06 نوفمبر 2014

لماذا لا يوصم عبد الناصر والسادات بالإرهاب؟

بقلم: د صفوت حسين
المتأمل للمشهد السياسى على الساحة المصرية منذ سنوات يلاحظ بوضوح وجلاء هذا الكم الكبير من فقدان الموضوعية والمصداقية، وسياسة الكيل بمكيالين وأحيانا بعدة مكاييل، ولقد تجلى هذا الأمر بأوضح صوره بعد الانقلاب حيث تساقطت الأقنعة، وتهاوت النجوم الفضائية التى صنعها الإعلام على عينه طوال السنوات والعقود الماضية، وانقشع غبار الانقلاب عن سقوط مدو ومزر للنخبة التى تصدرت الساحة، ولم تتوقف عن الحديث عن الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان فلما جاءت ساعة الاختبار الحقيقى وقفت فى صف الانقلاب والديكتاتورية وانتهاك كل الحقوق والحريات، وتنكرت لكل ماصدعت به رؤؤسنا من مبادى وقيم ولم يثبت إلا أقل القليل الذين قبضوا على الجمر، وتمسكوا بمبادئهم، ولم يدفعهم الاختلاف أو الخصومة السياسية أو الفكرية مع فصيل آخر الى التغاضى عما تؤمن به من قيم ومباديء وأتوقف هنا عند قضية وصم الإخوان بالإرهاب بعد أن تحولت الجماعة فى ظل الانقلاب من الجماعة المحظورة الى الجماعة الإرهابية،وبعد أن أخذ الانقلاب يسوق نفسه على أنه حامى حمى المنطقة والعالم كله ضد الإرهاب والحقيقة أنه بعد بحث عن هذا الإرهاب المنسوب الى الإخوان لن تجد فى النهاية إلا الحادثتين اللتين يتم الحديث عنهما منذ عهد السادات ومبارك وهما حادثتا مقتل الخازندار والنقراشي، واللتان يتم استدعائهما على عجل والعزف عليهما، وتردديهما كالاسطوانة المشروخة منذ عقود فى مواسم الهجوم على الإخوان من جانب أبواق وكتبة النظام ومعارضى الإخوان، ومن يقرأ مبررات قرار الانقلاب فى 25 /12 /2013 باعتبار الإخوان جماعة إرهابية لن يجد فعليا - بعيدا عما احتوى عليه القرار من أخطاء وأكاذيب - غير حادثتى الخازندار والنقراشى واللتين تعتبران فى حد ذاتهما دليل على نبذ الإخوان للعنف بدليل أنهما لم يجدا مايستشهدان به على قيام الإخوان بأعمال عنف إلا حادثتين وقعتا فى عام 1948،وهما كانا محل إدانة من مرشد الجماعة الشيخ حسن البنا والحقيقة ليس الهدف هنا مناقشة وتقييم دور النظام الخاص المعروف إعلاميا بالتنظيم السري،أو الحديث عن ملابسات هاتين الحادثتين،وهل كانتا بعلم قيادة الجماعة أم لا ؟ ولكن أتوقف هنا عند المعيار الذى يستخدمه معارضوا الإخوان وأبواق الانقلاب فى رمى الإخوان بالإرهاب استنادا الى حادثتين وقعتا منذ أكثر من ستين عاما فى الوقت الذى يغضون فيه الطرف عن بعض الكيانات والشخصيات التى تورطت فى مثل هذه الأعمال فى تلك الفترة فى إطار سياسة الكيل بمكيالين،وانتقاء بعض أحداث التاريخ وتوظيفها فى خدمة الصراعات السياسية.. فهل كان فكرة الاغتيالات السياسية للقوى المتعاونة مع الإنجليز قاصرة على الإخوان فقط؟ وهل الإخوان فقط هم الذين تورطوا فى هذه الأعمال؟ الواقع أن فكرة الاغتيالات السياسية للمتعاونين مع الإنجليز كانت سائدة فى تلك الفترة من جانب بعض الكيانات والشخصيات التى يضفى عليها البعض أوصاف الزعامة والقداسة،وأعنى هنا تحديدا عبد الناصر والسادات اللذين تورطا فى أعمال لا يمكن أن توصم إلا بالإرهابية بنفس المعيار الذى يطبق على الاخوان بل إن بعض الأعمال الإرهابية التى تنسب لعبدالناصر أشد فداحة لأنها صدرت من رجل مسئول بالدولة، وليس من جانب شخص أو تنظيم فيذكر عبد الناصر فى كتابه "فلسفة الثورة":. "وأعترف - ولعل النائب العام لا يؤاخذنى بهذا الاعتراف - أن الاغتيالات السياسية توهجت فى خيالى فى تلك الفترة على أنها العمل الإيجابى الذى لا مفر من الإقدام عليه إذا كان يجب أن ننقذ مستقبل وطننا.وفكرت فى اغتيال كثيرين وجدت أنهم العقبات التى تقف بين وطننا وبين مستقبله...." ولم يتوقف الأمر عند مجرد التفكير بل اتجه عبدالناصر الى التنفيذ بالفعل وقام بمحاولة فاشلة لاغتيال اللواء حسين سرى عامر قائد سلاح الحدود وقد تحدث عبد الناصر عن الصراع النفسى داخله عقب المحاولة الفاشلة حول وسيلة الاغتيالات السياسية وانتهائه الى أنه ليس الطريق الإيجابى لتحقيق الأهداف الوطنية لدرجة أنه تمنى ألا يموت الرجل "وهرعت فى لهفة الى إحدى صحف الصباح وأسعدنى أن الرجل الذى دبرت اغتياله قد كتبت له النجاة" فهل كان عبد الناصر صادقا فى مشاعره وأقواله تلك ؟ الواقع أن عبد الناصر لم يكن صادقا فى موقفه،وهذا ليس رجما بالغيب ولا تفتيشا فى النوايا فالرجل الذى أبدى الندم على محاولة الاغتيال وتمنى نجاة حسين سرى عامر هو نفس الرجل الذى سار فى نفس التفكير والتدبير بعد ذلك وتحديدا فى أزمة مارس 1954 فبعد اضطرار عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة الى إعادة محمد نجيب تحت ضغط الجماهير،واشتداد الصراع بين محمد نجيب ومعه خالد محى الدين المطالبين بالديمقراطية وباقى أعضاء مجلس قيادة الثورة اقترح عبد الناصر فى 4 مارس 1954 كما يذكر عبد اللطيف البغدادى عضو مجلس قيادة الثورة فى مذكراته " انسحاب مجلس الثورة على أن يعمل كل فرد من أعضائه على تكوين(team) فريق له مكون من عشرة أفراد مهمته التخلص من العناصر الرجعية والأفراد الذين يناهضون الثورة والذين يقفون فى طريقها كسياسى الأحزاب القديمة والإخوان المسلمين والشيوعيين ولكن لم يتجاوب أحد من أعضاء المجلس فى هذا الاتجاه" وفى يوم 19 مارس وقعت عدة انفجارات فى القاهرة فى مبنى محطة السكة الحديد والجامعة ومحل جروبى ويذكر البغدادى فى مذكراته أنه توجه هو وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم أعضاء مجلس قيادة الثورة لزيارة عبد الناصر فى بيته نظرا لمرضه يوم 21 مارس " فأبلغنا أن الانفجارات التى كانت قد حدثت فى اليوم السابق وأشار إليها فى اجتماع المؤتمر، إنما هى من تدبيره لأنه كان يرغب فى إثارة البلبلة فى نفوس الناس ويجعلها تشعر بعدم الأمن والطمأنينة على نفوسهم وحتى يتذكروا الماضى أيام نسف السينمات... إلخ. وليشعروا بأنهم فى حاجة إلى من يحميهم على حد قوله" فى صباح يوم 27 مارس اندلعت المظاهرات التى تم تدبيرها من جانب عمال النقل وهيئة التحرير وأفراد الحرس الوطنى والبوليس الحربى الذين ارتدوا الملابس المدنية، والتى أخذت تهتف بسقوط الحرية والديمقراطية وقد أتت المظاهرات أكلها وتقرر إرجاء تنفيذ القرارات الديمقراطية التى اتخذها مجلس قيادة الثورة من باب المناورة حتى نهاية الفترة الانتقالية فى 10 يناير 1956، ونزلت قوات الجيش الى الشوارع وتوجه عبد الناصر لزيارة اتحاد نقابات النقل المشترك الذى كان لرئيسه الصاوى أحمد الصاوى الدور الأكبر فى هذه المظاهرات ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد تم توجيه المتظاهرين الى مجلس الدولة بعد نشر أخبار عن انعقاد الجمعية العمومية لمجلس الدولة لاتخاذ موقف ضد قرارات مجلس قيادة الثورة حيث تم اقتحام المجلس والاعتداء بالضرب على رئيسه السنهورى باشا لقد ثبت أن إضراب عمال النقل كانت من تدبير عبد الناصر وقد رتب الأمر إبراهيم الطحاوى، وأحمد طعيمة من زعماء هيئة التحرير بالاتفاق مع الصاوى أحمد الصاوى سكرتير اتحاد عمال النقل نظير أربعة آلاف جنيه ويذكر خالد محى الدين عضو مجلس قيادة الثورة فى مذكراته الآن أتكلم "ولك عزيزى القارئ أن تتصور إضرابا لعمال النقل تسانده الدولة وتحرض عليه وتنظمه وتموله وأتوقف تحديدا أمام كلمة تموله هذه فلقد سرت أقاويل كثيرة حول هذا الموضوع لكننى سأورد هنا ما سمعته من عبد الناصر بنفسى فعند عودتى من المنفى التقيت عبدالناصر وبدأ يحكى لى ماخفى عنى من أحداث أيام مارس الأخيرة وقال بصراحة نادرة لما لقيت المسألة مش نافعة قررت أتحرك وقد كلفنى الأمر أربعة آلاف جنيه" أما أنور السادات فيتحدث بالتفصيل فى مذكراته "البحث عن الذات" عن دوره فى محاولة اغتيال زعيم الوفد النحاس باشا، واغتيال أمين عثمان،والذى كان يرى أن من "المهم أن نتخلص ممن كانوا يساندون الإنجليز فى ذلك الوقت وكان على رأس هؤلاء فى نظرنا مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد الذى سقط فى نظرنا منذ أن فرضه الإنجليز بقوة السلاح فى 4 فبراير 42" وبالرغم من فشل محاولة اغتيال النحاس التى جرت فى سبتمبر 1945 - أى قبل ثلاثة سنوات تقريبا من حادثتى الخازندار والنقراشى - فقد قرر السادات وجمعيته السرية التى شكلها اغتيال أمين عثمان الذى كان وزيرا للمالية فى وزارة النحاس،والذى كان قد صرح أن العلاقة بين مصر وبريطانيا زواج كاثوليكي،وقد تم تنفيذ العملية فى يناير 1946 حيث أطلق عليه حسين توفيق النار فأرداه قتيلا وعلى عكس عبد الناصر لا يبدى السادات أى قدر من الشعور بالذنب ولو ظاهريا كما فعل عبد الناصر بل على العكس نجد أن الرجل يشعر بالتيه والفخر لما قام به،ويفرد الصفحات الطوال فى مذكراته للحديث بكل أريحية عن الدور الذى قام به بعد القبض عليه وبعد اعترافات حسين توفيق التفصيلية فى تقويض أدلة الجريمة ولعل السؤال للأخوة التى تجرح مشاعرهم الرقيقة،وتنغص عليهم حياتهم حادثتى الخازندار والنقراشى – وهما محل إدانة فى كل الأحوال – اللتين وقعتا منذ أكثر من ستين عاما ...وهم الذين ماتت مشاعرهم إزاء المذابح التى ارتكبها الانقلاب بالأمس القريب... لماذا تجمدت مشاعركم الرقيقة عما قام به عبد الناصر والسادات؟ وهل ما قاما به أعمال وطنية أم إرهابية ؟!!!!

