لم تكد إسرائيل تقصف غزة، حتى أقاموا لها «حلقة ذكر». فقد ربطوا مصير دولتهم بنجاح إسرائيل في دك غزة، وفي التخلص من حركة حماس.
ولم يكن هذا غريباً على إعلام السلطة في مصر، فعند المواجهة بين حزب الله وإسرائيل كانت فضائيات القوم تهاجم الحزب وأمينه العام، وتم استخدام مذهبه في عملية التشهير، فهو شيعي، كما لو كان سيدهم حسني مبارك هو ممثل أهل السنة والجماعة. وعندما تم قصف غزة، هاجموا حركة حماس، وانحازوا لإسرائيل مع أنها سنية المذهب.
فضائيات عبد الفتاح السيسي، في اللحظة الأولى للقصف تعاملت على أن الانتصار الإسرائيلي أمر مفروغ منه، وعلى ان انتصار إسرائيل هو انتصار حتمي لعبد الفتاح السيسي، العاجز عن تحقيق أي نصر منذ أن «دشنوه» رئيساً. ولأن «القرعة تتباهى بشعر ابنة أختها»، فقد اعتبروا انتصار أبناء عمومتهم على حركة حماس التي تنتمي للإخوان المسلمين هو انتصار لعبد عبد الفتاح السيسي، وهو الذي فشل في تحقيق الانتصار على الحركة في مصر. فقد قدموه للرأي العام على أنه نجح في مهمة هزيمة الإخوان، فإذا بالإخوان يتحولون إلى كابوس يقلق منامه. هذا إن كان ينام أصلاً.
الإعلام يشيطن الإخوان، فإذا بأدائه كأنه «ماء الحياة» لهم. وتم تصوير الأزمات التي وقف عبد الفتاح السيسي عاجزاً عن حلها على أنها من فعل الإخوان، الذين يصورونهم على أنهم وراء كل أزمة تنشب بين أي رجل وأهل بيته. ومؤخراً زفوا خبراً فتاكاً للأمة، فقد تمكنت قوات الأمن من القبض على خلية اخوانية، كانت نائمة واستيقظت على حين غرة، وهذه الخلية المكونة من قرابة 70 فرداً داخل شركة الكهرباء، هي التي تقف وراء الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في مصر. وقد نجحت قوات الأمن الباسلة في تفكيك الخلية، والقبض على كل عناصرها.. عنصرا عنصرا.
ومع أن الخلية التي استهدفت قطع التيار الكهربائي تم القبض عليها، إلا أن الأزمة لم تنته، وظل انقطاع التيار مستمراً.
سبب آخر يجعل إعلام عبد الفتاح السيسي ضد حركة حماس، هو أنها تمثل نموذج المقاومة، في مواجهة نموذج الانبطاح الذي يمثله السيسي ويتبناه، ولهذا فقد كانت الفرحة عارمة، عندما بدأ قصف أهلنا في غزة، وليبرروا ضعفهم وعجز سيدهم في القيام بالدور الذي ينبغي أن يقوم به من يتبوأ مقعد رئيس جمهورية مصر العربية.
وانبعث أشقاها
وجاء رد المقاومة مذهلاً، وشاهدنا عبر الشاشات كيف يجري إسرائيليون إلى الملاجئ عند انطلاق صواريخ المقاومة، وانطلاق صفارات الإنذار. وعندما حدث هذا أصيب القوم بلوثة عقلية، أفرزت خطاباً إعلامياً جهولاً، يقوم عليه من يتمتعون بالجهل النشط! إذ انبعث أشقاها في «وصلة ردح» ضد غزة، كما لو كان الذي يقصفها هو السيسي وليس نتنياهو.
لقد سالت على لسانه صفائح القاذورات، سباً في غزة وفي أهلها، وفي حركة حماس وفي المقاومة، بدلاً من أن يكون الهجوم على الإسرائيليين، أو حتى الوقوف على الحياد، غير المقبول عندما يكون الاعتداء على لحمنا الحي في غزة.
