لماذا لم تصدر مصر تكذيبا رسميا؟
وكيف تسمح بانتهاك سيادتها الوطنية؟ وعلى يد العدو الصهيونى؟
ولماذا تلجأ مصر لاسرائيل؟ ولا تقوم بتوجيه هذه الضربات العسكرية بنفسها؟
ولماذا تسمح بتبييض وجه الجماعات الارهابية وتظهرها بمظهر المعادى لاسرائيل؟
وهل سنعلم اولادنا فى المدارس ان اسرائيل تساعدنا فى سيناء؟
***
لم يصدر أى بيان رسمى مصرى لتكذيب ما ورد فى التحقيق الصحفى المنشور فى نيويورك تايمز بتاريخ 3 فبراير 2018، عن قيام الطيران الاسرائيلى بتوجيه ضربات للجماعات الارهابية فى سيناء بموافقة مصرية صادرة من عبد الفتاح السيسى.
مصر الرسمية التى دأبت على اصدار بيانات التكذيب لعشرات المقالات والتقارير الاجنبية بما فيها تلك التى تصدر من الامم المتحدة، والتى تنتقد حقوق الانسان فى مصر وآخرها تقرير النيويورك تايمز حول التسريبات التليفونية عن توجيه أجهزة الأمن للاعلاميين، التزمت الصمت تماما تجاه التحقيق المذكور.
بما يرجح صحة ما ورد فيه حتى اشعار آخر، ويؤكد مرة أخرى على الحرص الشديد لدى السلطة المصرية الحالية على عدم اغضاب (اسرائيل)، وعدم التجرؤ على نفى ما تقوم بتسريبه من حين لآخر عن عمق العلاقات الامنية والعسكرية بينهما. هذا الحرص العميق الذى ذهب بعبد الفتاح السيسى الى إهانة الشعب المصرى وجنوده وشهداءه ونضاله بالادعاء فى خطابه فى الذكرى السنوية الأخيرة لنصر اكتوبر بأن مصر حاربت فى 1973 من اجل السلام! وكأنه يقدم اعتذارا ضمنيا للاسرائيليين عن مشاركته فى ذكرى الاحتفال بقتالهم والانتصار عليهم.
وهى ذات الدوافع التى جعلته فى خطابه السنوى الاخير بالأمم المتحدة يشيد بنتنياهو كرجل سلام مع قيامه فى المقابل بتشويه الفلسطينيينالذين قال ان عليهم أن يثبتوا للعالم انهم يريدون السلام، والأمثلة متعددة على ما أسميناه فى عديد من الكتابات بالعصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية.
***
ماذا يمكن أن نقول عن هذه الكارثة الوطنية الكبرى اذا كانت قد حدثت بالفعل؟
أى كلمات تلك التى يمكن ان نسطرها لوصف السماح لطائرات العدو الصهيونى التى قتلت مئات المصريين وآلاف الفلسطينيين والعرب، ودمرت الطائرات والمطارات المصرية فى 1967، وارتكبت مذابح بحر البقر ومصنع ابو زعبل، ان تعربد فى المساء المصرية بمباركة من رئيس الدولة.
وهذا العدو الذى لا يزال يحتل ارض فلسطين، ولم تمر سوى اسابيع قليلة على جريمته الكبرى المشتركة مع الامريكان للاستيلاء على مدينة القدس الشريف وما تبقى من فلسطين؟
المسألة لا تحتاج الى تعليق، فالصدمة والرفض والغضب والامتعاض الشديد قد أصاب كل من قرأ الخبر أو علم به.
ولكننى أود هنا أن ابدى ثلاث ملاحظات رئيسية:
الأولى هى ان اكبر دعم يمكن ان يقدمه السيسى للجماعات الارهابية فى سيناء، هو بسماحه للطيران العسكرى (الاسرائيلى) بان يقصفهم. لسبب واضح وبسيط وهو ان الصهاينة فى الوجدان الشعبى المصرى والعربى هم دائما الأشرار، و ضحاياهم هم دائما الاخيار ايً كانت هوياتهم او مرجعياتهم.
وبالتالى سيتعاطف الناس على الدوام مع من تقصفه الطائرات الاسرائيلية. واذا تم تخييرهم بين دعم الجماعات الارهابية ودعم "الضربات المصرية الاسرائيلية المشتركة" فينحازون الى الطرف الاول حتى ولم تواتهم الجرأة على اعلان ذلك.
لقد كنا دائما ما نهاجم الجماعات الارهابية لأنهم يقتلون الجنود المصريين ولا يوجهون رصاصاتهم الى العدو الصهيونى الذى يبعد عنهم امتارا قليلة، ونتهمهم انهم ليسوا سوى أصابع شريرة للاستخبارات الصهيونية، فجاءت رواية نيويورك تايمز لتقول عكس ذلك، فهل من مُكذب؟
***
الملاحظة الثانية والاهم هى انه اذا صدقت الرواية، ويا ليتها لا تصدق، فان السؤال الأول الذى يتبادر الى الذهن، هو لماذا تحتاج مصر الى الطيران الاسرائيلى ليقوم بمهامها العسكرية نيابة عنها؟ ولماذا لا تقوم قواتها وطيرانها العسكرى المصرى بتوجيه هذه الضربات منفردة؟
والاجابة المعلومة لكل المتخصصين والمحجوبة على غالبية المصريين، هى أن (اسرائيل) للاسف تفرض قيودا حديدية على اعداد وتسليح الجيش المصرى فى سيناء بموجب الملحق الامنى من اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية، ومن الواضح، ان صدقت الرواية المذكورة، ان (اسرائيل) ورغم ما يدعيه كل من نتنياهو والسيسى من عمق العلاقات، لا تزال ترفض حلحلة هذا القيود واطلاق يد مصر وحريتها فى نشر واستخدام ما تريده من قوات وطائرات ومطارات واسلحة لفرض الأمن والاستقرار فى سيناء.
فهى تقيد قواتنا وتسليحنا وتمنعنا من الدفاع عن اراضينا وحمايتها كما ينبغى، لتتقدم هى للقيام بهذا الدور. يا للعار.
***
الملاحظة الأخيرة، هى أن استمرار صمت نخبة مصر ومفكريها وقواها الوطنية الحية عن سياسات الاقتراب والتحالف المصرى الاسرائيلى غير المسبوقة التى يقودها السيسى والتى فاقت عصرى السادات ومبارك بمراحل، ستكون بمثابة مشاركة ومباركة منهم فى عملية، تجرى على قدم وساق، لاختراق وتضليل الرأى العام المصرى والأجيال الجديدة، بهدف إعادة تشكيل وعيه وضرب وتصفية ثوابته الوطنية المستقرة تمهيدا لتمرير تطبيع شعبى مع العدو الصهيونى، عجزت جماعة كامب ديفيد على امتداد 40 عاما على تمريره.
فهل هناك من يود أن يرى شباب مصري يقع فى غرام (اسرائيل) ويحتفى يوما ما، بقواتها الطيبة التى تساعدنا فى تحقيق الأمن فى سيناء؟ انتبهوا أيها السادة.
***
وفى الختام سنظل ننتظر صدور تكذيبا رسميا من السلطة المصرية.
*****
القاهرة فى 4 فبراير 2018