((أن السلعة يجب أن تباع بثمنها الحقيقى، وانه منذ ما حدث فى 1977 والجميع يخشى تكرار هذه القرارات)) ـ السيسى فى تسريب سابق مع قيادات عسكرية
((ان رفع أسعار الوقود هى خطوة هامة "تأخرت 50 عاما")) ـ السيسى فى حديثه مع لصحفيين فى 6 يوليو 2014
((الدعم أخطر من الفساد)) ـ فى اجتماعه الثانى بالصحفيين فى 24 أغسطس 2014
توقفت كثيرا أمام هذه المعانى والتعبيرات التى استخدمها السيسى فى تمهيده او تبريره لقراراته برفع الدعم عن اسعار الوقود، والتى يرددها كثيرا وآخرها خطابه بمناسبة انقطاع الكهرباء.
فمن ناحية، فى حديثه نوع من التفاخر وكأنه يقول ((أنا وحدى الذى استطعت ان اتخذ هذه القرارات التى جَبُّنَ من قبلى على اتخاذها))
ولكن من ناحية أخرى وهى الاهم، هناك فى خطابه مغزى لا يخفى على أحد، من "الشماتة السلطوية" فى الشعب المصرى الذى انتفض فى 18 و 19 يناير 1977 غضبا على قرارات السادات والقيسونى بزيادة أسعار السلع، وهى الانتفاضة الشعبية التى أرغمت الحكومة على التراجع عن قراراتها وإلغاءها بعد مرور 48 ساعة على اتخاذها
وكأنه يوجه اليه رسالة يقول فيها ((ها قد عدنا يا شعب يا نمرود))
وكأنه أراد أن يأخذ بثأر السادات والحكومة والنظام، التى انكسرت إرادتها أمام الإرادة الشعبية منذ 37 عاما،
وكأن الدولة لا تنسى ثأرها أبدا تجاه كل من يتحدى إرادتها وهيبتها وقراراتها، حتى لو كان منذ عقود طويلة.
***
هذا هو موقف الدولة الحقيقى، موقفها القديم الجديد الثابت الذى لم يتغير، تجاه الشعب وانتفاضاته ونضالاته للحفاظ على حياته وحقوقه؛ نظرة الشرطى الى المجرم او السيد الى العبد أو ملوك العصور الوسطى الى رعاياهم
نظرية "انا القانون والقانون انا"
وانا الهيبة والسيادة والسيد
لى السلطة والثروة والسلاح والسيطرة والنفوذ والمصائر، ولكم الخوف والطاعة.
بلا حقوق، بلا حريات، بلا ديمقراطية، بلا كلام فارغ.
***
هكذا تنظر إلينا الدولة ونظامها ورجالاتها، وبين الحين والآخر تصدر زلة لسان من هنا أو من هناك تفضح جرثومة الاستبداد والعنصرية تجاه باقى خلق الله .
سبق للسيسى نفسه أن عبر عن ذات المعنى عدة مرات :
قالها مع ياسر رزق فى التسريب الشهير، حين صرح بأن البديل المدنى غير مطروح فى مصر لعشر أو 15 عاما قادمة.
وكررها كثيرا فى إظهار استياءه من مصطلح "الانتخابات" الرئاسية، والتى كان يسميها "بالاستدعاء"، استدعاء الشعب له لقيادته، فهو أكبر من أن ينافس أو يتنافس.
وقالها مرة أخرى فى حديثه مع الصحفيين فى 24 اغسطس الماضى، حين حذر من انتخاب معارضة تضايقه، وحذر من انهيار الدولة اذا لم يكن هناك برلمان أليف.
ثم انطلق رجاله يسعون فى الأرض لتأسيس تحالفات انتخابية تأتيه ببرلمان طيع ومريح ومتعاون.
وحين تعثرت المفاوضات البرلمانية، أطلق أنصاره اقتراحا لجس النبض بتأجيل الانتخابات البرلمانية، أو إدخال تعديلات على الدستور تعيد قبضة رئيس الجمهورية على البرلمان ومجلس الوزراء، بحجة أن ظروف مصر الآن لا تحتمل أن يضايق أحد الرئيس أو يناهده.
