د . موسى الحسيني
mzalhussaini@btinternet.com
الموضوع هدية لعينا سارة ، تلك الفتاة العربية ، التي اتصلت بي مبكرا صباح هذا اليوم بعينان مغرقتان بالدموع ، وقلب يرتجف ويحترق الماَ على ما جرى ويجري على الارض العربية .
انا رجل مؤمن بالله ، بعظمته ، قدرته ، روعته ، وجمال عدله .قد يكون لي بعض الاجتهادات الخاصة ما تتعارض في هذا الموقف او ذاك مع هذا المجتهد او صاحب الراي ،الا اني لاارى في ذلك ما يمس اردة الخالق ( جل جلاله )، او ما يتعارض مع ايماني المطلق به . فالاجتهاد صناعة بشرية اوجدها عقل الانسان ، وهناك من يرى في العقل احد مصادر الاجتهاد ، ولااعتقد ان اي مجتهد يمتلك من القدرات العقلية اكثر مما املك ، ولا قدسية لما هو صناعة بشرية .
لكني ايضا لم ادعي التفقه او التدين يوما ، وكثيرا ما اعلن من خلال شاشات التلفزيون وبكتاباتي اني رجل علماني . وافهم العلمانية اصلا ومعنى على انها موقف يرفض سلطة رجال الدين وتدخلهم في السياسة ، ولاتعني العلمانية عندي الالحاد فتلك تهمة يحاول رجال الدين الصاقها بها للدفاع عن مصالحهم وامتيازاتهم وتطلعاتهم الشرهة لكسب كل الملذات الدنيوية التي يريدون سلبي ومنعي من التمتع بها ، يريدون حيازتها لانفسهم فقط ، ليتلذذوا بسادية من خلال حرماني منها.
فرجل الدين المتاسلم او السياسي ، هو ليس الا واحد من طلاب التمتع بكل متع الدنيا باسم الدين حتى المتع الشاذة والتوجهات السادية والانانية المريضة ، يريد ان يكتسبها في الدنيا والاخرة ويحرمني منها في الدارين ، وسيلته وتجارته كي يكسب ذلك هو مايدعيه من تدين هو في واقعه شركا وجحود بنعم الباري وقدرته وجبروته ، ليس فيه من الدين الا اسمه ، فهو يتوصف بامير الجماعة ( مانحا بذلك الامارة والسيادة والربوبية او النيابة عن الخالق لنفسه ) فارضا على الاتباع هرطقة ان طاعته هي امتداد لطاعة الله ، فهو احد بصرا واثقب فكرا من بقية حتى جماعته ( كما قال ابو علي المودودي ) . او هو عند الطرف الاخر اية من ايات الله الراد عليها كالراد على الله . هو بالتالي ظل الله في ارضه يعبث بها فسادا واشباعا لكل الشهوات الشاذة التي ينهانا عنها .
ليس ذاك الا شركا مبطنا وكفرا ، وتسفيه للاسلام وحتى لارادة الخالق ، الذي اعطانا الحق والحرية في ان نكفر او نؤمن وحدد مسؤولية العقاب والثواب بذاته القدسية ، فالحساب يوم القيامة كما يعرفنا سبحانه حساب فردي ، لااحد يتحمل ذنب الاخر لاقريب ولا صديق ، ولا شفاعة للانسان الا بعمله الشخصي . ولا يحق لواحد مهما ادعى بما يملكه من معرفة بالدين ان يفرض علينا الايمان او الكفر ، لانه بذلك يعارض ارادة الخالق ومشيئته التي قالها لنا صراحة " لو شاء ربك لامن من في الارض كلهم اجمعين ، فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " (يونس: 99) ، فاجبار الناس بالساطور والمتفجرا ليؤمنوا امرا يمثل حالة شرك وكفر واضح بالكتاب ، وتدخل في مشيئة الله تعالى . تلك الاية من الوضوح مايؤشر ان العلمانية كما عرفتها ليست هي ما يتناقض مع ارادة الله ومشيئته ، بل هو اجبار الناس على التمسك بالدين بقوة السكين والمتفجرة هو الكفر المناقض و المزور لارادة الخالق . ويغدو المتاسلم ومن يقول بالتاسلم السياسي هو الكافر ، الذي يزيف اقوال الباري كي يسرق منه قوته وجبروته وفروض الطاعة التي خص بها تعالى نفسه
على اساس هذا الفهم للنص القراني الواضح ، انا ادرج كل من الامير واية الله تحت راية الشرك والمشركين الكذابين الافاقين على ما يريده الله لنا من التمتع بنعمة بما اعطانا اياه من عقل وحرية اختيار . يبقى مفهوم المسلم كماعلمنا الرسول هو من قال بالشهادتين ، ومن سلم الناس من يده ولسانه . هنا يبرز سؤال يطرح نفسه من اين يستمد امير الجماعة او اية الله هذا الحق في تكفير الاخر ، وكل فريق يدرب انصاره على ذبح الاخر بالسكانين مع ترديد الايات القرانية والتكبير واتهام الاخر بالردة والكفر . وتصوير الحادثة ونشرها على صفحات الانترنت واليوتيوب والفيس بوك . لماذا هذه القسوة والهمجية . لن يجد الباحث اي اصل اوسند ديني لا في القران ولا السنة ولاحتى في سيرة الخلفاء الراشدين او الاولياء الصالحين ، نحن نعرف بالروايات الموثقة بالمصادر التاريخية ، ان عمر كان يردد لولا علي لهلك عمر ، ويخاطب الامام علي عمرموصفا اياه بانه اصل العرب ( نهج البلاغة ، ج2 ، ص:29-30) . وتقول لنا المصادر ان الامام ابو حنيفة النعمان كان من تلامذة الامام الصادق ، وان ابو حنيفة تعرض للسجن والتعذيب في عهدي الدولة الاموية ، والدولة العباسية ايضا متهما بالتشيع وموالاة ال البيت ( عبد ارحمن الشرقاوي ، ائمة الفقه التسعة ، ص : 55-72 ) .
فمن اين اتى لنا امير الجماعة هذا ، اوذاك الذي نصب نفسه اية لله بالقول في ارتداد الاخر ، لان تهمة الردة هنا يمكن ان تنعكس على عمر او علي او ابوحنيفة نفسه . انفسهم ، هؤلاء الذين يتخذ من اسمائهم تبريرا يبيح به قتل الاخر .
.ومن اين جائتنا هذه التي يسمونها مظلوميات ، وصحوات طائفية مصحوبة بالقتل البشع مصورا بكاميرا الفيديو ، ولماذ التصوير .وائمتنا كانوا وان اختلفوا باجتهاداتهم متفاهمين متحابين ، يعملون جميعا من اجل خدمةالاسلام والمسلمين ووحدتهم . لو حصرنا القول في العراق وسوريا ، لم نسمع منذ تشكيل الدولتين في تاريخهما الحديث بعد الحرب العالمية الاولى ان شيعيا قتل سنيا او العكس بسبب مذهبه او عقيدته كما لم نسمع حتى ان مسلما قتل مسيحي او يهودي اوصابئي . لماذا الان فقط اصبح الاسلام دين للقتل ، والذبح المصور ، تختفي فيه كل الصور الاخلاقية وقيم التسامح والحرية . انا اعتقد من خلال متابعة الظاهرة انه لايمكن فهم مصدرها الا بالعودة لمشروع اسرائيل المعروف باستراتيجية اسرائيل للتسعينات ، وغيرها من الوثائق والدراسات التي كشفت عن علاقة الحركات المتاسلمة بالغرب بريطانيا واميركا ( كما سنبين في الجزء الاخر من هذه المقالة ) ، يبدو ان نشطاء العدو الصهيوني بالذات ، لم يتوقفوا عن تحقيق مشروعهم الذي خططوا له منذعام 1982 في اعادة تقسيم الدول العربية الكبيرة الى دويلات صغيرة متناحرة على اساس طائفي وديني واثني . ووجدوا في انحسار التيار القومي وحتى قوى اليسار العربي ، وما يعيشه العرب من احباطات وهموم معاشية يومية ، وتراجع محسوب بحسابات التطور العلمي والثقافي الذي يسود العالم . فوجدوا ان الفرصة قد حانت لتمرير ما خططوا له ،اوعزوا لعملائهم بالتحرك . ولا يمكن ان نتفهم موجة القتل البشع المصورة الا بهذا المعنى ، كائن من يكون منفذها .
غريب هذا الذي يدعي التطرف في ولائه لمذهب او دين ، والاديان الرئيسية للعرب ( المسيحية والاسلام بكل مذاهبه ) تعتبر فلسطين او القدس تحديدا قبلتها الثانية ،لكنها تنشغل او تتشاغل بقتل ابناء العرب واطفالهم ذبحا ، لتشغل الناس بصور الذبح والجرائم البشعة التي تمارسه الدولة الصهاينة في عملياتها لتهويد القدس وتدمير معالمها الاسلامية وحتى المسيحية ، أو يعقل ان ذلك يجري بالصدفة بمحض الصدفة .
