21 مايو 2012

صوتي لحمدين صباحي .. لماذا؟



 عبدالفتاح طلعت
لأنه فعلا واحد مننا.. واضح وضوح الشمس.. لم يرتد قناع الكذب والخداع وهو يمارس السياسة، أو يتلون من أجل مصلحة ذاتية خاصة علي حساب مصلحة الوطن.. تتطابق أقواله مع أفعاله.. ويشهد علي ذلك تاريخه النضالي وصلابته وإيمانه القوي بقدرة الشعب المصري علي الثورة والتغيير من أجل غد أفضل.
 لم يكن اختياري وأسرتي وعائلتي لحمدين صباحي رئيسا لمصر النهضة وليد لحظة الانتخابات التي سنشهدها يومي الأربعاء والخميس المقبلين .. بل يرجع حسم هذا الاختيار إلي نوفمبر من العام 2009 يوم أن أخذ علي كاهله -وحده بصورة عملية- مواجهة التعديلات الدستورية التي أجريت علي الدستور في عهد النظام السابق وأكدت أبدية حكم مبارك وتوريث ابنه جمال الحكم من بعده..
وطرح حمدين نفسه مرشحا شعبيا غير رسمي لموقع رئيس مصر وسعي بدأب منقطع النظير - في عز جبروت النظام السابق وأذنابه - لجمع مليون توكيل من شعب مصر تؤيد ترشحه لمنصب الرئاسة في مواجهة استبداد مبارك أو وريثه جمال وقد كان لي الشرف وعائلتي وأسرتي بعمل توكيلات له وعلي رأسنا أمي الحاجة نوال عبدالفتاح التي تعدت سن السبعين أطال الله في عمرها حتي تري حلمها وقد تحقق بوجود صباحي علي سدة الحكم من أجل نهضة مصر وشعبها ..
فقد عرفناه عن قرب وقت أن كانت إقامته في مدينة القناطر الخيرية.. عرفناه منتميا ومدافعًا عن الغلابة والفقراء والبسطاء والفلاحين من هذا الشعب .. لا يخشي في الحق لومة لائم في سبيل تحقيق مبادئه من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.. وقد دفع ثمن ذلك من حريته وتعرض لكثير من الاعتقالات..
حمدين صباحي وضع برنامجا طموحا هدفه: وضع مصر علي أول طريق النهضة الشاملة ونقلها من مصاف دول العالم الثالث إلي قائمة الدول الاقتصادية الناهضة والمنافسة علي موقع متقدم في ترتيب اقتصاديات العالم.. ومشروعه: نهضة كبري تليق بمصر وشعبها وثورتها عبر مثلث متكامل قاعدته هي العدالة الاجتماعية التي تحققها التنمية الشاملة .. وضلعاه هما الحرية التي يصونها النظام الديمقراطي والكرامة الانسانية التي يحميها الاستقلال الوطني .
 'وإذا تشابهت عليكم البرامج .. فاختاروا المرشح الذي يشبه برنامجه "دي جملة حمدين بيقولها كتير .. يعني ببساطة هنشوف نقط متشابهة في البرامج .. بس المهم مين اللي نقدر نصدقه؟؟ .. رأينا اللي نقدر نصدقه هو اللي طول عمره بيقول نفس البرنامج في كلامه وأفعاله ' .. - نقلا عن برشور دعاية في حملة صباحي.
المعايرة بالمرض!!
صدمت ومعي الكثيرون عندما تجرأ المرشح المنافس الصديق القديم لحمدين صباحي الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح - وهو الطبيب - وعاير صديقه ومنافسه بإصابته بفيروس 'الكبد الوبائي سي' .. وكم كان حمدين صباحي يتمتع بطيب نفس ورباطة جأش في رده عندما أكد معلومة صديقه المشترك في مواجهة السادات عام1977 وعاتبه علي عدم اكتمال المعلومة من أنه قد منٌ الله عليه بالشفاء بعد أخذ حقن الانترفيرون .. وعاد حمدين ليؤكد أنه مثله مثل أغلب الشعب المصري أصيب بالبلهارسيا وأصيب بهذا الفيروس أثناء العلاج.. وهذا من بين الأسباب التي جعلته يختار شعاره 'واحد مننا'.
 وكنت أتصور أن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح مسلم فطن لا تغرب عنه حقيقتان مهمتان.. الاولي: أن نفسه وماله وولده وكل ما يملك في هذه الدنيا لله وحده.. والثانية : أن الدنيا التي نعيشها ليست دار قرار بل دار اختبار وتمحيص وأننا خلقنا فيها لنكدٌ ونشقي ونبتلي حتي نصقل لنعد بذلك لحياة الخلود في الدار الباقية.. وأقول للدكتور عبدالمنعم من منا يعلم وقت ومكان موته إلا الله سبحانه وتعالي؟ وأسأله : هل كنت تضمن مؤشرات ضغطك لحظة الاعلان متباهيا بقوتك عن مرض حمدين ؟!.
وأقول للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح أيضا: بالطبع تتفاوت درجات البشر في الثبات أمام الابتلاءات فمنهم من يتلقاها راضيًا بقضاء الله، ومنهم من تراه هلوعا .. وحمدين صباحي من الصنف الأول الذين تجرعوا المرارة دون عبس ، ووقفوا مع البلاء بحسن الأدب .. وظل في مرضه الذي ابتلاه به الله موفور الثقة، ثابتًا ولم يرتع، وظل صابرا ، حتي أزال الله الغمة وأسبغ عليه الرحمة بالشفاء من الداء، لأنه آمن بوعد الله عز وجل بالسعة بعد الضيق، والعافية بعد البلاء، واليسر بعد العسر ..
اللهم ولٌ علينا خيارنا ولا تولٌ علينا شرارنا .. آمين.

حمدين صباحي .. النسر الذي تريده مصر!



محمد عبد العزيز 


هكذا يتجسد الحلم .. وهذا هو التحدي .. حلم الثورة في نصر ساطع، وتحدي الثوار في القدرة على فرض إرادتهم على نظام بائد، لا شك أن فوز المناضل الثوري حمدين صباحي برئاسة الجمهورية، يعد انتصارا ناصعا لثورة 25 يناير .. حينها فقط تستريح صدورنا، بأن رئيسنا أخيرا .. واحد مننا!!

تأييدي لحمدين سابق على انتخابات الرئاسة من أصله!، فقد التقيت الرجل "عن قرب" لأول مرة في أكتوبر 2009م، كنت وقتها عضوا في حركة كفاية –ومازلت-، وعضوا في حركة شباب 6 إبريل "استقلت منها أغسطس 2009"، وقد قررت حركة شباب 6 إبريل تنظيم مؤتمر إلكتروني موازي لمؤتمر الحزب المنحل، والذي كان يعقد في نفس التوقيت –الأول من نوفمبر- ، كانت مهمتي الالتقاء برؤساء أحزاب المعارضة، وتسجيل كلماتهم بالفيديو، ثم إجراء حوار صحفي معهم على هامش المؤتمر، ويتم عرض تلك الكلمات على موقع الكتروني جهزناه مسبقا، وبذلك نكون أطلقنا أول مؤتمر إلكتروني في مصر، وكان لقائي مع المناضل حمدين صباحي .. لا يمكن نسيانه!

وجدت نفسي ولمدة ساعتين تقريبا مع رجل من طراز فريد، رؤية غاية في العمق، وكلمات غاية في البساطة، ثقافته الأسطورية لا تخصم من شخصية "ابن البلد" البسيطة، واحد مننا فعلا، سألته كل ما كان يدور في بالي، وما كتبته في أوراقي، وما دار بذهني لحظات اللقاء، وأجاب بقلب مفتوح، خاتما كلامه، "جمال مبارك لن يحكم مصر، ولو على جثثنا، ولو فكر فقط جمال في ذلك، فإن "الثورة" آتية لا محال!" .. في ذلك الوقت كان هناك من يتحدث عن الإصلاح التدريجي للنظام، وتحولوا إلى ثوار كبار مع المد الثوري، وبعضهم مرشحين للرئاسة الآن، ونحن سعداء بالطبع بتطورهم الثوري "المفاجئ"، لكننا نذكر الجميع أن حمدين صباحي كان ثائرا بحق، منذ كان أشجع من فيهم يعارض رئيس الوزراء، ولا يجرؤ على التعرض لسيرة المخلوع أو عائلته!!

وبعد الترشح الرسمي لحمدين صباحي، فإنه قدم رؤيته ومشروعه المتطابق مع ما نراه لحل مشكلة مصر، فرؤيتنا للثورة أنها نتيجة لثلاث مشكلات رئيسية، -أولا- غياب الديمقراطية، -ثانيا- غياب العدالة الاجتماعية، -ثالثا- غياب الاستقلال الوطني، وجاء حمدين بعبقرية فذة، ببرنامج يعالج الثلاث مشكلات في خطوط متوازية، فقدم برنامجه الانتخابي على ثلاث ركائز (حرية يصونها النظام الديمقراطي – عدالة اجتماعية تحققها التنمية الشاملة – كرامة انسانية يحميها الاستقلال الوطني).

لذلك يشرفني أن أعلن تأييدي ودعمي للمناضل حمدين صباحي في انتخابات الرئاسة، يشرفني أن أكون في خندق واحد، مع هؤلاء العظماء، على سبيل المثال لا الحصر، الفنان خالد يوسف، د.مجدي يعقوب، ود. فاروق الباز، محمود سعد، د. أحمد حرارة، عبدالحكيم جمال عبد الناصر، حمدي قنديل، ووالدة الشهيد خالد سعيد، محمد الأشقر، أشرف البارودي، بثينة كامل، جمال زهران، مصطفى الجندي، علاء الأسواني، محمد المنسي قنديل، د.محمد غنيم، خالد الصاوي، صلاح السعدني، سامح الصريطي، هشام الجخ، جمال بخيت، عبدالرحمن الأبنودي .. إلخ إلخ.....

هؤلاء الشرفاء جميعا، وغيرهم الكثير لا يكفينا أن نحصيهم في مقال محدود الكلمات، يحلمون بغد أفضل .. وبنصر أكيد لثورة 25 يناير .. ويجدون أن حمدين صباحي هو "النسر" الذي تريده مصر .. ونحن معهم .. وما النصر إلا من عند الله.

"ثقافة العبيد" التي قوضت ثورة المصريين



يبدو من العبث التفاؤل بمستقبل الثورة المصرية، بعد أن دخلت أو بالأحرى أُدخلت في نفق مظلم، لا يمكن لأحد أن يتنبأ متى وكيف ستخرج منه؟ وبأي صيغة؟

وهذه الوضعية البائسة لم تأت فقط بفعل التآمر الاقليمي والدولي عليها، الذي شارك فيه بفعالية قوى الداخل من جمعية منتفعي نظام مبارك وتيارات تحسب نفسها على المعارضة، لكنها جزء أصيل من بنية نظام الفساد والاستبداد والتبعية، خاصة التيار الديني وبعض المحسوبين على اليسار والليبـــراليين، ومن يسمون بالنخبة الثقافـــية والسياسية، ولكــن أيضا العامل الحاسم في النيل من هذه اللحظـــة الــتاريخية الفارقـــة، كان هو البنية الثـــقافية للمصريين في غالــبيتهم، وخصــائص الشخصية المصرية السيكولوجية التي تميل للمحافظة والتكيف، ولا تحمل طابع التمرد والرفض، بل تخشى المواجهة المباشرة، وتتوجس من المجهول وما لا تعرفه، وتفضل ما اعتادته حتى لو كانت ما تعايشه معجونا بالقمع والاستغلال، فيما الجديد يقدم فرصة للخلاص.

ووفق هذه المعطيات، يتأتى فهم لماذا الارتباط العضوي بالدين في المجتمع المصري شكلا، وليس موضوعا، وتجذر الخطاب الديني التعبوي المصلحي، وإتساع نطاقه وجاذبيته التي لا تُقاوم، حيث يمثل لدى البعض نوعا من ملء الخواء الفكري والروحي، ويعطي شعورا زائفا بالتمايز والتميز لدى البعض الآخر، والأهم من هذا وذاك أنه يمثل حالة هروبية وتسكين للأوجاع الاقتصادية والاجتماعية بإعتباره حسب توصيف ماركس "أفيون الشعوب"، ومنفذا للإتكالية والصبر على المكاره، دون خوض معركة الحقوق والحريات والتعرض للمخاطر، وما لا يُحمد عقباه.
ومن هنا نجد الكثيرين يكتفون بالشكوى، لكنهم لا يتحركون للنضال المطلبي ولا السياسي في انتظار الحل من خارجهم، وليس من داخلهم. وإن بدأوا مثل هذا النضال فيكون بائسا بنفس قصير وإرادة قاصرة، وسرعان ما ينصرفون عنه، ويعودون إلى سيرتهم الأولى أو يقبلون بالفتات الذي يُلقى إليهم.

ولأنهم غير راغبين في التضحية والكفاح حتى استرداد الحقوق، لا ينزعجون من قدر المعطى لهم أو المتوقع، ويتأقلمون مع أية وضعية حتى لو كانت غير إنسانية وتنتقص من الكرامة.

وكلما زاد الجهل قلت مساحة الوعي والإدراك حتى لدى قطاع واسع من المتعلمين الذين حصلوا على شهادات دراسية، وليس تعليما تنويريا يغير من نمط تفكيرهم وسلوكهم وينقلهم من المرحلة الغيبية للتفكير العقلاني، ومن عصر القبيلة إلى الحقبة المدنية الديمقراطية الحديثة.

ولاشك أن افتقاد الروح الثورية لدى غالبية الشعب، وعدم الرغبة في دفع فاتورة التغيير الجذري وتفضيل الاصلاح الجزئي والبطيء، عن إصلاحات شاملة راديكالية تتطلب قدرا من الوعي وروح المخاطرة، كان أحد كوابح الثورة المصرية، التي عرقلت قدرتها على السير لمسافات أبعد من تغيير وجوه وليس سياسات، والحركة في ذات المكان.

وأستعير هنا عنوان كتاب "ثقافة العبيد" الذي قرأته قبل سنوات بعيدة، ويمثل مؤلفه نفسه جزءا من هذه الثقافة بإخفاء أسمه، والاكتفاء بحروف أولى، خشية المواجهة ودفع الثمن بعد أن وضع الشخصية المصرية على طاولة التشريح بشكل حاد وفضائحي، ولكنها الحقيقة المفجعة التي لا نريد ان نتصارح بها.

فلا شك ان هذا التوصيف يمثل تفسيرا لإنصراف غالبية المصريين عن الثورة، بل والسماح لرموز مبارك الذي ثرنا عليه بالتواجد على رأس المؤسسات الحاكمة والسيطرة على الإعلام وعالم البيزنس، بل وخوض انتخابات الرئاسة، والأنكى من هذا تفضيل كثيرين لهؤلاء عن المنتمين للثورة، والنظر إليهم بإعتبارهم صمام الأمان والاستقرار للمجتمع، بينما الثورة حدث عابر مزعج ينبغي التخلص من آثاره سريعا، والعودة إلى حالة السكون التي تقود للجمود.

