04 فبراير 2018

محمد سيف الدولة يكتب : هل دنس سلاح الطيران الصهيونى سيناء؟



لماذا لم تصدر مصر تكذيبا رسميا؟
وكيف تسمح بانتهاك سيادتها الوطنية؟ وعلى يد العدو الصهيونى؟
ولماذا تلجأ مصر لاسرائيل؟ ولا تقوم بتوجيه هذه الضربات العسكرية بنفسها؟
ولماذا تسمح بتبييض وجه الجماعات الارهابية وتظهرها بمظهر المعادى لاسرائيل؟
وهل سنعلم اولادنا فى المدارس ان اسرائيل تساعدنا فى سيناء؟

***
لم يصدر أى بيان رسمى مصرى لتكذيب ما ورد فى التحقيق الصحفى المنشور فى نيويورك تايمز بتاريخ 3 فبراير 2018، عن قيام الطيران الاسرائيلى بتوجيه ضربات للجماعات الارهابية فى سيناء بموافقة مصرية صادرة من عبد الفتاح السيسى.
مصر الرسمية التى دأبت على اصدار بيانات التكذيب لعشرات المقالات والتقارير الاجنبية بما فيها تلك التى تصدر من الامم المتحدة، والتى تنتقد حقوق الانسان فى مصر وآخرها تقرير النيويورك تايمز حول التسريبات التليفونية عن توجيه أجهزة الأمن للاعلاميين، التزمت الصمت تماما تجاه التحقيق المذكور.
بما يرجح صحة ما ورد فيه حتى اشعار آخر، ويؤكد مرة أخرى على الحرص الشديد لدى السلطة المصرية الحالية على عدم اغضاب (اسرائيل)، وعدم التجرؤ على نفى ما تقوم بتسريبه من حين لآخر عن عمق العلاقات الامنية والعسكرية بينهما. هذا الحرص العميق الذى ذهب بعبد الفتاح السيسى الى إهانة الشعب المصرى وجنوده وشهداءه ونضاله بالادعاء فى خطابه فى الذكرى السنوية الأخيرة لنصر اكتوبر بأن مصر حاربت فى 1973 من اجل السلام! وكأنه يقدم اعتذارا ضمنيا للاسرائيليين عن مشاركته فى ذكرى الاحتفال بقتالهم والانتصار عليهم.
وهى ذات الدوافع التى جعلته فى خطابه السنوى الاخير بالأمم المتحدة يشيد بنتنياهو كرجل سلام مع قيامه فى المقابل بتشويه الفلسطينيينالذين قال ان عليهم أن يثبتوا للعالم انهم يريدون السلام، والأمثلة متعددة على ما أسميناه فى عديد من الكتابات بالعصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية.
***
ماذا يمكن أن نقول عن هذه الكارثة الوطنية الكبرى اذا كانت قد حدثت بالفعل؟
أى كلمات تلك التى يمكن ان نسطرها لوصف السماح لطائرات العدو الصهيونى التى قتلت مئات المصريين وآلاف الفلسطينيين والعرب، ودمرت الطائرات والمطارات المصرية فى 1967، وارتكبت مذابح بحر البقر ومصنع ابو زعبل، ان تعربد فى المساء المصرية بمباركة من رئيس الدولة.
وهذا العدو الذى لا يزال يحتل ارض فلسطين، ولم تمر سوى اسابيع قليلة على جريمته الكبرى المشتركة مع الامريكان للاستيلاء على مدينة القدس الشريف وما تبقى من فلسطين؟
المسألة لا تحتاج الى تعليق، فالصدمة والرفض والغضب والامتعاض الشديد قد أصاب كل من قرأ الخبر أو علم به.
ولكننى أود هنا أن ابدى ثلاث ملاحظات رئيسية:
الأولى هى ان اكبر دعم يمكن ان يقدمه السيسى للجماعات الارهابية فى سيناء، هو بسماحه للطيران العسكرى (الاسرائيلى) بان يقصفهم. لسبب واضح وبسيط وهو ان الصهاينة فى الوجدان الشعبى المصرى والعربى هم دائما الأشرار، و ضحاياهم هم دائما الاخيار ايً كانت هوياتهم او مرجعياتهم.
وبالتالى سيتعاطف الناس على الدوام مع من تقصفه الطائرات الاسرائيلية. واذا تم تخييرهم بين دعم الجماعات الارهابية ودعم "الضربات المصرية الاسرائيلية المشتركة" فينحازون الى الطرف الاول حتى ولم تواتهم الجرأة على اعلان ذلك.
لقد كنا دائما ما نهاجم الجماعات الارهابية لأنهم يقتلون الجنود المصريين ولا يوجهون رصاصاتهم الى العدو الصهيونى الذى يبعد عنهم امتارا قليلة، ونتهمهم انهم ليسوا سوى أصابع شريرة للاستخبارات الصهيونية، فجاءت رواية نيويورك تايمز لتقول عكس ذلك، فهل من مُكذب؟
***
الملاحظة الثانية والاهم هى انه اذا صدقت الرواية، ويا ليتها لا تصدق، فان السؤال الأول الذى يتبادر الى الذهن، هو لماذا تحتاج مصر الى الطيران الاسرائيلى ليقوم بمهامها العسكرية نيابة عنها؟ ولماذا لا تقوم قواتها وطيرانها العسكرى المصرى بتوجيه هذه الضربات منفردة؟
والاجابة المعلومة لكل المتخصصين والمحجوبة على غالبية المصريين، هى أن (اسرائيل) للاسف تفرض قيودا حديدية على اعداد وتسليح الجيش المصرى فى سيناء بموجب الملحق الامنى من اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية، ومن الواضح، ان صدقت الرواية المذكورة، ان (اسرائيل) ورغم ما يدعيه كل من نتنياهو والسيسى من عمق العلاقات، لا تزال ترفض حلحلة هذا القيود واطلاق يد مصر وحريتها فى نشر واستخدام ما تريده من قوات وطائرات ومطارات واسلحة لفرض الأمن والاستقرار فى سيناء.
فهى تقيد قواتنا وتسليحنا وتمنعنا من الدفاع عن اراضينا وحمايتها كما ينبغى، لتتقدم هى للقيام بهذا الدور. يا للعار.
***
الملاحظة الأخيرة، هى أن استمرار صمت نخبة مصر ومفكريها وقواها الوطنية الحية عن سياسات الاقتراب والتحالف المصرى الاسرائيلى غير المسبوقة التى يقودها السيسى والتى فاقت عصرى السادات ومبارك بمراحل، ستكون بمثابة مشاركة ومباركة منهم فى عملية، تجرى على قدم وساق، لاختراق وتضليل الرأى العام المصرى والأجيال الجديدة، بهدف إعادة تشكيل وعيه وضرب وتصفية ثوابته الوطنية المستقرة تمهيدا لتمرير تطبيع شعبى مع العدو الصهيونى، عجزت جماعة كامب ديفيد على امتداد 40 عاما على تمريره.
فهل هناك من يود أن يرى شباب مصري يقع فى غرام (اسرائيل) ويحتفى يوما ما، بقواتها الطيبة التى تساعدنا فى تحقيق الأمن فى سيناء؟ انتبهوا أيها السادة.
***
وفى الختام سنظل ننتظر صدور تكذيبا رسميا من السلطة المصرية.
*****
القاهرة فى 4 فبراير 2018

زهير كمال يكتب : على عينك يا تاجر


كثير من أفعال الحكام العرب تتسم بقلة الحياء مما يذكرني بكلمة البجاحة في الدارجة المصرية ، وهناك تعبير دارج آخر ينطبق على أفعالهم وهو ( على عينك يا تاجر) ،  أي السرقة جهاراً نهاراً أمام أعين الناس.
والأمثلة كثيرة ، ولكن فيما يلي مثلان صارخان على ذلك.
1. انتخابات الرئاسة المصرية
 منعت السلطة مرشحيْن عسكرييْن بالضغط والتخويف وحتى الاعتقال ، أحمد شفيق  الذي أحضر عنوة من الإمارات وتم إقناعه بالطرق المألوفة بالعدول عن الترشح ،  أما الفريق سامي عنان فقد تم اعتقاله لمجرد إعلان نيته في الترشح.
وهكذا عبر السيسي عن رغبته في عدم وجود منافسة حقيقية لانتخابه لفترة ثانية، وهو تمهيد لتعديل الدستور عند قرب انتهائها لاستمراره فترة ثالثة ورابعة وخامسة، هذا بالطبع إن لم ينفجر بركان الغضب الكامن عند الشعب المصري والذي يزداد تأججاً يوماً بعد يوم.    
ووجود مرشحين من العسكر على هذه الدرجة من الأهمية يضطر مؤسسات الدولة التي تميل في العادة لتأييد الرئيس الموجود على رأسها الى الوقوف على الحياد نوعاً ما، وربما كنا سنشهد انتخابات إعادة بين السيسي وأحد المرشحين.
كان رعب السيسي من مرشحي العسكر قوياً،  فلن يخجل هؤلاء من تعداد الخطايا التي ارتكبها سياسياً واقتصادياً، وأكثر من ذلك تفريطه في الأرض المصرية وتعريض الأمن الاستراتيجي المصري للخطر بإهدائه جزيرتي تيران وصنافير للنظام السعودي، كما أن إهماله لملف سد النهضة وعدم فرض حصة مصر من مياه النيل التي تنص عليها الاتفاقات التاريخية القديمة وترحيل المشكلة الى المستقبل سيخلق مشاكل قد تؤدي الى حروب عندما يتم تعطيش مصر التي لم يعد أحد في أفريقيا أو غيرها يحسب لها حساباً .
السيسي هو نموذج لديكتاتور قاس ابتليت به الشعوب قديماً وعادة ما تم التخلص منهم بالثورات الشعبية ، كان تأثيرهم ضاراً جداً على شعوبهم فقد أوقفوا تقدمها فترة حكمهم واحتاج الأمر الى عنف وتضحيات جمة، وكانت معاناة هذه الشعوب وآلامها كبيرة ، الفقر والجوع والبطالة والمرض كانت لازمة اثناء فترة حكمهم وصفوة الشعب توضع في السجون لأتفه الأسباب.
ما يزيد على ذلك في حالة السيسي هو الغباء المطلق من الناحية الشخصية،  وربما كان يصلح لخمسينيات القرن الماضي، ولكن في عصر الانترنت والإعلام البديل فهو مكشوف لكل الناس، ولكن تبقى المشكلة نفسها وهي صعوبة تنظيم وتوحيد الشعب للقيام بعمل مضاد للتخلص من الدكتاتورية .
إضافة للغباء، فالسيسي لا يعيش عصره، فلو افترضنا أن الرجل سمح لكل المرشحين عسكريين ومدنيين بالتقدم وترشيح أنفسهم ، فإنه وعلى أقل تقدير سيكون هناك عشرة مرشحين ، وبالطبع سيكون هذا تنفيذاً للوعود التي قطعها على نفسه عنما قام بانقلابه، وسيعطي هذا العمل المفترض الثقة للناخبين وسينشط الحياة السياسية الميتة وقد يعطي الناخبون فرصة ثانية للسيسي لمجرد سماحه بحرية الترشح، والدولة كلها تعمل على فوزه كالعادة في دول العالم الثالث. وبهذا العمل البسيط يمكن القول إنه سيكسب احترام العالم، ولكن قبل كل شيء احترامه لنفسه أولاً. 
يشعر السيسي بالحلقة تضيق على رقبته، ففي خطابه الأخير ما عليك سوى استبدال كلمة السيسي بكلمة ( مصر ) لتشعر بمدى خوفه من المصير المحتوم.
2. سجن سبعة نجوم
مع النظام السعودي وولي العهد الشاب محمد سلمان لن أتكلم عن شراء اليخت الروسي والقصر الفرنسي واللوحة الإيطالية وإهدار المال العام على عينك يا تاجر، فالحساب على هذا المال هو مسؤولية أصحابه ، أهل الجزيرة العربية عندما يستفيقون من إغماءتهم ويبدأون بالسؤال عن أموالهم التي تصرف الآن بغير حسيب أو رقيب. 
ولكن سأتكلم عن فندق الريتز كارلتون الذي تحول الى سجن لكبار الأمراء ومسؤولي الدولة بتهمة الفساد ، وهي بلا شك تهمة كبيرة تؤدي بمن تثبت عليهم التهم الى مصادرة أموالهم وسجنهم.
ومعلوم للجميع أن الفساد يزكم الأنوف في مملكة الرمال منذ تأسست وحتى يومنا هذا، فعن العمولات والسمسرة والمحسوبية والوساطة حدث ولا حرج. فليس هناك صفقة بدون عمولة وليس هناك عطاء بدون مال يدفع تحت الطاولة وأحياناً فوقها على عينك يا تاجر.
ذكرت في مقال سابق - متغيرات الجزيرة العربية - عند بدء اعتقال الأمراء أن الهدف هو تجميع المال وليس المحاسبة على الفساد، وهذا ما حدث فعلاً . فلم يصرح المدعي العام أو مسؤول مكافحة الفساد محمد سلمان ولي العهد بما يحدث، رأينا أناساً مهمين يجمعون في الفندق المعتقل ورأيناهم يخرجون منه ، وبعضهم رجع الى عمله كأن شيئاً لم يكن. ولم نسمع عن تبرئة أحدهم من تهمة الفساد التي اعتقلوا من أجلها ، أي أن سيف التهمة ما زال مسلطاً فوق رقابهم. وليس هناك من دولة تبتز مواطنيها هكذا ، والسبب أن مملكة الرمال هذه ما زالت في عصر القبيلة ولن ترتقي الى مرحلة الدولة أبداً طالما بقي هؤلاء الرجال على رأسها.
في الدولة توجة التهمة الى مواطنها بشكل واضح ، قد يأمر القاضي بحبس المتهم أربعة ايام على ذمة التحقيق وقد يتم تمديدها الى أربعة ايام أخرى يتم بعدها إطلاق سراحه إن لم تثبت التهمة عليه أو يتم تحويله الى المحكمة. ولكن بما أن الموضوع خارج عن المألوف في القبيلة ، فإن من حق الفرد العادي فيها أن يعامل نفس المعاملة التي لقيها الأمراء.
إذا قبض عليه مثلاً في سرقة بسيطة أو حادث سير أو ما شابه ، فإن من حقه أن يطلب تحويله الى فندق الريتز كارلتون حتى تتم تسوية وضعه . ولكن على عينك يا تاجر ، الأمراء وكبار القوم لهم فندق الريتز كارلتون وباقي الشعب لهم الله.
قبائل كهذه لا تستمر الى الأبد، فهم خارج العصر وخارج التاريخ، والشعوب في عصر المعرفة تعرف وربما تنتظر اللحظة المناسبة لتغيير حالها البائس.
فالفجر دائماً قادم لا محالة