إعلام أمريكى: بيان الصحفيين ضد «تكميم الأفواه» إشارة على سخطهم

فاطمة زيدان 
أبرز عدد من وسائل الإعلام الأمريكية البيان الذى تداوله مئات الصحفيين فى مصر، أمس الأول، للتوقيع عليه إلكترونياً، وذلك للتعبير عن احتجاجهم على بيان رؤساء تحرير الصحف، الذى صدر الشهر الماضى، ويطالب بالامتناع عن نشر التقارير التى تنتقد الحكومة. 
ووصفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية البيان الذى جاء بعنوان «تكميم الأفواه انتصار للإرهاب»، ووقع عليه أكثر من ٤٥٠ صحفياً، حتى مثول الجريدة للطبع، بأنه «تصرف نادر للمعارضة العلنية منذ إطاحة الجيش بالرئيس السابق محمد مرسى من السلطة، فى يونيو ٢٠١٣، كما أنه إشارة أولية على سخط الصحفيين من دعم جميع وسائل الإعلام للحكومة». 
كان رؤساء تحرير الصحف، القومية والخاصة، قد عقدوا اجتماعاً، الشهر الماضى، تدارسوا فيه أوضاع الصحافة المصرية ومواقفها فى إطار مواجهة الإرهاب، وخرجوا ببيان ينص على «دعم جميع الإجراءات التى اتخذتها الدولة فى مواجهة العناصر الإرهابية وحماية الأمن القومى للبلاد فى إطار الدستور والقانون»، ورفض البيان «محاولات التشكيك فى مؤسسات الدولة أو إهانة الجيش أو الشرطة أو القضاء بطريقة من شأنها أن تنعكس سلباً على أداء هذه المؤسسات». 
واعتبرت الصحيفة الأمريكية، فى تقرير نشرته أمس، أن إصدار بيان رؤساء التحرير يعد بمثابة «فرض رقابة ذاتية» على الصحافة، معتبرة أن «ارتفاع حدة المشاعر القومية، وتصاعد حملة التضييق على المعارضة أدت إلى إسكات جميع الأصوات الإسلامية والعلمانية، على حد سواء».
وأشارت الصحيفة إلى أن بيان الصحفيين جاء فيه: «نرى أن بيان رؤساء التحرير وما تضمنه من ترويج لعودة عصور الاستبداد والقمع وسيادة الرأى الواحد، إنما يعنى قبول من أصدروه الهزيمة أمام الإرهاب، والخضوع لسلطة لاتزال تعصف بالحريات وتلاحق الصحفيين عبر وسائلها الأمنية، وعبر بعض من أبناء المهنة والمحسوبين عليها».
وتابع البيان: «إن مواجهة الإرهاب واجبٌ وشرف لا علاقة له بتأميم الصحف».

05 نوفمبر 2014

السامولي يدعو إلى توحيد المعارضة وإنهاء حكم العسكر

دعا رئيس المجلس السياسي للمعارضة المصرية منذ2008 عادل محمد السامولي، الثلاثاء، طلاب الجامعات والثوار وأعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" و"التيار السلفي" إلى توحيد صفوفهم لمواجهة الحكم العسكري.
وأكد السامولي في بيان له على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، أنَّه "يبدأ في توحيد المعارضة المصرية وتحضيرها لمرحلة ما بعد السيسي بعد إصدار بيان موجه إلى الجيش المصري يطالبه بإعفاء السيسي من منصبه"
وأضاف "أخاطب طلاب الجامعات والشباب الثوري والقادة السياسيين وجماعة الإخوان والتيار السلفي إلى توحيد الصفوف في كيان معارض موحد؛ لأنَّ الحرب الكلامية بالبيانات والتصريحات وحدها لن تكفي، لمواجهة النظام العسكري الحاكم".
وأوضح السامولي "يلزم المعارضة المصرية إستراتيجية عمل وإطار موحد وكيان موسع يشمل الجميع دون إقصاء لأي طرف, ليكون بمثابة معارضة حقيقية قادرة على جمع طلاب الجامعات وشباب الثورة والسياسيين والإخوان والسلفيين في مشروع سياسي يعمل على مواجهة إخفاقات ما بعد ثورة 25 يناير".
وأشار إلى أنَّ الكيان الموحد سيرفع "البطاقة الحمراء في وجه النظام العسكري الحاكم والتصدي للتطرف ويبقى الهدف الأسمى هو تحضير البديل المدني لمرحلة ما بعد السيسي القادر على إدارة شؤون الدولة وبناء مصر الحديثة".

مقالات عام النكبة المصرية 2013

 الثلاثاء، 24 ديسمبر، 2013
سيد أمين يكتب عن : ثقافة الفساد الاحمر
اعتدت منذ سنوات طويلة بحكم عملى الذى يقع في منطقة وسط القاهرة ان أسير جيئة وذهابا في واحد من اعرق واقدم شوارعها , بل ان هذا الشارع اقترن تاريخا باشهر مذبحة حدثت فى تاريخ مصر قبل ان تحل مجازر اخري محلها الأن وهى تلك الخاصة بمذابح الحكم العسكرى فى ميدانى الشرف والعز "رابعة" و"النهضة".
هو شارع الدرب الأحمر والذى كان فى الاصل يسمى بالدم الاحمر

موقع قبطى ينشر تقريرا مثيرا عن الاعلاميين المتنبئين

نشر موقع "اقباط متحدون" تقريرا كانت وسائل الاعلام الاجتماعى تتداول تفاصيله حول الانفجارات الوهمية التى تحدث في مصر والتى كان يتنبأ بها الاعلاميون قبل وقوعها ما القي ظلالا كثيفا من الشك حول طبيعة هؤلاء الاعلاميين لاسيما توفيق عكاشة وعمرو اديب
والغريب ليس فيما جاء به التقرير المنشور في الموقع القبطى المتشدد ولكن في الموقع الذى اعتاد وبشكل الى توجيه الاتهام الى الاخوان المسلمين في كل صغيرة وكبيرة تحدث في مصر بعد الانقلاب العسكري.. فكونه ينشر مثل هذه التقارير يعتبر تقدما كبيرا في صف العمل الثوري .. حاصة ان هناك اقباط اخرون كتبوا مقالات صريحة حول اتهام السيسي بتدبير مذبحة ماسبيرو للاقباط دون ان ينال الالقصاص من أحد.
وهذا ما جاء فى نص التقرير حرفيا:

عمرو أديب يتبنأ بتفجيرات في الشرقية والدقهلية قبل وقوعها بأيام
 المجلس العسكرييتهم خيري رمضان بإذاعة خبر حرق المجمع العلمي قبل وقوعه
عكاشة ملك تنبؤات التغييرات الوزارية
كتب – نعيم يوسف
 "أنا بقولكم أهو من بدري" جملة دائما ما تسبق توقعات الإعلامي عمرو أديب، عن الحوادث التي يتنبأ بحدوثها، ولكن الأمر في الإعلام المصري، لا يتوقف عن "أديب" فقط، ولكنه متواجد لدى بعض الإعلاميين الآخرين مثل "خيري رمضان"، وخاصة "توفيق عكاشة". الأمر الذي ينقلنا إلى ظاهرة "الإعلامي النبي"، أو "إعلام التنبؤات"!!.
 تفجير مديرية أمن الدقهلية
 ما يميز تنبؤات الإعلامي عمرو أديب، هو إحساسه العالي بـ"الكوارث المصائب"، فقد سبق للإعلامي الشهير، التنبؤ بـ"تفجير مبنى مديرية الدقهلية" قبيل حدوث ذلك بحوالي 48 ساعة، ثم عاد ليبرر ذلك بأنه يفهم طبيعة تفكير جماعة الإخوان، بالإضافة إلى تفهمه طريقة عمل وزارة الداخلية.
 تفجير مبنى المخابرات في الشرقية
تفجير مبنى المخابرات في الشرقية، لم يغيب عن "توقعات" الإعلامي الشهير، حيث قال قبيل حدوث ذلك بيوم واحد: "أنا بقولكم أهو الدور على الشرقية". مشيرا إلى أنه حذر دمياط في اليوم السابق، و"فهمو الرسالة"، وبالفعل حدث تفجير في الشرقية.
الإخوان والاستفتاء
قبيل إجراء الاستفتاء على الدستور، وخلال إجراء الاستفتاء في الخارج، توقع أديب أن يقوم الإخوان، وقناة الجزيرة القطرية، بتصوير بعض اللجان الفارغة، والصفوف القليلة، لكي يدعوا أن المواطنون لم يشاركوا في الاستفتاء وأنه باطل، ومزور، وهو ما حدث بالفعل.
 التغييرات الوزارية
"توفيق عكاشة"، بطل توقعات التغييرات الوزارية، فقبيل الإطاحة بالمشير حسين طنطاوي، وتعيين الفريق أول عبد الفتاح السيسي، أعلن "عكاشة"، أن السيسي هو رجل الإخوان في الجيش، وأنه وزير الدفاع القادم، كما أعلن قبل اختيار الفريق صدقي صبحي لوزارة الدفاع، أنه هو الشخص القادم. ومنذ أسابيع تنبأ عكاشة بـ"إقالة" وزير التربية والتعليم محمود أبو النصر، من منصبه، مؤكدا أنه لن يستمر سوى ثلاثة شهور فقط، ولم يمر سوى أيام قليلة، حتى وقعت عدة حوادث في بعض المدارس، وتعرض الوزير لهجوم إعلامي شرس يطالبه بالرحيل الأمر الذي اضطر مؤسسة الرئاسة لإصدار بيان، تؤكد فيه عدم إجراء تعديلات وزارية قبل انعقاد البرلمان.
 حرق المجمع العلمي
"خبر كاذب" اعتبره البعض أنه أحد التنبؤات بحرق المجمع العلمي عام 2011، الأمر الذي أوقع الإعلامي خيري رمضان في براثن المجلس العسكري، واتهمه أحد أعضائها بأنه قال الخبر قبيل وقوعه، في إشارة إلى ضلوعه بالجريمة، ما دعا رمضان إلى مطالبة المجلس العسكري بالاتهام الصريح إذا كان لديه اتهام، مشيرا إلى أنه نقل الخبر عن مصادره وليس على مسؤوليته الشخصية.

سيد أمين يكتب: قبيل انكسار الثورة المضادة

يخطئ من يتصور أن حركة الاخوان المسلمين قد تضررت في العمق جراء الحملة الامنية التى استهدفتها بها سلطة الانقلاب العسكري, سواء من حيث الفكر او التنظيم او من حيث العدد والانصار.
لقد استطاعت عمليات التشويه الاعلامى المتعمد والمستمر والمكثف للحركة أن تحول بالفعل قطاعا كبيرا من المجتمع الى اعداء لها , ولكنها في الوقت ذاته اكسبتها انصارا جددا من هؤلاء الذين رفضوا الانقلاب العسكري وهم اكبر عددا من اولئك الذين يؤيدون الانقلاب ويتجاوبون مع الدعاية الاعلامية الهادفة الى شيطنة الحركة.
وهؤلاء الرافضون للانقلاب من غير اعضاء حركة الاخوان المسلمين متنوعون فقطاع منهم ينتمى الى فصائل التيار الاسلامى عامة وقطاعات كبيرة منه تنتمى لحركات ايديولوجية مختلفة فمنهم القومى والناصري والاشتراكى والليبرالي فضلا عن قطاعات اخري غير مؤدلجة ولكنها ادركت وجود مؤامرة غير اخلاقية وراء الاطاحة بالرئيس المنتخب.
واطلع هؤلاء بشكل يقينى على صنوف عمليات التلفيق التى تستهدف رافضى الانقلاب عموما , والاخوان المسلمين خصوصا , وعاصروا بأنفسهم تفاصيل الكثيرمن المظالم التى لفقت لقطاع واسع من المجتمع.
فضلا عن أن كثير من هؤلاء ينتمون للطبقة المثقفة في المجتمع المصري, ذات التعليم المرتفع وقدرتهم على التأثير في محيطهم الاجتماعى ونقل تجاربهم للاخرين اكثر تصديقا ومنطقية ممن اتخذوا موقفهم جراء دعاية اعلامية تفتقد في كثير من الاحيان للحبكة المنطقية والقابلية للتصديق. 
لهذا فأن حركة الاخوان المسلمين لم تفقد انتماء اعضاء لها جراء تلك الحملة الاعلامية والعسكرية ولكنها كسبت تعاطف قطاعات اخري نابهة لم تكن تتصور أن للاخوان المسلمين كل هذه القدرة على التضحية والصمود وتحمل المظلومية دفاعا عن فكر تعتقده ظهر جليا انه يدعو للسماحة لا للعنف.
بل ان هذه الحملة التى تتعرض لها الحركة اعطت فرصة نادرة لتصويب الكثير من الامور التى اعتبرت في يوم ما من المسلمات منها مثلا محاولة الاخوان قتل جمال عبد الناصر وهو ما كذبه استدعاء وإلقاء الضوء على شهادات مهملة لعدد من الضباط الاحرار منهم زكريا محيي الدين الذى اكد انها كانت مجرد "تمثيلية" لتبرير اعدام قيادات الاخوان , وكذلك دورهم في حرب فلسطين قديما وصد العدوانات الصهيونية على غزة حديثا.
واذا كانت الحملة الدعائية والعسكرية كشفت عن مدى صلابة الاخوان وعزيمتهم فانها في المقابل قامت بتعرية كل التيارات السياسية في مصر وأظهرتها لقطاعات كبيرة من المجتمع بانهم مجرد "تجار" مدلسون و"شاويشجية" طائعون يعملون جميعا كـ"خدم" لدى "العسكري" , وانهم يقومون بمجرد "دانتيلا" تزين "حلته".
ومن اللافت ان الحرب التى اعلنتها قوى الثورة المضادة - وهى التى تملك الاعلام والمال والسلاح - على الاخوان المسلمين في مصر أصابت مصر كلها بالاضطراب والخلل وعدم الاتزان الذى لا تخطئه عين دون ان تحقق حسما او نجاحا يذكر, فصارت كميكنة طحن معطوبة تصدر طنينا كبيرا ولا يري لها طحينا , ما يدلل في زاوية مقابلة على مدى تجذر وتماسك وتأثير تلك الحركة في المجتمع , وان نزولهم الى الميادين في ثورة يناير كان يعنى باختصار انتصار تلك الثورة.
وفي زاوية بعيدة فأن الازمة التى عاشها "الاخوان" وعاشتها بالضرورة مصر معهم بعد الانقلاب العسكري اعطت لهم درسا قويا ومؤثرا يستدعى فتح نقاش تنظيمى داخلى يتصدره الشباب ولا مانع من مشاركة قوى خارجية محبة للاخوان في وقت لاحق ايما كانت سواء اسلامية اوعروبية او ليبرالية اوحتى يسارية وذلك لرصد اماكن الخلل التى جعلت حركة بمثل هذه الوزن والزخم تفشل في ادارة العمل السياسي منذ ثورة يناير 2011 , وكيف استطاعت قوى الثورة المضادة, وهى تملك امكانيات بشرية اقل بكثير مما يملكه الاخوان ان تسحب جزءا كبيرا من بساط التأييد الشعبي الواسع الذى كانت تحظى به الحركة , تحت وطأة عمل دعائى بحت من المنطقي انه لا يرقي لما كانت تقدمه هذه الحركة من خدمات اجتماعية ملموسة للمجتمع؟.
ولست ادري لماذا دائما يستهوينى الحديث عن المؤامرة الامريكية على مصر والوطن العربي , وهو حديث جد عاقل , وجد موضوعى, وقلت في ذلك قولا كثيرا من قبل ولكنى نسيت أن اقول ايضا ان الولايات المتحدة لا تحب ان تري في وطننا اى تنظيم قوى ومتماسك حتى لو كان هذا التنظيم حليفا لها , فهى تريد وطننا العربي يعيش افراد اقطاره حالة من التشرذم والتفتت والانعزال لا تسمح بوجود تنظيم متماسك قوى يستطيع ان يقول "لا" للسياسات الامريكية في اى وقت من الاوقات , والامريكى لا يأمن في ذلك أحد.
بقي شيئا لابد ان نذكره وهو أن المايسترو الامريكى لا يأمن وجود أى تنظيم لأى فكر في عالمنا العربي خاصة لو كان مبنيا على قاعدة من الوطنية غير الشعبوية او ذلك النوع من الوطنية العابرة لتلك القطريات التى فرضها علينا المستعمر , فهو لا يأمن الاخوان المسلمين وايديولوجيتهم الراغبة في الوحدة الاسلامية السنية , ولا يأمن البعث الراغب في الوحدة العربية بشتى مكوناتها العرقية والدينية , ولا يأمن حزب الله الموحد للاسلام الشيعى, هو لا يأمن أيا منهم ويضربهم واحدا تلو الاخر او واحدا في الاخر.
واعترف اننى كنت في يوم ما من أشد الكارهين لحركة الاخوان المسلمين وبلغ بي اليقين اننى لم اكلف نفسي حتى بالسعي للتحقق من الادعاءات التى وصمهم بها اعلام العسكر تاريخيا, فاخذتها كمسلمات لا تقبل الجدل , ومنها انهم عملاء لامريكا وقوى الامبريالية الغربية , ولكن فائدة هذا الانقلاب انه جعلنى اعيد النقاش في تلك المسلمات مرة اخري واكتشف زيفها , فلو كان الاخوان عملاء لامريكا وللغرب, ما حدث الانقلاب اصلا وما سجن رئيس منتخب, وما قتل الاخوان وحرقوا ونكل بجثث الشهداء في ميادين التظاهروالاعتصام , وهى للحقيقة كانت ميادين في غاية الحضارية وغاية التنظيم وغاية السلمية..وبالطبع ما لمسته أنا لامسه غيري ممن تحروا الحقيقة , وتخلصوا من الكراهية غير المبررة.
albaas10@gmail.com

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: وعد بلفور أَمْ ثورة 1919

· في أعقاب الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918، اجتمع المنتصرون في قصر فرساي بفرنسا، لاقتسام بلادنا كغنائم حرب، فوقعت مصر في نصيب بريطانيا، التي كانت تحتلها بالفعل منذ 1882، ووقعت فلسطين هي الأخرى في نصيبها أيضا، بعد ان كانت الجيوش البريطانية قد دخلتها عام 1917 .
· فى ذات الوقت، أعطى وزير الخارجية الانجليزي آرثر جيمس بلفور للمنظمة الصهيونية العالمية في 2 نوفمبر 1917 وعده الشهير بحق اليهود في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، وهو الوعد الذي تم تحويله إلى قرار دولي في نصوص صك الانتداب البريطاني على فلسطين الصادر عام 1922 .
· أما هنا فى مصر وفي خضم ترتيبات وتسويات ما بعد الحرب، طالب الزعيم الوطني سعد زغلول ورفاقه، بالمشاركة في مؤتمر فرساي لعرض "المسألة المصرية" والمطالبة بالاستقلال. وهو ما رفضته سلطات الاحتلال، وقامت باعتقالهم ونفيهم إلى جزيرة مالطة ثم الى جزيرة سيشل بعد أن رفض مؤتمر اللصوص بباريس، الطلبات المصرية، مما فجر ثورة شعبية، ما زلنا نفتخر بها حتى يومنا هذا، بل و نتناولها كأحد المحطات الرئيسية فى كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال الانجليزي.
· لم تنجح ثورة 1919 فى تحرير مصر، وإن مثلت محطة هامة على الطريق الطويل الذي انتهى بتحقيق الاستقلال الكامل عام 1956 .
· وذهب الانجليز إلى غير رجعة عن مصر، كما ذهب الفرنسيون والايطاليون عن باقي أقطارنا العربية، ونسينا جميعا هذه المرحلة من تاريخنا، رغم ان آثارها لا تزال ممتدة حتى اليوم . 
· ولكن فلسطين ظلت محتلة، بالانجليز حتى عام 1948، وبالصهاينة بعد ذلك.
· ولم يكن المشروع الصهيوني الغربي 1917ـ 2014 وبالاً على فلسطين فقط، بل كان لعنة أصابت الوطن العربي بأكمله، فهو العدوان الأخطر في تاريخنا الحديث، والقضية المحورية في حياتنا جميعا على امتداد ثلاثة أجيال متعاقبة.
· ولو كان هناك فى بدايات القرن العشرين، من يستطيع ان يقرأ المستقبل ويعلم الغيب، لأدرك أن وعد بلفور سيكون أشد خطرا وتأثيرا على مستقبل بلادنا من كثير من الأحداث التي زامنته ، بما فيها أحداث نفى سعد زغلول، واندلاع ثورة 1919 .
· ولكن لأن الغيب فى علم الله سبحانه وتعالى، فان ما حدث منذ قرن من الزمان، هو ان الرأي العام فى مصر لم ينتبه إلى خطورة المشروع الصهيوني على مستقبلنا جميعا، واكتفى بالتركيز على استقلال مصر فقط، بدون الربط بينه وبين باقى القضايا العربية، رغم أن العدو واحد، وجريمة التقسيم واحدة.
· ربما لو كانت الناس حينذاك فى مصر والوطن العربي، قد انتبهوا الى خطورة ما يجرى، وقاوموه بحركة "تحرر عربية موحدة" وليست مصرية او قطرية فقط، لتغيرت حياتنا تماما عما نحن فيه الآن.
***
والغريب اننا كررنا ذات الخطأ التاريخ مرة أخرى بعد تفجر ثورات الربيع العربى، فبدلا من ان نحتضن القضية الفلسطينية وندعمها ونوحد نضالنا فى ثورة عربية واحدة وشاملة على جبهات متعددة، اذ بنا نستمر فى تهميشها خوفا من المجتمع الدولى وجريا وراء اعترافه، ونرفع شعار" لا وقت لفلسطين الآن، دعونا نبنى نظمنا الثورية الجديدة أولا". وما زلت أتذكر، ويا للخسارة، حالة الخوف والرفض والصد والانزعاج التى استقبلت بها القوى"الثورية" فى مصر باختلاف تياراتها، دعوة الشباب العربى فى ابريل 2011 لانتفاضة فلسطينية ثالثة فى الأرض المحتلة. لنكتشف متأخرا أن اسرائيل ومجتمعها الدولى وحلفاءها العرب لن يمهلونا، بل سارعوا جميعا بالانقضاض على فلسطين والثورات العربية معا.
***
ان ما مضى لا يمكن تغييره، ولكن لا يزال المستقبل بأيدينا، ولا يزال أمامنا فرصة أن نتعلم من تجاربنا وأخطائنا. ان الأرض العربية مشتعلة الآن بصراعات وحروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، أما معاركنا الحقيقية فمهجورة ومهمشة؛ الاحتلال فى فلسطين بكل جرائمه من قتل وإبادة وحصار واعتقال واستيطان وتهويد وابتلاع للمقدسات، وسلاح المقاومة ورقبتها مطلوبة إسرائيليا وعربيا ودوليا رغم ما حققته من نصر فى الحرب الأخيرة، وإسرائيل تحولت الى القوة الإقليمية العظمى فى المنطقة.
ومن ناحية أخرى تنقض الثورات المضادة على الربيع العربى بالعصف او بالاحتواء. والحروب الطائفية تشتعل فى مشارق الارض العربية ومغاربها. والاقتتال العربى العربى قائم على قدم وساق. وفى كل ذلك المايسترو واحد وهو الحلف الغربى الصهيونى بالتواطؤ مع النظام الرسمى العربى تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية، بينما نواجههم نحن منفردين معزولين كل فى قُطرِهِ وساحته ببرامج وأجندات محلية ضيقة ومحدودة !
فهل نبدأ بمراجعة أفكارنا ومشروعاتنا الفكرية والسياسية، ونبحث فى كيفية توحيد استرايجيات المقاومة والمواجهة الشعبية فلسطينيا وعربيا ؟
*****
القاهرة فى 5 نوفمبر 2014

د. حسام عقل يكتب: فخ سيناء .. كرة النار القادمة !

المصريون
لا جدال أن تداعيات الأحداث في ( سيناء ) علي النحو الدرامي المرعب الذي مضت به سيناريوهات الانفجار تفتح باباً واسعاً للتأمل الجاد المتعقل في راهن الملف السيناوي ومآلاته . وقد تقاطعت في مخيلتي صورتان كفيلتان بتصدير القلق ( المشروع ) ، للمرة الأولي ، بشأن تماسك الحالة الداخلية المصرية إجمالاً ، والمدي الذي يمكن أن تصل إليه تلك الحالة ، في خضم مخاطر التفكيك ( طاعون المنطقة الآن ! ) وشبح الانقسام الذي يشطر كل شيء طولاً وعرضاً ، إذا ما استمر التأزم السياسي بهذا الاستحكام ، وحسمت القوي الاستعمارية ، في الوقت نفسه ، وجهتها بأن يكون الملف السيناوي مفتاحاً للدفع بالوضع المصري المحتقن والمتأزم إلي حالة ( الاستدراج ) الشامل ، الذي خطط له الاستراتيجيون جيداً في ( واشنطن ) و( تل أبيب ) ، فيما أحسب ، بنسق شبه نموذجي ، بحيث تكون سيناء شرارة الاستدراج الأولي !
> أما الصورة الأولي فهي حرب ( طروادية ) عنيفة قادها الكاتب الصحفي ( سليمان جودة ) بقلمه هاتفاً بحتمية ( التدمير ) للمسطح الحدودي السيناوي حماية للدولة ، فيما يري ، دون أن يدري ( أو لعله يدري ! ) أن اقتلاع المدن هو ، في مسارات التاريخ المعاصر يمثل، أردأ أنواع العنف العرقي ، الذي من شأنه أن يصدر قنابل الأقليات علي النحو الذي نشهده في ( المسألة الكردية ) ، مثالاً لا حصراً ، وهذا الطريق الذي يدفعنا إليه البعض دفعاً ، دون تبصر بعواقبه ، قد يباغتنا باستدعاء شيطان قبيح لم تعرفه مصر يوماً ، أعني شيطان ( استفتاءات الانفصال ) و( الحكم الذاتي ) ! ويقودني هذا إلي الصورة الثانية حيث رأيت ، بعيني رأسي ، ناشطاً سيناوياً عبر شاشة فضائية ، في أعقاب تسريب ( فيديوهات التعذيب ) والكلام الزائد عن ( التهجير ) ، يجز علي أسنانه غاضباً ، ويقول بنبرة ذات مغزي : " لا تنسوا الملاحق الأمنية لكامب ديفيد ، حيث ستتمسك إسرائيل بها لتدفع بالمجتمع الدولي إلي إخلاء سيناء من كل القوات وبقاء جنود الأمم المتحدة وحدهم ، ثم عرض الأزمة برمتها علي المواطنين السيناويين بنهج الاستفتاءات الذي دأبت عليه الأمم المتحدة في مثل هذه الأحوال ، .. وهنا لكل حادثة حديث ! " وقد أحسست في وعيده وعبارته التهديدية الأخيرة التي ضغطها بأسنانه بتحد واضح : " لكل حادثة حديث .." قراراً خطيراً يختمر في ضمائر شريحة من السيناويين ، مع استحكام القهر وتراكم ممارسات الحرمان من الإعمار والوظائف في الجهات الحساسة والسيادية عبر عقود ، ، ثم هذا الختام الأمني المرعب الذي لم يتوقعه أحد للمشهد برمته . وهو ختام حسمته تروس السلاح وحدها ، بما فاق أكثر التوقعات تشاؤماً . وقد بدأ استدراج المشهد المصري إلي عتبة التآكل الداخلي الكامل ، فيما أري ، بطريقة إمبريالية مبتكرة ، حين أمكن شق أخدود هائل طافح بالدماء بين المؤسسة العسكرية والتيارات الإسلامية ، وهما القسيمان الكبيران في المشهد ، لتبدأ عمليات الإنهاك الداخلي علي أشدها ، ثم كان تحريك الأزمة ، في المرحلة اللاحقة ، إلي الشريط السيناوي ، وهو حلم داعب الاستعمار من قديم طويلاً ، وانتظرته غرف التخطيط الاستعماري بشوق جارف عقوداً ، إذ لم تسلم أدبيات الفكر الاستعماري يوماً ب ( مصرية ) سيناء ، ولا يتعين أن ننسي هنا كتابات ( لوران ) ، في مطالع القرن الماضي ، حين طرح سؤاله الشهير : "هل ( سيناء ) إفريقية أم آسيوية ؟!" مؤكداً أن سيناء هي الإكمال الجيولوجي والجغرافي الطبيعي لشبه الجزيرة العربية ، بالنظر إلي تلاحمها القدري باليابس الآسيوي ! وهو ما رد عليه المفكر الكبير ( جمال حمدان ) وفنده بتحليلات مطولة في موسوعته : ( شخصية مصر ) محذراً من أن الاستعمار هنا لا يباشر رياضة التأمل ، وإنما يخطط لسيناء ، ومن ثم لمجمل المسطح المصري ، شيئاً كبيراً لا حد لخطورته ، مهيباً بالدولة أن تلعب دور ( المذيب ) - وفقاً لتعبيره - علي معني إذابة سيناء في الكيان المصري ، بأسرع وقت . ورحل ( حمدان ) بتحذيراته الملتاعة كمداً دون أدني تجاوب ! وهنا يحق لي ، باعتباري مصرياً يتفطر قلبه مزقاً علي المآلات الكابوسية لملف سيناء ، أن أسأل صانع القرار في مصر في هذه اللحظة : هل درسنا جيداً خطط ( اللاعب الإسرائيلي ) ومناوراته المضمرة والمعلنة بإزاء الملف السيناوي ؟! وهل تابعنا التحليلات الخطيرة التي كتبها مؤخراً المحلل الإسرائيلي الشهير ( إهود يعاري ) زميل ( ليفر) الدولي في معهد واشنطن ، ومعلق شؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية ب ( التليفزيون الإسرائيلي ) ، وهي تحليلات ملأ بها صحافة العالم مهيئاً الأذهان لقبول ( التصور الإسرائيلي ) لملف سيناء ؟! موعدنا مع هذه التحليلات التي تعكس الرؤية الإسرائيلية تفصيلاً في المقال القادم بإذن الله . اللهم سلم !

أسامة أبو ارشيد يكتب: عن المراجعات "الإخوانية"


منقول
في مقال الأسبوع الماضي، ناقشت بعض أوجه أزمة الإخوان المسلمين اليوم، وأشرت فيه إلى أن التحديات التي تواجههم، اليوم، أكبر وأخطر من التي واجهتهم في العقود الماضية، منذ نشأتهم أواخر عشرينيات القرن الماضي. وخلصت في المقال إلى أن مسألة إجراء مراجعات داخلية، عميقة وحقيقية، تشمل الفكر والتنظيم والمسلك، أضحت حتمية لا يمكن للإخوان التغاضي عنها، أو محاولة تجاوزها بمسوغات "قداسية"، مثل "المسلمات الفكرية" أو "صوابية المسار" أو "حتمية المحنة".. إلخ، فالمطالبة بهذه المراجعات لم يعد مقتصراً على "نصائح" من "خارج الصف"، بل أضحت مطلباً أساسياً من "داخل الصف" الإخواني نفسه، بشكل يكاد يعصف ببنى "الإخوان" وتنظيمهم.
وضمن هذ السياق، تبرز مستوياتٌ عديدة ينبغي أن تشملها تلك المراجعات، غير أن ثمة مسائل مهمة، ينبغي التنبّه إليها، أولاً، قبل الولوج إلى موضوعة المراجعات، وتندرج جميعها تحت آلية إجرائها.
لا شك أن الإخوان المسلمين، عبر فروعهم المختلفة، وفي حقب زمانية متباينة، قد أجروا "مراجعات" كثيرة، غير أن المراجعة المطلوبة اليوم ينبغي أن تكون أكثر جذرية وشمولية وجدية، فالتحديات التي يقفون أمامها، اليوم، من طراز مختلف، قد تصل إلى تهديد حجم التنظيم واتساعه، بل ووجوده في بعض الحالات.
ويتعلق الأمر الآخر بمن يجري تلك المراجعات. فهل يعقل أن ينحصر إجراء تلك المراجعات في الشخصيات والدوائر نفسها التي تقود الجماعة في مرحلة ما، وهي قد تكون متهمة أصلاً، من بعضهم، بأنها جزء من الأزمة! إذا كان ثمة أمر ينبغي أن تكون
الجماعة قد تعلمته، في السنوات الأخيرة، فهو أن قراراتها المصيرية، بما تحمله من صواب وخطأ، لا تقتصر تداعياتها عليها، بل إنها قد تشمل الوطن كله، إن لم يكن الوضع العربي برمته. ولنا في مصر، وما جرى فيها منذ ثورة عام 2011، وما استتبعها من انتكاسات، عِبَرٌ ودروس بليغة.
نعم، مثل هذه المراجعات، إن أريد لها أن تكون حقيقية وجادة، ينبغي أن تضم خبراء ومفكرين وأصدقاء ومحبين للإخوان، بل وناقدين موضوعيين لهم، ما داموا أنهم أصحاب هَمٍّ وطني أو عروبي أو إسلامي، فضلاً عن توسيعها داخل الصف الإخواني نفسه، فمنطق "المقربين" و"الثقات" و"المسؤولين التنظيميين" قد أورد الجماعة المهالك. ويصر "الإخوان" أنفسهم، قبل غيرهم، على أن مشاريعهم هي مشاريع أوطان وأمة، ومن ثمَّ لا يقبل منهم أن يتفردوا في تحديد مصائر الأوطان والأمة من دون تطعيم لقراراتهم وعملهم باستشارات ونصائح وكفاءاتٍ، يهمها أيضاً مصالح الأوطان والأمة. أما بقاء منطق أن من يقود، وهو محل الاتهام أصلاً (لا يعني هذا أنه مدان)، هو من يُحَقِّقُ في أدائه ومساره، فإن فيه استخفافاً وعدم جدية كبيرَين.
وحتى لا يساء فهم النقطة السابقة، ويتم توظيفها في سياق الخلافات الداخلية الإخوانية التي تشهدها تنظيمات إخوانية عربية، في الأردن مثلاً، فإنها لا تعني، أبداً، انتصاراً لتيار على آخر. فواحد من أمراض التنظيمات الإيديولوجية، أنها، من شدة استغراق نفسها وجهودها في العمل التنظيمي الداخلي، تنسى أنها جزء من مجتمع أكبر، ويصبح التنظيم بالنسبة لها منتهى الغاية، وكأنه ينساح منعزلاً في فراغ. وبالتالي، يستوي من يَدَّعي أنه يطالب بالإصلاح، ومن يُزْعَمُ أنه ضده، في تعطيل مسار المراجعات المطلوبة. بل إنه حتى من يَزْعُمُ أنه يريد الإصلاح، يتناسى، عامداً أم ساهياً، لا فرق، أنه كان يوماً في القيادة، ولم يجر مثل تلك المراجعات التي يطالب بها اليوم. ومرة أخرى، ذلك يعود، في جزئه الأكبر، إلى أن كثيرين من أبناء "الإخوان"، قيادةً وصفّاً، انهمكوا في الانتماء التنظيمي، ونسوا السياق المجتمعي الذي يتحركون فيه.
وهذا يقودنا إلى مسألة أخرى، متعلقة بمنهجين متعارضين داخل "الإخوان"، عند الحديث عن المراجعات المطلوبة. فإذا كان ثمة من يعارضها، أو أنه يريد أن يقصرها على أمور شكلية، بحيث لا تشمل المنهج والفكر والمسلك والبنية التنظيمية، بذريعة "قدسية" هذه الأمور، سواء أقالها لسان الحال أم لسان الفم، ففي المقابل، ثمة تيار آخر، أصبحت مقولات
الإصلاح لديهم أو المراجعات نوعاً من الصرعة والهوس المفتقد للمعنى والعمق، والمندرج في سياق المناكفة التنظيمية. وما بين هذين المنهجين المتعارضين، تضيع دعوات المراجعة الحقيقية والإصلاح البنيوي، فلا التعنت ومنطق "القداسة" قادر على تحريك "الإخوان" قُدماً، ولا منطق المهاترة والمزاودة والشخصنة يمكنه اجتراح ذلك، أيضاً.
وضمن المعطى السابق، تجد في صفوف بعض فروع "الإخوان"، اليوم، تمايزاً بين تيارين عريضين متناقضين. تيار يؤمن بـ"قداسة" التنظيم والمنهج و"صوابية المسار"، وبالتالي، فإن كل ما يجري ما هي إلا ابتلاءات غربلة "حتمية"، وكل من يدعو إلى المراجعة، أو الإصلاح، في هذه المرحلة المفصلية، يصبح، بالضرورة، "متساقطاً" على طريق الدعوة، أو مُختَرَقا من النظام، أو أنه قَصُرَ به "الزاد الإيماني"! في حين تجد على الضفة الأخرى تياراً يبالغ في إصدار الأحكام القيمية والجاهزة ضد خصومهم من "المتشددين" الذين لا يتورع عن وصفهم تارة بالمتطرفين، وأخرى بالتكفيريين، في استعارة، في أحيان كثيرة، لمفردات خصومهم جميعاً، أي خصوم "الإخوان"، بـ"معتدليهم" و"متشدديهم".
إن خصومة التيارين السابقين داخل الصف الإخواني هي من تعطل، إلى حد كبير، إجراء أي مراجعات حقيقية، وتساهم في إحباط صفهم الذي يراقب، بكثير من الأسى والغضب، مهاترات الطرفين وإسفافهم، في حين أن الأجهزة الأمنية تتخطفهم، وتضيق عليهم عيشهم، فيما يتكفل الإعلام بتشويه صورتهم، ضمن حملة محلية وإقليمية ودولية، تستهدفهم. فكيف يمكن أن تتم عملية المراجعات الجادة إن كان المُطالِبُ بها، في أحيانٍ كثيرة، يدرجها في سياق صراع الأجنحة داخل التنظيم، وموظفاً في ذلك الحملات الأمنية والسياسية والإعلامية على الجماعة اليوم، في حين أن من يدعي التمسك بـ"المبادئ" و"روح التنظيم" يريد أن يصادر، باسم "المقدس"، أي محاولة جادة لإجراء مثل تلك المراجعات، والقيام بالإصلاحات المطلوبة!؟
واحدة من أوجه أزمة "الإخوان" الأخرى، اليوم، التي ينبغي التنبه إليها، أيضاً، وأن تكون من ضمن الأمور التي تشملها المراجعات، تتمثل في أن تنظيمهم أصبح طارداً للكفاءات الفكرية والسياسية، أو، على الأقل، مهمشاً إياها ومعطلاً دورها، وهذا مما يساهم في حرمانهم من عطاء كثير من تلك الكفاءات. التصعيد في صفوف "الإخوان"، اليوم، يتم، في الغالب، على أساس "الكفاءة التنظيمية" (بما يعنيه ذلك من تحالفات ومصالح وشللية)، لا الكفاءة الفكرية والقيادية والتخصصية والمجتم
عية، وبالتالي، أصبح "القائد التنظيمي" قيداً على الكفاءة الحرة الفَذَّةِ وقامعاً لها، وربما مقصياً لها من التنظيم كلية. مع ضرورة الاستدراك، هنا، أن الكفاءة لا تعني مستوى تعليمياً فحسب، كما يتوهم بعضهم، فكم من حامل لشهادات عليا، ودَعِيَّ فكر واسع، ولكنه لا يملك حضوراً على الأرض، ولم يقدم أثراً يعرف به.
السطور السابقة، على الرغم من قسوتها، ليست لائحة اتهام ضد "الإخوان"، بل إن كاتبها محب لهم قريب منهم. وصاحبها لا يدّعي، أبداً، أنه محق في كل كلمة كتبها، لكنها ملاحظات يثيرها كثيرون آخرون غيره، ولا يمكن للإخوان أن يستمروا في التغاضي عن تقديم أجوبة مقنعة لها، ومهاجمة كل من يطرحها، ونعته بالعمالة، أو الضعف، أو السقوط والتردي. منطق "مركزية التنظيم" والاستغراق فيه على حساب "الرسالة" التي يرى كثيرون أن "الإخوان" تورطوا فيها اليوم، ينبغي أن يتم إعادة النظر فيه.
أخيراً، هل يعقل أنه، وبعد قرابة عقود تسعة من عمر "الإخوان"، لم يطرأ بعد تغيير على هيكلية تنظيمهم!؟ هل يعقل أنه، ومنذ أن أسس الإمام حسن البنا الجماعة، أواخر عشرينيات القرن الماضي، لم يَرَ "الإخوان" ضرورة بعد لإعادة النظر في وحداتهم التنظيمية؟ فمن فروعهم في العالم العربي، إلى الفروع المحسوبة عليهم، أو القريبة منهم، في أوروبا وأميركا، ولا زلت تسمع التوصيفات نفسها: "أسرة"، "كتيبة"، نقيب".. إلخ... أهي "القداسة" و"الهالة" التي أحيطت بها تلك البنى التنظيمية وهياكلها وتمنع تغييرها، أم أنها "النجاعة" و"الكفاءة" التي أثبتتها الأيام والتجارب؟ إذا كان "الإخوان" لم يصلوا بعد إلى مناقشة هذه الشكليات، فمتى تراهم سيصلون إلى مراجعة القضايا الأكثر جوهرية؟ سؤال سيبقى مفتوحاً، ومن أسفٍ أظن أن غيبة إجابته ستطول.

تركي الجاسر يكتب: الإخوان المسلمون .. أين الخلل؟

 
ملأت الجماعات الإسلامية الدعوية بعض الفراغ بعد سقوط الخلافة، وتفاوتت في تأثيرها الاجتماعي والسياسي، ونفعت كثيرا في حماية الهوية الإسلامية والأخلاق والبناء الاجتماعي. وتميزت جماعة الإخوان المسلمين، منذئذ، كأبرز جماعة وأكثرها انتشارا على مدى ثمانين عاما(١).
وساهمت الجماعة في إعداد أجيال كاملة من الكوادر المنضبطة سلوكا وعقيدة، وكان لها دور في تبطئة مد التغريب والفساد في معظم الدول العربية، ومساهمة ضخمة في المشاريع الإغاثية والتربوية. كما قدمت للساحة العلمية والثقافية والفكرية والمهنية والأكاديمية، عددا كبيرا من الكفاءات المتميزة التي أثبتت جدارتها(٢).
لكن على مستوى التمكين الحقيقي، أصيبت الجماعة بالجمود في مرحلة مبكرة، وبقيت خاضعة للتقلبات السياسية، متأثرة بها وغير مؤثرة فيها، ورضيت لنفسها أن تكون تحت رحمة الأوضاع الأمنية بالكامل، رغم انتشارها الواسع(٣). كما إنها عجزت عن تجاوز الإنجاز الذي قدمته في مرحلة معينة، وفشلت في مواكبة الأحداث بما يوازي حجمها، وأخفقت في استثمار الفرص التاريخية رغم وجود الكوادر المؤهلة(٤). وما حصل بعد الربيع العربي، كان اختبار الفرصة الأخيرة التي أثبتت أن الجماعة لم تكن بالمستوى الذي يكافئ المرحلة(٥).
لماذا -والجماعة بهذا الحجم والتاريخ- تعاني من هذا العجز السياسي والشيخوخة الحركية؟
يمكن معرفة الأسباب بتأمل طبيعة الجماعة وتركيبتها الحركية، وطريقة تعاملها مع التحديات، وأسلوبها في رسم الخطة، وإدارة النشاط. وبعد شيء من الجهد الذهني في هذا التتبع، يمكن الخروج بمجموعة من الملاحظات التي قد تفسر هذه الشيخوخة الحركية(٦):
الحزبية السياسية وخط فاصل عن المجتمع 
حين انطلقت جماعة الإخوان بعد سقوط الخلافة، لم يكن لها منافس يذكر في الطرح الشمولي؛ لأن كل الأطروحات وقتها كانت إما جهودا فردية، أو جمعيات متخصصة لهدف محدود (٧). طرح الإخوان الشامل أبرَزَ الجماعة كمشروع قوي، لكنه في نفس الوقت أوقع الجماعة في اعتقاد لم تكن تقصده، وهو احتكار الانتماء الرسالي للإسلام.
رغم أن الجماعة لم تدّعِ في يوم من الأيام أنها تحتكر تمثيل الدين نفسه، لكنها بقيت مدة طويلة من الزمن تعتقد أنها الوحيدة المؤهلة لتحمل مسؤولية إعادة تمكين الإسلام. كانت الجماعة تتحدث بهذا الاعتقاد بشكل صريح، إلى أن ظهرت التيارات المنافسة وفرضت نفسها(٨). ومع أن الجماعة توقفت عن التصريح بذلك، إلا أن التوجه النفسي لقيادات الجماعة بقي يحمل كل معاني هذا الاحتكار.
ترك هذا الاعتقاد أثرا استراتيجيا في علاقة الحركة بالمجتمعات في أن جعلها كتلة متميزة عن بقية المجتمع. ورغم أن الشخصيات الإخوانية لطيفة ومقبولة وناجحة مهنيا وعلميا واجتماعيا، فإن الجماعة لم تنجح في أن تذيب روحها في المجتمع، ومن ثم لم تستفد من فطرية المجتمعات في حب الإسلام.
ولهذا السبب، تجد كثيرا من المجتمعات تتعاطف مع الإخوان وتحترم كوادرها، لكنها في نفس الوقت تنظر للإخوان كحزب مستقل عن المجتمع، وليس تيارا يسري فيه. بمعنى أن المجتمعات رغم احترامها لكوادر الإخوان، فإنها تنظر لجماعة الإخوان ككتلة مفصولة بخط واضح ومتميز(٩).
الحزبية الحركية وأولية التنظيم على الدعوة 
هناك توجهان للمشاريع الحركية في العمل السياسي، تبعا لمدى انسجام رسالة المشروع الحركي مع المجتمع.
التوجه الأول: هو في الانغلاق الحزبي، وجعل التنظيم مقدما على الرسالة العامة، والخطاب الداخلي مختلفا عن الخطاب الخارجي للمجتمع.
التوجه الثاني: هو في اعتبار الخطاب الخارجي هو الأساس، وجعل التنظيم خادما لهذا الخطاب، دون أي اختلاف بين الخطاب الخاص والعام.
التوجه الأول يليق بالأحزاب التي لا تستطيع ترويج رسالتها علنا، بسبب وجود إشكالات تمنع ترويج هذه الرسالة لعامة المجتمع، لمخالفتها ثقافة المجتمع. وهذا التوجه يليق بالأحزاب غير الدينية التي تسعى لتضخيم تنظيمها، إلى أن تصل إلى مرحلة تسيطر فيها على السلطة، فتتحول من تنظيم مغلق إلى سلطة متحكمة، تفرض رأيها بالقوة(١٠).
وإلى أن تحصل هذه السيطرة على السلطة، يبقى النشاط العام عند هذه الأحزاب حزمة من الحيل لخدمة التنظيم، إما كمظلة لصيد وإقناع الأفراد بالتنظيم، أو باختراق مؤسسات عسكرية وأمنية، أو إنشاء مؤسسات مالية وإعلامية داعمة. والأحزاب التي تحتاج لهذا التوجه مضطرة لأن تعمل بهذه الطريقة؛ لأنها لو بادرت بنشاط معلن بكامل رسالتها، لاحترقت بسبب مصادمة المجتمع وثقافته ودينه(١١).
التوجه الثاني يليق بالحركات أو الجماعات التي لها أهداف خادمة لثقافة المجتمع وانتمائه وهويته، مثل الجماعات الإسلامية.
في هذا التوجه يكون النشاط العام والتنظيم متداخلين بلا إشكال؛ لأن النشاط العام لن يتصادم مع المجتمع، ولا مع تطلعاته، وتفكيره، ووجدانه، بل من الطبيعي أن يكون التنظيم خادما للنشاط العام، لأن الأصل في هذه الجماعات هو خدمة الإسلام، وليس خدمة الجماعة.
يفترض -والحال هذه- أن تكون جماعة الإخوان ممن يتبنى التوجه الثاني، فهي تحمل رسالة إسلامية عامة شاملة بكل معنى الشمول، مما يجعلها منسجمة كليا مع تطلعات ووجدان المجتمعات. ولكن مع الأسف الشديد، انغمست الجماعة في التوجه الأول، فأصبح النشاط العام خادما للتنظيم بطريقة فائقة الحزبية.
يمكن إدراك ذلك من الناحية العملية، إذا رأينا عجز الجماعة عن توظيف الآلاف من الكوادر الإسلامية التي لا تنتمي لها، لخدمة أهداف الجماعة(١٢)، كما يمكن ملاحظة إصرار الجماعة على تحويل المؤسسات التي هيمنت عليها إلى مظلات اقتناص الشباب للتنظيم فقط، وليس لتحقيق الهدف الذي من أجله تأسس المشروع الدعوي أو التربوي.
ومع الأسف الشديد، أصرّت القيادات التقليدية على تغليب ما يسمى بـ”العمل الخاص” على “العمل العام”، ويقصد به اعتبار زيادة حجم التنظيم أهمّ من الدعوة العامة. بمعنى أن هدف نشاط الجماعة، هو تضخيم التنظيم، وإكثار عدد المنتمين “المبايعين”، ويؤجل هدف خدمة الإسلام نفسه إلى أجل غير مسمى(١٣).
المشكة الأكبر أن الجماعة حين تورطت في التوجه الأول، لم تفعله بقصد اختراق المؤسسات الصلبة في الدولة، بل تراكم الحال بها هكذا، وتوارثت الأجيال واقعا غير مقصود. وبهذه الطريقة، فلا هي التي حققت مراد التوجه الأول واخترقت مؤسسات عسكرية ومخابراتية وتحولت لحزب قوي، ولا هي التي سيطرت على المجتمع بمنهجية التوجه الثاني(١٤).
الحزبية الدينية وتقديس كلام غير المعصوم 
جماعة الإخوان لم تطرح نفسها كجماعة متخصصة بهدف تربوي أو اجتماعي أو إغاثي أو خيري، ولم تطرح نفسها بصفتها مختصة بقطر معين أو زمن معين، بل هي تعلن بلا تردد أنها تحمل راية الإسلام بمفهومه الواسع موضوعيا (الشمول) وبشريا (العالمية). فالجماعة تتبنى الإسلام برسالته التربوية، والعبادية، والأخلاقية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وتتبناه في كل مكان في العالم بلا حدود جغرافية، ولا بشرية، ولا زمنية(١٥).
والاستنتاج المنطقي الطبيعي لهذا الطرح، هو أن جماعة الإخوان تتبنى الإسلام نفسه بثوابته الكبرى، وبمرجعيته الكاملة، ومصادره المحددة، ومنهجيته الدقيقة، ومواقفه المعروفة. وتبعا لذلك، يفترض أن تكون منهجية ومرجعية وثوابت الإخوان، هي نفس منهجية ومرجعية وثوابت الإسلام بلا إضافة ولا حذف. لكن هل هذا هو الحال؟
عند تتبع أدبيات الحركة، يتبين أن جماعة الإخوان وضعت لنفسها ثوابت (الأصول العشرين، وأركان البيعة، والوصايا العشر، وغيرها) و أعطتها قدسية توازي قدسية ثوابت الإسلام الكبرى.
هذه الثوابت الإخوانية ليست مرتبطة بمرحلة التأسيس، ولا بمكان معين، ولا بظرف معين، بل لازمت الجماعة مكانا وزمانا، فلا تكاد تقرأ تعريفا للجماعة، إلا وتجدها منصوصا عليها، ولا يكاد ينتمي شخص للإخوان، إلا ويلزم بحفظها عن ظهر قلب (١٦).
لو قال الإخوان إن هذه الأصول والأركان ليست إلا اجتهادات في ترتيب المنهجية والثوابت الإسلامية، وأنها مجرد كلام نكتبه اليوم ونعيد صياغته غدا، لم يكن في ذلك تعارض مع المنهج الإسلامي، لكن أن تصبح كتابات حسن البنا -رحمه الله- والإصدارات الأولى للإخوان، نصوصا مقدسة من الناحية العملية، فهذا هو الذي أدى للتداخل بين مفهوم الإسلام ومفهوم الإخوان.
ومهما اجتهدت جماعة الإخوان في الترويج لنفسها بأنها تمثل الإسلام نفسه، فلا يمكن لها أن تحقق ذلك وهي مستمرة في تقديس ثوابتها الخاصة. ولذلك، فـ “التمييز” لمنهج الإخوان الخاص عن منهج الإسلام العام، يرسم في الذهنية الشعبية خطا فاصلا بين عامة المسلمين وبين الإخوان، ويصورهم في وجدان الناس تجمعا متكتلا على ذاته، في حزبية دينية غير مقصودة.
صحيح أن التربية الإخوانية تشجع أفراد الإخوان على الانصهار في المجتمع، لكن ممارستهم كـ”كيان” بعيدة جدا عن هذا الانصهار، ولا تزال متشبثة بما يبقيها في حالة التكتل المعزول. هذه الحزبية الدينية تضاعف أثر الحزبية السياسية والحركية، وتؤكد صورة الإخوان في الوجدان العام، كجماعة عاجزة عن الذوبان في المجتمع، أو تذويب المجتمع فيها.
العجز الاستراتيجي والفشل في التخطيط ومواكبة الأحداث 
لا يمكن لجماعة أن تنجح إلا أن يكون لها رؤية واضحة لكل ما تريد، ومعرفة بذاتها وقدراتها، ومعرفة بالبيئة التي تعمل فيها، وخططا شاملة ومرحلية. بعبارة أخرى؛ لا يمكن لجماعة أن تنجح إلا أن يكون لديها استراتيجية واضحة في رسم أهداف قابلة للقياس، ومعرفة القدرات الذاتية بدقة وتفصيل، ومعرفة القوى المؤيدة والمعارضة، وكل العوامل المؤثرة في تحقيق الخطة.
وجماعة مثل الإخوان بحجمها الكبير وهدفها الكبير أيضا، يفترض أن تكون سباقة في رسم الاستراتيجية ووضوحها لقياداتها وأفرادها. فهل وضعت الجماعة أي استراتيجية؟
لا يمكن العثور على أي دليل على الاستراتيجية بهذا المعنى في أدبيات الحركة، فهل وُضعت الاستراتيجية بشكل سري ولم تنشر؟ مر على الحركة قرابة قرن كامل، وتكشفت أوراقها وملفاتها ورواياتها، وتحدث قياديوها بالتفصيل عن تجاربهم، ولم يطلع أحد على أي استراتيجية، بل حتى باستقراء تاريخ الإخوان وتجربتهم الحركية والتربوية والسياسية، لا يمكن العثور على أي أثر غير مباشر لاستراتيجية مرسومة من قبل الجماعة.
ومن باب التأكيد القطعي على غياب الاستراتيجية عند الإخوان، سعى مجموعة من المهتمين لسؤال قيادات الجماعة تحديدا عن الاستراتيجية، فلم يجدوا إلا جوابا واحدا يردده كل الإخوانيين: “الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الدولة”.
يبدو أن صناع القرار في الإخون بترديدهم هذه العبارة، لم يدركوا أن الاستراتيجية مفهوم تطبيقي إداري، وليس مفهوما شعاراتيا دعويا. وإصرار الإخوان على اعتبار هذه العبارة طرحا استراتيجيا، دليل على عجز صناع القرار عند الإخوان، عن إدراك معنى الاستراتيجية والتفكير الاستراتيجي. ومع الأسف الشديد، فإن من يناقش قيادات الإخوان عن خططهم الاستراتيجية، يخرج دائما بهذا الانطباع، لا فهم ولا إدراك لمفهوم الاستراتيجية التطبيقي الإداري(١٧).
غياب الاستراتيجية أدى للعجز عن تحديد الهدف الكبير القابل للقياس والأهداف المرحلية، كما أدى للعجز عن معرفة القدرات الذاتية الظاهرة والكامنة، والعجز عن معرفة القوى الأخرى، والأحداث، وتحديد المواقف منها (١٨). وغياب الاستراتيجية المدروسة، يعني بالضرورة استبدالها باستراتيجة الأمر الواقع، بمعنى أن يحس الأفراد أنهم يحققون أهدافا معينة، من خلال تكرار أساليب وسياسات دأبوا عليها.
والجماعة دأبت على تقديس وسائل وأساليب دون مبرر منطقي، ولا تحديد الهدف الذي تحققه هذه الوسائل؛ فأصبح الهدف يُفتعل افتعالا من أجل تبرير هذه الوسائل. وإذا طبقنا هذا الاستقراء على الإخوان، اكتشفنا أن الجماعة إنما تسعى في وسائلها للمحافظة على بقائها أولا، وتضخيم ذاتها ثانيا، وهذا ليس إلا تأكيدا لظاهرة الحزبية الحركية.
قد يعترض البعض أن الجماعة نفذت مشاريع دعوية، وخيرية، وتعليمية، وسياسية، وهذا صحيح، لكن مثل هذه النشاطات إما أن تكون أعمالا جانبية أقل أولوية من تحقيق هدف استراتيجي قوي، أو تكون موجهة أصلا لخدمة التنظيم، وذلك بتوفير مظلات لدعوة الناس للجماعة لتأكيد الحزبية. أما إذا كان فيها تميز نوعي، فعادة ما يكون القائمون عليها أشخاصا محسوبين على الإخوان وليسوا منهم، فافت إبداعاتهم وإنتاجهم قدرة الجماعة (١٩).
ولو قُدّر لحركة الإخوان التي لديها من الكوادر والانتشار والمقدرات ما لديها، أن تعيد تقويم ذاتها وقدراتها، وتعيد صياغة أهدافها بشكل علمي، وتدرس بيئتها من جديد، ثم تبني استراتيجة كاملة بناء على ذلك، لربما نجحت في إحداث تغييرات هائلة بسبب إمكاناتها (٢٠). لكن ما الذي منع الإخوان من تطوير استراتيجيتهم كل هذه العقود من السنين، رغم وجود ما يدعوهم لذلك، ورغم تطور علم الاستراتيجيات والتخطيط؟ الإجابة في الفقرة التالية.
التخلف الإداري والجمود على “طمام المرحوم”
حين أنشأ حسن البنا الجماعة، وضع لها لوائح إدارية تفصيلية يبدو أنها كانت تناسب ذلك الظرف، بل ربما كانت متقدمة على كثير من الأحزاب والمؤسسات الأخرى آنذاك. لكن هذه اللوائح، كان فيها مشكلة بنيوية أنها غير خاضعة للتغيير والتعديل والتطوير مهما كانت الظروف. ومثلما قدس الإخوان منهجهم (أركان البيعة والأصول العشرين)، فقد قدسوا هذه اللوائح ورفضوا تغييرها رغم كل التغييرات في العالم وتوسع حركة الإخوان وانتشارها (٢١).
ومن البديهيات المعروفة في علم الإدارة، أن أي نظام إداري لا يخضع للتجديد سوف ينتهي الأمر به للجمود، ومن ثم العجز عن مواكبة الأحداث، وأخيرا للفشل الكامل. وفضلا عن الأحداث الكثيرة التي كان يفترض أن تجبر الجماعة على مراجعة لوائحها، فإن علم الإدارة نفسه تطور بشكل كبير، وتمكن خبرائه من استثمار التجربة البشرية في علم ديناميكي متجدد. وتجاهلت جماعة الإخوان هذا التطور في علم الإدارة وكأنه لا يعنيها بشيء رغم الصيحات المتكررة من كثير من المنتمين إليها (٢٢).
وإضافة للعجز عن مواكبة التطور في علم الإدارة، فقد كانت هناك مشكلتان بنيويتان في نفس اللوائح الإدارية للإخوان، تجعل الانطواء والجمود أمرا حتميا.
المشكلة الأولى: جعل الهيكل الإداري متمحورا حول وحدة التنظيم الأساسية وهي “الأسرة”.
والمشكلة الثانية: صياغة اللوائح بطريقة ترسخ سيطرة القدماء في التنظيم، وتمنع تجديد الدماء وتغيير المسؤولين.
المشكلة الأولى سببها أن الإمام حسن البنا كان مسكونا بالتربية الفردية، بسبب انتشار الجهل، وتفشي المفاهيم الدينية والاجتماعية الخاطئة، وضعف الشعور بالمسؤولية عند عامة الناس.
ولهذا السبب، جعل الخلية التنظيمية الأساسية أو ما يسمى بـ “الأسرة” الركن الأهم في التقسيم الإداري للنشاط الإخواني. بمعنى أن صارت كل الترتيبات الإدارية الأخرى (السياسية والإعلامية والمالية، إلخ) تابعة للتوزيع التنظيمي الأساسي، القائم على توزيع “الأسر” (٢٣).
وبهذه الطريقة، أصبح هرم التنظيم الأساسي منطلقا من “الأسرة” وخادما لها، وهذا ما رسخ مفهوم تقديس التنظيم نفسه، وأكد مصيبة الحركة في عجزها الاستراتيجي، والتزامها بتطويع كل نشاطاتها لخدمة التنظيم. ربما لا يلام البنا في وقته أن أعطى للأسرة كل هذه الأهمية بسبب الواقع الصعب، لكن أن يبقى لمفهوم الأسرة كل هذا التقديس رغم كل التغييرات التي حصلت؛ فهذا هو العجز المقصود والفشل بعينه.
أما المشكلة الثانية فربما لها تفسير مشابه، وهو أن البنا كان يريد للتنظيم أن يبقى خاضعا للعناصر الواعية والمطلعة، والتي تتمتع بعلم وتجربة، وهي عناصر قليلة في ذلك الوقت. ولهذا السبب، صيغت اللوائح بطريقة تجعل من المستحيل على أي فرد في التنظيم أن يقفز المراحل، مهما اجتمع فيه من الصفات القيادية. كما صيغت اللوائح بما يمنع مراجعة أو تقويم، أو محاسبة القدامى من قبل المستجدين مهما بلغت قدرات وملكات ومواهب المستجدين.
ولهذا السبب، أصيبت جماعة الإخوان -عن غير قصد- بما يشبه الاستبداد وتسلط الأجيال القديمة ومقاومة التجديد وعدم القدرة على استيعاب وتحمل المبدعين. كما أدى هذا الواقع الإداري، إلى تراكم عدد من التقليديين الجامدين في المراكز العليا للجماعة، مما ساهم في شيخوخة الجماعة تبعا لشيخوخة القيادة. وإذا راجعت قائمة من يصل لمكتب الإرشاد ومن يصل لسدة المرشد العام، ورصدت طريقة اتخاذ القرارات، أدركت دقة هذه الملاحظة، بل إن بعض من مر على منصب المرشد العام، كان لا يحمل من التأهيل إلا التقدم عمريا عن الباقين (٢٤).
هذا الارتباط بفكر إداري عتيق، أدى بالضرورة إلى أن تحاصر الحركة نفسها -رغم حيوية رسالتها- بسور أو غلاف من التخلف الإداري، ومن ثم الجمود والشيخوخة بشريا وحركيا. وهذا بدوره أدى إلى ترسيخ الدولابية، وتحول الجماعة إلى ماكنة كبيرة متخمة بالإمكانات، لكن غير قادرة على استثمارها، وعاجزة عن التفاعل مع الأحداث بطريقة منتجة. لكل ذلك، فإن ضعف الاستراتيجية الذي ذكر أعلاه نتيجة طبيعية لهذا التخلف الإداري عند الإخوان.
هل يمكن إصلاح جماعة الإخوان؟
تقادم النظام الإداري عند الإخوان حتى اجتمع في سدة المسؤولية شخصيات عصيّة على التغيير، ومصرة على التشبث بالموروث، ولهذا السبب فإن الأمل بإصلاح الإخوان من خلال القيادة مستحيل، لكن كيف يمكن تغيير القيادات، والنظام الإداري لا يسمح بذلك؟
لا يوجد إلا حل واحد، وهو تحرك الكوادر الوسطى أو القواعد بطريقة فيها تمرد حقيقي على الموروثات، وإصرارهم على عمل استراتيجي مدروس، وإعادة تشكيل إداري مبني على أهداف قابلة للقياس، ومعطيات وظروف المرحلة القابلة للتوصيف (٢٥).
..
الهوامش :
صحيفة التقرير