الى الدرجة التى جعلت السيسى فى خطاب انقطاع الكهرباء فى 6 سبتمبر الماضى، يعتب على الإعلام لانه انتقد الحكومة بسبب انقطاع الكهرباء، محذرا من أن((النقد بيوتر المسئولين وبيخليهم يغلطوا فى شغلهم))!!
***
ومن قبله قالها مبارك مرات متعددة فى مأثوراته الشهيرة : (انا أو الفوضى) و (خليهم يتسلوا)
ورددها السادات كثيرا من قبلهما: شرذمة/ أخلاق القرية/أنياب الديمقراطية/ أهو مرمى فى السجن زى الكلب ـ بعد اعتقالات سبتمبر 1981 الشهيرة.
وقالها مدير امن البحيرة أيضا أثناء الثورة، حين قال ((لازم يعرفوا مين اسيادهم))
وقالتها حملة دعم السيسى حين وصفوه بالدكر، وكأن الشعب المصرى يحتاج "فتوة" ليؤدبه ويلمه، فى محاولة لإحياء نظرية الكرباج الشهيرة.
وقالها جهاز الشرطة حين دخل فى إضراب صامت غير معلن عن العمل بعد ثورة يناير، لإدخال الرعب فى قلوب المصريين، فى رسالة ضمنية معناها بأنكم لن تستطيعوا ان تعيشوا وان تأمنوا على انفسكم بدوننا. فإياكم أن تقتربوا منا مرة أخرى، أو أن تذكروا كلمة التطهير على ألسنتكم.
وقالوها بعد الثورة فى عشرات المذابح للمتظاهرين والمعتصمين ومشجعى الكرة.
وفى سيارة ترحيلات ابو زعبل، التى لم يعاقب عليه أحد حتى الآن.
ويقولوها فى الاقسام والسجون كل يوم للمعتقلين بالضرب والتعذيب.
وفى سيل من الأحكام القاسية العاجلة بالإعدام والمؤبد للمئات.
مقابل سيل من البراءات لكل قتلة الثوار والمتظاهرين منذ 25 يناير، الذين لا يزالوا طلقاء لم تمس شعرة منهم.
وقالتها الدولة حين عصفت بكل ثوار يناير، لا فرق فى ذلك بين خصومها وبين حلفائها فى 30 يونيو، ولا بين اسلامى ومدنى.
وتقولها كل يوم حين تغضب على اى معارضة، فتنطلق ماكينتها الجهنمية لشيطنتها بلا هوادة أو رحمة.
يقولوها ويمارسوها ليل نهار تحت عنوان كبير أنه ((لا أحد فوقنا))، نفعل بكم ما نشاء بلا قانون او رقيب أو تعقيب، فنحن الدولة.
***
تبقى لى ملاحظة ضرورية على تصريح السيسى بان ((الدعم اخطر من الفساد)) !
وهو قول غريب وضعيف وشديد التهافت؛
فالفساد "جريمة" لا يجوز مقارنتها بغيرها من التوجهات أو السياسات الاقتصادية،
وهو جريمة نهبت مصر وأفقرتها ألف مرة ومرة،
كما أن الفساد يسرق الناس، أما الدعم فيعطيهم قليلا من حقوقهم وأموالهم.
والفساد يقتلهم، والدعم يحييهم.
ان الدعم هو تعويض قليل وتصبيرة بسيطة للعباد، عن سياسات الرأسمالية والخصخصة والفساد فى البلاد. كما أن مصر هى الشعب ومعايش الناس، و ليست ارقام وإحصائيات فى الميزانيات.
***
ولكن أكثر ما أزعجنى، فيما لو صدق ظنى فى مغزى رسالته الى شعب يناير 1977، وفى أن الدولة رغم تغير ورحيل المسئولين والقيادات والوزراء، لم تنس ولم تغفر لنا أبدا انتفاضة الخبز، فكم يا ترى من السنوات أو العقود ستحمل وتبطن الدولة رغبتها فى الثأر من ثورة يناير وثوارها ؟
ربنا يستر على مصر وأهلها.
*****
القاهرة فى 9 سبتمبر 2014