03 فبراير 2018

محمد سيف الدولة يكتب: انتخابات بالإكراه

بالإكراه سيقوم عبد الفتاح السيسى باعتلاء مقاليد الحكم فى مصر لأربع سنوات أخرى على الاقل، بالانتهاك والتحدى لكل القواعد والممارسات الدستورية والقانونية والسياسية المنظمة لأى انتخابات حقيقية نزيهة، ليعيد الى مصر ما قد انقطع على أيدى ثورة يناير، من احتكار رجلا واحدا لراس كل السلطات الى ما شاء الله.
***
كانت الصورة فى الأيام الماضية شديدة الوضوح؛ اعتقال وتشويه سامى عنان، الاعتداء البدنى على هشام جنينة، توقيف وترحيل وتهديد احمد شفيق، تلفيق قضية ماسة بالشرف لخالد على، الحكم بالسجن 6 سنوات على أحمد قنصوة، اختيار مرشح صورى لتحليل وشرعنة الانتخابات، كلمات التهديد والوعيد الصريحة التى وردت فى خطابه يوم الأربعاء 31 يناير الجارى، والتى شن فيها هجوما حادا على ثورة يناير، وأضاف القوى المدنية لأول مرة الى قائمة "أهل الشر" الذى يتحدث عنهم كثيرا، والتى كانوا حتى تاريخه يقتصرون على الاخوان المسلمين، واتهم كل المعارضة بالجهل فى شئون الدولة وعدم الصلاحية للمشاركة فى الحكم أو حتى ابداء الرأى، واتهمها بتهديد أمن مصر واستقرارها، وتوعدها باتخاذ اجراءات بوليسية ضدها تماثل مع ما فعله مع الاخوان المسلمين..الخ
مع ما واكب كل ذلك على امتداد عدة اسابيع من توظيف كل مؤسسات الدولة وكبار رجالها وكافة موظفيها لجمع توقيعات لحملة "علشان تبنيها" بالاضافة الى مئات الالاف من تفويضات الترشيح التى يكفى 25 الف منها، قيام اكثر من 500 نائب من برلمان الاجهزة الامنية لتفويض السيسى، هرولة كل الصحف والقنوات الفضائية لشيطنة اى مرشح جديد بمجرد ان يعلن عن نيته على خوض انتخابات الرئاسة.
***
ولكننا لم نكن نحتاج الى الانتظار الى ما قبل الانتخابات الرئاسية 2018 لكى نكتشف نية السيسى للتلاعب بها والاستيلاء على حكم مصر بلا منازع، فلقد كانت الحكاية واضحة وجلية منذ الايام الأولى لظهوره فى المشهد السياسى وقيامه وباقى جماعة الثورة المضادة، بسلسلة من السياسات والاجراءات التى مهدت لما نحن فيه اليوم :
· تجريد الشعب المصرى من السلاح الوحيد الذى كان يمتلكه لمواجهة استبداد السلطة وجبروتها، بتجريم الحق فى التظاهر الذى انتزعته ثورة يناير بعد عقود من الحظر، ودفعت في سبيله اثمانأً باهظة من الدماء والشهداء. والزج بمئات من "الجناح المدنى" من شباب الثورة فى السجون والمعتقلات، ناهيك عن عشرات الآلاف من الاسلاميين.
· تصفية اى وجود لشخصيات أو احزاب أو اطراف محسوبة على ثورة يناير، من اجهزة الدولة والحكومة، فتتم اقالة وزارة حازم الببلاوى التى تشكلت بعد 3 يولية 2013 والتى كانت تضم شخصيات محسوبة على ثورة يناير مثل كمال ابو عيطة وحسام عيسى، بعد ان استنفذ اغراضه منها، واستخدمها كغطاء وساتر لبضعة شهور ليخفى نواياه بالعصف بشركائه وحلفائه فى جبهة 30 يونيو، واقصائهم من الحياة السياسية.
· مع فرض حصار امنى وسياسى وإعلام على احزابهم وقياداتهم، وإغراق المشهد بأحزاب ديكورية تابعة، تأتمر بأوامر الأجهزة الأمنية.
· تسييس الاحكام القضائية وصدور احكام ادانة بالمؤبد والإعدام بالجملة، وتوسيع مدد الحبس الاحتياطى الى ما شاء الله، لتكون سيفاً على رقاب اى معارضة سياسية.
· عودة التعذيب بأبشع صوره، واستحداث ظاهرة اجرامية جديدة لم يرها المجتمع المصرى من قبل، وهى ظاهرة الاختفاء القسرى.
· انحياز الدولة له انحيازاً كاملاً فى الانتخابات الرئاسية 2014 مع التلاعب فى نتائجها، وعلى الاخص فى أعداد المشاركين والناخبين، لكى يدعى انه حصل على نسب مشاركة وتأييد لم تحدث فى انتخابات 2012.
· تكليف الاجهزة الامنية بتشكيل برلمان موالى تماما للسيسى ومعادى لثورة يناير، مع استبعاد اى شخصيات تتسم بقدر ولو قليل من احترام الذات واستقلالية القرار، الى درجة استبعاد شخصيات عامة كانت ضمن الحملة الرئاسية الاولى للمشير.
· تأميم الاعلام الرسمى والخاص، وادارته عبر خطاب اعلامى موحد، يشرف عليه ويوجهه ضباط تابعين لأجهزة الامن. وحظر الظهور فيه على أى صاحب رأى مخالف أو معارض. واختيار أردأ العناصر الامنية ليتصدروا المشهد السياسى والاعلامى.
· وتشكيل ترسانة من الهيئات الاعلامية والصحفية لفرض القبضة الحديدة على الاعلام والاعلاميين والصحفيين، واختيار عناصرها من العناصر المعروفة بتبعيتها للأجهزة الامنية.
· الضغط والحصار والتهديد للصحف الخاصة وملاكها وهيئات تحريرها، لتفريغها من أى كتابات أو كتاب معارضين جذريين.
· فرض الحظر على مئات المواقع الإلكترونية المعارضة والمستقلة، واستحداث تشريعات تتيح للسلطات مطاردة ومحاكمة وتجريم رواد وسائل التواصل الاجتماعى .
· اطلاق حملات اعلامية لتشويه وشيطنة وكراهية ثورة يناير وكل من شارك فيها من الشخصيات والتيارات والقوى الوطنية.
· الانتهاك اليومى للنص الدستورى القاضى بان السيادة للشعب وحده، بممارسات وقرارات وخطابات اعلامية وسياسية، تؤكد على ان السيادة للرئيس والدولة والجيش والشرطة، وتعتبر اآ حديث عن الشعب حديث مكروه ومعادى.
· والعودة الى زمن الفرعون والزعيم الاوحد وعصور "انا الدولة والدولة أنا"، وتخوين كل من يعارضه وتعريضه الى مخاطر جمة.
· استنفار كل مؤسسات الدولة واعلامها للترويج والتبرير والدفاع عن كل قراراته وسياساته حتى لو كانت تتضمن التفريط فى ارض الوطن أو التحالف مع اسرائيل أو الخضوع التام للرئيس الامريكى، أو الاذعان لتعليمات صندوق النقد الدولى من تعويم للجنيه والغاء الدعم ورفع الاسعار وافقار الناس.
· كسر ما تبقى من استقلال للقضاء، من خلال تحدى احكامه الباتة النهائية، لارسال رسالة الى الجميع بانه لا صوت يعلو على صوت عبد الفتاح السيسى، وهو ما ظهر جليا فى صفقة تيران وصنافير.
· نزع ما تبقى من استقلال الهيئات القضائية وهيئات التدريس بالجامعات، باصدار تشريعات جديدة تلغى حقها فى اختيار وانتخاب قياداتها، وتستبدله بالتعيين بقرارات يصدرها رئيس الجمهورية.
· والانتقام من اى قضاة او رؤساء مستقلين للهيئات الحكومية، مثلما حدث مع المستشارين هشام جنينة واحمد الدكرورى.
· حظر العمل السياسى بالجامعات، الذى كان من اهم مكتسبات ثورة يناير التى استطاعت ان تعيد الجامعة الى سابق عهدها ودورها فى الاعداد والتربية الوطنية والسياسية لالاف الطلبة، وهو الدور الذى كان قد الغاه انور السادات بعد اتفاقيات كامب ديفيد فى 1978 بموجب اللائحة الطلابية 1979 التى حظرت العمل السياسى بالجامعة.
· مع اعادة الحرس الجامعى مرة اخرى، بعد أن تم الغته ثورة يناير، ليعود هذه المرة فى شكل شركات أمن خاصة تابعة للاجهزة الامنية .
· تأميم النقابات المهنية وعلى الأخص نقابة الصحفيين، وقمع دورها التاريخى كمنبر واسع للحريات وكحاضنة لكل التيارات السياسية ولكل اصوات المعارضة فى مصر، الى مجرد مؤسسة تابعة للنظام تأتمر بتعليمات وتوجيهات الأجهزة الأمنية. من خلال اقتحام قوات الامن لحرمها وتلفيق قضايا لقياداتها النقابية.
***
لقد قام بتوظيف أخطاء الاخوان وأخطائنا جميعا والانقسام الحاد بين جناحى الثورة المدنى والاسلامى، لاجهاض ثورة يناير وتصفية منجزاتها الديمقراطية من انتخابات نزيهة واشراف قضائى حقيقى ومنع التزوير واطلاق الحريات السياسية والنقابية والاعلامية والصحفية بلا اسقف، مع الحق فى تداول السلطة وحق تشكيل الاحزاب والنقابات المستقلة وحق تنظيم المظاهرات وعقد الاجتماعات... فقام بالقضاء على كل هذه الحقوق والمكتسبات، تحت غطاء القضاء على الاخوان المسلمين، ليكتشف الجميع اليوم ان رقبة ثورة يناير وثوارها هى التى كانت مستهدفة وليس رقبة الاخوان وحدهم.
لقد كانت خريطة الطريق المعلنة هى اعداد دستور جديد وانتخابات رئاسية وبرلمانية حقيقية تشارك فيها القوى المدنية التى اشتكت وغضبت لاقصاء الاخوان لهم، ولكن الخريطة الفعلية كانت هى تصفية ثورة يناير ومكتسباتها وحرياتها والقضاء على ثوارها، مع اقصاء أشد قسوة وعنفا لكل القوى السياسية المصرية، لا فرق فى ذلك بين مدنى واسلامى.
***
للاسف لم يتعظ عبد الفتاح السيسى وجماعته مما جرى لحسنى مبارك وجماعته. فمصر تعيش اليوم حالة من الغليان قريبة الشبه بأجواء ديسمبر 2010 بل أسوأ منها بكثير. حفظها الله من كل سوء.
*****
القاهرة فى 3 فبراير2018

02 فبراير 2018

سيد أمين يكتب: الهجوم على صلاح الدين جزء من الحرب على الإسلام

نقلا عن مدونتى على هافنجتون بوست عربي

محاولات بعض القوى في الغرب وأنصارها في الداخل العربي، وتحديداً في مصر، شيطنة البطل الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي، لا تعود إلا لكونه قائداً مسلماً ناهض طموحات الحملات الصليبية، خاصة أن تعبيراتهم التي تنمّ عن كراهيته لا تتوقف على مر التاريخ، وتجاوزت مرحلة النقد الذي ينتقد به أي رجل خلّده التاريخ إلى السب والتقريع، كما يحدث كثيراً من الروائي يوسف زيدان الذي تفرغ في لقاءات إعلامية عديدة لمهاجمة الرجل، ومؤكداً أيضاً أن السيسي كلَّفه بتجديد الخطاب الديني.

زيدان يصف صلاح الدين بأحقر شخصية في التاريخ
يوسف زيدان السيسي كلفني بنشر تجديد الخطاب الديني

يأتي الهجوم على الرجل بدءاً من التعرض له بالسب والتحقير في أغاني الأطفال البسيطة التي كانت متداولة اعتيادياً، إلى الأعمال الأدبية العالمية، وصولاً إلى تصريحات الساسة الإمبرياليين وبعض رجال الكنيسة المتطرفين، انتهاءً بتدنيس قبره ليس على يد صبية لاهين، ولكن على يد قادة سياسيين تاريخيين.

الحرب ضد الرجل في مصر لم تكن أبداً مباشرة وصريحة من قبل كما هي اليوم، بل كانت تأتي في صور أغانٍ للأطفال وأمثال شعبية مجهولة النسب؛ حيث وضع خبثاء أغاني مشهورة كان يرددها قديما الأطفال في صعيد مصر دون وعي منهم بمدلولاتها وذلك انسياقاً وراء القافية الموسيقية، تسخر الأغاني من الرجل وتصمه بصفات الشر، تقول مقدمة إحداها مثلاً: "صلاح الدين الأيوبي ضربته بفردة مركوبي"، أي: حذائي.

وفي الحرب العالمية الأولى حرص الجنرال البريطاني اللنبي الذي قاد الجيش المصري والعربي تحت راية التاج البريطاني ذي الصليب لمهاجمة دولة الخلافة الإسلامية العثمانية التركية وإسقاطها، دخل دمشق وقال: الآن انتهت الحروب الصليبية، فيما حرس قائد الجيوش الفرنسية الجنرال هنري غورو على أن يزور مرقد وضريح صلاح الدين الأيوبي، وأن يضع قدمه فوق شاهده، مردداً قوله: "ها نحن عُدنا يا صلاح الدين".

انظر ما قاله الجنرال اللنبي
ما قاله القائد الفرنسي غورو
كما هاجم رجل الدين والمستشرق أرنست رونان عام 1883 ووصفه في كثير من خطبه بصفات تحطّ من شأنه.
"راجع كتاب الصورة النمطية للعرب والمسلمين في أوروبا - الدكتور منير حجاب- قسم الصحافة بجامعة سوهاج"

الغرب المنصف

ولكن في الاتجاه المقابل، كما حفل المشهد بكثير من الناعقين على الرجل، حفل أيضاً بأضعافهم من المنصفين الغربيين الذين غردوا للرجل، وكسبت مواقفهم احترام المسلمين حول العالم، وأسبغوا على الرجل صفات مثالية لم يسبغوا بها على رجل مسلم قط، فحينما زار الإمبراطور الألماني غليوم الثاني الإمبراطورية العثمانية قُبيل الحرب العالمية الأولى، حرص على زيارة ضريحه بدمشق ووضع عليه إكليلاً رائعاً من البرونز صُنع خصيصاً في برلين احتراماً لإسهاماته في الحضارة الإنسانية، وبقي هذا الإكليل على الضريح حتى دخل الإنكليز دمشق عام 1916 فسرقه الجاسوس البريطاني الملقب بلورانس العرب، بدعوى أنه من الغنائم الحربية وأخذه إلى بلاده.

كما مدح المؤرخ البيزنطي نكتياس خونياتس صلاح الدين ووصفه بأنه كان رحيماً حينما تمكّن من فتح القدس أكثر ما كان الصليبيون رحماء بالمسلمين حين غزوها.

وعن ذلك قال ميخائيل زابوروف، المؤرخ الروسي: إن رحمة صلاح الدين بالمسيحيين كانت سبباً في دخول الصليبيين للإسلام، ودخول صلاح الدين كُتب أساطير التاريخ، وبذات الوصف تقريباً وصفه إدوارد جيبون أحد مشاهير الرومان.

