28 فبراير 2023

مصطفى يوسف اللداوي يكتب: البكاؤون على الهلوكوست فاشيون مجرمون



يطلبون من دول العالم وشعوبها أن تعترف بالمذابح التي تعرضوا لها إبَّان الحرب العالمية الثانية، ويحملون المجتمع الدولي تبعات المحرقة "الهولوكوست" التي أبيد فيها بزعمهم "ملايين اليهود" ظلماً وعدواناً، ويجبرونهم على الاعتذار لهم وتعويضهم، ويبتزون الأنظمة والحكام ويحرجونهم، ويضغطون على الشعوب والمنظمات ويتهمونهم، ويعتبرون أن المجتمع الدولي كله شريكٌ في هذه المذابح ما لم يعترف بها ويعتذر، ويقر بالجريمة ويندم، ويطلب المغفرة من أجيال اليهود ويأسف.

يتباكى الإسرائيليون على ما أصابهم، ويدعون المظلومية جراء ما لحق بهم، ويعاقبون كل من ينكر المحرقة أو يشكك فيها ويرفض الاعتراف بها، ويعلنون الحرب عليه ويحاكمونه، ويضيقون عليه ويطردونه، ويجردونه من كل صفاته ويحرمونه من أبسط حقوقه، ويعتبرون أن الصمت عنها جريمة، وعدم الاعتراف بها كبيرة، وقد عانى من إرهابهم الفكري وطغيانهم العنصري الكثير من المفكرين والمؤرخين الأوروبيين، الذين خاف بعضهم وتراجع وجبن، وروى روايتهم وسَلِم، بينما عُوقب ونُفِيَ من أصر على موقفه ونَفَى، وطُرد من وظيفته وحُرم من حقوقه من كذب روايتهم واتهمهم.

يجبر الإسرائيليون دول العالم الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية وغيرها، على تشييد نصبٍ تذكارية للمذابح اليهودية واحترامها، وتعليق صور الضحايا وبيان حجم الفاجعة فيهم، ويعتبرون زيارتها واجبة، وإحياء ذكراها  كل عامٍ فرضاً على الدول والحكومات، التي يجب أن تشرع برلماناتها القوانين التي تجرم وتعاقب المنكرين لها والمستخفين بها، ويلزمون كل ضيفٍ يزور كيانهم بزيارة النصب التذكاري للمحرقة "ياد فاشيم"، والشهادة في كتابهم، ووضع الأكاليل اعترافاً بهم واحتراماً لهم.

هؤلاء الذين يتباكون على المحرقة ويطالبون العالم بالتضامن معهم والبكاء من أجلهم، يرتكبون كل يومٍ أعظم المجازر وأكبر المذابح بحق الشعب الفلسطيني، ويقومون ضده بأبشع حرب إبادةٍ رسميةٍ بهدف إنهاء وجودهم وشطب هويتهم وإخراجهم من أرضهم وطردهم من ديارهم، ويشهد العالم كله على جريمتهم، ويرقب أفعالهم، ويرصد عدوانهم، ولكنه يقف إزاءها صامتاً لا يعترض، وعاجزاً لا يقوى على منعهم، بل يطالب الضحية بأن تكف عن الشكوى والأنين، وتمتنع عن الدفاع عن نفسها وصد العدوان عنها.

إنهم أنفسهم الذين أقدموا بالأمس، جيشاً ومستوطنين، على إشعال النار في بيوت الآمنين، فحرقوا بيوتهم، وأشعلوا النار في سياراتهم، وطعنوا المواطنين واعتدوا عليهم، وأجبروا النساء والأطفال على الهروب من منازلهم، فقد حرق قطعان المستوطنين الذي زاد عددهم عن المائتي مستوطنٍ، أكثر من مائة بيتٍ وسيارةٍ، وعاثوا فساداً وخراباً وحرقاً وتدميراً في قرى بورين وحوارة وبيتا وزعترة جنوب مدينة نابلس، ووثقت وسائل الإعلام المحلية والدولية ألسنة اللهب التي تتصاعد من المحارق، وأحصوا عدد الجرحى والمصابين، وما زالت كرة اللهب الصهيونية تنتقل من قريةٍ في الضفة الغربية إلى أخرى، وجيش العدو يراقب ما يحدث، ويحمي المستوطنين وهو يعلم أنهم مخربون، وأنهم يحرقون ويدمرون، ويعتدون ويقتلون.

إن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، ضد أهلها وشعبها، وأرضهم ومقدساتهم، وبيوتهم وممتلكاتهم، لهو أكبر من جريمة "الهلوكوست" التي صدعوا رؤوس العالم بها، وأجبروهم على إبداء الندم والأسف الدائم بسببها، ولعلهم يخططون في كل يومٍ لارتكاب المزيد من هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، ويستنكرها الأحرار والشرفاء، ويشجعهم على ذلك ويدفعهم إلى المزيد منها، ما يرونه من صمت العالم وعجزه، وتواطؤ أنظمته ومشاركة حكوماته، التي تهب كلها غاضبةً، وتقف في وجه الشعب الفلسطيني كله معارضةً، إذا تقدمت مقاومته على الثأر والانتقام، وعلى الرد وصد العدوان، بينما تصمت وتعجز عندما يرتكب العدو مجزرةً أو ينفذ مذبحةً بحق الشعب الفلسطيني.

لن يرد الغلاة المتطرفين، المتشددين المتدينين، الفاشيين المجرمين، المحتلين الغاصبين، المستوطنين الهمجيين، إلا المقاومة التي باتت تحسن الرد زماناً ومكاناً، وهدفاً ونوعاً، ولم تعد تصبر وتصمت، وتتأخر وتتردد، بل باتت تباغت وتهاجم، وتفاجئ وتصدم، وتقنص وتقتل، وتقصف وتفجر، وتطعن وتدهس، ولن يفلح العدو بعدوانه المستمر وغاراته الدائمة واجتياحاته المتكررة، في كسر شوكة المقاومة وتركيع كتائبها، وسحب سلاحها وإخضاع عناصرها، كما لن تجدي محاولات قتل ا لمقاومين واعتقالهم، أو حصارهم والتضييق عليهم، فهذه المقاومة التي أصبح معها سيفٌ لا يثلم، ودرعٌ لا تخرق، ورمحٌ طويلٌ لا يكسر، لن تهزم بإذن الله أمام عدوها، ولن ينال منها ويخضعها، ولن يفرض شروطه عليها ويذلها.

بيروت في 28/2/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

23 فبراير 2023

سيد أمين يكتب: قيس سعيد والمسارات الغامضة

 

يتلقى الرئيس التونسي قيس سعيد الصفعة تلو الأخرى من الشعب التونسي من دون أن يتعظ، أو يطور مساراته -التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها غامضة- لتكون مقبولة شعبيا، فيقع دوما في نفس الشرك الذي نصبه للآخرين، بعدما أصمّ أذنيه عن جميع الناصحين الذين لم يألوا جهدا في نصحه بكافة الطرق بضرورة التراجع عن مسار 25 يوليو/ تموز الغامض الذي فرضه على الشعب التونسي، من دون هدف منطقي يستحق اللهاث خلفه.

لكنه أصرّ على الهرولة إلى الأمام، واضعا نصب عينيه تجارب آخرين نجحت مثل تلك الهرولة في إبقائهم في السلطة، متناسيا اختلاف تونس عن غيرها في أن لديها قضاء لا يزال خارج التدجين ولو نسبيا، وجيشا لم ينغمس بعد في الحياة السياسية حتى الثمالة، وأن الشركاء أو الرعاة الغربيين مشغولون الآن بإشعال أو إطفاء عشرات من النيران المشتعلة الأولى كثيرا بالاهتمام.

ولا يدري أحد ما العائد على تونس، أو شعبها الذي يعاني الأمرين اقتصاديا، أو على التجربة الديمقراطية، ولا على قيس سعيد نفسه، من تلك المسارات والحروب “الدون كيوشتية” التي يخوضها، في حين كان الأولى به الاهتمام بتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد بدلا من تنظيم انتخابات وراء انتخابات وراء انتخابات تقاطعها الأغلبية الكاسحة التي لا تجد جدوى لها، والسعي لعسكرة البلاد واعتقال الحقوقيين والنشطاء والصحفيين والبرلمانيين وقادة الأحزاب المعارضة انتهاء بطرد الأمين العام لاتحاد النقابات الأوربية.

ردود سعيد

لم يتعظ بأن نسبة المشاركين في الاستفتاء الدستوري لم تتجاوز11% من الناخبين وهي أقلّ نسبة مشاركة في كل تاريخ تونس، ولم يتعظ بنزول عشرات الآلاف في عدة تظاهرات متتالية يطالبونه بالتوقف الفوري عن كل الإجراءات التي اتخذها منذ أن جاء للسلطة، ولم يتعظ بفشل ما أسماه الاستشارة الإليكترونية وما نالته من سخرية وانتقاد واسع في البلاد، ولم يتعظ بمهزلة الحوار الوطني التي أقصى منها الجميع وراح يتحاور مع أنصاره، فراح يمضي قدما إلى إجراء انتخابات برلمانية كانت نتائجها هي الأخرى مقروءة منذ البداية، وحصلت المشاركة فيها على نفس النسبة التي حصل عليها دستوره.

ولعل المدهش حقا هو تعليق الرئيس على نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في جولتيها، حيث لم يجد ردا على نتائج الجولة الأولى التي جرت في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي والتي شارك فيها التونسيون بنسبة 11%، سوى قوله “إن نسبة المشاركة لا تقاس فقط بالدورة الأولى بل بالدورتين” وإن “المشككين يشبهون من يعلنون نتيجة مقابلة رياضية عند انتهاء شوطها الأول”.

وحينما أعلنت نتائج دورة الإعادة في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي وكانت بنفس نسبة المشاركة في الدور الأول راح يردد مبررا عجيبا لا نعرف كيف اقتطعه ويحاول جعله منطقيا وهو أن نحو 90% لم يشاركوا في التصويت لأن البرلمان لم يعد يعني شيئًا بالنسبة لهم، وعلى طريقة مات المولود وماتت الأم ولكن نجحت العملية علق قائلا “إن الأهم أننا حافظنا على مواعيد الانتخابات”.

وبالقطع إزاء مثل هذه التبريرات قد يتساءل أحد: بما أن البرلمان القديم فاشل، والبرلمان الجديد فاشل، والدستور القديم فاشل، والدستور الجديد فاشل، والحكومة القديمة فاشلة، والحكومة الجديدة فاشلة، لماذا لا نجرب تغيير قائد السيارة نفسها لعل تونس تصل إلى وجهتها بسلام؟

وحصر سعيد الوطن في ذاته وصار كل من يخالف توجهاته عدوا لهذا الوطن.

النواب الجدد

مشهد الانتخابات التشريعية الأخيرة يشي بالكثير، فبغض النظر عما يردده كثير من المراقبين التونسيين عن أن المرشحين في الانتخابات البرلمانية هم في الغالب شخصيات غير معروفة، وليس لهم سوابق في العمل النيابي حتى لو في المجالس القروية سوى عدد قليل منهم ينتمي لأسر الحظوة لنظام بن على، فإنهم أيضا يتحدثون بنغمة واحدة تشبه خطاب الرئيس عن المؤامرة وقوى الشر والمخربين والإرهابيين ونحو ذلك، وبرامجهم لا تعدو برامج رئيس حي أو شيخ حارة، وليست برامج نواب برلمانيين لهم خطط قومية.

ومن الملفت للنظر أن هناك نوابا في البرلمان فازوا بعدد أصوات يزيد قليلا عن ألف صوت، وهو رقم ضئيل للغاية لا يعبر حتى عن أصوات حارة من الحارات، في حين أن أعلى الأصوات كانت متدنية أيضا وزادات قليلا عن ثمانية آلاف صوت.

كما أصابت الرئيس قيس سعيد أيضا لامة إضافية من تلك النتائج عبر رسوب معظم المرتبطين به من التيارات الناصرية، ولا سيما أحمد شفتر أحد أبرز الداعمين له والمبررين لكل خطواته أمام منافسه مسعود قريرة، رغم كل ما كان يحظى به من دعم إعلامي داخلي وخارجي، إذ حصل على ما يزيد قليلا على ألفي صوت فقط.

ولكي تكتمل دائرة الملهاة في هذه الانتخابات التي قاطعتها جميع الأحزاب الشعبية في تونس بجميع توجهاتها، تبيّن أحد المنافسين في جدول الإعادة لم يحصل على أي صوت، أي أنه لم يحصل حتى على صوته، وفاز مرشحون بالتزكية في بعض الدوائر لعدم وجود منافس.

ورغم تلك النسب المتدنية في المشاركة فإن مراقبين محليين شككوا في حدوث تزوير على نطاق واسع في النتائج، وإن كنت أنا شخصيا أعتقد أن من يستطيعون تزوير الانتخابات هناك كان بإمكانهم أيضا تزوير نسب المشاركة، كما يحدث في كل الانتخابات في البلدان العربية، وتجنيب جبين الرئيس هذه الوصمة، إلا إذا كان في جراب الحاوي ما لم نره بعد.

لو كنت مكان الرئيس قيس سعيد لتركت التونسيين يكتوون بنار قلة وعيهم لتحرقهم الأخطار التي لا أراها إلا أنا، وحرمتهم من جنتي، ورحلت!!

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2023/2/21/%D9%82%D9%8A%D8%B3-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B6%D8%A9?fbclid=IwAR12NjB6aOctid6qyQw6s5UndrzCAYhP3_5Itfm7VAsGuUBOgaNnIYNmcZE

او 

https://mubasher.aljazeera.net/opinions/2023/2/21/%D9%82%D9%8A%D8%B3-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B6%D8%A9

محمد سيف الدولة يكتب: من الوحدة العربية الى الردة العربية الشاملة

Seif_eldawla@hotmail.com

فى الذكرى الـسنوية لقيام دولة الوحدة العربية بين مصر وسوريا فى 22 فبراير 1958، ما أمس حاجتنا لـعمل وقفة جادة ومتأنية للتأمل فى تاريخنا القريب للمقارنة بين ما كنا عليه وبين واقعنا الحالى، لعلنا ننجح فى استفزاز المهمومين باحوال الأمة ومستقبلها وحثهم على التداعى للبحث عن اهم الاسباب التى أدت الى هذه الردة العربية الشاملة:

· ففى سنوات الوحدة كنا نعيش عصر الاستقلال والتحرر الوطنى بعد الحرب العالمية الثانية، فيما عدا قلة قليلة من الدول العربية التى لم تخرج أبدا من عباءة الهيمنة الغربية.

واليوم تعيش كل الدول العربية من المحيط الى الخليج بلا استثناء واحد فى مستنقع التبعية بكل الوانها واشكالها.

· وكان لفلسطين معنى عربى واحد ووحيد هو فلسطين 1948 اى كل الارض المحتلة الواقعة بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط.

واليوم اصبحت فى قاموس الانظمة العربية هى فلسطين 1967 التى لا تتعدى الضفة الغربية وغزة، والمساومات قائمة على قدم وساق لتقليصها الى ما هو أدنى من ذلك بكثير.

· وكان هناك اجماع عربى رسمى وشعبى على ضرورة تحرير كامل ترابها المحتل والقضاء تماما على المشروع الصهيونى الذى يهدد كل الامة بقدر ما يهدد فلسطين. وكانت الامة تضمد جراحها وتلملم شتاتها بعد النكبة، استعدادا لمعركة التحرير.

واليوم بعد ان اعترفت مصر والاردن والسلطة الفلسطينية، ثم الامارات والبحرين والمغرب والسودان بشرعية دولة (اسرائيل)، أصبحوا يتحدثون عن ناتو عربى/اسرائيلى تحت قيادة الولايات المتحدة لمواجهة ايران والتطرف الاسلامى ولتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على مقاومتها ونزع سلاحها، فيما يسمى بصفقة القرن واتفاقات ابراهام.

· وكان هناك اجماع بين غالبية الشعوب العربية على مكانة مصر ودورها التاريخى والقومى فى قيادة الامة.

واليوم اهتزت مكانتها بشدة وتراجعت وتبدلت الادوار، لتشغله بدلا منها المحميات الامريكية من ممالك وامارات النفط والغاز.

· وكان هناك قوتان عظمتان ومعسكران دوليان رأسمالى واشتراكى وتوازن دولى يسمح لنا ولكل الدول المتحررة والنامية بمساحة أكبر من الحركة والمناورة.

واليوم هناك انفراد وهيمنة امريكية لا تزال تقبض على العالم والمنطقة بيد من حديد.

· وكانت غالبية دول العالم شمالا وجنوبا، تُقيم لنا وزنا وتتعامل معنا ككتلة واحدة متجانسة ومتماسكة يُعمل لها ألف حساب، فتتجنب الانحياز لأعدائنا او الاضرار بالمصالح والقضايا العربية الرئيسية. وكان العرب هم القوة الاقليمية الاولى فى المنطقة.

اما اليوم فلم يعد للدول العربية منفردة او مجتمعة وزنا يذكر فى الحسابات والصراعات والمحاور الدولية والاقليمية، بل يتم تدويل كل قضايانا ومصائرنا. واصبحت دول الجوار إيران وتركيا تحتلان هذه المكانة جنبا الى جنب مع الكيان الصهيونى المسمى باسرائيل التى تحولت الى قوة اقليمية عظمى.

· وكانت الهوية القومية واضحة ومحددة وموحدة، فغالبية شعوبنا من المحيط الى الخليج كانت تؤمن بهويتها العربية وتلتف حولها وتطالب باستقلال الامة ووحدتها وبتحرير فلسطين.

واليوم دفعت كثرة الهزائم والصدمات والاستسلامات قطاعات عربية من الشعوب العربية الى الكفر بالانتماءات القومية بل حتى بالوطنية، والى البحث عن هويات وانتماءات بديلة والتعلق بها، فضربتنا الانقسامات السياسية والايديولوجية والفتن الطائفية والصراعات العرقية والحروب الاهلية ومخاطر التفتيت والانفصال.

· وكان التيار المؤمن بوحدة الامة، الداعى الى توحيدها هو التيار الأقوى والأوسع انتشارا والأكثر تاثيرا على المستويات الشعبية والفكرية والسياسية والتنظيمية.

واليوم تراجع هذا التيار مئات الاميال الى الوراء، لتتصدر المشهد تيارات أخرى، منها من ينكر وجود الأمة من الأساس من منطلقات فكرية وايديولوجية مختلفة. وأصبح أى حديث عن العروبة او القومية او الوحدة يثير الدهشة وأحيانا السخرية، من منطق انه كلام قديم عفي عليه الزمن أو اوهام خيالية غير واقعية ومستحيلة فى ظل حالة التشرذم الحادة التى يعيش فيها العرب اليوم.

· صحيح انه كانت لنا اخطاؤنا وخطايانا الكبرى التى ساهمت فيما نحن فيه اليوم، ولكننا ظللنا نقاوم ونقاتل متمسكين بمواقفنا المبدئية وثوابتنا الوطنية حتى فى اقصى لحظات الهزيمة والانكسار.

اما اليوم فلقد اصبحنا على عقيدة الامريكان والصهاينة.

***

ليس هناك فائدة ترجى بطبيعة الحال من البكاء على اللبن المسكوب، ولكن الجدوى الوحيدة من احياء ذكرى انتصاراتنا ولحظات صعودنا، كعصر العروبة والوحدة والاستقلال والصمود والعداء (لاسرائيل) وغيرها، هى دراسة اسباب الردة والانكسار، ثم التداعى والتواصل من أجل البحث عن سبل انقاذ الأمة وانتشالها من المستنقع الذى اصبحنا نعيش فيه اليوم من انقسام وتمزق وتبعية وتصهين وتخلف واستبداد.

*****

القاهرة فى 22 فبراير 2023

14 فبراير 2023

محمد سيف الدولة يكتب: حق الفقراء فى الدفاع عن أنفسهم

Seif_eldawla@hotmail.com

من الحرية كل الحرية للشعب .. الى الحرية فقط لأعداء الشعب!!

***

تشعر الغالبية العظمى من المصريين اليوم بعجز شديد امام الغلاء الرهيب فى الاسعار وكل الاحتياجات الاساسية للحياة، مع الانخفاض الهائل فى قيمة الجنيه وبالتالي فى قيمة الاجور والرواتب والمدخرات. فلا توجد عائلة فى مصر الا ومعيشتها قد تأثرت تأثرا شديدا بالسياسات والقرارات الاقتصادية الاخيرة التى اتخذتها السلطات المصرية تنفيذا وخضوعا لتعليمات صندوق النقد الدولى.

ولا يجد المصريون اى ملاذ او منفذ يلجأون اليه او يستنجدون به فى مواجهة هذه المخاطر الاقتصادية والمعيشية الجمة.

ففى كل بلاد العالم ينظم ويتيح الدستور والنظام السياسى آليات وقنوات وأدوات تمكن طبقات الشعب وفئاته المختلفة من الدفاع عن نفسها والتعبير عن آرائها ومخاوفها فى مواجهة أى قرارات أو سياسات حكومية تمس حقوقها أو مصالحها.

الا فى مصر وبلادنا العربية، فلقد تم تجريد الشعوب من أى وسيلة تستطيع بها أن تفعل ذلك.

· فالبرلمان بسلطته التشريعية تابع بشكل مطلق للسلطة التنفيذية.

**والنقابات العمالية والمهنية بعد تدجينها الكامل من السلطة، توقفت عن القيام بأى دور للدفاع عن حقوق ومصالح الملايين من منتسبيها

·والاحزاب السياسية المعارضة والمستقلة محاصرة ومحبوسة فى مقراتها ومحظور عليها اقامة اى تواصل جماهيرى.

· وهو الحظر المفروض ايضا على تأسيس أى لجان شعبية أو تنظيم أى أنشطة وفاعليات تتعلق بمطالب اقتصادية او اجتماعية فى مجال الاجور والاسعار والضرائب وكل اشكال الجباية.

· والمنابر الاعلامية من صحف وفضائيات مغلقة فى وجه اى راى آخر.

· وبطبيعة الحال فان الاضرابات والاعتصامات والوقفات محظورة ومجرمة.

· حتى القضاء الادارى (مجلس الدولة) الذي كان يمثل الملاذ الأخير للطعن فى قرارات السلطة ومؤسساتها، تم اغلاقه فى وجوهنا بعد صدور قانون تحسن صفقات الدولة من الطعن عليها الا من طرفيها الذي صدر عام 2014.

·وهكذا

***

أما على الجانب الآخر؛ جانب أثرياء مصر من الطبقة الرأسمالية ورجال الاعمال، فلديهم كل الآليات والمؤسسات والأدوات الممكنة للمشاركة فى صناعة القرار والتواصل مع الحكومة بل والضغط عليها، مثل الغرف التجارية واتحادات المستثمرين والمصدرين والمستوردين واتحاد الصناعات وجمعيات رجال الاعمال..الخ، ولديهم من الملاءة المالية ما يمكنهم من شراء او ترشيح ممثلين لهم فى البرلمان لفرض مطالبهم واجنداتهم الاقتصادية التشريعية. بل انهم كثيرا ما يحرضون أصدقاءهم وشركاءهم الدوليين من شركات ومؤسسات دولية للضغط على الدولة لتلبية مطالبهم الاقتصادية والمالية، وهو ما نراه طوال الوقت فى الضغط من أجل ريادة وقيادة القطاع الخاص للاقتصاد المصرى.

***

اما رؤوس الاموال الاجنبية من مستثمرين وشركات عابرة القومية .. الخ فحدث ولا حرج، فهم السادة الحقيقيون المهيمنون على الاقتصاد المصرى، تمثلهم وتدعمهم وتقف ورائهم كل مؤسسات الشر الاقتصادية الدولية من الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية والدائنون فى نادى باريس، يضغطون بكل الطرق والادوات على الدولة المصرية لفتح الاسواق امام المنتجات الاجنبية ومنع اى حماية جمركية للمنتجات الوطنية وتصفية شركات القطاع العام واعطاء التسهيلات والاعفاءات الضريبية واباحة اخراج الارباح وتحويلها للخارج وتخفيض قيمة العملة الوطنية ..الخ.

***

خلاصة المشهد الاقتصادى والمعيشى والسياسى اليوم فى مصر، هو ان الناس تشعر بخطر شديد، ولكنها محظور عليها كل أدوات المشاركة والتعبير والضغط دفاعا عن حياتها وحقوقها ومصالحها، محظور عليها الحق فى الدفاع الشرعى عن النفس.

بينما خصومها من اصحاب رؤوس الاموال الاجنبية والمحلية، يهيمنون ويصولون ويجولون ويعبثون كيفا شاءوا بمقدرات البلاد وحياة الناس.

*****

القاهرة فى 14 فبراير 2023

موضوعات مرتبطة:

· حب فلسطين حق من حقوق الانسان

·الدفاع عن الوطن حق من حقوق الانسان

زهير كمال يكتب: عسكر السودان..في السياسة والحكم

بعد ثورة شعبية ناجحة أطاحت بحكم ديكتاتوري فاسد جثم على صدر السودان لمدة 30 عاماً،  والمفترض خلال فترة طويلة مثل هذه أن يرتقي السودان فيها الى مصاف الدول الكبرى نظراً  لما يحتويه من ثروات طبيعية ومعدنية ضخمة، إضافة الى شعب ذكي تواق للنهوض والتقدم. وجدنا على الطبيعة انقسام البلد الى قسمين تقاتلا على فتات الثروة البترولية، أضف الى ذلك ثورات وقلاقل كردفان ودارفور والتي انحاز فيها النظام إلى طائفة من الشعب ضد طائفة أخرى. قتل كثيرون خلال هذه الفترة وبقي السودان يراوح في خانة الدول الأكثر فقراً في العالم.

وبدلاً من تشغيل الجيش في المشاريع التي يحتاجها البلد وجدنا البشير يرسلهم الى بلد شقيق في اليمن ليقوموا بقتل شعبه وليُقتلوا، وربما لم يكلف النظام نفسه إرجاع جثثهم الى ذويهم، كل ذلك مقابل حفنة من الدولارات يضعها في خزائنه الخاصة.

كان المفترض أن يتسلم السلطة هؤلاء الثوار الذين قدموا التضحيات والضحايا، ولكن هذا لم يحدث، فقد برز فجأة دون مقدمات تكنوقراط قادم من أمريكا، لا علاقة له بالثورة والثوار، اسمه عبدالله حمدوك، تم اختياره ليصبح رئيساً للوزراء. وكانت هذه هي الغلطة الاولى التي ارتكبتها القوى الثورية ومن بينها قوى الحرية والتغيير.

لم يستمع حمدوك ( قدّس سره )[1] الى النصائح التي قدمت له بأن يتولى - وهو المدني - وزارة الدفاع وأن يحيل كل من يريد من العسكر الذين يريدون الانضمام الى مجلس السيادة الى التقاعد، وأن يعين قادة جدداً للجيش وإحداث تغييرات هيكلية فيه بضم قوات الدعم السريع اليه.

يومها كان بإمكانه فعل ذلك، فهو يتكلم باسم الثوار ويستطيع فرض شروطه على الجميع بمن فيهم العسكر الذين كانوا في أضعف لحظاتهم وأيديهم ملطخة بدماء شهداء الثورة المنتصرة. وبعد أن قويت شوكة العسكر خلال المرحلة الانتقالية وقبل نهايتها طردوا حمدوك، فلم يعودوا بحاجة الى قنطرة للحكم، ولم نعد نسمع عن الرجل منذ ذلك الحين، فقد انتهت مهمته.

عدد لا بأس به من الأنظمة العربية تدار من خلف ستار بواسطة أجهزة المخابرات الغربية التي تستعمل أحدث العلوم في كيفية إدارة دول العالم الثالث وفي علم سيكولوجية الجماهير، وعسكر السودان حديثو عهد بالحكم، كانت وما تزال تنقصهم الحنكة السياسية ولكن لاحظنا اختيارهم التوقيتات المناسبة في الفعل ورد الفعل.

مثل هذه المقدمة ضرورية لفهم ما يجري في السودان حالياً.

تصدى الشعب السوداني وقواه الحية الى انفراد العسكر بالحكم، واستمرت المظاهرات المناوئة لحكم العسكر لفترة طويلة واستمر قتل المتظاهرين.

كان بإمكان قوى الحرية والتغيير الصبر مدة أطول لفرض رجوع العسكر الى ثكناتهم بدون مفاوضات، ففي قرارة أنفس العسكر أنه لا يحق لهم أن يكونوا في السلطة فقد تسلقوا إليها دون أن يبذلوا أي جهد للحصول عليها.

بدأت تصريحات متناغمة من العسكر، أنهم لا يريدون السلطة وأنهم كانوا مرغمين على ملء الفراغ، وأنهم في أشد التوق للرجوع الى ثكناتهم ولكن تعالوا نتفاوض. هذه أغرب تصريحات تصدر من عسكر منذ فجر التاريخ والى يوم يبعثون، ولهذا أستبعد أن تكون من بنات أفكارهم.

استطاعوا خداع جزء كبير من قوى الحرية والتغيير وضمنوا لأنفسهم فترة انتقالية جديدة مدتها 24 شهراً يعززون بها مراكزهم، وبعد هذه الفترة سينقضون هذا الاتفاق لأوهى الأسباب، كما فعلوا في المرة الأولى مع حمدوك، وهذه غلطة أخرى تحسب على قوى الحرية والتغيير.

كان يراد من السودان الاعتراف بإسرائيل، وقد تم الموضوع على مرحلتين

في المرحلة الأولى قبل عامين تقريباً تم لقاء كل قادة العسكر بالوفد الإسرائيلي في الخرطوم، كان يراد قياس ردود الفعل على الخطوة، وقد كانت الردود على الحدث خجولة، وهذه هي الغلطة الثانية لقوى الحرية والتغيير، كانوا لا يريدون تعكير صفو المرحلة الانتقالية.

في المرحلة الثانية حضر وفد إسرائيلي رفيع المستوى يرأسه وزير الخارجية الإسرائيلي في الثاني من شهر فبراير عام  2023 ، بغرض استكمال التطبيع بين البلدين، ولوحظ هذه المرة أن الرجل القوي الثاني في النظام المدعو حميدتي لم يحضر اللقاء وتم تعميم ذلك بشكل صارخ على وسائل الإعلام.

لم يكن هذا تخطيط العسكر، فالبيادق لا تستطيع وضع خطط طويلة المدى، سيتم التخلص من البيدق الأول بعد أن أدى مهمته في إرساء خطوات التطبيع، أما البيدق الثاني فيستطيع إكمال المهمة دون تعكير. ( تمت تجربة ذلك مسبقاً مع السادات ومبارك).

مأساة العالم العربي أن شخصاً واحداً (أو عدداً بسيطاً) يستطيع قلب توجه الدولة من أقصاه الى أقصاه، من حالة عداء الى حالة سلام. من ( لا صلح ولا اعتراف) استمر لأكثر من 70 عاماً الى تبادل القبلات والتنسيق المتبادل.

غلطة أخرى من قوى الحرية والتغيير في عدم التصدي للبرهان بقوة فهو يخالف الاتفاق الإطاري الذي وقعه معهم، ولا يحق له عقد صفقات من وراء ظهر الشعب السوداني، وهو الذي يدعي أنه عائد للثكنات.

الخلاصة: عدم توحد قوى الحرية والتغيير في جسم واحد له رأس واحد ناطق باسمه وله برنامج سياسي واضح من أهم بنوده إرجاع العسكر الى الثكنات، ساهم الى حد كبير في خداعهم ولدغهم من نفس الجحر عدة مرات.

سيظل السودان يدور في حلقة مفرغة نظراً لعدم وجود قوى جماهيرية وأحزاب تتقن اللعبة السياسية وتمتلك التصميم والإرادة اللازمة لتحقيق تطلعات الجماهير في حياة كريمة.   

..................................

[1] ليس بالضرورة أن يكون تقديس السر من الله في هذه الحالة


07 فبراير 2023

محمد سيف الدولة يكتب: الدفاع عن الوطن حق من حقوق الانسان



   Seif_eldawla@hotmail.com

هناك من يتهم الديمقراطية والحريات بأنها تهدم الدول وتهدد أمنها القومى، فهل اطلاق حرية الشعوب فى الدفاع عن اوطانها تهدد أمن هذه الأوطان أم تحميها؟

وفى بلد مثل مصر على سبيل المثال، فان من حقوق كل مواطن وواجباته ان يعمل ويناضل من أجل تحريرها وكل المنطقة من التبعية والهيمنة والنفوذ الامريكى، ومن القيود المفروضة عليها فى اتفاقيات كامب ديفيد، ومن تراجع دورها وتحول (اسرائيل) الى قوة اقليمية عظمى تعربد فى المنطقة كما تشاء، ومن سيطرة نادى باريس ومؤسسات الاقراض الدولى على اقتصادها الوطنى وتدميره والعصف بصناعتها وعملتها الوطنية، ومن استئثار رؤوس الاموال الاجنبية ووكلائها المصريين بموارد وثروات البلاد، ومن تهديدات سد النهضة واستخفاف الجانب الاثيويى بمكانة مصر وقوتها وغيره الكثير...

فهل الحركة والنضال والمطالبة والضغط من أجل كل هذه الأهداف الوطنية يهدد أمن مصر أم يحميها؟

·ليس الدفاع عن الوطن واجبا فحسب بل هو قبل ذلك وبعده حق اصيل من حقوق كل مواطن.

·وهو ايضا دفاعا شرعيا عن النفس، فلا حياة أو نجاة لأى انسان بدون أن يكون له وطن.

·وهو حق يمارسه الانسان منذ أن خلقه الله على الارض وقبل ان تنشأ الاوطان والامم.

·بل ان الفضل في نشأة كل الامم والقوميات والدول التي نراها اليوم واختصاص الشعوب بأراضيها التى تعيش عليها دونا عن باقى شعوب العالم، يعود الى كفاح ونضال وتضحيات اجيال متعاقبة من البشر دفاعا عن هذه الارض فى مواجهة اعدائها والمتربصين بها والطامعين فى الاستيلاء عليها والاستيطان فيها.

·وكان ذلك قبل ان تعرف البشرية اى دساتير او قوانين او نصوص صريحة تنص على ان الدفاع عن الوطن واجب مقدس.

· والدفاع عن الوطن هو حق مشترك بين كل مواطنيه، لا فرق فى ذلك بين حاكم ومحكوم او غنى وفقير او رجل وامرأة او مسلم ومسيحي او مدني وعسكري او قومي واشتراكي وإسلامي وليبرالي.

· وتتعدد السبل والوسائل والادوات لممارسة هذا الحق، ففى عصور الاحتلال والحروب تشترك الجيوش مع الشعوب فى حمل السلاح لتحرير الاوطان والدفاع عنها كما هو الحال فى فلسطين ولبنان وفى كل حروب التحرير الشعبية.

· وفى غير اوقات الاحتلال فان للمواطنين مئات الادوات والقنوات الدستورية والسياسية والشعبية للدفاع عن اوطانهم من خلال الأنشطة والنضالات الفكرية والاعلامية والسياسية والحزبية والنقابية ومن خلال البرلمانات ونشر الوعي وتنظيم الناس وتأسيس جماعات الضغط واللجان الشعبية ومنظمات المجتمع المدنى ومن خلال المعارضة والوقفات والاضرابات والتظاهرات والاعتصامات واي شكل من أشكال الفاعليات لتحقيق الهدف الوطنى المنشود.

· وفى كثير من الأحيان تكون معارضة انظمة الحكم التابعة او الفاسدة والمفقرة والفاشلة ضرورة للدفاع عن الوطن وسلامته وعافيته ومناعته فى مواجهة ما يحاك له من الخارج.

· ولذلك فان نزاهة الانتخابات وتداول السلطة وتشكيل برلمانات حقيقية تراقب السلطة التنفيذية وتعارضها عند اللزوم ووجود احزاب معارضة قوية واحزاب مستقلة ومجتمع مدنى قوى هى من ضرورات حماية الامن القومى.

· كما فى بلادنا النامية، التى تكون الدولة ومؤسسات الحكم فيها شديدة الضعف فى القدرة على مواجهة وتحدى الدول الكبرى، فان الشعوب تكون هى خط الدفاع الحقيقى وحائط الصد الاخير عن الاوطان فى مواجهة هذا الاختلال الهائل فى موازين القوى.

· وهذا ما فعله الشعب المصرى فى عديد من الملاحم والمعارك الوطنية فى العقود القريبة الماضية ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: معركة بورسعيد 1956 والسويس 1973 ومظاهرات الطلبة 1968-1973 وانتفاضة يناير 1977 ومعركة النيل فى خطر فى السبعينات والدفاع عن هوية مصر العربية بعد كامب ديفيد ومواجهة التطبيع ومعركة استقلال القضاء واللجان الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية والحملة الدولية ضد الاحتلال الامريكى للعراق والاسرائيلى لفلسطين 2003-2008 ورفض تصدير الغاز لاسرائيل ومقاومة الخصخصة وتصفية القطاع العام، ومناهضة التمديد والتوريث 2005-2011 وثورة يناير واغلاق السفارة الاسرائيلية 2011 وغيرها.

· كلها وغيرها الكثير هى نماذج وأمثلة قليلة من معارك وطنية كثيرة وجليلة خاضها الشعب المصرى ممثلا فى قواه السياسية والشعبية المستقلة عن السلطة بل والمعارضة لها.

· الا أن الحكام والانظمة في بلادنا العربية تخشى الشعوب وتحرص على تقييد حركتها وفاعلياتها حتى لو كانت فى سبيل الدفاع عن الاوطان.

·  وحينها يكون الاستبداد وليس الحرية هو الذى يهدم الدول ويهدد أمنها القومى.

*****

القاهرة فى 7 فبراير 2023

مقالات مماثلة:

حب فلسطين حق من حقوق الانسان

03 فبراير 2023

محمد سيف الدولة يكتب: السودان في الوثائق الصهيونية

Seif_eldawla@hotmail.com

أهدى الوثيقة التالية للشعب السودانى وقواه الوطنية والثورية الذين أدانوا اجتماع عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادى السودانى مع وزير خارجية (اسرائيل)، واعلنوا رفضهم القاطع للتطبيع مع (اسرائيل).

***

فى شهر سبتمبر من عام 2008 القى "آفى ديختر" وزير الامن الداخلى الصهيونى الأسبق، محاضرة فى معهد ابحاث الامن القومى الاسرائيلى، عن الاستراتيجية الاسرائيلية فى المنطقة، تناول فيها سبعة ساحات هى فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وايران و مصر والسودان. نشرتها الصحف العبرية.

وفى الجزء الخاص بالسودان، كانت اهم المحاور كما يلى:

·       ان اضعاف الدول العربية الرئيسية بشكل عام، واستنزاف طاقاتها وقدرتها هو واجب وضرورة من اجل تعظيم قوة اسرائيل واعلاء منعتها فى مواجهة الاعداء، وهو ما يحتم عليها استخدام الحديد والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة اخرى

·       والسودان بموارده ومساحته الشاسعة، كان من الممكن ان يصبح دولة اقليمية قوية منافسة لدول مثل مصر والعراق والسعودية.

·       كما انه يشكل عمقا استراتيجيا لمصر، وهو ما تجسد بعد حرب 1967 عندما تحول الى قواعد تدريب وايواء لسلاح الجو المصرى وللقوات الليبية، كما انه ارسل قوات مساندة لمصر فى حرب الاستنزاف عام 1968.

·       وعليه فانه لا يجب ان يسمح لهذا البلد ان يصبح قوة مضافة الى قوة العالم العربى.

·       ولابد من العمل على اضعافه وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة.

·       فسودان ضعيف ومجزأ وهش افضل من سودان قوى وموحد وفاعل.

·       وهو ما يمثل من المنظور الاستراتيجى ضرورة من ضرورات الامن القومى الاسرائيلى.

·       ولقد تبنى كل الزعماء الصهاينة من بن جوريون وليفى اشكول وجولدا مائير واسحاق رابين ومناحم بيجين وشامير وشارون واولمرت خطا استراتيجيا واحدا فى التعامل مع السودان هو: العمل على تفجير ازمات مزمنة ومستعصية فى الجنوب ثم دارفور.

·       وانه حان الوقت للتدخل فى غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل لتكرار ما فعلته اسرائيل فى جنوب السودان.

·       وان النشاط الصهيونى فى دارفور لم يعد قاصرا على الجانب الرسمى، بل يسانده فى ذلك، كل المجتمع الاسرائيلى بمنظماته وقواه وحركاته وامتدادته فى الخارج.

·       وان الدور الامريكى فى دارفور يسهم بشكل فعال فى تفعيل الدور الاسرائيلى.

·       وامريكا مصرة على التدخل المكثف فى السودان لصالح انفصال الجنوب وانفصال دارفور على غرار ما حدث فى كوسوفو.

·       وان اسرائيل نجحت بالفعل فى تغيير مجرى الاوضاع فى السودان، فى اتجاه التأزم والتدهور والانقسام، وهو ما سينتهي عاجلا ام آجلا الى تقسيمه الى عدة كيانات ودول مثل يوغوسلافيا.

·       وبذلك لم يعد السودان دولة اقليمية كبرى قادرة على دعم الدول العربية المواجهة لاسرائيل

***

وقبل ان نعرض نص المحاضرة، نراجع معا ما جاء فى وثيقة صهيونية اخرى حول نفس الموضوع، نشرتها مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية عام  1982تحت عنوان "استراتيجية اسرائيل فى الثمانينات"، ونشرناها نحن بعنوان:"الوثيقة الصهيونية لتفتيت الامة العربية"، حيث جاء فيها ما يلى: 

·       ان مصر المفككة والمقسمة الى عناصر سيادية متعددة، على عكس ماهى عليه الآن، سوف لاتشكل أى تهديد لاسرائيل بل ستكون ضمانا للزمن والسلام لفترة طويلة، وهذا الامر هو اليوم فى متناول ايدينا.

·       ان دول مثل ليبيا والسودان والدول الابعد منها سوف لن يكون لها وجود بصورتها الحالية، بل ستنضم الى حالة التفكك والسقوط التى ستتعرض لها مصر. فاذا ما تفككت مصر فستتفكك سائر الدول الاخرى.

·       والسودان أكثر دول العالم العربى الاسلامى تفككا فانها تتكون من أربع مجموعات سكانية كل منها غريبة عن الأخرى، فمن أقلية عربية مسلمة سنية تسيطر على أغلبية غير عربية افريقية الى وثنيين الى مسيحيين.

***

نص المحاضرة

يتساءل البعض فى اسرائيل: لماذا نهتم بالسودان ونعطيه هذا القدر من الأهمية؟ ولماذا التدخل فى شئونه الداخلية فى الجنوب سابقا وفى الغرب دارفور حاليا طالما أن السودان لا يجاورنا جغرافيا، وطالما أن مشاركته فى إسرائيل معدومة أو هامشية وارتباطه بقضية فلسطين حتى نهاية الثمانينات ارتباطا واهيا وهشا؟  

   وحتى لا نطيل فى الإجابة يتعين أن نسجل هنا عدة نقاط محورية تكفى لتقديم إجابات على هذه التساؤلات التى تطرح من قبل ساسة وإعلاميين سواء فى وسائل الإعلام وأحيانا فى الكنيست:

1)    إسرائيل حين بلورت محددات سياستها واستراتيجيتها حيال العالم العربى انطلقت من عملية استجلاء واستشراف للمستقبل وأبعاده وتقييمات تتجاوز المدى الحالى أو المنظور

2)   السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراق والسعودية. لكن السودان ونتيجة لأزمات داخلية بنيويه، صراعات وحروب أهلية فى الجنوب استغرقت ثلاثة عقود ثم الصراع الحالى فى دارفور ناهيك عن الصراعات حتى داخل المركز الخرطوم تحولت الى أزمات مزمنة. هذه الأزمات فوتت الفرصة على تحوله الى قوة إقليمية مؤثرة تؤثر فى البنية الأفريقية والعربية. 

كانت هناك تقديرات إسرائيلية حتى مع بداية استقلال السودان فى منتصف عقد الخمسينات أنه لا يجب أن يسمح لهذا البلد رغم بعده عنا أن يصبح قوة مضافة الى قوة العالم العربى لأن موارده إن استمرت فى ظل أوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب. وفى ضوء هذه التقديرات كان على إسرائيل أو الجهات ذات العلاقة أو الاختصاص أن تتجه الى هذه الساحة وتعمل على مفاقمة الأزمات وإنتاج أزمات جديدة حتى يكون حاصل هذه الأزمات معضلة يصعب معالجتها فيما بع

3)   كون السودان يشكل عمقا استراتيجيا لمصر، هذا المعطى تجسد بعد حرب الأيام الستة 1967 عندما تحول السودان الى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصرى وللقوات البرية هو وليبيا. ويتعين أيضا أن نذكر بأن السودان أرسل قوات الى منطقة القناة أثناء حرب الإستنزاف التى شنتها مصر منذ عام 1968 ـ 1970.

كان لابد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة رغم أنها تعد بالتعددية الأثتية والطائفية ـ لان هذا من المنظور الاستراتيجى الإسرائيلى ضرورة من ضرورات دعم وتعظيم الأمن القومى الإسرائيلى.

   وقد عبرت عن هذا المنظور رئيسة الوزراء الراحلة (جولدا مائير) عندما كانت تتولى وزارة الخارجية وكذلك ملف إفريقيا فى عام 1967 عندما قالت: " إن إضعاف الدول العربية الرئيسية واستنزاف طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوتنا وإعلاء عناصر المنعة لدينا فى إطار المواجهة مع أعداءنا. وهذا يحتم علينا استخدام الحديد والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة أخرى ".

   وكشفت عن أن إسرائيل وعلى خلفية بعدها الجغرافى عن العراق والسودان مضطرة لاستخدام وسائل أخرى لتقويض أوضاعهما من الداخل لوجود الفجوات والتغيرات فى البنية الاجتماعية والسكانيه   فيهما.

***

(وراح ديختر يورد المعطيات عن وقائع الدور الإسرائيلى فى إشعال الصراع فى جنوب السودان انطلاقا من مرتكزات قد أقيمت فى أثيوبيا وفى أوغندا وكينيا والزائير سابقا الكونغو الديموقراطية حاليا

وقال ان جميع رؤساء الحكومات فى إسرائيل من بن جوريون وليفى أشكول وجولدا مائير واسحاق رابين ومناحم بيجين ثم شامير وشارون وأولمرت تبنوا الخط الاستراتيجى فى التعاطى مع السودان الذي يرتكز (على تفجير بؤرة وأزمات مزمنة ومستعصية فى الجنوب وفى أعقاب ذلك فى دارفور).

   هذا الخط الاستراتيجى كانت له نتائج ولاتزال أعاقت وأحبطت الجهود لإقامة دولة سودانية متجانسة قوية عسكريا واقتصاديا قادرة على تبوأ موقع صدارة فى البيئتين العربية والأفريقية.

فى البؤرة الجديدة فى دارفور تداخلنا فى إنتاجها وتصعيدها، كان ذلك حتميا وضروريا حتى لا يجد السودان المناخ والوقت لتركز جهودها باتجاه تعظيم قدراته. ما أقدمنا عليه من جهود على مدى ثلاثة عقود يجب ألا يتوقف لأن تلك الجهود هى بمثابة مداخلات ومقدمات التى أرست منطلقاتنا. الاستراتيجية التى تضع نصب اعينها أن سودان ضعيف ومجزأ وهش أفضل من سودان قوى وموحد وفاعل.

   نحن بالإضافة الى ذلك نضع فى إعتبارنا وفى صميم اهتمامنا حق سكان الجنوب فى السودان فى تقرير المصير والإنعتاق من السيطرة. من واجبنا الأدبى والأخلاقى أن ندعم تطلعات وطموحات سكان الجنوب ودارفور. حركتنا فى دارفور لم تعد قاصرة على الجانب الرسمى وعلى نشاط أجهزة معينة. المجتمع الإسرائيلى بمنظماته المدنية وقواه وحركاته وامتداداتها فى الخارج تقوم بواجبها لصالح سكان دارفور.

   الموقف الذي أعبر عنه بصفتى وزيرا إزاء ما يدور فى دارفور من فظائع وعمليات إبادة ومذابح جماعية هو موقف شخصى وشعبى ورسمى.

   من هنا نحن متواجدين فى دارفور لوقف الفظائع وفى ذات الوقت لتأكيد خطنا الإستراتيجى من أن دارفور كجنوب السودان من حقه أن يتمتع بالاستقلال وإدارة شؤونه بنفسه ووضع حد لنظام السيطرة المفروض عنوة من قبل حكومة الخرطوم.  

  لحسن الطالع أن العالم يتفق معنا من أنه لابد من التدخل فى دارفور سياسيا واجتماعيا وعسكريا. الدور الأمريكى فى دارفور دور مؤثر وفعال ومن الطبيعى أن يسهم أيضا فى تفعيل الدور الإسرائيلى ويسانده كنا سنواجه مصاعب فى الوصول الى دارفور لنمارس دورنا المتعدد الأوجه بمفردنا وبمنأى عن الدعم الأمريكى والأوروبى.

صانعوا القرار فى البلاد كانوا من أوائل المبادرين الى وضع خطة للتدخل الإسرائيلى فى دارفور 2003 والفضل يعود الى رئيسالوزراء السابق إرييل شارون. أثبتت النظرة الثاقبة لشارون والمستمدة من فهمه لمعطيات الوضع السودانى خصوصا والوضع فى غرب أفريقيا صوابيتها. هذه النظرة وجدت تعبيرا لها فى كلمة قاطعة ألقاها رئيس الوزراء السابق خلال اجتماع الحكومة فى عام 2003 (حان الوقت للتدخل فى غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل وبنفس أهداف تدخلنا فى جنوب السودان).

   لابد من التفكير مرة أخرى بأن قدر هام وكبير من أهدافنا فى السودان قد تحقق على الأقل فى الجنوب وهذه الأهداف تكتسب الآن فرص التحقيق فى غرب السودان فى دارفور.

***

   وعندما سئل ديختر ما هى نظرته الى مستقبل السودان على خلفية أزماته المستعصية فى الجنوب وفى الغرب والإضطراب السياسى وعدم الاستقرار فى الشمال وفى مركز القرار الخرطوم؟  هذا السؤال طرحه نائب وزير الدفاع السابق جنرال الإحتياط "إفرايم سنيه".

   رد ديختر على هذا السؤال: ان هناك قوى دولية تتزعمها الولايات المتحدة مصرة على التدخل المكثف فى السودان لصالح خيارات تتعلق بضرورة أن يستقل جنوب السودان وكذلك إقليم دارفور على غرار استقلال إقليم كوسوفو. لا يختلف الوضع فى جنوب السودان وفى دارفور عن وضع كوسوفو. سكان هذين الإقليمين يريدون الإستقلال وحق تقرير المصير قاتلوا الحكومة المركزية من أجل ذلك.

    وأريد أن أنهى تناولى للمحور السودانى فى هذه المحاضرة تأكيد أن استراتيجيتنا التى ترجمت على الأرض فى جنوب السودان سابقا وفى غربه حاليا استطاعت أن تغير مجرى الأوضاع فى السودان نحو التأزم والتدهور والإنقسام. أصبح يتعذر الآن الحديث عن تحول السودان الى دولة إقليمية كبرى وقوة داعمة للدول العربية التى نطلق عليها دول المواجهة مع اسرائيل. السودان فى ظل أوضاعه المتردية والصراعات المحتدمة فى جنوبه وغربه وحتى فى شرقه غير قادر على التأثير بعمق فى بيئته العربية والأفريقية لأنه متورط ومشتبك فى صراعات ستنتهى إن عاجلا أو آجلا بتقسيمه الى عدة كيانات ودول مثل يوغوسلافيا التى انقسمت الى عدة دول البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسوفو ومقدونيا وصربيا ويبقى السؤال عالقا متى؟

 بالنسبة لجنوب السودان الدلائل كلها تؤكد أن جنوب السودان فى طريقه الى الإنفصال لأن هذا هو خياره الوحيد. هو بحاجة الى كسب  الوقت لإقامة مرتكزات دولة الجنوب. وقد يتحقق ذلك قبل موعد إجراء الاستفتاء عام 2011 إلا إذا طرأت تغيرات داخلية واقليمية إما أن تسهم فى تسريع تحقق هذا الخيار أو فى تأخيره. 

*****

القاهرة فى 3 فبراير 2023

30 يناير 2023

سيد أمين يكتب: وجهة نظر أخرى عن الربيع العربي

مضت أكثر من عشر سنوات على تفجر موجة الربيع العربي، فبات أمره الآن أكثر وضوحا لمن التبس عليه الأمر، وازدادت القناعات بأن الثورات لا تستدعى، وكرة النار حينما تتدحرج لا بد لها أن تطال الجميع، لكن حينما تحرق أحدا وتكون بردا وسلاما على آخر، فالأمر يحمل الكثير من التساؤلات، لا سيما أن الظروف القُطرية متشابهة لحد التوحد، فالفساد واحد، والاستبداد واحد، والتبعية أيضا موجودة، وإن كانت تختلف فداحتها من قُطر لآخر.

أنا واحد من الناس الذين أمنوا منذ البداية بأن ربيعنا العربي "مصنوع"، وأنه من إخراج أجهزة أمنية في كل قُطر عربي، في إطار الصراعات السياسية الداخلية بينها على السلطة، وأن الهدف من تلك الثورات لم يكن أبدا الانتصار للديمقراطية، ولكن استخدام الشعوب لتغليب طرف في السلطة على طرف آخر.

ثم تدخل الراعي الأمريكي والغربي -ولعله هو المخطط الرئيسي- ليعممها على عدد من الدول العربية، من أجل تنفيذ ما يمكن تسميته بخطة "الترميم" الخاصة بترميم بعض نظم الموالاة من أجل تشديد قبضته على مفاتيح الحكم فيها، بعدما اهترأت قليلا جراء ظروف متنوعة، فيصعّد الأطراف الأكثر ولاء وفعالية لخدمة خططه المستقبلية وأهمها ما يعرف بـ"الشرق الأوسط الكبير".

وكان الأهم من ذلك تفعيل خطة "الهدم"، وهي التي يُستغل فيها ما ترسخ في الأذهان عن تداعي ثورات الربيع العربي ضد النظم المستبدة في الأقطار العربية، وبالتالي يستطيع (الراعي) توجيه كرة النار مستغلا حالة السخط الشعبي ضد الاستبداد في بعض من تلك النظم، خاصة تجاه تلك التي صنفها من قبل بـ"المارقة".

ولقد نجحت الخطة بشقيها؛ "الترميم" والهدم" بشكل منقطع النظير، بينما خاب أمل الشعوب العربية التي صارت تفضل ولو وقتيا استمرار الاستبداد والتبعية عن تجرع ويلات فشل الثورة مجددا.

تجربة سابقة

كانت هناك في منتصف القرن الماضي تجربة مثيرة كشفت الكثير مما يليها، فمع تنامي نفوذ الاتحاد السوفييتي والصين وحصولهما على الأسلحة النووية، سعتا لنقل التجربة لدول العالم الثالث التي كانت خاضعة في مجملها للاستعمار الغربي. هنا وجدت النظم الإمبريالية الغربية التقليدية كبريطانيا وفرنسا نفسهما بحاجة إلى التخلص من مستعمراتها؛ خشية الثورة المرتقبة بطريقة تمكنها من إدارتها من بعد، وتحول دون الانضمام للحلف الاشتراكي.

وجدت هذه الطريقة في واحدة من الأساليب التي نصح بها نيكولا ميكافيللي أميره للسيطرة على الدول والإمارات الأخرى، وهي أن يغزو الإمارة ويهين أغلبيتها ويعين من أقليتها حكاما عليها، وينسحب، فيصبح هذا الحاكم هو سوطه وهو مصدر حمايته الوحيد.

هكذا نقلت الدول الاستعمارية السلطة إلى قوى عسكرية مختارة في كل دولة عبر انقلابات عسكرية يمكن تسميتها ثورات، ومن خلال التحكم في تلك النخب العسكرية يمكن التحكم في الدولة كلها، وبذلك تداعت الانقلابات العسكرية في جميع الأقطار المحتلة، ونالت عقبها هذه الدول استقلالها المشكوك فيه.

وقتها لم يكن أحد يعلم حقيقة الأمر، لكن مع مرور الزمن وانكشاف النتائج وما قابل تلك الانقلابات من تزامن وتداعي، ظهرت الأسباب الحقيقية وكشفت عن المهندس الخفي.

وتتناثر هنا وهناك أحاديث عن اتفاق وقع عام 1951 بين بريطانيا وأمريكا؛ تتنازل فيه الأولى عن مستعمراتها للثانية.

أدوات الفشل

عملت الثورات المضادة -والتي هي في رأيي المدبر الرئيس للثورات العربية- على تسفيه الثورة الحقيقية وتخوينها، وتحميلها كل نقيصة -مع أنها لم تحكم مطلقا- وإقصاء القيادات النابهة المؤمنة بها، واستبداله بعناصرها المندسة، أو بسفهاء القوم.

