ان العملية التى انطلقت للتمديد للسيد عبد الفتاح السيسى ليحكم مصر حتى عام 2034 وما بعدها عبر ما يسمى بالتعديلات الدستورية، هى عملية موجهة ضد مصلحة الدولة المصرية بكافة مؤسساتها.
لن أتحدث هنا عن انتهاك الدستور والعدوان على حقوق الشعب وحرياته، والعصف بأبسط اسس ومبادئ النظم الديمقراطية. وانما سيقتصر حديثى على الدولة التى يكرر السيسى دائما ان مهمته الأولى هى تثبيتها والحفاظ عليها وسط محيط اقليمى غارق فى الفوضى والمؤامرات الخارجية.
***
فما هى مصالح مؤسسات الدولة فى ان يتم التمديد لعبد الفتاح السيسى ليحكم مصر وحده اربعة عشر عاما أخرى أو أكثر؟
ليس لاى منها مصلحة فى ذلك، بل ان فيه اضرارا كبيرا بأوضاعها وتهديدا مباشرا لاستقرارها واضطرابا فى مراكزها واهتزازا لمكانتها وتراجعا فى أدوارها ومخاطر قد تنال من امتيازات اعضائها والقائمين عليها.
فليس لمؤسسة القضاء بطبيعة حال اى مصلحة فى ان تفقد ما تبقى لها من استقلال، بموجب التعديلات المطروحة بشأنها، ناهيك على ان سمعتها ستتعرض الى إساءة بالغة وستفقد كثير من الهيبة والثقة والاحترام الشعبى لها، اذا شاركت فى تمرير هذه التعديلات عبر هذا الاستفتاء المزمع عقده، والذى لا يمكن إجراءه وتمريره بدون العدوان الكامل على قواعد النزاهة والشفافية والمصداقية، حيث سيتم تزويره بالضرورة. فما حاجة مؤسسة القضاء ان يقترن بسمعتها وتاريخها تزوير جديد فى الصناديق يتم تحت إشرافها ورقابتها؟
***
واما البرلمان فلا يوجد انسان عاقل فى العالم لا يعلم ان كل زيادة او تركيز لمزيد من السلطات والصلاحيات فى ايدى رئيس الدولة وسلطته التنفيذية يأتى على حساب صلاحيات البرلمان وسلطاته، ليقلصها ويعتدى عليها.
***
اما بالنسبة للقوات المسلحة، فانه فليس لها اى مصلحة فى تركيز السلطات فى ايدى رجل واحد. فمصلحتها حتى فى ظل الحكم العسكرى الكامل فى ان يستمر حكمها العسكرى اطول فترة ممكنة، وان تظل محتفظة بسطوتها وهيمنتها وبامتيازاتها الى ما لا نهاية. ولكن تمديد حكم السيسى الى الأبد سيعرض هذه المكانة وهذه الامتيازات لخطر شديد، وسيجعلها فى مهب الريح، حيث ان المصريين لن يتوقفوا عن مقاومة هذا الوضع بكافة الطرق والادوات. فاذا نجحوا ولو بعد حين فسيقومون بهدم المعبد على من فيه.
وماذا يضير القوات المسلحة ان تختار من بين صفوفها كل ثمانية سنوات رئيسا جديدا لمصر؟ ما مصلحتها ان يحتل رجلا واحدا كرسى الحكم لعشرات السنين؟
ليس لها ادنى مصلحة.
***
اما الشرطة فانه حتى فى ظل حكم الدولة البوليسية، بكل تجاوزاتها وانتهاكاتها للقانون وللحقوق والحريات وتحولها الى اداة قمع للمواطنين وللمعارضين السياسيين، الا انها اكثر من اى مؤسسة اخرى ليس لها اى مصلحة فى ان تتحمل مخاطر هذا الوضع، وتعيش فى ظل تهديدات ومخاطر امنية طول الوقت، وتتورط فى مواجهات مستمرة مع كافة أشكال المعارضة المصرية السلمى منها والعنيف التى ستسعى بكل السبل والطرق الى اسقاط هذا الحكم الفردى المؤبد.
ان وزارة الداخلية تستطيع هى الاخرى ان تحتفظ بكل امتيازاتها ونفوذها وهيبتها، فى ظل تداول لكرسى الحكم وتغير للرؤساء وتعددهم.
***
وكذلك اجهزة المخابرات والأمن القومى التى ستواجه مزيدا من الصعاب والتحديات والاختراقات نتيجة زيادة أنشطة الاستخبارات الاجنبية التى دائما ما تتعيش وتقتات على الغضب العميق والمكتوم فى ظل انظمة الحكم الديكتاتورية المؤبدة التى لا تترك لشعوبها اى أمل فى المستقبل، مما يدفع بعض حركات المعارضة للدعم الخارجى والاستقواء بالخارج.
***
فاذا أضفنا هذه المؤسسات الى جموع الشعب المصرى بكافة طبقاته وفئاته وطاقاته الفكرية وقواه وحركاته الوطنية والسياسية، فسنجد ان الكل فى مصر خسران، فيما عدا رجل واحد ومن حوله من بطانة قليلة مهما زادت فستكون محدودة العدد.
***
وليقل لنا أى من رجال الدولة أو خبرائها الاستراتيجيون: ما هى الفوائد التى عادت على القوات المسلحة من استمرار مبارك فى الحكم كل هذه المدة؟ او تلك التى نالتها الشرطة التى دفعت أثماناً فادحة من هيبتها وسطوتها نتيجة ثورة يناير التى تفجرت ضد مشروعات التمديد لمبارك او التوريث لجمال؟ او القضاء التى شهد اضطرابا شديدا وتدخلا سافرا فى شئونه ودوائره واحكامه بذريعة فرض النظام وانقاذ مصر من الفوضى؟ او الأمن القومى الذى كان فى مهب الريح؟
وما الذى حدث لكل قادة مؤسسات مبارك بعد الثورة؟
***
اذا كان ذلك كذلك فلماذا يقبل كل هؤلاء المشاركة فى مهزلة دستورية سيكونون هم اول ضحاياها؟
ولماذا يدعمون ترتيبات وسياسات ستعمل ضد مصالحهم وضد استقرارهم على المدي المتوسط والبعيد؟ بل ربما أقرب من ذلك بكثير.
*****
القاهرة فى 8 فبراير 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق