إن البعث حركة تاريخية تعمل للتغيير الجذري في الواقع العربي الفاسد وبناء الإنسان والمجتمع العربيين ليتمثلا القيم الثورية، القيم الخيرة التي دعت إليها الرسالات السماوية وتوافقت عليها البشرية في مسيرتها نحو الحرية والعدالة والمساواة والسلم. والى ذلك فإن حزب البعث لا يتغاضى عن واقع الأمة في أقطارها المتعددة، إنما ينطلق من هذا الواقع لتغييره.
وإن الحزب الذي أدرك بأن واقع التجزئة الطويلة قد خلق تفاوتاً في التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي للأقطار العربية ، فقد اعتمد شعار التنوع في إطار الوحدة، لذلك لم يتجاهل في معالجته لمراحل التطور العربي، الخصوصيات بين الأقطار أو فيها، بل أدت هذه النظرة إلى إثراء الاستراتيجية القومية والتأكيد على أهمية وحدة النضال العربي لتجميع إمكانيات الأمة بكل مكوناتها في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية ، ومنذ بواكير نشأته فقد تفاعل الحزب بإيجابية في انتفاضة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941 وشارك في حرب فلسطين عام 1948 وفي معارك المصير العربي كافة وهو في طليعة قوى التحرر والتحرير في فلسطين والعراق وفي قلب حركة الجماهير العربية في انتفاضاتها الشعبية المستمرة والمتصاعدة التي أثبتت وحدة الوجدان والمصير، ووحدة النضال تجاه أهداف الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية.
إن معركة الأمة ليست معركة البعث وحده ، وليست معركة أي حزب منفرداً، وإنما هي معركة قوى الإجماع الوطني والقومي التقدمي بكل أطيافها، في مواجهة التحديات المصيرية مما يقتضي فتح أبواب الحوار وتغليب التناقض الرئيسي على التناقضات الثانوية تنظيما وتأطيراً وتوحيداً لمقدرات الجماهير.
من هذا المنطلق كانت قراءة البعث ، ومنذ مراحل التأسيس الأولى لواقع الأمة الممزق والمتخلف، قراءة موضوعية أثبتت الأحداث المحلية والعربية والدولية بعد نهاية الحرب الباردة في بداية تسعينيات القرن الماضي، وقبلها، صحتها سواء تعلق الأمر بالمشروع الاستعماري المتواصل عبر صفحاته المختلفة، أو بمخططات الصهيونية العالمية وكيانها الغاصب في فلسطين، أو بالقوى الإقليمية المحيطة بالوطن العربي، الحليفة للاستعمار والصهيونية العالمية، أو بالدور التخريبي للأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في الأقطار العربية، أو بالقوى الرجعية العربية المتخلفة فكراً وسلوكاً. لذلك راهن البعث على دور الجماهير العربية كقوة حاسمة في هذا الصراع الطويل ضد كل هذه العناصر المعرقلة لنهوض الأمة ومشروعها الحضاري التاريخي الكبير.
فكانت مسيرة البعث تجسيداً حياً وعملياً لمشروع الأمة في التصدي لهذه العناصر. وكانت تجربة البعث في العراق تعبّر بصدق بكافة جوانبها القومية والوطنية وحتى العالمية عن حيوية وقدرات الأمة الجبارة على تجسيد مشروعها الحضاري على ارض الواقع تجسيداً خلاقاً متجدداً. ولذلك لا نستغرب هذا الدور التكاملي بين الاستعمار والصهيونية وبين الدكتاتورية والرجعية في التصدي للبعث ومحاصرته ومحاولة اجتثاثه، عبر تدمير تجربته في العراق، هذه التجربة التي تطلعت الأمة العربية وقواها وجماهيرها إليها كنموذج للنهضة والتحرر والعدالة الاجتماعية والوحدة.