كما عملت على خلط الأوراق، وتفجير الألغام في طريق الإصلاح، فضلا عن الخداع الإعلامي المستمر والمتدفق، وعمليات التطهير السياسي الكاذب، فيما سعت إلى إعطاء الشعوب درسا قاسيا وبليغا بخطورة السعي إلى التغيير، والمخايرة بينه وبين الفوضى والخراب، بل وحينما اكتمل نجاح مهمة الثورة المضادة تم تحميل الثورة كل الجرائم التي ارتكبتها الثورة المضادة، وكل الفساد الذي أغرقت فيه البلاد.

الربيع الحتمي

هل الربيع العربي مات؟ الربيع العربي لم يمت إطلاقا، فهو قادم لا محالة، وما هي إلا مسألة وقت، من الممكن طبعا أن يتم إفشاله عبر قيام الداعمين الدوليين للثورة المضادة بالتضحية ببعض عناصرها في الداخل، وتحسين الظروف السياسية والاقتصادية العامة التي تحول دون الانفجار المفاجئ للأوضاع، وسيكون ذلك الإجراء مجرد مسكن مرهون استمرار مفعوله بثبات الوضع الدولي الحالي، وبالطبع كل الإرهاصات تقول إن هذا الوضع هو الآخر ذاهب إلى التغيير.

وإما أن يستمر الوضع لفترة من الزمن تتعفن فيه تجربة الثورة المضادة بشكل لا يمكن علاجه، فتصل حالة التذمر لحد لا يمكن السيطرة عليه داخليا أو خارجيا، هنا الانفجار حتما سيطيح بالجميع، وسيحطم كل حلفاء الثورة المضادة.

تتزايد كل يوم احتمالات تفجر الربيع العربي الحقيقي، خاصة حينما صارت فاتورة الثورة أقل كلفة بكثير من فاتورة الاستكانة.

لقراءة المقال كاملا طالع عربي 21
https://arabi21.com/story/1490746/%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A

أو
https://arabi21.com/story/1490746/%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A

    29 يناير 2023

    سيد أمين يكتب: حينما يعادي المتطرفون أردوغان والإسلام

     لعل الأمر مدعاة إلى التأمل فعلا، فكلما زاد حقد متطرف غربي أو شرقي على الإسلام، سبّ رموز الدين الإسلامي ومقدساته وهاجم تركيا وأردوغان، وكلما أراد الغربي أن يعبر عن قوة الحضارة الغربية في مقابل الحضارة الإسلامية هاجم الإسلام ورموزه ثم الدولة العثمانية والدولة التركية وأردوغان.

    هناك حالة ربط دائم بين تركيا والاسلام في العقلية الغربية، وهناك إجماع غير محسوس في العقل الباطن الغربي على أن أردوغان هو من يمثل العالم الإسلامي رغم أنه لا يحكم إلا دولة واحدة فقط من نحو 56 دولة مسلمة في هذا العالم، ولا تمتاز هذه الدولة بينهم مثلا بأنها الأكثر سكانًا، ولا أنها تستحوذ على مقدسات الإسلام، ولا حتى أنها تتكلم بلغة القرآن، بل إنها من دونهم جميعا لها دستور يقول إنها دولة علمانية.

    وقد وصل الأمر إلى أنه في عام 2018 أغلقت النمسا سبعة مساجد وطردت عشرات الأئمة عقب عرض قدم في إحدى دور هذه المساجد ارتدى فيه الأطفال ملابس جنود الدولة العثمانية.

    كما أن الإرهابي الذي أطلق النار ببندقيته الرشاشة فقتل أكثر من 50 مصليًا في مجزرتين بمسجدين في نيوزيلندا عام 2019 كتب رسائل على الأسلحة تحمل تواريخ تشير إلى أن المذبحة تأتي ردًّا على انتصارات الدولة العثمانية والسلجوقية على الحملات الصليبية.

    وفي إطار الحرب المتصاعدة بين تركيا وفرنسا لجأ الرئيس الفرنسي إلى تشجيع إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، باعتبارها حرية تعبير وهي الرسوم التي احتجت عليها أنقرة ضمن عدد كبير من دول العالم الإسلامي عقب نشرها في السويد والدنمارك، وهنا رد عليه أردوغان بدعوة الشعب التركي إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، قائلا إن ماكرون بحاجة إلى الرعاية العقلية.

    الإساءة سياسية


    كثير من المؤشرات تشير إلى أن الواقعة التي جرت في السويد الأسبوع الماضي هي في الأصل سياسية، وأن سلطات السويد أرادت الرد على الوقوف التركي دون انضمامها إلى الحلف الأطلسي بالموافقة على تظاهرة لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا حركة إرهابية فيها إساءة لصورة أردوغان، وبقيام المتطرف الدنماركي بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم.

    وأكدت هذه الرؤية ما جاء في نص طلب التظاهرة، فبحسب تصريحات المتحدث باسم شرطة ستكهولهم فإن مواطنا دنماركيا سويديا يمينيا متطرفا قدم طلبا لتنظيم تظاهرة أمام السفارة التركية، كتب فيه تنظيم “مظاهرة ضد الإسلام في السويد عبر حرق القرآن ومظاهرة ضد رجب أردوغان الذي يضع عقبات أمام حرية التعبير في السويد”.

    لعل تلك الواقعة باختيار وقوعها أمام سفارة تركيا تعزز من صحة الرؤية الخاصة بأنهم يهاجمون الإسلام من أجل الإساءة إلى تركيا وقيادتها، وهي الرؤية التي عارضها مراقبون منهم الإعلامي المصري عمرو أديب فحاولوا التقليل من شأن الواقعة والإساءة إلى أردوغان، وتناسوا أن ذلك يرفع من مكانته ولا يحط منها.

    وربما أدركت القيادة التركية الأمر، فراحت تصعد من لهجتها اتجاه الواقعة بإلغاء زيارات كانت مقررة لوزير الدفاع ورئيس البرلمان السويديين لأنقرة، بل قامت تركيا بتكليف محامين سويديين بمقاضاة مرتكب الواقعة.

    المعارك الداخلية

    العجيب أن معارك أردوغان مع المعارضة التركية في الداخل يدور كثير منها أيضا حول الإسلام، وموقف الدولة منه ومن مظاهره، وخاصة مسألة منع أو إتاحة ارتداء الحجاب التي يشتعل الآن أوارها بسبب اتجاه حزب العدالة والتنمية لتحصين حرية ارتدائه في البلاد دستوريًّا قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/ أيار القادم.

    وقد أكدت استطلاعات الرأي التي أجرتها عدة جهات استقصاء مستقلة بعضها علماني التوجه، أن ما بين 55% و70% من الأتراك يفضلون التدين وعودة المظاهر الإسلامية إلى تركيا.

    لذلك تقوم الأحزاب المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري بمحاولة الظهور بمظهر من يكنون للإسلام التقدير في دعاياتهم الانتخابية، رغم التاريخ الممتد لهذا الحزب في العداء للمظاهر الإسلامية، مما يدل على أنهم أدركوا أن المصدر الرئيسي لشعبية أردوغان وحزبه هو الدفاع عن تلك المظاهر.

    ولقد وصل التماهي إلى درجة قول كمال كليشدار أوغلو زعيم هذا الحزب العلماني إن “الأذان بالعربية هو قيمة عالمية لديننا الإسلامي، أينما رُفع الأذان في العالم فهو يعبر عن نداء الإسلام”.

    وذلك للتخفيف من وطأة تصريح أطلقه نائبه يلماز أوزتورك الذي دعا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى إعادة الأذان باللغة التركية، كما كان يفرضه هذا الحزب قسرًا على الدولة التركية في عقود مضت، ودفع رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس رأسه ثمنًا لإعادته باللغة العربية.

    كل الدلائل تشير إلى أن أعداء أردوغان في الخارج والداخل نصبوه حاميًا للإسلام، سواء كان الأمر حقيقيًّا أم لا.

    اقرأ المقال على موقع الجزيرة مباشر

    https://ajm.me/0cmxe9?fbclid=IwAR0yMSyw9o7Vpdb-o4tmksyWiR3Du9ypFvbxLWCzdIxNg9tCfp07yAfW4RY


    https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2023/1/26/%D8%AD%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81%D9%88%D9%86-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86