نقلا عن مدونتى على هافنجتون بوست عربي
محاولات بعض القوى في الغرب وأنصارها في الداخل العربي، وتحديداً في مصر، شيطنة البطل الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي، لا تعود إلا لكونه قائداً مسلماً ناهض طموحات الحملات الصليبية، خاصة أن تعبيراتهم التي تنمّ عن كراهيته لا تتوقف على مر التاريخ، وتجاوزت مرحلة النقد الذي ينتقد به أي رجل خلّده التاريخ إلى السب والتقريع، كما يحدث كثيراً من الروائي يوسف زيدان الذي تفرغ في لقاءات إعلامية عديدة لمهاجمة الرجل، ومؤكداً أيضاً أن السيسي كلَّفه بتجديد الخطاب الديني.
زيدان يصف صلاح الدين بأحقر شخصية في التاريخ
يوسف زيدان السيسي كلفني بنشر تجديد الخطاب الديني
يأتي الهجوم على الرجل بدءاً من التعرض له بالسب والتحقير في أغاني الأطفال البسيطة التي كانت متداولة اعتيادياً، إلى الأعمال الأدبية العالمية، وصولاً إلى تصريحات الساسة الإمبرياليين وبعض رجال الكنيسة المتطرفين، انتهاءً بتدنيس قبره ليس على يد صبية لاهين، ولكن على يد قادة سياسيين تاريخيين.
الحرب ضد الرجل في مصر لم تكن أبداً مباشرة وصريحة من قبل كما هي اليوم، بل كانت تأتي في صور أغانٍ للأطفال وأمثال شعبية مجهولة النسب؛ حيث وضع خبثاء أغاني مشهورة كان يرددها قديما الأطفال في صعيد مصر دون وعي منهم بمدلولاتها وذلك انسياقاً وراء القافية الموسيقية، تسخر الأغاني من الرجل وتصمه بصفات الشر، تقول مقدمة إحداها مثلاً: "صلاح الدين الأيوبي ضربته بفردة مركوبي"، أي: حذائي.
وفي الحرب العالمية الأولى حرص الجنرال البريطاني اللنبي الذي قاد الجيش المصري والعربي تحت راية التاج البريطاني ذي الصليب لمهاجمة دولة الخلافة الإسلامية العثمانية التركية وإسقاطها، دخل دمشق وقال: الآن انتهت الحروب الصليبية، فيما حرس قائد الجيوش الفرنسية الجنرال هنري غورو على أن يزور مرقد وضريح صلاح الدين الأيوبي، وأن يضع قدمه فوق شاهده، مردداً قوله: "ها نحن عُدنا يا صلاح الدين".
انظر ما قاله الجنرال اللنبي
ما قاله القائد الفرنسي غورو
كما هاجم رجل الدين والمستشرق أرنست رونان عام 1883 ووصفه في كثير من خطبه بصفات تحطّ من شأنه.
"راجع كتاب الصورة النمطية للعرب والمسلمين في أوروبا - الدكتور منير حجاب- قسم الصحافة بجامعة سوهاج"
الغرب المنصف
ولكن في الاتجاه المقابل، كما حفل المشهد بكثير من الناعقين على الرجل، حفل أيضاً بأضعافهم من المنصفين الغربيين الذين غردوا للرجل، وكسبت مواقفهم احترام المسلمين حول العالم، وأسبغوا على الرجل صفات مثالية لم يسبغوا بها على رجل مسلم قط، فحينما زار الإمبراطور الألماني غليوم الثاني الإمبراطورية العثمانية قُبيل الحرب العالمية الأولى، حرص على زيارة ضريحه بدمشق ووضع عليه إكليلاً رائعاً من البرونز صُنع خصيصاً في برلين احتراماً لإسهاماته في الحضارة الإنسانية، وبقي هذا الإكليل على الضريح حتى دخل الإنكليز دمشق عام 1916 فسرقه الجاسوس البريطاني الملقب بلورانس العرب، بدعوى أنه من الغنائم الحربية وأخذه إلى بلاده.
كما مدح المؤرخ البيزنطي نكتياس خونياتس صلاح الدين ووصفه بأنه كان رحيماً حينما تمكّن من فتح القدس أكثر ما كان الصليبيون رحماء بالمسلمين حين غزوها.
وعن ذلك قال ميخائيل زابوروف، المؤرخ الروسي: إن رحمة صلاح الدين بالمسيحيين كانت سبباً في دخول الصليبيين للإسلام، ودخول صلاح الدين كُتب أساطير التاريخ، وبذات الوصف تقريباً وصفه إدوارد جيبون أحد مشاهير الرومان.
وقال عنه المؤرخ البريطاني هاملتون جب: "يشكل عهد صلاح الدين أكثر من حادثة عابرة في تاريخ الحروب الصليبية، فهو يمثل إحدى تلك اللحظات النادرة والمثيرة في التاريخ البشري، لقد استطاع أن يتغلب على جميع العقبات لكي يخلق وحدة معنوية برهنت أن لها من القوة ما يكفي للوقوف بوجه التحدي من الغرب".
وهناك آلاف الوقائع في هذا الإطار.
تقييم الرجل
قد يكون للرجل هفوات أو أخطاء أو مطامع خاصة قد لا نعلمها، لكن علينا أيضاً الاحتراز والإنصاف لنقول إنه أيضاً ليس هو بنبي أو حواري أو معصوم أو حتى ولي أو فقيه أو شيخ، بل هو سياسي خضع لإرادة الشعب الذي يحكمه، أو يشارك في حكمه بتحرير كامل التراب الوطني من الاحتلال الاستيطاني الثيوقراطي الصليبي، واتخذ قراراً بمحاربة العدو لا التواطؤ معه على حساب الشعب والأرض والدين كما يفعل ساسة مصر الآن الأولى بالهجوم.
فكثير من مشاهير الغرب كانت عليهم مآخذ سلوكية، ولكن ذلك لم يمنع الغربيين من تبجيلهم -تطبيقاً لمقولة: مَن ليس له كبير فليصنع كبيراً، ومَن ليس له تاريخ فليصنع تاريخاً كما فعلت إسرائيل- من الأدباء حتى الساسة، فمثلاً في مجال الأدب، لم يكن خافياً أن الأديب الإيطالي "دانتي" اقتبس كوميدياه الإلهية من رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، في وصف الجنة والنار ورحلة الإسراء والمعراج، وطرحها بشكل مغاير مجدداً بما يتفق مع رؤيته كمسيحي كاثوليكي، ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى أن "دانتي" وضع النبي الأكرم وأيضاً الناصر صلاح الدين ضمن سكان الجحيم، ولكنه اختصَّهما بمرتبة عليا فيه تضم الشخصيات الإصلاحية الجيدة، التي تعذب فقط؛ لأنها لم تكن مسيحية.
ومع ذلك فصلاح الدين لا هو هذا ولا ذاك، ولكنه خلّد في التاريخ كرمز مقاوم انتزع بيت المقدس من سارقيه وأعدائه وأعاده إلى أصحابه الأصليين في لحظة نادرة في التاريخ ليست صدفة.
ولعله ليس من قبيل الصدفة أن يوسف زيدان لم يكن وحده هو مَن تطاول بالسب على صلاح الدين الأيوبي من أبناء جلدتنا، ولكن هناك للأسف كثير من الكتاب المنتسبين للعروبة والإسلام أيضاً، واللافت أن ما يجمع بينهم جميعاً هو تشكيكهم في ثوابت الإسلام.
ومن أمثال هؤلاء المتطاولين يأتي الكاتب السوري نضال نعيسة، والأزهري أحمد راسم النفيس.
ولعل زيدان بوصفه محرر المسجد الأقصى الذي يتفق مع الصهاينة في نفي وجوده قد سقط سقطة سقطها من قبله الروائي أسامة أنور عكاشة، حينما وصف عمرو بن العاص في 2004 بأنه "أحقر شخصية في الإسلام" وبأنه "أفّاق"
على كلٍّ فالرجل حفر اسمه في التاريخ كصاحب ملحمة الدفاع عن الأقصى، ولن ينال منه سباب انطلق نحوه في فترة انفتقت فيه سماوات الإعلام الرسمي لتخر سباباً في كل ما له علاقة بالإسلام، والمسلمين والرسول والأتباع والصحابة، بل والله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق