لم يحركني فوز رواية عزازيل بجائزة بوكر لقراءة الرواية ، وإنما سذاجة الأفكار السياسية لكاتبها، والحق أنني كنت مستفزاً عند قراءتها فقد أزعجتني مواقف الكاتب ورؤيته للأحداث المعاصرة.
رواية عزازيل هي رواية تاريخية تتناول حدثاً هاماً صاغ الديانة المسيحية وشكلها على النحو الذي نعرفه اليوم وهو المجمع المسكوني الثاني المعروف بمجمع أفسوس الأول في العام 431 ميلادية.
أهمية الرواية أنها تظهر طريقة الحياة في مصر وسوريا الطبيعية من حيث الطعام والمسكن والتنقل، كذلك حياة الرهبان المتقشفة في الأديرة.
ومع اعتبار أن التطور التاريخي للبشر كان بطيئاً فإن الرواية تتناول حياة الناس في هذه المنطقة من العالم لفترة طويلة من الوقت امتدت منذ اعتناق الأمبراطور قسطنطين للمسيحية في العام 313 ميلادية وحتى ظهور الإسلام في العام 622 ميلادية ( السنة الاولى هجرية). لكن في الفترة التي تناولتها أحداث الرواية ، ومع أن الدين المسيحي كان هو دين الدولة الرسمي الا أن جزءً هاماً من شعوب المنطقة كان لا يزال وثنياً.
لم يتناول أي كاتب باللغة العربية هذه الفترة التاريخية من قبل ، وإن تناولها أحد فإنما لتناول حياة الملوك وأفعالهم، وهذا يعطي يوسف زيدان قصب السبق في هذا المجال. وقد كان مزجه بين الرواية والأحداث التاريخية الهامة ماهراً ، واستعمل الكاتب لغة عربية جزلة .
ولتعريف القارئ بالرواية ففيما يلي مختصر بسيط لها:
عزازيل هي مذكرات شاب مصري يروي قصة حياته حيث ولد في صعيد مصر ودخل سلك الرهبنة وهو صغير ثم هاجر في طلب العلم ودراسة الطب الى الإسكندرية ثم قادته الحياة الى العيش في إيلياء/ أورشليم وقضي بقية حياته في دير صغير بين أنطاكيا وحلب.
وخلال حياته عرف عن قرب بعض الشخصيات الهامة التي حضرت مجمع أفسوس الأول مثل بابا الإسكندرية كيرلس الأول والأب نسطور وكذلك أسقف أنطاكيا يوحنا، وكانت علاقته مع الأب نسطور الذي عرف فيما بعد بالقديس نسطورس قوية جداً ، فقد كان بمثابة الصديق والأب الروحي لهذا الشاب وكانت هناك حوارات هامة حول طبيعة المسيح كما يراها نسطور.
في حياة هذا الراهب ثلاث نساء أحبته الأولى ، أوكتافيا ، وهي إمرأة حالمة قابلها في بداية مشواره في الإسكندرية ، ثم طردته بعد اكتشافها أنه راهب مسيحي وهي الوثنية.
بهرته الثانية ، هيباتيا الوثنية ،( 371 م - 415 م) أستاذة الفلسفة الأفلاطونية الحديثة في الإسكندرية وقد بلغ إعجابه بجمالها وعلمها أنه اشتق لنفسه اسماً من اسمها فهو الراهب هيبا .
شاهد الاثنتين تموتان على يد الغوغاء والمتعصبين من المسيحيين سكان الإسكندرية بعد أن حرضهم بابا الإسكندرية كيرلس الأول الذي يكره الوثنيين ويتمنى زوالهم.
وأحب الثالثة ، مرتا المغنية وقد سكنت في الدير الذي يعيش فيه قرب حلب.وبالنسبة لراهب متنسك ظل طيلة حياته يشعر بإثم العلاقة مع أوكتافيا ومرتا .
بعد رؤيته للمسيحيين في الإسكندرية يسحلون هيباتيا ويقتلون أوكتافيا انتقل الى إيلياء (القدس) وهناك عالج الطبيب هيبا الكثير من المرضى مجاناً ومعظم العلاج كان التداوي بالاعشاب. ويشبه علاجه ما نطلق عليه اليوم الطب الشعبي أو العربي.
انتقل بعد ذلك الى أحد الأديرة في شمال سوريا ، حيث عاش عشرين عاماً وقد سجل مذكراته هذه خلال أربعين يوماً واستعمل فيها رقاعاً من جلد الغزال.
