لكن كم يثير الشجن هذا التراشق بالكلام بين الطوائف الاسلامية في زمن الربيع الاسلامي .. زمن يوسف القرضاوي وأحمد الطيب وعدنان العرعور .. انه زمن النهش في الاسلام .. وزمن الطوائف المسمومة .. زمن يقف فيه الاسلام عاجزا بلا حول ولاقوة في نفس دائرة الطباشير التي وقف فيها الله نفسه .. ولانسمع فيها الا تأوّه الاسلام من شد ذراعيه الكبيرين ولحيته الطويلة حتى بدأنا نسمع طقطقة عظامه وهي تنفصل في مفاصلها ممزوجة بصوت انفتاق اللحم عن اللحم وتمزقه من أثر الشد والتجاذب ..
أعرف أنني سأكتب اليوم مقالا ربما كان الأخطر على الاطلاق لأنه يعرج على شأن ديني .. سأرصف فيه الكلمات بعناية فائقة وأضعها كلمة كلمة على السطر بهدوء شديد كمن يضع عبوة ناسفة ولغما نزقا ينفجر حتى من مرور نسمة هواء على صواعقه .. أو كمن يمسك مشعلا بيد في غرفة ضيقة مكتظة ببراميل البارود وباليد الأخرى ينقل براميل البارود .. كل غفلة قد تقرب اللهب من شفاه البارود المنفعل .. بل يخالجني شعور أحيانا أنني باقترابي من الشأن الديني أنني كمن ينقل قنبلة ذرية بسيارته .. انه اقتراب من منطقة مسورة بالمذابح عبر التاريخ والحرائق.. وبينها وبين العقل خندق مليء بالدم القاني .. وهي مسيجة بتابوات ولعنات وأساطير ومطوقة بملايين الكتب والحجج والذرائع والجدال والمنافحات التي لم تصل الى قرار..ولن تصل..
ومع هذا فانني سأكتب غير عابئ لأن الصمت هو دين الشياطين ..وأن كنت سأفعل شيئا فهو أنني سأحاول أن أمحو دائرة الطباشير كيلا يقف فيها دين أو اله .. وكي تحار الطوائف بعد ذلك أين تضع مذاهبها في غياب رسوم الطباشير.. الساحة العربية امتلأت بدوائر الطباشير ..وكل المذاهب والنحل تقف على حدود الدوائر تبحث عن أذرع لتشدها .. ولكن سأمرّ على الساحة وسأمسك قطعة قماش وأمحو كل الدوائر لأن الحقيقة هي أن الله لايقف في أية دائرة وكل الدوائر ترسمها يد جاهلة..
هذه الأيام سمعنا خطابين دينيين في الشرق .. واحد مسيحي صدر في دمشق في تنصيب البطريرك يوحنا العاشر .. والآخر اسلامي صدر من القاهرة من شيخ الأزهر أحمد الطيب بمناسبة زيارة نجاد للأزهر .. ولم يكن هناك أي فرق بين الخطابين سوى مايقارب 48 ساعة لكن الفارق حضاريا وفكريا بينهما كان قرابة عشرة قرون .. فخطاب البطريرك يوحنا العاشر وكل البطاركة المشاركين في حفل تنصيبه كان بردا وسلاما ويؤسس لمستقبل كنيسة للانسانية .. وكان مثقلا بالهم الانساني والوطني وبالرقي الحضاري وفلسفة التسامح والانفتاح والتلاقح .. أما الثاني فكان خطابا مخجلا ويؤسس لثقافة الحارات الشعبية والمقاهي المعزولة .. وأجزم أنه يؤسس لمقولة من الفرات الى النيل حدودك يااسرائيل .. لأن حدود اسرائيل تنتهي عند الفرات كما تدعي ومابعد الفرات يراد للدولة الشيعية أن تقوم .. وقام شيخ الأزهر بوضع حدود اسرائيل الدينية باقامة الحاجز النفسي والبشري بالحدود السنية الشيعية .. وهو يريد حبس الشيعة خلف الفرات .. فتنفرد اسرائيل بما قبل الفرات ..
