مضت أكثر من عشر سنوات على تفجر موجة الربيع العربي، فبات أمره الآن أكثر وضوحا لمن التبس عليه الأمر، وازدادت القناعات بأن الثورات لا تستدعى، وكرة النار حينما تتدحرج لا بد لها أن تطال الجميع، لكن حينما تحرق أحدا وتكون بردا وسلاما على آخر، فالأمر يحمل الكثير من التساؤلات، لا سيما أن الظروف القُطرية متشابهة لحد التوحد، فالفساد واحد، والاستبداد واحد، والتبعية أيضا موجودة، وإن كانت تختلف فداحتها من قُطر لآخر.
أنا واحد من الناس الذين أمنوا منذ البداية بأن ربيعنا العربي "مصنوع"، وأنه من إخراج أجهزة أمنية في كل قُطر عربي، في إطار الصراعات السياسية الداخلية بينها على السلطة، وأن الهدف من تلك الثورات لم يكن أبدا الانتصار للديمقراطية، ولكن استخدام الشعوب لتغليب طرف في السلطة على طرف آخر.
ثم تدخل الراعي الأمريكي والغربي -ولعله هو المخطط الرئيسي- ليعممها على عدد من الدول العربية، من أجل تنفيذ ما يمكن تسميته بخطة "الترميم" الخاصة بترميم بعض نظم الموالاة من أجل تشديد قبضته على مفاتيح الحكم فيها، بعدما اهترأت قليلا جراء ظروف متنوعة، فيصعّد الأطراف الأكثر ولاء وفعالية لخدمة خططه المستقبلية وأهمها ما يعرف بـ"الشرق الأوسط الكبير".
وكان الأهم من ذلك تفعيل خطة "الهدم"، وهي التي يُستغل فيها ما ترسخ في الأذهان عن تداعي ثورات الربيع العربي ضد النظم المستبدة في الأقطار العربية، وبالتالي يستطيع (الراعي) توجيه كرة النار مستغلا حالة السخط الشعبي ضد الاستبداد في بعض من تلك النظم، خاصة تجاه تلك التي صنفها من قبل بـ"المارقة".
ولقد نجحت الخطة بشقيها؛ "الترميم" والهدم" بشكل منقطع النظير، بينما خاب أمل الشعوب العربية التي صارت تفضل ولو وقتيا استمرار الاستبداد والتبعية عن تجرع ويلات فشل الثورة مجددا.
تجربة سابقة
كانت هناك في منتصف القرن الماضي تجربة مثيرة كشفت الكثير مما يليها، فمع تنامي نفوذ الاتحاد السوفييتي والصين وحصولهما على الأسلحة النووية، سعتا لنقل التجربة لدول العالم الثالث التي كانت خاضعة في مجملها للاستعمار الغربي. هنا وجدت النظم الإمبريالية الغربية التقليدية كبريطانيا وفرنسا نفسهما بحاجة إلى التخلص من مستعمراتها؛ خشية الثورة المرتقبة بطريقة تمكنها من إدارتها من بعد، وتحول دون الانضمام للحلف الاشتراكي.
وجدت هذه الطريقة في واحدة من الأساليب التي نصح بها نيكولا ميكافيللي أميره للسيطرة على الدول والإمارات الأخرى، وهي أن يغزو الإمارة ويهين أغلبيتها ويعين من أقليتها حكاما عليها، وينسحب، فيصبح هذا الحاكم هو سوطه وهو مصدر حمايته الوحيد.
هكذا نقلت الدول الاستعمارية السلطة إلى قوى عسكرية مختارة في كل دولة عبر انقلابات عسكرية يمكن تسميتها ثورات، ومن خلال التحكم في تلك النخب العسكرية يمكن التحكم في الدولة كلها، وبذلك تداعت الانقلابات العسكرية في جميع الأقطار المحتلة، ونالت عقبها هذه الدول استقلالها المشكوك فيه.
وقتها لم يكن أحد يعلم حقيقة الأمر، لكن مع مرور الزمن وانكشاف النتائج وما قابل تلك الانقلابات من تزامن وتداعي، ظهرت الأسباب الحقيقية وكشفت عن المهندس الخفي.
وتتناثر هنا وهناك أحاديث عن اتفاق وقع عام 1951 بين بريطانيا وأمريكا؛ تتنازل فيه الأولى عن مستعمراتها للثانية.
أدوات الفشل
عملت الثورات المضادة -والتي هي في رأيي المدبر الرئيس للثورات العربية- على تسفيه الثورة الحقيقية وتخوينها، وتحميلها كل نقيصة -مع أنها لم تحكم مطلقا- وإقصاء القيادات النابهة المؤمنة بها، واستبداله بعناصرها المندسة، أو بسفهاء القوم.
كما عملت على خلط الأوراق، وتفجير الألغام في طريق الإصلاح، فضلا عن الخداع الإعلامي المستمر والمتدفق، وعمليات التطهير السياسي الكاذب، فيما سعت إلى إعطاء الشعوب درسا قاسيا وبليغا بخطورة السعي إلى التغيير، والمخايرة بينه وبين الفوضى والخراب، بل وحينما اكتمل نجاح مهمة الثورة المضادة تم تحميل الثورة كل الجرائم التي ارتكبتها الثورة المضادة، وكل الفساد الذي أغرقت فيه البلاد.
الربيع الحتمي
هل الربيع العربي مات؟ الربيع العربي لم يمت إطلاقا، فهو قادم لا محالة، وما هي إلا مسألة وقت، من الممكن طبعا أن يتم إفشاله عبر قيام الداعمين الدوليين للثورة المضادة بالتضحية ببعض عناصرها في الداخل، وتحسين الظروف السياسية والاقتصادية العامة التي تحول دون الانفجار المفاجئ للأوضاع، وسيكون ذلك الإجراء مجرد مسكن مرهون استمرار مفعوله بثبات الوضع الدولي الحالي، وبالطبع كل الإرهاصات تقول إن هذا الوضع هو الآخر ذاهب إلى التغيير.
وإما أن يستمر الوضع لفترة من الزمن تتعفن فيه تجربة الثورة المضادة بشكل لا يمكن علاجه، فتصل حالة التذمر لحد لا يمكن السيطرة عليه داخليا أو خارجيا، هنا الانفجار حتما سيطيح بالجميع، وسيحطم كل حلفاء الثورة المضادة.
تتزايد كل يوم احتمالات تفجر الربيع العربي الحقيقي، خاصة حينما صارت فاتورة الثورة أقل كلفة بكثير من فاتورة الاستكانة.
أنا واحد من الناس الذين أمنوا منذ البداية بأن ربيعنا العربي "مصنوع"، وأنه من إخراج أجهزة أمنية في كل قُطر عربي، في إطار الصراعات السياسية الداخلية بينها على السلطة، وأن الهدف من تلك الثورات لم يكن أبدا الانتصار للديمقراطية، ولكن استخدام الشعوب لتغليب طرف في السلطة على طرف آخر.
ثم تدخل الراعي الأمريكي والغربي -ولعله هو المخطط الرئيسي- ليعممها على عدد من الدول العربية، من أجل تنفيذ ما يمكن تسميته بخطة "الترميم" الخاصة بترميم بعض نظم الموالاة من أجل تشديد قبضته على مفاتيح الحكم فيها، بعدما اهترأت قليلا جراء ظروف متنوعة، فيصعّد الأطراف الأكثر ولاء وفعالية لخدمة خططه المستقبلية وأهمها ما يعرف بـ"الشرق الأوسط الكبير".
وكان الأهم من ذلك تفعيل خطة "الهدم"، وهي التي يُستغل فيها ما ترسخ في الأذهان عن تداعي ثورات الربيع العربي ضد النظم المستبدة في الأقطار العربية، وبالتالي يستطيع (الراعي) توجيه كرة النار مستغلا حالة السخط الشعبي ضد الاستبداد في بعض من تلك النظم، خاصة تجاه تلك التي صنفها من قبل بـ"المارقة".
ولقد نجحت الخطة بشقيها؛ "الترميم" والهدم" بشكل منقطع النظير، بينما خاب أمل الشعوب العربية التي صارت تفضل ولو وقتيا استمرار الاستبداد والتبعية عن تجرع ويلات فشل الثورة مجددا.
تجربة سابقة
كانت هناك في منتصف القرن الماضي تجربة مثيرة كشفت الكثير مما يليها، فمع تنامي نفوذ الاتحاد السوفييتي والصين وحصولهما على الأسلحة النووية، سعتا لنقل التجربة لدول العالم الثالث التي كانت خاضعة في مجملها للاستعمار الغربي. هنا وجدت النظم الإمبريالية الغربية التقليدية كبريطانيا وفرنسا نفسهما بحاجة إلى التخلص من مستعمراتها؛ خشية الثورة المرتقبة بطريقة تمكنها من إدارتها من بعد، وتحول دون الانضمام للحلف الاشتراكي.
وجدت هذه الطريقة في واحدة من الأساليب التي نصح بها نيكولا ميكافيللي أميره للسيطرة على الدول والإمارات الأخرى، وهي أن يغزو الإمارة ويهين أغلبيتها ويعين من أقليتها حكاما عليها، وينسحب، فيصبح هذا الحاكم هو سوطه وهو مصدر حمايته الوحيد.
هكذا نقلت الدول الاستعمارية السلطة إلى قوى عسكرية مختارة في كل دولة عبر انقلابات عسكرية يمكن تسميتها ثورات، ومن خلال التحكم في تلك النخب العسكرية يمكن التحكم في الدولة كلها، وبذلك تداعت الانقلابات العسكرية في جميع الأقطار المحتلة، ونالت عقبها هذه الدول استقلالها المشكوك فيه.
وقتها لم يكن أحد يعلم حقيقة الأمر، لكن مع مرور الزمن وانكشاف النتائج وما قابل تلك الانقلابات من تزامن وتداعي، ظهرت الأسباب الحقيقية وكشفت عن المهندس الخفي.
وتتناثر هنا وهناك أحاديث عن اتفاق وقع عام 1951 بين بريطانيا وأمريكا؛ تتنازل فيه الأولى عن مستعمراتها للثانية.
أدوات الفشل
عملت الثورات المضادة -والتي هي في رأيي المدبر الرئيس للثورات العربية- على تسفيه الثورة الحقيقية وتخوينها، وتحميلها كل نقيصة -مع أنها لم تحكم مطلقا- وإقصاء القيادات النابهة المؤمنة بها، واستبداله بعناصرها المندسة، أو بسفهاء القوم.
كما عملت على خلط الأوراق، وتفجير الألغام في طريق الإصلاح، فضلا عن الخداع الإعلامي المستمر والمتدفق، وعمليات التطهير السياسي الكاذب، فيما سعت إلى إعطاء الشعوب درسا قاسيا وبليغا بخطورة السعي إلى التغيير، والمخايرة بينه وبين الفوضى والخراب، بل وحينما اكتمل نجاح مهمة الثورة المضادة تم تحميل الثورة كل الجرائم التي ارتكبتها الثورة المضادة، وكل الفساد الذي أغرقت فيه البلاد.
الربيع الحتمي
هل الربيع العربي مات؟ الربيع العربي لم يمت إطلاقا، فهو قادم لا محالة، وما هي إلا مسألة وقت، من الممكن طبعا أن يتم إفشاله عبر قيام الداعمين الدوليين للثورة المضادة بالتضحية ببعض عناصرها في الداخل، وتحسين الظروف السياسية والاقتصادية العامة التي تحول دون الانفجار المفاجئ للأوضاع، وسيكون ذلك الإجراء مجرد مسكن مرهون استمرار مفعوله بثبات الوضع الدولي الحالي، وبالطبع كل الإرهاصات تقول إن هذا الوضع هو الآخر ذاهب إلى التغيير.
وإما أن يستمر الوضع لفترة من الزمن تتعفن فيه تجربة الثورة المضادة بشكل لا يمكن علاجه، فتصل حالة التذمر لحد لا يمكن السيطرة عليه داخليا أو خارجيا، هنا الانفجار حتما سيطيح بالجميع، وسيحطم كل حلفاء الثورة المضادة.
تتزايد كل يوم احتمالات تفجر الربيع العربي الحقيقي، خاصة حينما صارت فاتورة الثورة أقل كلفة بكثير من فاتورة الاستكانة.
لقراءة المقال كاملا طالع عربي 21
https://arabi21.com/story/1490746/%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A
أو
https://arabi21.com/story/1490746/%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق