26 ديسمبر 2015

الغريري يتبرع بانتاج شهادات الف شخصية عالمية حول عظمة الرسول

انتهى الباحث والشاعر العراقي اسعد الغريري من اعداد وتقديم واخراج البرنامج التلفزيونى "فرسان الحقيقة" والذى في عشر حلقات تتضمن شهادات عظماء اوربا والعالم بأسره بعظمة رسالة الاسلام وكتاب الله العزيز القراءان المجيد ونبيه الكريم محمد صلى الله الله عليه وسلم بالصوت والصورة.
وقد احتوت الحلقات على شهادات مئات العظماء والمفكرين والساسة في العالم اجمع من غير المسلمين شهدوا بعظمة رسالة الاسلام ورسوله مثل برناردشو وبسمارك وليو تولوستوى ومارتين وجوته وبوشكين ونيتشه وكارل ماركس وكثيرين اخرين.
وقال الباحث والشاعر اسعد الغريري :ريع هذا البرنامج سيذهب للفقراء واليتامى والمساكين والله من وراء القصد وانه قد اقدم على العمل ابتغاء مرضاة الله ويتوقع ان يحوز على على الرضاء المشاهدين
وقد تم تسجيل البرنامج عبر استديوهات متخصصة باحدث تقنيات الانتاج
وحول سؤاله عن الجهات التى ستقوم بعرض هذا العمل قال انه يتيح لكافة القنوات الفضائية عرضه ويمكن لاى قناة راغبة في ذلك التواصل معه مباشرة عبر الهواتف التالية 01004749503 و01067507506 

20 ديسمبر 2015

زهير كمال يكتب:الروائي يوسف زيدان وإسرائيل


عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897 وكان هدف المؤتمرين بحث المسألة اليهودية ، وكانوا خليطاً من اليهود بمختلف الاتجاهات الاشتراكية والقومية ومن المتدينين والملحدين على حد سواء.
توصل المؤتمرون الى أن حل المسألة اليهودية يكمن في إقامة وطن قومي لليهود وتم اقتراح بلاد مثل قبرص والأرجنتين وأوغندا كمكان لإقامة هذا الوطن المنشود.
وفي النهاية استقر الرأي على فلسطين، فأرض الميعاد فكرة ملهمة تدغدغ مشاعر اليهود وهي حلم جميل يستطيع جمع كل اليهود أينما كانوا سواءً في روسيا أو بولندا وصولاً حتى بريطانيا.
وهكذا تم استغلال الدين من أجل فكرة سياسية
فما الذي يجعل ملحدين يتبنون فكرة دينية؟ أليس الشعور بأن المصلحة العامة تقتضي ذلك؟
وفي المقابل يحاول يوسف زيدان طرح فكرة الإسراء الى مسجد آخر على طريق الطائف كبديل عن القدس، وبدون إمعان تفكير ( مع افتراض حسن النية) تدمير قداسة العلاقة بين المسلمين والعرب من جهة وفلسطين من الجهة الأخرى، فتتحول فلسطين الى أوغندا أو الأرجنتين لا فرق.
لقد اعترف زيدان بأن إسرائيل عدو، فلماذا يتخلى عاقل إذاً عن أحد أسلحته أثناء المعركة ؟
وإضافة الى كون قضية فلسطين قضية عادلة يتبناها كل صاحب ضمير ووعي بغض النظر عن دينه وجنسه ، فإن التأييد المطلق من الشعوب العربية والإسلامية للشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه المشروعة هو سلاح لا يستهان به. وهو نابع من تراث عميق ومتجذر في أذهان المسلمين كرسه الدين الإسلامي في عقول تابعيه.
ويريد زيدان زعزعة هذا التأييد ورميه في القمامة.
ولهذا تتعدى المسألة تفسير مثقف لحادثة دينية ( الإسراء) ، أضف الى ذلك أن الرجل يؤمن بالحق التاريخي لليهود في فلسطين، ويبدى إعجابه بالشعب الإسرائيلي.
ويؤدي هذا الى وضع تفكير هذا المؤلف تحت المجهر والشك في نواياه.
وللتذكير فقط فالمسألة ليست في الشعب اليهودي وحقه في الحياة مثل باقي الشعوب وإنما في الدور الذي تلعبه إسرائيل في المنطقة والذي يغفله زيدان .
فمنذ أن وجدت إسرائيل وهي تلعب دوراً قذراً في المنطقة بدءً بضمان تدفق النفط الرخيص الى الأسواق الغربية وانتهاء بالمذابح التي ارتكبتها في حق الشعوب العربية.
ولو قصرنا الدور الإسرائيلي على مصر فقط، بلد الكاتب، فسنجد في الحقبة الأخيرة من التاريخ انتشار المواد الكيماوية المسرطنة والمستوردة من إسرائيل والتي تسببت في مرض أحد عشر مليوناً من شعب مصر الفقير الذي لا يحسب الكاتب حساباً له ، كما أن سرقة ثروة مصر من الغاز الطبيعي، ومصر في أمس الحاجة إليها لهي مصيبة أخرى.
في المثلين السابقين قام فاسدون ينقصهم الوازع الوطني وهمهم جيوبهم بتكوين ثروات طائلة غير مكترثين بالمصلحة العامة، وهي ثروات ملوثة بدماء المصريين البسطاء ومسروقة من أفواههم. فلماذا نغفل دور إسرائيل في الحالتين؟
يوسف زيدان وأمثاله من مثقفي الطبقة الوسطى المصرية، يعيش في انفصال كامل عن واقع الحال في مصر، ولم يكن أحد ليلومه لو أنه استمر ككاتب روائي يغني المكتبة العربية برواياته، ولكن عندما يبدأ بإعطاء تصريحات سياسية غير مدروسة، مثل موقفه من ثورة الضباط الأحرار عام 1952 ويظهر عيوب الثورة فقط بدون النظر الى التغييرات الجوهرية التي أحدثتها في المجتمع المصري ، إنما يدل على انحياز زيدان الى الطبقات العليا في المجتمع المصري، فلم تكن هناك أية قوة قادرة على تفتيت الإقطاع مثلما فعلت الثورة الناصرية. ولا يمكن إغفال ما فعلته الثورة من وضع مصر في مكانها الصحيح في هذا العالم حيث تبوأت مركزاً مرموقاً كقائدة للعالم العربي وأفريقيا ورمزاً لحركات التحرر في العالم أجمع.
ويشبه موقف زيدان موقف فئة كبيرة من الفنانين ضد ثورة 25 يناير المجيدة.
وهذا ناتج بلا شك عن سنوات التسطيح والتجهيل الطويلة التي مرت بها مصر والعالم العربي والمستمرة حتى يومنا هذا والتي تؤدي الى نتائج وخيمة لا يقتصر مداها على المنطقة بل تعم العالم أجمع.
يقول يوسف زيدان إن إسرائيل عدو عاقل فهل يبرر ذلك أن نتعامل معها بميوعة؟ وأن نعطيها صك غفران لما فعلته في صبرا وشاتيلا لمجرد أننا نعجب بمظاهرة احتجاج إسرائيلية ضد المذبحة.
والحق أن إسرائيل عدو ذكي ، وما يخططه هذا العدو لمصر بخاصة وللعالم العربي بعامة لهو أخطر بكثير مما يتصوره زيدان ، وإن لم يع ِ هو وأمثاله من المثقفين مثل هذه المخططات فإن أوضاع المنطقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً والتي نعتبرها سيئة الآن ستكون نعيماً بالنسبة لما هو قادم حسب مخططاتها.
أتراها ضاقت علينا وحدنا
يا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنا
يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى، أراك لَحَنْتْ
***
من قصيدة (في القدس)، للشاعر تميم البرغوثي

18 ديسمبر 2015

بريطانيا والإخوان المسلمون: هل أثمرت الضغوط العربية؟

رأي القدس
أصدر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمراً في 31 آذار/مارس 2014 للمسؤولين المعنيين في جهازي الاستخبارات الداخلية والخارجية بالتحقيق في نشاطات جماعة «الإخوان المسلمين» في بريطانيا، وقد تكشّفت لاحقاً علاقة هذا الأمر بضغوط اقتصادية وسياسية كبيرة من قبل دول عربية محددة على لندن لحظر «الإخوان» ومطاردتهم قانونياً، وهو ما جعل إعلان نتائج التحقيق الذي كلّف به جون جينكينز سفير بريطانيا السابق للسعودية يدور في مسارات معقدة بين كواليس «وايتهول»، مقر الحكومة البريطانية إلى أن قررت، أمس، إعلانه وبشكل يحمل آثار تلك الضغوط والولادة المتعثرة.
البيان المكتوب الصادر عن مكتب رئيس الوزراء البريطاني حول التحقيق يصف أعضاء الجماعة بأنهم «متطرّفون محتملون»، وبأن الانتماء للإخوان « قد يكون مؤشراً للتطرّف»، وبأن بعض أعضائها لديهم «علاقات غامضة جدا مع العنف المتطرف».
ولتوضيح التوصيفات المذكورة يشير بيان كاميرون إلى مثالين: الأول هو أن أدبيات الجماعة تعتبر بريطانيا «معادية بشدة للدين والهوية الإسلاميين»، والثاني هو أنها تعبّر عن دعمها «للهجمات الإرهابية التي تقوم بها الجماعة الإسلامية حماس».
في غياب نسخة كاملة من التقرير، واعتماداً على بيان مكتب رئاسة الوزراء، يمكننا القول إن التعامل البريطاني مع مسألة هائلة التأثير على العالم الإسلامي مثل «الإخوان المسلمين» يعبّر عن إشكاليات عديدة.
أول هذه الإشكاليات أن هذا التحقيق لم تستدعه خروقات أمنية أو قانونية قامت بها الجماعة في بريطانيا، وأن طابعه «المستورد» جاء على خلفية الضغوط الكبيرة التي مارستها دول عربية، على رأسها الإمارات ومصر (التي كانت أول من رحّب أمس بصدور التقرير)، وهذا ما يشكك بمصداقية بريطانيا ويربط قرارها السياسي والأمني والقانوني بـ»علاقات غامضة جداً» تعمل في خدمة «المجهود الحربيّ» للاستبداد العربيّ.
ثاني هذه الإشكاليات أن تعامل لندن مع قضية «الإخوان» كان أمنيّاً، في اختزال متعسّف ومسيء لقرابة مئة عام من التاريخ السياسي الذي تمثّله الجماعة في أغلب البلدان العربية والإسلامية.
شكّل «الإخوان المسلمون» تيّاراً ثقافياً وسياسيا شعبياً عريضاً منذ عشرينيات القرن الماضي مع تفكك السلطنة العثمانية التي كانت بالنسبة للإسلام السنّي تجسيداً عضوياً للعلاقة بين الإسلام ودولته، وترافق ذلك مع هجمة عنيفة للإمبرياليات الغربية على مقر السلطنة الرمزي وعلى البلدان العربية أيضاً، وكان هذا التيّار آليّة سياسية (ونفسية) كبرى لعلاج الشعوب العربية والإسلامية من رضّة حضارية هائلة.
وجاءت الدولة العربية الحديثة التي حاولت أن تكون على صورة أوروبا لتبرهن عن فشل كبير مدوّ في التعاطي مع استحقاقات الواقع، وكان الاضطهاد الذي مورس على ما سمّي بتيّار «الإسلام السياسي» أحد الأسباب البنيوية لهذا الفشل، فهذه الدولة «الحديثة» استوردت من أوروبا أشكال الحكم البرلمانية والقوانين والنظم العسكرية والأمنية ولكنّها، بدون استثناء، رفضت آليات العمل الديمقراطي والفصل بين السلطات، فتحوّلت إلى نظم دكتاتورية تعتاش على الفساد والظلم والتبعيّة للخارج.
تعرّض «الإخوان المسلمون» على مدى حقب طويلة للاضطهاد والملاحقة والقمع، وهو ما أدّى إلى انشقاق جماعات عنهم وتحوّلها إلى تنظيمات عنفيّة، وكانت سلميّتها سبباً دائماً للانتقاد من داخل كوادرها، وكذلك من التنظيمات المتطرفة والعنيفة.
إن وجود اتجاهات وميول داخل «الإخوان» للعنف هو أمر طبيعيّ ويجري عليهم كما يجري على كل التيارات السياسية في العالم التي تتعرّض لضغوط قاهرة، فالعنف الذي تمارسه الأنظمة، والقوانين التي تسنّها لمطاردتهم تجعلهم في امتحان دائم مطلوب منهم الفشل فيه والتحوّل إلى تنظيم عنيف لتبرير إرهاب الدولة ضدهم.
يضاف إلى كل ذلك أن مسمّى «الإخوان المسلمين» هو توصيف فضفاض لحركات كبيرة وعديدة تبيّأت ببيئاتها واكتسبت صفاتها الوطنية، فالإخوان المصريون يختلفون عن السوريين واليمنيين والجزائريين والتونسيين والمغاربة والأردنيين، وقد اختط التوانسة والأتراك على سبيل المثال، لأنفسهم خطّة مغايرة بشكل عام للاتجاه العام للإخوان، واتجهوا إلى التعاطي مع المجتمعات المسلمة من دون فرض فكرة إسلامية الدولة التي أرهقت الفكر السياسي الإسلامي وعصفت به، في السنوات الأخيرة، عصفاً شديداً.
يبقى أن حديث بريطانيا عن كون الجماعة تحمل «تطرّفاً محتملاً»، وأن الحكومة البريطانية ستضع شؤونها تحت المراقبة، في الوقت الذي يقبع فيه الرئيس المصري السابق محمد مرسي في السجن ويتعرّض «الإخوان» في أكثر من بلد عربيّ لقمع رهيب، ليس إلا دعماً غير مباشر لهذا الاتجاه المستبد من بلد يعتبر نفسه أقدم ديمقراطيات العالم.

اللغة العربية في العالم

• في العالم اليوم أكثر من 6000 لسان.
• يموت كلّ أسبوعين لسان منها بموت من يتكلـّمونه من شيوخ لم يعد أبناؤهم يتكلـّمونه.
95 % من ألسنة العالم يتكلـّمها 5 % فقط من البشر، في حين أنّ 5 % من السنة العالم يتكلـّمها 95 % من سكّان الأرض.
• معنى هذا أنّ العربيّة من جملة الألسنة الثلاث مائة (300) البعيدة عن حافـّة الخطر، وغير المهدّدة بالاضمحلال في القرون القادمة، إلا إذا وقعت كارثة طبيعيّة أو إنسانيّة مريعة، كأن يفيض البحر الأبيض المتوسّط أو ترتكب دولة من الدول حرب إبادة ذرّيّة أو كيميائيّة بيولوجيّة لقتل 400 مليون عربيّ، حسب التقريب، وبعض المئات من الملايين الذين يستعملون العربيّة لسانا ثانيا أو لسانا دينيّا. ينبغي مثلا للقضاء على العربيّة إبادة إيران وتركيا وإفغانستان وباكستان وجزء من الهند وعرب إفريقيا ...و ...و ... إسرائيل أيضا، لا لوجود فلسطينيّين فيها فقط، بل لأسباب ثقافيّة يهوديّة عبريّة خالصة.
• بتعبير آخر، العربيّة أقوى بكثير وكثير مـمـّا يظنّ "العرب" أنفسهم.
• فهي من الألسنة العشرة الأكثر استعمالا ونفوذا في العالم؛ ولكنـّها ليست العاشرة، وللأسف لم تعد الأولى منذ مدّة.
• هي، وفق المعيار العددي، اللسان الخامس عالميّا حسب إحصائيّات 2015 الأمريكيّة. تسبقها بالترتيب: الصينيّة فالإسبانيّة، فالأنكليزيّة، فالهنديّة الأرديّة.
• من غير شك، هذا الإحصاء لا يعجب الفرنسيّين الذين يجدون لسانهم في المرتبة 14. لكن لا يهمّ. فالمنظمة الفرنكفونيّة نفسها لم تستطع زحلقتها إلا إلى المرتبة السادسة.

منصور الشتوي يكتب: جدلية اللغة العربيّة

إنّ اللغة العربيّة استقرّت لغة موحّدة للمجتمع العربيّ لأسباب تاريخيّة ودينيّة وسياسيّة مختلفة لكنّها "ورثت" رواسب من لغات الشعوب والقبائل التي كانت مستقرّة في هذه المنطقة التي نسمّيها اليوم "الوطن العربيّ". 
والأدلّة على ذلك كثيرة. ولعلّ مبحث "اللسانيّات الساميّة المقارنة" هو أكثر المباحث كشفا لصلات القرابة بين العربيّة وأخواتها الساميّات من جهة ولما ترسّب فيها من أطوار لغويّة سابقة أثّرت في أنظمتها الصوتيّة والصرفيّة والمعجميّة والتركيبيّة والدلاليّة من جهة أخرى. 
لكنّ هذه الكشوف العلميّة لا تعني نفي كون العربيّة لغةَ المجتمع العربيّ منذ أن اكتمل تكوينه أمّةً. ذلك أنّ المنسيّ أحيانا في الحديث الذي يراد له أن يكون "علميّا" عند علماء اللسان هو أنّ هذا العلم يقوم على محورين: الآنيّة والزمانيّة. والدراسة الآنيّة تعني دراسة الظاهرة في زمانها ثابتة أي من حيث هي بنية قائمة على عناصر وعلاقات بين تلك العناصر؛ والدراسة الزمانيّة هي دراسة الظاهرة/البنية في حركتها داخل الزمن أي وهي نظام. ذلك أنّ النظام هو بنية متحرّكة أو بنية مضافا إليها الحركة والقواعد (أو القوانين) والمبادئ. 
وهذا إن طبّقناه على اللغة – وعلى العربيّة مثلا – سيتبيّن لنا أنّ القول بوجود آثار لغويّة من أطوار سابقة في اللغة العربيّة يجب أن ينزّل تنزيلا تاريخيّا. وعندئذ سيكون ذلك تأكيدا أنّ الطور السابق لا ينفي اللاحق ولا يكون حجّة عليه كما أنّ الطور اللاحق لا ينفي السابق ولكن يشمله ويتجاوزه. 
ولينظر من شاء التوسّع أعمال المتخصّصين في الدراسات اللغويّة الساميّة المقارنة فقد أكّدوا فيها اتّساع إمكانات العربيّة التعبيريّة مقارنة باللغات التي ورثت منها عناصر في أطوار سابقة. 
ومن تلك الأعمال كتاب الأستاذ رمزي بعلبكّي "فقه العربيّة المقارن" وكتاب المستشرق هنري فليش "الجامع في فقه اللغة العربيّة"... وغيرهما كثير.

15 ديسمبر 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة بكتب: لا لمشاركة مصر فى التحالف السعودى العسكرى

لا للتحالف العسكري الاسلامى بقيادة السعودية ـ ملاحظات أولية :
· هو مشروع امريكى بالأساس فلقد أكد ‫أوباما والإدارة الامريكية مؤخرا على ضرورة تكوين قوات برية عربية واسلامية لمقاتلة ‫ داعش، للتحايل على ضغوط الجمهوريين لإرسال قوات برية أمريكية الى العراق وسوريا
· وهى خطوة ستؤدى الى تحويل الجيوش العربية والإسلامية الى القيام بدور العساكر فى مباراة شطرنج تحتل فيه امريكا والدول الغربية دور الملك
· وهو تأكيد لاستلاب السعودية لدور ومكانة مصر التاريخية والاستراتيجية، فلها القيادة اما مصر فمجرد عضو فيها، وهو ما يحدث للمرة الثانية بعد انخراطها فى التحالف السعودي فى الحرب على اليمن.
· وهى تعكس مفارقة مهينة بين اجهاض السعودية للمبادرة المصرية السابقة لتشكيل قوة عربية مشتركة تتبع الجامعة العربية، وبين الاستدعاء السعودى لمصر ولغيرها للانخراط الفورى فى تحالف تحت قيادتها.
· وَمِمَّا يزيد من مهانة المشاركة المصرية، هى انه تقوم به بدور تابع التابع، وكأنها عامل تراحيل لدى السعودية بصفتها مقاول الباطن الاقليمى الحالى لدى المقاول العمومى الامريكى فى المنطقة.
· كما ان النظام المصرى الذى صدع رؤوسنا منذ عقود بان حرب أكتوبر هى آخر الحروب، وتصالح مع العدو الصهيونى وباع له فلسطين باعترافه بشرعية اسرائيل، وانسحب من الصراع فى ضربة قاسمة لاهم مقومات القوة العربية، يأتي اليوم وينخرط للمرة الخامسة فى تحالف عسكري يخدم على مصالح الإمبريالية الامريكية، الاولى كانت عام ١٩٩١ فى تحرير الكويت، والثانية فى التسهيلات العسكرية لغزو أفغانستان والعراق، والثالثة كانت فى التحالف الدولى الأمريكى فى العراق ٢٠١٤، والرابعة فى الحرب السعودية بالوكالة عن امريكا فى اليمن، واليوم هى المرة الخامسة.
· وما سيضمنه ذلك من مخاطر تهدد الجنود المصريين فى حروب بالوكالة لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
· ومن معالم النفاق والتبعية، ان تقبل مصر وتركيا الانخراط فى تحالف واحد، رغم كل ما بينهما من عداء، ولكن من يستطيع ان يقول لا للامريكان ولآل سعود! 
· كما انه من الواضح انه تحالف اسلامى طائفى يقتصر على الدول السنية، وهو بذلك تكريس للمشروع الغربى الهادف الى استبدال الصراع العربى الصهيونى بصراع سنى شيعى، تمهيدا للتقسيم وإعادة رسم الخرائط
· ومما يثير السخرية ايضا، مشاركة السلطة الفلسطينية فى تحالف عسكري وهى المحظور عليها بأمر أوسلو واسرائيل ومجتمعها الدولى حمل السلاح او المقاومة او حتى المشاركة فى الانتفاضة
ناهيك ان غالبية الدول المشاركة هى دول تابعة اما الى الأمريكان او الى الفرنسيين، وكاننا بصدد تحالف من المماليك.
· وأخيرا، نؤكد للمرة الألف انه لا شرعية لاى نظام او حرب او قوة عسكرية عربية لا ترفع السلاح فى مواجهة العدو الصهيونى، وضد كل أشكال وألوان الغزو الأجنبى للاراضى العربية.
*****
القاهرة فى 15 ديسمبر 2015

المفكر القومى معن بشور يكتب :هل سقط الفكر القومي العربي؟

مقالات في العروبة (3)
(محاضرة ألقيت في "دار الندوة" الشمالية في طرابلس في 26/9/2004)

لقد علمتنا دروس التاريخ، ان الخطأ الاكبر الذي يمكن ان تقع به حركات او افكار او تحليلات هو ان تتصرف وكأن اللحظة التاريخية الراهنة، سواء كانت لحظة سقوط او انتصار، هي لحظة دائمة، وان يبنى على هذا التقدير مواقف او تنظيرات، فكيف اذا كانت لحظة السقوط الراهنة هذه هي بالاساس بنت جهود خطيرة ومتراكمة، بعضها داخلي وبعضها خارجي، لإيصال الامة الى ما هي عليه...
الفكر القومي العربي هو الفكر الذي يسعى إلى تحقيق وحدة الأمة العربية، وصون هويتها وصوغ مشروعها النهضوي الحضاري المؤهل لاطلاق طاقات الإنسان العربي وحمل رسالة الامة الانسانية التي تمكنها من المشاركة في بناء عالم خال من كل استعباد أو استبداد أو استغلال أو فقر أو تخلف أو هيمنة. وبهذا المعنى فالفكر القومي العربي هو الفكر القادر على اكتشاف قوانين الصراع الكبرى التي تتحكم بحركة التاريخ في هذه المنطقة، وهو صراع قديم ومستمر بين قوى ومصالح وعصبيات حول مشاريع وحدة الامة او مخططات تفتيتها.
بهذا المعنى أيضاً فالحديث المتكرر عن سقوط الفكر القومي العربي بسبب أخطاء او خطايا شابت ممارسة بعض الانظمة او التنظيمات او الافراد الذين انتسبوا الى مدارس هذا الفكر، وهي متعددة ومتنوعة، هو حديث يندرج في إطار حركة الصراع تلك، ويهدف الى اسقاط آخر الحصون التي تمتلكها الأمّة في مواجهة مخططات التفتيت والتفكيك.
بل ان هذا الحديث يتجاهل ان الافكار قد تتراجع وقد تنحسر ولكنها لا تسقط ابدا، فكيف اذا كانت متصلة بهوية الأمة وبنزوعها النهضوي وبإرادة التحرر والاستقلال فيها وبكرامة الانسان وحقوقه الاساسية، سياسية كانت ام اقتصادية ام اجتماعية.
لعلها من المفارقات اللافتة ان مثل هذا الحديث يتعاظم عن سقوط الفكر القومي العربي فيما يشهد العالم كله نزوعا نحو بناء تكتلات كبرى تشير الى استحالة بقاء كيانات صغيرة في عالم اليوم، وفيما يشهد الوطن العربي ذاته تفاقم مأزق الكيانات القطرية، التي لم تنجح في ان توفر لاقطارها امنها الوطني، وتنميتها المستقلة، والمشاركة الشعبية المطلوبة.
ولعلها من المفارقات اللافتة ايضا والمتصلة بحديث اعداء الوحدة العربية عن سقوط الفكر الداعي الى تحقيقها، ان هؤلاء او معظمهم، يروج لمشاريع شرق اوسطية، جديدة او كبيرة، تتعامل مع المنطقة كوحدة استراتيجية واقتصادية وسياسية ولكنها تسعى الى طمس هويتها القومية، والقفز فوق حقيقتها التاريخية، لصالح مفاهيم جغرافية مبسطة يمكن من خلالها ادماج الكيان الصهيوني في نسيجها، فيما يصل هذا الكيان الى ذروة انغلاقه واقفاله على نفسه عبر ما يسمى بجدار الفصل العنصري الذي بات عنوانا لا لانتهاك الصهاينة لحقوق شعب فلسطين وللشرعية الدولية فحسب، بل بات عنوانا ايضا لسقوط العقيدة الصهيونية التي رفعت لنفسها شعار "اسرائيل الكبرى" والتي قدمت للمنطقة قبل عقد ونيف من الزمن مشروع الشرق الاوسط الجديد.
لكن التركيز على مفارقات ومغالطات ينطوي عليها الحديث الرائج عن سقوط الفكر القومي العربي لا يعني بالتأكيد القفز فوق الحاجة الماسة الى القيام بمراجعة فكرية نقدية لمدارس هذا الفكر لتحريره من جملة التباسات احاطت به، ومن شوائب علقت بممارسات محسوبة عليه، بل حتى لتحريره من نزعات ايديولوجية حولت هذا الفكر، الذي ينبغي ان يكون جامعا، الى متراس وخندق وعصبية اخرى من متاريس الصراع الاهلي العربي وخنادقه وعصبياته، بل سعت الى تحويل العروبة الى شكل من اشكال العقيدة، وتحويل القومية العربية الى نظريات فلسفية تحاول محاكاة نظريات فلسفية عالمية، فظُلمت العروبة كهوية كما ظُلمت العقيدة، وشوّهت القومية كرابطة انتماء كما قللت من شأن الفلسفات الكبرى التي عرفتها البشرية.
وهكذا فآفاق الفكر القومي العربي محددة الى حد كبير بالقدرة على اجراء هذه المراجعة الفكرية، وهي مراجعة مطلوبة على جملة محاور:

المحور الاول: من الايديولوجية الى المشروع

اذا كان الفكر القومي العربي هو فكر التوحيد بالدرجة الاولى، فانه مطالب ان يكون قادرا على الاتساع لكي يستوعب في اطره ورؤاه كل تيارات الامة ومشاربها العقائدية والسياسية والفكرية، بل كل تنوعاتها الاجتماعية والدينية والثقافية، كما كل الخصوصيات الكامنة في مكوناتها السياسية والاثنية.
واذا كان الفكر القومي العربي في بداياته الاولى في اواخر القرن التاسع عشر قد اختار لنفسه مهمة ابراز عناصر الوحدة والتماثل في الامة، من لغة وثقافة وحضارة وتاريخ ومصير، فان مهمته اليوم ان يكمل تلك المهمة التأسيسية بمهمة بالغة الضرورة والخطورة، وهي مهمة الادراك الدقيق ايضا لما في تلابيب الامة من تباينات وتمايزات وحساسيات وخصوصيات بهدف استيعابها في المشروع القومي الجامع على قاعدة التكامل لا الاقصاء، والتشارك لا الابعاد، والتحاور لا الالغاء، فيصبح احترام التنوع في الامة اثراءا لنسيجها، وتجسيدا لرسالتها، وتحصينا لها في وجه كل اعدائها.
ومن هنا، فالفكر القومي العربي مدعو اليوم الى بلورة مشروعه الحضاري النهضوي، لا كمجرد حاجة ملحة لاستنهاض طاقات الامة بعد تحديد معالم الطريق، بل ايضا كاطار تتلاقى حوله كل التيارات والمشارب والاطياف التي تتوزع عليها الامة بل التي وتقيم بين ظهرانيها.
ومما لا شك فيه ان الامة العربية عبر القرنين الماضيين قد شهدت مجموعة مشاريع للنهوض، وقدّم مفكروها مجموعة مداخل ومقاربات للنهضة، الا ان كل تلك المشاريع واجهت تحديات خارجية كبرى، وثغرات داخلية حقيقية، حالت دون نجاحها، تماماً كما عانت مجمل المقاربات والمداخل النهضوية من نقص في الشمولية حال دون ان تتحول الى مشاريع نهوض شاملة.
غير ان عدم نجاح تلك المشاريع، او عدم تكامل تلك المقاربات النهضوية، لا يجوز على الاطلاق ان يحرمنا الاستفادة من التراث النهضوي الضخم الذي قدمته تلك المشاريع، كما من التجارب النهضوية الهامة التي مّرت بها، وذلك لدى صوغ أي مشروع نهضوي حضاري للامة.
وليس من الصدفة ابدا، ان يتوصل مشروع "استشراف مستقبل الوطن العربي" الذي قام به مركز دراسات الوحدة العربية قبل اكثر من عشرين عاما، وعلى مدى خمس سنوات، وشارك فيه اكثر من خمسين باحثا واكاديميا، الى حاجة الامة لمواجهة التحديات المستقبلية الى "مشروع حضاري نهضوي" كما الى "كتلة تاريخية" تنهض باعباء تجسيد هذا المشروع.
واذا كانت تلك الدراسة قد حددت عناصر ذلك المشروع بستة: الوحدة العربية، الديموقراطية، الاستقلال الوطني والقومي، العدالة الاجتماعية، التنمية المستقلة، والتجدد الحضاري، فان الكتلة التاريخية التي دعت الى تشكيلها فكانت تضم القوى القومية الكلاسيكية والاسلامية المستنيرة واليسارية العروبية والليبرالية الوطنية.
واستمر هذا الجهد الفكري لبلورة مشروع النهضة للامة عبر مشاركة مفكرين وباحثين من كل تيارات الامة هذه، فانعقدت لهذه الغاية ندوة علمية كبرى في مدينة فاس في نيسان ابريل عام 2001، وكلفت لجنة لصياغة مسودة هذا المشروع الذي تمّ عرضه على كل القيادات والمرجعيات والشخصيات الفكرية والثقافية والقوى الحية في الامة لمناقشته وتطويره قبل ان يصار الى بلورته وإعلانه كصيغة قابلة للتعديل والتطور.
نحن هنا اذن امام تطور حاسم، تلاقي جملة ايديولوجيات متعددة حول مشروع نهضوي حضاري محدد يبرز ما هو مشترك بين كل قوى النهوض في الامة، ويترك جانبا موضوعات الخلاف، ضمن منهجية علمية وحدوية راقية: فلندخل مناطق الاختلاف وفي جعبتنا كل نقاط اللقاء، فنعالج الاختلافات بروحية اللقاء، بدلا من ان نسير بالاتجاه المعاكس فتعصف خلافاتنا بالكثير من المشتركات بيننا.
وهكذا يتحول الفكر القومي الى فكر جامع لمدارس فكرية وايديولوجية متعددة، ويتحول المشروع الحضاري النهضوي الى ساحة تلاقي وحوار بين قوى تفرز معا برامجها المرحلية، وادوات عملها واساليب نضالها المشتركة.
وهكذا بدأنا نشهد في الساحة العربية ولادة هيئات ومنتديات ومؤتمرات تضم بين صفوفها مفكرون ومناضلون وناشطون من كل التيارات الرئيسية في الامة يجمعهم همّ مواجهة المخاطر المشتركة، ويبلورون معا مشروعهم الحضاري للنهوض.
ولم يعد غريباً مثلاً ان نرى في صفوف "المؤتمر القومي العربي" وفي عضوية امانته اسلاميين وماركسيين وليبراليين جنبا الى جنب مع ابناء المدارس القومية المعروفة.

المحور الثاني: بلورة العلاقة التكاملية بين العروبة والاسلام

بين مدرسة يحلو للبعض ان يسميها "الشامية"، سعت في ظروف مواجهة سياسة التتريك في اواخر ايام الدولة العثمانية الى فصل كامل بين القومية والدين، خصوصا ان مثل هذا الفصل يطمئن من جهة مجموعات دينية غير مسلمة مقيمة في المشرق العربي، ويواكب من جهة اخرى المفاهيم الاوروبية في التحرر من سيطرة الكنيسة، وبين مدرسة اخرى، بل مدارس، قامت في مناطق اخرى من الوطن العربي لم تر اصلا أي تناقض بين العروبة والاسلام، بل لم تكن تعتقد بوجود عرب غير مسلمين، فيما تنبهت مدارس فكرية وسياسية قومية نشأت في الاربعينات والخمسينات، خصوصا البعث وعبد الناصر، الى ضرورة اخراج العلاقة بين العروبة والاسلام من تلك الثنائية المضللة: اما فصل كامل او تماه خالص، لتؤكد ان "علاقة العروبة بالاسلام ليس كعلاقة أي دين باي قومية، وان العروبة جسد روحه الاسلام" (ميشيل عفلق في "ذكرى الرسول العربي/ نيسان 1943) ولتشير الى "دائرة عربية ودائرة اسلامية" ينبغي ان تتحرك من خلالهما مصر (جمال عبد الناصر ، فلسفة الثورة 1954).
ولقد عزز من الرؤية الفكرية الجديدة التي حملتها هذه المدارس انها ولدت كحركات سياسية في رحم النضال ضد الاستعمارين الفرنسي والبريطاني وضدّ المشروع الصهيوني، حيث لا التباس بل تكامل بين المفهوم القومي والمفهوم الديني في مواجهة الانتداب والاستعمار والصهيونية.
ولقد تواصل الاهتمام بفكرة التلاقي بين العروبة والاسلام، وبين التيارين القومي والاسلامي عبر مقالات ومبادرات وندوات منذ اواخر السبعينات حيث اقام مركز دراسات الوحدة العربية ندوة حول "القومية العربية والاسلامية" في اواخر الثمانينات حول "الحوار القومي الديني" التي مهدت الاجواء لقيام المؤتمر القومي – الاسلامي وقد بادر إلى الدعوة اليه المؤتمر القومي العربي .
الا ان هذه النظرة الصائبة الدقيقة للعلاقة بين العروبة والاسلام والتي ساهمت في تعميق المد الشعبي للحركة القومية العربية في اواسط القرن العشرين، ما لبثت ان تراجعت لاسباب عدة لا مجال لذكرها الان، ولعل ابرزها انغماس الجميع في لعبة الصراع على السلطة وما تعززه من تجاذبات وتناحرات وانشقاقات تحرص احيانا على ان تضفي على نفسها رداء عقائدياً او نظرياً، فقامت حروب وصراعات حمل بعض اطرافها راية العروبة والبعض الاخر راية الاسلام، واندفعنا جميعا في مغالاة وغلو اعتبر فيها البعض العروبة نتاجا صهيونيا، فيما اعتبر البعض الاخر التدين الاسلامي ظلامية وتخلفا.
وكان اعداء الامة دون شك مبتهجين بهذا النوع من الصراعات الذي وضع خصميهما الرئيسيين العروبة والاسلام في مواجهة اختزالية لقواهما وطاقاتهما، بل سعى الى نقل هذه الصراعات الى داخل كل تيار بل كل حزب وحركة، فاختلط حابل الفكر بنابل السلطة حتى استفقنا الى يوم وجدنا فيه جيوش الاحتلال تطل على المنطقة باسرها من برج بابل.
ان اعادة صوغ العلاقة التكاملية بين العروبة كهوية قومية لكل عربي، مسلما كان ام غير مسلم، وبين الاسلام كرسالة انسانية موجهة الى كل البشر عربا كانوا ام غير عرب، تشكل اليوم احد ابرز مهمات الفكر القومي العربي في محاولته لولوج افاق المستقبل.
وابراز هذه العلاقة بين العروبة والاسلام لا يقلل ابدا من دور العرب غير المسلمين، لاسيّما النصارى منهم، الذين يعتز تاريخ الامة بالكثير من مساهماتهم على كل صعيد نضالي ام ثقافي ام اقتصادي ام اداري ام نهضوي، بل مشاركتهم بشكل فعال في بلورة الحضارة العربية الاسلامية التي تشارك في بنائها ابناء اديان متعددة، واعراق متنوعة ، وقوميات مختلفة، بل كانت جسرا بين الحضارات القديمة التي استفادت منها، وبين الحضارات الجديدة التي اسهمت في اطلاقها.
واذا كان البعض يركز على البعد الحضاري والثقافي في العلاقة بين العروبة والاسلام، فان لهذه العلاقة ايضا ثلاثة ابعاد ينبغي عدم تجاهلها.
البعد الاول هو توحيدي، بمعنى اننا في منطقة متعددة الاديان والاعراق فما لا تجمعه العروبة كهوية قومية، يجمعه الاسلام كعقيدة وهوية حضارية، ومن لم يعتنق الاسلام كدين من ابناء الامة قاده انتماؤه القومي الى اعتبار الاسلام ثقافة له وحضارة، فتكامل العروبة والاسلام هو عنصر التوحيد الرئيسي في المنطقة، بل هو الذي يحرر القومية العربية من أي نزوع شوفيني او عنصري لانها ذات علاقة وثيقة برسالة انسانية خالدة، وهو الذي يمنح الاسلام فضاء يبرز من خلاله وجهه السمح، وقدرته على التواصل والتفاعل مع حملة الرسالات الاخرى.
والبعد الثاني هو استراتيجي حيث يوفر العمق الاسلامي الكبير للامة العربية عمقا استراتيجيا هاما في اطار مواجهتها للمخططات الاستعمارية والصهيونية التي تستهدف امتنا في استقلالها ووجودها وهويتها ومواردها وفي مقدساتها ايضا.
فمن يستطيع اليوم ان يعزل معركة الامة العربية في فلسطين والعراق عن بعدها الاسلامي وصولا الى البعد الانساني الاشمل، ومن يستطيع اليوم ايضا ان ينكر اهمية الاسلام كعنصر تعبئة وحشد في هذه المعركة.
البعد الثالث وهو البعد الإنساني ذلك انه بقدر ما تسهم بلورة هذه العلاقة في تعميق المضمون الانساني للفكر القومي العربي وتحرره من شوائب العنصرية والشوفينية، فان هذه الصلة ايضا تسهم في تحرير بعض الخطاب الحركي الاسلامي، بل من بعض الممارسات المرتبطة بهذا الخطاب،من شطط وغلو في التعبير، وانغلاق في الممارسة، ومغالاة في السلو ومذهبية في الإداء.
ان العروبة بتذكيرها لبعض المدارس الحركية الاسلامية بوجود عرب غير مسلمين معهم يشاركونهم المصير والآمال والآلام، وبوجود عرب ينتمون الى مذاهب اسلامية اخرى يواجهون معهم الاعداء والمخططات ذاتها، انما تسهم في اطلاق حوار عميق في صفوف هذه المدارس ينبه في النهاية الى وجود الاخر في الخندق ذاته، وبالتالي الى ضرورة تطوير الخطاب والممارسة بما يضمن توسيع جبهة الحلفاء وانفتاحها بالتالي على شعوب وامم اخرى تشاركهم هّم مواجهة قوى الهيمنة في العالم.
ومن هنا فالفكر القومي العربي بصيغته الواسعة الشاملة لعقائد وايديولوجيات متعددة، يستطيع ان يلعب دورا تاريخيا في احتواء ظاهرة التطرف، وتحويل ما تنطوي عليه من طاقات باتجاهات اكثر ايجابية ونفعا لصالح الامة والانسانية.

أما المحور الثالث الذي يستوجب أيضا مراجعة عميقة وجريئة فهو صلة (العروبة بالديمقراطية) التي تشكل اليوم احد ابرز الآفاق التي تنتظر الفكر القومي العربي في مواجهة التحديات الراهنة.
وعلى الرغم من المحاولات الضخمة التي تحاول ربط العروبة بالاستبداد، انطلاقا من تجارب وممارسات محددة، الا ان هذه المحاولات تتجاهل ان سمة الاستبداد، كانت وما تزال، تطبع منطقتنا العربية والاسلامية باسرها بغض النظر عن طبيعة الانظمة ومدى قربها او بعدها عن القومية العربية، ولا يتسع المجال هنا لامثلة.
وبالمقابل فان هذه المحاولات تتجاهل ايضا كيف ان انظمة استبدادية قامت في كل ارجاء العالم باسم شتى الافكار والعقائد والاتجاهات، بما في ذلك "الليبرالية" ذاتها التي ازدهرت في الغرب كظاهرة مرافقة للبرجوازية والحرية المطلقة لتنتج ظاهرة "الاستعمار والعنصرية" التي قهرت أمماً وشعوبا كثيرة وسلبتها ارادتها ومواردها وسيادتها، "اذ كيف يكون حرا من يستعبد شعبا أخرا"، بل ان "النيو الليبرالية" التي تحكم اليوم واشنطن ولندن وسيدني وروما وغيرهما من بعض عواصم الغرب تحمل في ثناياها اليوم بذور الانقضاض على الحريات الشخصية والعامة في مجتمعاتها ذاتها عبر قوانين وتشريعات وممارسات باتت تشكل اليوم مادة رئيسية لنضال كل حركات "الحريات المدنية" و "حقوق الانسان" و"مناهضة التمييز العنصري" الناشطة في هذه الدول.
ان رفض هذا الانطباع الخاطئ والمروج له عن "علاقة حتمية بين القومية العربية والاستبداد" لا يجوز ان يقودنا الى التقليل من خطورة الشوائب التي لحقت بممارسات العديد من الانظمة والتنظيمات حاملة لواء القومية العربية، تماما كما لا يجوز ان تقودنا الحماسة المشبوهة لمقاومة مشاريع الاصلاح والديمقراطية المفروضة من قبل الادارة الاميركية الى ان نتراجع عن مطلب تاريخي معروف حملته على مدى عقود قوى التغيير والاصلاح في المنطقة ودفعت ثمنه تضحيات باهظة.
ان تطوير المضمون الديمقراطي للفكر القومي العربي، ورفض مقايضة الديمقراطية والحرية باية أهداف قومية اخرى كالوحدة والتحرر والاشتراكية، هو الضمانة الرئيسية لفتح اوسع الافاق امام هذا الفكر، ليس فقط لاتصال مسألة الحريات العامة والخاصة وحقوق الانسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية بابراز جوانب معاناة الانسان العربي، وليس لان الديمقراطية بما توفره من مشاركة شعبية واحترام لكرامة الانسان هي الصيغة الاسلم للعلاقة بين الحاكم والشعب فحسب، بل لان الديمقراطية ايضا هي ضمانة الوحدة الوطنية المهددة داخل العديد من اقطارنا، كما هي الطريق الى تحقيق الوحدة القومية باعتبارها تفسح المجال امام ارادة غالبية ابناء الامة المغلوب على امرها في ظل واقع الاستبداد الراهن.
وكلنا يذكر كيف ان الاجواء الديمقراطية السائدة في سوريا في اواسط الخمسينات مكنت هذا البلد المحدود في امكاناته وقدراته، والكبير بشعبه ودوره، من ان يصمد بوجه كل الاحلاف والمشاريع الاستعمارية والحشود العسكرية وان يبادر، في الوقت ذاته، الى اطلاق اول مشروع وحدودي عربي مع مصر عبد الناصر في القرن العشرين وهو المشروع الذي تآمرت عليه القوى المعادية للامة مستفيدة دون شك من تراجع المشاركة الديمقراطية ابان عهد الوحدة.
فمستقبل الفكر القومي العربي اذن، بل مستقبل العمل القومي العربي برمته، مرهون بقدرته على صوغ تلك العلاقة بين الديمقراطية والاهداف الاخرى للمشروع القومي العربي، علاقة تدرك ايضا ان للديمقراطية في كل مجتمع طريق خاص يصل اليها، ولكن تعدد الطرق لا يكون أبدا على حساب أساسيات باتت معروفة في كل مجتمع ديمقراطي.
في هذا المجال، لا بد ان نسجلّ للقيمين على عدد من مؤسسات البحث والعمل القومي العربي ريادتهم في طرح قضية الديمقراطية وحقوق الانسان منذ اواخر السبعينات، ودورهم في تشكيل المنظمات القومية المعنية بهذا الامر، كالمنظمة العربية لحقوق الانسان، ونجاحهم في ان تصبح فكرة التعددية وتداول السلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في مقدمة برامج العديد من الاحزاب والحركات القومية والإسلامية .

المحور الرابع: مواجهة العولمة وعالمية المواجهة

اذا كان البعض يدعو باسم التعامل مع المتغيرات إلى تغيير الأفكار والقناعات والهويات وصولا الى ان نغير جلودنا بأنفسنا، فان هذا لا يجوز أن يقود البعض الاخر الى رفض الاعتراف بهذه المتغيرات ورفض التعامل مع تداعياتها ونتائجها.
ومن هنا فالفكر القومي العربي مدعو إلى أن يتعامل مع هذه المتغيرات وفق قاعدة الجذور الثابتة والأغصان الممتدة بكل اتجاه.
أهم هذه المتغيرات وأبرزها وأكثرها إطلاقا للتداعيات هي "العولمة" التي رغم انه لا يوجد إجماع واحد على تعريفها ، أو حتى على تسميتها، فهناك إجماع على مجموعة سمات ملازمة لها.
أنها ظاهرة مرتبطة بتطور علمي وتقني عال، وبثورة اتصال ومعلومات أنتجت وسائل إنتاج وأدوات إنتاج أدت بدورها إلى تغيير هائل في علاقات الإنتاج.
انها ظاهرة لا تنحصر تداعياتها في المجال الاقتصادي بل تتعداها لكل جوانب الحياة السياسية والثقافية والتربوية والاجتماعية.
انها ظاهرة لا تنحصر نتائجها في منطقة معينة او قارة معينة، بل لها نتائج في كل جهة من جهات الارض، ولا يستطيع احد ان يتجنبها.
ان العولمة بما تقود اليه من سهولة في تدفق المعلومات، ومن تعظيم في الانتاج البشري تنطوي على جانب ايجابي يسجل لمصلحتها في رصيد تقدم البشرية، رغم ما تنطوي عليه من جوانب سلبية متعددة ينبغي مواجهتها.
فكيف يواجه الفكر القومي سلبيات العولمة؟
ان الفكر القومي العربي مدعو اليوم إلى دراسة هذه الظاهرة وفهمها بكل مكوناتها، كما بكل تداعياتها، بل إلى فهم قوانين حركتها بكل ما تنطوي عليه من تناقضات، ذلك أن المطلوب ليس فقط فهم العولمة بل أيضا تغيير مسارها الراهن بكل ما ينجم عنه من سلبيات.
في هذا الإطار الفكري لا ينبغي الاكتفاء بتعداد الكثير من الجوانب السلبية الكامنة فيها، والفضح الإيديولوجي والسياسي لها كشكل من أشكال السيطرة الإمبراطورية التي تقوم على أرخبيل من المراكز الاقتصادية المتقدمة وسط بحار من الجوع والفقر، والتي تعتمد إيديولوجية السادة بكل ما تنطوي عليه من عنصرية وقدرية وتعال، مرتكزة على مجموعة من النهابين (كما يسميهم جان زيغلر) او ليغارك رأس المال المعولم حيث يربح مثلا المدير المالي لشركة والت ديزني 2783 دولارا في الساعة فيما تكسب العاملة في مصانع الشركة في هايتي 28 سنتيما في اليوم. ويسعى هؤلاء النهابون الى موت الدولة لحساب الشركات المتعددة الجنسية، وحيث يجري تدمير البشر عبر فقر يزداد كل سنة، بحيث بات عدد الوفيات في مطلع هذا القرن في 122 بلدا بسبب الفقر المدقع 58 مليونا في عام واحد، أي ما يوازي عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية من عسكريين ومدنيين، وحيث يتحول الفساد إلى طريقة حياة يتحول فيها الفاسد إلى مفسد والعكس بالعكس، فيما تتحول فيها أموال الشعوب الفقيرة المغلوبة على أمرها إلى حسابات سرية في مصارف سويسرا والبهاماس، وليشنشتاين التي يطلق عليها اسم "فراديس الضرائب"، وحيث تجزّ رقاب الأمم منظمات دولية متعددة بعضها يعمل برقابة الأمم المتحدة الصورية، وبعضها كالمنظمة العالمية للتجارة التي لا تحتاج حتى إلى هذه الرقابة الصورية وتستخدم كآلة حرب ضد دول تفكر بالتمرد على قرارات جائرة أو بحماية الحد الأدنى من مصالحها.
بل ينبغي على الجهد الفكري أن يحاول اكتشاف قوانين حركة العولمة، وبذور تناقضانها، من اجل توجيه النضال باتجاهها.
هنا تطرح جملة أسئلة نفسها:
إذا كانت الإمبريالية أخر مراحل الرأسمالية، فهل باتت العولمة اليوم أخر مراحل الإمبريالية؟
هل يؤدي تعظيم الإنتاج، كما هو هدف التطور التكنولوجي، إلى زيادة إشباع حاجات البشر، أم أن الفقر الناجم عن التمركز المريع في الثروة والدخل الناجم عن العولمة يؤدي إلى إطلاق دورات متسارعة من الكساد في المراكز الصناعية بل الى اختناقات كبرى فيها، والى بطالة متزايدة (كما نرى اليوم في واقع الاقتصاد الأمريكي واقتصادات الدول الصناعية الثماني)، بل إلى تحويل الاقتصاد نفسه من اقتصاد الانتاج إلى اقتصاد الريع...
هل العولمة تستهدف هوية ثقافية بعينها، او تستهدف عقيدة دينية دون غيرها، أو انتماء قوميا بذاته، أم أنها بإطلاقها لنمط ثقافي معين قائم على التسلط والتسطيح إنما تضرب كل الثقافات والأديان والقوميات كما يقول المفكر الكبير جلال أمين.
هل تستطيع قوى العولمة ان تتحمل نتائج إلغاء السيادات والدول لصالح شركاتها، بكل ما يعنيه هذا الإلغاء من إلغاء مرافق لأجهزة القمع والسيطرة والتوجيه التي تخضع الشعوب؟ وإذا أبقت من الدول الأجهزة دون الخدمات الأخرى لا سيما الاجتماعية منها، الن يحول هذا الأجراء الدول ذاتها إلى ساحات مضطربة على الدوام وعلى نحو يهدد مصالح تلك الشركات ذاتها (النموذج العراقي)، الم تتحول العولمة الاقتصادية والإعلامية، كما أرادها الكندي مارشال ماكلوهان صاحب تعبير "القرية الكونية" إلى عولمة امنية بطاشة تنتج دورات متزايدة من العنف في عالم وعدته العولمة بالهناء والاستقرار.
هل تستطيع العولمة ان تبقي على التناقض الصارخ بين شعارات عالمية أطلقتها لإخفاء أهدافها الحقيقية كالإصلاح وحقوق الإنسان والديمقراطية وحماية البيئة وحقوق المرأة والطفل، وككاسحات ألغام أيديولوجية وسياسية أمام مصالحها، وبين الممارسات التي تقوم بها ، وهل تستطيع ان تروج لشعار سقوط الايديولوجيات فيما تتحكم بالدولة العظمى في العالم جماعة ايديولوجية بامتياز باسم "المحافظين الجدد"الذي كان بعضهم يساريا متطرفا إلى سنوات قليلة.
الى متى تستمر العولمة الساعية إلى الإطاحة بكل الدول والقوميات، والداعية إلى قيام ليبرالية عالمية ،قادرة على التعايش مع الكيان الصهيوني الذي يعتبر ذروة نتاج الفكر الفاشي العنصري التوسعي الانغلاقي، بل ألن يكون احتضان القوى العالمية لهذا الكيان هو الصاعق الذي سيفجر العديد من المعادلات والتوازنات التي يحتاجها نظام العولمة.
أن طرح هذه الأسئلة والسعي للإجابة الدقيقة عليها لا يهدف فقط إلى محاولة تفكيك إيديولوجي لظاهرة العولمة، كما يبدو للوهلة الأولى، بقدر ما يطمح الى تحديد مساحات الحركة السياسية والاقتصادية والنضالية في مواجهتها.
بل إن الإجابة على هذه الأسئلة، تقود الفكر القومي العربي بالضرورة إلى تلمس أبعاده العالمية كجزء من حركة عالمية إنسانية مناهضة للعولمة المتوحشة وللهيمنة والتمييز العنصري وتدمير البيئة وتهميش مجتمعات ودول وقارات بأسرها.
إن ظاهرة العولمة تتطلب من الفكر القومي العربي أن يدرك الطبيعة العالمية للمواجهة، وان يحدد القوى والمصالح والفئات الجادة في مناهضتها لهذا المشروع الإمبريالي ويسعى إلى التعرف على طبيعتها الأصلية، وعلى تعدد مشاربها، وتنوع تخصصاتها، وغنى تجاربها، وتمييز الأصيل منها عن المخترق استعماريا وصهيونيا بواسطة شبكات تمويل عالمية تتعاون مع أجهزة مخابرات دولية في التقاط ضعاف النفوس والقلوب والعقول لاستخدامهم كواجهات لاستراتيجياتها، وكأدوات في تكتيكاتها.
كما أن الطبيعة العالمية للمواجهة تفترض أيضا ان نطور في خطابنا وأدائنا بحيث يكون اقل تنفيرا للقوى العالمية، واقل إحراجا لأصدقائنا في القارات الخمس، وأكثر قدرة على نسج تحالفات دولية مع كل الدول والقوى المتضرّرة من الهيمنة، وبناء علاقات في المعركة الكبرى التي تواجهها الإنسانية.

المحور الخامس: في التربية والثقافة والعلوم

ان مراجعة عميقة لتجربة العمل القومي تبرز بوضوح ان الفكر، كما العمل القومي العربي، قد ركز على الأبعاد السياسية والنضالية على حساب الاهتمام بقضايا التربية والثقافة والعلوم، فبدا في أحيان كثيرة وكأنه بعيد عن الأجيال الجديدة التي تتلقى تربيتها في المدارس أو بيوت العبادة أو أمام شاشات التلفزة، فيما بدا أيضا وكأن هذا الفكر لا يعطي الثقافة بكل جوانبها البحثية والإبداعية ما تستحقه من مكانة في المشروع القومي، كما بدا كذلك وكأن هناك جفاء بين الفكر القومي والتطور العلمي على نحو عزز من الانطباع الشائع بماضوية هذا الفكر أو غرقه في غياهب التخلف والضبابية.
واهتمام مؤسسات الفكر القومي العربي، كما العمل القومي، بهذه الجوانب المهمة من حياة الأمة والعالم، لا يعيد الفكر القومي الى قلب العصر والى عقول الناس ووجدانهم فحسب، بل انه يستمد من هذه الجوانب مزيدا من القدرات والطاقات والرؤى والمعارف التي تؤهله لكي يتحول إلى قوة فاعلة في حياة الأمة في عالم باتت المعرفة فيه قوة وسلطة في آن معا.
ومن قبيل الانصاف والموضوعية لابد ان نسجّل لعدد من المفكرين القوميين، والمؤسسات القومية، جهدا استثنائيا في بلورة استراتيجيات خاصة بالثقافة والتربية والعلوم واقامة ندوات خاصة بهذه الامور، ناهيك عن تضمين مسألة " العلوم والتقانة " جدول اعمال اكثر من دورة من دورات المؤتمر القومي العربي.

المحور السادس: فكر الوسائل والأدوات والأساليب

لا بد من تحرير الكثير من مدارس الفكر القومي العربي من تلك النظرة المتعالية إلى التفاصيل، سواء كانت تتصل بوسائل العمل او بأدواته وأساليبه، في حين أن الفكر الطليعي التقدمي الفاعل ليس فقط الفكر القادر على فهم مجتمعه وقوانين حركته وتفسيرها، بل أيضا الفكر القادر على تغيير هذا المجتمع والارتقاء به نحو الأحسن.
فان يكون التنظيم الحزبي قوميا في تكوينه وقيادته أم قطريا ليس مسألة تفصيلية او تنظيمية بحت، بل هي مسألة فكرية في امتياز تسعى لإيجاد الصيغة الملائمة بين قوة الواقع القطري ومتطلبات الرؤية القومية.
وكذلك العلاقات الجبهوية بين أحزاب وقوى، والعلاقة بين الحزب السياسي والنقابات والجمعيات، وظواهر تتعلق بمؤسسات المجتمع المدني على اختلافها، وجمعيات الدفاع عن البيئة وحقوق الإنسان ودور المرأة، كلها قضايا تحتاج إلى جهد فكري، كما إلى عمل تنظيمي، بحيث يمكن فهم ظروف نشأتها وتكوينها وبناها وعلاقاتها لكي تسهل عملية انخراطها جميعا في الاضطلاع بأعباء المشروع القومي.
في فكر الوسائل والأدوات والأساليب أيضا تبرز المقاومة بكل مستوياتها واشكالها، كنهج وكثقافة وكأسلوب في المواجهة، كظاهرة ينبغي على الفكر القومي، أن يسعى إلى تأصيلها فكريا باعتبارها احد ابرز أسلحة الأمة في مواجهة التحديات الكبرى المفروضة عليها، سواء التحديات المرتبطة بالاحتلال الخارجي الآخذ في التوسع، أو تلك المرتبطة بالاختلال الداخلي الآخذ في التعمق على مستوى بنانا الداخلية كافة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية.
فهل المقاومة ظاهرة مؤقتة في حياة امتنا أم هي ظاهرة مستديمة إلى زمن طويل، وهل ثقافة المقاومة هي تلك الثقافة الموجهة نحو تحصين مجتمعاتنا بوجه غزو أعدائها فقط، أم انها ايضا تلك الثقافة التي تحرص على فهم الطبيعة المعقدة لمراحل التحرر، وعلى ادراك الحاجة إلى إنتاج خطاب جامع، وممارسات توفيقية، وأسلوب انفتاحي على قوى المجتمع باسرها، انطلاقا من الوعي بعمق الصلة بين المقاومة والوحدة، حيث المقاومة توحد المجتمعات، وحيث المجتمعات الموحدة قادرة على الانتصار بالمقاومة.
كل هذه التساؤلات والإشكاليات تقدم نفسها إلى الفكر القومي العربي من اجل إطلاق حوارات واسعة حولها تسعى إلى إيجاد الإجابات الدقيقة والصعبة لها، وليس الأجوبة السهلة والمبسطة والمخلة لها.
خاتمة:قد لا تكون هذه المحاور هي وحدها التي تحتاج إلى مراجعة فكرية عميقة لتوسيع آفاق الفكر القومي العربي، بل ربما هناك محاور عديدة، لكنني اعتقد أن مهمة كل دور الثقافة والإعلام الفاعلة والحية في امتنا مدعوة إلى الانكباب على دراستها، محوراً، للخروج بالاستنتاجات النظرية والعلمية التي تسهم في تطوير الفكر القومي العربي وتجديده في ضوء ثوابته الكبرى وليس على حسابها.

12 ديسمبر 2015

زهير كمال يكتب: الروائي يوسف زيدان وفلسطين

لماذا يريد يوسف زيدان رفع القداسة عن فلسطين أو بالأحرى رفع قداسة العلاقة بين الإسلام وفلسطين؟
قال يوسف زيدان في آخر مقابلة تلفزيونية له: إن المعني بالمسجد الأقصى هو مسجد موجود على طريق الطائف ولا علاقة للقدس في هذا الموضوع.
تقول الآية القرآنية عن الإسراء:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الإسراء : 1 .
وقد تناسى زيدان عبارة (الذي باركنا حوله) ، فما هي أهمية مسجد طريق الطائف حتى يبارك الله حوله ؟ حتى قبل أن يكون هناك مساجد في الجزيرة العربية ، فهل يدعي زيدان أنه لا يعرف أن فلسطين هي مهد الأنبياء ولهذا فالله يباركها؟
بعد بناء المسجد النبوي قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى) . فهل كان الرسول يقصد مسجداً مبنياً على طريق الطائف أم كان يقصد أولى القبلتين ؟
عندما فتح عمر بن الخطاب القدس أو ( إيلياء ) قام عمر بتنظيف المكان الموجود عند الصخرة وكان مرمى قمامة (مزبلة) لأهل القدس المسيحيين الذين لم يكونوا يدركون أهمية المكان للديانتين اليهودية والإسلامية.
فلماذا يقوم عمر بنفسه بتنظيف المكان إن لم يكن بمثل هذه الأهمية للمسلمين ؟
ثم يستطرد زيدان أنه غير معني بتاريخ الأمويين وما قاموا به مثل البناء في تلك المنطقة.
ومن المعلوم تاريخياً أن خلفاء بني أمية ( ما عدا عمر بن عبدالعزيز) لم يكونوا بهذا الورع والتقوى حتى يكلفوا أنفسهم الاهتمام بتلك البقعة في مدينة القدس فيبنوا عليها مسجداً .
أغفل السيد زيدان هذه الحقائق من أجل نظرية مسجد آخر مبني على طريق الطائف.
استشهد السيد زيدان بالعهدة العمرية وهي ما تعهد به عمر بن الخطاب لأهل القدس ممثلين بالبطريرك سوفرونيوس حسب تاريخ الطبري (الذي يستشهد زيدان به) فقد منحت أهل ايلياء شرطاً أن لا يسكن معهم أحد من اليهود، وأغرب ما قاله إن أورشليم ليست إيلياء، كأن هناك عدة مدن بعيدة عن بعضها وأن اليهود سكنوا أورشليم وأن المسيحيين سكنوا إيلياء ! ولا أعرف كيف غابت عن ذهنه المسافة بين كنيسة القيامة والحائط الغربي ( حائط المبكى) والتي لا تتجاوز خمسمائة متر.
في المقابلة يلمح زيدان الى أن إسرائيل بريئة من مذبحة صبرا وشاتيلا وأن هناك متطرفين عندهم كما عندنا وأن العرب (حزب الكتائب اللبناني) هم الذين قاموا بالمذبحة ضد عرب آخرين (اللاجئين الفلسطينيين) .
وبجرة قلم يتلاعب زيدان بالتاريخ فهو يتناسى تماماً أن الجيش الإسرائيلي كان موجوداً في بيروت وأن هذا الجيش مهد وهيأ المسرح لارتكاب الجريمة.
وفي القانون: المتواطئ على الجريمة هو مثل مرتكبها. ولو أراد زيدان شطب هذه المذبحة من السجل الإسرائيلي فإنه لا يستطيع شطب آلاف المذابح التي ارتكبها العدو ضد الشعوب العربية.
وفي موضوع هذه المذبحة يبدي زيدان إعجابه بالشعب الإسرائيلي فقد خرجت أول مظاهرة مليونية في الشرق الأوسط احتجاجاً على تصرفات (السافل) شارون (على حد قوله) الذي كان وزيراً للدفاع في ذلك الوقت.
لم يقل لنا السيد زيدان كم عدد القتلى والجرحى والمعتقلين بسبب هذه المظاهرة المليونية والتي يعترف بأنها لم تتجاوز النصف مليون.
في المقابل نجد أن على شعوبنا تخطي حاجز الخوف المتراكم عبر السنين بسبب بطش السلطة وتغوّلها حتى تستطيع القيام بمظاهرة ، وكل فرد فيها يعلم أنه يضع روحه على كفه.
شعوبنا العربية هي الأولى بالإعجاب والفخر.
ويقول زيدان إن إسرائيل يحكمها العسكر وبسبب ذلك حكم العسكر العرب شعوبنا.
ولا أعرف لماذا يتجاهل زيدان حقيقة أن إسرائيل هي سبارطة الجديدة ، فالمجتمع كله جيش وفي نفس الوقت تسود الديمقراطية داخله، ولو قلد العسكر العرب نموذج إسرائيل في ذلك لما وصلنا الى هذه الأوضاع المأساوية.
أخطر ما قاله زيدان إن لليهود حقاً تاريخياً في فلسطين وأن على الفلسطينيين تسوية خلافاتهم مع الإسرائيليين.
يتبادر الى الذهن كأنه يشعر أن الموضوع ( خناقة) يمكن حلها ثم يغطي ذلك ببعض العبارات عن كون إسرائيل عدواً ، إلخ هذه الإسطوانة وكلام الجرائد الذي يضحك به علينا أصدقاء إسرائيل وأحبابها في المنطقة.
لا أعرف بالضبط حجم ما كتبه المؤرخون والباحثون في نفي هذه المقولة ولكن لماذا لا يطل على موسوعة اليهودية والصهيونية للمفكر والأديب الراحل عبد الوهاب المسيري؟
ويستلزم هنا أن نسأل : أين كان زيدان عندما كان المسيري يرأس حركة كفاية ويناضل ضد الدكتاتورية؟
أما إذا أراد اختبار نظريته على الواقع فليذهب الى مخيمات الشتات المتواجدة حول فلسطين وليواجه حملة المفاتيح من كهول فلسطين الذين اقتلعوا من بيوتهم بالقوة وشردوا بسبب مقولة الحق التاريخي، وليحاول إقناعهم أن اللوم يقع عليهم فليس لهم حق في بيوتهم وأراضيهم.
تظهر شخصية يوسف زيدان في معرض رده على سؤال يتعلق برد إبراهيم نصرالله عليه. فقد اكتفى بالقول إن نصر الله هو فنان تشكيلي بينما هو أستاذ فلسفة وخبير مخطوطات ، وأن نصرالله فلسطيني ومنافس له على الجوائز التي تعطيها بعض الهيئات للرواية العربية.
وهذه النظرة الإستعلائية تثبت مدى ضحالة الفكر السياسي للروائي يوسف زيدان. فهو لم يكلف نفسه عناء مناقشة الأفكار الواردة في رد نصرالله.
من الممكن إطلاق صفة ( كتبة الفرعون) على بعض الذين يجيدون حرفة الكتابة ، وبتعبير أبسط فهم مثقفوا الطبقة الوسطى الذين يعيشون في برج عاجي، لا يمتلكون روح الشعب وتنقصهم النظرة الشمولية المستلهمة من ماض عريق لتصور مستقبل أفضل.
ما أشد حاجتنا الى كتاب مثل غابرييل غارسيا ماركيز يهاجمون الدكتاتورية ويشعرون بالفقراء والمستضعفين.
ولا يمكن أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونقفز على حقائق واضحة، فعلتها السلطة الفلسطينية التي طبقت أفكار زيدان فتلاعب بها عدوها فوصلت الى الدرك الأسفل من الخيانة.

د. فيصل القاسم يكتب: يا للهول! حلف الممانعة في خندق واحد مع إسرائيل!

 
لم يخطئ الرئيس السوري بشار الأسد عندما قال لصحيفة «الصندي تايمز» البريطانية قبل أيام إن «لا مستحيل في السياسة». وفي الواقع لم نكن بحاجة منه لهذا التصريح، فقد رأيناه بأم العين يفعل المستحيل عندما تحالف مع إسرائيل بطريقة مباشرة تحت المظلة الروسية قبل أسابيع قليلة. فعندما يقول الرئيس الروسي إن التنسيق مع الإسرائيليين في سوريا يسير على قدم وسائق، وعندما يقول نتنياهو إن الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية بتنسيق مع روسيا، وعندما يؤكد وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق جوزيف ليبرمان أن إسرائيل تنسق مع روسيا داخل سوريا، بعلم النظام السوري، أربعاً وعشرين ساعة، وسبعة أيام في الأسبوع، فهذا يعني عملياً أن الرئيس السوري وحلفاءه كإيران وحزب الله أصبحوا في خندق واحد مع العدو المزعوم «الكيان الصهيوني» حسبما كانوا يسمونه سابقاً. يا للهول! لقد انضمت روسيا واسرائيل إلى «محور المقاومة» بعد التنسيق الروسي الاسرائيلي في سوريا. ولا عجب، فقد درج إعلام ما يسمى الممانعة دائماً على القول إن روسيا هي جزء أساسي من محور «الممانعين»، الذي يحرص المنظرون له على أن يرسموا دائماً خريطته الممتدة من «حارة حريك» في ضاحية بيروت الجنوبية مروراً بسوريا الأسد، وصولاً إلى طهران فموسكو.
من كان يتصور أن يتحالف رافعو تحرير فلسطين من البحر إلى النهر مع من يحتل فلسطين في سوريا؟ عندما تصدر التعليمات للجيش السوري وميليشيا حزب الله والحرس الثوري الإيراني والجيش الإسرائيلي والقوات الروسية براً وجواً من غرفة علميات واحدة في مطار «حميميم» السوري القريب من القرداحة مسقط رأس الرئيس السوري، ماذا يمكن أن نسمي ذلك بربكم؟ ماذا نقول عندما نسمع مدير مركز موشيه ديان الإسرائيلي، إيال زيسر وهو يعلن «أن الرئيس الروسي بوتين يعانق نتنياهو في غرفة، ثم ينتقل إلى الغرفة الأخرى ليعانق بشار الأسد وحسن نصرالله وخامنئي»، مما يعني أن التحالف أصبح أمراً واقعاً بعد الغزو الروسي لسوريا. وقد علق أحد الساخرين على عناق الغرف المتجاورة قائلاً: «إذاً الممانعة مازالت موجودة طالما أنهم في غرفتين منفصلتين حتى لو كان الحمام مشتركاً».
سؤال بسيط لمن يحاول أن يلتف حول الأمر، وينفي التحالف مع الإسرائيليين في سوريا: ماذا تفعل روسيا في سوريا؟ إنها تحارب إلى جانب حلف الممانعة ضد خصومه. وماذا تفعل قوات إيران وحزب الله والجيش السوري؟ طبعاً تقاتل ضد قوات المعارضة لحماية النظام السوري. وعلى ماذا تنسق إسرائيل في سوريا مع الروس؟ لا شك أنها تنسق العمليات ضد خصوم ما يسمى حلف الممانعة والمقاومة. لا يمكن أن نفهم من تصريح إسرائيل بأنها تنفذ عمليات داخل سوريا بالتنسيق مع روسيا، وبعلم النظام السوري، إلا أن العمليات تصب في صالح «الحلف المقاول». إذاً الجميع يحارب عدواً واحداً. وعندما نسمع أن إسرائيل قصفت بعض مواقع النظام أو حزب الله في سوريا، فهذا فقط بمباركة الجانبين، وغالباً ما يحدث عندما يقترب الثوار من مخازن أسلحة خطيرة للنظام تخشى إسرائيل وقوعها في أيدي خصومه. بعبارة أخرى، لم تكن إسرائيل تخشى من ترسانة النظام على مدى أربعين عاماً، لأنها كانت في أيد أمينة. أما اليوم فهي تخشى عليها من الوقوع في أيد غير أمينة، فتقوم بتدميرها بمباركة النظام، على حد قول الثوار. لاحظوا أيضاً أن الادارة الأمريكية التي وجهت صواريخ طائراتها إلى مواقع تنظيم داعش، لم تخطىء يوماً في استهداف مراكز تابعة لإيران أو حزب الله أو الجيش السوري على امتداد الاراضي السورية والعراقية. ولو كانت واشنطن تخشى من تلك القوات على إسرائيل لسحقتها، لو بطريق الخطأ.
واضح تماماً أن ما يسمى حلف الممانعة يمارس الماكيافيلية النفعية بأقذر أنواعها، ألا وهو التحالف مع العدو على مبدأ: حليف حليفي حليفي. وقد ذكرت الصحافة الإسرائيلية أن روسيا عرضت على إسرائيل المشاركة في تحالفها الشرق اوسطي ضد تنظيم «داعش»، وهو تحالف يضمّ إيران والعراق وسوريا وحزب الله اللبناني، وذلك من أجل مساندة نظام الأسد ومنعه من السقوط. ويقول الصحافي الإسرائيلي إيهود يعاري في هذا السياق: «روسيا عرضت علينا تشكيل حلف يضم إيران وحزب الله والرئيس السوري بشار الأسد لمحاربة داعش، وهذا ما تم.
ولن نتفاجأ قريباً إذا رحب ما يسمى حلف الممانعة (ضد إسرائيل سابقاً) بغارات سلاح الجو الإسرائيلي على فصائل المعارضة السورية تحت أولوية شعار «محاربة ارهاب داعش»، وذلك من أجل حماية نظام الأسد، وهو الهدف المشترك الاستراتيجي للإيراني والروسي والإسرائيلي على حد سواء. ويتساءل أحد الساخرين هنا: «إذا كان محور الممانعة الذي يدّعي الإسلام تحالف مع الروس الذين أعلنوا الحرب الصليبية المقدسة ضد إخوانهم المسلمين، فما المانع أن يتحالف مع إسرائيل؟» ويتساءل رئيس وزراء لبنان الأسبق هنا ساخراً: «كيف يتم الجمع بين الممانعة والتنسيق مع إسرائيل لإبقاء النظام السوري، فيما هي تنتهك الأقصى، وتدوس كرامة فلسطين وأهلها والعرب كلهم؟»
وعندما طرحت سؤالاً للتصويت بعنوان: «هل أصبح النظام السوري وإيران وحزب الله في خندق واحد مع إسرائيل بعد التنسيق الروسي الإسرائيلي» رد أحدهم غاضباً: «التصويت فيه مغالطة كبيرة، فهو يعني أنهم لم يكونوا في خندق واحد قبل التدخل الروسي، ولكن الحقيقة أنهم منذ تشكيل هذا المحور وهم في خندق واحد، بل هم خط الدفاع الأول عن إسرائيل، ولكن الذي تبدل اليوم أن التنسيق الروسي أسقط ورقة التوت الأخيرة عن الممانعة، فبان القبح كله، وظهرت السوءات كلها. فبعد أن كانت ممانعة في النهار ومماتعة في الليل، أصبحت اليوم مماتعة في الليل والنهار وعلى عينك يا تاجر، واللي استحوا ماتوا. 
‏ ٭ كاتب وإعلامي سوري

سليم عزوز يكتب: الكتاتني والمدرسة الأمريكية في إذلال الخصوم

في الأسبوع الماضي، أراد الحكم العسكري في مصر، أن يقدم رسالة للقوى الرافضة له، ولمن يفكر في رفضه، مفادها أنه يملك أن يحطم أكبر الرؤوس، وأن يذل الجميع، فكانت الصور التي تسربت من المحكمة لبعض قيادات جماعات الإخوان، وهم وإن أكدوا بابتساماتهم وحرصهم على استخدام شارة رابعة، يؤكدون على مدى الثبات الذي يتمتعون به، فإنهم كانوا في حالة مزرية، وبدا الدكتور سعد الكتاتني أول رئيس لبرلمان مصري منتخب بنزاهة ووفق المعايير الدولية، وقد فقد الكثير من وزنه، ودبت فيه الشيخوخة وهو القادم من سجن العقرب سيئ السمعة.
جرائم السجون
كثيرة هي التقارير التي تحدثت عن الجرائم التي تحدث في السجون، وكثيرة هي كذلك الأخبار التي تأتي من هناك تفيد أن الحاصل فيها من تعذيب وتنكيل يفوق ما جرى في عهد الحكم العسكري الأول في عهد عبد الناصر، والذي كان حريصاً على الشكل، فشاهدنا صور سيد قطب في محاكمته وهو بكامل هندامه، كما أن هذه السجون سيئة السمعة هي التي وفرت له أن يكتب كتابه ذائع الصيت «في ظلال القرآن الكريم»، وغيره، ووفرت هذه السجون، مع الإجرام الذي جرى فيها، للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أن يكتب كتابه «دعاة لا قضاة»، وكان من المستقر عليه في حكم مبارك، أن التعذيب يكون سابقاً للمحاكمة، لذا فإن انتقال من تجرى محاكمته للسجن في مرحلة ما بعد الإدانة فإنه انتقال لمرحلة يتوقف فيها التعذيب، إلا في حالات قليلة.
ومع تعدد التقارير التي تتحدث عما يجري في سجون عبد الفتاح السيسي، وفي صمت دولي يعني الرضا، فإن صورة الدكتور سعد الكتاتني كانت تعبيراً من لحم ودم عن حجم المهانة التي يعيشها أكثر من 60 ألف معتقل في سجون الإنقلاب، يوجد بينهم أطفال وفتيات.
الصور سربت عمداً، بهدف كسر رافضي الإنقلاب، وكما قال تقرير «الجزيرة»، «تعمد الإنقلاب كسر شوكة خصومه»، وهذا هو الهدف من بثها أساساً، وهي تأتي في سياق بدأ منذ اليوم الأول للإنقلاب، عندما كانت قوات الأمن تصطحب معها الكاميرات، وهي تلقي القبض على قيادات الجماعة، كما حدث عند اقتحام منزل «خيرت الشاطر» وزوجته بملابس النوم، وكما حدث عند بث التلفزيون المصري صور المرشد العام بعد القبض عليه!
السيسي والتعليم الأمريكي
في مرحلة سابقة وعندما علمنا أن عبد الفتاح السيسي حصل على دراسات عليا أو نحو ذلك من الولايات المتحدة الأمريكية، كانت الدهشة تستولي علينا، فالرجل لا يبدو أنه قرأ كتاباً في حياته، أو كتب سطراً، أو فهم قضية، لكن هذه الدهشة زالت عندما شاهدنا المدافع عن الإنقلاب الدكتور «نبيل ميخائيل»، الذي يقدم تلفزيونيا على أنه أستاذ للعلوم السياسية في جامعة «جورج واشنطن»، فيدهش من يشاهده لهذا المستوى الضحل، ولهذه الغيبوبة التي عليها وهو يدافع عن الإنقلاب، فيستقر في وجدانك أن «جورج واشنطن»، هي فرع لمعهد «عبده باشا» في مصر، وعندما تفكر أن السيسي حصل على شهادة علمية من هناك، فيستقر في الوجدان بأنه ربما لا تكون المواصفات العلمية المقررة شرطاً لأناس بعينهم لاسيما القادمين من العالم العربي، لا تنسى أن «توفيق عكاشة» يقول إنه حصل على الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية!
من الواضح أن السيسي في دراسته قد استلهم مقررات المدرسة الأمريكية في التنكيل بالخصوم، وقد أثبت الأمريكان جدارة عندما قدموا الرئيس العراقي «صدام حسين»، في وضع مزر عبر الشاشات، في حديث الحفرة الشهير، قبل أن نعلم أنه كان مخدراً عندما قدموه للرأي العام، وكانوا لا يتورعون عن بث صور التقطت له في السجن، مثل صورته الشهيرة وهو يغسل ملابسه، إمعاناً في الإذلال، وهو ما سعوا للاستمرار فيه في محاكمته، حيث تحول القاضي إلى جلاد، لكن بشجاعته أفشل مخططهم، ثم كان الفشل الذريع عندما تحول إلى أسطورة، وهو يواجه الإعدام ببسالة، رفعته لمصاف الزعماء التاريخيين، فقد كان في السلطة رئيساً كما أن مبارك رئيس أيضاً، فصار بالإعدام زعيماً، يُذكر اسمه عندما تُذكر أسماء كعمر المختار.
ولا ننس الصور التي تم بثها لعراقيين يعذبون على أيدي المجندة الأمريكية «إياها»، فإذا كانت هذه الصور قد مثلت فضيحة لإدارة الرئيس بوش، فإن الهدف من نشرها كان لإذلال هؤلاء ولتكون درساً لمن يفكر في أن العين يمكن أن تعلو على الحاجب.
ولا ننسى أن الإنقلاب في مصر، كان فعلاً أمريكيا، وكل من ظهر في الصورة ليسوا أكثر من عرائس متحركة على المسرح الغربي، الذي أزعج رواده أن يختار المصريون حاكمهم بإراداتهم الحرة، فكان ما كان، وكان طبيعياً أن يكون الدرس الأمريكي في العراق حاضراً في المشهد الإنقلابي في مصر، ومن هنا يمكننا الوقوف على ما تعلمه «عبد الفتاح السيسي» في رحلته العلمية هناك!
تقرير «الجزيرة» قدم للمشاهد في البداية صورة الدكتور «سعد الكتاتني» وهو في كامل عافيته قبل عام ونصف العام من الإنقلاب، عندما تم انتخابه رئيساً لبرلمان الثورة، في وقت كانت فيه مصر سعيدة باختيارها برلماناً حراً لأول مرة في تاريخها. وكانت الصورة الثانية للرجل بملابس الإعدام وهو شاحب الوجه، فاقد لنصف وزنه، في حالة أرقت الوجدان الإنساني.
الكتاتني ممثل الرؤية الإصلاحية
«الكتاتني» لم يهبط على الحياة السياسية بفعل الثورة، فقد كان زعيماً للكتلة الإخوانية في برلمان 2005، وكان طبيعياً أن يتم إسقاطه في الإنتخابات التالية بقوة السلاح، وهو مع ذلك آثر السلامة ولم يرد على السلاح بسلاح، ولم يعرف عنه أنه دعا إلى العنف أو مارسه، بل لم يكن في إدارته للمنصب الجديد، بمستوى الثورة، إنما كان دائماً يمثل الرؤية الإصلاحية لا الثورية، هو ما كان سبباً في هجومي عليه في مقالات عدة. إن شئت فقل إنه من الحمائم في الإخوان المسلمين، لكن النظام الإنقلابي في مصر، ولأنه نتاج إرادة خارجية، فقد جاء متصوراً أنه قادر على استئصال الجماعة، وليتمكن بعد ذلك من القضاء المبرم على الإسلام السياسي بكل تنويعاته، وهو الخطأ نفسه الذي وقع فيه عبد الناصر، وكان الفشل حليفه، لأن التعذيب قد يكسر النفوس، لكنه يشعل جذوة الغضب عند من يسمع به، والجماعات الجهادية التي نشأت في مصر في فترة السبعينات خرجت من بين أوراق الكتب التي تحدثت عن تعذيب الإخوان في السجون.
لم تنل صورة صدام حسين، وهو يغسل ملابسه في السجن من هيبته، تماماً كما لم تنل صورة الكتاتني منه، وإن كانت انتقلت به إلى حالة المرشد العام الثاني للجماعة، المستشار حسن الهضيبي، الذي قيل فيه: «لقد تولى منصب المرشد ولا اتفاق عليه ودخل السجن ولا خلاف عليه».
لا بأس، فما هو أصعب قرار يمكن أن يتخذه حكم العسكر في مصر مع المعتقلين؟ أن يقتلهم جميعاً؟ فليفعل فالرافضون للإنقلاب ليسوا هم الـ (60) ألف معتقل في سجونه.
إن المدرسة الأمريكية في كسر الخصوم فشلت، ومع هذا يقلدها الفشلة في مصر.
أرض – جو
- يا فرحة ما تمت: فقد كنت أستعد لمشاهدة جلسات الأنس والفرفشة عبر التلفزيون بنقل جلسات برلمان الإنقلاب على الهواء، لكن تقرر منع بثها من باب إن الله أمر بالستر. من المؤكد أنها ستكون جلسات ممتعة!
- تم زف بشرى عظيمة للبشرية بإعلان أن إرسال التلفزيون المصري الرسمي ممثلاً في القناة الأولى والثانية وراديو مصر قد وصل في أمان الله إلى حلايب وشلاتين. ألم يكن وصل إلى الآن؟ أم أنهم يكيدون البشير، وفق نظرية «كيد الضرائر»؟!