28 يونيو 2019

عصام حجي يكتب :د. محمد مرسي في ميزان العلم والأخلاق

 
ليس رثاءً ولا نعيًا؛ لكنها الحقيقة المجردة أكتبها عن الدكتور محمد مرسي الأكاديمي والإنسان. ‏أكتب الحقيقة ولا أخاف لومة لائم، إنصافًا لإنسان شوه الجهل صورته، وسجن الظالمون أسرته، ‏وتخلّى عنه إعلام الغرب الذي عاش ودرس وعلّم فيه، وتخاذل عن دعمه كثيرون من الوسط ‏الأكاديمي الذي كان أول من أنصفه في فترة رئاسته.
هناك علماء رأوا أن التعفف عن مناصرة الحق -‏في لحظة فاصلة- دلالة على شغفهم بالعلوم والأبحاث؛ وأي علم هذا الذي لا يحارب الجهل ولا ‏ينصف مظلومًا ولا ينصر الحقيقة ولا يرقى بأمة؟! 
وإن لم تضف الحقيقة التي أكتبها أي شيء لقيمة الرجل الذي كان مسجونًا وراء القضبان بعد الثالث ‏من يوليو/تموز 2013، بينما كنت أنا أشغل مكتب فريقه الاستشاري في قصر الرئاسة؛ فإن هذه ‏الحقيقة درس هام يعكس المكانة التي يشغلها العلم والتعليم في المشهد الإنساني والفكري العربي. ‏ 
سلكنا نفس الطرق ولكن لم يجمعنا أبدا أي حوار، سكن كلانا مدينة لوس أنجلس، درس د. مرسي ‏بجامعة ساوثرن كاليفورنيا العريقة والتي أعمل فيها حاليًا، وشارك في مشروعات وكالة الفضاء ‏الأميركية (ناسا) التي أنتسبُ إليها منذ عام 2003، وأخيرًا عمل كلانا نفس المدة تقريبًا بقصر ‏الاتحادية الرئاسي بمصر، فكان رئيسًا للجمهورية ثم كنت أنا مستشارا علميا في القصر ذاته ولكن ‏بعد عزل د. مرسي. ‏ 
وبالنظر إلى مسارنا المشترك؛ تجعلني هذه المراحل قادرًا على إعطاء نظرة واقعية لهذه الشخصية ‏الفريدة التي تتفق معها أو تختلف، هي شخصية مستنيرة قادرة على إحداث طفرة في مصير مصر، ‏وسأشرح ذلك من خلال تعليمه ومفهومه للتسامح


العلم والتعليم بحياة مرسي
لم يكن د. محمد مرسي فقط أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، ولكنه -وهو الأهم- كان الرئيس ‏الأفضل تعليمًا وعلمًا من كل من سبقوه، وكان لذلك حضور دائم في حياته المهنية؛ فتراه دقيقًا في ‏وصفه للأرقام، واثقًا في الخطوات، واضحًا في كلامه، حاضر البديهة في حواراته، متواضعًا في ‏سلوكه، معترفًا بأخطائه، ومستشيرًا أصحاب الخبرات في إصلاحها أكثر من كل من سبقوه. 
في آخر كلماته داخل القفص الزجاجي العازل في المحكمة؛ كان يواجه القاضي بالحجة العلمية ‏قائلًا: "علميًا إن كنت لا أراك فأنت لا تراني". ومنذ وصوله قصر الاتحادية؛ كانت أولى قرارته هي رفع ‏أجور أعضاء هيئة التدريس، ورفع ميزانية الجامعات، وشكّل لجنة للنهوض بالبحث العلمي، وبدأ ‏منظومة للاستعانة بالعلماء والأكاديميين بالخارج.‏ 
كان د. محمد مرسي يقول دائمًا عن نفسه إنه ليس إنسانًا كاملًا، لكنه -خلافًا عمن سبقوه ومن ‏تبعوه في هذا المنصب- كان يمتلك القدرة على التطور والتحسن، بفضل تعليمه القوي وحياته في وسط ‏أكاديمي متميز ومتعدد الأعراق، طيلة سنوات وجوده في الولايات المتحدة. فدرس الدكتور مرسي ‏بجامعة ساوثرن كاليفورنيا العريقة في كلية هندستها ذائعة الصيت، وتخصص في علم الفلزات الذي ‏كانت له تطبيقات هامة في مجال الفضاء. 
وكيف لا يُشهد للدكتور مرسي بالتفوق وقد كان نيل أرمسترونغ -أول رائد فضاء- أحد طلاب نفس ‏الكلية وهو يخطو أولى خطواته على القمر، وتخرج منها كذلك شارلز بودن أول رئيس من أصول ‏أفريقية لوكالة ناسا، وتخرج من الجامعة بشكل عام قادة ومفكرون منهم مصطفى العقاد مخرج فيلم "‏الرسالة"، وأيضًا رئيس وزراء اليابان وغيرهم، وتُعرف هذه الجامعة بانتقائها للعقول المبدعة ‏والشخصيات القيادية غير التقليدية، وتتشدد في قيم التسامح الديني والعرقي. 
ولذلك كان من الطبيعي جدًا أن يجد خريجوها فرص عمل متميزة في الوسط الأكاديمي، كما صار ‏مع د. مرسي بتعيينه أستاذً مساعدًا بجامعة ولاية كاليفورنيا في مدينة نورثريدج شمال غربي لوس ‏أنجلس، بعد حصوله على درجة الدكتوراه بها عام 1982. 
من ساحة ‏جامعة ساوثرن كاليفورنيا التي درس فيها مرسي (الجزيرة نت)
ولكن د. مرسي قرر -بعد فترة أمضاها في هذه ‏النجاحات- العودة إلى وطنه في عام 1986، ليصبح عضوًا بهيئة التدريس في جامعة الزقازيق؛ ‏ناقلًا ما تعلمه بالولايات المتحدة إلى مصر. 
قد لا يفهم كثيرون هذا السلوك في حياة د. مرسي لأنه يمثل فئة نادرة في مجتمعنا المصري، وهي ما يسمى الفئة الأولى من "القادمون" (انظر مقالا سابقا للكاتب في الجزيرة نت)، وهي فئة الباحثين الذين ‏يعودون إلى أوطانهم بعد إتمام الدراسات في الخارج، وتمثل فقط 5% ممن يسافرون اليوم للتعلم ‏في الغرب. 
وعادةً تتميز هذه الفئة -وخاصة من يتخرجون منها في جامعة مرموقة- برغبة قوية في ‏التغيير وقدرة عالية على المواجهة، ويمثل د. محمد مرسي نموذجًا واضحًا لهذه الفئة؛ فقد كان يرى أن النجاح الكامل لا يتم إلا على أرض الوطن. 
قد يتساءل البعض: ما الذي يجعل د. محمد مرسي عالما؟ وقد يرون ذلك مبالغة في الأمر ولكن ‏الحقيقة غير ذلك، فللمعرفة شقان: الأول هو اكتشاف أسرار هذا الكون الذي نعيش فيه، والثاني هو ‏محاربة الجهل. وقد يكون للدكتور محمد مرسي نصيبٌ توقّف عن النمو مبكرًا في الشق الأول، إلا ‏أن له نصيبًا هامًا في الشق الثاني، إذ عاش طيلة حياته مطالبا بأن تكون المعرفة والحقائق أساس ‏صنع القرار. 
لذلك أحسبه من رجال العلم في مصر، ووصفه من هو أكبر مني شأنًا وأعلى مني ‏مقامًا الراحل الدكتور أحمد زويل بالعالم، ولم يكن وصفه بالخاطئ أو بالمجامل؛ فالدكتور زويل ‏يزن كلماته في العلم بدقة يحاسب عليها الرأي العام العالمي وليس فقط المصري، وهو كان يعي ذلك ‏جيدًا.

التسامح الديني لدى مرسي
أشيع مرارا وتكرارا أن الانتماء الفكري للدكتور مرسي يجعله غير منفتح على الديانات والثقافات ‏المختلفة، واعتمد من أشاع ذلك على بساطة مظهره بلحيته وفطرة سلوكه.
وأذكر هنا أن د. مرسي التقى -في أول زيارة له ‏للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2012- بالجالية المصرية في ‏قاعة مفتوحة تسمح بدخول الجميع، وكان ذلك بأحد فنادق تايم سكويرز في قلب نيويورك، ‏وتوجهت إلى هذا اللقاء الذي حضره ما يقارب 200 مصري، وقد أجاب د. مرسي بكل دقة ‏وصدق على أسئلة الجالية المصرية. 
كان من بين المصريين سيدة قبطية فاضلة شكت له بقوة ما يتعرض له الأقباط من تمييز وعنف في ‏الشارع المصري، فحاول بعض الحضور اعتراض كلامها وهنا أمرهم د. مرسي بالسكوت حتى ‏تستطيع السيدة البوح بشكواها بكل حرية، ثم أجابها. لم تعجبها إجابة د. مرسي التي لم ترَ فيها إلا ‏مجرد كلام عام في التسامح لا وجود له على أرض الواقع، فظلت تصرخ ضده؛ وهنا توجه الأمن ‏الخاص بالرئاسة وأمرها بالجلوس برفق. 
وبعد انتهاء الجلسة توجه إليها الدكتور مرسي أثناء ‏خروجه وقبل رأسها وفتح لها الطريق للخروج قبله، ولم يشتد وجهه إلا عندما نهَر أحد مرافقيه كان ‏يريد الرد بشكل غير لائق على هذه السيدة. كنت أقف على بعد أمتار منه، والتقت نظراتنا بابتسامة خفيفة منه ودهشة مني، وخرج من القاعة ‏وكلانا لا يدرك ما تخفيه الأقدار للآخر. 
نعم كان د. محمد مرسي متسامحًا ومحبًا للأديان الأخرى ‏بصدق، وكيف لا وقد عاش ودرس في أكثر مدن أميركا اختلاطًا بالأديان والأعراق، فجامعة ‏سوثرن كاليفورنيا بها أكبر عدد من الطلبة الأجانب بالمقارنة بكل جامعات الولايات المتحدة وأعضاء ‏هيئة التدريس من كل أنحاء العالم. 
بينما يتحدث قادة عن التسامح والمحبة بين الشعوب؛ عاشر الدكتور مرسي هذا التسامح سنوات ‏طويلة كطالب وأستاذ مدرس بجامعات ولاية كاليفورنيا، وهي الولاية الأكثر انفتاحا في كل الولايات ‏المتحدة. 
ولو كان ثبتت عليه أي آثار للتعصب أو العداء للأديان لما كان أتم دراسته أو عين عضواً في ‏هيئة تدريس بجامعات كاليفورنيا، التي تتوخى حرصًا شديدًا في قضايا العنصرية والكراهية الدينية، ‏خاصة بعد أحداث العنف التي عرفتها الولاية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي. 
كان احترام الدكتور مرسي لاختلاف الأديان صادقًا وحقيقيًا، ونابعًا من تجربته الناضجة والناجحة ‏في الولايات المتحدة، وليس مجرد مغازلة للغرب كما نرى اليوم في من يدّعون التسامح وهم لا ‏يقبلون الاختلاف في الرأي بالأساس حتى يقبلوا بالاختلاف في الدين، وليس لهم أي تاريخ يذكر في ‏التعايش مع أي ثقافات مختلفة.‏ 
كان في قرارة نفسي أن ثورة يناير تستطيع أن تنقلنا من دولة الجهل والظلم التي نعيشها إلى دولة ‏العلم والعدل التي نحلم بها، ولكنه فاتني أن ذلك لن يكون إلا مرورًا بدولة الأخلاق التي سعى د. ‏محمد مرسي لتأسيسها بخبرته، أساسًا كأكاديمي تتلمذ وعمل في وسط فكري وأخلاقي متميز قبل أي ‏شيء آخر. 
وبعيدًا عن المشهد العبثي والمشوه للسياسة والإعلام في مصر؛ كان الدكتور محمد ‏مرسي رئيسًا داعمًا للعلم ومات محاربًا للجهل. أنصف أو أخفق أرى أن حسابه عند خالقه أيسر منا ‏جميعًا، رحمه الله

سيد أمين يكتب: أبدًا لم يرحل أيقونة ثورة مصر

رغم طعم المرارة في الحلق إلا أنه لم يفاجئني قط خبر استشهاد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر في محبسه، فذلك كان متوقعًا منذ اليوم الأول لاعتقاله عام ٢٠١٣، سواء أكان ذلك بالإهمال الطبي أو حتى بدس سم ممتد التأثير ومتراكم المفعول في طعامه وشرابه على غرار ما حدث مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وذلك لأن صمود الدكتور محمد مرسي في محبسه وامتلاكه صك الشرعية التي تسلمها من أشهر انتخابات نزيهة في تاريخ مصر ظلت طيلة ستة سنوات من الانقلاب هي الحائل الأكبر دون أن يهنأ النظام الحاكم بانقلابه، وأداة الابتزاز الكبرى التي تمارسها كل نظم العالم شرقًا وغربًا عليه، فضلا عن أن ما يمتلكه مرسي من معلومات وشهادات كانت تشكل “تهديدًا” لآخرين، وهى ما عبر هو – رحمه الله – عن وجودها في إحدى أشهر التسريبات الصوتية لمحاكمته، مؤكدًا أنه لديه معلومات كثيرة تفيد أنه مهدد بخطر القتل وأنه أيضًا يهدد آخرين.
ربما تلك المعلومات التي كان يملكها مرسي ويريد البوح بها للمحكمة ولو في جلسة سرية كانت مدعاة للعمل على منع وصول صوته للجماهير أو حتى للمحكمة وهيئة دفاعه وأسرته، تارة عبر العوازل الزجاجية الجبارة التي قد تتحكم في وصول الصوت من عدمه، وتارة عبر منعه من لقاء أسرته طيلة ستة سنوات سوى ثلاثة مرات فقط تحت ضغوط دولية كما يتردد، وكذلك منعه من مقابلة هيئة دفاعه لفترات طويلة، وتارة ثالثة عبر منع وصول صوته للجماهير في تلك المحاكمات عبر منع إذاعة محاكماته بزعم إمكانية تواصله مع الإرهابيين من خلالها، ناهيك عن حرمانه من الرد على سيل الاتهامات التي يروجها الإعلام المصري عنه من طرف واحد.
والواقع أنه بعد كل جريمة سياسية مباراة كرة قدم، وقبل كل جريمة سياسية مباراة لكرة القدم، وبقدر حجم المباريات تكون الجريمة، هذا هو الحال في أغلب دول وطننا العربي عامة وفي مصر خاصة، ولم يعد خافيًا على أي راصد نابه الربط المذهل بين استشهاد الرئيس الدكتور محمد مرسي قبيل أيام من بطولة كأس الأمم الأفريقية إلى جانب تواجد عدة قرائن أخرى منها أنه استشهد في مشهد واضح أنه أعد بدقة ليكون علنيًا في جلسة محاكمة وفي شهر يونيو الذي يتخذه النظام لاستدعاء ظواهر توطيد حكمه كدعاية لنجاحه السياسي، والمدهش أن مرسي استشهد في نفس اليوم الذي اعلن فيه فوزه في الانتخابات عام 17 يونيو 2012 قبل ستة سنوات.

أيقونة الثورة

كما كان مرسي أحد أهم من اعتقلتهم السلطة حين تفجرت ثورة يناير، كان هو أيضًا نتاجًا لأول انتخابات ديمقراطية شهدتها مصر بعد الثورة، وكان صموده وثباته ورفضه لكل إملاءات الغرب أثناء عام حكمه تمثيلًا صادقا للثورة ومطالبها المنادية بالاستقلال ورفض التبعية، فضلًا عن أنه كان تعبيرًا صادقًا عن دولة الحرية والديمقراطية التي تمنتها الثورة والتي تتيح لكل مواطن أن ينتقد رئيس الجمهورية ليس عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ولا في مظاهرات وندوات واعتصامات وخلافه، بل أيضًا في وسائل إعلام الدولة ذاتها دون خوف أو وجل، ثم كان صمود مرسي في محبسه بعد الانقلاب ورفضه التسليم بسلطة الأمر الواقع سببًا في استمرار روح الثورة في قلوب المصريين حتى الآن رغم القمع المفرط الذي استخدمته الثورة المضادة طيلة تلك السنين الطويلة.
كل ذلك جعل الرئيس مرسي استحق بجدارة لقب “أيقونة الثورة” حتى وأن كلفه ذلك حياته وحرية أسرته ولولاه لكانت ثورة يناير حلمًا من أحلام الكرى أمن المستبدون استحالة تكرارها.
وكأن الرجل تزوج زواجًا كاثوليكيًا من حب الوطن للدرجة التي جعلت آخر كلماته في المحكمة “بلادي وأن جارت علي عزيزة” ليرد ردًا بليغًا موجزًا على سيل اتهامات التخوين التي أطلقها إعلام الثورة المضادة والتي حرموه أيضًا من تفنيدها.

تخليد ذكراه

كنت اعتقد أن السلطة الحاكمة في مصر أكثر ذكاء من أن تدفن جثمانه ليلًا وسرًا ودون حضور إلا عدد قليل من أسرته، كان يمكنها أن تتجنب الجنازة الشعبية الواجب إقامتها له التي تخشاها إلى إقامة جنازة عسكرية كما تفعل مع كل رئيس لمصر، وهو ما توقعته خاصة أنه رأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحكم منصبه، لكن ما حدث كشف عن أنهم يخشونه حيًا وميتًا وتجاوزوا القانون والدستور والعرف في كل إجراءات التعامل معه.
فعل الأمريكان ذلك مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، تعمدوا تشويه صورته بكثير من الادعاءات، وضعوه في حفرة ثم أخرجوه منها لكسر هيبته – رغم أنهم تركوه يرد على الادعاءات على عكس ما حدث لدينا – لكن الاحتلال زال فيما مثل الرجل أسطورة عربية، وأيقونة الوطنية ليس في العراق فحسب بل لدي كل الشعوب الطامحة في الاستقلال في العالم، ولذلك سيخلد التاريخ مرسي كما خلد ذكر صدام وخلد من قبله عمر المختار وأحمد عرابي وغيرهم.
شئنا أم أبينا فقد دخل مرسي التاريخ من أوسع أبوابه، وموته لن يقضي على ثورة يناير بل سيفجرها من جديد، فقد زال السبب الذي استخدمته السلطة للحفاظ على حالة الانقسام التي صنعتها في المجتمع المصري، وأصبح الجميع يد واحدة من أجل استكمال ما بدأوه عام ٢٠١١ ولم يستكملوه، خاصة أن القدر يغلي بالغضب.

24 يونيو 2019

محمد سيف الدولة يكتب: النعى المحظور



على كل من يفكر فى تقديم واجب العزاء فى الدكتور محمد مرسى او نعيه، ان يفكر ألف مرة فى العواقب التى يمكن ان تترتب على ذلك، بدءا بالسب والقذف على لسان اللجان الالكترونية ومرورا بالهجوم والشيطنة وإلقاء التهم على ايدى اعلام السلطة بالانضمام الى جماعة ارهابية او بمساعدتها على تنفيذ مخططها لهدم الدولة المصرية.
ولكن رغم كل هذه المخاطر والعواقب المُحتملة، الا ان ساحات التواصل الاجتماعى شهدت اقبالا كبيرا على نعيه والترحم عليه والتعاطف مع حالته، من كافة التيارات والأطياف والشخصيات بما فيها تلك المختلفة مع الاخوان جملة وتفصيلا. على غرار ما يحدث على الدوام عند وفاة اى شخصية مصرية عامة أياً كانت مرجعياتها الايديولوجية أو انتماءاتها السياسية.
بالاضافة الى انه مهما كان تقييم الدكتور محمد مرسى والاخوان فانهم لا يستحقون ما يحدث لهم من اجتثاث سياسى وعصف امنى لم تشهد له مصر مثيلا منذ مذبحة المماليك على ايدى محمد على.
خاصة وأنهم ليسوا وحدهم الضحايا لهذا العصف السياسى والامنى، فكل من شارك فى ثورة يناير مدنيا كان او اسلاميا، اصبح اليوم على قوائم السلطة السوداء، محاصرا ومحظورا ومطاردا ومهمشا ان لم يكن نزيل السجون والمعتقلات.

وبالذات لان كل ذلك يأتى بعد ما انتزعته ثورة يناير من حقوق وحريات وصل سقفها لعنان السماء، وحين حدث ما يحدث الآن من مصادرة كل هذه الحقوق والحريات، فان الرسالة الوحيدة التى وصلت للجميع هو ان راس ثورة يناير هى المطلوبة وليس راس الاخوان فقط.
وهو ما جعل الصدمة من وفاة محمد مرسى كبيرة، اولا لما تعرض له فى محبسه من ظلم عظيم والثانية لخشية كل أطياف المعارضة من ان يكون هذا هو مصيرهم ايضا فيما اذا رأت السلطة فيهم تهديدا لسلطتها وسطوتها وقبضتها على مقاليد الحكم.
***
صحيح أن الاخوان قد تجرأوا على الاقتراب من كراسى الحكم والسلطة، وصدقوا بكل سذاجة ان الحكاية فى مصر قد اصبحت ديمقراطية وانتخابات وصناديق، ولكن عذرهم ان لا احد فى المجلس العسكرى او الدولة العميقة والنظام القديم قد حذر بعد قيام ثورة يناير، من ان الاقتراب من كراسى السلطة خط احمر. ولو كانوا قد قاموا بمثل هذا التحذير لربما كان الاخوان وغيرهم قد فكروا ألف مرة قبل ان يقدموا على هذه الخطوة.
***
ان ظاهرة حظر السلطة لتيار سياسى بعينه وتوقيف واعتقال عناصره، هى للأسف الشديد، ظاهرة قديمة فى مصر، شاهدناها فى عصورنا السياسية المختلفة حدث ذلك مع الشيوعيين والاخوان واحزاب العصر الملكي فى الخمسينات والستينات، وحدث مرة اخرى مع ما أسموه بمراكز القوى والناصريين التنظيمات الشيوعية فى السبعينات وحدث مع الجماعات الاسلامية فى الثمانينات والتسعينات وهكذا.
بالإضافة الى ان ظاهرة الصراع على السلطة وعلى الهوية وحظر الدولة لتيار او حزب او تنظيم سياسى بعينه لا تقتصر على مصر فهى جرثومة منتشرة منذ سنوات طويلة فى عديد من الأقطار العربية، فى العراق ولبنان وسوريا وليبيا وتونس والمغرب والجزائر والسودان وحتى فى فلسطين. وليست حالة الانقسامات والصراعات السياسية والاستقطابات الطائفية والمذهبية والمحاور الاقليمية والعمليات الارهابية والحروب الاهلية والحروب بالوكالة التى ضربت المنطقة فى السنوات الأخيرة سوى النتيجة الطبيعية لكل هذا الحظر والتخوين والتكفير المتبادل بين تيارات وقوى الامة. 
***
وفى النهاية تظل الأسئلة الأهم:
· هل يمكن من الناحية العملية القيام باجتثاث احد تيارات الامة الاربعة الرئيسية اجتثاثا كاملا ونهائيا من اى مجتمع عربى؟
· هل يمكن ان تمر سياسات الظلم والقهر لقطاعات واسعة من المواطنين على أسس سياسية أو طبقية أو دينية أو طائفية او جغرافية .. الخ، بدون أن تتولد انواع من المقاومة وردود فعل عنيفة أو خطيرة ان عاجلا ام آجلا؟
· هل يمكن أن تسود الطمأنينة والاستقرار فى اى مجتمع فى ظل صراعات وتربصات دائمة بين تيارات وقوى المجتمع الرئيسية؟
· هل يمكن ان تنجح الاجراءات الاستثنائية والقبضة الامنية مهما بلغت قوتها، فى توفير البيئة المناسبة للنمو والتنمية والتقدم؟
لا أظن.
*****
القاهرة فى 21 يونيو 2019

محمد سيف الدولة يكتب: الوطنية على نهج ابراهيم يسرى

Seif_eldawla@hotmail.com
اكتب هذه السطور فى نعى ورثاء السفير ابراهيم يسرى الاستاذ الكبير والمحامى القدير والمناضل الصلب والصديق الحميم.
***
·  حين كان يعمل سفيرا فى وزارة الخارجية، قدم لمصر خدمات جليلة منها دوره الرئيسى فى "اللجنة القومية العليا لطابا" التى كانت وراء عودة طابا بالتحكيم الدولى.
· ورغم شغله لمنصب رسمى فى الدولة الا ان بوصلته الوطنية لم تنحرف حين انحرفت بوصلة الدولة المصرية مع اتفاقيات كامب ديفيد وبعدها.
·  وحين تقاعد، كان من القلة القليلة التى تعد على اصابع اليد الواحدة التى عارضت السياسة الرسمية للدولة والتحقت بصفوف المعارضة وتحملت كل ما ترتب على ذلك من عواقب ومخاطر وتهميش.
·  وهو واحد من المحامين القلائل الذين دأبوا على الاشتباك مع السلطة، ايام مبارك وبعده، فى مجلس الدولة والمحكمة الدستورية فى قضايا تمس الامن القومى المصرى والمصالح العليا للبلاد مثل تصدير الغاز لاسرائيل، ورفض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص لانها تجور على الحقوق المصرية، وبطلان التوقيع على الاتفاقية الثلاثية بين مصر والسودان واثيوبيا بخصوص سد النهضة لإضرارها بحصة مصر من مياه النيل. وانعدام حكم المحكمة الدستورية الذى قضى بالغاء الاحكام السابقة الصادرة بخصوص الطعن على قرار الحكومة بنقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية وغيرها. 
·  وفى معارك بعينها كان هو قائدها و راس الحربة فيها، حين عبر عن الضمير المصرى وبادر نيابة عن كل المصريين برفع دعوى امام مجلس الدولة ضد تصدير الغاز المصرى لاسرائيل، وقام بتأسيس حملة شعبية واسعة فى هذا الصدد.
· ولقد ترك لنا السفير ابراهيم يسرى عديد من الكتب والدراسات الهامة مثل ((النيل ومصر وسد النهضة ـ وحروب القرن الافريقى)) و ((حتمية تجديد الدبلوماسية العربية)) و ((تطور القضاء الجنائى الدولى فى ملاحقة الجرائم ضد الانسانية)) وغيرها التى تعكس ثقافته الموسوعية فى مجال العلاقات الخارجية والدبلوماسية وفى مجال القانون الدولى والاتفاقيات الدولية.
· وحين شارك بعد تقاعده فى معترك العمل الوطنى والسياسى اختار ان يخوضه مستقلا عن اى حزب او تيار، ومع ذلك فانه كان محل احترام وتقدير من الجميع باختلاف مرجعياتهم الفكرية والسياسية والحزبية.
· وفى سنوات المخاض قبل ثورة يناير كان فى مقدمة الصفوف، وبعد الثورة كان فى القلب منها منذ لحظاتها الاولى حتى يوم رحيله.
· وحين ضربت جرثومة التفكك والانقسام والصراع القوى السياسية فانشقت الى مدنيين واسلاميين، رفض اى يكون جزءً من الانقسام ورفض اجتثاث اى تيار، وكان رفيقا وصديقا للجميع، وظل يحاول لم الشمل حتى آخر نفس فى حياته.
·  ولقد ترجم ذلك فى عديد من المواقف والمبادرات والانشطة آخرها كانت محاولاته لتشكيل عديد من منتديات ومجموعات الحوار الفكرى والسياسى بين كافة الفرقاء على موقع "واتساب" الشهير، فأسس مجموعات "شخصيات وطنية" و "تيران وصنافير مصريتان" و "سد النهضة" و " مشروع القرن ام ثورة عربية" و " غازنا المنهوب من اسرائيل" وغيرها، والتى ضمت فى عضويتها عديد من الشخصيات المصرية المعارضة من كافة التيارات والاتجاهات التى رحبت بدعوته لها فشاركت وتفاعلت وتحاورت معا بعيدا عن أجواء الانقسام والكراهية التى ضربت الحياة السياسية.
·   لقد كان رجلا شديد الصلابة، لم يستسلم لحالته الصحية التى كانت تسبب له صعوبات جمة فى الحركة وفى الحديث، فكان يحرص دائما على المشاركة مهما بلغت درجة الارهاق والمعاناة.
· وكان عليه رحمة الله، متطهرا تماما من اى من تلك الامراض الذاتية المنتشرة فى الحياة السياسية، ورغم رصيده وتاريخه الغنى بالعطاء والفاعلية والتقدير، الا انه كان يتميز بأدب جم وبتواضع حقيقى غير مصطنع، ولم يسعَ ابدا وراء اى منصب او موقع او مكانة خاصة فى كل الحركات والفاعليات والتجمعات التى شارك فيها.
· ان التكريم الحقيقى لشخص وتاريخ وعطاء ابراهيم يسرى هو من خلال اعلاء كل القيم التى تبناها وتمسك بها وناضل من اجلها: الوطنية والاستقلال والشجاعة والاقدام والعمق الفكرى والقانونى والمهنية العالية والعطاء والانتاج المستمر والتواضع لله والتواصل مع الجميع.
·  رحم الله الفقيد الغالى.
*****
القاهرة فى 11 يونيو 2019

03 يونيو 2019

(دروس وطنية للمرتدين والمبتدئين) الصهيونية

فى ذكرى النكبة وفى مواجهة صفقة القرن
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
لا شك ان الردة ليس فى الأديان فقط، ولكن فى المبادئ والمواقف الوطنية كذلك. فلقد شهدت مصر والمنطقة العربية فى السنوات والشهور القليلة الماضية ارتدادا فجا ومبتذلا عن الثوابت الوطنية المصرية والعربية وهرولة غير مسبوقة للتطبيع مع (اسرائيل) بل للتحالف معها، مع انتشار ظاهرة جديدة فى الاعلام الرسمى العربى وهى مهاجمة الشعب الفلسطينى والمقاومة، والدفاع عن العدو الصهيونى وتبرير جرائمه او تجاهلها والصمت عليها فى أفضل الأحوال، وهو ما ظهر جليا فى العدوان الاخير على غزة، وفى الصمت أو التواطؤ لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية فيما يسمى بصفقة القرن، وهو ما لم يحدث من قبل حتى فى أحلك العصور.
وهو ما يعنى اننا بصدد حالة من الردة الوطنية أو ربما الأمية السياسية، لذا توكلت على الله، وأعددت هذه الورقة التى تعيد التذكير بماهية وحقيقة المشروع الصهيونى وخطورته، لعلهم يستوعبون ويتوبون ويعودون عن ردتهم. ولكن الأهم منهم هم الشباب الذى قد يتأثر بأكاذيب هذا الاعلام الرسمى العربى، ويصدق ما به من ضلالات.
أما بعد:
·       منذ تشكلت الحركة الصهيونية فى اواخر القرن التاسع عشر وهى تهدد وجودنا وتغتصب اراضينا وتعتدى علينا وتذبح اهالينا وتقتلنا وتطردنا من اوطاننا وتتحالف مع مستعمرينا.
·       وبسببها هى والاستعمار، وعلى امتداد اربعة أجيال، ونحن نعانى من العجز عن الاستقلال والعجز عن التطور والعجز عن العيش حياة طبيعية آمنة مثل باقى شعوب الارض.
·       لقد كان المشروع الصهيونى وما زال بالنسبة لنا كاللعنة التى افسدت كل شىء وحولت حياتنا الى جحيم يومى وحرمتنا من ابسط الحقوق الانسانية وهى حق الوجود الآمن والمستقر، حق الاختصاص بالوطن فى هدوء وسلام وسكينة وبدون منازعة أو تهديد.
·       ان الصهيونية فى كلمتين هى حركة استعمارية، عدوانية، استيطانية، احلالية، توسعية.
·       وهى تزيف تاريخنا وتاريخ العالم وتهدد وجودنا فتدعى اننا نحن العرب نمثل احتلالا لهذه الارض منذ الغزو(الفتح) العربى الاسلامى.
·       وتدعى ان اليهود هم اصحاب الارض الحقيقيين فى المنطقة الواقعة بين النيل والفرات (ارض الميعاد)، وأن اليهود فى كل انحاء العالم يمثلون امة واحدة وشعب واحد، ولهم وطن واحد هو الارض التى نعيش نحن عليها منذ آلاف السنين.
·       كما تدعى ان باقى الارض العربية ايضا ليس ملكا للشعب العربى بل ملكا للشعوب التى كانت تعيش هنا قبل الغزو العربى الاسلامى!
·       والصهيونية حركة عنصرية تعتبر ان اليهود شعب ممتاز متفوق على غيره من الشعوب وبالتالى هى تضعنا نحن وباقى البشر من غير اليهود فى منزلة دنيا فى سلالة الجنس البشرى، وتعطى لنفسها حرية وحق التعامل معنا بكل الوسائل والأساليب التى تتناسب مع الكائنات الأدنى.
·       والحركة الصهيونية حركة ارهابية فى اصولها وجذورها وسلوكها، فالعربى الصالح عندها هو العربى الميت أو المستسلم. والإرهاب الصهيونى ليس مجرد وسيلة بل هو غاية فى حد ذاته، وهو ما نراه يوميا على امتداد اكثر من قرن من الزمان وليس أدل على ذلك من المذابح اليومية التى لا تتوقف لأهالينا فى فلسطين.
·       والمشروع الصهيونى يستهدف مصر والامة العربية كلها بقدر ما يستهدف فلسطين.
·       والصهيونية صنيعة للاستعمار الغربى؛ الأوروبى والأمريكى وحليفة لكل القوى التى تعادينا وتحتل بلادنا وتنهب ثرواتنا.
·       وهى قاعدة عسكرية واستراتيجية رخيصة للامبريالية العالمية ونقطة ارتكاز ووثب لها فى قلب الوطن العربى لضرب امانى الامة العربية فى التحرر والوحدة والتقدم، فهى مصدر تهديد دائم، فالتحرر من ايهما يستدعى التحرر من الاخرى بالضرورة.
·       ودولة الصهاينة المسماة بـ (اسرائيل) هى كيان حاجز بين مشارقنا ومغاربنا، مما يعيق وحدتنا القومية، تلك الوحدة التى كان من الطبيعى ان تتم منذ زمن بعيد لتلحق بوحدات كبرى اخرى كالوحدة الالمانية والوحدة الايطالية وغيرها. ولكن بدلا من ذلك، حرمنا من هذا الحق الطبيعى، بل تم تقسيمنا كغنائم حرب بعد الحرب العالمية الاولى، وتم تدعيم هذا التقسيم بانشاء (اسرائيل) بعد الحرب العالمية الثانية.
·       والصهيونية حركة لا ولن تكتفى بكل اعتداءاتها علينا، بل هى تسعى لمزيد من تفتيت وتقسيم الوطن العربى الى مجموعة من الدويلات الطائفية الصغيرة لتحل محل الدول العربية الحالية، وهى فى سبيل ذلك تحاول زرع الفتن الطائفية بيننا؛ جاء فى مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية: ((ان تفتيت مصر الى اقاليم جغرافية منفصلة هو هدف اسرائيل السياسى فى الثمانينات على جبهتها الغربية، وان مصر المفككة والمقسمة لا تشكل أى تهديد لاسرائيل))
·       والدولة الصهيونية تفعل كل ذلك وستفعله وتصر عليه مع كل العرب حتى من وقعت معهم معاهدات سلام، فمؤامراتها على مصر لم تنتهِ، ومحاولتها المستمرة لحصارنا عسكريا واقتصاديا، والتجسس علينا واختراقنا وايذائنا، والتهديد بالعدوان علينا، وتأليب المؤسسات الدولية علينا وغيره الكثير، سياسة ثابتة ومستمرة، فقد قال بيجين ((لن يكون سلام لشعب اسرائيل ولا لارض اسرائيل ولا حتى للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا باجمعه بعد، حتى لو وقعنا مع العرب معاهدة صلح وسلام))
·       والكيان الصهيونى معادٍ لنا ولن يتركنا فى سلام حتى لو اخترنا السلام معه. فعاجلا ام آجلا سيكرر العدوان علينا كما فعل فى 1956 و1967. قال بيجين بعد ان وقع مع السادات اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979: ((سنضطر الى الانسحاب من سيناء لعدم توافر طاقة بشرية قادرة على الاحتفاظ بهذه المساحة المترامية الاطراف. سيناء تحتاج الى ثلاثة ملايين يهودى على الاقل لاستيطانها والدفاع عنها. وعندما يهاجر مثل هذا العدد من الاتحاد السوفيتى او الامريكتين الى اسرائيل سنعود اليها وستجدونها فى حوزتنا)).
·       وجاء فى مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية: ((ان استعادة شبه جزيرة سيناء بما تحتويه من موارد طبيعية ومن احتياطى يجب أن يكون هدفا أساسيا من الدرجة الاولى اليوم)).
·       وقال آفى ديختر وزير الامن الداخلى الاسرائيلى عام 2008 ((سنعود الى سيناء ان تغير النظام فى مصر لغير صالح اسرائيل))
·       والصهاينة يريدون مصر ضعيفة منكفئة على نفسها معزولة داخل حدودها، قال موشى ديان أن من أهداف العدوان على مصر 1956 ((القضاء على جيش النيل وحشره فى أرضه))
·       والصهاينة يريدون سرقة دور مصر القيادى فى المنطقة، قال شمعون بيريز فى مؤتمر اقتصادى بالدار البيضاء عام 1994: ((ان مصر قادت الشرق الأوسط 40 سنة وهذه هى النتيجة، واذا تركتكم إسرائيل تقود ولو عشر سنوات فسوف ترون))
·       ولقد أصبحت (إسرائيل) هى القوة الاقليمية الأقوى فى المنطقة بعد خطف مصر عام 1979، فهى تشن اعتداءاتها على من تريد فى فلسطين أو لبنان او العراق او السودان او سوريا، بلا معقب، وتعمل على نزع أو تقييد السلاح العربى والاقليمى، لتحتفظ لنفسها بالتفوق النوعى على الدول العربية مجتمعة.
·       وهى التى اعتدت على مصر مرتين فى 1956 و1967 ولم تنسحب من سيناء الا بعد اشتراطها تجريد ثلثى سيناء من السلاح والقوات.
·       بل ومن أجلها، قام الامريكان بالتعاون مع السادات ومبارك بتفكيك مصر التى انتصرت فى 1973، وتصنيع مصر أخرى على مقاس أمن (اسرائيل) ومصالح أمريكا.
·       وهى التى ارتكبت ولا تزال فى حق مصر وباقى الشعوب العربية مئات من المذابح الاجرامية، التى لم يحاسبها أحد عليها.
·       وهى التى استغلت ضعفنا وخوفنا وتخاذلنا، فقامت بسن وترسيخ ناموسا عنصريا فى المنطقة، وهو أن (الاسرائيلى) هو كائن مقدس لا يجوز لمسه أو ايذائه، بينما تستبيح هى دمائنا كل يوم.
·       وهى وراء كل قضايا التجسس التى تم كشفها فى مصر والدول العربية فى السبعين عاما الماضية.
·       والقائمة تطول.
***
·       أما فلسطين حبيبتنا وشقيقتنا وبوابتنا الشرقية، فهى ارض عربية منذ الفتح العربى الاسلامى وقبله، اختصصنا بها على امتداد أكثر من 14 قرن وعشنا عليها ولم نغادرها ابدا. وقاتلنا من اجلها جيلا وراء جيل، ونجحنا من قبل فى تحريرها من الغزو الأوروبى 1096 – 1291.

·        ولقد عشنا معا فى مصر وفلسطين أمة واحدة على امتداد قرون طويلة الى أن قام التحالف الغربى الاستعمارى بعزل مصر عام 1840 فى معاهدة كامب ديفيد الأولى الشهيرة بمعاهدة لندن، قبل أن يعزلها مرة ثانية فى ترتيبات سايكس بيكو، ومرة ثالثة فى اتفاقيات كامب ديفيد 1978.

·       وعلى امتداد قرون طويلة وحتى وقت قريب، اختلطت دماء شهدائنا جميعا على أرضنا الواحدة الطيبة فى مواجهة هذا العدو المشترك.
·       واليوم ان تركنا (اسرائيل) تستكمل اغتصاب فلسطين فى هدوء، وتقضى على مقاومتها، وتبيد شعبها، وتعيش مستقرة آمنة على أرضها، وتستجلب مزيد من المهاجرين اليهود اليها، وتواصل بناء دولتها القوية الاستعمارية الارهابية العدوانية على حدودنا الشرقية وفى القلب من امتنا العربية، فسنجدها فى القريب العاجل تشن عدوانا جديدا علينا، أو تفرض مزيدا من الشروط والقيود علينا، أو ترسخ وتقوىِّ من تفوقها وهيمنتها العسكرية علينا جميعا.
· ألا ترون ما وصلت اليه الأمور اليوم من محاولات ترامب لتصفية ما تبقى من القضية فيما يطلقون عليه صفقة القرن.
***
انتهى الدرس الأول. فهل يثوبوا الى رشدهم ويستغفروا الله على ما يفعلون.
*****
القاهرة فى 28 مايو 2019

26 مايو 2019

محمد سيف الدولة يكتب: هناك ما هو أخطر من شكر نتنياهو للسيسى

Seif_eldawla@hotmail.com
كتب نتنياهو فى 24 مايو 2019 تغريدة على صفحته فى تويتر قال فيها: ((أشكر صديقي الرئيس المصري السيسي على قيامه بإرسال مروحيتين للمشاركة في عمليات إخماد الحرائق التي نشبت في أنحاء متفرقة من إسرائيل.))
***
وهو ما تسبب فى تفجر حالة من الغضب والنقد الحاد لدى قطاعات واسعة من الراى العام المصرى والعربى، الذين استفزهم عمق مشاعر القرب والصداقة والحميمية التى حرص نتنياهو ان يضمنها تغريدته، وهو ما اصطدم مع العداء العميق والمستقر والقديم فى وجدان كل العرب والمصريين تجاه هذا الكيان المسمى (باسرائيل) التى احتلت سيناء مرتين ولا تزال تحتل فلسطين والجولان، وجرائمها ومذابحها واعتداءاتها لم تتوقف يوما منذ اصيبت المنطقة بلعنتها بعد الحرب العالمية الثانية.
***
ولقد اصابتنى الدهشة من علو نبرة الغضب المصرى والعربى على مجرد تصريح اسرائيلى مجامل يشكر السيسى على اجراء بسيط لا يقدم ولا يؤخر، مع الصمت فى ذات الوقت على ما هو اخطر وادل ألف مرة على العمق الذى وصلت اليه العلاقات المصرية والاسرائيلية فى السنوات القليلة الماضية التى تعيش اليوم عصرها الذهبى!
 ليظهر الأمر وكأننا قد قررنا ان نتجاهل عشرات السياسات والانحيازات والتصريحات المصرية التى تكشف بجلاء حميمية العلاقات مع (اسرائيل)، ووقفنا نتصدر للتافهة كما يقال فى الامثال الشعبية.
***
فيما يلى جولة سريعة للتذكير بمدى العمق الذى بلغته هذه العلاقات والتى تفسر اسباب الشكر والامتنان والصداقة التى عبر عنها نتنياهو فى تغريدته:
·4 مايو 2014 ـ قال المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسى فى معرض حديثه مع الاعلاميين أن ((معاهدة السلام استقرت فى وجدان المصريين .. وأنه لا يوجد عبث فى هذا الكلام))
·20 نوفمبر 2014 ـ قال لقناة فرانس 24 ((لن نسمح ان تستخدم اراضينا لشن هجمات على اسرائيل جارتنا)) وان ((انشاء المنطقة العازلة كان ضرورة قديمة تأخرت كثيرا)) وانه ((من كان يتوقع منذ 40 سنة ان السلام بين مصر واسرائيل سيستقر بهذا الشكل))
·23 نوفمبر 2014 ـ أعلن فى حديثه مع "صحيفة كورييري ديلا سيرا" الايطالية ((باستعداده لإرسال قوات مصرية الى الدولة الفلسطينية بعد قيامها كضامن لأمن اسرائيل ولطمأنتها، وانه تحدث طويلا مع نتنياهو فى هذا الِشأن)).
· 22 يناير 2015 ـ قال فى مؤتمر ديفوس بسويسرا: ((مكانش حد قادر يسافر فى عقل ووجدان الرئيس السادات، لما طرح تصوره للسلام، مكانش حد قادر يشوف ده، لكن الزمان والتغير والسنين أكدت صواب رؤيته وعبقرية فكرته))
·12 مارس 2015 ـ فى معرض حواره مع جريدة الواشنطن بوست ردا على سؤال الصحفية "لالى ويمث" كيف يرى التهديد من جانب إيران؟ وهل يتفق على أنه لا يجب أن تمتلك سلاحًا نوويًا؟
رد السيسى بقوله ((نفهم أن الرئيس أوباما منخرط في إجراءات عديدة لمعالجة هذا الأمر. يجب أن نعطيه وقتا … وفي هذه الأثناء، يجب أن نتفَّهم مخاوف إسرائيل))
· 9 سبتمبر 2015 ـ أعاد فتح مقر جديد للسفارة الاسرائيلية بعد أربع سنوات من اغلاق مقرها، فى ذات يوم اغلاقها على أيدى شباب الثورة فى 9 سبتمبر 2011، وكأنها رسالة مكايدة مصرية اسرائيلية مشتركة ضد جموع المصريين الذين حاصروا السفارة غضبا لاستشهاد 5 جنود مصرين على ايدى اسرائيل فى 18 اغسطس 2011.
· 15 فبراير 2016 ـ صرح وفد اليهود الأمريكان أن الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى قد قال لهم أثناء لقائهم معه عن نتنياهو أنه ((زعيم وقائد لديه قوى جبارة، تساعده ليس فقط في إدارة دولته، وإنما يمكنها أن تحقق التقدم وتعزز المنطقة كلها والعالم))
· 27 سبتمبر 2015 ـ دعى فى حديثه مع وكالة الاشوسيتد برس على هامش زيارته للامم المتحدة الى توسيع السلام مع (اسرائيل). وتلقى شكر خاص من نتنياهو ومن مجلس وزرائه على هذه الدعوة.
·8 فبراير 2016 ـ صرح وزير الطاقة "يوفال شتاينيتز" إن قيام مصر باغراق الانفاق التي يحفرها الفلسطينيون تحت الحدود المصرية مع قطاع غزة جاء بطلب من (اسرائيل).
·17 مايو 2016 ـ خطاب فى اسيوط تحدث فيه السيسى عن عيد الاستقلال الاسرائيلى! وعن السلام الدافئ، وعن الثقة والطمأنينية الحالية وغير المسبوقة مع (اسرائيل).
· 22 ديسمبر 2016 ـ بعد مكالمة تليفونية من دونالد ترامب، طلب عبد الفتاح السيسي من البعثة المصرية في مجلس الأمن تأجيل التصويت على مشروع قرار بوقف المستوطنات الاسرائيلية، وسط حالة من الصدمة والذهول العام، لم تقتصر على الفلسطينيين والعرب فقط، بل شملت عديد من المراقبين الاجانب.
· 19 فبراير 2017 ـ "اجتمع السيسى ونتنياهو وَعَبَد الله وجون كيرى سرا فى الأردن فى فبراير ٢٠١٦." ـ خبر نشرته جريدة هآرتس الاسرائيلية وأكده نتنياهو، قبل ان يؤكده بيان من الرئاسة المصرية، فى صياغة مراوغة.
·12 يونيو 2017 ـ نشرت صحيفة ها ارتس الاسرائيلية تقريرا عن" زيارة سرية" الى القاهرة قام بها نتانياهو فى ابريل 2016 بصحبة إسحاق هرتزوغ زعيم المعارضة الاسرائيلية وفريق من المستشارين والخبراء الامنيين،  للقاء السيسى فى قصر الرئاسة.
· 25 ابريل 2017 ـ اجتماع بشأن مصر فى لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، ورد فيه أن المروحيات العسكرية المصرية تقلع من مطارات اسرائيلية لتنفيذ مهمات فى سيناء. فيما يلى الرابط 
https://www.facebook.com/181139595277377/videos/1398808180177173/
·19 سبتمبر 2017 ـ الاشادة بنتنياهو ونقد الفلسطينيين ـ فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى وجه عبد الفتاح السيسى رسالتين: فى الاولى ناشد الفلسطينيين ان يتعلموا التعايش مع الآخر وكأن الشعب الفلسطينى شعبا متطرفا يرفض التعايش مع الإسرائيليين لعنصريته او طائفيته او معاداته للسامية، وليسا شعبا يعيش تحت ويلات الاحتلال. وفى الثانية الى ما اسماه "بالشعب" الاسرائيلى فلقد دعاهم فيها ان يتوحدوا خلف قيادتهم، وكأن نتنياهو رجل سلام يرغب فيه ويحاول الوصول اليه لولا المعارضة الشعبية الاسرائيلية.
· 19 فبراير 2018 ـ تم الاعلان عن توقيع اتفاقية لاستيراد الغاز من اسرائيل اعلنت عنها وكالات الانباء التى نشرت خبرا نقلا عن شركة «ديليك» للحفر، إن الشركاء في حقلي الغاز الطبيعي الإسرائيليين «تمار ولوثيان»، وقعوا اتفاقات مدتها 10 سنوات لتصدير غاز طبيعي بقيمة 15 مليار دولار إلى شركة دولفينوس المصرية المملوكة لمجموعة عرفة لصاحبها علاء عرفة أحد أهم مصدرى اتفاقيات الكويز.
وهو ما احتفى به نتنياهو قائلا ((أرحب بهذه الاتفاقية التاريخية التي تم الإعلان عنها للتو والتي تقضي بتصدير غاز طبيعي إسرائيلي إلى مصر. هذه الاتفاقية ستدخل المليارات إلى خزينة الدولة وستصرف هذه الأموال لاحقا على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المواطنين الإسرائيليين)).
وأضاف: ((لم يؤمن الكثيرون بمخطط الغاز وقد قمنا باعتماده لأننا علمنا بأنه سيعزز أمننا واقتصادنا وعلاقاتنا الإقليمية لكن فوق كل شيء آخر، إنه يعزز المواطنين الإسرائيليين. هذا هو يوم عيد)).
·9/5/2018 ـ سمحت السلطات المصرية للسفارة الاسرائيلية بالاحتفال علنا للمرة الاولى فى وسط القاهرة وبالقرب من ميدان التحرير فى فندق ريتز كارلتون، بالذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين، ليعيدونا ثلاثين عاما الى الوراء، حين تمكن الشعب المصرى من قطع أرجل (اسرائيل) من المشاركة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، مما أدى الى القضاء تماما على اى محاولات للتطبيع الشعبى منذ ذلك الحين.
· 22 مايو 2018 ـ زيارة سرية اخرى لنتنياهو الى مصر خبر أذاعته القناة العاشرة الاسرائيلية بعد الزيارة بثلاثة شهور، وأكده وزير المالية الصهيونى "موشيه كحلون" عن قيام نتنياهو بزيارة سرية الى مصر للاجتماع مع عبد الفتاح السيسى يوم الثلاثاء 22 مايو 2018.
· 14 يناير 2019ـ تأسس  فى مصر منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) الذى يضم (اسرائيل) ومصر مع دول اخرى بحضور وزير الطاقة الاسرائيلى.
·ناهيك على ما يردده نتنياهو كثيرا من ان هناك علاقات ومصالح وتحالفات استراتيجية بينه وبين مصر ودول عربية كبرى، فى مواجهة المخاطر والتهديدات المشتركة.
·والقائمة تطول.
***
·ولكن قبل ذلك وبعده تأتى حالة التبعية والقيود التى تم فرضها على مصر منذ ما يزيد عن 40 عاما فى اتفاقيات كامب ديفيد، التى لا يعدو عبد الفتاح السيسى ان يكون أحد رجالها المخلصين.
·وهى الاتفاقيات التى تشكلت فى مواجهتها حينذاك، حركة معارضة ومقاومة وطنية شديدة القوة والتأثير، قبل أن تتفكك وتنزوى وتتفرق قواها فى معارك وأجندات أخرى. وهذا هو مربط الفرس.
*****
القاهرة فى 25 مايو 201

22 مايو 2019

محمد سيف الدولة يكتب :فى ذكرى النكبة كيــف نقــرأ قــرناً من الصــراع؟ 1897 ــ 2019



منذ تأسست الحركة الصهيونية عام 1897، نجحت فى تحقيق ثلاثة اهداف كبرى وتكاد ان تنجح فى تحقيق الهدف الرابع. ولقد استغرق تحقيق كل هدف من الاهداف الثلاثة ما يقرب من ربع قرن. ودعونا نتذكر القصة منذ بدايتها:
الهدف الاول فى ربع القرن الاول 1897 ــ 1922 : (الرخصة)
بعد ان نظم الصهاينة انفسهم فى مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897، ارادوا ان يباركوا فكرة وطن قومى لليهود فى فلسطين، برخصة رسمية من القوى الكبرى ومن الشرعية الدولية حينذاك. وهو ما تم بالفعل فى وعد بلفور 1917 وفى صك الانتداب البريطانى على فلسطين الصادر من عصبة الأمم عام 1922 والذى نص فى مادته الثانية على حق اليهود فى وطن قومى فى فلسطين. وكان هذا هو ما نجحوا فى تحقيقه بعد محاولات متعثرة من الهجرات التسللية التى فشلت فى تهجير اكثر من 50 الف يهودى على امتداد القرن التاسع عشر كله.فحققوا الهدف الأول.
***
الهدف الثانى فى ربع القرن الثانى 1922 ــ 1947 : (الهجرات)
بعد الحصول على الرخصة، بدأوا فى تنفيذ الهدف الثانى وهو تهجير اكبر عدد ممكن من اليهود الى فلسطين، وهو الامر الذى ورد صراحة فى المادة السادسة من صك الانتداب البريطانى. وقد اعتمدوا في ذلك على تمويل المنظمات والشخصيات الصهيونية الكبرى، واسسوا له صندوق خاص تحت اشراف المنظمة الصهيونية العالمية. وبالفعل وتحت حماية الاحتلال البريطانى، نجحوا فى هذه الفترة فى تهجير ما يقرب من 500 الف يهودى الى فلسطين. ليرتفع عدد اليهود فيها من حوالى 60 الف عام 1917 الى ما يقرب من 650 الف عامى 1947/1948، فى مقابل 1.3 مليون عربى حينذاك.
وحققوا الهدف الثانى.
***
الهدف الثالث فى ربع القرن الثالث 1947 ــ 1973: ( بناء الدولة )
وتبدأ المرحلة الثالثة بالحصول على قرار من الامم المتحدة بدولة يهودية وهو القرار المشهور باسم قرار التقسيم الصادر فى 29 نوفمبر 1947 والذى اعطى اليهود 55.40% من فلسطين و اعطى العرب 44.60 % منها، فى وقت لم يكن يمتلك اليهود سوى 5.60 % من اراضى فلسطين. وليشرعوا فورا فى بناء دولتهم المسماة باسرائيل والتى نجحوا بالفعل فى بناءها بالاساليب الاتية:
·ارتكاب عدد من المذابح الارهابية مثل دير ياسين واخواتها والتى نجحوا بها فى طرد وتفريغ البلاد من حوالى 750 الف عربى.
·الانتصار على جيوش الدول العربية مجتمعة فى حرب 1948 مستغلين تردى حالة العرب الخاضعين للاحتلال الاوروبى، والاستيلاء على مزيد من الارض لتصل جملة ما يسيطرون عليه الى 77.4 %
·توقيع اتفاقيات هدنة مع دول الطوق العربية.
·الانضمام الى الامم المتحدة عام 1949.
·صدور البيان الثلاثى الأمريكى البريطانى الفرنسى لحماية وجود اسرائيل وحدودها وامنها.
·تهجير 1.5 مليون يهودى اضافى الى فلسطين فى الفترة من 1949 الى 1973.
·اغتصاب باقى فلسطين فى 1967 بالاضافة الى سيناء والجولان.
·تلقى دعم هائل من الاموال والسلاح من امريكا والدول الاوروبية ضمنت لدولتهم البقاء والتفوق العسكرى على الدول العربية مجتمعة.
·حماية وغطاء امريكى واوروبى غير محدود فى الامم المتحدة.
وحققوا الهدف الثالث.
***
الهدف الرابع 1973 ــ 2019: (الاعتراف)
وليبدأوا بذلك العمل على تحقيق هدفهم الرابع والأخطر والمتمثل فى انتزاع اعتراف أصحاب الأرض المحتلة من العرب والفلسطينيين بشرعية دولة (اسرائيل) والذى يكادون ان ينجحوا فى تحقيقه:
·فلقد نجحوا بعد حرب 1973 فى اخراج مصر من الصراع وانتزعوا منها اعترافا كاملا بدولة (اسرائيل) بموجب اتفاقيات السلام المشهورة باسم كامب ديفيد.
·ثم بعد ان قاموا باجتياح لبنان عام 1982 وحصار المقاومة الفلسطينية وطردها من هناك عام 1982، نجحوا بعد جهود 11 عاما، فى ان ينتزعوا من القيادة الفلسطينية اعترافا بدولة (اسرائيل) وتنازل عن فلسطين 1948 بموجب اتفاقيات اوسلو 1993.
·تلاها اعتراف الاردن باسرائيل بموجب اتفاقيات وادى عربة عام 1994.
·ثم فى عام 2002 اعترف النظام الرسمى العربى كله ممثلا فى جامعة الدول العربية بحق (اسرائيل) فى الوجود ان هى أعطت دولة للفلسطينيين على حدود 1967، بموجب مبادرة السلام العربية.
·واليوم يتواطؤون لتصفية من تبقى من القضية الفلسطينية، عبر ما يسمى بصفقة القرن التى تستهدف الانخراط فى تطبيع وتنسيق وتحالف عربى اسرائيلى كامل بدون اعطاء اى شئ للفلسطينيين.
***
من الذى بقى يرفض الاعتراف ويعوق تحقيق الهدف الصهيونى الرابع فى معركة القرن الطويلة؟
· بقيت الشعوب العربية التى لم يتغير موقفها ابدا من العدو الصهيونى. ولكنها مقهورة عزلاء محظورٌ عليها مد يد العون والدعم الى اشقائها فى فلسطين.
·لكى لا يتبقى على الجبهة فى الصفوف الأولى سوى الشعب الفلسطينى وحده، يرفض الاعتراف بشرعية الاحتلال او التنازل عن اى شبر من ارض فلسطين التاريخية، يقف وحيدا محاصرا يتصدى ويقاوم ويصارع كل يوم، ماكينات القتل الصهيونية بكل الاشكال والادوات.
·ان انهزم لا قدر الله، سيكون الصهاينة بذلك قد انهوا ما يزيد عن قرن من الصراع لصالحهم وستموت القضية لعقود طويلة قادمة.
·وان استطاع الصمود بإذن الله، ورفض واجهاض كل مشروعات ومؤامرات ابتلاع فلسطين وتصفية قضيتها، تعثر المشروع الصهيونى كله.
***
هذه هى قصة ما يزيد عن قرن من الصراع، لم يكف شعبنا فيه يوما واحدا عن المقاومة وتقديم الشهداء، وهو ما نجح حتى الآن فى تجريد الكيان الصهيونى من اى مشروعية حقيقية وحرمانه من تحقيق النصر النهائى، رغم كل الدعم الدولى الذى تلقاه.
فى هذا السياق التاريخى يجب ان نقرأ كل ما يدور اليوم بدءا بالاعتراف الامريكى بالقدس عاصمة لاسرائيل وبحقها فى ضم الجولان المحتل وما يتردد عن صفقة القرن، وانتهاء بالاعتداءات الصهيونية المستمرة على قطاع غزة وعلى المسجد الاقصى والابتلاع اليومى لمزيد من ارض الضفة.
فالمعركة الحقيقة تدور اليوم ومنذ عقود طويلة حول الاعتراف بشرعية (اسرائيل) وبحقها فى ارض فلسطين التاريخية وحول التطبيع والتحالف العربى الرسمى معها ودمجها فى المنطقة، وكل ما عدا ذلك تفاصيل او قضايا فرعية:
فليست القضية هى دولة على حدود 1967، وليست العقبات هى التعنت الاسرائيلى والانحياز الامريكى أو الانقسام الفلسطينى، كما ان الاولويات لا يصح ولا يجب ان تقتصر على هدف فك الحصار او تخفيفه.. وهكذا.
وانما القضية الاساسية فى هذه المرحلة (1973 ـ 2019) هى: هل سينجح العدو فى كسر واخضاع قلعة المقاومة الاخيرة الرافضة للتنازل عن فلسطين للصهاينة، ام سيفشل؟
من هذا المنطلق علينا ان نحدد اهدافنا المرحلية وندير معاركنا الحالية، وهو ما يعنى ضرورة التركيز على ما يلى:
·عدم الانجرار الى معارك فرعية.
·ادارة معاركنا فى كل القضايا والملفات مثل صفقة القرن والمستوطنات وحق العودة والقدس والمسجد الاقصى وكذلك قضايا التهدئة والحصار والمعابر ..الخ، وعيوننا على الهدف المبدئى والاستراتيجى الرئيسى وهو الضرب فى شرعية (اسرائيل) والتمسك بكامل التراب الفلسطينى.
·الضغط بكل السبل على السلطة الفلسطينية للانسحاب من اتفاقيات أوسلو بكل ما تضمنته من تنازل عن فلسطين 1948، واعتراف باسرائيل، وتخلى عن الحق فى المقاومة بل واعتبارها ارهابا والمطالبة بنزع سلاحها، وما ترتب على ذلك من اعتبار الاعتداءات الصهيونية دفاعا عن النفس.
·مع تحريم وتجريم التنسيق الامنى مع (اسرائيل)، واطلاق يد الشعب الفلسطينى فى الانتفاض والمقاومة بكافة اشكالهما.
·توحيد فصائل المقاومة على مبادئ الميثاق الوطنى الفلسطينى الاصلى 1968، قبل مسخه وتعديله وصهينته التى تمت عام 1998 تحت الرعاية الشخصية للرئيس كلينتون وفى حضوره. 
·الدعوة الى تحرير غزة من كل ادوات الضغط والاخضاع واهمها الحصار والتجويع واغلاق المعابر.
·كشف ورفض اى محاولات او صفقات لاخضاع الشعب الفلسطينى عبر وعود الانعاش الاقتصادى وتحسين الاحوال المعيشية.
·احياء النضال الشعبى العربى ضد كل المعاهدات والعلاقات العربية الاسرائيلية، واعادة الروح والفاعلية لكل قوى ومنظمات ولجان الدعم العربى والدولى لفلسطين.
·وتنظيم وتنسيق وتصعيد استراتيجيات وجهود المواجهة والتصدى للتآمر الجارى اليوم على قدم وساق لتصفية القضية.
·مع اعادة قضية التصدى الى الاعتداءات والمشروعات الامريكية الصهيونية الى القلب من اهداف وبرامج كل قوى المعارضة العربية خارج الارض المحتلة.
*****
القاهرة فى 22 مايو 2019

19 مايو 2019

محمد سيف الدولة يكتب : دولة وطنية أم محمية امريكية؟


لا أستطيع ان أقاوم مشاعر الغيرة الوطنية التى تتملكني حين أقارن بين الموقف الايرانى من الولايات المتحدة الامريكية وبين مواقف غالبية الدول العربية التى وصفها ترامب بانها ليست سوى محميات امريكية ستسقط خلال أسبوع إذا ما رفع عنها الامريكان حمايتهم.
او أقارن بين موقف العداء الايرانى الصريح والجذري من العدو الصهيونى، الذي يرفض الاعتراف باسرائيل ويقوم بتسليح المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وبين موقف أنظمة كامب ديفيد ووادى عربة واوسلو والسعودية ودوّل الخليج الغارقة فى التطبيع والتنسيق والتحالف مع (اسرائيل) من باب الخوف او التواطؤ.
كم كنت أتمنى ان يكون النظام الرسمى العربى بقيادة مصر فى موقع ايران اليوم، كما كان الحال قبل حرب 1973.
وكم اخجل من الدول العربية التى تتحالف مع (اسرائيل) وتحتمى وتستنجد بالامريكان وتستدعيهم الى المنطقة وتحرضهم على العدوان على ايران، على نهج الخديوى توفيق الذى استدعى قوات الاحتلال البريطانى لمواجهة عرابى والقضاء على ثورته عام 1882، مع الفارق بالطبع بين موقفنا من الثورة العرابية والثورة الايرانية.
وكم اشفق على الشعوب العربية وهى ترى أحوال أمتها وقد وصلت الى الحضيض، تكاد تخرج من التاريخ بعد ان تراجعت دولها الى الصفوف الخلفية وشغلت مقاعد الدول الهامشية او التابعة فى المنطقة، واصبحت مجرد ادوات فى ايدى القوى والمحاور الاجنبية توظفها وتستخدمها كما تشاء فى صراعاتها الدولية والاقليمية فى المنطقة.
***
يقول البعض ان لإيران أطماعا قومية فى الدول العربية، فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، تضعها فى موقع العدو للامة العربية.
وردى على ذلك، هو ان التصدى للصراعات والمنافسات بل والاطماع الاقليمية بين أمم وشعوب المنطقة يجب ان يتم بايادى وطنية خالصة وفى إطار مشروعا قوميا عربيا رائدا ومستقلا، وليس تحت مظلة الامريكان والصهاينة.
فما احوجنا الى مشروعا عربيا وطنيا يقف ندا للمشروع الايرانى او التركى فى المنطقة، ويتحالف معهما فى ذات الوقت ضد الولايات المتحدة وربيبتها (اسرائيل).
***
ويقول البعض، ان وضع الدول العربية التابعة والحليفة للولايات المتحدة اليوم أفضل الف مرة من موقف ايران التى تعاديها أكبر دولة فى العالم فتخضعها لعقوبات هائلة وتحاصرها وتحكم الخناق عليها. فمن ذلك المجنون الذى يود ان يكون فى مكان ايران اليوم، او يكون فى مكان مصر ١٩٦٧؟
ونرد بان كل القوى الكبرى دوليا كروسيا والصين او الكبرى اقليميا كإيران وتركيا ومصر ١٩٥٦-١٩٧٣ لم تنجح فى احتلال هذه المكانة القوية والفاعلة والمؤثرة الا بعد رفضها الخضوع لنفوذ الولايات المتحدة ونجاحها فى الصمود فى ساحات العدوان والمواجهة والعقوبات والحصار، الى ان اجبرت الجميع على احترامها والاعتراف لها بمكانتها كلاعب رئيسى فى محيطها الاقليمى او الدولى.
اما تلك الدول التى استسلمت واختارت طريق الخضوع والتبعية، فلقد انتهى بها المطاف الى ان تفقد كل شئ، لا وزن لها ولا قيمة، بعد ان تحولت الى محميات أمريكية تدفع الجزية للولايات المتحدة الامريكية، التى اصبحت تختار لها نظامها وتعين لها حكامها وترسم لها سياساتها وتسيطر على ثرواتها وتدير لها اقتصادها وتستبيح اراضيها وتنشر قواعدها وتمتهن كرامتها.
*****
القاهرة فى 19 مايو 2019

06 مايو 2019

د.نجلاء القليوبي تكتب: عن رفيق الدرب أتحدث


لعلها تكون المرة الأولى التي أكتب فيها عن مجدي حسين ..كنت دائما اتردد في الكتابة وأقول أن الاهتمام بقضايا الأمة وقضايا الوطن هو الذي سيحرر مجدي حسين ورفاقه من غياهب السجون.. كنت أفكر دائما أن أهم من الكلام عنه الانشغال بنشر أفكاره ومبادئه وكتاباته وتذكير الناس بمواقفه الوطنية وعشقه لهذا الوطن.. كنت أعلم دائما أن

05 مايو 2019

سيد أمين يكتب: هؤلاء قادوا المعارضة من الخارج!


الأحد 5 مايو 2019 15:59
لعل ما جرى ويجري من قبل الأبواق الإعلامية والنخبوية الموالية للنظام في مصر ضد كل المعارضة المصرية في الخارج، وآخرهم الدكتور أيمن نور بسبب دعوته لمائة شخصية مصرية للحوار من أجل خروج مصر من مأزقها الراهن، وما تعرض له قبله الفنانان عمرو واكد وخالد أبو النجا على خلفية شهادتهما في الكونغرس الأمريكي عن أوضاع الحريات في مصر، من التشهير والسب والتحريض ، والاتهام بالخيانة العظمى واتهامات أخرى غير أخلاقية ، فضلا عن فضيحة شطب عضويتهما في نقابة الممثلين ودعاوى سحب الجنسية منهما، يطرح تساؤلات كثيرة حول مقياس الوطنية في مصر خاصة أن نفس تلك الإجراءات اعتبرت سلوكا وطنيا من قبل تلك الأبواق حينما ذهب عدد من الفنانين والإعلاميين لنفس تلك الجهات لإقناعها بضرورة الانقلاب على حكم الدكتور مرسي.
لذلك نحن نذكرهم بأن السيسي نفسه ذكر في أحد حواراته المتلفزة أنه بينما كان وزيرا للدفاع تواصل مع مسؤولين أمريكيين مؤكدا لهم نية الجيش الانقلاب علي الدكتور مرسي الذي هو بحكم القانون القائد الأعلى للقوات المسلحة، بينما أكد الكاتب المقرب من السلطة مكرم محمد أحمد أن السيسي أجرى عشرات الاتصالات مع الأمريكان في ذلك الوقت.

المعارضة في الخارج
بعض الناس يحلو لهم - من قبيل الجهل أو المزايدة - ترديد دعايات تلك الأبواق وتوجيه اتهامات العمالة والخيانة للإعلاميين والصحفيين والنشطاء والسياسيين والحقوقيين ممن فروا للخارج للنجاة بأعمارهم وأعمار أسرهم، أو حريتهم وحرية أسرهم العامة والشخصية، وذلك بدلا من أن يدينوا الأسباب القاهرة التي دفعت هؤلاء - وهم بمئات الآلاف ومن الفئات الأكثر تعليما وثقافة ووعيا - ليتركوا ديارهم وأوطانهم وأصحابهم وذكرياتهم ويحاولوا الانطلاق من نقطة الصفر في حياتهم البديلة على أمل العودة وقد زال عن مصر مرضها.
يتجاهل الببغاوات الذين يرددون تلك الدعاوى أن كل من حاول المعارضة في الداخل بأي شكل إما اعتقل أو قتل أو جرى تكميم فمه، حتى من كانوا في صف تلك السلطة، بدءا من رئيس أركان الجيش السابق حتى مدير حملة السيسي الرئاسية نفسه ونائبه، ولك أن تتصور بعد ذلك ما جرى للمعارضة الراديكالية.
الغريب أن تلك الأبواق التي تطالب المعارضين في الخارج بالعودة لممارسة المعارضة في الداخل، هي ذاتها من تطالب من يعارض في الداخل آن يلملم أشياءه ويرحل "والباب يفوت جمل".
والأغرب أن يقتنع بالدعايتين المتناقضتين نفس هؤلاء الكائنات السيساوية من بسطاء الناس، رغم أنهم يرون بأم أعينهم وقائع التنكيل التي تمارس لكل من يتجرأ على الاعتراض في الداخل، والأحكام المغلظة بتهم وجرائم لم يراع من لفقها أي عناية في حبكتها لتبدو منطقية، في بلد لم ينجح حكامه في شيء إلا في بناء السجون، ولا يعمل شيء فيه بانتظام إلا المحاكم والمقاصل.

هجرة العسكر
الرد التاريخي يقول إن الجنرال شارلي ديغول كان رجلا عسكريا إلا أنه فر إلى الجزائر عقب الاجتياح النازي لبلاده في الحرب العالمية الثانية ومنها خاض حرب التحرير بمساعدة القوات الغربية الحليفة.
 الزعيم الشيوعي الكوبي تشي جيفارا خاض معارك تحرير بلاده من الحكم العسكري الموالي لأمريكا من خارج البلاد بدءا من المكسيك والكونغو وبوليفيا رغم أنه كان مدعوما من الاتحاد السوفيتي أحد قطبي العالم عسكريا.
وعربيا، رغم أن صدام حسين كان رجلا شبه عسكري – كان عضو منظمة شبيبة شبه عسكرية-  إلا أنه فر إلى مصر معارضا لحكم عبد الرحمن عارف وعاد ليكون أحد رجال ثورة 1968 البيضاء، كما أن منظمة التحرير الفلسطينية التي تبنت عمليات النضال المسلح في الداخل الفلسطيني كانت كافة قيادتها خارج فلسطين المحتلة لفترة طويلة.
وهناك عشرات النماذج للكفاح المسلح من خارج البلاد لسنا بصدد الحديث عنها في هذا الحديث ولا حتى نحبذها أو ندعو لها.

هجرة الأنبياء
الرد الديني يأتي من الأنبياء وهم المدعومون إلهيا، فقد هاجروا من مواطنهم هم أيضا، تارة حماية لدينهم ولتجنب طغيان حكام بلدانهم والمتنفذين فيها وشدة بطشهم وما فيه من إيذاء وعذاب وطرد ونفي وسبي، وتارة لأخذ الاستعدادات وإعداد العدة لنشر الدين بين الناس سلما أو حربا وعتقا للضعفاء من براثن الظلم والعبودية، بينما كانت غاية الهجرة عند الأنبياء هي حماية أنفسهم وأتباعهم من أجل أن يبقوا أحياء حتى يمكنهم الله من إتمام دعوتهم.
وما زالت تلك هي أساليب القهر الرئيسية عند الطغاة لإيذاء الدعاة والمصلحين والخيرين ودعاة العدل والحرية والديمقراطية، بل وأضافوا عليها المحاكمات الجائرة التي تقضي بحرمان المعارضين من الحق في الحياة، تماما كما فعل فرعون في سجن سيدنا يوسف وإن كان طغاة اليوم هم أشد منه قسوة وظلما وفجورا!
وكان ممن هاجر من الأنبياء نوح وإبراهيم ولوط وصالح وموسى ومحمد عليهم جميعا السلام، بينما تم تهديد سيدنا شعيب بالنفي، في حين تم سجن النبي يوسف عليه السلام، فيما استخدم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام الهجرة مرتين، الأولى حينما أمر أنصاره بالهجرة للحبشة، والثانية حينما هاجر هو مع أنصاره من مكة للمدينة.
وهذا إبراهيم - عليه السلام - هدده أبوه بالرجم أو بالطرد، وهذا لوط - عليه السلام – طالبوا بأن ينتهي عن دعوة الناس للحق أو يخرج، لكنه لم ينتهِ ، بل أعلن أنه يبغض عملهم ، هنا جاءه الوحي يأمره بالهجرة، وترك هذه القرية العاصية.

هجرة السياسيين
ولما لا يهاجر السياسيون ليناضلوا من الخارج في حين فر قبلهم رجال الدين أصحاب الصيت والأتباع، بل وفر العسكريون القادرون على المقاومة عسكريا، بينما هاجر الأنبياء والرسل المدعومون من رب العالمين والذين إذا دعوا الله بالسلامة والتمكن لاستجاب لهم؟
فلكل دولة عسكرية في العالم بأسره – وهذا النوع هو جل نظم حكم عالمنا العربي تقريبا – توجد أحزاب سياسية تناضل من الخارج لاستعادة الديمقراطية فيها، أو حتى لتدشينها وإسماع صوتها ومطالبها للنظام الحاكم أو للشعب ، مهما اختلفنا أو اتفقنا حول تلك المطالب ..
وكان من أبرز هؤلاء السياسيين مثلا رجل الدين الشيعي الإمام الخوميني الذي قاد معارضته السلمية لنظام الشاه الإيراني من فرنسا ، ولما اختمرت الثورة في وجدان الناس هناك عاد إليها محررا، والشيوعي فلاديمير لينين الذي قاد الثورة البلشفية من سويسرا وغيرهم الكثيرون.
علما بأن الاغتراب عن البلاد لم يكن أبدا ميزة بل كان عقابا بدليل أن الاستعمار كان يعاقب السياسيين المناوئين لسلطته بالنفي.