في اليوم التالي كان هذا الخطاب الوقح ضمن تقرير لقناة «الجزيرة» عرى الخطاب الإعلامي التابع لسلطة الانقلاب في مصر. ولم يقل أحد في السلطة لهذا الموتور «اف»، فكان طبيعياً أن يخلع حذاءه على الشاشة في اليوم التالي لغزة وأهلها.
وبدت طريقة الأداء بدائية للغاية ومحفوظة، فلا مانع من كلمة نقد لعبد الفتاح السيسي توحي أن هذا الانحطاط، هو تعبير عن استقلال الإعلام المصري عن السلطة.
«الرويبضة» هاجم عبد الفتاح السيسي كما لو كان يقف على خط النار منحازاً لحماس. وصاحبته بالجنب تعاملت على أنها تعبر عن الشعب المصري كله، وأن من تحاوره، وهو «صاحب المحل» هو المفكر الضرورة، والزعيم الوطني الذي لا يشق له غبار.
خطاب إعلامي بلغ من وقاحته، حد أنه احتفى به الإعلام الاسرائيلي، فلم ير عبد الفتاح السيسي في هذا الاحتفاء ما يضر بالأمن القومي المصري. فما يعني السيسي هو أن يكون رئيساً.
الهجوم على السيسي بدا كما لو كان على دوره في الانحياز لغزة، من خلال المساعدات التي قدمها « ليخزي العين»، ولكي يقدم نفسه أمام المصريين الذين لم ينجح إعلامه في غسيل أدمغتهم، أن ما فعله أمراً عظيماً استحق عليه الهجوم، لأن حماس تعمل ضد المصالح المصرية في المنطقة!
مع أن الجنين في بطن أمه يعلم أنه لا أحد يجرؤ على الاقتراب من رحاب السيسي ولو بشطر كلمة، وهناك كتاب منعوا من الكتابة مع أنهم مع الانقلاب بالباع والذراع، لمجرد همزة هنا، ولمزة هناك، ضده ومن باب العتاب. و»الموصوف» يتبنى هذا الخطاب الموتور، منذ أن بدأ التخطيط للثورة المضادة، إلى درجة أن هذه الفضائية كانت هي المحطة التلفزيونية الرسمية المعتمدة داخل وحدات الجيش لتشويه الرئيس مرسي أمام المجندين، تمهيداً للانقلاب عليه. ونشر هذا في حينه، ولم ينفه أحد. وللأسف لم نعلم أن الرئيس مرسي كان مهتماً بذلك.
في حماية الثورة المضادة
ونذكر أنه عندما تم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بفوز الدكتور محمد مرسي، أن «الموصوف» هاجم المشير محمد حسين طنطاوي، والمجلس العسكري، وكشف أنه كان يعمل بتوجيهات منه، ويبدو أن هذه التوجيهات كانت تدور في عدم السماح بنجاح مرسي، لكن الناخبين احتشدوا في ميدان التحرير دفاعاً عن إرادتهم من تلاعب العسكر، فلم يكن هناك بد من إعلان النتيجة الحقيقية.
وبدا «الموصوف» محمياً بأدوات الثورة المضادة، على نحو جعله يتطاول على رئيس الدولة، وهو الذي لم يكن يتعامل مع صفوت الشريف إلا بالانحناء وتقبيل اليد. وهذه الحماية هي التي حمته من تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ بحبسه، بتهمة سب مطلقته. وكان لافتاً أن يصدر قرار من المحامي العام بوقف تنفيذ الحكم، وعندما ألغاه النائب العام الجديد، صدر حكم قضائي بإلغاء حكم الحبس. ويلاحظ أيضاً أنه في زمن المجلس العسكري وعندما بدأ عمل جهاز الكسب غير المشروع في مواجهة «دولة مبارك»، لم يفتح ملف جمعية أسسها ومنحت أراضي الدولة من قبل يوسف والي، وزير الزراعة في عهد مبارك، وبعد شهر تم تحويلها من أراض زراعية لأراضي مبان.
مرات عدة، فضح فيها «الموصوف» علاقته بالسيسي، فلا يمكن قبول أنه يعمل بعيداً عنه أو أن حرية الإعلام في عهده التليد، سمحت بالهجوم عليه وعلى غزة، والانحياز لإسرائيل. على نحو يمكن هذا الشخص من ان يخلع حذاءه على الشاشة مهدداً حماس بها، محتمياً في حرية الإعلام التي يحميها الانقلاب.
في واقعة أقل ضرراً تدخل السيسي بنفسه ليوقف مذيعة عن العمل، لأنها تطاولت على السفير الأثيوبي بالقاهرة وهي تناقش معه قضية سد النهضة. ففي مصر الآن ليس مسموحاً بالرأي الآخر، وإلا فقولوا لنا عن عدم وجود برنامج واحد في فضائية مصرية عبر عن الرأي العام فانحاز لحركة حماس، وندد بحصار غزة، الذي يقوم عليه عبد الفتاح السيسي، وندد كذلك بالهجمات الإسرائيلية على القطاع وبقتل الأطفال.
فضائيات غربية، أظهرت عمليات قتل الأطفال على يد الإسرائيليين فأرقت الضمير الإنساني، ولم يؤرق هذا ضمير إعلامي واحد من الذين يعملون في الفضائيات المصرية، التي لا تعبر أساساً عن مصر وإنما هي لسان حال قائد الانقلاب، الذي أيدت إسرائيل انقلابه، وآن الأوان ليرد الجميل، وهو لا يزال بحاجة إلى الانحياز الإسرائيلي الجالب للشرعية الأمريكية بعد أن أكد العزوف الجماهيري في أيام الانتخابات الرئاسية الثلاثة ان الشعب المصري ضن عليه بالشرعية والمشروعية. فصار وجوده مغتصباً للسلطة وان تم تزوير إرادة هذا الشعب للاستهلاك الخارجي.
منتهية الصلاحية
على ذكر المساعدات التي قدمت لغزة، والتي هاجم بسببها «الموصوف»، عبد الفتاح السيسي، فقط تبين أن السلع المرسلة منتهية الصلاحية. ولم يكن أحد يطلب منه مساعدات فكل المطلوب ان يفتح المعبر وأن يقف على الحياد، لكنه أبى إلا أن يكون جزءاً من الاعتداء على غزة، فلم يفتح المعبر بعد اتفاق مع الأمين العام للأمم المتحدة على فتحه. كما أنه في اليوم الأول للقصف قام بتدمير 18 نفقاً ليساهم في حصار غزة وتجويع أهلها، ومنع وفداً طبياً أوروبياً من العبور. والمساعدات بعد ذلك، وفتح المعبر لسويعات، وقبول بعض المصابين في المستشفيات المصرية، هو لزوم التصوير، وكل هذه الإجراءات جاءت بعد أن ظهرت إسرائيل عاجزة عن الحسم، وإنهاء قدرة المقاومة على الردع.
ما علينا، فلم يكن الخطاب الإعلامي المنحاز لإسرائيل، مرتبطاً بالفضائيات الخاصة، فالتلفزيون المصري الرسمي أنكى وأضل سبيلاً، على نحو كاشف عن أننا أمام خطاب موحد، تقوم عليه جهة واحدة.
حالة السعار الإعلامي وصلت حد تذكيرنا بحالة مشابهة تمت في مواجهة شعب الجزائر الشقيق، وبدا أن هناك جهة تقف خلفها، وشخص بعينه لديه بيزنس في الجزائر وكان يهدف للانتقام لنفسه، وكانت فرصة ليلعب جمال مبارك على الحس الوطني ويعيد تقديم نفسه للمصريين. فأطراف مختلفة وجدت في التصعيد هدفاً لها.
ويا أهلنا في غزة، هذا ليس إعلام مصر، إنه إعلام عبد الفتاح السيسي، وشريكه في الانقلاب، وفي الحكم.. «نجيب ساويرس».
٭ صحافي من مصر
selimazou@gmail.com