وأعتقد أنه لولا هذه الذهنية وملامح الشخصية القابلة للإنقياد والإستعباد والقبول بالأمر الواقع السيء التي تعاملت معها بإحتراف أجهزة الاستخبارات المصرية، بدعم نظيرتها الأمريكية والسعودية وغيرها، واستغلوا فيها أدوات الدعاية بحرفية عالية، ما كان يمكن أن يكون أي آثر، لمخططات ودعايات القوى المضادة للثورة، أو كان سيكون محدودا، خاصة في ظل الأجواء الثورية، ولو كنا إزاء شعب أخر بمقومات نفسية وثقافية مختلفة، ما وصلنا إلى هذه النتيجة المحبطة.

فقد قامت الطليعة بدورها وقدمت التضحيات، حتى بالدم، لكن لم يكن ثمة ظهير شعبي، يمثل إسنادا ودعما لإكمال المسير حتى تحقيق الأهداف، فكان أن تم سرقة الثورة، وتحويلها في البداية لكرنفال وليس فعلا ثوريا على الأرض يهدم من أجل البناء ويتخلص من شخوص وسياسات وأبنية النظام السابق، ثم جاءت مرحلة التشويه وتحميل الثورة كل صنوف بؤس المصريين، وصولا لصراع على توزيع الغنائم بين العسكر والإسلاميين خاصة الإخوان، ووقوف الأغلبية التي صارت تستريح لتوصيف "الصامتة" تتفرج، كأن الأمر لا يعنيها، في انتظار حسم أحد المتبارزين لجولة الصراع، لتصفق للمنتصر، وتنحاز له حتى لو كان أستبداديا أو فاسدا أو كليهما، على غرار أهل الحارة في روايات نجيب محفوظ الذين يهللون للفتوة المنتصر، وينصرفون عن المهزوم الذين كانوا من قبل ينحازون إليه خوفا وطمعا.

وثمة موقفان عايشتهما مؤخرا يبرزان تأصل "ثقافة العبيد" حتى لدى ما نسميهم النخبة المصرية، فقد أتيح لي المشاركة في ورشة عمل حول "الدستور والحريات" بمشاركة من يوصفون بقادة الرأي من دعاة وقساوسة وإعلاميين وإكاديميين، والمفزع أنه كلما اقتربنا من طرح ضمانات الحريات، خاصة ما يتعلق بحرية الفكر والإبداع والاعتقاد، نجد الأغلبية تتحفظ وتقحم الدين في غير موضعه بشكل أقرب إلى حالة الهوس الديني المرضي، المترافق مع فوبيا الحريات، والتوحد مع الديكتاتور، وكل ما يريدونه وضع قيود وضوابط، بدلا من أن تقــــــاتل من أجل إعمال العقل، وحالة تعاقدية مجتمعية في ظل مناخ منفــــتح متسامح يحقق إنسانيتنا المفقودة، ويضعنا في صفوف الأمم المتقدمة لا المتخلفة، وعندما تسمع خطابهم تظن أننا ذقنا الحريات وعايشنها حتى رأينا سلبياتها، وما تبقى هو المنع وليس الإباحة، دون ترك مساحة للاختيار الشخصي والارادة الحـــرة، وأنــما نهج القمع والوصاية، وكأن مثل هذه القيم المفتقدة في حياتنا وبلادنا شرا ووبالا، والحجة الجاهزة أننا اصحاب خصوصية ثقافية، ويجب مراعاة ظروف المجتمع وتعميم "ثقافة التحريم"، في منحى يعكس خوفا مرضيا من الحريات وعدم رغبة في الكفاح لآخذ الحقوق المسلوبة.

وثاني هذه المواقف، هو زيارة وفد برلماني فنلندي للتعرف على الوضع في مصر، وفي الوقت الذي يأتي هؤلاء المنتمين لدولة أوربية صغيرة بحثا عن مصالح بلادهم وبناء تصورات استراتيجية سليمة، نجد وفدا برلمانيا مصريا برئاسة رئيس البرلمان يذهب للسعودية لا لشيء الإ لإستجداء عطف الملك لعودة سفيره، و للإعتذار للسعودية التي أهانت كرامة مصري، وهددت بطرد المصريين العاملين على أراضيها، وسحبت سفيرها، بدلا من الرد عليها بما يحفظ كرامة مصر والمصريين، وتلقينها درسا قاسيا يجبرها أن تدرك أن مصر الثورة ليست مصر مبارك، وأن حقوق وحرية وكرامة المصريين خط أحمر.

لكنها "ثقافة العبيد" مرة أخرى التي للأسف قوضت ثورة المصريين، مثلما سمحت من قبل بترك مشايخ الأزهر والأعيان الحكم لجندي ألباني هو محمد علي دون أن يحكموا بأنفسهم بلادهم، والتي جعلت المصريين يتنكرون للزعيم عرابي بعد هزيمته وعودته من المنفى، والتي وفرت لغير المغفور له السادات فرصة تشويه الزعيم عبد الناصر والإنقلاب على ثورة يوليو وضرب مكتسبات الطبقة الفقيرة لصالح الأغنياء، ورهن مصر لإعدائها الأمريكان والصهاينة دون ممانعة إلا من النذر القليل، ونفس الثقافة التي سمحت لمبارك أن يكون رجل أمريكا وإسرائيل المخلص، و يبيع مصر وينهب ثرواتها ويفّقر ويذل أهلها ثلاثين عاما كاملة، ويتأهب لتوريث البلاد لنجله وريث فساده، وحتى في ظل الثورة كاد يتم إعطاؤه فرصة أخرى للاستمرار في طغيانه، وهي التي تسمح الآن بتملق المجلس العسكري والأخوان في نفس الوقت، وتشويه ثوار يناير، عملا بمقولة "الناس على دين ملوكهم"، وليس الشعب مصدر السلطات ومانح الشرعية ومانعها، وصاحب كل الحقوق على أرضه.

لا تنتخب عمرو موسى- بقلم محمد عصمت سيف الدولة




بقلم محمد عصمت سيف الدولة
قال صديقى الحيران : ((اتفق معك فى انحيازك لمرشحى الثورة ، ولكن مأخذى عليهم جميعا انه ليس لاي منهم خبرة فى شئون الدولة ، على العكس من عمرو موسى ، فهو رجل دولة باقتدار ، كما انه الرجل المناسب لاعادة الاستقرار المفقود وانهاء حالة الفوضى . ثم قال انه يعلم ان انتخاب شفيق خطأ بالغ لانه مباركى وفلولى من الدرجة الاولى ، ولكن هذا لا ينطبق على موسى))

فدعوته الى اعادة التفكير واسترجاع اهم الاحداث فى التاريخ المهنى للسيد عمرو موسى على الوجه التالى:

فى الفترة من 1991 الى 2001 التى كان يشغل فيها منصب وزير الخارجية :

*   قامت مصر عام 1991 بدور المحلل الشرعى للتحالف الامريكى الغربى بانضمامها لقواته فى عملية غزو واحتلال الخليج العربى فيما عرف بحرب تحرير الكويت ، وما استتبعه من حصار للشعب العراقى لاكثر من عشر سنوات .

*   وشاركت مصر، الولايات المتحدة فى رعاية اتفاقيات اوسلو عام 1993 التى اعترفت فيها منظمة التحرير الفلسطينية باسرائيل وتنازلت لها عن 78% من ارض فلسطين وتنازلت عن حقها فى المقاومة.

*   ونظمت مصر فى شرم الشيخ عام 1996 المؤتمر الدولى لمكافحة الارهاب الفلسطينى ! وحماية امن اسرائيل ! برئاسة الرئيس الامريكى بيل كلينتون فى مواجهة العمليات الاستشهادية الفلسطينية .

*   واستسلمت مصر أمام المشروع الامريكى الصهيونى فى السودان ، كما تدهورت علاقتها الافريقية ، فى الوقت الذى نشطت فيه اسرائيل هناك وبالذات فى محيط دول حوض النيل .

اما فى الفترة من عام 2001 الى 2011 التى تولى فيها منصب الامين العام للجامعة العربية فلقد حدث ما يلى :

*   احتلال الامريكان لافغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 مع تواطؤ عربى رسمى كامل ، وصل الى حد تقديم خدمات لوجيستية الى القوات الامريكية لتسهيل مهمتها وعملياتها العسكرية .

*   مبادرة السلام العربي التى صدرت عن الجامعة العربية عام 2002 ، لتقدم لاول مرة منذ 1948 ، تنازلا عربيا جماعيا عن 78% من فلسطين لاسرائيل وتكتفى بالمطالبة بالضفة الغربية وغزة ، وتتعهد بالاعتراف باسرائيل والتطبيع معها فى حالة انسحابها منها .

*   تحالف امنى عربى كامل مع الولايات المتحدة ضد مقاومة الاحتلال الامريكى والصهيونى تحت مسمى مكافحة الارهاب .

*   صمت عربى امام العدوان الصهيونى على لبنان عام 2006 ، وامام حصار غزة والعدوان البربرى عليها عام 2008 ، والابتلاع الصهيونى لمزيد من الاراضى الفلسطينية بالمستوطنات الاسرائيلية ، وتهويد   القدس .

*   عجز عربى كامل عن التصدى لمشروعات تقسيم الوطن العربى فى السودان والعراق .

*   كما تحولت الجامعة العربية فى عهده الى احد ادوات السياسة الامريكية فى المنطقة .

***

كل هذه الاحداث والسياسات كان عمرو موسى شاهدا عليها أو مشاركا فيها ، لم يعترض ولم يستقل ، بل نفذ بكل مهارة وحرفية واخلاص كل ما يكلفه به مبارك و شركاءه من الملوك والحكام العرب ، وحلف امامهم جميعا يمين الولاء وهو يعلم علم اليقين بطلانهم وبطلان الانتخابات التى اتت بهم وبطلان سياساتهم . فهو ليس سوى صنايعى ماهر متخصص فى تنفيذ اوامر هذا النوع التابع المستبد الفاسد من النظم والحكام ، اولئك الذين تفجرت فى وجوههم ثورات الربيع العربى . ولو اصبح رئيسا لمصر فسيعيد انتاج نظام مبارك ، فهو النظام الذى تعلم وتربى وترقى واحتل اعلى المناصب فى ظله .

اما عن السيد احمد شفيق فهو على الاغلب الأعم ليس سوى "لوحة تنشين" لجذب و استقطاب وتشتيت وإبعاد كل السهام الموجهة الى الفلول والثورة المضادة ، بعيدا عن عمرو موسى ، لتصفو له الساحة ويتم تقديمه كبطل الاستقرار والمنقذ من الفوضى التى صنعوها هم بايديهم .

20 مايو 2012

«هيومان رايتس»: الجيش ضرب وعذب معتقلي العباسية وفشل في حماية المتظاهرين


المصري اليوم
قالت منظمة هيومان رايتس ووتش، في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني السبت، إن جنود الجيش ضربوا وعذبوا متظاهرين قبضوا عليهم في أحداث العباسية الأخيرة مطلع الشهر الجاري، وإن الجيش أخفق في حماية المتظاهرين من اعتداءات «عصابات مسلحة».

كانت اشتباكات قد اندلعت منذ يوم 2 مايو الماضي، بين معتصمين بالقرب من وزارة الدفاع، ومسلحين، أسفرت عن سقوط عدد من القتلى، وتدخل الجيش بعد نحو 8 ساعات من الاشتباكات واستطاع اخمادها قبل أن تندلع لاحقًا.

وأوضحت المنظمة أنه «في 4 مايو، وبعد أن اتخذت المظاهرة طابع العنف، قبض ضباط الجيش على ما لا يقل عن 350 متظاهراً، بينهم 10 أطفال و16 امرأة، أحيلوا إلى النيابة العسكرية، التي أمرت باحتجازهم على ذمة المحاكمات العسكرية. ما زال هناك 256 شخصاً على الأقل وراء القضبان».

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: «يظهر من ضرب المتظاهرين والمتظاهرات بقسوة أن ضباط وجنود الجيش ليس لديهم إحساس بالحدود التي لا يمكنهم تجاوزها، يحق لسلطات تنفيذ القانون أن تقبض على الناس عندما تتوفر أدلة على ارتكابهم مخالفات، لكن لا يحق لها مطلقاً ضربهم وتعذيبهم».

وأكدت هيومان رايتس ووتش أن «على قوات الأمن التي كانت متواجدة في المكان وشاهدة على العنف، أن تتخذ كل الخطوات المعقولة اللازمة لوقف العنف ولحماية المتواجدين، بما في ذلك إجراءات مثل القبض على من شاركوا في أعمال العنف، لا سيما العصابات المسلحة».

واعتبرت أن «إخفاق عناصر الجيش المتواجدين في التدخل لحماية الأرواح، هو أمر يُظهر – على الأقل – إهمالاً جسيمًا لتأدية الواجب الرسمي الذين يضطلعون به، وهو تنفيذ القانون».

وذكّر البيان أنه «لم تحدث أي محاسبة على حالات التعذيب السابقة على يد الجيش التي وثقتها هيومن رايتس ووتش وغيرها من منظمات حقوق الإنسان المصرية، مثل مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب، على مدار عام انقضى من الحُكم العسكري».

وقالت المنظمة إن شهادات المحتجزين المفرج عنهم والمحامين، أكدت «أن الشرطة العسكرية لجأت إلى ضرب المتظاهرين والمتظاهرات بشكل ممنهج أثناء القبض عليهم. المحتجزين المفرج عنهم قالوا بدورهم إن الضرب استمر أثناء الاحتجاز. هناك مقطع فيديو ظهر على شبكة رصد يُظهر رجال شرطة عسكرية يضربون متظاهرين بالهراوات أثناء القبض عليهم. في مقطع فيديو تم بثه على تليفزيون الدولة، يظهر ستة على الأقل من جنود الشرطة العسكرية وهم يجرجرون على الأرض رجلاً مغطى بالدم وقميصه مقطوع، إلى جدار، مع ضربه بالهراوات، حتى تدخل ضباط آخرون».

وقالت هاجر أبو خزيم: «ذهبت إلى المسجد لأن العنف كان شديداً في الخارج، وقلت لنفسي سأكون في أمان داخل المسجد. لكن الشرطة العسكرية دخلت وبدأت في الصياح فينا. صوب أحد الجنود سلاحه نحوي، ثم أطلق النار واخترقت رصاصته ذراعي. تقدم الجنود من حيث كنت، وكان معي أربع سيدات أخريات، وقام نحو 20 إلى 30 جندياً منهم بمهاجمتنا بكل قوة وكأنهم يكرهوننا».

