القدس العربي
على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وضع البعض قائمة، بأسماء الإعلاميين ومقدمي البرامج في فضائيات الثورة المضادة، الذين غادروا مواقعهم، وما أمكن حصره هم عدد ستة عشر إعلامياً. والقائمة تبدأ بريم ماجد ولا تنتهي بصاحب الصندوق الأسود، الذي ظن أن كل الطير يؤكل لحمه، فلما اقترب من رحاب نجيب ساويرس، من خلال فضائية مملوكة لصهر عبد الفتاح السيسي، عندها كان لا بد من تسريحه إلى حين، ككبش فداء، ليؤكد السيسي أنه لا يقف وراء الحملة على رجل الأعمال القوي، الذي أراد السيسي أن يعامله على أنه «تابع»، فلم يشأ إلا أن يذكره بأنه «شريك» في الإنقلاب.
في الحقيقة أن من ضمتهم قائمة واحدة ليسوا سواء، فكل من أفرادها له قصة قد تكون مختلفة عن الآخر، فلا يمكن أن نساوي بين ريم ماجد، ودينا عبد الرحمن مثلاً، والأخيرة كان لديها استعداد فطري للعمل في البلاط، وناضلت لتثبت أنها «في الخدمة»، بعد أو وجدت فرصتها في قناة «سي بي سي»، وانتقلت من مجرد مقدمة برامج مجتهدة في «دريم» في الصباح، إلى نجمة تلفزيونية في «العهد الجديد»، ومع هذا تم الاستغناء عن خدماتها ومثلها كثيرون.
ريم ماجد، التي وإن كانت لم تجد مانعاً في تأييد الانقلاب على الرئيس المنتخب، إلا أنها استشعرت مبكراً أن العسكر إذا حكموا قرية أفسدوها، ولن يسمحوا بهامش من الحرية لكل مذيع وإن كان مؤيداً لهم؛ ذلك بأن فلسفتهم في الحكم هي تحويل البلاد إلى معسكر كبير، وأن الإعلام ليس شريكاً في السلطة، ولكنه خادم، وإن كان هو المعول الذي استخدم في إسقاط حكم الرئيس محمد مرسي، والمطلوب من الإعلاميين، أن يكونوا في حكم «عساكر المراسلة».
«عسكري المراسلة»، هو هذا المجند، الذي يتم اختياره لخدمة أحد الضباط، فيغسل له ملابسه، ويقضي له حاجاته، ولا مانع من أن يشتري «الخضار» للسيدة حرمه، ويقود السيارة للأنجال.
وليس مطلوباً من الإعلاميين فقط في ظل حكم العسكر أن يكونوا «عساكر مراسلة»، بل المطلوب من المواطنين جميعهم، ما داموا ليسوا من «فصيلة الضباط»!.
عداء العسكر للرأي الآخر
ريم ماجد، استشعرت المطلوب مبكراً، وعلمت أن هامش الحرية الذي كانت تتحرك فيه ولو في عهد مبارك، ومن بعده المجلس العسكري، لن يكون متاحاً في ظل حكم العسكر، الذين يحكمون بعد انقلاب عسكري على الثورة، فاحترمت نفسها و»أخذتها من قصيرها»، وانسحبت في هدوء، وفي أوج نجوميتها، معتزلة الفتنة، ليصبح موقفها هو الاحترام بعينه عندما يكون العجز عن المواجهة هو غاية القوة.
ولم تكن ريم، بحاجة إلى انتظار تجربة حكم العسكر، لتقف بنفسها على صحة هواجسها، فالعداء للرأي الآخر تجلى منذ اللحظة الأولى للانقلاب. ففي اللحظة التي كان فيها عبد الفتاح السيسي يلقي بيانه الانقلابي الذي كتبه هيكل، كانت قوات الأمن تقتحم مدينة الإنتاج الإعلامي، وتغلق الفضائيات التي يحتمل أن تنقل الرأي الآخر، وتقوم بغارة على مكتب قناة «الجزيرة» في
القاهرة، وعلى مكتب «الجزيرة مباشر
مصر». لا تميز بين العاملين فيها وبين الضيوف، وبين من يعملون بها وبين جيرانهم بالجنب وابن السبيل!
صديقنا عمرو عبد الحميد، كان يعمل وقتئذ في مكتب «بي بي سي»، ومكتبها في القاهرة في البناية ذاتها التي تقع فيها «مباشر مصر»، ويبدو أن أحد أفراد الحملة كان يشاهد «الجزيرة» فما أن لمحه حتى هتف: امسك، وأمسكوه، وحملوه في سيارة الشرطة، وظل هو يعيد ويزيد أنه ترك «الجزيرة» منذ سنوات، فانزلوه.