وقال عنه المؤرخ البريطاني هاملتون جب: "يشكل عهد صلاح الدين أكثر من حادثة عابرة في تاريخ الحروب الصليبية، فهو يمثل إحدى تلك اللحظات النادرة والمثيرة في التاريخ البشري، لقد استطاع أن يتغلب على جميع العقبات لكي يخلق وحدة معنوية برهنت أن لها من القوة ما يكفي للوقوف بوجه التحدي من الغرب".
وهناك آلاف الوقائع في هذا الإطار.

تقييم الرجل

قد يكون للرجل هفوات أو أخطاء أو مطامع خاصة قد لا نعلمها، لكن علينا أيضاً الاحتراز والإنصاف لنقول إنه أيضاً ليس هو بنبي أو حواري أو معصوم أو حتى ولي أو فقيه أو شيخ، بل هو سياسي خضع لإرادة الشعب الذي يحكمه، أو يشارك في حكمه بتحرير كامل التراب الوطني من الاحتلال الاستيطاني الثيوقراطي الصليبي، واتخذ قراراً بمحاربة العدو لا التواطؤ معه على حساب الشعب والأرض والدين كما يفعل ساسة مصر الآن الأولى بالهجوم.

فكثير من مشاهير الغرب كانت عليهم مآخذ سلوكية، ولكن ذلك لم يمنع الغربيين من تبجيلهم -تطبيقاً لمقولة: مَن ليس له كبير فليصنع كبيراً، ومَن ليس له تاريخ فليصنع تاريخاً كما فعلت إسرائيل- من الأدباء حتى الساسة، فمثلاً في مجال الأدب، لم يكن خافياً أن الأديب الإيطالي "دانتي" اقتبس كوميدياه الإلهية من رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، في وصف الجنة والنار ورحلة الإسراء والمعراج، وطرحها بشكل مغاير مجدداً بما يتفق مع رؤيته كمسيحي كاثوليكي، ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى أن "دانتي" وضع النبي الأكرم وأيضاً الناصر صلاح الدين ضمن سكان الجحيم، ولكنه اختصَّهما بمرتبة عليا فيه تضم الشخصيات الإصلاحية الجيدة، التي تعذب فقط؛ لأنها لم تكن مسيحية.

ومع ذلك فصلاح الدين لا هو هذا ولا ذاك، ولكنه خلّد في التاريخ كرمز مقاوم انتزع بيت المقدس من سارقيه وأعدائه وأعاده إلى أصحابه الأصليين في لحظة نادرة في التاريخ ليست صدفة.

ولعله ليس من قبيل الصدفة أن يوسف زيدان لم يكن وحده هو مَن تطاول بالسب على صلاح الدين الأيوبي من أبناء جلدتنا، ولكن هناك للأسف كثير من الكتاب المنتسبين للعروبة والإسلام أيضاً، واللافت أن ما يجمع بينهم جميعاً هو تشكيكهم في ثوابت الإسلام.

ومن أمثال هؤلاء المتطاولين يأتي الكاتب السوري نضال نعيسة، والأزهري أحمد راسم النفيس.

ولعل زيدان بوصفه محرر المسجد الأقصى الذي يتفق مع الصهاينة في نفي وجوده قد سقط سقطة سقطها من قبله الروائي أسامة أنور عكاشة، حينما وصف عمرو بن العاص في 2004 بأنه "أحقر شخصية في الإسلام" وبأنه "أفّاق"

على كلٍّ فالرجل حفر اسمه في التاريخ كصاحب ملحمة الدفاع عن الأقصى، ولن ينال منه سباب انطلق نحوه في فترة انفتقت فيه سماوات الإعلام الرسمي لتخر سباباً في كل ما له علاقة بالإسلام، والمسلمين والرسول والأتباع والصحابة، بل والله تعالى.

29 يناير 2018

المفكر القومي محمد سيف الدولة يكتب عن: الانتحار السياسى

دكتور عصمت سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com
حكى لى والدى الدكتور/عصمت سيف الدولة رحمه الله، إنه بعد اغتيال انور السادات بقليل، وكان رهن الاعتقال ضمن 1536 شخصية معارضة اعتقلهم السادات فى 3 سبتمبر 1981، أنه علم أن هناك مندوبا من طرف الرئيس الجديد محمد حسنى مبارك ينوى الحضور الى سجن طرة، ليلتقى مع عدد من المعتقلين المزمع الافراج عنهم ويطلب منهم ان يصدروا بياناً لتأييد مبارك من داخل محبسهم.
وانه حين سمع بهذا الخبر، شعر بإهانة بالغة وغضب غضبا شديدا وهدد بانه سيضرب ويؤدب من سيجرؤ على فتح هذا الموضوع معه، كائناً من كان.
ثم اخبرنى ان هذا المندوب قد جاء الى السجن بالفعل، وانه لم يره، ولكنه عرف انه حين ذهب للقاء فؤاد سراج الدين فى زنزانته، طلب منه زعيم حزب الوفد المعتقل ان يعطيه مسدسا، فاندهش مندوب مبارك وسأله عن السبب الذى دفعه الى تقديم مثل هذا الطلب الغريب، فأجابه فؤاد باشا بكل هدوء قائلا : "اننى اريد المسدس لكى انتحر به يا فلان بك، فأنت حين تطلب منى تأييد الرئيس من محبسى فانما انت تطالبني بالانتحار السياسى، وانتحارا بانتحار، فان الانتحار الحقيقي اكثر شرفا. كيف تطلب منى تقديم تأييد او مبايعة للرئيس وانا قيد السجن والاعتقال؟ انه سيكون حينها تأييدا تحت التهديد والاكراه." 
ففهم المندوب الرسالة، ولملم اوراقه ورحل.
***
كان هناك فرقا كبيرا بطبيعة الحال بين شخصية و ردة فعل عصمت سيف الدولة المفكر القومى الثورى والرجل الصعيدى ذو الدم الحامى ابن مركز البدارى بمحافظة أسيوط، وبين فؤاد سراج الدين رجل الدولة القديم المخضرم فى دهاليز الحكم وبرتوكولاته الدبلوماسية، ولكن طبيعة الموقف وصلابته كانت واحدة. صلابة تميزت بها غالبية المعتقلين حينذاك.
كم يا ترى حالة انتحار سياسى شهدتها مصر منذ ذلك الحين؟
*****
29 يناير 2018

26 يناير 2018

سيد أمين يكتب: ملامح الطوفان

الخميس 25 يناير 2018 18:49
 يعتبر النظام العسكري الحاكم في مصر أن زيادة عدد السكان هي من أكبر معوقات التنمية، وأن "طوفان الناس" يحول دون أن يتمتع المصريون بمحدثات التنمية، فيما يري مفكرون غربيون مثل الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي أن هذا العامل من أكبر العقبات التي يواجهها الغرب في إخضاع مصر التام للإرادة الغربية.
يأتي ذلك مع أن دولة كاليابان مثلا تقع على ثلث مساحة مصر الجغرافية، نفس حجم الدلتا تقريبا، وعدد سكانها أكثر من ضعف عدد سكان مصر، وهزمت بضربة نووية مروعة وفريدة، لكنها مع الإدارة الرشيدة حجزت لنفسها المقعد المتقدم بين الأمم.
لقد فتحت التصريحات التي أطلقتها منذ بضعة أشهر وزيرة التضامن الاجتماعي في نظام السيسي حول خطة "خفض خصوبة المصريين" النقاش طويلا حول مشروعية تلك الخطوة وجديتها خاصة أن وزير الصحة أكدها في أغسطس 2016 وسبقته وزيرة السكان في يونيو 2015.
فيما يجزم الخبراء أنه بإضافة مواد كيميائية معينة إلى مياه الشرب أو المواد الغذائية، فإنها ستعمل على الإصابة بالعقم أو حتى الأمراض الفتاكة، بنفس الطريقة التي يتم بها أحيانا إضافة زيوتا معينة إلى الأطعمة في المعسكرات الشبابية للحد من الغرائز.
ومع تكرار حوادث الغرق المريب لمراكب محملة بمواد خطرة في مياه النيل كان أشهرها غرق مركب عسكري قرب مدينة قنا جنوبا محملا بالفوسفات وبه نسبة عالية من الكاديم واليورانيوم في ابريل 2015، وغض النظام الطرف عن تحويل النيل إلى مصب لمخلفات صرف معظم المصانع "الحكومية" المطلة على ضفتيه على امتداد مصر.
كما أن ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة التي تفردت بها مصر وانخفاض متوسط أعمار المصريين لنحو 57 سنة مقارنة بنحو 100 سنة للمواطن الياباني بحسب تقرير الصحة العالمية، كان تلوث المياه العامل المشترك في مسبباتها، والسؤال هل هناك خطة لخفض عدد السكان بتلويث المياه؟ طبعا لا يمكن تصديق أن هذه الجريمة يمكن أن ترتكبها حكومة من بني جنسنا، لأن الواقع يؤكد أن خطط تسميم المياه هي خطط حربية معتادة ومكررة تاريخيا، المغول والصليبيون فعلوها، حتى النازي الألماني حاول تسميم خزانات مياه لندن والنازي المصري سمم آبار رفح الفلسطينية.
الموت غرقا
لكن الخطر الأكبر على مصر الآن ليس من تلوث المياه ولا حتى من شحها فقط، ولكن من فيضانها خاصة مع وجود تقارير فنية تتحدث عن وجود (تسريب) في جدار السد، محذّرة من وقوع "كارثة"، موضحة بالأرقام والإحداثيات والصور الأخطاء الإنشائية في بنائه، وأنه مع مرور الوقت سيكون معرّضاً للانهيار، مع تأكيد خبراء الجيولوجيا أن السد مقام على تربة بركانية تتكون في معظمها من البازلت سهل التفتيت، وأنها أيضا منطقة أنشطة زلزالية سيساهم تراكم هذا الكم الهائل من المياه في استعادتها نشاطها.
ذلك الخطر هو ما دفع الرئيس السوداني عمر البشير للحديث في 17 أغسطس 2017، خلال مؤتمر صحفي مشترك في الخرطوم مع رئيس وزراء إثيوبيا، من أن احتمال انهيار السد سيمثل كارثة، ونظرا لخطورة الأمر قامت أثيوبيا بفتح تحقيق في تلك المخاوف انتهت إلى نفي وجود هذا التسريب وهو النفي الذي يحمل أيضا إثباتا بخطورة الموقف حال انهيار السد.
وحول ما سيحدث يكفينا أن نقول أنه في سالف الزمان كان حينما يفيض النيل يعصف في سهله حيث يتركز غالبية السكان بكل شيء، فيقتلع الأشجار ويسحق المزروعات ويدمر المنازل ويقتل الكثيرين محدثا كارثة إنسانية مروعة.
كل ذلك يحدث من إجمالي فيض لجزء كبر أو صغر من حصة مصر من مياه النيل، ونقول جزء لأن هذا الفيضان يمثل فقط حاصل أمطار يوم أو شهر من 55,5 مليار متر مربع تحصل عليها مصر طوال العام، والكارثة في أن مصر تحصل على15% فقط منهم من النيل الأبيض وبحيرة فيكتوريا، والباقي من النيل الأزرق وبحيرة تانا في إثيوبيا.
وبحسب المعلن يتسع خزان السد لنحو 74 مليار متر مكعب وفي روايات أخرى يتسع لنحو 100 أو 120 مليار بينهم 14 مليار متر من الطمي.
 وإزاء هذه الأرقام فإن انهمار تلك الكمية الهائلة في توقيت قصير محدد من ارتفاع قدره 1890 مترا وبنسبة انحدار شبه حادة تعني طوفانا جديدا يتشابه مع ذلك الذي جاء في قصة سيدنا نوح يتحقق، محطما في طريقه كل شيء وبالطبع أولهم البشر.
ما يعني أن استهداف السد حال امتلاء خزانه بصواريخ أو حتى بهزة أرضية أو ما شابه، سيعني أول ما يعني إغراق مصر وقتل ملايين المصريين، وبالتالي يحدث خفض مفاجئ لأعداد السكان في هذا البلد الذي تميز بالوفرة.
خيارات مرة
وسيكون الشعب المصري آنذاك مخيرا بين خيارين أحلاهما مر، إما الموت من الجفاف والعطش وأما الموت غرقا، فيفاضل هنا بين احتمالات تعظيم نسبة النجاة بين هذه وتلك، فيكون البقاء في الجفاف أفضل من الموت في الغرق، خاصة أن التعامل مع خطر الجفاف والعطش ممكن من خلال تحلية مياه البحر ومياه الصرف الصحي، لاسيما في فترة امتلاء الخزان المقدرة بنحو 7 سنوات، هنا قد يكون توصيل المياه لإسرائيل هي المنقذ الوحيد للشعب المصري عبر إطالة مدة التخزين.
وإزاء هذا الوضع فأن أحاديث الجنرالات المصريين المتواترة مؤخرا عن أن السد سينهار من تلقاء نفسه فيها جانب من الصحة، ولكنها لا تحمل كل الحقيقة التي قد يجهلونها أو يتغاضون عنها، وهي أن انهيار السد قد يسبب كارثة لا تقل خطورة عن كارثة الجفاف، وأن الوقت المتبقي لتفادي هذا الخطر قليلة وهو مرهون بالتحرك قبل امتلاء الخزانات.
وإذا كان الحديث لتفادي خطر الجفاف يتوقف على حجم مدة التخزين التي ستتبعها أثيوبيا وأن إطالة المدة لأكثر من 15 سنة قد يخفف من أثاره على دولتي المصب، إلا أن تفادي خطر انهيار السد وما سيسببه من دمار تبدو بعيدة المنال مهما اتخذوا من إجراءات أمان.
رغم أن قطرة المياه تساوى حياة.. إلا أنها قد تكون قاتلة أحيانا.

20 يناير 2018

المفكر القومي محمد سيف الدولة يكتب: #المصرى_الغريق


مساكين المصريين، مثلهم مثل الغريق الذى يبحث عن اى قشايةً يتعلق بها، ربما تنقذه من مصيره المحتوم بالموت غرقا.
ما ان سمع البعض بنية #سامى_عنان الترشح فى انتخابات رئاسة الجمهورية، حتى عاد لهم الأمل الذى كان قد مات وشبع موت فى السنوات والشهور الاخيرة، لعله ينقذهم من الثقل الكابس على انفاسهم المتمثل فى #عبد_الفتاح_السيسى الذى لا يعلم احد اين كانت تخبؤه لنا الاقدار، رجل متوسط الذكاء، قليل الخبرة، كثير الغرور، دموى مستبد يكره الشعب ويتفنن فى إفقاره وايذائه بكل ما أوتى من سلطة ونفوذ، جاء بعد سنوات قليلة من ثورة يناير اكبر حدث انسانى عاشه المصريين منذ عقود وقرون طويلة، ثورة أعادت اليهم الثقة فى آدميتهم وردت لهم كرامتهم، وأفاضت عليهم من الحريات ما لم يكن يخطر لهم على بال، فاذا به يعصف بها وبكل مكتسباتها ويطارد كل من شارك فيها وينتقم منه كل حسب قوته وخطورته عليه وعلى عرشه، فأعادنا قرونا الى الوراء، حتى اصبحت الناس تترحم على حسنى مبارك وأيامه وهوامش الحريات الضئيلة التى كانت موجودة فى سنوات حكمه.
…………….
جعل الناس تكره حياتها وتهجر بلادها، فأصبح حلم غالبية الشباب هو الهرب من البلد والهجرة الى اى بقعة من بقاع الارض، يأمن فيها على نفسه وآدميته، بعدما رآه من مذابح جماعية واعتقالات لعشرات الالاف واحكام بالإعدام بالجملة، وحظر وتحريم وتجريم الانفاس على اى شخص او جهة معارضة، وبعد ان ضرب الناس فى معايشها، وتسبب فى افقار الغالبية العظمى من الشعب، وزاد الفقراء فقرا وعوزا، وبعد ان باع الارض وتدفأ باسرائيل وبايع ترامب على الملأ ولم يترك قيمة وطنية او إنسانية الا وتحداها واعتدى عليها وأهدرها، وبعد ان انتقى أردأ خلق الله من صبيان الفرز الثالث والرابع من رجال مبارك، فأصبحوا هم أهله وعشيرته، فى الاعلام والبرلمان وفى المشهد العام بأكمله.
………………….
فلما جاء موعد #الانتخابات_الرئاسية قررت غالبية الناس المقاطعة، الا نَفَر قليل قرر دعم #خالد_على تكريما له على شجاعته وإقدامه و دوره فى قضية #تيران_وصنافير ، مع قناعة داخلية راسخة بانه لا أمل له البتة فى النجاح فى ظل انعدام كامل للمنافسة واستحواذ تام للسيسى واجهزته وجماعات المصالح المرتبطة به على كل مؤسسات الدولة وإمكانياتها.
………………….. 
فلما أذاع سامى عنان بيانه الذى أعلن فيه ترشحه للانتخابات الرئاسية، اذا باليأس العميق يتراجع خطوة لدى البعض، ويظهر لهم بصيص من الأمل فى ازاحة هذا الكابوس، فالرجل من بطن الدولة العميقة وكان منذ سنوات قليلة من اهم صناع القرار فيها، وهو على دراية بكل اسرارها وكواليسها وتوازناتها وصراعاتها الداخلية وحيلها ومؤامراتها وأساليبها وألاعيبها القذرة فى تصفية الخصوم والمعارضين والمنافسين، وكان على علاقة وثيقة بالدوائر الاقليمية والدولية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية، مثله فى ذلك مثل السيسى وربما أكثر، ولا يمكن ان يقدم على خطوة مماثلة دون ان يكون قد اجرى اتصالاته وضبّط ضماناته وعمل حساباته جيدا ورأى انه قادر على التعامل مع كل هذه الملفات والجهات والمؤسسات والالاعيب، وبالتالى فقد يكون له فرصة حقيقية فى النجاح.
فلماذا لا يدعموه، حتى وان كانوا يعلمون انه من نفس الصنف، وان التوجهات العامة والأساسية لن تختلف كثيرا، ولكنه على الأقل يمكن اذا نجح ان يمارس بعض الرشد بدلا من الجنون السائد اليوم، وان يضخ ولو "سرسوب" من الأكسجين لكى تستطيع الناس ان تواصل التنفس بعد ان شارفت على الاختناق.
يريدون استراحة ولو مؤقتة من ماكينة الاستبداد والإفقار الرهيبة التى نعيش فيها اليوم.
……………..
اما احلامهم الأصلية، احلام ثورة يناير، بحرياتها وثوارها وشعاراتها ورموزها، فهى تبدو اليوم من رابع المستحيلات، وليس فى المستقبل المنظور اى أمل فى اى تغيير ثورى حقيقى فى مصر.
انهم بالفعل كالغريق الذى يبحث عن قشاية تنجيه من الموت المحقق، او كمن يلتف حبل المشنقة حول رقبته، ويجيئه فى لحظاته الاخيرة من يعده بالنجاة من الإعدام، فيرتمى فى احضانه بدون تفكير ولا تدبير. مسكينة يا مصر، كنت فين وبقيت فين؟

زهير كمال يكتب : المتخاذلون

"إذا شفتوا واحد حامل صاروخ طخوه"
 أي إذا  رأيتم مقاوماً يحمل صاروخاً اقتلوه! 
هذه العبارة التي قيلت باللهجة الفلسطينية قالها محمود عباس لقواته الأمنية في وقت ما من التاريخ عندما كان يشعر بالقوة وكانت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تجري على قدم وساق وكان يشعر أن الدولة قاب قوسين أو أدنى. أما آخر عبارة قالها بخصوص رأيه في المقاومة فقد كانت أثناء محادثات إنهاء الانقسام،  فقد قال إنه لا يريد تجربة حزب الله أن تتكرر في غزة.
غريبة هذه العبارة (تجربة حزب الله) المرفوضة والتي يكررها عرب (الاعتدال)  فقد قالها محمد سلمان ولي العهد السعودي وهو يتحدث عن أنصار الله في اليمن.
استمرت مفاوضات الحل النهائي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل منذ اتفاق أوسلو عام 1993 وحتى شهر إبريل 2014 حيث قامت إسرائيل بإيقافها من طرف واحد ، وخلال إحدى وعشرين سنة كانت السلطة تقدم التنازلات تلو التنازلات وعندما أدركت إسرائيل أن الأمر استتب لها وأن السلطة قد استنفدت أغراضها ولم يعد لها ما تقدمه حسمت الأمر رغم همهمات المجتمع الدولي.
وكانت هذه هي النقطة الفاصلة بين موقفين وخيارين.
تلك اللحظة من التاريخ،  كانت السلطة على مفترق طرق حقيقي .
إغلاق إسرائيل مفاوضات الحل النهائي يعني بوضوح أن على الجانب الفلسطيني اتخاذ مسار آخر، فرفضها لليد الفلسطينية الممدودة بغصن الزيتون والتنازل الطوعي عن 78% من أرض فلسطين التاريخية من أجل إنهاء النزاع  يحل السلطة من التزاماتها ويعيدها الى المربع الأول أي مرحلة الصراع المسلح لتحصيل حقوق شعبها.
أما الطريق الثاني وهو ما اتخذته السلطة في الصراخ والبكاء والشكوى الى الدول الكبرى والتوسل لإعادة إسرائيل الى طاولة المفاوضات.
وسبب اتخاذ السلطة لهذا الطريق معروف فمعظم القائمين عليها قدم من خارج الضفة الغربية وقد تشكل خلال هذه الفترة الطويلة طبقة مستفيدة من الوضع القائم وليس من مصلحتها أو باستطاعتها أن تقلب الطاولة وأن تقول لا للاحتلال، كيف لا وهي غارقة في الفساد حتى أذنيها وتعمل كوسيط أو ممثل للشركات الإسرائيلية لغزو الأسواق العربية.
وزيادة في التوضيح ففي مسار الثورات الشعبية مثل الثورة الفلسطينية يستشهد المخلصون المؤمنون بالثورة ،  يتشردون أو يعتقلون ولا يبقى فيها إلا الجبناء والمتخاذلون والضعفاء والانتهازيون.
ومسيرة الثورة الفلسطينية كانت طويلة فعلاً ولكنها ثورة لم تستطع تحقيق أهدافها فورثها هؤلاء الذين يتغنون بأمجاد الماضي وهو ماضٍ لم يشاركوا فيه فعلاً، مهما علا صراخهم دفاعاً عن مسيرتهم الفاشلة فمصلحتهم مبنية على بقائهم في مناصبهم باستمرار خداعهم  لشعبهم أنهم سيحققون له شيئاً ما.
هو نفسه الشعب الذي يشاركون في تضييق الحصار عليه ويقومون بتجويعه في قطاع غزة ويقطعون الكهرباء عنه من أجل إخضاع منافسيهم في الفصائل الأخرى.
وربما تكون هذه النقطة هي الفيصل في الحكم عليهم ، فهم لا يبالون أو يفكرون أو يحسبون حساباً لهذا الشعب المبتلى بالحصار والتضييق والتجويع فيساهمون في زيادة شقائه بسبب المماحكات سياسية ومن أجل فرض السيطرة بأية وسيلة.
وليس مستغرباً أن لا نسمع صوتاً واحداً يعترض على هذه السياسة الحمقاء من رموز السلطة هؤلاء الذين تمتلئ بهم الفضائيات يتغنون بحبهم لشعبهم وتفانيهم في العمل لمصلحته.
ولكن تزداد الغرابة عندما لا نسمع من محمود عباس تصريحاً واحداً أو إشارة في خطبه الطويلة والمملة الى موضوع إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني وأنه صانع هذا الحدث العظيم عدا تصريحه بأنه لا يريد تكرار تجربة حزب الله.
وفي نفس الوقت لم نسمع من إسرائيل ما يفيد باعتراضها على مباحثات إنهاء الانقسام وإعادة السلطة الى غزة.
فبالنسبة لها فإن عودة السلطة لممارسة مهامها في غزة يعني استطاعتها إدخال جواسيسها الى القطاع الذي أصبح حصناً منيعاً بعد أن كان يمتلئ بهم قبل خروجها وربما نتذكر كيف كان بعضهم يضع الإحداثيات الدقيقة لاصطياد قادة المقاومة واغتيالهم، وبعد تطهير القطاع  من هؤلاء استطاعت المقاومة الاحتفاظ بالأسير جلعاد شاليط لسنوات دون مشاكل كما أنها تحتفظ اليوم ببعض أسرى حرب عام 2014 ، وإسرائيل تحتاج لعيون يساعدونها في الحروب القادمة.
أما عباس ذو النزعة النرجسية فهو يريد الانتقام ممن انقلبوا عليه في غزة قديماً ، هذا إذا أحسنا الظن به. وهكذا تتلاقى مصلحة الطرفين في دخول غزة ثانية.
وللأسف لا نستطيع أن نحسن الظن بالسلطة وهي تتجسس على شعبها في الضفة الغربية على ما يعرف باسم التنسيق الأمني وتريد تطبيق ذلك على القطاع.
وربما كانت محاولة اغتيال مدير أمن غزة هي أولى ثمرات دخول السلطة الى القطاع.
والعجيب أن فصائل المقاومة ستستمر في مد طوق النجاة لهؤلاء المتخاذلين بعد ثبوت أنهم لا يريدون تخفيف الحصار على غزة.
كان قرار ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة الأخيرة على السلطة الفلسطينية .
إذ لم يعد لهم أهمية أو اعتبار بعد أن قدموا كل شيء باسم السلام المزعوم وهو في الحقيقة ليس سوى استسلام كامل منتظرين رحمة عدوهم أن يمنحهم ما وعدوا به على ما عرف بحل الدولتين، وهكذا انكشفوا أمام جماهيرهم بعد أن خلع ترامب ورقة التوت الاخيرة التي تغطي نهجاً خاطئاً استمر لفترة طويلة.
كان أفضل رد لمحمود عباس على قرار ترامب هو الاستقالة من جميع مناصبه وكان هذا ليحدث هزة كبيرة في كل الأوساط ويعطي ثقلاً للرد الفلسطيني على قرار ترامب.
ولكن خطوة كهذه لا يستطيعها سوى رجل يحب فعلاً وطنه ويحس بوطأة المسؤولية الملقاة على عاتقه ، لو اتخذ خطوة كهذه كنا سنقول إن الرجل مخلص ولكنه جاهل أخطأ في تحليل الواقع وتحليل العدو.
ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وقد أضر بقضية شعبه أيما ضرر.
ولكن ستظل شعلة الكفاح متقدة، وستظل القضية الفلسطينية حاضرة لا تنطفئ مهما أساء لها بعض أهلها ، كيف لا ونحن نرى شجاعة الجيل الرابع من الفلسطينيين ، إذ لا يقل عمن سبقهم ونرى تضحياتهم كل يوم، ونراهم أشد غضباً وأشد توهجاً في مقارعة العدو الإسرائيلي والنصر دائماً حليف الشعوب مهما طال الزمن.    

19 يناير 2018

حـسـن الشامي يكتب : "كسب السلام : أمريكا والنظام العالمي الجديد"