ومثلما جسد البعث هذا الموقف المبدئي خلال مسيرته النضالية جدده تجديداً حياً في الانتفاضات العربية التي شهدتها ساحات الوطن العربي على مدار العامين الماضيين، حيث كان موقف البعث من هذه الانتفاضات قائماً على الإيمان المطلق بدور الجماهير بالتغيير الجذري، وحقها في التعبير عن طموحاتها، والربط الجدلي ما بين توجه الأمة نحو الوحدة والتحرر من الهيمنة الأجنبية، وصيانة كرامة الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية، مؤكداً التحامه التام بالجماهير في مطالبها المحقة في تغيير الأنظمة الاستبدادية وتحقيق الحرية، والدفع بالنضال الشعبي نحو التحرر الكامل والمزيد من التحولات الديمقراطية، والتنمية والعدالة الاجتماعية والكرامة والوحدة، وفي الوقت ذاته، يؤكد رفضه القاطع وإدانته للتدخلات السياسية والعسكرية والدولية والإقليمية الرجعية في شؤون ما تشهده الساحات العربية من حراك شعبي وانتفاضات ذات طابع ثوري ، ويرى في هذه التدخلات محاولة للهيمنة على نضال الجماهير في هذه الأقطار وحرفها عن أهدافها وصبها في خدمة أهداف ومصالح أخرى.
والحزب، الذي يعمل إلى جانب الجماهير وقواها الحية، يجدّد رفضه لأي مساس بوحدة وعروبة هذه الأقطار ويعتبرها خطاً أحمراً يجب عدم تجاوزها مهما كانت الظروف، والاعتماد على قواها الذاتية ووعي قياداتها واستقلالية قراراتها.
وان التنوع الديني والمذهبي والقومي في أقطار الوطن العربي، كما يفهمه البعث ويؤمن به، هو مصدر قوة للأمة وأهدافها في التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية، لذلك فهو يهيب بالجماهير العربية المنتفضة وقواها الحية، أن تستوعب هذه الحقيقة وان لا تنجر إلى صراعات طائفية ومذهبية وثقافية بل تعمل على توظيف هذا التنوع من اجل إنجاح انتفاضاتها وتحقيق مشروع التغيير والبناء المنشود، وهذا الواقع يضع جماهير الأمة المنتفضة وقواها الحية أمام تحديين أساسيين :
التحدي الأول : هو إزالة وتغيير كافة مرتكزات وبُنى وعقلية الأنظمة الاستبدادية المنهارة واستبدالها بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي تلتزم الحريات العامة ونهج التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية .
التحدي الثاني : ويكمن في مقاومة وإزالة كافة أشكال التبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لقوى الغرب الاستعماري، والقوى الإقليمية المتحالفة مع مرتكزات الأنظمة المنهارة واستبدالها بتعزيز وتوطيد الانتماء للأمة العربية وقضاياها القومية المصيرية.
وهنا لا بدَّ من أن نستحضر اليوم قيم ونماذج عراق البعث الذي أمم النفط وحقق التنمية المستدامة والتقدم العلمي والعسكري، واستطاع أن يبني مجتمعاً موحداً بمختلف طوائفه وقومياته، من خلال توحيد النسيج الاجتماعي، وتعزيز الانتماء الوطني ، والاعتراف بالحقوق القومية للأكراد جنباً إلى جنب مع مقارعة أطماع القوى الإقليمية في العراق والوطن العربي والقوى الصهيونية والاستعمارية في فلسطين وغيرها من الأقطار العربية.
إن هذا النموذج هو ما دفع بالقوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية العربية للعدوان عليه وتدميره، من خلال شن حربين عالميتين، حتى لا يمتد تأثيره إلى بقية أقطار الوطن العربي. ولكن وبعد مرور تسع سنوات على احتلال العراق، وبفضل وحدة وصمود وتضحيات شعبه البطل ومقاومته الباسلة، تحول إلى أنموذج مشع في رفض الهيمنة والتبعية، وهو يتصدى اليوم، وبعد أن ألحق الهزائم بالقوى الاستعمارية الغازية، لمحاولات وأطماع النظام الإيراني المريضة والتوسعية ، وعملائها المارقين ، والنصر آت بعون الله.
كما أن البعث يؤكد على مركزية القضية الفلسطينية في تحقيق المشروع الحضاري للأمة العربية، ويدعو كافة الفصائل الفلسطينية إلى توحيد قواها على قاعدة برنامج وطني كفاحي يرفض كافة التسويات المهينة ، ويتمسك بحقه بالعودة والتحرير الكامل وإقامة دولته المستقلة على كافة ترابه الوطني ، وعاصمتها القدس الشريف .
وفي اليمن تدعو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي كافة أطراف العمل السياسي ومنظمات المجتمع المدني إلى اعتماد قاعدة الاتفاق والوفاق للحفاظ على الوحدة اليمنية والسلم الأهلي ، وتحقيق التغيير الاجتماعي والديمقراطي وتحقيق الأهداف التي ناضلت وتناضل من أجلها جماهير شعبنا في اليمن .
وفي القطر السوري ، وفي الوقت الذي يشدد فيه الحزب على حق الجماهير بنضالها من اجل التغيير الديمقراطي ، يعلن رفضه لكل تدخل خارجي ، مع تأكيده على الحفاظ على وحدة سورية وإدانة الانجرار إلى أية فتنة طائفية مذهبية ، في الوقت ذاته.
وفي البحرين ، يجدد الحزب التأكيد على حق شعبنا في البحرين بالمطالبة بالحرية والعدالة والمساواة كما يؤكد في الوقت ذاته على ضرورة الحفاظ على عروبة البحرين ووحدتها الوطنية.
أما في ليبيا ، فإن الحزب يؤكد على إدانته للدور الإجرامي لحلف الناتو ويدعو جماهيرنا الوطنية في هذا القطر إلى نبذ الصراعات القبلية والجهوية، وتحقيق الاستقرار، وتوحيد الإرادة الشعبية للتحرر من تداعيات تدخل حلف الناتو والقوى الإقليمية وعملائهما، ومحاولات الهيمنة الاستعمارية للسيطرة على مقدرات الشعب الليبي ونهب ثرواته، الأمر الذي يتطلب تصليب إرادة الوحدة أرضاً وشعباً ضد محاولات التقسيم والتفتيت.
وفي السودان ، فإن الحزب يجدد التأكيد على الثوابت الوطنية في الاستقلال والوحدة والسيادة وعلى مطالب الشعب المشروعة في الحرية والديموقراطية والعدالة والتنمية المتوازنة والمساواة، في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ، التي تستهدف بشكل خاص تفتيت ما تبقى منه، بعد الانفصال الجنوبي وتهديد أمنه واستقراره .
أيها الرفاق البعثيون
يا جماهير أمتنا العربية المناضلة
في مثل هذه المرحلة من تاريخ الأمة ومشروعها الحضاري، وفي ظل ما تشهده ساحات الوطن العربي من هبات وانتفاضات. فإننا نهيب بجماهير الأمة قاطبة وقواها الحية على الالتحام بقوى انتفاضاتها وتأطير وحماية هذه الهبات والانتفاضات لقطع الطريق أمام قوى الردة والاستعمار لحرفها عن مسارها.
كما نجدد الدعوة إلى قيام الجبهة الوطنية داخل كل قطر عربي، مقدمة لتحقيق الجبهة القومية للدفاع عن حقوق الأمة وانتفاضة جماهيرها حتى تحقيق الأهداف.
تحية إجلال وإكبار لروح القائد المؤسس الأستاذ ميشال عفلق
المجد والخلود لشهيد الحج الأكبر فارس البعث والأمة الشهيد صدام حسين رحمه الله،
التحية لشهداء فلسطين والعراق ولبنان وشهداء انتفاضات الأمة العربية .
النصر المبين لمعركة تحرير العراق وفلسطين وكل الأراضي العربية المغتصبة
القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
أواخر أيار ( مايو ) ٢٠١٢