ونوّهت المنظمة إلى جلسة مجلس الشعب التي أدلت فيها آية، الطبيبة الميدانية في الاعتصام، بشهادتها عما حدث، والتي قالت فيها: «رأيت جنود الشرطة العسكرية والقوات الخاصة يدخلون المسجد وبدأوا في القبض على المتظاهرين من داخل المسجد. بدا أنهم يبحثون عن أسلحة لكن لم يعثروا على شيء. رأيت فيما بعد جندياً يلوح ببندقيته نحونا ثم سمعت صوت إطلاق نار. عرفت فيما بعد أنه أطلق النار على متظاهرة في ذراعها».

وأضافت: «ثم دفعني أحد الجنود نحو المخرج، إلى سلم المسجد. على السلم رأيت كيف يعاملون الرجال والنساء.. ضرب وصفع وركل. ضربوني وراحت أيديهم تصل إلى كل مكان في جسدي... جاء الضابط المسؤول وقال اتركوها تذهب، وعندما ذهبت خلفه أحسست فجأة بمن يضربني على رأسي بعصا ثقيلة. فقدت الوعي وحملوني إلى شاحنة. عندما أفقت، كان هناك فتاتان معنا، واحدة منهما تبلغ من العمر 14 عاماً. ضربونا في الشاحنة مرة أخرى، وتحرشوا بنا، وأهانونا. ضربني جندي في عيني بمرفقه».

وأكدت، حسب هيومان رايتس ووتش، أنه «عندما نقلونا إلى المعسكر ضربونا مرة أخرى وهددونا قائلين: (من ستفتح فمها سنلقيها للجنود وأنتم تعرفون ما سيحدث». وسمعت الضباط يقولون للجنود: (هؤلاء الناس هم من قتلوا مئات الجنود). إذن الجنود المصريون الآن يُحملون على الإحساس بأن المدنيين يهاجمونهم، وأننا نحن العدو، ويهنئون أنفسهم على اعتقالنا».

بلاغ يتهم “مبارك” وشفيق وموسى والجنزوري بـ”الخيانة العظمى”



أحال النائب العام المصري بلاغا يتهم الرئيس المخلوع حسني مبارك وبعض رموز نظامه وبينهم مرشحون للرئاسة، ورئيس الحكومة الحالي، بالخيانة العظمى، إلى نيابة شرق القاهرة، لبدء التحقيق فيه.
فقد قرر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود إحالة البلاغ المقدم من عدد من النشطاء والسياسيين والقضاة، يتهمون فيه الرئيس المخلوع حسني مبارك وعددا كبيرا من رموز نظامه السابق، وعلى رأسهم الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء الحالي، وعمرو موسى وأحمد شفيق المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية، بارتكاب الخيانة العظمى.
وأوضح البلاغ أن المتهمين لم يحققوا الولاء للنظام الجمهوري، وتمثل ذلك في فعلين، أولهما العمل على تغيير النظام الجمهوري إلى ملكي وهو “التوريث”، وثانيهما تعطيل أحكام الدستور عن طريق التحايل على إرادة الأمة، ومنها التعديل الدستوري وإهدار الحريات وحقوق الأمة، وفقا لبوابة الشروق.
البلاغ قدمه الدكتور عمار علي حسن، المحلل السياسي، والدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز النيل للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، والكاتب عبد الرحمن يوسف، والمستشار فكري خروب، رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، ومن المنتظر أن تبدأ نيابة شرق القاهرة في الاستماع لأقوال مقدمي البلاغ اليوم.
جدير بالذكر أن الرئيس المخلوع كان ينوي توريث الحكم لابنه الأصغر جمال مبارك، وكان الأخير يسعى للسيطرة على كافة مفاصل الدولة وتثبيت المقربين منه في أماكن حيوية وحساسة، وإبعاد ما كان يسمى بالحرس القديم، حتى يسهل انتقال الحكم إليه دون معارضة هؤلاء القدامى، وقد كانت التعديلات الدستورية التي حدثت في السنوات الست الأخير من حكم مبارك، تسير في هذا الاتجاه، وتضيق حق الترشح لأقصى حد حتى يوافق ذلك هوى جمال مبارك.

فيصل القاسم ينفعل في برنامج الاتجاه المعاكس ويطلب من الضيف التوقف عن التشبيح!



فقد الدكتور فيصل القاسم, مقدم برنامج الاتجاه المعاكس الذي يقدم على شاشة تلفزيون الجزيرة القطرية, أعصابه خلال الحلقة الأخيرة من البرنامج واتهم الضيف المؤيد للنظام السوري بالتشبيح كما طالب بوقف بث الحلقة.
في حلقة بعنوان “النظام السوري والأصلاح” استضاف البرنامج المعارض السوري الدكتور وليد البني والمحلل السياسي, المؤيد لنظام الأسد, معد محمد وبعد احتدام الحوار بين الضيفين خاطب قاسم معد محمد قائلا له: “بكفينا شبيحة منشان ربك بلا تشبيح” فما كان من الاخير الا وان اتهم قاسم والبني بالتشبيح قائلا: “أنتم من تقومون بدور التشبيح هنا وانا أعلم أنني في ميدان خصمي”.
وعلى الرغم من طلب قاسم ايقاف بث الحلقة, الا أن البرنامج والحوار استمر حتى نهايته بين الضيفين

مغامرة الانتخابات الرئاسية المصرية وكيفية الخروج منه بسلام!



 علاء بيومي
20 مايو 2012
للأسف مازالت أعتقد أن الانتخابات الرئاسية المصرية المقرر عقدها داخل مصر خلال أقل من أسبوع - وعلى الرغم مما تحمله من أهمية تاريخية ومصيرية – تمثل كما هو الحال في الانتخابات التشريعية امتداد لمرحلة انتقالية معيبة تحشد المصريين في المسار الخطأ وتقودهم جميعا إلى عملية مغامرة جماعية سياسية كبرى أو قفز جماعي إلى المجهول السياسي.

والسبب بسيط وهو أن مختلف القوى السياسية المصرية الكبيرة منها والصغيرة غير مستعدة لتولي السلطة حاليا وتفتقر للخبرات والكفاءات اللازمة والكافية لتولي السلطة ولمواجهة قوى النظام القديم في مختلف مؤسسات الدولة بسبب سنوات التجريف السياسي التي مارسها نظام مبارك.

وكان الأولى بتلك القوى بدلا من منافسة بعضها على الكراسي في معارك طاحنة يخرج منها المنتصر والمهزوم أن تتوحد حول اتفاق لاقتسام السلطة فيما بينها يجعل لكل منها دور - ولو بسيط -  في إدارة شئون البلاد، حتى لا تتحول بعض الأطراف إلى معارضة شرسة لقوى سياسية هشة وغير مستعدة لتولي السلطة، وبهذا يتحول الوضع السياسي في مصر لصراع مرضي بين أطراف ضعيفة وعاجزة عن القيادة وحدها أو تقديم بديل.

ولكن لسبب غير معلوم يسئل عنه المجلس العسكري أولا ثم القوى السياسية الوطنية انساق الجميع وراء مسار انتقالي معيب وضع القوى السياسية المصرية الضعيفة في مواجهة بعضها البعض.

وللأسف دار بين القوى السياسية صراعات ايدلوجية وسياسية وجماهيرية طاحنة في استفتاء مارس 2011، تكررت في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ويبدو أن الصراعات نفسها تتكرر ولو بمعدلات أقل في انتخابات الرئاسة الراهنة.

وسبب اعتقادي بفتور حدة التناحر السياسي هذه المرة هو حالة القنوط التي أصابت عدد لا بأس به من المصريين بسبب أخطاء المجلس العسكري والقوى السياسية منذ الثورة وسوء إدارتهما للفترة الانتقالية.

فالقوى السياسية انساقت وراء سيناريو الفترة الانتقالية المعيب وحشدت ملايين المصريين في معركتي تعديلات الدستور وانتخابات مجلسي الشعب والشورى، ليفاجئ الناخبون بعد ذلك بالقوى السياسية الفائزة تقول لهم أن البرلمان ناقص الصلاحيات، وبفشل القوى السياسية في صياغة الدستور بشكل سريع رغم استخدامه كقضية انتخابية مركزية، هذا إضافة إلى ضعف مستوى عدد لا بأس به من النواب الجدد.

وبهذا بدأ الشعب يدرك أنه تم استخدامه في عملية مغامرة أو مقامرة سياسية كبرى، فالقوى السياسية الخائفة حشدت الجماهير في معارك سياسية هائلة لم تحقق سوى منح تلك القوى سوى مزيد من أوراق الضغط أو اللعب في أيديها.

ومازالت بعض القوى الرئيسية ترفض حتى تسجيل أنفسها بشكل قانوني أو الفصل بينها وبين أحزابها، فهي باختصار تشعر بأن المقامرة لم تنته بعد، وأنها لا تعرف ما قد يحدث لها، ولا تثق في قواعد اللعبة القائمة ولا في مختلف اللاعبين، وتفضل الاحتفاظ بجميع الأوراق في يديها كما هي خوفا من انقلاب القواعد فجأة.

لذا تفضل الجماعة السياسية الأكبر في مصر حاليا – الإخوان المسلمون - أن تسيطر على الحزب والبرلمان والحكومة والرئاسة في نفس الوقت حتى لو كان ذلك يعني أن غالبية القوى السياسية لن تسيطر على شيء في المقابل وستتحول لموقع المعارضة للجماعة وسياساتها، وحتى لو لم تمتلك الجماعة الكفاءات اللازمة لقيادة كل تلك المؤسسات مرة واحدة واضطرت وحدها مواجهة قوى النظام القديم.

وعلى المنوال نفسه تسير مختلف القوى السياسية فهناك قوى تؤيد بعض رموز النظام السابق في الانتخابات الرئاسية خوفا من قوى التيار الديني، وهناك قوى تحتمي بالمجلس العسكري، حتى قوى التيار الديني منقسمة، لدرجة أن أكبر حزب سلفي – النور - أعلن أن من بين أسباب دعمه للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في انتخابات الرئاسة خوفه من تمركز السلطات في يد جماعة الإخوان المسلمين.

وفي ظل لعبة القمار السياسي الكبرى الجارية حاليا في مصر يخوض 13 مرشحا الانتخابات الرئاسية وغالبيتهم أو أهمهم - فيما عدا الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان - لا يمتلكون حزبا معينا، وبالطبع يصعب تصور كيف يمكن أن يحكم هؤلاء المرشحون مصر في الأول من يوليو  وليس لديهم حتى الآن مؤسسات يمكنهم الاعتماد عليهم في إمدادهم بعدد كافي من القيادات لحكم البلاد وتحقيق القطيعة المطلوبة مع النظام السابق أو حتى الانتقال السلس للسلطة.

هذا يعني أن في حالة فوز أي منهم سوف تطول عملية انتقال السلطة ذاتها، وقد تصل لشهور وربما سنوات، لأن المرشح ببساطة لا يمتلك فريق عمل كافي، وأن عملية الإحلال والتبديل ستتم ببطء شديد وسط مواجهة قوية من قوى النظام القديم المسيطرة على مؤسسات  الدولة والقوى الوطنية المهزومة في الانتخابات والتي لا تجد لأنفسها دورا في النظام الجديد.

أما في حالة فوز الدكتور محمد مرسي فسوف نكون في حالة انفراد الإخوان - الذين يمثلون حوالي 40% من أصوات المصريين - بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وهذا يعني أن غالبية الشعب سوف تكون في موضع المعارضة.

ويبدو أن القوى السياسية المقامرة تعيش حالة عدم ثقة كبيرة في بعضها، وتفضل الاحتكام لصناديق الاقتراع في حسم خلافاتها لأنها عاجزة عن التعامل مع تلك الخلافات بنضج، وتبقى المشكلة في أن صناديق الانتخابات لا تكفي لتحقيق مطالب الثورة والمصريين، لأنها تصعد بقوى سياسية غير مستعدة لتولي السلطة، وبدون نقاش أو استعداد كافي، وبدون خطة واضحة لمشاركة الآخرين في السلطة في هذه المرحلة الهامة.

أما الشعارات المرفوعة في الحملات الانتخابية على غرار الوحدة والجماعة والخبرة وبرامج الإصلاح والنهضة وغيرها فتبقى شعارات لأنها لم تأخذ حقها من النقاش وتغطي على حقيقة افتقار مختلف القوى السياسية للكفاءات اللازمة لتطبيق شعاراتها أو برامجها الوليدة.

فحتى جماعة كالإخوان وهي الجماعة السياسية الأكبر في مصر حاليا تقول أن إعدادها للمسودة الأولى لمشروع النهضة استغرق عاما كاملا وأنها مازالت في حاجة إلى تعديله بعد طرحه على أكبر عدد من المتخصصين، وبالطبع لم ينل المشروع حقه الكافي من النقاش لأنه لم يطرح للنقاش إلا من أسبوعين تقريبا وفي ظروف الانتخابات الرئاسية المزدحمة للغاية.

وللأسف لم يعد أمام المصريين بدائل كثيرة، فعدم المشاركة في مسرحية الانتخابات الرئاسية ترسل رسالة سلبية للعالم مفادها عدم استقرار الأوضاع في مصر وتعثر العملية الانتقالية، وسوف يكون ذلك تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري المتعطش للاستثمارات الأجنبية وتدفق السائحين، كما أنها قد تسمح بصعود قوى مساندة للنظام السابق.

يبقى أن المشاركة نفسها هي ضرب من المقامرة حتى لو فاز أحد مرشحي القوى الوطنية، فالفوز لن يحسم عملية انتقال السلطة والتي أمامها مشوار طويل.

لذا أعتقد أن الحل يكمن في أن نخلط المشاركة بضغط شعبي يطالب جميع القوى السياسية بترتيب أوراقها واحترام قواعد اللعبة وإعلانها وإشراك أكبر عدد من الفاعلين السياسيين فيها والتوقف فورا عن لعبة الفائز والمهزوم، والبحث عن صيغة لاقتسام السلطة ولو حتى ضمن فريق يمثل 60% من القوى السياسية المعبرة عن المصريين.

وحقيقة لا أدري إذا كانت القوى السياسية سوف تستجيب لتلك الرسائل أم لا، فحتى الآن تطغى مخاوف القوى السياسية على قدرتها على التفكير الاستراتيجي بعيد المدى، وقد يتطلب الأمر ضغطا شعبيا كبيرا على الجميع حتى تنتهي المقامرة السياسية، فالشعب في النهاية هو صاحب المقدرات التي تقامر بها القوى السياسية، وهو من ثار وضحى، وهو من يمتلك حق وضع قواعد اللعبة لحماية نفسه ومصالحه.

لذا أعتقد أن على الشعب مطالبة جميع القوى السياسية بالوصول إلى صيغة مقبولة لاقتسام السلطة بين أكبر عدد منها وتهدئة الجميع وإشراكهم في بناء مصر الجديدة على اساس من الكفاءة والتنظيم والتعبير عن أصوات الناس وحجم القوى السياسية الحقيقي على الأرض قدر الإمكان، وتجنيب البلاد تكلفة الصراعات السياسية الجارية والمتوقعة، والله أعلم.

مصر: صراع إرادات و'فتنة ديمقراطية' وانتخابات رئاسية-محمد عبد الحكم دياب


عن صحيفة "القدس العربي" اللندنية

مصر: صراع إرادات و'فتنة ديمقراطية' وانتخابات رئاسية

محمد عبد الحكم دياب
2012-03-31

سماء مصر ملبدة بالغيوم، وأزمتها استفحلت بصراعات الساسة والسياسة، وأوشكت أن تفقدها مناعتها؛ بتأثير الصفقات التي عُقدت بين مراكز القوى على حساب المواطن وثورته، والمواطن الذي انتظر الفرج مع اندلاع الثورة وجده بعيدا ولم يأت بعد. والمعركة الدائرة الآن تجري فوق جثة الثورة وعلى أشلائها. وهذا سبب ما تتعرض له البلاد من اضطرابات ومخاطر، حدثت بفعل تراكمات عبرت عن نفسها في تعقيدات اختيار اللجنة التأسيسية للدستور والأزمات السابقة عليها والمصاحبة لها.

والأزمة الراهنة تعكس صراع إرادات لم تمر به مصر بهذه الصورة من قبل؛ أبرزها إرادتان.. إرادة 'الإسلام السياسي'، وهي في حقيقتها إرادة مزدوجة لحزبي الحرية والعدالة والنور السلفي، ولها أكثرية برلمانية، ووزن تشريعي ومالي وعشائري، وامتداد إقليمي ودولي، يقابلها إرادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بما له من ثقل عسكري وتنفيذي وأمني.. إراداتان تتصارعان بعيدا عن الحسابات الوطنية الجامعة، والصراع هنا من النوع الذاتي والأناني المطلق.

وتبدو الأوضاع في طريقها لتجاوز المنافسة السلمية، ودخلت مرحلة تكسير العظام، التي قد تتصاعد إلى صدام لا يقل عن صدام 1954، وهذا يزيد المرحلة حرجا وتوترا وارتباكا. خاصة أن هناك تجاهلا لباقي الإرادات وهي إرادة ما يمكن تسميته 'الإرادة المدنية'، التي ليست بالدينية ولا بالعسكرية.
الإرادات المتصارعة تجاوزت المعنى العقائدي (الأيديولوجي) وجسدته 'غزوة الصناديق' في 19/ 3/ 2011 ووصل ذروته بتكفير المخالفين من جانب 'المتشددين'، وتوجيه تهمة الخبل والجنون من قِبَل 'المعتدلين' إلى مخالفيهم، وسقطت بذلك الفروق بين التطرف والاعتدال في الإسلام السياسي تجاه الرأي الآخر؛ وأخذ منحى آخر وصل إلى ما يمكن تسميته صراع الغنائم والنفوذ والانفراد بالقرارات.

وتكشف شهادة النائب محمد السعيد إدريس إلى جانب من هذا الصراع. وهي شهادة لها قيمتها لأنها لواحد من 'أهل البيت' أي من داخل البرلمان، ومن نائب هو في الأصل باحث مرموق في 'مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية'، وعروبي ناصري لكنه لا يحمل شبهة عداء للإسلام السياسي؛ فقد دخل الانتخابات ممثلا لحزب الكرامة العربية لكن على قائمة 'التحالف الديمقراطي'، الذي شكله حزب الحرية والعدالة (الإخواني).

وصف ما يجري في مقال له بصحيفة 'الأهرام' الثلاثاء الماضي (27/ 3/ 2012): بأنه 'كارثة مزدوجة، الأولى أنه ربما يوجد فعلا عوار أو عيب دستوري في انتخابات مجلس الشعب. وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعرف ذلك وتستر عليه ويريده ورقة ابتزاز لمجلس الشعب، وإن صدق ذلك فنحن أمام كارثة التستر على خطأ، أما الكارثة الثانية فهي أنه ليست هناك أي مشاكل تتعلق بدستورية مجلس الشعب. وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يريد أن يلعب بورقة حل المجلس للضغط عليه لتبرير ما يريده من مطالب، أو لمنع المجلس من الإقدام على خطوات أو إجراءات أو إصدار تشريعات لا يريدها المجلس الأعلى'.

ويرى إدريس أن الكارثة المزدوجة قابلتها كارثة أخرى هي ما أطلق عليه التلاعب بالإرادة الشعبية في اختيار الأعضاء المئة الذين يشكلون الجمعية التأسيسية. وهو كشاهد عيان من داخل البرلمان وصف ما جرى بقوله أنه في الوقت الذي انهمك فيه النواب في تحديد وتدقيق اختيار الأفضل من بين المرشحين، الذين بلغ عددهم 2078 مرشحا فإذا بهم يفاجأون بقائمة أعدتها قيادة حزبي الحرية والعدالة والنور تتضمن أسماء مطلوبا اختيارها من بين أولئك المرشحين، ويصف ذلك التصرف بالصدمة، وتساءل: هل كل ما قام به النواب طوال اليوم كان مجرد مسرحية هزلية لتمرير تلك القائمة؟، ولماذا لجأ حزبا الأكثرية لمثل هذا؟، هل هي الرغبة في الوصاية؟ أو هي شهوة السلطة، ورغبة التمتع بممارسة القوة والنفوذ وبسطوة الأغلبية؟. باختصار فإن الوزن العسكري والتنفيذي والأمني للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يواجه بالثقل العقائدي والمالي لحزبي الأكثرية في البرلمان.

ولذا يبدو الطرفان وهما يستعدان لخوض معركة الرئاسة؛ بوقوف المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلف عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، والذي يمكن وصفه برجل 'التطبيع' المفضل لتل أبيب، أما مكتب الإرشاد يرى في خيرت الشاطر حصان الرهان، وهو الذي تحبذه واشنطن؛ لكن أمامه عقبتين: الأولى تتمثل في موقف محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة، بعد أن طرح نفسه مرشحا للرئاسة رافضا الشاطر. والعقبة الثانية هي استمرار سريان الأحكام القضائية الصادرة ضد الشاطر وتمنعه من الترشح.

وعقبة الأحكام القضائية يمكن أن تذلل اعتمادا على ما يمكن أن تتمخض عنه مفاوضات الإخوان المسلمين مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة هذه الأيام، ويراهن مكتب الإرشاد على صدور قرار سيادي، كالذي أسقط الأحكام عن أيمن نور لصالح خيرت الشاطر، فيتمكن من ترشيح نفسه للرئاسة، ويبدو ذلك صعبا لكنه في حسابات الصراع الحالي ليس مستحيلا؛ المهم الثمن الذي يقبل به المجلس الأعلى للقوات المسلحة للتنازل عن ورقة الرئاسة، التى يعتمد عليها في إحداث توازن مع الإخوان المسلمين بعد تراجعهم عن كل وعودهم معه.

ومن الصعب تجاهل العامل الأمريكي الذي فرض نفسه بعد ضربات موجعة وجهها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمعونة فصائل من الإسلام السياسي للثورة، ورهان الإدارة الأمريكية حاليا على الشاطر، لكونه قد قدم ما يكفي من أوراق الاعتماد المطلوبة لواشنطن؛ وهي الالتزام باقتصاد السوق العشوائي وحرص على ترميم منظومة الاقتصاد القديمة والنأي بها بعيدا عن تدخل الدولة، وحصر معالجة قضية العدالة الاجتماعية في الصدقات والتبرعات، وتحصين النشاط المالي والاحتكاري واقتصاد السوق بالدين والفتاوي الشرعية.

ويمكن للقارئ أن يعود إلى ما نشر على هذه الصفحة السبت قبل الماضي (27/ 3) عن العدالة الاجتماعية المفتقدة و'الانتفاضة الاقتصادية' القادمة! وما فيه من معلومات مستقاة من دراسة لاستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس صلاح جودة عن 'امبراطورية خيرت الشاطر وحسن مالك'؛ وتبين حجم الثروة القارونية (نسبة إلى قارون الذي ورد ذكره في القرآن الكريم)، وفاقت كل ما مر على مصر من ثروات شخصية وفردية، ووُصِفت بأنها ستقود 'انتفاضة اقتصادية' كما ورد على لسان الناطق باسم جمعية 'إبدأ' التي أسسها الشاطر ومالك مؤخرا للنشاط المالي والاقتصادي، ووضع مصر في مصاف الدول المتقدمة على حد قوله. وتصف أدبيات الإخوان المسلمين الشاطر بيوسف الصديق عليه السلام، الذي عُهدت إليه خزائن مصر!!، ويفرد له الإعلام الأمريكي؛ المسموع والمقروء والمرئي مساحات كبرى، ولا يرى غيره 'منقذا' لمصر. ومن بين النافذين في جماعة الإخوان المسلمين من حذر الشاطر من مصير أحمد عز وجمال مبارك وباقي المفسدين!.

وهي المرة الأولى منذ توقيع اتفاقية 'كامب ديفيد' التي يتنافس فيها أنصار 'التطبيع' يمثلهم عمر سليمان مع مؤيدي 'الأمركة' ويعبر عنهم خيرت الشاطر. وهذا منزلق إذا ما وقعت فيه الجماعة، فسيكون وبالا عليها، خاصة أن شبابها لا يتحمل تأكيد اتهامات سابقة لها عن هذه العلاقة. وإذا كان وزن عمر سليمان الأمني والعسكري هو الذي زكاه لدى أنصاره فإن ثقل خيرت الشاطر المالي أكسبه تعاطف رجال الأعمال. وبهما تستمر مصر أسيرة التطبيع أو الأمركة أو الإثنين معا، وذلك على حساب الوطن والثورة.

وكان ذلك من أسباب قراري بعدم المشاركة في انتخابات الرئاسة والإدلاء بصوتي فيها. ونظرا لرفض الرأي العام لعمر سليمان، وخوف قطاعات الشعبية العريضة من الشاطر، حيث يذكرهم بحيتان لجنة جمال مبارك، المعروفة باسم لجنة السياسات فمن المتوقع أن ينتهي الصراع إلى توافق القطبين المتنازعين (المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة الإخواني) على عمرو موسى، وتدخل مصر محنة أخرى قد تطول لعقود قادمة.
وجو هذا الصراع المحتدم أحاط معركة اختيار الجمعية التأسيسية، ونتج عنه وحدة موقف الإخوان والسلفيين لحسم التشكيل لصالحهم. ومشكلة الإخوان أنهم ما زالوا موزعي الولاء بين الجماعة، ونهجها في البيعة والسمع والطاعة، وفي الوصاية والهيمنة على العمل الدعوي والاقتصادي والمالي والسياسي والاجتماعي، وبين حزبها، الذي يُبنى على الالتزام والآليات الديمقراطية، وتُختار مستوياته القيادية بالانتخاب، وتداول القيادة والمسؤولية يتم دوريا.

ونتج عن ذلك الاختيار الأحادي في تشكيل اللجنة التأسيسية، وقد اختارت بدورها سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب رئيسا لها، وأدى إلى انسحاب قوى سياسية وحزبية ومستقلة؛ وصلت حتى كتابة هذه السطور إلى ما يزيد عن ربع أعضاء اللجنة التأسيسية، فضلا عن انسحاب شخصيات مَثَّل خروجها ضربة قاصمة للجنة؛ منهم ممثل المحكمة الدستورية العليا، وممثل الأزهر والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وتغييب نقابات، وعدم اختيار رئيس نادي القضاة، بجانب غياب فقهاء قانون و قامات دستورية عالية مثل أحمد كمال أبو المجد وابراهيم درويش وصلاح صادق.

هذا حصاد أولويات مقلوبة؛ وضعت العربة قبل الحصان، فجاءت ببرلمان بلا دستور، وتُعِد لانتخاب رئيس لا يعرف لنفسه اختصاصا، ولا يعلم وضعه.. هل سيكون مؤقتا حتى إقرار الدستور، أم سيستمر حتى لو نص الدستور على تقليص صلاحياته.

وما تم جزء من مخطط مدروس وممنهج لوأد الثورة بـ'الفتنة الديمقراطية'. فالثورات تبني دولتها وتصنع نظامها أولا، ثم تقيم سلطاتها التشريعية والنيابية المنتخبة والقضائية المستقلة والتنفيذية الخاضعة للثورة والخادمة لها بعد ذلك، ودون ذلك تصبح الديمقراطية والانتخابات مجرد آليات شكلية بلا مضمون، وهذا ما حدث في مصر. والانسحابات أفقدت التأسيسة شرعيتها.

الثورات لا يصنعها دستور.. ولا يحميها برلمان.. وكل التجارب السياسية تؤكد أن العكس هو الصحيح!

في انتظار ذكرى الجرحى



شعر حارث الصمدى

وحدك تجلس في ساحة الثورة
وتقلب الأيام المُــرّة منها ..
والحلوة..
من زاوية الجرحى
صفحة , صفحة..
بيض صحائفك وسُود
صحائفك الأخرى,
مفقودة..
صارت للذكرى
تتطلع..
صوبُ التلفاز
وعيونك زائفةً حيرى
يُرهف سَمعُك
وتصيح بصوت
تذبحهُ..
الأحزان
قد يأتي من ينقذنا
تسمع خطابات تُتلى
ومطالب حُبلى
بالوهم الكاذب
مثل شجيرة الدفلى
وحدك لكن لست وحدك
ضاقت بك أيام الثورة
صارت فوضى
رحلت جريحاً
مشلولا؟!
في حالة تُرثى
والثورة رسمت على تقويم الشهداء
طلاسم كذّابة,
تمحو بالعتم - الذكرى
على دروبها, يصعد حينا
متحدث أغبى من قبلة
وحيناً آخر أعمى..
والساحات تضج برواد التغيير
تظهر قادة جديدة
لا تصغى..
تقود الناس غبائاً
بالحرب!
 إلى المنفى
وأنت ما زلت هنا وحدك , تضج..
تثور .. تغضب
ثم أحزانا تهمي
على قارعة الأيام.
البُطلى..
وتحسب انك وحدك الثائر
مجاز أنت المسكين
في تعداد الموتى
في ساحة ما من هذا الشعب
المسلوب..
يستغيث في الخارج..
مثلما في داخلك تحلم..
فقط بالذكرى,
متيم أنت بعليل الوهم
أحلاماً تتدفق كالنهر
في مجرى أحزان
وأوهام شتى..
ليس لأنك وحدك
ولست أنت العليل
وليست الثورة حُبلى,
أنت أدرى كيف تولد الحرية
أدرى كيف تُنهب وتُسلب
وكيف تصبح هنا..
الأحلام؟!
ابعد من دربٍ
أنت الادرى...
hareth43@gmail.com