ومن يستمع لشيخ الأزهر في وعظيته الغاضبة للرئيس الايراني أحمدي نجاد ونصحه بعدم تدخله في شؤون السنة يشفق على نفسه ويصله احساس غريب أن الاسلام في محنة مابعدها محنة في فقر الفقه وفقر التفكير .. ويحس أن الجامع الأزهر دخل كهف دقلديانوس وسينام لثلاثمئة سنة يترك فيها المسلمين بقيادة عتاولة جبهة النصرة والقاعدة .. والحقيقة أن من يتولى قيادة الاسلام في هذه المرحلة لم يعد الازهر ولا الحرم المكي وبالطبع ليس الأقصى الذي باعته حماس لقطر والقرضاوي وليست جبهة النصرة ولا القاعدة .. بل من يقود الاسلام هم مجموعة من الخبراء والمستشرقين الغربيين والباحثين الخطرين في شؤون تفكيك الأنظمة الاجتماعية والنسج الثقافية الموروثة بحقنها بالسم الطائفي بنكهة (الحرية والديمقراطية الثورية) .. وهؤلاء القادة الخفيون من عيار برنار ليفي يعرفون أن الفرات هو حدود اسرائيل التوراتية ويجب فصل الأرض والشعب العربي والاسلامي قبل الفرات وبعده بالنار الطائفية .. فينكفئ شرق الفرات الشيعي عن غربه السني ويترك غربه لقدره .. لتتولى اسرائيل أمر غرب الفرات بعد أن كادت تنتهي من معركة نهر النيل وقد تركته منهكا ونهبا للصراع الاسلامي العلماني والاسلامي القبطي..
جهابذة التدمير الثقافي يعرفون أن اللغة والدين من أقوى النسج الثقافية على الاطلاق ومن أصعب المهام تفكيكهما .. وهما مترابطان جدا .. كما أن عملية تحطيم أحدهما ستسبب انهيار الآخر أو انهيار الأمة .. فتفكيك الدين مثلا سبب في هزيمة الأمم كما حدث في سقوط القسطنطينية بيد محمد الفاتح لأن بابا روما رفض نصرة بابا القسطنطينية ضد العثمانيين مالم يعلن ولاءه الكهنوتي للبابوية في روما .. ويمكن أحيانا تدمير الدين بتدمير أساسه اللغوي ..ومن هنا تم مثلا الغاء رابطة اللغة مع الدين الاسلامي في تركيا أتاتورك بتغيير الحرف العربي الى اللاتيني فغابت اللغة عن الوعي التركي الحديث لقرن كامل .. وعندما استيقظت تركيا وجدت أنه لايوجد لديها لغة لتتعرف على دينها فنشأ من ذلك حزب العدالة والتنمية الاسلامي وهو حزب أقل مايقال فيه أنه نهج ديني جديد مبتور مهجن وبلا جذور وأقرب الى النسخة الأطلسية المسموح بها للاسلام العثماني الذي افاق في مزرعة العلمانية الأتاتوركية ولايعرف شيئا عن جذوره .. فاسلام حزب العدالة والتنمية يقاتل مع الغرب في كل معاركه في كل البلاد الاسلامية ولا يخوض معركة واحدة على أية أرض غير اسلامية .. من أفغانستان الى العراق وليبيا ومصر .. وسورية أخيرا ..
لاشيء يستفز أعصابي الا الخوف على المذهب السني من اجتياح المذهب الشيعي له لأن في هذا اهانة لمذاهب أهل السنة التي يعتقد من يسمع هذا الزعيق أنها ضعيفة وهزيلة وبلا عمق فقهي صلب .. ومن يستمع لشيوخ الاسلام هذه الأيام وزعيقهم من تمدد التشيع يعرف أن الاسلام يقترب من مرحلة الهلوسة الدينية والضعف الشديد والجهل الشديد والتقاط الاسرائيليات .. وأنه بدأ في تأسيس حدود اسرائيل التوراتية .. بشطر الشرق الى ماشرق الفرات وغرب الفرات عمليا .. حيث بالضبط حدود الشيعة والسنة .. أو بدقة حدود اسرائيل الشرقية توراتيا..
المذهب السني ياشيوخ الأزهر وياشيوخ قطر لايحميه الوقوف في وجه نجاد ولابناء الأسوار حول ايران ولاتحطيم حسن نصر الله رمزيا ومعنويا وتشويهه ولابتبديل نظام الحكم في سورية .. المذهب السني لن يحميه الا التصدي لحسن نصر الله ونجاد والخامنئي في قلب اسرائيل .. أي التسابق مع نصر الله ونجاد والأسد في الحاق الاهانة باسرائيل وتهديدها .. نجاد ونصر الله والخامنئي والأسد لم تصل شهرتهم وسطوتهم بين شعوب المنطقة بسبب الحوزات الشيعية ولابسبب كتاب (الرياء والعجب) أو (زبدة الأحكام الاسلامية) للخميني بل بسبب التصدي للغرب العاتي ومشروع اسرائيل وتحدي جيشها وقهره وتمريغ أنفه في بنت جبيل ومارون الراس ووادي الحجير..
بكل بساطة ماعلى الأزهر وشيخ الأزهر أن يفعله لتفعيل وتقوية المذهب السني ونشره حتى في ايران نفسها هو عدم السماح لنجاد ونصر الله والأسد بالانفراد بمواقفهم ضد اسرائيل والغرب .. العالم الاسلامي يرى أن هذا الثلاثي قد قهر الغرب مرتين في العراق ولبنان وهذا مارفع من شأن المذهب الشيعي لأن من ينجح في الصمود قد يعني للناس أن مشروعه قوي وأن عقيدته صافية ..
شيخ الأزهر لايريد أن يفعل شيئا لبعث الحياة في المذهب السني الذي يتآكل في الروتين وبيروقراطية المؤسسة وطحن الفتاوى والانشغال بالرضاعة وطبخ الدين في مطابخ الصمت والمعاهدات وتركه لوعاظ الفضائيات وسماسرة الفتاوى .. المذهب السني لايكون الحفاظ عليه بالتقوقع وزيادة جرعة الخوف والتنفير من التشيع كمنافس رئيسي والتصرف بعصبية ونزق أمام العمائم السود .. هذا السلوك بحد ذاته سيدفع الناس للتفكير في مدى قوة المذهب الشيعي الذي يخيف كل مؤسسات السنة العريقة من المحيط الى الخليج ويجعل الأزهر مصابا بالهياج .. ويلقي المؤسسات الدينية الراعية للمذهب السني في الشك وهي ثرية للغاية بالمال والنفوذ عبر النفط ..والموقع الجيوسياسي .. ومع هذا تتقصف ركب الفضائيات رعبا من التشيع وكأنه اسطورة لايقف في وجهها شيء ..
لو وقف الأزهر كما يقف نجاد وحسن نصر الله لكان له في قلب (قم) أتباع ومحبون ومعجبون .. غباء الأزهر لم يعد يصدق .. وللاستدلال على ذلك يكفي تذكر بعض تصرفاته المثيرة للحرج والجدل والخجل .. ففي أيام الراحل محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق ظهر الشيخ طنطاوي وهو يصافح بيريز بيديه مصافحة شهيرة .. ثم ينكر ويكذب ويدعي أنه لايعرف من هو بيريز .. وفي مناسبة أخرى عندما سئل عن حصار غزة قالها بالفم الملآن وبعصبية (الله .. واحنا مالنا؟؟) .. وعندما كانت الجرافات الاسرائيلية تهدم بيت المغاربة ببث حي ومباشر سأل المذيع شيخ الأزهر عن موقفه فقال : ليس لي علم بأي اعتداء .. هو فيه ايه وبيحصل ايه؟؟ وقد سكت المذيع من حرجه وغيظه ..(التسجيلات متاحة لمن أراد)..
وبالمقابل كان نجاد يرعى مؤتمرا لهدم اسطورة الهولوكوست دون تهيب لأحد .. وكان نصر الله يلقي صواريخه على اسرائيل .. بعد كل هذا يريد هؤلاء ألا يتقدم المذهب الشيعي وينال الاحترام والشعبية .. فيدفعون ببعض المراهقين والصبية للتصدي للفكر الشيعي عبر الفضائيات وأعمال العنف الدموية المغطاة بصمت المؤسسة الدينية ..وغطاء التكفير..
كم فيها من الاهانة هذه الصرخات والرعب من اقتراب المذهب الشيعي الى عرين السنة .. وكأن المذهب السني لايملك أسلحته وفكره ومفكريه وعلماءه الذين يحاجون ويقارعون .. وليس لديه تراث راسخ في عقول أتباعه ليهتز في أية ريح .. انني لو كنت في موقع ديني في الأزهر لدعوت الحوزات الشيعية الى مصر لنعيدها سنية الى مواطنها .. تماما كما يحصل للمهاجرين العرب الى الغرب .. يذهبون شرقيين ويعود معظمهم متفقها في أصول الحرية والانتخابات وتحرر المرأة ..وحقوق الانسان ..
هل يريد الأزهر والثوار والباكون على المذهب السني انهاء اسطورة حسن نصر الله وايقاف الدعوة الشيعية؟؟ .. بل هل يريد الأزهر أن يرد على المذهب الشيعي من قلب النجف؟؟ اذا عليه ان يدخل في المنافسة ويعلن فتوى جهادية ضد اسرائيل لانقاش فيها واعلان موقف صريح رافض لمعاهدة كامب ديفيد .. وأن يطلب من أردوغان عند زيارة مصر والأزهر علنا الانسحاب من الناتو والعودة لقيادة المسلمين من غير ناتو واعادة اللغة العربية كلغة ثانية رسمية في تركيا كما هي في ايران الشيعية .. وتطهير الشرق من أذيال الغرب ومن تورط تركيا في الدروع الصاروخية الاسرائيلية والامريكية ..
انه ثمن بسيط لايريد الازهر فعله .. بل يفضل خوض حرب دينية تافهة من مقاس داحس والغبراء لعقود .. وبلا نهاية..ولانتيجة ..
لاأدري ان كان شيخ الأزهر يعرف أن كل حوزات العالم الشيعية لاتستطيع أن تمس جوهر المذهب السني بعمليات التبشير لأن هذا المذهب ببساطة مذهب قوي وعريق كما أن الدول الراعية له ثرية للغاية وهي أثرى مافي العالم الاسلامي .. وقد صمدت مذاهب أهل السنة مئات السنين وتماسكت رغم أن الدعوة الشيعية هي طعن فلسفي ومنهجي بالفكر السني وأسسه منذ قيامها منذ مئات السنين..
ان من سيحطم المذهب السني أيها السادة العلماء الأزهريون هو تركه رهينة بيد شخصيات ودعاة هزيلين أخلاقيا مثل القرضاوي وعمرو خالد والعرعور و(أبو اسلام) وحازم ووو ... وتركهم يحولونه الى مذهب بدائي متوحش لايرحم ويصور جرائمه دون أن يخشى ادانة من الأزهر وغيره .. أولئك المجانين الذين يباهون بعنف المذهب السني وسكاكينه هم من يضعفون مذاهب أهل السنة .. لأن مشهد ذبح واحد لانسان، أو احراق الناس أحياء كما تنشر الثورة السورية في استعراضاتها الثأرية التي تتشفى من خصومها ستهز المذهب السني برمته .. وتخيفه من نفسه عندما ينظر في المرآة ويرى الدم على وجهه .. وستطلق الشك في صدقيته وصحته العقائدية..
ومما يدهش له أنه في ستينات القرن الماضي قاد الأزهريون محاولة جريئة لتوحيد المذهبين الشيعي والسني في جو كتب فيه اسماعيل مظهر كتابا بعنوان (لماذا أنا ملحد) فرد عليه محمد جمال فندي بكتاب (لماذا أنا مؤمن) وليس بذبحه امام الكاميرات ورفع التكبير.. لكن سكوت شيخ الأزهر والقرضاوي والعلماء المسلمين على السلوك العنيف للتنظيمات الاسلامية سيتسبب في نفور نفسي من الاسلام من قلب الطائفة السنية (كما تسبب سكوت مرجعية النجف عن اعدام الرئيس صدام حسين يوم العيد لأن ذلك الصمت أخجل الشيعة الوطنيين قبل السنة وهز من مكانة المرجعية الشيعية بينهم) .. وسيضرب هذا الشك في الشرعية الاخلاقية للسنة أهم أسس لأي مذهب .. لأن الناس لاتغير عقائدها بسهولة لكنها تغير من علاقتها بعقائدها وقوة شكيمتها في الدفاع عنها .. ان العنف الذي تصوره الثورة لارهاب غيرها وللمباهاة به وسكوت الأزهر والرموز السنية عليه سيكون أهم سبب لانهدام المذهب السني في نفوس متبعيه لأن هذا المذهب لم يتعرض لمثل مايتعرض له من تدمير ممنهج على يد أئمة السنة ووعاظ الفكر المتطرف .. بل ان عملية توثيق القتل وممارسة العنف واستخدام الاطفال في قطع الرؤوس تحتفظ بها القوى الغربية في ملفات تنتظر اخراجها على الرأي العام الغربي عندما يحين استعمال العنف المتناهي في السيطرة على بعض القوى الاسلامية السنية التي سينتهي دورها .. تماما كما ظهرت أشرطة عنيفة عن تعذيب السجناء العراقيين ونسفهم أحياء والقائهم من الشواهق بعد أن بقيت لدى وكالة المخابرات الأمريكية عقدين كاملين وتم اطلاقها الى العلن عندما تقرر الاجهاز على العراق ونظام حكمه ..
وربما سيفاجأ الجميع ان قلت ان المذهب الشيعي لن ينتشر في بلاد الشام لأن علماء الشام من السنة قد دخلوا في منافسة قوية مع السيد حسن نصر الله والرئيس نجاد في عملية التحدي لاسرائيل .. ولايستطيع السيد حسن نصر الله الا الاعتراف بأنه يتلقى الدعم من سورية ومن قصر لايبعد كثيرا عن ساحة اسمها (ساحة الأمويين) .. ولولا دعم علماء سورية السنة للرئيس الأسد في هذا النهج لما كان حزب الله بهذه السمعة والهيبة والمكانة .. ولعل اغرب حقيقة تفاجئنا هي أن حزب الله مدين لعلماء الشام السنة بقوته .. ولولا دعمهم له لكانت القيادة السورية واحتراما لرأي علمائها السنة مترددة في دعم حزب الله .. ولذلك استحق هؤلاء العلماء منزلة لايضاهيها منزلة .. وهي أنهم حماة أهل السنة وحماة المذهب السني .. وهم من أعطى للمذهب السني هيبته في زمن ترهل الأزهر والحرم المكي وغياب الأقصى .. وهم من يحميه بوقوفهم أندادا لحسن نصر الله في مواجهة الغرب ..
ومن يعرف مثلا الشيخ العلامة محمد سعيد رمضان البوطي أو مفتي الجمهورية السورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون وجسارته في قبول التحدي الاسرائيلي لعرف أن مثل هؤلاء هم من يوقفون أي تمدد للتشيع .. فقد تمكن الشيخ حسون من فرض احترامه بقوة بخطابه الواثق وعلمه وفقهه الجهادي الرفيع وقدرة خارقة على خلق التسامح .. وعكس في موقفه الصابر والجهادي مدى تبحره في الفقه السني وعلوم الدين والمذاهب وتحول الى أيقونة سنية .. بل وبتقديم ولده سارية شهيدا ارتقى ليكون بمثابة حسن نصر الله "السني" .. فكلاهما فقد ولده في معركة من أجل موقف وطني ولم يغير طريقه .. ومن لديه قوة الشيخ البوطي وحسون لايحس أن الانتقال الى منصة مذهب آخر سيضيف على يقينه شيئا آخر .. لأن التفاصيل الفقهية في الخلاف لن تغير العمق الايماني للمسلم.. سنيا كان أم شيعيا..
يريد شيخ الأزهر والقرضاوي وكل ثوار الناتو أن يوقفوا انتشار المذهب الشيعي .. وقام الربيع العربي لهذه الغاية كما يبدو ولا يبدو أن الربيع قام لايقاف المد الاسرائيلي .. وبالفعل فان أول ثمن تعهد به هؤلاء هو اسقاط رمزية المقاومة وطهارتها واسقاط معاقلها في سورية وبدء الحرب المذهبية الشعواء .. ومن يريد الدليل فليفتح أية صفحة سورية للثورة منذ اليوم الأول وبمجرد فتحه الصفحة ستفوح الروائح الطائفية الكريهة وسينهض الموتى من القبور ليقصوا له حكايات الجنون .. والهوس بالشيعة والنصيرية ..
ماردده كالببغاء شيخ الأزهر يدل على أن عملية وضع حدود اسرئيل التوراتية يسهم فيها شيوخ المسلمين الكبار ومؤسساتهم الكبيرة .. فمنذ أن وضع مشروع قتل الخرائط القديمة للشرق الأوسط نشأت عملية التهويل من التمدد الشيعي لتحدث مبارزة سنية شيعية كبرى تبدأ رسم خطوط شعار اسرائيل التوراتية بشطر الجغرافيا السياسية الى شيعة وراء الفرات وسنة قبل الفرات بعد أن تم فصل الشام عن مصر في كامب ديفيد ..
وكان أول استهلال لهذه الخريطة هو تحذير ملك الأردن (الانكليزي) من الهلال الشيعي عام 2004 عقب سقوط العراق عام 2003 الذي آذن سقوطه بنجاح انطلاقة المشروع التقسيمي التوراتي على أرضية العراق .. ومنذ ذلك التاريخ انطلقت بكائيات ونواح الخائفين على أهل السنة ومذاهب أهل السنة وكان ذلك الانفجار العاطفي المبالغ فيه على المذهب السني مريبا للغاية .. ومنذ ذلك الوقت ظهرت الفضائيات التي أيقظت كل الجثث والمومياءات الاسلامية ونبشت القبور والجحور.. وجيء بالجمل من موقعته وتولى الجميع أمر العناية بعلفه ورغائه .. وسيق الناس من منصات التنوير واليقظة والرؤوس التي تشرئب لرؤية الفجر الاسلامي الى سقيفة بني ساعدة وجدل صفين وكربلاء لينبلج الفجر التوراتي .. ومن يسمع النواح يتخيل أن طوفانا من الجيوش وذوي العمامات السوداء يستعدون لغزو العالم العربي وأن مؤامرة نهاوند قد خرجت من أستارها الليلة بعد تخفيها بضعة قرون..
كان أول سؤال يخطر على البال هو سؤال بسيط للغاية؟ هل المذهب السني ضعيف وهزيل وهش حتى يخشى مبارزة مع الفكر الشيعي فيترك أمر التصدي للمؤامرة للفضائيات ولشيوخ من سوية عدنان العرعور؟؟ كيف يمكن لفقه اهل السنة العريق والهائل والمتمدد بكلكله على طول ألف وخمسمئة سنة وعلى امتداد 80% من العالم الاسلامي أن يخشى من مذهب ومن حوزات هنا وهناك؟؟ هل في التاريخ سابقة تبرر هذا الخوف؟؟ هل يخشى الاسلام السني بكل تركته وثقله ووزنه وفقهه من اسلام آخر يهزمه ببعض الدعاة والدراويش أو المتصوفين الباحثين عن لقاء المهدي المنتظر؟؟ الاسلام السني فقه راسخ وعمره مئات السنين لم يحدث في التاريخ أن هزم الاسلام السني أو أن تمدد التشيع خارج خرائطه بالتبشير أو بالغزو .. وهناك مثالان لايمكن انكارهما .. وهم مصر الشيعية أيام الفاطميين وايران السنية قبل التشيع .. بل ان عملية التخويف تلجأ الى الاستشهاد بتاريخي مصر وايران دون دراية بالتاريخ وتفاصيله .. وهذا التخويف يعتمد على جهل مطبق بعملية التحول الاجتماعي والتاريخي ..بل جهل أكثر في تفاصيل تاريخ مصر أو ايران ..
ففي مصر حكم الفاطميون لمئتي عام لكن المصريين عموما لم يتشيعوا تماما بل ان المصريين حولوا المناسبات الشيعية الحزينة ولطمياتها الى احتفالات بهيجة حتى في عز الدولة الفاطمية واستمر هذا حتى اليوم بالاحتفال بعاشوراء بطقوس احتفالية بهيجة ..بل ان المدارس الفقهية السنية في الاسكندرية كانت موجودة قبل عهد العاضد آخر الخلفاء الفاطميين .. وليس دقيقا أن صلاح الدين الأيوبي قضى على الدولة الفاطمية أوعلى التشيع بالعنف رغم بعض الحوادث .. بل لأن الدولة الفاطمية كانت قد وصلت الى سن الشيخوخة بعد مئتي سنة ووصلت الى التحلل الداخلي وفق منطق التاريخ ومنطق ابن خلدون في عمر الدولة .. حيث تصارع وزراؤها في سنواتها الأخيرة عندما نخرت الدولة حتى أن بعضهم استنجد بالصليبيين ضد بعضهم (كما يستنجد اليوم الثوار الاسلاميون العرب بالناتو وعلى رأسهم معاذ الخطيب والشقفة وطيفور والقرضاوي وعبد الجليل) فيما كان بعضهم يستنجد بنور الدين محمود زنكي حاكم حلب والشام الذي أرسل لهم جيشا كان من بينه ضابط شاب اسمه صلاح الدين تمكن من أن يسلب العاضد (آخر الخلفاء الفاطميين) سلطته سلميا دون قتال .. ولذلك كانت عملية انهاء الحكم الفاطمي في مصر سهلة للغاية .. الفاطميون انتهوا في مصر لأنهم تآكلوا سياسيا في سياق صراعات الدولة الداخلية الهرمة وبسبب تحالف بعضهم مع الصليبيين كحليف ضد الحكم العباسي المنافس .. تحالف كان ممجوجا وتسبب في سقوط هيبتهم وشرعيتهم الدينية وقوتهم .. والدولة الفاطمية كانت قد وصلت الى نهاياتها كدولة منخورة..
مصر التي خضعت للفاطميين نقلها الأيوبيون الى الصف السني بسهولة من دون فضائيات الثرثرة واللطم على أهل السنة .. والسبب هو صلاح الدين الأيوبي الذي كان قائدا اسلاميا معتدا بسنيته .. اذ حولته هزيمته للصليبيين الى بطل وجعلت مذهبه ينتصر .. ومنحه تحدي الصليبيين الغزاة شرعية هائلة في نقل مصر الى حظيرة أخرى بسرعة..
أما ايران التي كانت سنية فيقال ان انقلابها على الأغلب الى التشيع كان بسبب السلطان غياث الدين محمد بن أرغون الملقب بشاه بنده بسبب قضية زوجته التي طلقها ثلاثا ولم يسمح له الفقه السني باستعادة زوجته لكن الفقه الشيعي اعتبر طلاقه باطلا .. فقرر غياث الدين اعتناق المذهب الشيعي وتشجيع نشره في دولته .. أما التهويل بقصة الشاه اسماعيل الصفوي ونشره التشيع فربما كانت غايتها تبرير الصراع بين السلطان سليم العثماني واسماعيل الصفوي والتنافس بينهما على التمدد في الشرق .. وقصة التشيع الايراني تشبه الى حد كبير قصة انقلاب ملك انكلترة هنري الثامن على الكنيسة الكاثوليكية بسبب زيجاته الست ورغبته في تطليق زوجته كاثرين فاعترض عليه توماس مور وزير عدله ومستشاره .. فسجنه الملك في برج لندن بتهمة الخيانة العظمى .. وقطع رأسه .. ثم قرر انشاء كنيسة جديدة لاتخضع للبابا فكانت الكنيسة الانغليكانية التي لاتزال حتى اليوم ..بسبب زيجات الملك هنري الثامن ومزاجيته..
ان شيخ الأزهر والقرضاوي وكل ثوار الناتو لن يوقفوا انتشار المذهب الشيعي بل يوقفون الاسلام الجهادي الحقيقي حيث يتلاقح جناحا الاسلام الشيعي والسني .. هؤلاء الفقهاء الجهلاء يمهدون لاقامة حدود اسرائيل التوراتية على ضفاف الفرات.. لتقوم اسرائيل بين الفرات والنيل .. حيث الشيعة محبوسون خلف الفرات ويدافع السنة غرب الفرات عن اسرائيل التي ستبقيهم دوما يحسون أن العدو قادم من الشرق .. شرق الفرات ..