يستهل جون جيرارد روجي كتابه "كسب السلام : أمريكا والنظام العالمي الجديد" مفسرا عنوانه فيشير إلى عبارة فرانكلين روزفلت عقب ضرب الأسطول الأمريكي في بيرل هاربور في ديسمبر  1941 : "في هذه المرة سنكسب الحرب وسنكسب السلام الذي يتلوها". وكسب السلام في رأي فرانكلين روزفلت يقتضي قيام الولايات المتحدة بممارسة دور نشط على الصعيد الدولي والتدخل لإقامة نظام عالمي وحفظ استقراره تجنبا لعدم اندلاع حرب عالمية جديدة. ولكن بانتهاء الحرب العالمية الثانية اندلعت حرب جديدة من نوع آخر هي الحرب الباردة وأيضا انتصرت فيها الولايات المتحدة وذلك في رأي روجي كان على الولايات المتحدة كسب السلام الذي يليها. ومن هنا برز تساؤل جديد حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة على الصعيد الدولي؟ 
فخلال القرن العشرين يمكن رصد علاقة الولايات المتحدة بالنظام العالمي من خلال ثلاثة مواقف :
ما بعد الحرب العالمية الأولى.
ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ما بعد الحرب الباردة.  
في الفصل الأول: تناول المؤلف الاتجاهات الحاكمة لعلاقة الولايات المتحدة بالنظام الدولي وتتمثل في ثلاثة اتجاهات رئيسية: 
الاتجاه الأول : تيار الدولية والذي يؤيد قيام الولايات المتحدة بدور نشط على الصعيد الدولي ويرجع هذا الاتجاه إلى أوائل القرن العشرين وعبر عته الرئيس ماكينلي في 5 سبتمبر 1901م حيث أشار "إن الله والناس قد ربطوا الدول بعضها ببعض الآخر ولا يمكن لدولة أن تظل غير مكترثة بغيرها". 
وفي اليوم التالي اغتيل ماكينلي ليصبح تيودور روزفلت رئيسا للولايات المتحدة, والذي تبنى نفس الفكرة وأعطاها دفعة جديدة. حيث أشار إلي "الزيادة في درجة الاعتماد المتبادل والتعقيد في العلاقات الدولية والعلاقات الاقتصادية. بحيث أصبح من الصعب على أية دولة أن تعيش بمعزل عن غيرها من الدول. 
ثم جاء الرئيس ويلسون ليبلور هذه الأفكار ويدخلها حيز التنفيذ حيث رأى أن سياسات الحياد والعزلة التي تتبعها الولايات المتحدة لن تكفل لها الأمن وحماية مصالحها وأن نظام توازن القوى أثبت فشله وان هناك حاجة لإنشاء عصبة للأمم وإقامة جماعة قوى وليس توازنا للقوى. ثم جاءت النقاط الأربعون التي طرحها عام 1918 ومثلت جدول أعمال السلام ما بعد الحرب العالمية الأولى. 
والاتجاه الثاني: تيار الانعزالية والذي انتصر بعد الحرب العالمية الأولى ولكن تيار الدولية عاد وطرح نفسه بقوة مرة أخرى عقب الحرب العالمية الثانية على يد روزفلت في الإعداد لنظام ما بعد الحرب فاقترح إنشاء الأمم المتحدة يكون للقوى الكبرى دور متميز فيها, كما رأى ضرورة إتباع سياسة الباب المفتوح على المستوى الاقتصادي والتي تتضمن إنهاء مختلف أشكال التمايز بين الدول بما فيها تخفيض التعريفة الجمركية. ومع بروز التهديد السوفيتي طيلة الحرب الباردة ظل اتجاه الدولية حاكما لتفاعل الولايات المتحدة مع النظام الدولي. 
واستمر هذا الاتجاه سائدا بعد انتهاء الحرب الباردة حيث تحدث الرئيس جورج بوش عن نظام دولي جديد سمته الأساسية التعاون لمواجهة أي عدوان, وأعطى للأمم المتحدة دورا أساسيا في عملية تحرير الكويت كما اشترك في عملية حفظ السلام في الصومال وكذلك عبر الرئيس بيل كلينتون عن توسيع عائلة الديمقراطيات ذات السوق الحرة ومساندة السلام الديمقراطي وأكد على الجماعية من خلال عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام وصنع السلام وعلى الصعيد الاقتصادي أتم بيل كلينتون المسيرة التي كان قد بدأها سلفه جورج بوش لتحرير التجارة بين الأمريكتين وأتم تأسيس مجموعة النافتا. 
وهذا الاتجاه يرى ضرورة تحجيم الدور الأمريكي وعدم التدخل في الأزمات الدولية إلا في حالة الضرورة وعند المساس بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة حيث وجهت الانتقادات من جانب الكونجرس الأمريكي للمشاركة في عمليات حفظ السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد الجنود الأمريكيين 3300 جنديا من أجمالي 64000 جنديا في 16 عملية حفظ سلام في العالم كان منهم 2400 جنديا يعملون تحت قيادة أمريكية في هاييتي. 
كذلك أجرى الكونجرس الأمريكي خفضا على الميزانية أدى لتقليص البعثات الخارجية كما تراجعت نسبة مساهمة الولايات المتحدة  في المساهمات الخارجية بين الدول الصناعية بالنسبة للناتج القومي. كذلك قللت الولايات المتحدة من الدور الذي تقوم به في بعض القضايا الدولية كالبيئة. 
وتيار الانعزالية ليس جديدا ولكنه قديم وكان متلازما مع تيار الدولية وتمثل ذلك في رفض الكونجرس الأمريكي لانضمام الولايات المتحدة لعصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى أو التدخل في الشئون الأوربية وفضل الانسحاب من الساحة الدولية والاهتمام بالشئون الداخلية وتيار الانعزالية لا يتمثل في جماعة اجتماعية أو ثقافية معينة ولا ينحصر في منطقة جغرافية بعينها فله مؤيدوه في مختلف الجماعات الاجتماعية والثقافية وله انتشاره الجغرافي.  
والخلاف بين التيارين قد يكون خلافا بين الأحادية والجماعية. فالأحادية ترفض أي روابط مؤسسية بينما الجماعية تعني لغويا علاقة بين ثلاثة أطراف أو أكثر كما تعنى في إطار العلاقات الدولية ملائمة القواعد الحاكمة للنظام الدولي لكل الأعضاء فيه وعدم التمييز بينها مع درجة عالية من التوافق والانسجام في مصالحها وإقامة العلاقات من منظور جماعي وليس ثنائيا. والأمن الجماعي يعنى توفير حماية متساوية لكل الأعضاء تحت مظلة أمنية مشتركة. 
ورغم ذلك فإن الجماعية المثالية لم تتحقق بعد والدليل أن الولايات المتحدة تتمتع بحق الفيتو في الأمم المتحدة وتسيطر القيادة الأمريكية على حلف شمال الأطلنطي (الناتو) ولها الحصة الأكبر (ومن ثم الثقل ألتصويتي) في كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.  
والاتجاه الثالث فهو تيار مثالي يقوم على ضرورة الحفاظ على وضع  عسكري متفوق للولايات المتحدة ويرجع بجذوره إلى تيودور روزفلت (الذي عمل على أن تكون الولايات المتحدة قوة عظمى) وجورج كينان (مهندس سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي) وتمثلت كذلك في السياسة الخارجية لهنري كيسنجر. 
وفي الفصول الثاني والثالث والخامس تناول المؤلف هيكل النظام الدولي في الفترة التي شهدت بدايات الدور الأمريكي النشط والفعال على المستوى الدولي بعد الحرب العالمية الثانية حيث كانت الجماعية هي السمة الغالبة. حيث بدأ فرانكلين روزفلت الاستعداد لإنشاء المؤسسات واتخاذ الترتيبات الدولية لإقرار السلام من خلال آلية دولية للتعاون مع الاتحاد السوفيتي لتتجنب فشل عصبة الأمم ولا تقتصر عضويتها على دول أوربا وتمثل ذلك في منظمة الأمم المتحدة وإن أحتفظ بوضع متميز في مجلس الأمن للحلفاء الأربعة المنتصرين للقيام بدور البوليس الدولي مع وجود أداة عسكرية من مختلف الدول (خاصة الكبرى) تكون تحت إمرة مجلس الأمن إلى جانب ضم الصين كقوة موازية للاتحاد السوفيتي. 
كما حظي التعاون الاقتصادي الدولي وحرية التجارة وتخفيض التعريفة الجمركية اهتماما متزايدا بدلا من الصراع وأسفر ذلك عن مجموعة من الاتفاقيات والهياكل المؤسسية منها اتفاقية بريتون وودز المالية التي نصت على الحرية والاستقرار في تبادل العملة وإلغاء كافة أشكال التحكم والسيطرة. كما تم إنشاء صندوق النقد الدولي للمحافظة على سعر صرف ثابت ومستقر. أما الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة (الجات) فدعت إلى تخفيض التعريفة وغيرها من الحواجز الجمركية وإنشاء مناطق التجارة الحرة. 
وتبنت الولايات المتحدة مفهوم الأمن الاقتصادي لأوربا وإعادة الإعمار من خلال مشروع مارشال وتم إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي الأوربي وتشجيع فكرة الوحدة الأوربية وتوقيع معاهدة حلف شمال الأطلنطي عام 1949 في مواجهة الاتحاد السوفيتي. إلى جانب مبادرة ايزنهاور في ديسمبر 1953 بتنشيط دور الأمم المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية ومطالبته بإنشاء هيئة الطاقة الذرية الدولية (والتي أنشأت في يوليو 1957) وزيادة دور الأمم المتحدة في عمليات حفظ السلام بعد الأزمة الكورية في يونيو 1950, وفي مراقبة وقف اطلاق النار وانسحاب القوات المعتدية على مصر عام 1956.   
وفي الفصلين الرابع والسادس تناول المؤلف تقييم الميراث المؤسسي الدولي ومدى فعاليته حاليا, لأن الهياكل الدولية وجدت لمواجهة الاتحاد السوفيتي في ظل القطبية الثنائية. وهنا يثور التساؤل عن مدى ملائمة هذه التنظيمات الآن؟ وما قدرتها على أداء مهامها؟ بل ما أهمية هذه المهام في ظل الواقع الدولي الجديد؟ وأول هذه التنظيمات حلف شمال الأطلنطي الذي يبدو أنه فقد أهميته ولكن رؤية الولايات المتحدة لهيكل الحلف ودوره تكسبه أهمية وفعالية كبيرة خاصة أن قضية توسيع عضوية الحلف ليشمل دول شرق ووسط أوربا هدفها القضاء علي البقية الباقية من احتمالات التهديد الروسي لشرق ووسط أوربا, وشغل الفراغ الأمني بين روسيا وألمانيا وما قد يؤدي إليه ذلك من مواجهة بين البلدين في حال سعي أيهما لبسط نفوذه على المنطقة, وتهدئة النزاعات الأثنية والقومية في المنطقة والتي قد تدفع إلى اندلاع  الصراعات والحروب الإقليمية وتورط أطراف دولية فيها. 
وأضاف بيل كلينتون هدفا جديدا للحلف ليكون أداة لتوفير الأمن والاستقرار للمنطقة ككل. وتقوية الديمقراطيات الوليدة ومساندة الإصلاح الاقتصادي. وتقوية علاقة الحلف مع الجماعة الأوربية والاتحاد الأوربي الغربي الذي انشيء بموجب معاهدة ماسترخت عام 1991 ليكون الآلية الدفاعية للجماعة الأوربية. وبالنسبة للأمم المتحدة فمن المتصور بانتهاء الحرب الباردة أن تزيد فعاليتها على ممارسة دورها في ظل انتهاء الاستقطاب الدولي والدليل على ذلك زيادة عدد عمليات حفظ السلام بين عامي 1988 و1994 إلى 21 عملية أى لأكثر مما قامت به الأمم المتحدة على مدى تاريخها (كان العدد 18 عملية فقط), إلى جانب الاتجاه نحو العولمة وما يتبعها من سوق عالمية أكثر انفتاحا.
وفي الفصل السابع والأخير تناول المؤلف مستقبل الدور الأمريكي في النظام الدولي حيث رأى البعض أن العالم أصبح أحادي القطبية حيث إن الولايات المتحدة أصبحت القوة المهيمنة الوحيدة. كما رأى البعض أن العالم سيعود للقطبية الثنائية وأن كانت بشكل مختلف أى بين الإسلام والغرب وهو ما عرف باسم صراع الحضارات. والرأي الثالث يرى أن النظام الدولي يتجه إلى التعددية القطبية مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حيث ستصبح اليابان وألمانيا قوى كبرى وتستعيد روسيا مكانتها. 
وأيا كان النظام الدولي الجديد فإن السياسة الخارجية الأمريكية ستسعى لتقوية حلف الأطلنطي وتوثيق الصلة بينه وبين الجماعة الأوربية والجهاز الدفاعي لها. إلى جانب مواجهة المنافسة الاقتصادية من دول شرق آسيا وتوسيع دور منظمة التجارة العالمية (الجات) مع التوفيق بين حرية التجارة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المستوى الدولي من ناحية واستقرار الاقتصاد الداخلي من ناحية أخرى والاهتمام ببعض القضايا الدولية وعلى رأسها قضايا البيئة. 