في مقابلة مع ياسر عرفات في مجلة المستقبل اللبنانية لاحد اعداد عام 1982 ، يقول فيها : ان تيتو اخبرني بان كيسنجر قال له ( لتيتو ) : "انه فشل في الوصول الى حل للقضية الفلسطينية لانه وجدها تحتل مساحات واسعة في عقل كل عربي ، وما لم نخلق للعرب مشاكل كبيرة قاسية تنسيهم قضية فلسطين لايمكن حل القضية ."
هذا القول ، مع مراجعة ما عرف بمشروع استراتيجية اسرائيل للتسعينات ( منشور نصها على صفحتي على الفيس بوك )، يضاف لهما ما ينشر من وثائق غربية تكشف عن كون التاسلم السياسي ما هو الا صناعة غربية ( سبق ان كتبت عن بعض هذه الوثائق ونشرتها على النت ، واعتقد ان بعض الصحف قام بنشر الموضوع ايضا) ، هي ما يفسر لنا معنى تصوير المجرم لجريمته ، انه يريد بتلك البشاعة ان يستفز الاخر ، ليقابل الجريمة بمثلها ، انها عملية تصنيع للتطرف الطائفي الذي يريد تخريب كل البلد نفوسا ، وامكانات ، ومشاريع ، ويجزء الاوطان تحقيقا للاستراتيجية الصهيونية بحروب بينية لن تنتهي . ثم بعد ذلك يتم مطالبة الغرب وقوات الناتو لتهدم مابقي من مؤسسات ولتقتل بالملايين كما حصل في العراق ، وتنزل قواتها لتعيث تخريبا وقتلا ومسخا لانسانية الانسان بحجة حماية حقوق الانسان والحريات الديمقراطية ، تدمر معمل حليب الاطفال ومعمل الادوية في سامراء لتحرم العراقي طفلا او ناضجا من الحليب والدواء بحجة انها معامل لتصنيع الاسلحة الكيمياوية والجرثومية .
اين الاسلام من كل ذلك وفي كل هذا ، اليس هذا هو الشرك بعينه . ان يُستبدل ابن الدين والملة بالعدو الحقيقي ، بل يتم التحالف والاستقواء بالعدو لقتل ابن الدين الواحد ، تحت شعار لااصل له لافي الدين ولا في الاسلام " الحكم لله " والردة .والله كما قلنا اعلاه ( حتى لو افترضنا كفر هذا المذبوح ) هو من منحنا حق الخيار بين الكفر والايمان ، واختص لنفسه بحق الثواب والعقاب . وجرد البشر من هذا الحق بل جرد حتى حبيبه ورسوله من هذا الحق :" وما جعلناك عليهم حفيضا وما انت عليهم بوكيل " (الانعام 107 ) اعطاه حق الدعوة والتبشير فقط والتذكير بقدرة الله تعالى وانتقامه "يا ايها النبي انا ارسلناك شاهداَ ومبشراّ ونذيراَ" (الاحزاب 45) . فمن اين اتى امير الجماعة بهذا التوكيل الالهي ليمنح نفسه الحق بالقول : " ومن خرج من الجماعة فاضربوه بحد السيف " والجماعة بمفهومه هي حزبه وعصابته ، والخوارج عنده عموم او جميع المسلمين الرافضين لشركه وتفرعنه وتجاوزه على الذات الالهيه ومشيئتها ، هل يعقل ان يكون هذا مسلم فعلا من يدعو الى قتل المسلمين جميعا ويبيح ضربهم بحد السيف ،او هو صهيوني او صليبي حاقد على الاسلام والمسمين ، وما الفرق مهما تعددت الاسماء والنعوت .
مشهد غريب اخر يؤشر لعمالة الطائفيين والمتاسلمين ، انهم يدعون لقتل الاخر ممن يقول بالشهادتين بحجة انه مرتد لانه اختلف معهم باجتهاداته . لكنهم يتراكضون وراء اي مؤتمر تعقده اميركا او اي من دول الغرب للحوار بين الاديان ومعروف طبيعة هذه الحوارات ، انها تهدف للتطبيع والقبول بالحركة الصهيونية ويرفضوا الالتحام او التحاور مع بقية المسلمين ، ويدعون للوحدة الاسلامية ، ويستنكرون على القومي العربي ان يدعو للوحدة العربية ويعتبرونها مؤامرة على الوحدة الاسلامية وكأن ليس غالبية العرب من المسلمين ، ويمكن ان تكون وحدتهم قاعدة للانطلاق لوحدة المسلمين . ويلتحمون وتتوحد اهدافهم ومصالحهم مع قوات الناتو في العراق وليبيا وسوريا ويستقون بها على اخوانهم المسلمين .
غريب اسلامهم هذا الذي لايتحقق الا بقتل العرب والمسلمين وذبح اطفالهم امام كاميرات الفيديو .
كتب واحد ممن يروجون للدعوات الطائفية ، بكلمات استفزازية لامنطق فيها ، معلقا على صورة طفل مذبوح . كل المؤشرات تقول ان المستفيد من عمليات الذبح هذه وتصويرها هو من يريد تصعيد الامور وتحريض الراي العام العالمي للتمهيد لتدخل الناتو ، لتدمر ما بقي من سوريا ، ونزع سلاحها كما حصل في العراق وليبيا . فقال مايلي : "اكذوبة شيعي عربي وشيعي فارسي ، إنتهت بفضل "" مجازر العلويين في الشام "و "(دريلات" مقتدى الصدر و"خناجر" حسن نصر الله و "خناجر"الحوثيين , فهؤلاء لم تعصمهم عروبتهم من الايغال بدم العرب وان انتموا لهم !!.
تلك الاكذوبة التي ما زال البعض- للاسف - يصدقها،
حان وقت الاعتراف بان "الشيعة" ملة واحدة لا فرق بين اعرابي منهم او فارسي الا بالسحنة ")
وكنت متوهما اعتقد انه فعلا قومي عربي ، فكتبت توضيحا اعرض فيه عروبة واصالة الشيعة العرب ودورهم في العراق في دعم ونصرة بل وحتى تشكيل التيارات القومية العربية واحزابها بالحجة والنقاش الموضوعي الموثق بمصادر معتمدة من جميع الاطراف وكيف ان التحريض الطائفي لايخدم الا اعداء العرب. واستغربت انه ومعه مجموعة بدأت تكيل لي وللشيعة شتائم باقذع وانكر واوحش الكلمات غير المؤدبة وتؤشر لمستوى اخلاق اصحابها .
لاول مرة اكتشف اني طائفي متعصب للمذهب واول مرة اكتشف اني شيعي ، فقد استمرت المواقع الطائفية الشيعية على النت تشتم بي وتصفني بشتى الصفات وبشكل يومي لمدة اربع سنوات ، ماقبل الاحتلال وبعده بسبب موقفي الناقد بشدة للحركات الطائفية الشيعية لوقوفها مع الاحتلال ، والمساهمة بدعم وتنفيذ مخططاته . عندها كان هذا الطائفي وامثاله يوصفونني بالوطنية والشجاعة والموضوعية ، واليوم فقط اكتشفوا اني ادافع عن مذهبي ، بما يسمح لهم شتمي وتوصيفي بكافة الصفات التي كانت المواقع الطائفية الشيعية تشتمني بها .
لا تضيرني شتائمهم ولا حتى لو قالوا ما قالوا ، لكني هنا انبه الاخوة من الوطنيين والقوميين العرب ، الى ضرورة عدم الرد على مثل هذه الشتائم لو تعرضوا لها . فهي شتائم مخططة ، يريدون من خلالها جرك لان تتمترس باحد المذاهب وتنجر دون ان تشعر لموقف طائفي ،يكونوا قد حققوا هم اهدافهم بجرك لموقف طائفي ستسهم به بطريقة واخرى ، ويكونوا قد انتصروا على وعيك ، وحولوك وانت لاتدري الى جزء من معركة يخططها لنا الاعداء ليستنزف قوانا ويشيع الحروب البينية في اوطاننا . يقسمها بما يخدم مصالحه . ان اهمالهم واهمال شتائمهم هو صور الانتصار عليهم وعلى اسيادهم ، هو الموقف القومي الواعي .
الغرابة التي توصلت لها خلال بحثي عن من يقف وراء هذه المجموعة السنية المتطرفة التي ترفع بنفس الوقت شعارات ورموز قومية عربية ، فاكتشفت ان راعيها هو نفسه احمد الجلبي ، العميل الاميركي المعروف بادواره التي خدم بها الاميركان والصهيونية في ضرب العراق ، واحتلاله ، بحجة حرص الجلبي ، صاحب مشروع البيت الشيعي الاميركي ، على الشيعة . وانه لايقدم لبعضهم من خلال مندوبيه الاموال فقط بل وعدهم ، لااعرف مدى تنفيذه لوعوده ان يرفع اسمائهم من قوائم الاجتثاث ، وان يساعدهم في احتساب خدمتهم السابقة لاغراض التقاعد ، ويعوضهم رواتب المدة السابقة .
كيف ولماذا يدفع الجلبي الاموال ويقدم المساعدات ، لمن يشتم ابناء طائفته . !؟ ، وهو المتظاهر بالتعصب للشيعة والتشيع . هنا نجد الجواب : ان ليس للطائفي من دين الا ان يقتل العرب ، كما وصف نصر بن سيار شعوبي العهد الاموي . فحذار من الانجرار بالرد عليه .