ورغم هذا، فعمرو ليس ريم ماجد. فالذي وقف على الاستبداد بنفسه، وكاد أن يكون ضحية له، يدافع عنه، ربما لأن عمرو يساري، واليسار المصري في مجمله ليس منحازاً لقضية الديمقراطية، ولا توجد لديه مشكلة مع حكم العسكر، والذين فتحوا «دكاكين حقوق الإنسان» من اليساريين في مصر، عندما قررت واشنطن وضواحيها صنع نخبة موالية لها، يتعاملون مع قضية حقوق الإنسان، وفق قواعد «السبوبة». وباعتبارها عملا من أعمال البيزنس.
وعود الإخوان
والحمد لله الذي عافاناً مما ابتلى به كثيرا من خلفه. فان كان قد مس نافعة قرح، فقد مسني قرح مثله، فبعد وعود متكررة استهدفت إدخال الغش والتدليس علي، ورسائل الطمأنة لشخصي المتواضع، في أنني على رأس القائمة في الدائرة الثانية بسوهاج، وقبل إغلاق باب الترشيح بيومين، أبلغت باستبعاد اسمي. وإن كنت قد تجاوزت الأزمة مبكراً، فلم أتجاوز إلى الآن أزمة تجميد عضويتي في المجلس الأعلى للصحافة قوة واقتداراً، فنفسي لم تشف برغم كل ما حدث. لكن «مقلب الحرامية» هذا لم يدفعني للتخلي عن قضايا الحرية، والانحياز للثورة، والرفض لحكم العسكر. فماذا يكسب المرء إن انتصر لنفسه وتخلى عن القيم التي يؤمن بها؟! إنه حينئذ يكون في حكم من أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه.
«الناصري» كمال أبو عيطة، وإن كان قد رشحه الإخوان علي قوائمهم، وكانوا سبباً في أن يصبح نائباً، وهو موقع لم يكن بالغه ولو بشق الأنفس، إلا أنهم اشترطوا ترشيحه في دائرة غير دائرته، فأسرها في نفسه، إلى أن جاءته الفرصة، وكان العداء لهم مربحاً، على الأقل أنه حصل بسبب ذلك علي لقب الوزير، وإن كان سابقاً. فمن النساء من لا مانع عندها مثلاً من أن تكون مطلقة ومن مخلفات الحروب، على أن تظل عانساً، ولو على قاعدة: «ظل رجل ولا ظل حائط».
عمرو عبد الحميد، لا علاقة له بهذه التفاصيل كلها، فقد ظل مهنياً وتذكر عضويته القديمة في حزب التجمع الوطني، التقدمي، الوحدوي، الخ .. الخ، بعد الانقلاب، فكان برنامجه في «الحياة»، بعيداً عن المهنية، وتغلب عنده السياسي على المهني.
لا بأس، فهذا ليس موضوعنا، فالقائمة الخاصة بالاعلاميين المغادرين إلى «الكنبة»، سوف تطول، وان كانت لخروج كل واحد أسباباً، ربما تكون مختلفة نسبياً عن الآخرين، فإن الانقلاب العسكري وفلسفته هي السبب، فضلاً عن أن كثيرا من الفضائيات كانت تمنح أجوراً ضخمة ومبالغاً فيها وغير طبيعية، لان دولاً كانت تمول هذه الفضائيات من أجل إفشال الثورة المصرية، ولا يمكن أن يستمر التمويل للآبد، فضلاً عن أن الاستبداد العسكري لن يسمح بأي خطأ، لذا فقد لجأت برامج «التوك شو» مؤخراً لقضايا بعيدة عن السياسة.
قبل هذا وبعده، فان المستخدمين ليسوا رجال السيسي، الذي صنعهم على عينه، فبعضهم من كانت انحيازاته لمبارك، وللمجلس العسكري، ولاحمد شفيق، ومنهم من إنحيازاتهم ضد الثورة على طول الخط، وهو يريد رجاله هو بمقاييسه هو؛ بأن يكون المستخدم بدون خلفيات سياسية، ويعد النموذج المعتمد لدى رئيس الانقلاب هو نموذج أحمد موسى، ورشا مجدي، وهما من تم تكليفهما بنقل احتفالات الجيش بانتصارات أكتوبر عبر التلفزيون الرسمي والفضائيات الأخرى.
إن السيسي سينسف حمامه القديم، ويدشن حمامات جديدة بكر، لم يشاركه فيها أحد، وربما يتبنى فكرة المشروع القومي لإنشاء المراحيض في طول البلاد وعرضها.
٭ صحافي من مصر