John Gerard Ruggie
Winning the peace : America and World Order in the New Era (New York : Columbia University Press, 1996). xxiv, 2337 p.

15 يناير 2018

المفكر القومي محمد سيف الدولة يكتب: ترامب ورهانات السيسى

https://youtu.be/05rwLLglNNw

((منذ ان التقيت بك فى سبتمبر الماضى ولقد راهنت عليك .... و اعجابى الشديد بشخصيتك المتفردة خاصة فيما يتعلق بمكافحة الارهاب....
بكل قوة وكل وضوح .. ستجدنى انا ومصر بجانبك فى تنفيذ هذه الاستراتيجية لمواجهة الارهاب والقضاء عليه....
ستجدنى وبقوة داعم وبشدة كل الجهود التى ستبذل لإيجاد حل لقضية القرن فى صفقة القرن، ال أنا متأكد ان فخامة الرئيس سيستطيع أن ينجزها)) ـ السيسى لترامب فى البيت الابيض ـ ابريل 2017(1)
***
((فخامة الرئيس .. نحن نحترمكم ونقدركم..ولكم شخصية متفردة قادرة على فعل المستحيل)) ـ السيسى لترامب على هامش مؤتمر الامم المتحدة ـ سبتمبر 2017 (2)
***
((انا أوجه ندائى للرئيس الامريكى .. الرئيس ترامب .. أقول له فخامة الرئيس.. انى اثق بك وفى كلامك وفى قدرتك على انك ستكون مهمتك الاولى هى مواجهة الارهاب فى العالم .. انا متاكد يا فخامة الرئيس انك قادر على تنفيذ هذا الأمر)) مناشدة السيسى لترامب بعد مذبحة المنيا ـ مايو 2017 (3)
***
احتفى السيسى ومؤسساته وأركان نظامه وخبراؤه الاستراتيجيون والعسكريون وأذرعهم الاعلامية بنجاح دونالد ترامب، احتفالا منقطع النظير، الى الدرجة التى شبهه احد كتاب الاهرام "النافذين" بالمهدي المنتظر(4). وكتب المدير الاسبق للشئون المعنوية للقوات المسلحة، سلسلة مقالات فى هذا الشأن يقول فى احداهن بعنوان "صعبان عليهم أن تفرح مصر": (( كيف لا تتفاءلون برؤية مصر وهى تستعيد مكانتها الدولية، وثقلها السياسي؟ وكيف لا تتفاءلون لرؤية الرئيس المصرى يحرك المياه الراكدة، ويتفق مع الرئيس الأمريكى على حلٍ عادل للقضية الفلسطينية ... قضية القرن؟)) (5).
والأمثلة كثيرة.
· ولم يكتفِ السيسى بالاحتفاء، بل اصدر من التصريحات واتخذ من المواقف والقرارات ما خرج عن حدود ما تستدعيه العزة والكرامة الوطنية والتقاليد الرئاسية والدبلوماسية، فقال له على سبيل المثال لا الحصر، فى لقائهما الاول فى البيت الابيض، لقد راهنت عليك، وانت شخصية فريدة، وستجدنى بجانبك فى مكافحة الارهاب و فى صفقة القرن.
· بل انه ارتكب احد الكبائر الوطنية والدبلوماسية حين امر البعثة المصرية فى الامم المتحدة بسحب قرارها بإدانة المستوطنات الاسرائيلية بعد مكالمة تليفونية من ترامب طلب فيها منه ذلك.
·  وحين وقع العدوان الارهابى على حافلات الاقباط بالمنيا فى مايو 2017، استنجد السيسى بالرئيس الامريكى علانية وعلى الملأ فى كلمة مسجلة أذيعت على شاشة التليفزيون المصرى، فى سابقة هى الاولى من نوعها.
·ناهيك عن قبوله المشاركة فى لقاء السعودية المهين، الذى تم حشد فيه الملوك والرؤساء العرب والمسلمين لمقابلة الرئيس الامريكى، على طريقة عمال التراحيل حين يقوم بجمعهم مقاولو الأنفار او على طريقة تلاميذ المدارس حين تحشدهم اجهزة الامن فى الشوارع والميادين للهتاف لمواكب الملوك والرؤساء.
· والأهم من كل ما سبق، هو قبوله الزج بمصر فى تحالف عربى اسرائيلى تحت القيادة الأمريكية لمواجهة ما يسمونه بالمخاطر المشتركة التى تهدد المنطقة.(6)
***
ورغم كل هذا الترحيب والاحتفاء والاحتفال والرهان والمبايعة، جاءت النتائج كارثية!
فلم يستجب ترامب لمناشدات السيسى وَعَبَد الله وسلمان وغيرهم من القادة العرب الذين ناشدوه بالتراجع عن اعلان قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، لما سيسببه لهم من حرج بالغ امام شعوبهم. ولكنه استخف بهم جميعا وأصدر القرار.
ولم يكن من الممكن ان يفعلها بالطبع بدون ان يكلف اجهزته قبلها ببحث واستطلاع ردود الأفعال المتوقعة من الدول العربية الرئيسية فى المنطقة ومدى اضرارها بالعلاقات والمصالح الامريكية فى المنطقة.
وواضح ان تقارير الاجهزة والمؤسسات الامريكية جاءت كلها لتطمئنه من ان اتباعه وحلفائه من القادة العرب لن يفعلوا شيئا يمكن ان يضر الولايات المتحدة. وَمصر الرسمية تحت قيادة عَبَد الفتاح السيسى كانت واحدة من هؤلاء.
***
وكيف لا وهو لم يكف عن ارسال الرسالة تلو الأخرى لترامب ونتنياهو والمجتمع الدولى عن السلام الرائع بين مصر واسرائيل وعن العلاقات العميقة والثقة والطمأنينة بينهما، بالإضافة الى اشاداته المتعددة بنتنياهو وتشويهه للفلسطينيين التى كان ابرزها خطابه الأخير فى الامم المتحدة، الذى ناشد فيه "الشعب الاسرائيلى" للوقوف خلف نتنياهو كرجل سلام، بينما طلب من الفلسطينيين ان يثبتوا للعالم انهم يريدون السلام وكأنهم هم الجناة وليسوا الضحايا(7) . الأمر الذى اعطى مصداقية لأكاذيب نتنياهو حول الارهاب الفلسطينى، وحول ان الدول العربية الكبرى أصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو، وان فلسطين لم تعد تمثل بالنسبة اليهم قضية اساسية او مركزية، وهى المواقف والتصريحات التى لاشك انها مهدت لقرار ترامب حول القدس.
***
لم يكن هذا هو الرهان الخاسر الوحيد الذى اتخذه السيسى، فقضايا وملفات الفشل متعددة، منها :
·  ملف سد النهضة التى عجز حتى تاريخه عن تأمين مصر من مخاطره.
· وملف الاصلاح الاقتصادى الذى طبقه وفقا لروشتات وتعليمات صندوق النقد الدولى التى عصفت بمدخرات المصريين وبقدراتهم الشرائية وزجت بمزيد من طبقات الشعب المصرى فى دائرة الفقر والعوز.
·  وملف الارهاب فى سيناء وخارجها الذى اسقط مئات من الشهداء.
· وملف ما تبقى من السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية الذى تلقى ضربة غادرة وصاعقة بعد تنازله عن جزيرتى تيران وصنافير مما ادى الى صناعة شرخ جديد فى الضمير الوطنى المصرى اضيف الى الشروخ القديمة المزمنة بين الشعب والسلطة.
· وملف العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات والصراع الطبقى الذى يزداد حدة يوما بعد آخر بعد سلسلة السياسات الاقتصادية المنحازة الى شريحة  الـ 10 % الاغنى فى مصر مثل مشروع  العاصمة الجديدة وأمثاله.
· ومثل ملف القروض والديون التى اغرقت مصر بأجيالها الحالية والقادمة، لبناء مشروعات مشكوك فى جدواها الاقتصادية مثل مشروع تفريعة قناة السويس.
·وملف النظام الدستورى والحياة السياسية والديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة والمشاركة فيها، الذى تم القضاء عليها تماما بعد أن دمج عمليا كل السلطات تحت يده وهيمنته هو والسلطة التنفيذية، وبعد ان أغلق الحياة السياسية وأمم البرلمان و الاعلام وحاصر وحظر كل معارض او رأى آخر من كافة التيارات.
· ناهيك عن ملف الحريات وحقوق الانسان الذى وصل به السيسى الى وضع لم يرَه المصريون فى احلك عصورهم .
***
فى الدول الطبيعية و"شبه الطبيعية"، يتم محاسبة والحكام والحكومات والرؤساء والسلطات على فشلهم وهزائمهم ورهاناتهم الخاسرة.
ولكن من يجرؤ على محاسبة السيسى وكل من حذا حذوه فى الدول العربية فى مبايعة ترامب والتوقيع له على بياض؟
***
ولكن وإحقاقا للحق وقبل ان ننهى هذه السطور، يجب الاعتراف بان رهان السيسى على ترامب لم يكن كله خاسرا، فلقد نجح بامتياز فى تحقيق أهم أهدافه ودوافعه، وهو الفوز بالرضا والقبول والدعم الأمريكى له ولنظامه، وكما قال ترامب للسيسى فى لقائهم الأول فى البيت الأبيض: " لديك حليف وصديق فى الولايات المتحدة الامريكية" (8)
*****
القاهرة فى 15 يناير 2018