأول دون رحمة أو شفقة، وكانت تسميهم الحركيين نسبة الى حركة مصالي الحاج، فلا صوت يعلو فوق صوت الثورة.
إن التراخي الذي نشاهده عند شعب فلسطين انعكس على الشعوب العربية التي أصابها اليأس، وما فعله عباس وسلطته قد أخر القضية الفلسطينية عشرات السنين وأعجب من هؤلاء الذين ما زالوا يأملون ويطالبونه بتغيير مواقفه.