02 فبراير 2020

زهير كمال يكتب: رسالة الى محمد علي

لم يكن خبراً مفرحاً نبأ اعتزالك العمل السياسي ثم إقفال صفحتك في وسائل التواصل الاجتماعي، فهل كانت رحلة قصيرة في العمل السياسي أم أن هذا احتجاج بسيط أن الجماهير المصرية لم تتحرك كما تريد؟
من المؤكد أن عودتك الى ممارسة العمل السياسي ستكون قريبة فمن يمارسه لا يستطيع التخلي عنه، وإنما هذه مراجعة لنفسك في فترة التقاط أنفاس، وآمل ان تساهم هذه الرسالة (إن وصلتك) في تقصير فترة الحرد هذه.
لماذا لم تتحرك الجماهير عندما دعوتها للاحتفال بذكرى ثورة يناير؟
هذا السؤال الهام عن حركة الجماهير سببها وكيفيتها هو علم هام تقوم بالبحث فيه جامعات كثيرة في الغرب، فعبر التاريخ فإن آلاف الانتفاضات التي حدثت في المجتمعات الإنسانية كانت بسبب الظلم الواقع على الأغلبية، ولكن مع وجود مخابرات ذكية تستغل كل نقطة ضعف في الدول تغير الحال هذه الأيام حيث يتم استعمال هذه الانتفاضات وتوظيفها.
لابد من إبراز بعض النقاط الهامة في موضوع الانتفاضات العربية:
أولاً: الجماهير لا تتحرك بالريموت كونترول.
ثانياً: لابد من وجود سبب قوي وقاهر يؤثر في الوعي الجمعي للجماهير العريضة يجعلها تتحرك غير آبهة بالعواقب الناتجة عن حركتها، فالفرد في بلادنا العربية عندما يتظاهر لا يعرف إن كان سيرجع الى بيته في المساء بسبب تعنت السلطة وجبروتها، ولكن لاحظنا مؤخراً تغيراً في الجزائر ولبنان بسبب ضعف السلطة ولم يصل بعد الى العراق حيث يموت ويجرح ويعتقل المتظاهرون بكل هوادة.
ثالثاً: الجماهير العريضة التي تتحرك بقوة هي الجماهير الفقيرة التي لا تملك أياً من وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والواتساب وغير ذلك، وتعتمد في معلوماتها على التلفزيون والإذاعة فهي لا تملك ترف صرف نقود بسيطة استطاعت تحصيلها بشق الأنفس على هذه الوسائل، إضافة الى نقطة هامة وهي نسبة الأمية التي تتزايد كل يوم في العالم العربي، ففي آخر احصائية عن مصر مثلاً بلغت النسبة 30% .
وسواء كان وصول المجتمعات العربية الى هذا المستوى المريع من الأمية في القرن الواحد والعشرين متعمداً أو بسبب سوء الإدارة فالنتيجة واحدة، فالحكومات العربية تستطيع تسيير كتل كبيرة لمصلحتها وتقوم بإدارتها وتوجيهها كما تشاء. 
رابعاً: في بداية ثورات الربيع العربي لم تتحرك الجماهير من أجل قضايا مطلبية بل من أجل الثأر لأبنائها، فانتفضت من أجلهم وقد لوحظ تكرر هذا النمط في عدة دول، فقد تحركت الجماهير التونسية من أجل ابنها محمد بوعزيزي الذي صودرت عربة الخضار التي يمتلكها وهي مصدر رزقه الوحيد فأحرق نفسه، أما الجماهير المصرية فلم تنس خالد سعيد الذي قتل بالضرب على أيدي مخبري النظام، وكذلك محسن فكري في المغرب الذي لحق سمكاته الى داخل عربة القمامة فمات طحناً داخلها.