عنوان الرواية ملفت للنظر وعزازيل تعني الشيطان ، ولكن لم يكن هناك أي دور فعلي للشيطان في الرواية سوى حث هيبا على كتابة مذكراته، ويمكننا أن نطلق عليه اسم (شيطان الكتابة) وبالطبع فللكاتب الحرية في اختيار العنوان الذي يريد لروايته.
شكل ظهور السيد المسيح معضلة لكثير من الفلاسفة والمفكرين ، كان البحث دائباً بين الكهنة والأساقفة عن طبيعة المسيح وعلاقته مع الله .
وتتدرج هذه العلاقة من كونه أحد الأقانيم الثلاثة ( الأقنوم هو وحدة الكيان) متمثلة في الآب والابن والروح القدس ، كيان واحد هو الله ، ويقول الكاتب على لسان أحد الأساقفة إن هذه الفرضية منقولة أو مستوحاة من التراث الفرعوني القديم ، وبين كونه نبياً من الأنبياء مثل من سبقه منهم .
تم عقد عدد من المجامع المسكونية لهذا الغرض ، ولكن المشكلة في هذا السياق أن الخروج بنظرية معينة عن طبيعة المسيح تأتي بالاتفاق أو الرفض من قبل المجمع ، يضع أحد الأساقفة فرضية ما فيوافق له المجمع أو يرفضها، وهنا تتدخل الأهواء الدنيوية في القرار. فالأمبراطور البيزنطي هو أحد الحضور وصوته هام في ترجيح كفة على أخرى.
حدث هذا في مجمع نيقيا سنة 325 ميلادية الذي رفض أفكار القس آريوس الذي قال بأن المسيح هو نبي من الأنبياء وتبنى أفكار البطريرك ألكسندروس الأول الذي قال بأن المسيح هو الله .
ويقول زيدان على لسان نسطور إن قسطنطين الذي حضر المجمع لم يقرأ كتاباً واحداً عن المسيحية ومع هذا دعم مدرسة الإسكندرية وكانت عينه على استمرار تدفق الثروات المصرية الى خزائن الامبراطورية.
فقدت المسيحية روحها بعد اعتناق الأمبراطور لها ، بعد أن كانت دين الفقراء والمحرومين والشهداء ، فعلى مدى 250 عاماً عُذب المسيحيون وسحلوا وأحرقوا وجوعوا وأخِذوا لمسابقات المصارعة وكانوا طعاماً لحيوانات الحلبات. وبعد أن أصبحت دين الدولة الرسمي ساد مبدأ ( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله).
أما مجمع أفسوس الذي حضره الأمبراطور ثيوذوسيس فقد تبنى وجهة نظر كنيسة الإسكندرية (الاقانيم الثلاثة) ورفض أفكار نسطور ومؤيديه.
استمرت الأريوسية والنسطورية زمناً طويلاً بعد وفاة الاثنين ومن الجدير بالذكر هنا أن المسيحيين العرب أمثال ورقة بن نوفل وقس بن ساعدة الإيادي كانوا يؤمنون بوجهة نظر أريوس ونسطور حول طبيعة المسيح.
انطباعات عامة عن الحياة في القرن الخامس ميلادي :
كان التمايز الطبقي واضحاً ففقراء الإسكندررية يسكنون في خيام خارجها ويدفعون مقابل مبيتهم فيها ويدخلون الى المدينة في الصباح للعمل فيها.
كان الفضل الأكبر للأديرة في الحفاظ على التراث اليوناني وكان رهبانها هم أكثر الناس ثقافة في ذلك الزمن، واحتفظوا بالكتب والرقائق عبر القرون.
سكان سوريا الطبيعية هم من الجنسية العربية ولكن لا توجد فرقة أو تمايز بين شعوب المنطقة ، فشاب من صعيد مصر يستطيع الحياة في شمال سوريا، كما أن امرأةً سورية لا تمانع في السفر الى الصعيد والحياة فيها ( عرضت مرتا على هيبا الإنتقال الى الصعيد) .
كان التجار العرب من الجزيرة العربية همزة وصل بين مناطق العالم القديم.
عزازيل رواية جيدة لمن يهوى التاريخ وقد أبدع الكاتب في دقة الوصف والمزج بين الرواية والتاريخ وامتازت اللغة بالسلاسة والإنسياب . ورغم أن الكاتب يدين بالإسلام إلا أن دقة وصفه لتفكير راهب مسيحي وعباداته وصلواته تستحق الإعجاب.والكاتب يميل الى وجهة نظر معينة بخصوص ما جرى في مجمعي نيقيا وأفسوس جلبت عليه غضب الكنيسة القبطية ، إلا أن الرواية قد ترجمت الى العديد من اللغات العالمية.