بين المظهر الذي ظهر به الشهيد صدام حسين والرئيس المعتقل محمد مرسي في المحكمة قاسما مشتركا رغم الخلاف الفكري بينهما من كون صدام كان زعيما قوميا، و مرسي رئيسا إسلاميا.
وفي الوصف الدقيق، كان فكر صدام حسين تقدميا، وفكر مرسي رجعيا.
لكن كلاهما كان شامخا.
كان صدام يواجه كبطل محكمة لحكومة طائفية شيعية نصبها الاحتلال الأمريكي، وكان مرسي يواجه محكمة يحركها عسكر كامب ديفيد.
في كل الاحوال واشنطن وطهران لهما مصلحة في نشر الطائفية في العراق ، وفي مصر لواشنطن مع السعودية وإسرائيل مصلحة في حكم العسكر.
وعلينا الاعتراف وبرغم الخلاف مع الإخوان فكرا وممارسة، إن مرسي كان رئيسا وهو في قفص الاتهام بينما الذين يحاكمونه في حالة إضطراب واهتزاز رغم أنهم السلطة والقضاء.
تمكن العسكر من أن يطيحوا بالديمقراطية بعد انحازت قوى سياسية ورجال أعمال عهد حسني مبارك وجموع من المواطنين مع الانقلاب.
وللعسكر دولة داخل مصر، لذا لن تستطيع أي ديمقراطية الاستقرار إلا من خلال أخضاعهم للدستور، وقد أنتبهوا لذلك فقرروا إعداد دستورا يصلح في جمهوريات الموز يقوم على التحصين للعسكر ومن في الحكم.
وفي السياسة التحصين يعني الطريق إلى التأليه.
ولهذا لا ثقة بقضاء ينتج عن حكم العسكر ودستور يعد لتحصين قوى الفساد والسطلة.
ومع أن فكر العسكر كمؤسسة والإخوان كجماعة سياسية بعيد عن الحرية التي هي شرط الديمقراطية، إلا أن بقاء العملية الديمقراطية يعني فسح المجال للإخوان لينهوا مدة بقاءهم بالحكم حتى موعد الانتخابات الجديدة.
ولو تم ذلك لتمكنت مصر من القضاء على الوكر الأكبر للفساد في مؤسسة العسكر.
وقد سمح مرسي (وهو المتهم بالحرب على الحرية) لحملة تمرد التي هي نتاج المخابرات الحربية ورجال أعمال حسني مبارك من جمع تواقيع لعزله بدون أي مشكلة، وكانت برامج تلفزيونية تمتاز بالسفاهة تهاجم مرسي ومن بينهم برنامج باسم يوسف.
ولأن كل القوى السياسية والجماهير المخدوعة لا تدرك معنى المستقبل، انتهى المشهد لدماء واعتقالات ورئيس منتخب يٌحاكم.
بل انحازت قوى سياسية ضعيفة إلى جانب العسكر لعلهم يكونوا شركاء في الحكم اذ أن اي إنتخابات أمام آلإخوان ستكون كافيا لتوضح حجم كل هذه القوى في الشارع وهي لا تزيد كلها عن 5 بالمائة.
ولا يمكن مقارنة صورة مرسي مع صورة مبارك المهزوز والذي قضى حياته كلها في تكريس عائلته كشريك في الحكم .
وبعيدا عن المظهر الخارجي لصدام ومرسي إلا أن الخاتمة التي يعدها قادة الانقلاب لمرسي ستكون مشابهة.
و الخطأ في هذه المسألة هو حضور المحاكمة، فالحديث سيدور بعد ذلك عن قساوة الحكم وليس عن عدالة المحكمة. وكلنا نعرف أن العراق منذ الغزو الأمريكي لم يبق فيه قضاء ولا قضاة، أما مصر حاليا فالقضاء بيد المؤسسة العسكرية.
تاريخ صدام حسين طويل في الحكم وبسيط لمرسي لكن ما الذي دعاهما إلى أن يشتركا في الظهور بهذه القوة أمام المحكمة . ليس فقط الشرعية من تمنح ذلك فقط، بل الفارق الاخلاقي الكبير بينهما وبين صنيعة الاحتلال في حالة صدام، والانقلابين في حالة مرسي.
وفي بداية محاكمة الرئيس صدام كتبت أن الصواب هو عدم حضور الرئيس للمحكمة إذ ما يصدر عن حكومة نصبها المحتل لا علاقة له بالعدالة .
والآن اكرر أن محكمة في قضاء مهزوز ليست عادلة وغير شرعية.
في مصر غالبا ما يتم الادعاء بان القضاء نزيه وهذا غير صحيح، غهو قضاء خدم السادات ومبارك خاضعا،
اذ لو كان ذلك لما ارتضى القاضي أن يكون في محكمة مرسي وهو أمر مخالف للدستور وحقوق الإنسان.
بينما لم يستطع هذا القضاء أن يحاكم أنور السادات عن جريمة التفريط بسيادة مصر ضمن اتفاقية كامب ديفيد وقتل متظاهرين، ولا حنسي مبارك بكل فساده وجرائمه وهو في سنوات حكمه.
لقد وصف السادت الشعب المصري الذي خرج متظاهرا ضد إرتفاع الاسعار وسوء الوضع الاقتصادي"بالحرامية". ولا من نطق ولا أحتج.
على مرسي عدم الحضور للمحكمة حتى لو حمل بالقوة يكفي أن يقاطع القاضي ويكفي عدم النظر إليه والاجابة عليه ليشطب هذه المحكمة.
يجب على مرسي عدم التعويل على ضمير القاضي أو عدالة القضاء، فالتودد للعسكر أقوى من الحرص على العدالة.
يجب أن تهزم الرجعية من خلال الانتخابات لا من خلال انقلاب تقوده قوى رجعية عسكرية واقتصادية فاسدة.
ومادام صدام كان شامخا في مواجهة الموت، فعلى مرسي الاستفادة من هذه التجربة من المختلف فكريا معهم والمقصود القوى القومية، لكن ليس لمواجهة الموت، بل الحياة في ظل عسكر اكثر ضرارا من كل الزوايا من بقاء الاخوان على أفتراض أنهم ضد الحرية ومصرين على التحدث بأسم الله.