يخطر بالبال سؤال هنا عن جمال خاشقجي وميتته المريعة، تقطيع جثته وإذابتها في المحاليل، فرغم معرفة شعب الجزيرة العربية للفاعل وهو محمد بن سلمان الى الدرجة التي أطلقوا عليه اسم المنشار إلا أنهم لم يثأروا لمقتله. والسبب الرئيس لذلك أن هذا الشعب المسكين قد استعملت معه العصا لمدة طويلة وهي منذ تولي آل سعود للسلطة بحجة تطبيق شرع الله أي باسم الدين عبر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت منتشرة في كل مكان ويقوم أفرادها بضرب المتخلفين عن الصلاة وهو عمل يتكرر أربع مرات يومياً على الأقل. وفجأة وبجرة قلم بسيطة تبخرت هذه الهيئة واستبدلت بهيئة الترفيه. مثل هكذا أعمال ستحفر عميقاً في وعي سكان الجزيرة أن الهيئة الأولى كانت من أجل خدمة النظام وإحكام قبضته عليهم وأن الهيئة الثانية هي من أجل تلميع وجه النظام وتحسين صورته في العالم. وفي تقديري أن النظام قد قام بحفر قبره بيده. 
في الموجة الثانية كانت القضايا المطلبية هي محرك الجماهير كما حدث في الأردن بعد زيادة الحكومة للضرائب، ثم الجزائر ولبنان والعراق بعد استفحال الفساد الى مستويات غير معهودة وغير ذلك.
وبعد
فأنت قد خرجت من المجهول لتقول لشعب مصر: يا أهلي وأحبابي استيقظوا فرئيسكم يقول أمراً ويفعل أمراً آخر، رئيسكم يخدعكم فهو يعمل فقط لمصلحة نفسه وعائلته فقط والأموال القليلة التي يحصل عليها يبذرها على بناء القصور الفخمة، والفساد والنهب استشرى والناس البسطاء تزداد فقراً.
صدقك الناس وشعروا أنك واحد منهم فتظاهروا في مدن مصر كلها مؤمنين بك فقد برهنت لهم ما كانوا يعرفونه ويشاهدونه.
وبكل وقاحة وصلف وبغبائه المعهود أجاب عبد الفتاح السيسي أنه يحق له أن يفعل ما يشاء.
انضم الرجل الى القائمة الطويلة من الفراعنة التي حكمت مصر ولكنه للأسف لا يشعر بعظمة مصر وشعبها فيرفعها الى قائمة الدول الكبرى بل إنه يحط من قدرها وينزلها الى الدرك الأسفل. وسبب ذلك أنه لا يتمتع بمستوى الذكاء والإدراك الكافي فهو موظف بسيط بمرتبة رئيس.
ميزة البسطاء في شعب مصر أنهم ينظرون الى رئيس الدولة كأنه رب الاسرة ينتظرون أن يرعى مصالحهم فيتحملونه ويصبرون عليه، وهذه النظرة البريئة التي تكرست عبر آلاف السنين قد اهتزت في ثورة 25 يناير بعد أن فاض كيل شباب مصر من أفعال الفرعون السابق.
جئت يا محمد من أعماق الجماهير لتصف هذا الفرعون بأقذع الصفات ولم تتجاوز الحقيقة وبهذا فأنت تساهم في تكريس النظرة الجديدة أن رئيس الدولة ليس رب الأسرة وأن مصر قد ابتليت به، وتكريس هذه النظرة هي انطلاقة لبداية جديدة في علاقة الحاكم بالمحكوم أن رئيس الدولة يجب أن يخدم الناس ولا يخدم نفسه، وان الناس تقوم بتغييره في انتخابات ديمقراطية إن فشل في واجبه.
والآن تترك هذه المهمة العظيمة للوصول بمصر الى بر الأمان وقد استبشرت الناس بك خيراً، وكأن حال الجماهير يقول: لمن تتركنا ونحن في حاجة الى كل الأصوات الصادقة التي تنير طريقنا فقد طال ظلامنا

همسة أخيرة في أذنك:
قال ماو: الثورة ليست تأليف كتاب أو صياغة قصيدة أو تطريز ثوب بل هي عرق ودموع ودم.

ليست هناك تعليقات: