في تحليل لغة صفقة القرن بالإنجليزية، والتي يقال إن الإدارة الأمريكية قد وضعتها لحل مشاكل الشرق الأوسط بعامة والقضية الفلسطينية بخاصة نجد أن هذه اللغة مستمدة من الأدبيات الإسرائيلية بشكل كامل، إذ أن هناك تفصيلات صغيرة لا يعرفها سوى الجانب الإسرائيلي نجدها في بعض الفقرات تدل على أن الصفقة بكاملها قد وضعها الإسرائيليون وبصم عليها الجانب الأمريكي وربما
بدون قراءة لمحتوياتها الدقيقة، ولكنه تبناها بالكامل فهي تخدم نظرته الى العالم ومصالحه في الشرق الأوسط، والساسة الأمريكان عادة لا يهتمون بالتفاصيل بينما نجد الإسرائيليون يهتمون بأدقها.
بدون قراءة لمحتوياتها الدقيقة، ولكنه تبناها بالكامل فهي تخدم نظرته الى العالم ومصالحه في الشرق الأوسط، والساسة الأمريكان عادة لا يهتمون بالتفاصيل بينما نجد الإسرائيليون يهتمون بأدقها.
تناول عدد كبير من الكتاب صفقة القرن بالتحليل وكانت معظم المقالات عن المكان وقليل منها عن السكان، الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه أو أماكن وجوده.
لم يترك الإسرائيليون شيئاً للصدفة او التساؤل، فعلى سبيل المثال في موضوع المكان فهناك تقسيم زمني للمسجد الأقصى، والمفترض أن دولة كبرى مثل أمريكا لا تهتم بأمور دينية محضة فهذا مسجد مهم للمسلمين ولا ينبغي استفزازهم الى حد تبني ما يقوله الإسرائيليون حرفياً، إلا إذا كانت نظرة الإدارة الامريكية الى المسلمين أنهم كم مهمل لا ينبغي أخذ مشاعرهم أو دينهم أو مقدساتهم بعين الاعتبار، وهذه النظرة لا تختلف في شيء عن العقلية النازية العنصرية التي يعرف الجميع ماذا كان مصيرها في منتصف القرن السابق.
وعلى أهمية المكان إلا أن الأمر يتعلق بالسكان الأصليين، أصحاب الأرض، شعب فلسطين وكيف تنظر إسرائيل إليهم، ففي موضوع الأسرى الفلسطينيين المعتقلين لدى إسرائيل والتي تطلق عليهم تعبير مساجين، حتى يدخل في ذهن القارئ العادي أنهم مجرمون عاديون، يقول الإسرائيليون في الصفقة إنهم لن يطلقوا سراح القتلة أو من حاول القتل أو من تآمر من أجل القتل، وبعد ذلك ستطلق سراح الباقين على عدة مراحل.
المرحلة الأولى: تتم عند توقيع الصفقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين حيث يطلق فوراً سراح الأطفال والنساء والأسرى فوق سن الخمسين والمرضى ومن قضى ثلثي المدة، وهذا اعتراف إسرائيلي واضح بأنها تحتفظ في سجونها بأطفال ونساء لم يقتلوا أو يحاولوا القتل.
المرحلة الثانية: يتفق الطرفان على توقيت إطلاق سراح من قضوا نصف المدة، أي أنه إذا لم يوافق أحد الطرفين على الموضوع فلن يحدث ذلك، وفي الغالب تستطيع إسرائيل أن تتلكأ حتى يقضي الأسرى باقي المدة.
المرحلة الثالثة: إطلاق سراح لأسرى آخرين يعتمد على موافقة إسرائيل.
وهناك فقرة تنص على أن أي (سجين) يطلق سراحه يجب أن يوقع تعهداً أنه سيعمل في داخل مجتمعه على التعايش بين الشعبين ومن لا يريد توقيع هذا التعهد سيبقى سجيناً، كما أن أي سجين يستطيع تقديم طلب اللجوء الى بلد آخر.
في نهاية الفصل الخامس عشر حول هذا الموضوع فقرة تقول لن يطلق سراح أي سجين أو معتقل إداري حسب ما سبق تفصيله إلا إذا تم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين ورفات الموتى وعودتهم الى إسرائيل أولاً. وهذه إشارة الى من تحتفظ بهم حماس إذ عليهم أن يرجعوا أسراهم بدون قيد أو شرط ثم ستنظر إسرائيل بعين العطف الى (المساجين) لديها حسب الشروط السابقة.
واذا كان هناك من تعليق بسيط على هذا الموضوع فإنه يظهر نظرة السادة الى العبيد وأن ما هو مطلوب منهم هو الاستسلام الكامل لنظرة السيد وما يقرره لهم بحسب مصلحته.
وفي الفصل 16 فيما يتعلق باللاجئين تقول المقدمة إن الصراع العربي الإسرائيلي قد خلق مشكلة لاجئين فلسطينيين ويهوداً وعدد هؤلاء اللاجئين متساو تقريباً بين الطرفين! وقد يكون مفهوماً وجود مشكلة لاجئين فلسطينيين ولكن من أين أتى هؤلاء اللاجئون اليهود؟ تقول الوثيقة إنهم اليهود العرب الذين كانوا يعيشون منذ الأزل في أوطانهم العربية، أصبحوا في نظر الوثيقة لاجئين!!
هذه هي الأدبيات الإسرائيلية بحذافيرها التي تبحث عن مبرر للوجود وعن تبرير يقبله الضمير الإنساني في مأساة تهجير قسري للفلسطينيين من وطنهم والفظائع التي ارتكبت في حقهم. ومن المؤكد أن السادة الأمريكان لم يبالوا بهذه المقدمة وأنهم اعتبروها إنشاءً محضاً.
وكأن الوثيقة تعاقب العرب والمسلمين على التسامح المتأصل في دمهم نحو الأعراق والأديان والمذاهب، نسي الصهاينة أن اليهود فضلوا اللجوء للمغرب العربي مع مسلمي الاندلس على البقاء تحت كنف المسيحيين ومحاكم التفتيش. ونسوا كذلك أنهم كانوا يريدون سكاناً فلم يتورعوا عن اختراع أحداث ضد اليهود في الدول الأوروبية من أجل دفعهم الى الهجرة الى فلسطين. تنقلب الأمور فتصبح هجرة اليهود العرب الى فلسطين تبادلاً سكانياً.
تستطرد الوثيقة بالقول إن اليهود العرب في إسرائيل قد تم استيعابهم بينما عامل العرب إخوانهم اللاجئين الفلسطينيين بقسوة وعنف ومنعوهم من العمل والتملك وغير ذلك . وهنا يلومون العرب على عدم توطين الفلسطينيين عندهم وضربت مثلاً من تقلص عدد الفلسطينيين في الكويت الى 25000 نسمة بينما كانوا 400000 نسمة بدون ذكر لحرب الخليج الثانية وآثارها الكارثية على المنطقة وسكانها ومن بينهم الفلسطينيين.
وتتصدق علينا الوثيقة بالقول إن الفلسطينيين قد عانوا على مدار 70 عاماً في البلاد العربية ولكنهم ليسوا سوى جزء من اللاجئين حول العالم والبالغ عددهم 70 مليوناً، أي أن الفلسطينيين يجب أن لا يعاملوا معاملة خاصة.
وإذا كان هناك من تعويض لهم فإنه لا ينبغي نسيان تعويض دولة إسرائيل عن تكاليف استيعاب اللاجئين اليهود من البلاد العربية، وتعويضاً عادلاً ومنصفاً عن فقدانهم ممتلكاتهم وينبغي وضعه بعين الاعتبار عبر ترتيبات دولية منفصلة عن اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني.
هكذا تخرج وثيقة من الإدارة الأمريكية فيها كذب صريح واضح عن اليهود العرب ثم يبنى عليها ابتزاز للمجتمع الدولي بطلب تعويضات عن ممتلكات اليهود ثم تكاليف استيعابهم في إسرائيل والتي ستكون رقماً فلكياً بالطبع.
وهذه التعويضات ستكون بدون نقاش من الدول العربية التي هاجر منها اليهود مثل مصر والعراق والمغرب وتونس واليمن وغيرها التي ستظل مدينة للأبد لدولة إسرائيل.
وبالطبع على المجتمع الدولي نسيان سعي إسرائيل الحثيث لجمع اليهود في فلسطين وآخر ذلك يهود الفلاشا من أثيوبيا واليهود الروس من الاتحاد السوفياتي السابق وربما سيطلبون أيضاً تعويضات من أثيوبيا وروسيا أسوة بالدول العربية.
هذه أمثلة بسيطة تبين بوضوح أن الوثيقة نص إسرائيلي بالكامل تبنتها إدارة أمريكية جاهلة وحمقاء وتمتاز بعنصرية شديدة، وهذه أمور معروفة ولكن المشكلة لا تكمن في ذلك بل في مجموع حكومات الدول العربية التي لا تقرأ وتوافق على ما يقوله السيد الأمريكي دون تفكير أو دراسة. وهذه الحكومات العربية بموافقتها العلنية والضمنية على صفقة القرن إنما كمن يوافق على انتحاره بيده، فإضافة للتعويضات الهائلة التي ستدفعها لإسرائيل فإن عليها أن تستوعب اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في بلادها حالياً ثم استيعاب قرابة مليون فلسطيني إضافي موجودين في مخيمات الضفة الغربية والتي ستعمل إسرائيل على تهجيرهم من الضفة الى البلاد العربية وذلك تلافياً لتفوق عدد الفلسطينيين على اليهود في فلسطين التاريخية، وهي القضية التي يعتمد عليها بعض الساسة الفلسطينيون ويظنون أن إسرائيل غافلة عن ذلك.
وهناك أساليب ووسائل كثيرة لافتعال أحداث تؤدي لطردهم من مخيماتهم وتشريدهم للمرة الثانية.
ومهما كانت الصورة قاتمة فإن كل المؤشرات تقول إن هذه الشعوب العربية سترفض مصير العبودية المرسوم لها.
والفجر دائماً قادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق